×
مقالة لفضيلة الدكتور سعيد بن علي بن وهف القحطاني، تتحدث عن فضل صيام يوم عاشوراء، وتذكر الأحاديث الواردة في فضله، وبعض الأحكام المتعلقة بهذا اليوم.

    فضل صيام يوم عاشوراء

    الحمد للَّه، والصلاة والسلام على رسول اللَّه، وعلى آله، وأصحابه، ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

    فإن يوم عاشوراء هو اليوم العاشر من شهر اللَّه المحرم، وصيامه سنة مؤكدة، ويكفِّر ذنوب السنة التي قبله، وقد صامه النبي ﷺ‬ في الجاهلية وفي الإسلام، وحثَّ على صيامه، ورغَّب فيه، وصامه قبله موسى شكراً لله تعالى على أن نجَّاه وقومه فيه من الغرق، وأغرق عدوَّه فرعون وقومه، والسنة أن يُصام اليوم التاسع مع العاشر، فإن لم يصم التاسع صام معه الحادي عشر، وإن صام معه يوماً قبله ويوماً بعده كان أكمل، وأفضل، وأعظم في الأجر، وعاشوراء في هذا العام 1438هـ يوافق يوم الثلاثاء، فيكون السبت تمام ذي الحجة، والأحد غرة محرم، والإثنين التاسع، والثلاثاء عاشوراء، وقد ثبت عن النبي ♥ في فضل صيامه أحاديث كثيرة، منها الأحاديث الآتية:

    1- حديث عائشة ل،قالت: كانت قُريشٌ تصوم عاشوراء في الجاهلية، وكان رسول اللَّه ﷺ‬ يصومه [في الجاهلية]، فلمَّا هاجر إلى المدينة صامه وأمر بصيامه، فلما فُرِضَ شهر رمضان، قال: «من شاء صامه، ومن شاء تركه» [البخاري: برقم 2002، ورقم 1592، ومسلم بلفظه، برقم 1125، وما بين المعقوفين من صحيح البخاري].

    2- حديث عبد اللَّه بن عمر ب:أن أهل الجاهلية كانوا يصومون يوم عاشوراء، وأن رسول اللَّه ﷺ‬ صامه والمسلمون قبل أن يفترض رمضان، فلما افترض رمضان قال رسول اللَّه ﷺ‬: «إن عاشوراء يومٌ من أيام اللَّه،فمن شاء صامه ومن شاء تركه». [البخاري، برقم 1892، وبرقم 2000، ثم برقم 4501، ومسلم بلفظه، برقم 1126].

    3- حديث معاوية بن أبي سفيان ب وقد خطب الناس في المدينة في قدمةٍ قدمها في العام الذي حج فيه، فقال على المنبر: «يا أهل المدينة أين علماؤُكم؟ سمعت رسول اللَّه ﷺ‬ يقول: «هذا يومُ عاشوراء ولم يكتب اللَّه عليكم صيامه، وأنا صائم، فمن شاء فليصم ومن شاء فليفطر». [البخاري، برقم 2003، ومسلم، برقم 1129].

    4- حديث عبد اللَّه بن عباس ب قال قدم النبي ﷺ‬ المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: «ما هذا [اليوم الذي تصومونه؟]» قالوا: هذا يوم [عظيم] صالح [أنجى اللَّه فيه موسى وقومه، وغرَّق فرعون وقومه، فصامه موسى شكراً لله فنحن نصومه، فقال رسول اللَّه ﷺ‬: «فنحن أحق وأولى بموسى منكم» فصامه وأمر بصيامه])).[البخاري، برقم 2004، ومسلم، برقم 1130، وما بين المعقوفات، من ألفاظ مسلم].

    5- حديث ابن عباس ب أيضاً قال: «ما رأيت النبي ﷺ‬ يتحرَّى صيام يومٍ فضَّله على غيره إلا هذا اليوم، يوم عاشوراء، وهذا الشهر، يعني شهر رمضان» [البخاري، برقم 2006، ومسلم، برقم 1132].

    6- حديث ابن عباس ب أيضاً قال: «حين صام رسول اللَّه ﷺ‬ يوم عاشوراء وأمر بصيامه، قالوا: يا رسول اللَّه إنه يوم تُعظِّمه اليهود والنصارى، فقال رسول اللَّه ﷺ‬: «فإذا كان العام المقبل - إن شاء اللَّه - صمنا اليوم التاسع»، فلم يأتِ العام المقبل حتى توفّي رسول اللَّه ﷺ‬»، وفي رواية: «لئن بقيت إلى قابل لأصومنَّ التاسع» [مسلم، برقم 1134]، والمعنى يعني مع العاشر، ويفسره قول ابن عباس الآتي:

    7- ما ثبت من قول ابن عباس ب أنه كان يقول: «صوموا التاسع والعاشر، وخالفوا اليهود». [البيهقي، 4/ 287، وعبد الرزاق في المصنف، برقم 1839، والطحاوي، 2/ 78، قال العلامة الألباني في تعليقه على صحيح ابن خزيمة، 3/ 290، على الحديث رقم 2095: ((عن ابن عباس موقوفاً،وسنده صحيح عند الطحاوي والبيهقي)).وقال محققو مسند الإمام أحمد، 4/ 52، برقم 2154 حينما ذكروا تخريجه عند عبد الرزاق والطحاوي والبيهقي: ((إسناده صحيح موقوفاً))].

    8- حديث أبي موسى t قال: «كان يوم عاشوراء [يوماً تعظِّمه اليهود تتخذه عيداً] فقال رسول اللَّه ﷺ‬: «فصوموه أنتم» [البخاري، برقم 2005، ومسلم، برقم 1131].

    9- حديث أبي قتادة t وفيه أن النبي ﷺ‬ قال: «...وصيام يوم عاشوراء أحتسب على اللَّه أن يكفر السنة التي قبله» [مسلم، برقم 1162].

    قال الإمام النووي :: «والحاصل من مجموع الأحاديث أن يوم عاشوراء كانت الجاهلية من كفار قريش وغيرهم، واليهود يصومونه، وجاء الإسلام بصيامه متأكداً، ثم بقي صومه أخف من ذلك التأكد، واللَّه أعلم»، وقال: «وذهب جماهير العلماء من السلف والخلف إلى أن عاشوراء هو اليوم العاشر من المحرم»، وقال :: «قال الشافعي، وأصحابه، وأحمد، وإسحاق، وآخرون: يستحب صوم التاسع والعاشر جميعاً،لأن النبي ﷺ‬ صام العاشر ونوى صيام التاسع».[ شرح النووي على صحيح مسلم، 8/ 256، 259، 260، وقال في 8/ 261]: ((ولم يكن واجباً كما سبق في أول الباب، وإنما كان سنة متأكدة)). وسمعت شيخنا الإمام ابن باز : يقول أثناء تقريره على صحيح الإمام البخاري : الحديث رقم 2000- 2007: «... ثم لما قدم ﷺ‬ المدينة صامه وأمر بصيامه، فكان صيامه واجباً، فلما فرض رمضان قال: «من شاء صام ومن شاء أفطر»، فكان سنة، والأفضل أن يصوم قبله يوماً، أو بعده يوماً، أو يصوم يوماً قبله، ويوماً بعده».

    10- مراتب صوم يوم عاشوراء ثلاثة:

    أولاً: أكملها أن يُصام قبله يومٌ وبعده يومُ.

    ثانياً:أن يُصام التاسع والعاشر وعليه أكثر الأحاديث.

    ثالثاً: إفراد العاشر وحده بالصوم. [قاله الإمام ابن القيم :] [زاد المعاد، 2/ 76]، وسمعت شيخنا الإمام ابن باز : أثناء تقريره على صحيح البخاري، الأحاديث 2000- 2007 يقول: «الظاهر أن صيام يوم عاشوراء وحده يكره، فالسنة أن يصوم يوماً قبله أو بعده، والأفضل لمن لم يصم قبله أو بعده أن لا يصومه حتى لا يوافق اليهود»، وقال : أيضاً في [مجموع الفتاوى،15/404]: «أما صومه وحده فيكره».

    وإذا عمل المسلم بالمرتبة الأولى: وهي صيام ثلاثة أيام: اليوم التاسع، والعاشر والحادي عشر، حصل على فوائد، منها:

    أولاً: أدرك صيام يوم عاشوراء يقيناً لا شك فيه، لأن شهر ذي الحجة قد يكون تسعة وعشرين وقد يكون ثلاثين، فإذا لم يُرَ الهلال فقد عمل باليقين، فحينئذٍ يحصل بصيام الثلاثة الأيام على إدراك يوم عاشوراء الذي يُكفِّر اللَّه به ذنوب سنة ماضية.

    ثانياً: حصل على فضل صيام ثلاثة أيام من الشهر، فيكتب له صيام شهر كامل؛ لأن الحسنة بعشر أمثالها.

    ثالثاً: صام ثلاثة أيام من شهر اللَّه المحرم الذي قال فيه النبي ﷺ‬: «أَفْضَلُ الصِّيَامِ، بَعْدَ رَمَضَانَ: شَهْرُ اللهِ الْمُحَرَّمُ، وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ، بَعْدَ الْفَرِيضَةِ: صَلَاةُ اللَّيْلِ» [مسلم، برقم 1163].

    رابعاً: خالف اليهود في صيامهم فلم يفرد عاشوراء بالصيام، بل صام معه غيره.

    خامساً: حصل على فضل صيام يوم الإثنين في هذا العام 1438هـ إذا نوى ذلك، واللَّه تعالى أعلم.

    واللَّه أسأل التوفيق، والإعانة، والتسديد، والقبول لي، ولجميع المسلمين، وأن يوفق الجميع لكل ما يحبه، ويرضاه, وصلى اللَّه وسلم على نبيِّنا محمد، وعلى آله، وأصحابه، وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.

    كتبه الفقير إلى الله تعالى

    د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني

    حرر في يوم الأحد 8/ 1/ 1438هـ