أعمال في العشر
التصنيفات
الوصف المفصل
خُطبة - أعمال في العشر
الْحَمدُ للهِ يُيَسِّرُ لِعِبادِهِ مواسِمَ الخيراتِ ، ويُتابِعُ عَليهِمْ أيامَ الطاعاتِ ، ثُمَّ يَمْتَنُّ عَليهِمْ بِقبولِ أعمالِهمْ مَعَ تَقصيرِهِمْ فِيها .
وإنَّ أعْظَمَ الكَرَمِ ، وأجْوَدَ الْجُودِ : أنْ يَهَبَ اللهُ لِعِبادِهِ الأموالَ، ثُمَّ يَشتريها مِنْهُمْ ، ويَسْتقْرِضَهُم إيِّاها ؛ لِيُضاعِفَ لَهُمْ الأجْرَ والمثوبةَ .
(إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)
وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)، وقَالَ جَلَّ شَأنُهُ : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ) ، وقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالى : (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ) ..
وَقَدْ أَظَلَّنَا مَوسِمٌ كَرِيمٌ ، وَشَهْرٌ عَظيمٌ ، تَجْتَمِعُ فيه أمّهاتُ العباداتِ ، وَهُوَ شَهْرُ ذي الحِجَّةِ ، الذيْ فِيه عَشْرٌ مُبارَكَةٌ ، بَلِ اعْتبرَهَا بعضُ العلماءِ أفْضَلَ أيامِ الدنيا ؛ لقولِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ : مَا العَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلُ مِنْهَا فِي هَذِهِ العَشْرِ . رَوَاهُ البخاريُّ .
قَالَ ابنُ رَجَبٍ : دلَّ هَذَا الحديثُ على أنَّ العَمَلَ في أيامِهِ أحبُّ إلى اللهِ مِنَ العَمَلِ في أيامِ الدنيا مِنْ غَيرِ استثناءِ شيءٍ مِنْها ، وإذا كَانَ أحَبُّ إلى اللهِ فَهُوَ أفضلُ عِنْدَهُ . اهـ .
فأيَّامُ العَشْرِ المباركةِ مِمَّا شَرّفَها اللهُ ، ومِنْ شَرَفِهَا أنَّ العمَلَ الصالِحَ فيها لا يَعْدِلُهُ إلاّ ذَهابُ النَّفسِ والمالِ .
ففي روايةِ الدارميِّ : مَا مِنْ عَمَلٍ أَزْكَى عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلا أَعْظَمَ أَجْرًا مِنْ خَيْرٍ يَعْمَلُهُ فِي عَشْرِ الأَضْحَى. قِيلَ : وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ .
وَكَانَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ إِذَا دَخَلَتْ أَيَّامُ الْعَشْرِ اجْتَهَدَ اجْتِهَادًا شَدِيدًا حَتَّى مَا يَكَادُ يَقْدِرُ عَلَيْهِ .
وسببُ تعظيمِ هَذِهِ العشْرِ : ما يكونُ فيها مِنْ اجتماعِ العباداتِ ، وكَونُها أيامَ الحجِّ ، وَهِيَ مِنْ أيَّامِ الأشهُرِ الْحُرُمِ التي عَظّمَهَا اللهُ عزَّ وَجَلَّ
قَالَ ابنُ كَثيرٍ : وَهَذَا الْعَشْرُ مُشْتَمِلٌ عَلَى يَوْمِ عَرَفَةَ الَّذِي ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنِ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صِيَامِ يَوْمِ عَرَفَةَ، فَقَالَ: " أَحْتَسِبْ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالآتِيَةَ " . اهـ.
وقَالَ ابنُ حَجَرٍ : وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ السَّبَبَ فِي امْتِيَازِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ لِمَكَانِ اجْتِمَاعِ أُمَّهَاتِ الْعِبَادَةِ فِيهِ ، وَهِيَ : الصَّلاةُ وَالصِّيَامُ وَالصَّدَقَةُ وَالْحَجُّ ، وَلا يَتَأَتَّى ذَلِكَ فِي غَيْرِهِ . اهـ .
وفي شَهْرِ ذي الحِجَّةِ : الأيامُ المعلوماتُ ، وَالأَيَّامُ المَعْدُودَاتُ .
قَالَ الإمامُ البخاريُّ : وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ) : أَيَّامُ العَشْرِ، وَالأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ: أَيَّامُ التَّشْرِيقِ . وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ يَخْرُجَانِ إِلَى السُّوقِ فِي أَيَّامِ العَشْرِ يُكَبِّرَانِ ، وَيُكَبِّرُ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِمَا . وَكَبَّرَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ خَلْفَ النَّافِلَةِ . اهـ .
وقال عكرمةُ : (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ) يعني : التكبيرَ أيامَ التشريقِ بعدَ الصلواتِ المكتوبات .
ويُشْرَعُ في هذه العَشْرِ : كثرةُ ذِكْرِ اللهِ تَعَالى
وفي حديثِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ وَلا أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعَمَلُ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ الْعَشْرِ ، فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ . رَوَاهُ الإمامُ أحمدُ ، وصححَّهُ الألبانيُّ والأرنؤوط .
وكذلِكَ : كثرةُ الذِّكْرِ في أيَّامِ التشريقِ ؛ لقولِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ : أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ لِلَّهِ . رَوَاهُ مسلمٌ .
ولذا نُهِيَ عن صيامِ أيامِ التشريق .
فعَنْ عَائِشَةَ وابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، قَالاَ: لَمْ يُرَخَّصْ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنْ يُصَمْنَ، إِلاَّ لِمَنْ لَمْ يَجِدِ الهَدْيَ .
ويُشْرَعُ رَفْعُ الصوتِ بِالتَّكْبِيرِ .
قال الإمامُ النوويُّ : يُسْتَحَبُّ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّكْبِيرِ بِلا خِلافٍ . اهـ .
وَمِمَّا يُشْرَعُ في أيَّامِ العَشْرِ : صيامُ يومِ عَرفةَ لغيرِ الحَاجِّ .
قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ . رَوَاهُ مسْلِمٌ .
وأمَّا الحاجُّ فلا يُشْرَعُ لَهُ صيامُ يومِ عَرَفَةَ .
فَفِي صَحيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَديثِ أُمَّ الْفَضْلِ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَت : شَكَّ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صِيَامِ يَوْمِ عَرَفَةَ ، وَنَحْنُ بِهَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَرْسَلْتُ إِلَيْهِ بِقَعْبٍ فِيهِ لَبَنٌ وَهُوَ بِعَرَفَةَ، فَشَرِبَهُ .
وروى عَبْدُ الرزَّاقِ مِنْ طَريقِ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَكْرَهُ صِيَامَ يَوْمِ عَرَفَةَ . يَعْني : بِعرَفَةَ .
يَدُلُّ عليه قولُهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : حَجَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يَصُمْ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَحَجَجْتُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ فَلَمْ يَصُمْهُ، وَحَجَجْتُ مَعَ عُمَرَ فَلَمْ يَصُمْهُ، وَحَجَجْتُ مَعَ عُثْمَانَ فَلَمْ يَصُمْهُ، وَأَنَا لا أَصُومُهُ وَلا آمُرُ بِهِ، وَلا أَنْهَى عَنْهُ . رَوَاهُ عبدُ الرزَّاقِ .
قَالَ ابنُ القيِّمِ : الصوابُ أنَّ الأفضلَ لأهْلِ الآفَاقِ صَوْمُهُ ، ولأهْلِ عَرَفَةَ فِطْرُهُ ؛ لاختيارِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلِكَ لِنَفْسِهِ ، وعَمَلِ خُلفائِهِ بَعدَهُ بالفِطْرِ ، وفِيهِ قُوّةٌ على الدُّعَاءِ الذي هُوَ أَفْضَلُ دُعاءِ العَبْدِ ، وفِيهِ أنَّ يومَ عَرَفَةَ عِيدٌ لأهْلِ عَرَفَةَ ، فَلا يُستَحَبُّ لَهُمْ صِيامُهُ . اهـ .
وأَمَّا الْتِزامُ صيامِ تِسعَةِ أيَّامٍ مِنْ هَذِهِ العَشْرِ في كُلِّ سَنَةٍ ، واعتقادُ أنَّ ذَلِكَ مِنْ السُّنَّةِ ؛ فَلَيْسَ بِصحيحٍ .
فَقَدْ رَوَى الإمامُ مُسلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ : مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَائِمًا فِي الْعَشْرِ قَطُّ .
وإنْ كَانَ صيامُ بَعضِها ، أوْ صِيامُها دَونَ الْتِزامٍ ، ودُونَ اعتقادٍ أنَّ ذَلِكَ سُنّةٌ ؛ داخِلاً ضِمنَ الأعمالِ الصَّالِحَةِ الْمُرغَّبِ فِيها في هذِهِ العَشْرِ .
وأمَّا التكبيرُ :
فَقَدْ جَاءَ عَنِ ابنِ عَبّاسٍ أنَّهُ كَانَ يُكَبِّر مِنْ صلاةِ الفَجْرِ يومَ عَرَفَةَ إلى آخِرِ أيامِ التشريقِ : اللهُ أكْبَرُ كَبيرا ، اللهُ أكْبَرُ كبيرا ، اللهُ أَكْبَرُ وَأَجَلُّ ، اللهُ أكبرُ وللهِ الحمْدُ .
وَجَاءَ عَنْ عليٍّ وابنِ مسعودٍ أنَّهما كَانا يُكَبِّرَانْ أيامِ التشريقِ : اللهُ أكبرُ ، اللهُ أكبرُ ، لا إلَهَ إلا اللهُ واللهُ أكبرُ ، اللهُ أكبرُ وللهِ الحمدُ .
قال ابنُ عبدِ البرّ : وَأَمَّا الذِّكْرُ ؛ فَهُوَ بِمِنًى التَّكْبِيرُ عِنْدَ رَمْيِ الْجِمَارِ ، وَفِي سَائِرِ الأَمْصَارِ التَّكْبِيرُ بِإِثْرِ الصَّلاةِ . اهـ .
وسُئلَ شيخُ الإسلامِ ابن ُتيميةَ عَنْ وَقْتِ التَّكْبِيرِ فِي الْعِيدَيْنِ ؟
فأجَابَ: أَصَحُّ الأَقْوَالِ فِي التَّكْبِيرِ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ السَّلَفِ وَالْفُقَهَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالأَئِمَّةِ : أَنْ يُكَبِّرَ مِنْ فَجْرِ يَوْمِ عَرَفَةَ إلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ عَقِبَ كُلِّ صَلاةٍ ، وَيُشْرَعُ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَجْهَرَ بِالتَّكْبِيرِ عِنْدَ الْخُرُوجِ إلَى الْعِيدِ . وَهَذَا بِاتِّفَاقِ الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ . اهـ .
قال ابنُ قائدٍ الحنبلي : يُسنُّ التكبيرُ المقيّدُ عَقِيبَ كُلِّ فريضةٍ فُعِلتْ جَماعة ... والْمُحْرِم يبتدئ التكبيرَ المقيَّد مِن صلاةِ الظهرِ يومَ النحرِ ؛ لأنه قبلَ ذلكَ مشغولٌ بالتلبية . اهـ .
وأمَّا صِيَغُ التكبيرِ :
قَالَ ابنُ عبدِ البَرِّ : وأمَّا كَيفيةُ التَّكْبيرِ فَالذِيْ صَحَّ عنْ عُمَرَ وابنِ عُمَرَ وعَليٍّ وابنِ مَسْعُودٍ أنَّهُ ثلاثٌ ثلاثٌ : اللهُ أكبرُ ، اللهُ أكبرُ ، اللهُ أكبرُ .
وقَالَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ :
وَصِفَةُ التَّكْبِيرِ الْمَنْقُولِ عِنْدَ أَكْثَرِ الصَّحَابَةِ - وقَدْ رُوِيَ مَرْفُوعًا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ ، لا إلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ ، اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ . وَإِنْ قَالَ : اللَّهُ أَكْبَرُ ثَلاثًا جَازَ . وَمِنْ الْفُقَهَاءِ مَنْ يُكَبِّرُ ثَلاثًا فَقَطْ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُكَبِّرُ ثَلاثًا ، وَيَقُولُ : لا إلَهَ إلاّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ . اهـ .
وقَالَ ابنُ حَجَرٍ : وَأَمَّا صِيغَةُ التَّكْبِيرِ فَأَصَحُّ مَا وَرَدَ فِيهِ مَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ سَلْمَانَ رضيَ اللّهُ عنه قَالَ : " كَبِّرُوا اللَّهَ : اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ ، اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا " .
وفي العَشْرِ : يومُ الحَجِّ الأكْبَرِ ، وَهُوَ يومُ النَّحْرِ.
ولذلِكَ شُرِع العملُ للحُجِّاجِ فِيمَا يَختصُّونَ بِهِ في أيامِ التشريقِ ، ولأهْلِ الآفاقِ فِيمَا يُشابِهون به الحجَّاجَ .
قَالَ ابنُ رَجَبٍ : لَمَّا كانَ اللهُ سُبحانَهُ وَتَعَالى قَدْ وَضَعَ في نفوسِ المؤمنينَ حَنينا إلى مُشاهدَةِ بيتِهِ الحرامِ ، وَلَيسَ كُلُّ أَحَدٍ قَادِرًا على مُشاهدَتِهِ في كُلِّ عَامٍ ، فَرَضَ على الْمُستطيعِ الحجَّ مَرَّةً وَاحِدَةً في عُمُرِه ، وَجَعَلَ موسِمَ العَشْرِ مُشْتَرَكا بَيْنَ السَّائرينَ والقاعِدينَ ، فَمَنْ عَجِزَ عَنِ الْحَجِّ في عَامٍ قَدِرَ في العَشْرِ عَلَى عَمَلٍ يَعملُهُ في بيتِهِ يَكونُ أَفضْلَ مِنَ الْجِهادِ ، الذيْ هُوَ أَفْضَلُ مِنَ الْحَجِّ . اهـ .
أيُّها المؤمِنونَ :
مِنْ أفضَلِ الأعمالِ في هذِهِ الْعَشْرِ : أنْ يُضحِّي الرَّجُلُ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ أهْلِ بيتِهِ دونَ مُبالَغَةٍ ولا مُبَاهَاةٍ .
قَالَ عطاءُ بنُ يَسَارٍ : سألتُ أبا أيوبَ الأنصاريَّ كَيفَ كانتِ الضَّحَايا على عَهْدِ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فقَالَ : كَانَ الرَّجُلُ يُضحِّي بِالشَّاةِ عَنْهُ وَعَنْ أهلِ بيتِهِ ، فَيَأكلونَ ويُطعِمونَ ، حَتَّى تَباهَى النَّاسُ فَصَارتْ كَمَا تَرَى . رَوَاهُ الترمذيُّ ، وَصَحَّحَهُ الألبانيُّ .
وكانوا يَخْتَارُون الطَّيِّبَ مِن الأضاحي
قَالَ الإمامُ البُخاريُّ : وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ : سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ بْنَ سَهْلٍ قَالَ : كُنَّا نُسَمِّنُ الأُضْحِيَّةَ بِالْمَدِينَةِ ، وَكَانَ المُسْلِمُونَ يُسَمِّنُونَ .
قَالَ النوويُّ عنِ الأُضحيةِ : وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى اسْتِحْبَابِ سَمِينِهَا وَطَيِّبِهَا . اهـ .
أيُّها المؤمِنونَ
ثَمَّةَ عباداتٌ يَغفَلُ عَنْهَا كثيرٌ مِنَ النَّاسِ ، ولا تَخْتَصُّ بِموسِمٍ دُونَ غَيْرِهِ .
وأعْظَمُ ما تقرَّبَ بِهِ المتقرِّبونَ ، وتوسَّلَ بِهِ الصالِحُونَ ، ونالوا بِهِ الْمَحَبَّةَ ، وارتفعتْ لَهمْ بِهِ الدَّرَجةُ : التقرَّبُ إلى اللهِ بالفرائضِ ؛ لقولِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى في الحديثِ القُدسيِّ : وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ. رَوَاهُ البخاريُّ .
والأعمالُ الصالحةُ التي يُتقرّبُ بِهَا إلى اللهِ فِي هذِهِ العَشْرِ كثيرةٌ ، ومِنْهَا : بِـرُّ الوالدينِ ، وأداءُ الأمَانَاتِ ، الاستعفافُ عَنِ الْحَرامِ ، وتَرْكُ المنكَرَاتِ
وهذِهِ الأعمالُ هِيَ التي تَوسَّلَ بِها الثلاثةُ الذين آواهم المبيتُ إلى غَارٍ ، فقَالَوا: إنَّهُ لَنْ يُنجيكم إلاّ صالِحُ أعمالِكُم .
والتقَرُّبُ إلى اللهِ بِتَرْكِ الفواحِشِ والْمُنكراتِ ، والكفِّ عَنِ السيئاتِ ، والانتهاءِ عَنِ الْمُحرَّمَاتِ مِمَّا يَغْفَلُ عَنْهُ كَثيرٌ مِنَ النَّاسِ .
وَلَئنْ كَانَ الانتهاءُ عنِ الْمُحرَّمَاتِ ، والكفُّ عَنِ السيئاتِ ، طاعَة ٌللهِ عزَّ وَجَلَّ فَهُوَ أعظمُ في التقرّبِ إذا كَانَ فِي الأشهُرِ الْحُرُمِ ؛ لِقولِهِ تَعَالى عَنِ الأشهُرِ الْحُرُمِ: (فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) .
قَالَ ابنُ عباسٍ : قَالَ: لا تَظْلِمُوا أَنْفُسَكُمْ فِي كُلِّهِنَّ، ثُمَّ اخْتَصَّ مِنْ ذَلِكَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَجَعَلَهُنَّ حُرُمًا، وَعَظَّمَ حُرُمَاتِهِنَّ، وَجَعَلَ الذَّنْبَ فِيهِنَّ أَعْظَمَ، وَالْعَمَلَ الصَّالِحَ والأَجْرَ أَعْظَمَ . رَوَاهُ البيهقيُّ في " الشُّعَبِ " .
وقَالَ قتادةُ : الظُّلْمُ في الأشهرِ الْحُرُمِ أعظمُ خطيئةٍ وَوِزرًا مِنَ الظُّلْمِ في سِواها .
b
الثانية :
أيُّها الكِرامُ :
إعَانَةُ النَّاسِ في قَضَاءِ حَوائجِهِمْ : عِبَادَةٌ .
والكلمةُ الطّيبَةُ عِبادةٌ (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) .
قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : كُلُّ سُلاَمَى عَلَيْهِ صَدَقَةٌ : كُلَّ يَوْمٍ يُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ يُحَامِلُهُ عَلَيْهَا أَوْ يَرْفَعُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ ، وَالكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ، وَكُلُّ خَطْوَةٍ يَمْشِيهَا إِلَى الصَّلاَةِ صَدَقَةٌ ، وَدَلُّ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ . رَوَاهُ البخاريُّ وَمُسْلِمٌ .
وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : لَيْسَ مِنْ نَفْسِ ابْنِ آدَمَ إِلاَّ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ فِي كُلِّ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ . قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمِنْ أَيْنَ لَنَا صَدَقَةٌ نَتَصَدَّقُ بِهَا ؟ فَقَالَ : إِنَّ أَبْوَابَ الْخَيْرِ لَكَثِيرَةٌ : التَّسْبِيحُ ، وَالتَّحْمِيدُ، وَالتَّكْبِيرُ ، وَالتَّهْلِيلُ ، وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ ، وَتُمِيطُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ ، وَتُسْمِعُ الأَصَمَّ، وَتَهْدِي الأَعْمَى ، وَتُدِلُّ الْمُسْتَدِلَّ عَلَى حَاجَتِهِ ، وَتَسْعَى بِشِدَّةِ سَاقَيْكَ مَعَ اللَّهْفَانِ الْمُسْتَغِيثِ ، وَتَحْمِلُ بِشِدَّةِ ذِرَاعَيْكَ مَعَ الضَّعِيفِ ، فَهَذَا كُلُّهُ صَدَقَةٌ مِنْكَ عَلَى نَفْسِكَ . رَوَاهُ ابنُ حِبَّانَ ، وصَحَّحَهُ الألبانيُّ والأرنؤوطُ .
وكُلّما كان النفعُ مُتعَدِّيًا ، كان أعَظَمَ في الأجرِ
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مَنْ مَنَحَ مَنِيحَةَ لَبَنٍ ، أَوْ وَرِقٍ ، أَوْ هَدَى زُقَاقًا ، أَوْ سَقَى لَبَنًا ؛ كَانَ لَهُ مِثْلُ عِتْقِ رَقَبَةٍ . رواه الإمامُ أحمدُ والبخاريُّ في " الأدبِ المفرَد " والترمذي وقال : وَمَعْنَى قَوْلِهِ: "مَنْ مَنَحَ مَنِيحَةَ وَرِقٍ " إِنَّمَا يَعْنِي بِهِ: قَرْضَ الدَّرَاهِمِ ، وقَوْلُهُ: " أَوْ هَدَى زُقَاقًا ": يَعْنِي بِهِ هِدَايَةَ الطَّرِيقِ ، وَهُوَ إِرْشَادُ السَّبِيلِ .
وكَفُّ الشرِّ ، وحَبْسُ الأذى عَنِ النَّاسِ : صَدَقَةٌ
وفي حَدِيثِ أبي مُوسى الأشعريِّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ . قِيلَ : أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَجِدْ ؟ قَالَ : يَعْتَمِلُ بِيَدَيْهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ . قَالَ : قِيلَ : أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ ؟ قَالَ : يُعِينُ ذَا الْحَاجَةِ الْمَلْهُوفِ. قَالَ : قِيلَ لَهُ : أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ؟ قَالَ : يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ أَوِ الْخَيْرِ . قَالَ : أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَفْعَلْ ؟ قَالَ : يُمْسِكُ عَنِ الشَّرِّ، فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ . رَوَاهُ البخاريُّ ومُسلِم .
وفي حديثِ أبي ذَرٍّ رضيَ اللّهُ عنه قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ العَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: إِيمَانٌ بِاللَّهِ ، وَجِهَادٌ فِي سَبِيلِهِ . قُلْتُ : فَأَيُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ؟ قَالَ : أَعْلاَهَا ثَمَنًا، وَأَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا . قُلْتُ : فَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ ؟ قَالَ: تُعِينُ صانِعًا، أَوْ تَصْنَعُ لأَخْرَقَ . قَالَ : فَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ ؟ قَالَ : تَدَعُ النَّاسَ مِنَ الشَّرِّ ، فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ تَصَدَّقُ بِهَا عَلَى نَفْسِكَ . رَوَاهُ البخاريُّ ومسلم .
والْمَحْرُومُ مَنْ عَجِزَ عَنْ فِعْلِ الخيرِ رُغْمَ كَثْرَةِ طُرُقِهِ ، حَتَّى عُدَّتِ الابتسامةُ صَدَقَةً .
ففي حديثِ أَبِي ذَرٍّ رضيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ ، وَأَمْرُكَ بِالمَعْرُوفِ وَنَهْيُكَ عَنِ المُنْكَرِ صَدَقَةٌ ، وَإِرْشَادُكَ الرَّجُلَ فِي أَرْضِ الضَّلالِ لَكَ صَدَقَةٌ ، وَبَصَرُكَ لِلرَّجُلِ الرَّدِيءِ البَصَرِ لَكَ صَدَقَةٌ ، وَإِمَاطَتُكَ الحَجَرَ وَالشَّوْكَةَ وَالعَظْمَ عَنِ الطَّرِيقِ لَكَ صَدَقَةٌ ، وَإِفْرَاغُكَ مِنْ دَلْوِكَ فِي دَلْوِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ . رَوَاهُ الترمذيُّ ، وَصَحَّحَهُ الألبانيُّ .
أيُّها المؤمِنونَ :
إيُّاكم والإعجابَ بالعَمَلِ ، فَإنَّهُ مُحبِطٌ للعَمَلِ
قَالَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ : العارِفُ يَسيرُ إلى اللهِ بَيْنَ مُشَاهَدةِ الْمِنَّةِ ومُطالَعَةِ عَيْبِ النَّفْسِ والعَمَلِ . اهـ .
وقَالَ ابنُ رَجَبٍ : احذروا المعاصِي فإنها تَحْرِمُ المغفرةَ في مَوَاسِمِ الرحمةِ .
وقَالَ : يا مَنْ ظُلمةُ قَلبِهِ كالليلِ إذا يَسْرِي ! أمَا آنَ لِقَلْبِكَ أنْ يَستنيرَ ، أَوْ يَلينَ ؟ تَعَرَّضْ لِنَفَحَاتِ مَولاكَ في هَذَا العشرِ ، فإنَّ فِيه للهِ نَفَحَاتٍ يُصيبُ بِها مَنْ يَشَاءُ ، فَمَنْ أصابتْهُ سَعِدَ بِها آخِرَ الدَّهْرِ . اهـ .
أيُّها الكِرامُ :
يومُ عِيدِكُمْ هُوَ كُلَّ يَومٍ لا معصيةَ فِيهِ .
قَالَ الحسنُ: كُلَّ يَومٍ لا يُعصى اللهُ فِيه ؛ فَهُوَ عِيدٌ ، وَكُلَّ يَوْمٍ يَقطَعُهُ المؤمِنُ في طاعَةِ مَوْلاه وذِكْرِه وشُكْرِه ؛ فَهُوَ لَهُ عِيدٌ .
عِبَادَ اللهِ :
احْرِصوا مَعَ ذلِكَ على إخلاصِ العَمَلِ للهِ .
قَالَ ميمونُ بنُ مَهْرَانَ : إنَّ أعْمَالَكُمْ قَليلةٌ فَأخْلِصُوا هَذَا القليلَ .
وقَالَ مطرفُ بنُ عبدِ اللهِ : صلاحُ القلبِ بِصلاحِ العملِ ، وصلاحُ العَمَلِ بصلاحِ النِّيَّةِ .
وَمَنْ عَجِزَ عنِ العَمَلِ أوْ ضَعُفَ عَنْ بعضِهِ ؛ فَعَلَيْهِ بِما هُوَ مُيسَّرٌ مَيْسورٌ .
ففي الحديثِ : إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَسَمَ بَيْنَكُمْ أَخْلاقَكُمْ كَمَا قَسَمَ بَيْنَكُمْ أَرْزَاقَكُمْ ، وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُعْطِي الْمَالَ مَنْ أَحَبَّ وَمَنْ لا يُحِبُّ ، وَلا يُعْطِي الإِيمَانَ إِلاّ مَنْ يُحِبُّ ، فَمَنْ ضَنَّ بِالْمَالِ أَنْ يُنْفِقَهُ ، وَخَافَ الْعَدُوَّ أَنْ يُجَاهِدَهُ، وَهَابَ اللَّيْلَ أَنْ يُكَابِدَهُ ؛ فَلْيُكْثِرْ مِنْ قَوْلِ: لا إِلَهَ إِلاّ اللَّهُ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ رَوَاهُ البخاريُّ في " الأدبِ الْمُفْرَدِ" مَوقوفا ، والبيهقيُّ في الشُّعبِ مَرفوعا . وقَالَ الألبانيُّ : صَحيحٌ مَوقوفٌ في حُكْمِ الْمَرفوعِ .
أيُّها الكَريمُ :
استغلالُ الأوقاتِ الفَاضِلَةِ بِصالِحِ الأعمالِ علامةُ مَحَبَّةِ اللهِ لِعبدِهِ .
قَالَ أبو حامِدٍ الغزاليّ : إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا استعملَهُ في الأوقاتِ الفَاضِلَةِ بِفَواضِلِ الأعمالِ ، وإذا مَقَتَهُ استَعْمَلَهُ في الأوقاتِ الفاضلةِ بسيئِ الأعمالِ لِيكونَ ذلِكَ أوجعُ في عِقابِهِ ، وأَشَدُّ لِمَقْتِهِ ، لِحِرْمَانِهِ بَركةَ الوقْتِ ، وانتهاكِهِ حَرْمَةَ الوقتِ . اهـ .
ومَنِ استقامَ على طَاعَةِ اللهِ ، فَليَحْمَدِ اللهَ ، فَإنَّمَا هُوَ توفيقٌ مِنَ اللهِ ، بَلْ هُوَ غايةُ التكريمِ .
قَالَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ :
غَايَةُ الْكَرَامَةِ لُزُومُ الاسْتِقَامَةِ ؛ فَلَمْ يُكْرِمِ اللَّهُ عَبْدًا بِمِثْلِ أَنْ يُعِينَهُ عَلَى مَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ ، وَيَزِيدُهُ مِمَّا يُقَرِّبُهُ إلَيْهِ ، وَيَرْفَعُ بِهِ دَرَجَتَهُ . اهـ.
أكرمكم اللهُ وزادكم تكريما وتوفيقا وهُدًى وإيمانا .
b