فتوى في تحريم التعليم المختلط
التصنيفات
- فقه >> الفتاوى >> فتاوى عامة
- دراسات إسلامية >> التعليم والمدارس
الوصف المفصل
|
الكتاب: فتوى في تحريم التعليم المختلط |
المحَاضرة السَّادسة
فتوى في تحْريم التّعليم المختلط
__________
قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: قال المحقق في المقدمة: وهو جواب على سؤال وُجِّه إلى الشيخ -رحمه الله تعالى- من رئيس جمعية الإصلاح الاجتماعي بالكويت عام 1389 يسأل عن حكم الشرع في اختلاط الجنسين في الدراسة الجامعية.
(1/151)
فتوى في تحريم التعليم المختلط
حضرة الأخ المكرم رئيس جمعية الإصلاح الاجتماعي بالكويت -حفظه الله ووفقه-.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد؛ فقد وصلنا خطابكم رقم 35 في 27 محرم 1389 هـ تسألون فيه عن حكم الشرع في اختلاط الجنسين في الدراسة الجامعية وما يترتب على ذلك من المفاسد.
والجواب عما سألتم عنه وفقنا الله وإياكم: أن من الغريب أن يوجد في أمة مسلمة عربية اختلاط الجنسين في الجامعات والمدارس، مع أن دين الإسلام الذي شرعه خالق السموات والأرض على لسان سيد الخلق - صلى الله عليه وسلم - يمنع ذلك منعًا باتًّا، والشهامة العربية والغيرة الطبيعية العربية المملوءة بالأَنَفَة تقتضي التباعد عن ذلك وتجنبه بتاتًا، وتجنب جميع الوسائل المفضية إليه. وسنذكر لكم في جواب سؤالكم وفقنا الله وإياكم طرفًا من الأدلة القرآنية والسنة النبوية، ثم نشير إلى شهامة الجنس العربي، وابتعاده عن التلبس بما لا يليق، ولو لم يكونوا مسلمين.
أما القرآن العظيم، فمن أدلته العظيمة التي لا ينبغي العدول عنها بحال من الأحوال أن الله أنزل فيه أدبًا سماويًّا أدَّب به خير نساء الدنيا، وهن نساء سيد الخلق محمد - صلى الله عليه وسلم -، فأمر فيه جميع الرجال أن لا يسألوهن متاعًا إلا من وراء حجاب، ثم بين أن الحكمة في ذلك أن تكون قلوب
(1/153)
كل من الجنسين في غاية الطهارة من أدناس الريبة بين الجنسين، وقد تقرر في علم الأصول أن العلة تعمم معلولها وتخصصه، والعلة في هذه الآية المتضمنة هذا الأدب السماوي الكريم الكفيل بالصيانة والعفاف وحفظ الكرامة والشرف مُعَمِّمة لحكم الآية الكريمة في جميع نساء المسلمين إلى يوم القيامة، وإن كان لفظها خاصًّا بأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - وذلك في قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الأحزاب: 53].
ثم بين حِكْمة هذا الأدب السماوي وعلته ونتيجته بقوله جل وعلا: {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب: 53] فدل ذلك بمسلك الإيماء والتنبيه من مسالك العلة أن علة السؤال من وراء حجاب هي: المحافظة على طهارة قلوب كل من الجنسين غاية الطهارة، حيث عبَّر تعالى بصيغة التفضيل في قوله: {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} ودل هذا التعليل بأطهرية قلوب الجنسين أن حكم الآية عام للنساء المسلمات إلى يوم القيامة، لأن أطهرية قلوبهن وقلوب الرجال من الريبة منهن مطلوبة إجماعًا فلا يصح لقائل أن يقول: المطلوب طهارة قلوب أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - فقط، وطهارة قلوب الرجال من الريبة معهن فقط، بل ذلك مطلوب في جميع النساء إلى يوم القيامة كما لا يخفى، فدل ذلك على أن العلة المشار إليها بقوله {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} مقتضية تعميم هذا الحكم السماوي النازل بهذا الأدب الكريم المقتضي كمال الصيانة والعفاف والمحافظة على الأخلاق الكريمة والتباعد من التدنس بالريبة، فسبحان من أنزله ما أعلمه بمصالح خلقه وتعليمهم مكارم الأخلاق!
(1/154)
قال صاحب "مراقي السعود" في بحث تعميم العلة حكمها تارة وتخصيصها إياه تارة في مبحث القياس الأصولي المعروف بقياس التمثيل وقياس الفقهاء في كلامه على العلة:
وقد تُخصِّص وقد تعمِّم ... لأصلها لكنها لا تَخْرِم
وقال في "نشر البنود شرح مراقي السعود" في شرحه لقوله: "وقد تعمم لأصلها". ما نصه: "يعني أن العلة يجوز أن تعود على أصلها الذي استنبطت منه بالتعميم أي جعله عامًّا اتفاقًا، كحديث "الصحيحين": "لا يقضين حكم بين اثنين وهو غضبان"، بتشويش الفكر فإنه يشمل غير الغضب، إذ يعني أن العلة عممت حكمها فلا يجوز للقاضي أن يحكم في حال عطش وجوع مفرطَيْن أو حزن وسرور مفرطَين أو حقن وحقب مفرطَين.
والحقن: مدافعة البول، والحقب: مدافعة الغائط؛ لأن كل ذلك مشوش للفكر مانع من استيفاء النظر في دعاوي الخصمين والحكم بينهما، فعمم التعليل بالغضب الحكم بمنعه في كل حال مشوشة للفكر مانعة من استيفاء النظر. وبه يتضح أن قوله تعالى: {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} يقتضي عموم الحكم في جميع النساء، وإن كانت الآية الكريمة نازلة في خصوص أزواجه - صلى الله عليه وسلم -. ويؤيد ما ذكرنا من تعميم الحكم أن الخطاب لواحد يشمل حكمه جميع الأمة إلا بدليل خاص، وهو على المقرر في أصول المذهب الحنبلي يكون خطاب الواحد بنفسه صيغة عموم مقتضية عموم الحكم في جميع المكلفين، وغير
(1/155)
الحنابلة يقول: خطاب الواحد يقتضي عموم الحكم لكن بواسطة لا بنفسه، وتلك الواسطة نوعان؛ أحدهما: قياس باقي المكلفين على ذلك الشخص الواحد المخاطب؛ لأن الأصل استواء جميع الناس في أحكام التكاليف الشرعية إلا ما أخرجه دليل خاص. النوع الثاني: هو قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ما قولي لامرأة إلا كقولي لمائة امرأة" وهو صحيح أخرجه الترمذي وغيره بسند صحيح، وهو دليل على أن ما خوطبت به امرأة واحدة من الأمة يعم حكمه جميع النساء، وإلى ذلك أشار صاحب "مراقي السعود" في ألفيته في أصول الفقه بقوله:
خطاب واحد لغير حنبلي ... من غير رَعْي النص والقيسِ الجلي
ولو سلمنا تسليمًا جدليًّا أن آية {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} خاصة بأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - كما يقوله بعض أهل العلم وجميع دعاة السفور -فإن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - خير أُسوة وأفضل من يقتدي بهن نساء المسلمين، ولا سيما في أدب سماوي تُصان به الكرامة والشرف والعفاف، فالاقتداء بهن في ذلك أولى من الاقتداء بإناث الإفرنج في الإباحية البهيمية القاضية على الأخلاق والشرف قضاءً لا يترك للفضيلة والحفاظ أثرًا، ولا يصح لعاقل منصف أن ينازع في أن الاقتداء بأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - في تعليمٍ بوحي سماوي يحقق الحفاظ على الشرف والصيانة والكرم والعفاف والنزاهة والبعد من تقزز القلوب بأدناس الريبة = خير وأولى من تقليد إناث الإفرنج الكافرات في كل ما يدنس العرض ويقضي على الكرامة والفضيلة، فمن حاول منع بنات
(1/156)
المسلمين من الاقتداء بأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك الأدب السماوي الكريم، فهو مريض القلب غاشٌّ لأمته أشد الغش، و"من غشنا فليس منا".
ويفهم من مفهوم المخالفة -المعروف في الأصول بدليل الخطاب- في الآية أن الاختلاط وعدم الاحتجاب أنجس وأقذر لقلوبكم وقلوبهن، لأن قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} يدل بمفهوم مخالفته أنكم إن سألتموهن متاعًا مباشرة لا من وراء حجاب أن ذلكم ليس أطهر لقلوبكم وقلوبهن بل هو أنجس لقلوبكم وقلوبهن.
ومن الأدلة القرآنية على ذلك: أن الله تعالى أمر كل واحد من الجنسين بغض البصر عن الآخر، وبين أن ذلك الأدب السماوي أزكى لهم، أي أطهر من الريبة، وهدَّد من لم يمتثل للأمر من الجنسين بأنه خبير بما يصنع لا يخفى عليه منه شيء، وذلك في قوله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30)} [النور: 30] فانظر قوله: {ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} تجده يتضمن أدبًا سماويًّا فيه غاية المحافظة على الفضيلة من أقذار الريبة.
وانظر قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30)} فإنه تهديد عظيم لمن لم يغض طرفه بل تركه يتمتع بما حرمه الله.
ثم قال تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ... } [النور / 31] إلى آخر الآيات، وفيها تصريح الله جل وعلا بأمره كلًّا من
(1/157)
الجنسين بغض الطرف عما لا يحل له من الآخر، وأتبع قوله: {يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} بقوله: {وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} فبدأ بالأمر بغض البصر قبل الأمر بحفظ الفرج؛ لأن النظر بالبصر هو السبب في الزنا بالفرج، لأن النظر بريد الزنا فقد يُمَتِّع الرجلُ عينه بالنظر إلى امرأة جميلة، فيستولي حبها على قلبه فيدغدغهما ذلك إلى الفاحشة، ولا سيما في هذا الزمان الذي نُزِعَت فيه خشية الله من القلوب وانتشر فيه الفساد والإباحية، فلا تكاد ترى من يغض بصره حياءً من الله وخوفًا منه إلا من شاء الله من القليل النادر، نعوذ بالله من الخذلان وطمس البصيرة.
وقد بين مسلم بن الوليد الأنصاري في شعره سوء عاقبة النظر المحرم بقوله:
كسبت لقلبي نظرة لتسره ... عيني فكانت شقوة ووبالا
ما مرَّ بي شيء أشد من الهوى ... سبحان من خلق الهوى وتعالى
وإذا تأملت هذه الآداب السماوية المذكورة في هذه الآية علمت أن دعاة السفور إلى الاختلاط يعارضونها بفلسفة شيطانية يكمن من ورائها ضياع الشرف والعفاف، ويتحصل بسببها تدنيس الأعراض وتقذير الفرش وعدم سلامة الأنساب وعدم صفائها من أقذار الاختلاط.
وإيضاحه: أن من يدعو إلى اجتماع الطالبات في عنفوان شبابهن
(1/158)
ونضارة حسنهن، حال كونهن في أزياء إفرنجية مغرية مثيرة للغريزة الطبيعية؛ لانكشاف الرؤوس والوجوه والأعناق وغير ذلك من أبدانهن، مع كونهن في غاية التصنُّع والتجمُّل، مع الشباب الذين تشتعل فيهم نار الغريزة الطبيعية والشهوة بمقتضى شبابهم وميلهم الطبيعي الجبلِّي إلى التمتع بالنساء، والحالُ أنه لا وازع من دين ولا مروءة يَزَع الذكور عن الإناث ولا الإناث عن الذكور حسب التقاليد المتَّبعة، والجميع مجتمعون في محلٍّ واحد ينظر كل فريق منهم إلى ما يدعو إلى الفتنة من جمال الآخر. فكأنه يقول لهم: إني مهدت لكم وسهلت لكم كل طريق إلى ارتكاب ما لا ينبغي، وإشباع الغرائز بطريق غير مشروعة، مدنسة للأعراض والفرش والأنساب. وكأَن الشيطان يقول لأولئكم: قولوا للمؤمنين لا يغضوا أبصارهم ولا يحفظوا فروجهم وقولوا للمؤمنات كذلك.
وهذا وإن لم يصرحوا به فهو معنى ما فعلوا من الأسباب المفضية له كما لا يخفى على كل منصف.
أيها الأب الكريم المؤمن العربي الشهم بأيِّ مسوِّغ من عقل أو دين أو مروءة أو إنسانية تترك فلذة كبدك التي هي ابنتك مائدة سبيلًا تتمتع بجمالها كلُّ عينٍ فاجرة غدرًا وخيانة ومكرًا وظلمًا لذلك الجمال الذي يُستغلّ مجانًا في إرضاء الشيطان وتقليد كفرة الإفرنج تقليدًا أعمى مع إضاعة الشرف والفضيلة والعفاف!؟. والفاجر قد يتمتع بالنظر إلى جمال المرأة وربما بلغت به لذة النظر إلى حد بعيد. ألا ترون قول بعضهم في محبة النظر الحرام:
(1/159)
قلت اسمحوا لي أن أفوز بنظرة ... ودعوا القيامة بعد ذاك تقوم
مع أن فلذة كبدك التي هي ابنتك لو ربيتها تربية إسلامية في حنان وصيانة ومحافظة على الشرف والفضيلة لكانت هي جوهرة الدنيا وأنفس شيء موجود فيها، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة". ولا تكون صالحة إلا بالتربية الدينية.
ولا يصح لعاقل أن يشك في أن اختلاط الجنسين في غاية الشباب ونضارته وحسنه أنه أكبر وسيلة وأنجح طريق إلى انتشار الفاحشة وفشو الرذيلة بين الجنسين.
ولا شك أنهما بحكم كونه زميلها وهي زميلته في الدراسة أنهما يخلوان كما يخلو الزميل بزميله في منتزهات ومواضع السباحة في الماء ومواضع مراجعة الدروس، وخلوه بها طريق إلى ارتكاب ما لا ينبغي لا ينكرها إلا مكابر، والسبيل الموصلة إلى ذلك سبيل سيئة كما قال تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (32)} [الإسراء: 32] فصرح بأنه فاحشة وأن سبيله سيئة. والفاحشةُ هي: الخصلة التي بلغت غاية القبح والسوء، وكل شيء بلغ النهاية في شيء فهو فاحش فيه، ومنه قول طرفة بن العبد في معلقته:
أرى الموت يَعتام الكرامَ ويصطفي ... عقيلةَ مال الفاحش المتشدِّد
فقوله "الفاحش" أي البالغ غاية البخل.
(1/160)
وتأملوا لم قال تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا} ولم يقل: ولا تزنوا؛ لأن النهي عن القرب منه يستلزم التباعد من جميع الوسائل التي توصل إليه، ولأن من قرب من الشيء كالراعي حول الحمى يوشك أن يقع فيه. فما أجمل تعاليم القرآن وآدابه السماوية، وما أحسن ما تدعو إليه من النزاهة والفضيلة والتباعد عن الرذائل.
وأما أدلة السنة: فقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث عقبة بن عامر الجهني - رضي الله عنه - قال: "إياكم والدخول على النساء" فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال: "الحمو الموت" انتهى، أخرج هذا الحديث الشيخان وغيرهما.
أما البخاري فقد أخرجه في كتاب النكاح في باب لا يخلو رجل بامرأة إلا ذو محرم إلخ. وأما مسلم فقد أخرجه في كتاب السلام في باب تحريم الخلوة بالأجنبية والدخول عليها.
والمراد بالحمو فيه قريب الزوج الذي ليس بمحرم لها كأخيه وابن أخيه وعمه ونحو ذلك، فقد صدَّر النبي - صلى الله عليه وسلم - كلامه في هذا الحديث بصيغة التحذير التي هي: "إياكم والدخول على النساء" وهو تحذير شديد نبوي من الاختلاط بهن، ثم لما سأله الأنصاري عن قريب زوجها يدخل عليها؟ عبَّر - صلى الله عليه وسلم - عن دخوله عليها بالموت، والموت هو أفظع حادث يقع في الإنسان بالدنيا كما قال الشاعر:
والموت أعظم حادث ... مما يمر على الجِبِلَّة
(1/161)
والجبلَّة: الخلق، ومنه قوله تعالى: {وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ (184)} [الشعراء: 184].
فتأملوا قوله - صلى الله عليه وسلم - في دخول قريب الزوج على زوجته: "الحمو الموت" لتدركوا أن اختلاط الرجال الأجانب بالنساء الأجنبيات أنه هو الموت. والظاهر أنه - صلى الله عليه وسلم - إنما سماه موتًا لأنه يؤدي إلى فاحشة الزنا وهي إماتة للفضيلة والشرف والدين، فهو موت أدبي ديني أعظم من الموت الحسي بمفارقة الروح للبدن؛ لأن ذلك إن وقع للمطيع انتقل إلى أحسن حال وأتم نعمة.
وبما ذكرنا يتضح أن الدعوة إلى الاختلاط والسفور دعوة إلى الموت، ولم يسمه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - موتًا إلا لشدة ضرره وعظم خطره كما لا يخفى.
وساق مسلم بن الحجاج -رحمه الله- في "صحيحه" بعد أن ساق الحديث المذكور بسنده عن الليث بن سعد أنه قال: الحمو أخو الزوج وما أشبهه من أقارب الزوج كابن العم ونحوه.
قال النووي في شرحه لمسلم في الحديث المذكور: (وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: "الحمو الموت" فمعناه أن الخوف منه أكثر من غيره والشر يتوقع منه والفتنة أكثر؛ لتمكنه من الوصول إلى المرأة والخلوة من غير أن ينكر عليه، بخلاف الأجنبي) انتهى محل الغرض منه.
وهذه الصفة التي في الحمو الذي هو قريب الزوج هي موجودة بعينها في الزمالة في الدراسة، فالزميلة تتباحث مع زميلها فتذاكره
(1/162)
ويذاكرها، ويخلو بها من غير إلفاتِ نظرٍ؛ لأنه زميلها وشريكها في دروسها، فهو موت كما ترى.
وقال ابن حجر في "فتح الباري" في شرح الحديث المذكور: (قوله: "إياكم والدخولَ" بالنصب على التحذير، وهو تنبيه المخاطب على محذور ليتحرَّز عنه كما قيل إياك والأسد. وقوله: "إياكم" مفعول لفعل مضمر تقديره: اتقوا، وتقدير الكلام: اتقوا أنفسكم أن تدخلوا على النساء والنساء أن يدخلن عليكم. ووقع في رواية ابن وهب بلفظ: "لا تدخلوا على النساء". وتضمن منع الدخول منع الخلوة بها بطريق الأولى). ثم فسر قوله - صلى الله عليه وسلم -: "الحمو الموت" بالتفسيرات المعروفة عند علماء الحديث، وكذلك النووي والذي ذكرنا هو أظهرها.
فهذا الحديث الصحيح الذي اتفق عليه الشيخان عن النبي - صلى الله عليه وسلم - صريح في التحذير البالغ من مخالطة الرجال والنساء، وأن الاختلاط إذا كانت طريقه سهلة كأقارب الزوج أنه الموت. فلا يحسن بكم أيها المسلمون أن تضربوا الحائط بتحذير سيد الخلق - صلى الله عليه وسلم - لكم من مخالطة إناثكم وذكوركم، وأن تتجاهلوا أنه هو الموت كما صرح به الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم -. ولا يخفى أن اجتماع الجنسين في مقرٍّ واحد بعضهم جنب بعض أنه مخالف لتحذير النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومن أشنع الأشياء التلاعب بتحذير أبي القاسم - صلى الله عليه وسلم - لأجل طاعة الشيطان وتقليد كافرات الإفرنج تقليدًا أعمى.
واعلموا أن اسم الزنا قد يُطلق على الجميع في الجملة أمام المدرس وقت الاجتماع، إلا أنه زنًا دون زنا، فقد روى مسلم في
(1/163)
"صحيحه" بإسناده الصحيح عن ابن عباس - رضي الله عنهما - ما نصه: (عن ابن عباس قال: ما رأيت شيئًا أشبه باللمم مما قاله أبو هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة فزنا العينين النظر وزنا اللسان النطق، والنفس تتمنَّى وتشتهي والفرج يصدِّق ذلك أو يكذبه).
وفي لفظ في "صحيح مسلم" قال: "كُتِبَ على ابن آدم نصيبه من الزنا مدركٌ ذلك لا محالة، فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرِّجْل زناها الخُطا، والقلب يهوى ويتمنى، ويُصَدِّق ذلك الفرج أو يكذِّبه" هذا لفظ مسلم في "صحيحه".
وهذا الحديث المذكور رواه البخاري -أيضًا- وفيه التَّصريح بزنا العينين والأُذنين واللسان والرجل واليد، ولا يخفى أن الطلبة والطالبات في وقت الاجتماع للدروس وفي الفسح التي بين الدروس، وفي المنتزهات ومواضع السباحة في الماء، ومواضع المذاكرة تزني عيونهم وألسنهم وأيديهم، وأن فروجهم وقت إمكان الفرصة لا تُكَذِّب ذلك وإنما تصدِّقه؛ لعدم الوازع الديني وعدم العقوبة الرادعة عن ذلك. والإفرنج الذين يقلدونهم في جميع ذلك معلوم علمًا ضروريًّا أن فروجهم لا تكذِّب ما تتمناه قلوبهم من ذلك بل تصدِّقه، وذلك أمر معلوم مفروغ منه.
والأحاديث بمثل ما ذكرنا، كثيرة ولنكتف منها هنا بما ذكرنا لأن فيه الكفاية لمن أراد الحق.
(1/164)
وإطلاق الزنا على نظر العين إلى ما لا يحل لها معروف في اللغة كما صرح به أفصح من نطق بالضاد - صلى الله عليه وسلم -.
ثم إذا علمتم أيها العرب المسلمون أن اختلاط إناثكم وذكوركم محرَّم في شرعكم بنصوص الكتاب والسنة، ولا سيما في هذا الزمان الذي انعدم فيه الخوف من الله إلا ممن شاء الله وانتشرت فيه الإباحية وتقليد كفرة الإفرنج في كل انحطاط خلقي، وارتكاب كل جريمة يعرق لها الجبين لأنها من موبقات العار.
ولقد صدق من قال:
إن للعار فاخْشها موبقات ... تُتَّقى مثل موبقات الذنوب
فاعلموا أن سدَّ الذريعة الموصلة إلى فاحشة الزنا واجب بإِجماع المسلمين وقد دلت على ذلك نصوص الكتاب والسنة.
أما الكتاب، فقد قال تعالى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيرِ عِلْمٍ} الآية [الأنعام: 108]. فحرم سب الأصنام لمَّا كان ذريعة لأن يسب عابدوها الله. وفي الحديث الصحيح الذي أخرجه الشيخان أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن من العقوق شتم الرجل والديه" قالوا: يا رسول الله وهل يشتم الرجل والديه؟ قال: "نعم يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه". فقد سمى - صلى الله عليه وسلم - ذريعة سب الوالدين سبًّا لهما في هذا الحديث الصحيح.
ومعلوم أن اختلاط الجنسين في الجامعات على الحالات المعهودة في جامعات أوروبا ونحوها أنه فتح للباب على مصراعيه
(1/165)
لذريعة الزنا كما هو مشاهدٌ مشاهدةً لا يمكن معها الجدال إلا من مكابر، ولا يخفى أن من جعل ابنته في هذا المحيط المشار إليه وأوصاها بالصيانة والعفاف أن لسان الحال يقول له:
ألقاه في اليمِّ مكتوفًا وقال له ... إيَّاك إيَّاك أن تبتل بالماءِ
وبعد هذا كله فإنا نُهِيب بالآباء الكرام المسلمين العرب فنقول:
أين شهامتكم العربية العريقة المتوارثة على مر العصور؟! كيف تتركون بناتكم خارجات عاريات مبذولات لمن شاء أن يتمتع بالنظر إليهن مجانًا عدوانًا على المسكينات الجاهلات وعلى الشرف والفضيلة؟!.
ومما هو جدير بالتنبيه عليه نقطتان حسَّاستان.
أما النقطة الأولى: فليكن في كريم علمكم أن الزي الذي ترتديه بنات العرب وغيرهن من المسلمين في الجامعات وغيرها المقتضي كشف شيء من بدن المرأة لا يحل كشفه شرعًا ولا مروءة، أن منشأه الأساسي هو ما يُفهم من القرآن العظيم والتاريخ، وإيضاح ذلك: أن الشيطان هو العدو الألد لآدم وزوجه وذريتهما كما قال تعالى: {فَقُلْنَا يَاآدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ} الآية [طه: 117] وقال تعالى: {إِنَّ الشَّيطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (6)} [فاطر: 6] وقال تعالى: {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (50)} [الكهف: 50] إلى غير ذلك من الآيات، ومعلوم أن الشيطان لشدة عداوته لآدم وزوجه وذريته أنه يسعى بكل ما لديه من
(1/166)
الوسائل في إهانتهم بأنواع الإهانات الدنيوية والأخروية، ومن المعلوم أن من أعظم الإهانات الأدبية كشف عورة الإنسان ونزع ثيابه التي تستره عنه، وهذه الإهانة الأدبية العظيمة هي أول إهانه ظفر بها إبليس فأهان الله بها آدم وحواء، كما صرح الله بذلك في قوله: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا} [الأعراف: 20]. وقوله: {فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} [الأعراف: 22]، وكونهما طفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة يدل على عملهما وكدحهما ليُخَفِّفا من ضرر الإهانة التي تسبب لهما منها عدوهما إبليس.
وقد نادى الله -عزَّ وجلَّ- بني آدم نداءً سماويًّا ونهاهم عن أن يغشهم الشيطان ويهينهم كما أهان أبويهم آدم وحواء، وذكر من ذلك أمرين أحدهما: الإخراج من الجنة، والثاني: نزع اللباس وإبداء السوأة التي هي العورة، فجعل نزع اللباس وإبداء العورة مقرونًا بالإخراج من الجنة، وفي ذلك دليل على أن كليهما له وقع شديد، وأنه أذية بالغة وإهانة عظيمة وذلك في قوله تعالى: {يَابَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا} [الأعراف: 27] وبهذا تعرفون أن كشف العورة وإبداء السوأة مقصد أصيل عريق من مقاصد إبليس ليهين بها كرامة النوع الآدمي، وإهانة كرامتهم تسره وتقر عينه لعداوته لهم.
ولم يزل إبليس يحاول إهانة بني آدم بكشف العورة وإبداء السواة حتى بلغ غايته من ذلك، وقد كان حَمَل العرب في الجاهلية على أن يخلعوا جميع ثيابهم عند الطواف بالبيت الحرام حتى يهينهم بكشف
(1/167)
العورة في حرم الله وأشرف بقاع أرضه حول أول بيت وضع للناس فيطوفوا عراة في حالة مزرية، وكانت المرأة منهم تطوف بالبيت عارية والعياذ بالله وكل ذلك من إهانة الشيطان لهم، وقد ثبت في "صحيح مسلم" من حديث ابن عباس أن المرأة في الجاهلية كانت تطوف عارية وتقول:
اليومَ يبدو بعضه أو كله ... وما بدا منه فلا أحله
وكل ذلك إهانة من الشيطان لأعدائه الآدميين بكشف عوراتهم، وله مع ذلك مقصد آخر وهو أن انكشاف عورتها يدعو إلى الفاحشة (1).
ولم يزل الشيطان يهين الآدميين بكشف العورة حتى في حال الطواف في البيت، حتى دفع الله باطله بالوحي الذي جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - وأرسل - صلى الله عليه وسلم - مناديه ينادي: ألا يحج بعد اليوم مشرك ولا يطوف بالبيت عريان، وأنزل الله قوله تعالى: {يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} الآية [الأعراف: 31] وقوله تعالى: {يَابَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ} الآية [الأعراف: 26] وبنور ذلك الوحى سُتِرت العورات ولُبِست ثياب الزينة والتستر، ورجع الشيطان خاسئًا، ولكن لما طال الزمان وضعف الدين وانصرف أكثر الناس عن الوحي السماوي وجد الشيطان الفرصة سانحة فأعادَ الكرَّة لإهانة الجنس الآدمي بكشف العورة وإبداء السوأة بفلسفة شيطانية من شعاراتها التقدم والحضارة
__________
(1) وذكر الشيخ بقية رجزها، ثم قال: "وإنما ذكرنا بقية رجزها الخسيس السخيف لتنبيه إخواننا على خسة ما يدعو إليه الشيطان ويزينه".
(1/168)
والرقي والتمدن. وقد وصل إلى جميع غاياته في البلاد الكافرة، فترك نساءها عاريات الفروج بالمجلات والجرائد ومواضع السباحة في الماء وغير ذلك، والإباحية فيها قائمة على قدم وساق، وأولاد الزنا لا يمكن إحصاؤهم إحصاءً دقيقًا لكثرتهم والعياذ بالله، وهذا أمر معلوم مفروغ منه في أوروبا وما جرى مجراها.
ثم إن الشيطان أراد أن يهين المسلمين بنفس الإهانة المذكورة التي هي أول نكاية أوقعها بآدم وحواء، وقد وصل إلى كشف كثير من أبدان نساء المسلمين في الجامعات والحفلات والطرق وغير ذلك، وبينت العورة المغلظة، والشيطان مُجِدٌّ في الوصول إلى إبدائها وكشفها من نساء المسلمين. ومعلوم أنه إن تمادى الأمر على ما هو عليه أنه سيصل إلى ذلك كما تشير إليه طبيعة التقاليد المتبعة. نرجو الله أن ينصر دينه ويعلي كلمته ويبصِّر المسلمين طريق الحق ويلهمهم العمل بها حتى يحافظوا علي بناتهم من كل ما يخل بالشرف والفضيلة على ضوء النور السماوي الذي أنزله الله على سيد خلقه - صلى الله عليه وسلم -.
وأما النقطة الثانية: فهي أنا ننبه إخواننا المسلمين على الفرق بين ما ينفع من الحضارة الغربية وما يضر ليأخذوا النافع منها ويتركوا الضار، أما النافع منها الذي يلزمنا أن نسعى للحصول عليه فهو ما أنتجته من الماديات والتنظيمات في جميع نواحي الحياة باعتبار تطوراتها الراهنة. فإن السعي في الحصول على أسباب القوة المادية من صميم ديننا وتعاليم ربنا لنا كما قال تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} الآية [الأنفال: 60] ولفظ الآية الكريمة بدلالة مطابقته يساير تطور الحياة مهما بلغت القوة من الكمال.
(1/169)
أما الضار منها وهو الانحطاط الخلقي ونبذ التعاليم السماوية وعدم الاستنارة بأنوارها فيجب علينا أن ننتبه إلى أنه شر محض لا تخالطه شائبة خير؛ لأنه ليس فيه إلا إضاعة الشرف والمروءة والتمرد على نظام خالق السموات والأرض -جل وعلا- من غير فائدة دنيوية، ومن ذلك: الموضة الجديدة والأزياء المزرية فإنها وإن سموها حضارة وتقدمًا ورقيًّا وحرية فهي في الحقيقة إهدار للفضيلة وإماتة للشرف والصيانة والعفاف والكرامة، فلا تغتروا وفقكم الله بتلك الشعارات الزائفة التي تحمل في طياتها كل سوء مضاد للإنسانية بمعناها الصحيح، ومضاد لمكارم الأخلاق والشرف والفضيلة، ومضاد أيضًا للتعاليم السماوية المتضمنة الآداب الكريمة ومكارم الأخلاق والسير على أحسن المناهج والعادات، ولا يخفى عليكم أن العرب كانوا يغارون على نسائهم ولا يرضون بابتذالهن، وكانوا يرون أن عفاف النساء وصيانتهن وعدم تدنسهن بالريبة من أكبر الأسباب في نجابة الأولاد ونبلهم وعلو شأنهم وشجاعتهم، ومن ذلك قول جرير يمدح بني قيس عيلان بن مضر:
فلا تأمنن الحي قيسًا فإنهم ... بنو محصنات لم تدنس جحورها
ولما كان صخر أخو الخنساء يشاطرها ماله كل سنة، ولامته امرأته ونهته عن إعطائه إياها خير ماله لأن زوجها متلاف قال لها صخر:
وكيف لا أمنحها خيارها ... وهي حَصَانٌ قد كفتني عارها
وأمثال هذا كثير، ومرادنا التمثيل ليعلم به أن من طبيعة العرب الغيرة على الحريم وعدم الدياثة، وضمائرهم حية وطبائعهم أبية لا
(1/170)
ترضى تَدَنس نسائهم بما لا ينبغي، وقد أوضح تلك السجية التي جبلوا عليها من قال:
وإياك واسم العامرية إنني ... أغار عليها من فَمِ المتكلِّمِ
وأحسد كاساتٍ تقبِّلْنَ ثغرَها ... إذا وضعتها موضع اللثْمِ في الفَمِ
وقد روى الشيخان في صحيحهما من حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لا أحد أَغْيَر من الله ولذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا أحد أحب إليه المدح من الله ولذلك مدح نفسه".
أما البخاري فقد روى هذا الحديث في كتاب التفسير في تفسير سورة الأنعام في باب قول تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} [الأنعام: 151] وفي تفسير سورة الأعراف في باب قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} [الأعراف: 33] وأخرجه مسلم في كتاب التوبة في باب غيرة الله تعالى وتحريم الفواحش بأربع روايات بأسانيد، وهذا الحديث من أحاديث الصفات فنُمِرُّه كما جاء وننزه الله عن مشابهة خلقه سبحانه وتعالى عن ذلك علوًّا كبيرًا.
وأما نتائج الاختلاط؛ من كثرة ارتكاب الجرائم وكثرة الأولاد غير الشرعيين، فهو أمر لا حاجة إلى إبدائه لأنه معلوم، ويكفي ما يصدر في جرائد ومجلات البلاد المتقدمة من كثرة الأولاد غير الشرعيين رغم كثرة استعمال الحبوب المضادة للحمل.
(1/171)
وختامًا نسأل الله أن يوفِّق جميع إخواننا المسلمين لما يحبه ويرضاه، وبما ذكرنا يُعلم أن اللائق عدم الاختلاط، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
أملاه الفقير إلى عفو الله
محمد الأمين بن محمد المختار الشنقيطي
(1/172)