×
فتوي عبارة عن سؤال أجاب عنه فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم - أثابه الله -، ونصه " هل صحيح أن الله تعالى خلق الكون لأجل الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ؟ ".

    هل صحيح أن الله تعالى خلق الكون لأجل الرسول محمد ؟

    ما صحة هذا الكلام وهذي الاستدلالات ؟

    روى الحاكم من طريق عبد الله بن مسلم الفهري ، حدثنا إسماعيل بن مسلمة ، أنبأ عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن جده، عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله : لما اقترف آدم الخطيئة قال : يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت لي . فقال الله : يا آدم ، وكيف عرفت محمداً ولم أخلقه ؟ قال : يا رب ، لأنك لما خلقتني بيدك ، ونفخت في من روحك، رفعت رأسي ، فرأيت على قوائم العرش مكتوبا : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك . فقال الله : صدقت يا آدم ، إنه لأحب الخلق إلي ، ادعني بحقه ، فقد غفرت لك ، ولولا محمد ما خلقتك

    وأن الإمام أحمد يجوز الحلف بالنبي وينعقد وذلك أنه أحد ركني الشهادتين وبهما يدخل الإنسان الإسلام

    وفي الحديث ( بني الإسلام على خمس شهادة ألا إله إلا وأنا محمدا عبده ورسوله)

    فالحديث ليس فيه تساوي لأن الاقتران لا يقتضي التساوي وإنما يقتضي المشاركة في الحكم

    ولذلك فالشهادتان ليست نوعا من أنواع الشرك بل هي مأذون ومأمور بها من الله تعالى

    من أجل أن نعرف أننا لا نصل إلى ربنا إلا بهذا النبي المصطفى

    (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ)

    وعلى ذلك جاء حديث آدم في المستدرك الذي رواه الحاكم

    وأن في القرآن والسنة ما يؤكد أن الله خلق الكون لأجل النبي

    مثل (أنا سيد ولد آدم) وقوله تعالى : (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ)

    لأن الله لو خلق الأفلاك وعلم أنه لن يستطيع أحد أن يوفي مراده من خلقه لما خلق الأفلاك

    لكنه سبحانه وتعالى لما عرف إنسانا هو في ميزان النبي يستطيع أن يمتثل لكل أمر ويبتعد عن كل نهي، خلق الكون

    وأولو العزم من الرسل يحاولون يقلدون ذلك المثال الأتم

    الجواب :

    القَوْل بأن الله خَلَق الْخَلْق ، أو خَلَق الأفلاَك لأجْل نَبِيّنا محمد صلى الله عليه وسلم مِن الغُلو والإطراء الذي نَهَى عنه النبي صلى الله عليه وسلم بِقوله : لاَ تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابنَ مَرْيَمَ ، فَإنّمَا أنَا عَبْدُه ، فَقُولُوا عَبْد اللَّه وَرَسُولُه . رواه البخاري .

    ثم إن هذا القول مُخالِف لِقوله تبارك وتعالى : (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ)

    وأمّا حديث : " لَمَّا اقْتَرَفَ آدَمُ الْخَطِيئَةَ قال : يَا رَبّ أسْأَلُكَ بِحَقِّ مُحَمّد لَمَا غَفَرْتَ لِي ... " فقد رواه الحاكم وصحّحه ، وتعقّبه الذهبي بِقَوله : بل موضوع . وأوْرَده الإمام الذهبي في " ميزان الاعتدال " في ترجمة عبد الله بن مسلم الفهري . فقال : رَوَى عن إسماعيل بن مَسلَمة ابن قعنَب ، عن عبد الرحمن بن يزيد بن أسلم خَبَرًا بَاطِلا فيه : يا آدم لَوْلا محمد ما خَلقتُك . رواه البيهقي في دلائل النبوة .

    وكذلك قال الألباني .

    والحديث الموضوع : مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والحديث المكذوب لا يَجوز نَشْره ولا تَنَاقله إلاّ على سبيل البَيَان والتحذير منه .

    ومِمّا يشتهر على الألسنة حديث : " لَوْلاَك لَمَا خَلقتُ الأفلاك ".

    قال الصغاني في " الأحاديث الموضوعة " : موضوع .

    وكذلك قال الشّوْكاني في " الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة " ، والفَتّني في " تذكرة الموضوعات " ، والألباني في " سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة " .

    قال الشيخ الألباني رحمه الله : وأما قول الشيخ القارِي : لكن معناه صحيح ، فقد روى الديلمي عن ابن عباس مرفوعا : " أتاني جبريل فقال: يا محمد لولاك لَمَا خَلقتُ الجنة ، ولولاك ما خَلقتُ النار " ، وفي رواية ابن عساكر : " لولاك ما خلقتُ الدنيا ".

    فأقول : الْجَزْم بِصِحّة معناه لا يَلِيق إلاّ بعد ثبوت ما نَقَله عن الديلمي ، وهذا مِمّا لَم أرَ أحدًا تَعَرّض لِبَيَانه ، وأنا وإن كنتُ لَم أقِف على سَنَدِه ، فإني لا أتَرَدّد في ضَعفِه ، وحسبنا في التدليل على ذلك تَفرّد الديلمي به ، ثم تأكّدت مِن ضَعفِه ، بل وَهائه ، حين وَقَفتُ على إسناده في " مسنده " مِن طريق عبيد الله بن موسى القرشي حدثنا الفضيل بن جعفر بن سليمان عن عبد الصمد بن علي بن عبد الله ابن عباس عن أبيه عن ابن عباس به.

    قلت : وآفَتُه عبد الصمد هذا ، قال العقيلي : حديثه غير محفوظ ، ولا يُعرَف إلاّ بِه .

    (سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة)

    ومثله حديث : " وَلَقَدْ خَلَقْتُ الدُّنْيَا وَأهْلَهَا لأُعَرِّفَهُم كَرَامَتَك عَلَيّ وَمَنْزِلَتَك عِنْدِي وَلَوْلاك مَا خَلَقْتُ الدُّنْيَا "

    قال ابن الجوزي : هذا حديث موضوع لا شك فيه ، وفى إسناده مجهولون وضعفاء ، والضعفاء أبو السكين وإبراهيم بن اليَسَع .

    (الموضوعات)

    وقال السيوطي : مَوْضُوع : أبُو السكين وَإِبْرَاهِيم وَيحيى الْبَصْرِيّ ضعفاء متروكون وَقال الفلاّس : يَحْيَى كَذَّاب يُحدث بالموضوعات .

    (اللآلىء المصنوعة في الأحاديث الموضوعة)

    ويُغني عن هذا كُلّه : أن نَبِيّنا محمدا صلى الله عليه وسلم سيّد الْخَلْق ، كما قال عليه الصلاة والسلام : أنَا سَيِّدُ وَلَد آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَة ، وَأوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ الْقَبْرُ ، وَأوَّلُ شَافِعٍ وَأوَّلُ مُشَفَّع . رواه مسلم .

    وأن الله عزّ شأنه أخذ الميثاق على النّبِيّين الإيمان بِمحمد صلى الله عليه وسلم إن بُعث وهُم أحياء .

    قال الله عزّ وجَلّ : (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ)

    قال عَلِيُّ بن أبِي طَالِب ، وَعَبْدُ اللَّهِ بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللّه عنهما: مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا مِن الأَنْبِيَاءِ إلاّ أخَذَ عَلَيْه الْمِيثَاق لَئِن بُعِثَ مُحَمّد صلى الله عليه وسلم وَهُوَ حَيٌّ لَيُؤْمِنَنّ بِه وَلِيَنْصُرَنّه ، وَأمَرَهُ أن يَأْخُذَ الْمِيثَاق عَلَى أُمَّتِه ، لَئِنْ بُعِثَ مُحَمّد وَهُم أحْيَاءٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِه وَلِيَنْصُرُنَّه .

    قال ابن كثير : وَهَذا تَنْوِيه وَتَنْبِيه عَلَى شَرَفِه ، وَعَظَمَتِه فِي سَائِر الْمِلَل ، وَعَلَى ألْسِنَة الأَنْبِيَاءِ ، وَإعْلامٌ لَهُم وَمِنْهُم بِرِسَالَتِه فِي آخِر الزَّمَان ، وَأنّه أكْرَمُ الْمُرْسَلِين وَخَاتَم النَّبِيِّين .

    وَقَدْ أوْضَحَ أَمْرَه ، وَكَشَفَ خَبَرَه ، وَبَيَّنَ سِرَّه ، وَجَلَّى مَجْدَه ، وَمَوْلِدَه وَبَلَدَه : إبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ فِي قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام حِينَ فَرَغَ مِن بِنَاء الْبَيْت (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) ، فَكَانَ أوَّلُ بَيَان أمْرِه عَلَى الْجَلِيَّة وَالْوُضُوح بَيْن أهْلِ الأَرْض عَلَى لِسَان إِبْرَاهِيم الْخَلِيلِ أكْرَمِ الأَنْبِيَاء عَلَى اللَّه بَعْد مُحَمّدٍ صَلَوَاتُ اللَّه عَلَيه وَسَلامُه عَلَيْهما ، وَعَلَى سَائِرِ الأَنْبِيَاء .

    (البداية والنهاية)

    وسبق :

    مَن هو خيرُ البريّة ؟

    http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=4005

    هل ثبَت عن الإمام أحمد بن حنبل أنه أجاز الْحَلْف بالنبي ﷺ والتبرّك بِقَبْرِه ومِنْبَرِه ؟

    http://almeshkat.net/vb/showthread.php?t=92972

    ما حُكم التوسّل بِجاه النبي صلى الله عليه وسلّم ، أو بِحقِّه ؟

    http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=4196

    محمد رسول الله ﷺ : مِن كَريم صِفاته ومعجزاته ودلائل نُبُوّته

    https://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=16496

    والله تعالى أعلم.