×
بشراكم يا أهل القرآن: هذه المقالة تحتوي على العديد من الأدلة من القرآن الكريم والسنة النبوية المُطهَّرة على فضل القرآن وتلاوته وفضلها، وتدبُّر القرآن وكيف يصِلُ المسلمُ إلى هذا التدبُّر.


    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد..

    فإن القرآن الكريم هو كتاب الله الذي }لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ{ [فصلت:42] }قُرْآَنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ{ [الزمر:28]

    كتاب الله الذي: }يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ{[المائدة:16].

    كتاب الله الذي استمع إليه نفر من الجن فقالوا: }إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآَمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا{[الجن:1-2].

    كتاب الله الذي قال فيه ربنا: }لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ{[الحشر:21].

    كتاب الله الذي فيه نبأ ما كان قبلنا، وفصل ما بيننا، وخبر ما هو كائن بعدنا: }مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ{[الأنعام:38].

    كتاب الله الذي من اعتصم به نجا، ومن تركه وراء ظهره هلك }فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى{ [طه: 123-126].

    كتاب الله الفصل، الذي ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى العز في سواه أذله الله، من قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم.

    فهو كتاب مبارك، فيه الخير الكثير والعلم الغزير والأسرار البديعة، والمطالب الرفيعة، فكل بركة وسعادة تنال في الدنيا والآخرة فسببها الاهتداء به واتباعه، وكل شقاء وغم وضيق في الدنيا والآخرة فسببه هجره، وترك الإيمان به والتحاكم إليه.

    ***

    فضل القرآن

    للقرآن فضائل لا يمكن حصرها في هذه الورقات، ولكن نشير إلى ذلك بإشارات سريعة:

    أولاً: القرآن كتاب عالمي أنزل للناس جميعاً، كما قال تعالى: }الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا * قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا * مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا * وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا{[الكهف:1-4].

    وقال عن الجن: }وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآَنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ * قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ * يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآَمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ{ [الأحقاف: 29-31].

    ثانيا: والقرآن كتاب هداية، والهداية على قسمين: هداية توفيق وعمل، وهي خاصة بالمؤمنين، وهداية دلالة وإرشاد وهذه عامة لجميع الناس، والقرآن الكريم يشتمل على القسمين من الهداية.

    فمن القسم الأول قوله تعالى: }ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ{[البقرة:2].

    ومن القسم الثاني قوله تعالى: }شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ{[البقرة:185].

    ثالثا: القرآن هو روح القلوب التي تحيا به وتكسب سلامتها وزكاتها منه.

    قال تعالى: }وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا{ [الشورى:52].

    «فكما أن الروح إذا دخلت الأبدان حركتها وأحيتها، كذلك القرآن إذا دخل القلوب فإنه يحييها ويحركها لخشية الله ومحبته، أما إذا خلت القلوب من القرآن فإنها تموت، كما أن الجسم إذا خلى من الروح فإنه يموت»([1]).

    رابعا: والقرآن فارق بين الحق والباطل، مميز بينهما كما قال تعالى: }تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا{[الفرقان:1].

    فوصفه بأنه فرقان وهو الذي يفرق بين الحق والباطن.

    خامساً: والقرآن ذكرى وموعظة لأولي العقول والبصائر.

    قال تعالى: }فَذَكِّرْ بِالْقُرْآَنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ{[ق:45].

    وقال تعالى: }تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ{[ق:8] وقال تعالى: }وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آَيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ{[النور:34].

    سادسا: والقرآن شفاء للأبدان والصدور، ففيه الشفاء الحسي والمعنوي، قال تعالى: }وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ{[الإسراء:82].

    وقال تعالى: }قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ{[يونس:57]

    وقال تعالى: }قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ{ [فصلت:44]

    قال ابن القيم –رحمة الله- «فالقرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية، وأدواء الدنيا والآخرة، وما كل أحد يؤهل ولا يوفق للاستشفاء به، وإذا أحسن العليل التداوي به، بصدق وإيمان وقبول تام، واعتقاد جازم، واستيفاء شروطه، لم يقاومه الداء أبداً وكيف تقاوم الأدواء كلام رب الأرض والسماء؟ الذي لو نزل على الجبال لصدعها، أو على الأرض لقطعها، فما من مرض من أمراض القلوب والأبدان إلا وفي القرآن سبيل الدلالة على دوائه وسببه، والحمية منه، لمن رزقه الله فهما في كتابه.

    وأما الأدوية القلبية، فإنه يذكرها مفصلة، ويذكر أسباب أدوائها وعلاجها، قال تعالى: }أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ{[العنكبوت:51] فمن لم يشفه القرآن فلا شفاه الله، ومن لم يكفه فلا كفاه الله»([2]).

    سابعاً: ومن فضائل القرآن أنه يشفع للمرء يوم القيامة: فعن عبد الله بن عمرو t أن رسول الله ﷺ‬ قال: «الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة؛ يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيهن ويقول القرآن منعته النوم بالليل، فشفعني فيه فيشفعان»[رواه أحمد وصححه الألباني].

    ثامناً: ومن فضائل القرآن: أن أهل القرآن هم أهل الله الذين شرفهم بالانتساب إليه وكفى بذلك شرفا، فعن أنس t قال: قال رسول الله ﷺ‬: «إن لله أهلين من الناس» قيل: من أهل الله منهم؟ قال: «أهل القرآن هم أهل الله وخاصته»[رواه أحمد والنسائي وصححه الألباني].

    تاسعاً: ومن فضائل القرآن: أنه يرفع أصحابه الذين تعاهدوه بالتلاوة والحفظ والتدبر والعمل، فعن عمر بن الخطاب t قال: قال رسول الله ﷺ‬: «إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما، ويضع به آخرين» [رواه مسلم].

    ***

    فضل تلاوة القرآن

    وردت كثير من الآيات والأحاديث في فضل تلاوة القرآن العظيم، من ذلك قوله تعالى: }وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا * وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آَذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآَنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا{[الإسراء:45، 46].

    وقال تعالى: }وَقُرْآَنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا * قُلْ آَمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا * وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا{[الإسراء:106-109].

    وأما الأحاديث التي وردت في فضل تلاوة القرآن فهي كثيرة جداً، منها ما هو عام، ومنها ما هو مخصوص بسورة معينة، فمن الأحاديث العامة في فضل تلاوة القرآن ما يلي:

    1- عن عبد الله بن مسعود t قال: قال رسول الله ﷺ‬: «من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول }ألم{ حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف» [رواه الترمذي وقال حسن صحيح غريب وصححه الألباني].

    2- وعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله ﷺ‬: «...وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده» [رواه مسلم].

    3-وعن عائشة y قالت: قال رسول الله ﷺ‬: «الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران» [متفق عليه].

    4-وعن أبي أمامة الباهلي t قال: سمعت رسول الله ﷺ‬ يقول: «اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه» [رواه مسلم].

    5-وعن سالم عن أبيه، عن النبي ﷺ‬ قال: «لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن، فهو يقوم به أناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالا فهو ينفقه آناء الليل والنهار» [متفق عليه].

    6-وعن أبي موسى الأشعري t قال: قال رسول الله ﷺ‬: «مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة: ريحها طيب وطعمها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة: لا ريح لها، وطعمها حلو، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة: ريحها طيب وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة: ليس لها ريح، وطعمها مر» [متفق عليه].

    7-وعن ابن عباس y قال: قال رسول الله ﷺ‬: «إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب» [رواه الترمذي وقال: حسن صحيح].

    8-وعن عبد الله بن عمرو بن العاص y عن النبي ﷺ‬ قال: «يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتق، ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها » [رواه أبو داود والترمذي وقال حسن صحيح].

    ***

    آداب تلاوة القرآن ([3])

    لتلاوة القرآن آداب ينبغي مراعاتها، لتكون القراءة مقبولة مثابا عليها فمنها:

    1-أن يخلص لله في قراءته، بأن يقصد بها رضى الله وثوابه: }وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ{[البينة:5].

    2-أن يتطهر من الحدث الأكبر والأصغر: }لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ{[الواقعة:79].

    3-أن يصون يديه حال قراءته عن العبث، وعينيه عن تفريق نظرهما من غير حاجة.

    4-أن يستاك فيطيب فمه، لأنه طريق القرآن.

    5-الأفضل أن يستقبل القبلة عند قراءته، لأنها أشرف الجهات.

    6-أن يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم.

    7-أن يقرأ (بسم الله الرحمن الرحيم) إذا بدأ من أول السورة.

    8-أن يرتل القرآن فيقرؤه على تؤدة وتمهل، لأن المقصود بالقراءة التدبر، ولا يحصل مع السرعة.

    9-أن يستغل فيه ذهنه وفهمه، حتى يعقل ما يخاطب به.

    10-أن يسأل الله عند آية الرحمة، ويتعوذ عند آية العذاب، ويسبح عند آية التسبيح، ويسجد إذا مر بسجدة.

    11-أن يلازم الخشوع والسكينة والوقار عند تلاوته.

    12-أن يقرأ القرآن على قواعد التجويد بحيث يؤدي لكل حرف حقه من الأداء والنطق السليم.

    13-أن يحسن الإنصات إلى القرآن ولا يعلق على القراءة ببعض العبارات كقول بعضهم: «الله، الله» أو: «أعد، أعد» ونحو ذلك.

    14-ألا يقطع القراءة بكلام لا فائدة فيه.

    15-أن يتعاهد القرآن بالمواظبة على قراءته وعدم تعريضه للنسيان وينبغي ألا يمضي عليه يوم إلا ويقرأ فيه شيئا من القرآن، حتى لا ينساه، ولا يهجر المصحف.

    16-أن يحسن صوته بالقرآن ما استطاع، ففي الحديث: «زينوا القرآن بأصواتكم» [رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني].

    17-أن يحترم المصحف، فلا يضعه على الأرض، ولا يضع فوقه شيئا ولا يرمي به لصاحبه إذا أراد أن يناوله إياه، ولا يمسه إلا وهو طاهر. قال تعالى: }فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ * مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ{[عبس:13-14].

    ***

    تدبر القرآن

    لم ينزل القرآن الكريم لإقامة حروفه وتضييع حدوده، بل نزل لإقامة حروفه وحفظ حدوده وتدبر معانيه، والعمل بأحكامه وآدابه وتوجيهاته.

    قال الشيخ صالح الفوزان: «لا يكفي منا أن نتعلم القرآن الكريم وأن نتلوه ونكثر من تلاوته، بل لابد من التدبر والتفكر في معانيه وأسراره، وما عرفنا به من أسماء الله وصفاته وعظمته، وما قصه علينا من أخبار الأمم السابقة، المؤمنين والكافرين، وما حل بالمكذبين والمجرمين، وما أكرم الله به المؤمنين الطائعين، وكذلك نتدبر أخباره عن اليوم الآخر، وما فيه من الأهوال العظيمة، من أجل أن نستعد له بالأعمال الصالحة، ونتجنب الأعمال المحرمة.

    وكذلك نتفكر في أحكامه الشرعية، فقد بين ما يحل لنا وما يحرم علينا، وما ينبغي لنا وما لا ينبغي من الأفعال والصفات وغير ذلك. قال تعالى: }كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ{[ص:29].

    وقال سبحانه: }أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا{[النساء:82] .. وكلما أكثر الإنسان من تدبر هذا القرآن، فإنه يزيد إيمانه، ويزيد يقينه، ويطمئن قلبه، ويزيد علمه وفقهه، فإنه لا يشبع منه العلماء ولا تفني عجائبه، ولا يخلق من كثرة الرد » ([4]).

    كيف نتدبر القرآن

    قال ابن القيم: «إذا أردت الانتفاع بالقرآن: فاجمع قلبك عند تلاوته وسماعه، وألق سمعك، واحضر حضور من يخاطبه به من تكلم به سبحانه منه إليه، فإنه خطاب منه لك على لسان رسول الله ﷺ‬ قال تعالى: }إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ{[ق:37]»([5]).

    وقال أيضا: «وأنت إذا تدبرت القرآن، وأجرته من التحريف، شهدت ملكا قيوما فوق سماواته على عرشه، يدبر أمر عباده، يأمر وينهي، ويرسل الرسل، وينزل الكتب، ويرضى ويغضب، ويثيب ويعاقب، ويعطي ويمنع، ويعز ويذل، ويخفض ويرفع، يرى من فوق سبع ويسمع، ويعلم السر والعلانية، فعال لما يريد، موصوف بكل كمال، منزه عن كل عيب، لا تتحرك ذرة فما فوقها إلا بإذنه، ولا تسقط ورقة إلا بعلمه، ولا يشفع أحد عنده إلا بإذنه، وليس لعباده من دونه ولي ولا شفيع» ([6]).

    فأين نحن من تدبر القرآن؟

    وأين نحن من فهم القرآن؟

    وأين نحن من الانتفاع بالقرآن؟

    وأين نحن من العمل بالقرآن؟

    عن النواس بن سمعان t قال: سمعت رسول الله ﷺ‬ يقول: «يؤتى بالقرآن وأهله الذين كانوا يعملون به في الدنيا، تقدمه سورة البقرة وآل عمران تحاجان عن صاحبهما» [رواه مسلم].

    وصل اللهم وسلم على محمد وآله وصحبه أجمعين...

    ([1]) تدبر القرآن لفضيلة الشيخ صالح الفوزان ص (8).

    ([2]) زاد المعاد (4/352).

    ([3]) فضائل القرآن الكريم للشيخ عبد الله آل جار الله ص (23-25)باختصار.

    ([4]) تدبر القرآن ص (20-24)باختصار.

    ([5]) الفوائد ص (15).

    ([6]) الفوائد ص (108).