وقفات مع قول الله تعالى: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان .. }
التصنيفات
المصادر
الوصف المفصل
وقفات مع قول الله: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان .. }
نبذة مختصرة عن الخطبة:
ألقى فضيلة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "وقفات مع قول الله: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان .. }"، والتي تحدَّث فيها عن أهمية تدبُّر القرآن؛ وذلك من خلال وقفاتٍ مع آيةِ سورة النحل: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان ..} التي جمعت الأمر بالخير كله، والنهي عن الشر كله، وأن هذه الآية منهاجُ حياةٍ لكل مسلمٍ.
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي أنزل القرآن هُدًى وذكرى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في الآخرة والأولى، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله النبيُّ المُصطفى، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
أُوصيكم ونفسي بتقوى الله - جل وعلا -؛ فبها تتحقَّقُ السعادةُ الكبرى.
أيها المسلمون:
سعادتُنا وعِزُّنا وصلاحُنا ونجاتُنا باتباع القرآن العظيم، فهو الهادي لكل طريقٍ قويم، يُضيءُ لنا المسالكَ ويفتحُ لنا المدارِك، ويُحقِّقُ لنا الخيرات والمصالحَ؛ فما أجمل أن نعيشَ لحظاتٍ في ظِلال كلام ربنا نتدبَّره ونتأمَّل عِظاته، ونعملُ به.
إن آيةً في كتاب ربنا - جل وعلا - عظيمةُ المعاني، جمعت مكارمَ الأخلاق ومحاسِن الأعمال، تستوجِبُ منا الوقوفَ عندها، والاتعاظَ بتوجيهاتها، والعملَ بمدلولاتها، لتكون لنا نبراسًا حياتيًّا ومنهجًا سلوكيًّا، لنسير في إراداتنا وتوجُّهاتنا وتحرُّكاتنا وتصرُّفاتنا وفق أحكامها، وعلى ضوء مبادئها وقواعدها ومقاصدها.
إنها قول الله - جل وعلا -: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [النحل: 90].
آيةٌ تضمَّنت قواعد عُظمى، ومبادئ كبرى تحصُل بها المصالحُ العُليا، ويتحقَّقُ بالعمل بها السعادةُ الكبرى، قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: "أجمعُ آيةٍ في القرآن للخير والنهي عن الشر هذه الآية".
ويقول الحسن: "لم تترك هذه الآيةُ خيرًا إلا أمَرَت به، ولا شرًّا إلا ونهَت عنه".
ويقول قتادة: "ليس من خُلُقٍ حسنٍ يُعمَلُ به ويُستحبُّ إلا أمرَ الله به في هذه الآية، وليس من خُلُقٍ سيءٍ إلا نهى الله عنه في هذه الآية".
فيا عباد الله:
إنها من جوامع الكلِم الربَّاني الذي خُصَّ به النبي - صلى الله عليه وسلم -، كما قاله الحافظ ابن رجب - رحمه الله -.
إخوة الإسلام:
لقد تضمَّنت هذه الآية: الأمرَ بقاعدة العدل الذي يعني: القيام بحقوق الخالق وافيةً، وذلك بإخلاص التوحيد له، وبإفراده بالعبادة والطاعة والخضوع والإنابة، والقيام بشرعه وفق الوسطية التي جاء بها الإسلام من غير تفريطٍ ولا إفراطٍ، وهكذا العدل مع المخلوق الذي يكفَلُ قاعدةً ثابتةً للتعامُل، مبنيةً على المُساواة والإنصاف، بمُختلف صُوره، والبُعد عن الظلم والعدوان بشتَّى أشكاله.
عدلٌ لا يُؤثِّرُ فيه الهوى، ولا يتأثَّر بالمودَّة والبغضاء، عدلٌ لا يتبدَّلُ مُجاراةً للصِّهر والنسب، والغِنى والفقر، والقوة والضعف، يقول ربُّنا - جل وعلا -: وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى [المائدة: 8].
إنه العدل الواجبُ على الحُكَّام والوُلاة والقُضاة، والأزواج والآباء والأمهات، وعلى الأفراد والمُجتمعات، يقول - صلى الله عليه وسلم -: «إن المُقسِطين عند الله على منابر من نورٍ يوم القيامة: الذي يعدِلون في حُكمهم وأهليهم وما وَلُوا»؛ رواه مسلم.
معاشر المؤمنين:
والأمرُ بالإحسان مبدأٌ عامٌّ يشمل علاقةَ العبد بربِّه، فيُحسِنُ في طاعة ربه إخلاصًا ومحبةً ورجاءً وخوفًا وطمعًا، ويشملُ أيضًا: التقرُّب بالمندوبات، والمُسابقة إلى نوافل العبادات، ويشملُ أيضًا: مُحيط الحياة كلها في علاقات الإنسان بالبشرية جمعاء، وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا [البقرة: 83].
إن الإحسان مبدأٌ يشملُ كل طيبٍ من الأقوال والأفعال من جميع المكارم العالية والأخلاق الحسنة، ويشملُ مقابلةَ الخير بأكثر منه، ومُقابلة الشر بالعفو عنه، والتسامُح بما يجلِبُ ودَّ القلوب، ويشفِي غليلَ الصدور، ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [فصلت: 34].
الإحسانُ يعني: إيصالَ النفع للآخرين، والرحمة بالخلق أجمعين، وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [البقرة: 195].
يقول - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله كتبَ الإحسانَ على كل شيءٍ؛ فإذا قتلتُم فأحسِنوا القِتلة، وإذا ذبحتم فأحسِنوا الذِّبحَة، وليُحِدَّ أحدُكم شفرَتَه، وليُرِح ذبيحَته»؛ رواه مسلم.
ومن الإحسان: إيتاءُ ذوي القُربى قريبَهم وبعيدَهم؛ بصِلتهم وبِرِّهم والشفقة عليهم، وإنما نصَّ عليهم تعظيمًا لشأنهم، وتوكيدًا لحقِّهم، يقول - صلى الله عليه وسلم -: «من كان يؤمنُ بالله واليوم الآخر فلْيصِل رحِمَه»، ويقول أيضًا - عليه الصلاة والسلام -: «من أحبَّ أن يُبسَط له في رِزقه، ويُنسأَ له في أثره فليصِلْ رحِمَه»؛ متفق ليهما.
إخوة الإسلام:
ويأتي النهيُ في هذه الآية عن أصول الشُرُور ومنابعها؛ فينهَى الله العبادَ عن الفحشاء التي هي: كل أمرٍ تناهَى قُبحُه من الأقوال والأفعال؛ من الذنوب العظيمة التي تستبشِعُها الفطَرُ السليمة، والشرائعُ الصحيحة؛ كالشرك بالله، والقتل بغير حقٍّ، والزنا، والسرقة، ونحو ذلك من الفواحِش التي تجلِبُ المصائبَ، وتُنزِلُ بالخلق العذابَ الواصِبَ.
عباد الله:
وفي مضامين وصايا هذه الآية: النهيُ عن المنكر الذي يعني: المعاصيَ والسيئات بما فيه مُخالفةٌ لأوامر الله - جل وعلا - وأوامر رسوله - صلى الله عليه وسلم -.
ويأتي ثالثُ النواهي: النهيُ عن البغي الذي هو: الظلمُ بجميع صوره، وتجاوُز الحق في التعامُل بالاستعلاء والتجبُّر والعُدوان على الخلق في الدماء والأعراض والأموال مما بيَّن حرمتَه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في قوله: «كلُّ المسلمِ على المسلمِ حرامٌ؛ دمُه ومالُه وعِرْضُه»؛ رواه مسلم.
يقول - جل وعلا -: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [النور: 21].
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكرُ له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رِضوانه، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابه.
أيها المسلمون:
إن الشريعةَ الإسلاميةَ قد حرِصَت على كفِّ الأذى، وحرَّمت إيصال الشر والبلاء إلى الناس، ومن هنا نعلمُ خُطورةَ قتل الأبرياء وسفكِ الدماء وانتهاك الحُرمات، فليحذَر المسلمون من خُطوات الشيطان، ولْيتُوبوا إلى الرحمن، وليعلموا أن الله - جل وعلا - بالمِرصاد لمن بغَى وتجبَّر وتسلَّط واعتدى على المسلمين والمعصومين.
روى الحاكم وصحَّحه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما من ذنبٍ أجدرُ أن تُعجَّل لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يُدَّخرُ له في الآخرة من البغي وقطيعة الرَّحِم».
ثم إن الله أمرنا بأمرٍ عظيمٍ، ألا وهو: الصلاة والسلام على النبي الكريم.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على نبينا وحبيبنا محمد، وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين، والأئمة المهديين: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن الآلِ والصحبِ أجمعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أذِلَّ الشرك والمشركين.
اللهم أصلِح أحوالنا وأحوال المسلمين، اللهم أصلِح أحوالنا وأحوال المسلمين، اللهم احفظ المسلمين في كل مكان، اللهم احفظ المسلمين في كل مكان، اللهم احفظ المسلمين في كل مكان، اللهم ارفع عنهم ما أصابهم من البلواء والشرور يا رحمن، اللهم ارفع عنهم ما أصابهم من المصائب التي لا تخفى عليك يا جبَّارُ يا قويُّ.
اللهم الطُف بأمة محمد - صلى الله عليه وسلم -، اللهم الطُف بأمة محمد - صلى الله عليه وسلم -، اللهم الطُف بها، اللهم أخرِجها من الظلمات إلى النور، اللهم أخرِجها من الذلِّ إلى العِزَّة، اللهم أخرِجها من الهوان إلى العِزَّة يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم إليك نشكو مما أصاب المسلمين من سفك الدماء، وقتل الأبرياء.
اللهم ولِّ عليهم خِيارَهم، اللهم ولِّ عليهم خِيارَهم، اللهم ولِّ عليهم خِيارَهم،، اللهم وجنِّبهم شِرارَهم وفًُجَّارَهم، اللهم جنِّبهم شِرارَهم وفًُجَّارَهم، اللهم واكفِهم شِرارَهم وفُجَّارهم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم لا تجعل للأشرار على المسلمين يدًا، اللهم لا تجعل للأشرار على المسلمين يدًا.
اللهم ألِّف بين قلوبهم على الحق والتقوى، اللهم ألِّف بين قلوبهم على الحق والتقوى، اللهم انصر المسلمين في كل مكان، اللهم انصر المسلمين في كل مكان، اللهم انصر المسلمين في كل مكان.
اللهم احفظ علينا أمنَنا، اللهم احفظ علينا أمنَنا، اللهم احفظ علينا أمنَنا يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم وفِّق وليَّ أمرنا لما تحبُّ وترضى، اللهم اجعله سببًا لهداية المسلمين، اللهم اجعله سببًا لتحقيق الوحدة بين المؤمنين.
عباد الله:
اذكروا الله ذكرًا كثيرًا، وسبِّحُوه بُكرةً وأصيلاً.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.