×
كتاب يُبيِّن أن السنة هي الأصل الثاني من أصول الإسلام، وأن مكانتها الصدارة بعد كتاب الله - عز وجل -، وقد تحدَّث المؤلف - أثابه الله - عن أهمية السنة في الإسلام، كما حذَّر من بعض المُشكِّكين في حجيّتها وردّ على بعض شبهات المخالفين.

    بسم الله الرحمن الرحيم

    مكانة السنة في الإسلام

    الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد ص وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.

     عباد الله:

    يظن كثير من الناس أن ما ورد في القرآن الكريم فهو واجب وأن ما ورد في السنة المطهرة فهو سنة مستحب يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه!!.

    ودخل هذا الفهم الخاطئ عليهم لاختلاط معني السنة بأصل وجوب طاعة الرسول ص،وأمثال هؤلاء إن ذكرت لهم حكما قال: هل ورد في القرآن؟؟

    ونقف مع هؤلاء الناس عدة مواقف:

    الأول: أن الله تعالى أوجب طاعة النبي ^ في آيات كثيرة جدا،وهي طاعة مستقلة بذاتها لأنه رسول الله،ومن هذه الآيات قوله تعالى: فقال قال الله تعالى: ((قُل إن كنتُم تُحبُّونَ الله فاتَّبِعُوني يُحبِبكُمُ الله ويَغفِر لكم ذُنُوبَكُم والله غَفُورٌ رحيمٌ * قُل أطِيعُوا الله والرَّسُولَ فإن تَوَلَّوا فإنَّ الله لا يُحِبُّ الكَافِرِينَ)) وقال أيضاً: ((فلا ورَبِّكَ لا يؤمِنونَ حتَّى يُحكِّموكَ فيما شَجَرَ بينهم ثمَّ لا يَجدوا في أنفُسهِم حرَجاً ممَّا قضَيتَ ويُسلِّموا تَسليماً) وقال أيضاً: ((ومن يُطع الله والرَّسولَ فأولَئِكَ معَ الَّذين أنعَمَ الله عليهِم من النَّبيِّينَ والصِّدِّيقينَ والشُّهداءِ والصَّالِحينَ وحَسُنَ أُولئِكَ رفيقاً * ذلك الفضلُ من الله وكفى بالله عليماً) وقال أيضاً: ((من يُطعِ الرَّسولَ فقد أطاعَ الله ومن تَولَّى فما أرسلناكَ علَيهِم حفيظاً) وقال أيضاً: ((وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيْحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَابِرِين) وقال أيضاً: ((إنَّما كان قولَ المؤمنينَ إذا دُعُوا إلى الله ورسولِهِ لِيَحْكُمَ بينهم أن يقولوا سَمِعنا وأطَعنا وأولئِكَ هم المفلِحونَ * ومن يُطع الله ورسولَهُ ويَخشَ الله ويتَّقْهِ فأولئِكَ هم الفائِزونَ)) سورة النور،وقال أيضاً: ((وما كان لمؤمنٍ ولا مؤمنةٍ إذا قضى الله ورسُولُهُ أمراً أن يكونَ لهمُ الخِيَرَةُ من أمرهِم ومن يَعصِ الله ورسولَهُ فقد ضلَّ ضلالاً مبيناً)).

    ثانيا:الأدلة من السنة على وجوب طاعة النبي ص:

    أما ما ورد في السنة المطهرة من وجوب طاعته ص كثير ومنه: عن أبي هريرة ا أن رسول الله ^ قال: {كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قالوا: ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى} أخرجه البخاري.

    عن عبدالله بن عمرو قال: كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله ص أريد حفظه، فنهتني قريش وقالوا: أتكتب كل شيء تسمعه ورسول الله ص بشر يتكلم في الغضب والرضى، فأمسكت عن الكتاب فذكرت ذلك إلى رسول الله ص فأومأ بأصبعه إلى فيه فقال: {اكتب فوالذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا حق} قال الوادعي: بسند صحيح([1]).

    منها قوله ص: {عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين...الحديث}([2])

    قوله ص: {من رغب عن سنتي فليس مني}([3]) وقوله: {صلوا كما رأيتموني أصلي} رواه البخاري، وقوله: {خذوا عني مناسككم} رواه النسائي.

    ثالثا: أن النبي ^ نبه أن سيأتي من يقول بعدم وجوب طاعة النبي ص:

    قال رسول الله ^: {لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول: لا أدري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه وإلا فلا}([4]).

    عن المقدام بن معدي كرب ا قال: قال رسول الله ^: {ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه وإن ما حرم رسول الله كما حرم الله..}([5]).

    وعن أبي هريرة ا قال: قال رسول الله ^: {تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهم - ما تمسكتم بهما - كتاب الله وسنتي ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض}([6]).

    ثالثا: بعض المساءل التي استقلت السنة بتشريعها وأجمع المسلمون عليها:

    بدأ بوادر هذا الداء ألا وهو شبهة أن أوامر السنة غير ملزمة في وقت مبكر فهذا عمران بن حصين ا يرد على أحدهم لما قال له: «إنكم تحدثونا بأحاديث لم نجد لها أصلاً في القرآن» فغضب عمران وقال: «إنك امرؤ أحمق، أتجد في كتاب الله الظهر أربعا لا يجهر فيها بالقراءة؟، ثم عدد إليه الصلاة والزكاة ونحو هذا، ثم قال: أتجد هذا في كتاب الله مفسَّرا، إن كتاب الله أبهم هذا، وإن السنة تفسر ذلك».

    قال الإمام ابن حزم /: «في أي قرآن وجد أن الظهر أربع ركعات، وأن المغرب ثلاث ركعات، وأن الركوع على صفة كذا، والسجود على صفة كذا، وصفة القراءة فيها والسلام، وبيان ما يجتنب في الصوم، وبيان كيفية زكاة الذهب والفضة، والغنم والإبل والبقر، ومقدار الأعداد المأخوذ منها الزكاة، ومقدار الزكاة المأخوذة، وبيان أعمال الحج من وقت الوقوف بعرفة، وصفة الصلاة بها وبمزدلفة، ورمي الجمار، وصفة الإحرام وما يجتنب فيه، وقطع يد السارق، وصفة الرضاع المحرم، وما يحرم من المآكل، وصفة الذبائح والضحايا، وأحكام الحدود، وصفة وقوع الطلاق، وأحكام البيوع، وبيان الربا والأقضية والتداعي، والأيمان والأحباس والعمرى، والصدقات وسائر أنواع الفقه؟ وإنما في القرآن جمل لو تركنا وإياها لم ندر كيف نعمل فيها، وإنما المرجوع إليه في كل ذلك النقل عن النبي ^، وكذلك الإجماع إنما هو على مسائل يسيرة... فلا بد من الرجوع إلى الحديث ضرورة، ولو أن امرأ قال: لا نأخذ إلا ما وجدنا في القرآن لكان كافرا بإجماع الأمة» أهـ.

    وأين وجد تحريم الجمع بين المرأة وعمتها،وأين وجد وجوب زكاة الفطر،أين وجد تحريم لبس الذهب على الرجال وغيره هذا كثير.

    الحمد لله..

    رابعا:أقوال أهل العلم رحمهم الله:

    طاعة الرسول ص هي طاعة لله عزَّ وجل ومعصيته معصية لله، لأن أوامره ما هي إلا وحي من الله وعمل بكتابه الكريم، فقد أرسل تعالى الرسل وأيَّدهم بوحيه لتكتمل مقوِّمات وجوب طاعتهم على الناس، فإذا قضى الرسول قضاءً بإذن الله فلا مناص من تنفيذه والإذعان له لأنه من أمر الله.

    وعن عطاء / وافي قوله: «أطيعوا الله وأطيعوا الرسول»، قال: طاعة الرسول، اتباع سُنته.

    قال الإمام الشافعي /: «لم أسمع أحداً نسبه الناس أو نسب نفسه إلى علم، يخالف في أن فرض الله عز وجل اتباع أمر رسول الله ^والتسليم لحكمه، وأن الله عز وجل لم يجعل لأحد بعده إلا اتباعه، وأنه لا يلزم قول بكل حال إلا بكتاب الله أو سنة رسوله ^، وأن ما سواهما تبع لهما، وأن فرض الله علينا وعلى من بعدنا وقبلنا في قبول الخبر عن رسول الله ^ واحد لا يختلف فيه الفرض، وواجب قبول الخبر عن رسول الله ^»([7]).

    قال الإمام أحمد بن حنبل /: «نظرت في المصحف فوجدت طاعة الرسول ^ في ثلاثة وثلاثين موضعًا»([8]).

    وقال الإمام أبو بكر الآجري /: «فرض على الخلق طاعته ^ في نيف وثلاثين موضعاً من كتابه عز وجل»([9]).

    وقال شيخ الإسلام ابن تيمية /: «وقد أمر الله بطاعة رسوله ^ في أكثر من ثلاثين موضعا من القرآن، وقرن طاعته بطاعته، وقرن بين مخالفته ومخالفته، كما قرن بين اسمه واسمه، فلا يذكر الله إلا ذكر معه».

    وقال الشيخ شهاب الدين محمود الألوسي /: {أَطِيعُواْ الله} أي الزموا طاعته فيما أمركم به ونهاكم عنه {وَأَطِيعُواْ الرسول} المبعوث لتبليغ أحكامه إليكم في كل ما يأمركم به وينهاكم عنه أيضاً، وأعاد الفعل وإن كانت طاعة الرسول مقترنة بطاعة الله تعالى اعتناءاً بشأنه عليه الصلاة والسلام وقطعاً لتوهم أنه لا يجب امتثال ما ليس في القرآن وإيذاناً بأن له ^ استقلالاً بالطاعة لم يثبت لغيره([10]).

    وقال الشيخ الشوكاني /: {مَّنْ يُطِعِ الرسول فَقَدْ أَطَاعَ الله} فيه أن طاعة الرسول طاعة لله، وفي هذا من النداء بشرف رسول الله ^، وعلوّ شأنه، وارتفاع مرتبته ما لا يقادر قدره، ولا يبلغ مداه، ووجهه أن الرسول لا يأمر إلا بما أمر الله به، ولا ينهي إلا عما نهى الله عنه وقال: طاعة الرسول اتباع الكتاب والسنة([11]).

    فتبين مما سبق وجوب الاحتجاج بالسنة والعمل بها، وأنها كالقرآن في وجوب الطاعة والاتباع، وأن المستغني عنها هو مستغن في الحقيقة عن القرآن، وأن طاعة الرسول ^ طاعة لله، وعصيانه عصيان لله تعالى، وأن العصمة من الانحراف والضلال إنما هو بالتمسك بالقرآن والسنة جميعا ً.



    ([1])الصحيح المسند 800

    ([2]) هذا الحديث مروي من طريق العرباض بن سارية ا وهو مخرج عند الإمام أحمد: (4/126-127)، وأبي داود في السنة في باب لزوم السنة: (12/358-359-عون المعبود)، والترمذي في باب:ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع: (5-43-رقم 2676)، وابن ماجه: (1/16-رقم 43)، والدارمي: (1/44-45)، وابن حبان: (رقم 102-موارد)، والحاكم: (1/95-96)،وصححه الترمذي والحاكم وغيرهما.

    ([3])أخرجه البخاري: (9/104-فتح الباري)، ومسلم: (2/1020-رقم 1401).

    ([4])رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه وابن ماجه والطحاوي وغيرهم بسند صحيح

    ([5])رواه أبو داود والترمذي والحاكم وصححه وأحمد بسند صحيح

    ([6])أخرجه مالك مرسلا والحاكم مسندا وصححه

    ([7])(الأم 7/460)

    ([8])الصارم المسلول لشيخ الإسلام ابن تيمية (ص 56)

    ([9])الشريعة (ص 49).

    ([10])مجموع الفتاوى (19/ 103).