×
بحث مقدم إلى ندوة ترجمة السنة والسيرة النبوية والتي عُقدت بالرياض في الفترة من 23، 25/صفر/1429هـ، يبين بعض أسباب وقوع الأخطاء العقدية في ترجمات السنة النبوية، مع بيان بعض التدابير الواقية من تلك الأخطاء.

 الأخطاء العقَدية في ترجمات السنة النبوية أسبابها، والتدابير الواقية منها

بحث أعده:

د. صالح بن عبد العزيز بن عثمان سندي

الأستاذ المساعد بقسم العقيدة بالجامعة الإسلامية بالمدينة


بسم الله الرحمن الرحيم

 المقدمة

الحمد لله معز التوحيد بنصره، ومذل الكفر بقهره، ومصرف الأحوال بأمره، أحمده بجميع محامده، وأثني عليه في بادئ الأمر وعائده، على وافر عطائه ورافده، فله الحمد دائبا، والشكر واصبا.

وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده المصطفى، ورسوله المقتفى، صلى الله عليه وعلى آله الطيبين، وصحابته الميامين، وسلم تسليما مزيدا.

أما بعد:

فإن دين الإسلام هو الدين الخاتم الذي أوجب الله على جميع الناس الإيمان به منذ مبعث النبي عليه الصلاة والسلام وإلى قيام الساعة؛ فليس مخصوصا بفئة، أو مرتبطا بقوم، أو محدودا بحقبة؛ قال تعالى: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا) [الأعراف: 158]، وقال عليه الصلاة والسلام: (وبعثت إلى كل أحمر وأسود)([1]).

وحتى تقوم حجة الله على البشر فلا بد أن تبلغهم باللسان الذي يفهمون؛ قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [إبراهيم: 4].

قال ابن كثير رحمه الله: (هذا من لطفه تعالى بخلقه: أنه يرسل إليهم رسلا منهم بلغاتهم؛ ليفهموا عنهم ما يريدون وما أُرسلوا به إليهم)([2]).

ومن هنا تبرز أهمية –بل ضرورة- ترجمة الوحي الكريم -كتابا وسنة- إلى اللغات المختلفة؛ فالإسلام رسالة عالمية؛ فيجب أن تبلغ ما بلغ الليل والنهار.

ولقد توالت الجهود في القيام بهذا الواجب المؤكد، ونهض إلى أدائه فئام من الناس منذ مئات السنين، فأثمرت هذه الجهود ترجمات كثيرة، منها الصالح، ومنها دون ذلك؛ بحسب تنوع مشارب المترجمين وعلمهم ومقدرتهم على الترجمة.

وقد انبعثت من بين هذه الأعمال الكثيرة مشكلة كبرى تستوجب أن تُصرف العناية إلى علاجها؛ ألا وهي الأخطاء العلمية الواقعة في تلك الترجمات؛ إذ كثير من تلكم الترجمات المنشورة تحمل في طياتها تقريرات مخالفة للحق، مجانبة للصواب.

إنه لمن الغني عن البيان أن الترجمة قضية بالغة الصعوبة، وأن الشروط التي تشترط في المترجم ليست سهلة، وبسبب تخلف بعض تلك الشروط وقع في جملة من تلك الترجمات أغلاط كثيرة، طالت جوانب متنوعة، غير أنها جميعا تصبح هيّنة أمام ما يمس حمى العقيدة وجناب التوحيد؛ فالأصل أن المخالفة في باب الاعتقاد ليست كالمخالفة في غيره؛ فرب زلة من هذا الباب نقضت إيمان المرء بالكلية، أو أنقصته وقدحت فيه، قال الشافعي رحمه الله: (والله لأن يفتي العالم فيقال: أخطأ العالم، خير من أن يتكلم فيقال: زنديق، وما شيء أبغض إلي من الكلام وأهله)([3])     

قال الذهبي معلقا: (هذا دال على أن مذهب أبي عبد الله أن الخطأ في الأصول ليس كالخطأ في الاجتهاد في الفروع)([4])

وإذا كان الأمر بهذه المثابة؛ فلا شك أن القيام بواجب البيان والتحذير من تلكم الأخطاء العقدية من الواجبات العظام، ومن فروض الكفايات، وهو ضرب من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن التواصي بالحق، ومن النصح لكل مسلم.

قال أبو العباس ابن تيمية رحمه الله: (وإذا كان النصح واجبا في المصالح الدينية الخاصة والعامة؛ مثل نَقَلة الحديث الذين يغلطون أو يكذبون ... ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة، أو العبادات المخالفة للكتاب والسنة؛ فإن بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين، حتى قيل لأحمد بن حنبل: الرجل يصوم ويصلى ويعتكف أحب إليك أو يتكلم في أهل البدع؟ فقال: إذا قام وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه، وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين، هذا أفضل.

 فبيّن أن نفع هذا عام للمسلمين في دينهم، من جنس الجهاد في سبيل الله؛ إذ تطهير سبيل الله ودينه ومنهاجه وشرعته ودفع بغي هؤلاء وعدوانهم على ذلك واجب على الكفاية باتفاق المسلمين، ولولا من يقيمه الله لدفع ضرر هؤلاء لفسد الدين، وكان فساده أعظم من فساد استيلاء العدو من أهل الحرب؛ فإن هؤلاء إذا استولوا لم يفسدوا القلوب وما فيها من الدين إلا تبعا، وأما أولئك فهم يفسدون القلوب ابتداء)([5]).

وبناء على ما سبق فقد رغبتُ –في هذا البحث المختصر- في أن ألفت النظر إلى أهمية هذه القضية، وأن أشير إلى مهمات أسباب وقوع الأخطاء العقدية في ترجمات السنة النبوية، وإلى طرف من التدابير التي تقي –بتوفيق الله-من الوقوع في ضرر تلك الأخطاء.

وأعتقد أنه لن يدرك أهمية الموضوع من المعتنين بالترجمات -ترجمة وطباعة ونشرا- إلا من للعقيدة السلفية في نفوسهم أهمية لا تجارى، ومكانة لا تبارى.

وقد كان تخصيص البحث بترجمات السنة –مع اشتراك ترجمات معاني القرآن في كل متعلقات الموضوع-نظرا إلى أن ترجمات معاني القرآن قد نالت حظا لا بأس به من العناية والتنقيح والتصويب؛ في حين أن ترجمات كتب السنة لم تنل –في رأيي- مثل تلك العناية.

وقد وسمت البحث بـ: الأخطاء العقدية في ترجمات السنة النبوية: أسبابها، والتدابير الواقية منها.

وقد جعلته –بعد هذه المقدمة- في مبحثين:

الأول: أسباب وقوع الأخطاء العقدية في ترجمات السنة النبوية.

الثاني: التدابير الواقية من تلك الأخطاء.

هذا وقد سلكت في كتابة البحث المسلك المتبع لدى الباحثين في التوثيق والنقل والاقتباس وعزو الآيات وتخريج الأحاديث واستعمال علامات الترقيم وما إلى ذلك.

كما أنني استعنت في الوقوف على نماذج من الأخطاء العقدية في ترجمات كتب الحديث المختلفة ببعض الإخوة من الأساتذة وطلاب العلم من أهل اللغات التي كتبت بها الترجمات، فلهم مني الشكر والتقدير .. والحمد لله، ومنه أستمد العون والتوفيق.


 المبحث الأول: أسباب وقوع الأخطاء العقدية في ترجمات السنة النبوية

 أولا: ضعف المترجم في اللغة العربية:

إن تمكن المترجم من اللغة العربية الركيزةُ الأولى في الترجمة، وبقدر إلمامه بها تكون ترجمته أقرب إلى الصواب؛ وعليه فإن جهله بها من أسباب وقوع الأخطاء العقدية وغير العقدية.

وفي موضوع ترجمة السنة: فإن نقل معنى الحديث النبوي إلى لغة من اللغات مبني على فهم معناه، وهذا لا يتأتى إلا من معرفة دقيقة باللغة بفروعها؛ فالقرآن نزل بلغة عربية فصيحة (بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) [الشعراء: 195]، واللغة العربية فيها من بلاغة البيان وبراعة التعبير ما ليس في غيرها، كما أنها أوسع اللغات وأرحبها وأعمقها؛ حتى إنه لا يكاد يحيط بها أحد ولو كان من أساطين أهلها، قال الشافعي رحمه الله: (ولسان العرب أوسع الألسنة مذهبا، وأكثرها ألفاظا، ولا نعلمه يحيط بجميع علمه إنسان غير نبي، لكنه لا يذهب منه شيء على عامتها حتى لا يكون موجودا فيها من يعرفه)([6]).

إن المتأمل في بعض الترجمات المنشورة ليظن أن حب الخير والحماسة للدين قد دفعت أصحابها –لا سيما من حدثاء العهد بالإسلام- إلى خوض غمار الترجمة مع كونهم ليسوا من أهل الدراية باللغة العربية؛ فأدى هذا إلى وقوعهم في الخطأ من حيث لم يشعروا، مع أن الحقيقة التي يجب ألا تغيب عن الأذهان أن من المتعذر على الضعيف في علوم اللغة اقتحام أسوار الترجمة؛ فالكلمة الواحدة في اللغة العربية قد تحتمل عدة معان؛ فتعيين المعنى المراد منها في الحديث يحتاج إلى فهم جيد لسياق الكلام الذي يحدد المقصود، كما أن للتقديم والتأخير والحصر وأنواع الكنايات وغيرها من ضروب البلاغة أثرها في فهم المعنى، وهذا ما لا يهتدي إليه الجاهل باللغة.

ولأجل هذا فقد قرر أهل العلم أن شرط جواز الترجمة أن يكون المترجم ذا علم باللغة العربية([7]).

قال مجاهد رحمه الله: (لا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يتكلم في كتاب الله إذا لم يكن عالما بلغات العرب)([8]).

وقال مالك رحمه الله: (لا أوتى برجل يفسر كتاب الله غير عالم بلغة العرب إلا جعلته نكالا)([9]).

ولعل من أدرك ما تقدم ثم تأمل واقع الترجمات التي كتب كثيرا منها من ليس من حذاق العربية – علم أن موضوع الترجمة بحاجة إلى عناية كبيرة: مراجعة وتنقيحا وتصويبا.

 ثانيا: ضعف المترجم في اللغة المترجم إليها:

من الأمور الواضحة أن الترجمة الصحيحة تستلزم إدراك المترجم للغة المترجم إليها.

ولا يكفي أن يكون المترجم من المتكلمين باللغة حتى يكون مؤهلا للقيام بالترجمة؛ بل لا بد من أن يكون ذا فقه في تلك اللغة وتبحر في علومها؛ بحيث يستطيع أن يعبر تعبيرا دقيقا يفيد المعنى المقصود من النصوص.

وهذا –كما قرر أهل العلم- شرطٌ في صحة الترجمة([10]).

إن الكلمة العربية الواحدة قد يقابلها في اللغة الأخرى مفردات عدة، وقد يكون من بين هذه المفردات فروق دقيقة؛ فاختيار اللفظ المناسب من بينها ليس أمرا سهلا.

وتعظم المسألة أكثر حين لا يكون ثمة مفردة تقابل الكلمة العربية؛ فالمقام حينئذ يحتاج إلى شيء من الإطناب حتى يتبين المقصود؛ ومن واجب المترجم توضيح المراد وشرحه بما يقرب المعنى قدر الاستطاعة، وهذا في مسائل الاعتقاد يفتقر إلى تحرٍ ودقة فائقة.


من نماذج الأخطاء التي تذكر في هذا المقام: ما جاء في إحدى الترجمات الإنجليزية لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (يقول الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حين يذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي) الحديث([11]).

فقد جاء في ترجمة قوله: (أنا عند ظن عبدي بي): (أنا أسكن في أفكار عبدي حين يذكرني)! ([12])

وجاء في ترجمة قوله: (ذكرته في نفسي): (ذكرته في قلبي)!([13])

وتبلغ القضية ذروتها في الإشكال في شأن المصطلحات الشرعية؛ فإن المصطلحات الشرعية ذات مدلول محدد في الشرع، وقد لا يكون في اللغة المترجم إليها مصطلح يقابله، وقد يوجد لكنه لا يؤدي معنى المصطلح بدقة وإن وافقه في معناه اللغوي، بل إن اللفظ أحيانا قد يُفهم منه معنى مخالف لدى أصحاب الدين الذي يتكلم أهله بتلك اللغة؛ فيفهمون النص الشرعي في ضوئه؛ وهذا إشكال كبير.

وأضرب مثلا يوضح المقصود: وقع في كثير من ترجمات كتب السنة إلى الإنجليزية([14]) ترجمة كلمة (الرسول) –صلى الله عليه وسلم- بـ: (Abostle) وهذا اللفظ يعني: رسول أو حواري([15])، فإذا اعتبرنا أن المترجم أراد استعمال اللفظ بمعنى الرسول لا الحواري؛ فإنه يُلحظ أن (الرسول) في اصطلاح النصارى –بهذا اللفظ: (Abostle)- يراد به الرسول الذي هو من تلاميذ المسيح عليه الصلاة والسلام –أي الحواريين- وليس الرسول المرسل من عند الله تعالى؛ ولذا فإنهم يستعملون مصطلح: (Abostles Creed) بمعنى: (قانون الإيمان المسيحي [أي النصراني] "المنسوب إلى الرسل الاثني عشر")([16]) .

ويؤيد ما سبق ما جاء في قاموس الكتاب المقدس: (يطلق الاسم [أي: رسول] بصفة خاصة على تلاميذ الرب يسوع([17]) الاثني عشر الذين اختارهم ليعاينوا حوادث حياته على الأرض ويروه [هكذا] بعد قيامته ويشهدوا له أمام العالم بعد حلول الروح القدس عليهم)([18]).

وعليه فحينما يقرأ النصراني في ترجمات كتب السنة: (the Abostle of Allah ssid) أي: قال رسول الله .. فإنه قد يفهم: قال الرسول الذي هو الحواري! وذلك بناء على خلفيته الثقافية الدينية([19]).

وهنا يجدر التنبيه على أن من المتأكد على المترجم أن يراعي الجوانب الدينية والثقافية والاجتماعية والتاريخية للبيئة التي ينتمي إليها من يقرأ هذه الترجمة؛ فاللفظ قد يكون له معنى في اللغة وله معنى آخر في العرف؛ فلا يسوغ أن يعمد المترجم إلى استعمال اللفظ في معناه اللغوي مع إغفال المعنى العرفي مع كونه أقرب إلى ذهن القارئ.

 ثالثا: ضعف التأصيل العلمي للمترجم

إن حقيقة الترجمة مبنية على قضيتين: فهم النص –وهذا هو الأساس- ثم التعبير عنه بلغة أخرى.

فترجمة السنة لا يمكن أن تتم إلا بفهم الحديث([20]) والإلمام بمعناه والإحاطة بمدلوله وفق القواعد العلمية الصحيحة؛ وهذا يفتقر إلى قدرة علمية وتمكن شرعي؛ وإلا فإن الجاهل بالأحكام الشرعية قد يحمل الحديث على غير وجهه وينقل معناه على غير حقيقته.

وعليه فإن من شرط المترجم أن يكون على علم بقواعد الاستنباط ودلالات الألفاظ والناسخ والمنسوخ واصطلاحات أهل الفنون، وإشراف على كلام أهل العلم والمأثور عن السلف والتمييز بين ما يثبت وما لا يثبت، وأهم من ذلك كله: فهم معتقد أهل السنة والجماعة فهما صحيحا، ولزوم منهجهم في التقرير والاستدلال والتلقي.

إن طائفة من الأخطاء العقدية في ترجمة السنة النبوية منشؤها ضعف المترجم العلمي وجهله الشرعي؛ لا سيما إذا لوحظ أن كثيرا من المترجمين يجمع مع ترجمة الألفاظ: الشرح والتحليل والترجيح، وههنا يقع كثير من الخلط؛ فقد يحمل المترجم -ضعيف التأصيل- الحديث على عمومه مع وجود مخصص له، أو يخصصه مع عدم المخصص، وقد يضخم النهي فيبلغ بالمعصية مبلغ الشرك، أو يهون منه فيجعل ما هو شرك في حكم المعصية، وقد يعتمد –لجهله- في ترجمته على كتب غير معتمدة، أو آراء غير محررة، أو أحاديث وآثار غير ثابتة.

وإذا كان موضوع المادة المترجمة يتعلق بقضية دقيقة كالصفات أو القدر أو نصوص الوعيد ونجوها كان احتمال الخطأ منه أكبر، وأثره أعظم.

فكم من خطأ في هذه الأبواب قد يعصف بعقائد العوام حينما يتولى الترجمة من لا يفرق –مثلا- بين المحبة والمشيئة، أو بين الإرادة الكونية والإرادة الشرعية، أو بين الكفر الأكبر والأصغر، أو من لم يدرك المنهج الصحيح في فهم نصوص الوعيد كنفي الإيمان أو نفي دخول الجنة أو تحريمها عليه.

وإذا قيل: إن رجوع المترجم إلى كتب الشراح والمفسرين وترجمة ما قرروه في شرح أمثال تلك النصوص يكفي؛ ولا حاجة لاشتراط القدرة العلمية في المترجم.

والجواب: أن هذا إشكال آخر؛ فكثير من المفسرين أو شراح الأحاديث ليسوا على معتقد أهل السنة، وربما وقع في كثير من كلامهم مخالفة للمنهج الحق في تلك المسائل، وإذا لم يكن المترجم ذا تمكن علمي فلن يستطيع تمييز صواب قولهم من خطئه.      

ومن الأمثلة التي تذكر في أثر ضعف التحصيل العلمي في وقوع الأخطاء العقدية: ما وقع فيه أحد المترجمين([21]) في ترجمته لصحيح البخاري حين رفض تعريف جماهير أهل العلم للصحابي؛ وهو: من رأى النبي عليه الصلاة والسلام مؤمنا به ومات على الإسلام([22])، زاعما أن هذا من إفرازات القرون المتأخرة! وأن علماء المسلمين كانوا يحدون الصحابي تحديدا مختلفا؛ فهو عندهم: من كان مقربا من النبي عليه الصلاة والسلام وخالطه وجعله قدوة له، وثبت معه في المواقف الحرجة منذ وقت مبكر.

وكان من ثمرات هذا الفهم أن وقع هذا المترجم في لمز الصحابي الجليل سعد بن عبادة رضي الله عنه([23]).

وما من شك أن من أسباب وقوع الكاتب في هذا الخطأ الكبير ضعفه العلمي وعدم تلقيه العلم على يد أهله الثقات، ولعل حماسه للإسلام –بعد أن أسلم- كان الدافع له إلى أن يترجم صحيح البخاري –ومعاني القرآن أيضا- مع عدم أهليته، وعدم اعتماده في أداء هذا العمل الشاق على قواعد السلف وضوابط أهل العلم بعدهم، وإنما هي آراء شخصية وقراءات خاصة، وهي بلا ريب متأثرة بالثقافة التي نشأ عليها.

وليس ما ذكرته ضربا من الرجم بالغيب؛ فالكاتب السابق نفسه قد نعى -في ترجمته السابقة- على المسلمين أنهم لم يعودوا يفكرون تفكيرا مستقلا عن تفكير القدماء، وطالب المسلم بعدم الإصاخة إلا إلى فهمه هو للقرآن!([24])

والخلاصة: أن من أسباب وقوع الأخطاء العقدية في الترجمة: الضعف العلمي، وأن العاطفة الإيمانية وحدها لا تكفي مؤهلا للترجمة التي تنوء بغير المؤصلين علميا.

 رابعا: الانحراف العقدي للمترجم:

ومقصودي: الانحراف في الاعتقاد عن جادة الحق –اعتقاد السلف الصالح- إلى اعتقادات الفرق المنحرفة المنتسبة للإسلام، أما من لم يكن من أهل الإسلام أصلا –كاليهود والنصارى وأذنابهم كالقاديانيين- فهؤلاء إن ترجموا فالغالب أن لهم مآرب سيئة: طعنا في الدين، وتشكيكا في أحكامه، وتحريفا لمفاهيمه.

إن أعظم سبب لوقوع الأخطاء العقدية في ترجمة السنة: انطلاق المترجم في ترجمته من عقيدة يعتقدها مخالفة لمعتقد أهل السنة والجماعة.

ولا ريب أن كل من صنف فهو ساعٍ في خدمة معتقده ونشره ما أمكن([25]).

فأهل البدع والأهواء لم يزالوا جاهدين في حمل نصوص الكتاب والسنة وفق أهوائهم، وتأويلها لتوافق ما يعتقدون.

قال ابن القيم رحمه الله: (وأنت تجد جميع هذه الطوائف تنزل القرآن على مذاهبها وبدعها وآرائها؛ فالقرآن عند الجهمية جهمي، وعند المعتزلة معتزلي، وعند القدرية قدري، وعند الرافضة رافضي، وكذلك هو عند جميع أهل الباطل (وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) [الأنفال: 34])([26]).

وإذا كان هذا عملهم في شرح نصوص الكتاب والسنة باللغة العربية التي يفهمها أهل العلم، وفي إمكانهم الاطلاع على تحريفاتهم والرد عليها، فكيف سيكون الحال في الترجمات التي لا يطلع عليها غالبا إلا جهال المسلمين؛ لا سيما من كان منهم حديث عهد بالإسلام؟ لا شك أنه سيكون مجالا رحبا يخب فيه المبتدع ويضع؛ فينشر ما يشاء من التحريفات، ويبث ما يهوى من الشبه، ويصوغ ما يروق له من المفاهيم.

من الأمثلة التي تذكر في هذا الموضع: ما قام به مترجم صحيح مسلم إلى اللغة الأسبانية من تحريف حديث الجارية([27]) الذي هو نص لا يحتمل التأويل في إثبات صفة العلو الذاتي لله جل وعلا إلى أن المقصود منه: أنه تعالى هو الأكبر!([28]

ولا إخال هذا صادرا إلا عن عقيدة منحرفة يحملها المترجم في هذه المسألة (العلو) التي قد تكاثرت فيها النصوص وأجمع عليها السلف.

 خامسا: غياب المراجعة الدقيقة للترجمة:

وهذا السبب وإن لم يكن أصيلا إلا أنه سبب مساعد في انتشار الأخطاء العقدية في ترجمات السنة النبوية وغيرها.

أعتقد أن من الأسباب المساعدة في وقوع الأخطاء في الترجمة: الاكتفاء بعمل المترجم فحسب دون مراجعته مراجعة دقيقة من غيره؛ فالمترجم مهما بلغ من إجادة اللغة العربية أو اللغة التي يترجم المعنى إليها أو حتى من الناحية العلمية فهو عرضة للوقوع في الخطأ والسهو؛ ولذا فإن مرور الترجمة بعدة مراحل من المراجعة والتدقيق من عدد من ذوي الباع والخبرة لا سيما في اللغة والبلاغة والعقيدة سيقلل –بتوفيق الله- من وقوع الأخطاء في الترجمة، كما أن إهمال ذلك سيؤدي إلى ضده.

ولعل من المناسب أن أشير -تأكيدا على ما سبق- إلى أني وقفت مرة على كتيب فقهي مترجم إلى اللغة الروسية، ترجم فيه المترجم حكما شرعيا قرره المؤلف بقوله: (لا حرج) بـ:(لا يجوز)! مع كون الكتيب صادرا عن جهة رسمية عندنا.

ووقفت في حادثة أخرى على ترجمة روسية أيضا لنواقض الإسلام؛ ترجم فيها المترجم جملة: (من نواقض الإسلام: دعاء الميت) بـ: (من نواقض الإسلام: الدعاء للميت)([29])! وهذا الكتيب أيضا من إصدار جهة رسمية.

إن هاتين الحادثتين وأمثالهما تؤكدان على أهمية أن تحظى الترجمات من الجهات المعنية على قدر كبير من المراجعة والتدقيق.


 المبحث الثاني: التدابير الواقية من تلك  الأخطاء

اتضح في المبحث السابق أهم أسباب وقوع الأخطاء العقدية في ترجمات السنة النبوية، ويتبع هذا ذكر التدابير والتوصيات التي أرى أن اتباعها كفيل –بتوفيق الله- بالوقاية من تلك الأخطاء.

 أولا: دراسة الترجمات المطبوعة المتداولة لكتب السنة والسيرة

وهذا أمر جدير بالاهتمام؛ ذلكم أن الأخطاء في باب الاعتقاد –كما تقدم- ليست أمرا هينا، والغالب أن الترجمات تقع في أيدي عوام المسلمين الذي لا يميزون بين الصواب والخطأ، وإنما يعتقدون سلامة كل ما يصل إليهم من كتب شرعية مترجمة، ولا يتطرق إليهم شك في معلوماتها.

وهذه –فيما أعتقد- أمانة معلقة في عنق كل من يستطيع أن ينقذهم من ضرر تلك الأخطاء.

إن من الضروري قيام دراسات فاحصة شاملة لتلك الترجمات، يتولاها دارسون على قدر رفيع من العلم والفهم والتمكن في علم الاعتقاد وفي اللغة المترجم منها وإليها.

وحبذا لو تولى ذلك طلبة علم أكفاء في الدراسات العليا من ذوي اللغات المختلفة في رسائل علمية متخصصة، وهذا سيثمر فوائد جمة، أهمها تمييز الترجمات ومعرفة المقبول منها من غيره.

 ثانيا: تأليف رسائل في التنبيه على أخطاء الترجمات المشوبة بالأخطاء

وهذه الفقرة تابعة لسابقتها؛ فإنه ينبغي أن يتبع الدراسات العلمية للترجمات ومعرفة مواطن العطب فيها: تأليف رسائل في التنبيه على تلك الأخطاء والتحذير منها باللغة التي كتبت بها الترجمة؛ حتى يكون الناس على بينة من الأمر، وحتى لا ينسب إلى دين الله ما ليس منه.

ولا بد أن يراعى في تأليفها مناسبة أسلوبها لعموم القراء.

كما ينبغي بعد تأليفها وطباعتها اتباع الوسائل الكفيلة بوصولها إلى المناطق التي تنتشر فيها الترجمات كي يستفاد منها.

ولا شك أن هذا مجال رحب لذوي اليسار من المسلمين في المسابقة إلى الخير واحتساب الأجر في طباعة تلك الرسائل وتوزيعها.

 ثالثا: تحذير الدعاة منها:

تبين في الفقرة السابقة ضرورة تأليف رسائل توضح وتحذر؛ وقد لا يتيسر توزيع تلك الرسائل بالصورة المنشودة؛ وهنا يتحتم أن يقوم الدعاة بواجب النصيحة عبر وسائل الدعوة المتاحة، بالحكمة والأسلوب الأمثل.

ولا يخفى أن من مقتضيات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصح لكل مسلم أن يقوم الدعاة والمرشدون وأئمة المساجد وأهل الحسبة وغيرهم ممن يتصدى لدعوة المسلمين – أن يقوموا بواجبهم تجاه هذا الموضوع: تنبيها وتحذيرا ونصحا، وتوجيها للبديل النافع.

وما من شك أن سكوت الداعية عن البيان وهو يعلم أن أهل قريته أو مسجده ينهلون من معين تلك الترجمات ويقعون في حمأة أخطائها – تقصير شديد، بل خيانة لأمانة العلم والدعوة.

وإذا كان من المسئوليات الملقاة على عاتق الداعية: الاحتساب على المعاصي الظاهرة بحسب الإمكان؛ فإن الاحتساب على هذا المنكر العقدي أولى وأحرى.

 رابعا: إتلاف الترجمات المنحرفة والتخلص منها

إن من المتقرر في الشريعة: وجوب إنكار المنكر وتغييره بحسب الاستطاعة، قال سبحانه: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) [التوبة: 71]، وقال عليه الصلاة والسلام: (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه؛ وذلك أضعف الإيمان)([30]).

وقد تقدم أنه إذا كانت المنكرات التي هي من جنس المعاصي العملية واجبة الإنكار؛ فإن المنكرات المتعلقة بالاعتقاد أولى بذلك، وهذا مما لا ينبغي إهماله أو التسويف فيه.

قال ابن القيم –رحمه الله- في معرض سرد فوائد قصة غزوة تبوك: (فيه المبادرة إلى إتلاف ما يخشى منه الفساد والمضرة في الدين، وأن الحازم لا ينتظر به ولا يؤخره، وهذا كالعصير إذا تخمر والكتاب الذي يخشى منه الضرر والشر؛ فالحزم المبادرة إلى إتلافه وإعدامه)([31]).

وعليه؛ فإن من الواجب على ولاة الأمر وجميع من بسط الله يده بالسلطان ممن له ولاية عامة أو خاصة تخوله التصرف أن يبادر إلى إتلاف الترجمات التي اشتملت على الأخطاء العقدية –إذا لم يمكن الوقاية منها إلا بذلك- حماية لدين المسلمين ودفعا للشر عنهم.

 خامسا: حذف الأخطاء العقدية عند إعادة طباعة الترجمة أو التعليق عليها

من التدابير المقترحة للسلامة من الوقوع في الأخطاء العقدية المبثوثة في أعطاف الترجمات: أن تُحذف مواضع الخطأ منها حين طبعها مرة أخرى؛ فتخرج بهذا سليمة معافاة، أو يُعلق عليها بما يكشف الخطأ إن كان يسيرا.

ولا يقال ههنا إن الحفاظ على الأمانة العلمية يقتضي ألا يحذف شيء من الكتاب؛ لأن القيام بواجب الحفاظ على العقيدة أهم وأعظم، ومن قواعد الشرع: احتمال أدنى المفسدتين في سبيل دفع أعلاهما.

على أنه يمكن أن يشار في غلاف الكتاب أو مقدمته إلى أنه تم تهذيبه أو التعليق عليه أو نحو ذلك.

 سادسا: مناصحة المكتبات باستبدال الترجمات السقيمة بأخرى سليمة

عملا بالقاعدة العظيمة: قوله عليه الصلاة والسلام: (الدين النصيحة)([32] فإن من التدابير المقترحة: مخاطبة المكتبات العامة بضرورة استبدال النسخ المحتوية على الأخطاء العقدية بأخرى سليمة، مع السعي في توفيرها لها.

وحبذا لو تولى ذلك: مؤسسات علمية وجهات لها ثقلها واعتبارها حتى ليكون لنصحها الأثر المرجو.

والواقع يشهد بأن كثيرا من المسلمين ومن غيرهم يقبلون على قراءة ترجمات معاني القرآن والسنة في المكتبات العامة والمراكز الإسلامية –لا سيما في البلاد الكافرة- وهذا ما يتأكد معه أهمية مناصحة القائمين على تلك المكتبات وتوعيتهم بالأسلوب المقنع.

وينبغي أيضا توجيه المكتبات التجارية التي تتولى طباعة الترجمات السقيمة وإرشادهم إلى الترجمات المستقيمة حتى تحل محلها.

والقيام بهذا الأمر يمليه ما حث الشرع عليه من التواصي بالحق والتعاون على البر، وأول من يخاطب بهذا: المراكز الإسلامية في بلاد الأقليات الإسلامية؛ حيث يجب أن يكون للقائمين عليها عناية بالكتب المترجمة التي تعرض في المكتبات، وجهد في التوعية بشأنها.

وإذا سُلك هذا المسلك فإنه مع مرور الوقت سوف تضمحل الترجمات المغلوطة وتنتشر الترجمات الصحيحة بعون الله وتوفيقه.

 سابعا: إنشاء أقسام متخصصة في المؤسسات العلمية تعنى بترجمة السنة

إن القيام بدراسة الترجمات والكشف عن أخطائها العقدية والتعليق عليها مع كثرتها وتعدد لغاتها – مسئولية يعجز عنها أفراد من الباحثين هنا وهناك؛ إنها مسئولية لا يضطلع بها إلا مؤسسات علمية ذات إمكانات مادية وبحثية كبيرة.

والمؤمل من الجهات العلمية الحريصة على صفاء العقيدة ونفي الشبهات عنها أن تنهض بهذه الأمانة من خلال إنشاء أقسام مخصصة بالترجمة، تقوم بأمرين رئيسين:

الأول: مراجعة ترجمات كتب السنة والسيرة، وإصدار دوريات ونشرات تتضمن خلاصات للدراسات التي تقوم بها وتمييز الترجمات المستقيمة من الترجمات المنحرفة، والكشف عن الأغلاط التي تحويها، كما تتضمن بيان مناهج المترجمين وتوجهاتهم العقدية؛ بحيث يكون طلاب العلم والدعاة على إلمام بها.

الثاني: أن تتولى تلك الأقسام ترجمة كتب السنة والسيرة النبوية ترجمة علمية صحيحة خالية من أدران البدع وشوائب المحدثات؛ وبذا تكون هذه الترجمات بديلا عن تلك الترجمات المنحرفة.

وإذا كان أداء هذه الأمانة منوطا بالمؤسسات العلمية السلفية عموما؛ فإن أجدرها بالقيام بذلك : المؤسسات العلمية في المملكة العربية السعودية، كوزارة الشئون الإسلامية، والرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء، والجامعات الإسلامية، والجمعية العلمية السعودية لعلوم العقيدة، وغيرها من الجهات.

وإذا كان مشروع مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة مشروعا فريدا في بابه، متميزا في أدائه وثمراته؛ فإن النفوس تتشوف إلى مشروع بمثل حجمه وإمكاناته يُعنى بالسنة والسيرة النبوية.

ويمكن لهذه المؤسسات العلمية أن تفيد في قيامها بهذا الهدف المنشود من طلاب الجامعة الإسلامية بالمدينة؛ فإن هذه الجامعة تحتضن في أروقتها طلاب علم من جميع الدول -إلا ما ندر- يتكلمون بلغات أهل الأرض –إلا ما شذ- ومثل هذا الاجتماع الحافل للجنسيات واللغات يندر حصوله؛ فينبغي أن تُهتبل هذه الفرصة ويحسن توظيفها لتحقيق هذه الغاية النبيلة.


  الخاتمة

بعد هذه الرحلة الموجزة في أسباب وقوع الأخطاء العقدية في ترجمات السنة النبوية وأسباب تلافيها والمقترحات التي رأيتها في هذا الصدد؛ أرغب في أن ألخص أهم ما ورد في البحث في الفقرات الآتية:

1-                 ترجمة الكتاب والسنة إلى اللغات الأخرى قضية بالغة الأهمية، توجبها عالمية الرسالة.

2-                 كثير من ترجمات السنة قد احتوت على أخطاء في جوانب علمية مختلفة إلا أن أعظمها خطرا الأخطاء المتعلقة بالجانب الاعتقادي؛ فالخطأ في العقيدة ليس كالخطأ في غيرها.

3-                 ترجمات معاني القرآن الكريم نالت حظا لا بأس به من المراجعة والتدقيق، أما ترجمات السنة فلا يزال الأمر فيها يحتاج إلى جهود مكثفة.

4-                  من أسباب وقوع الأخطاء العقدية في ترجمة السنة النبوية: ضعف المترجم في اللغة العربية.

5-                 من الأسباب أيضا: ضعف المترجم في اللغة المترجم إليها.

6-                 ومن الأسباب أيضا: ضعف التأصيل العلمي للمترجم.

7-                 أهم سبب لوقوع الأخطاء العقدية في ترجمة السنة النبوية: انحراف المترجم في العقيدة وترجمته للأحاديث النبوية وفق معتقده الباطل.

8-                 من الأسباب كذلك: غياب المراجعة الدقيقة للترجمة والاكتفاء بعمل المترجم فحسب.

9-                 من التدابير الواقية من ضرر تلك الأخطاء: دراسة الترجمات المطبوعة المتداولة لكتب السنة والسيرة من قبل أهل الاختصاص.

10-            ينبغي أن يتبع الدراسات العلمية للترجمات: تأليف رسائل في التنبيه على تلك الأخطاء والتحذير منها باللغة التي كتبت بها الترجمة، وبأسلوب مناسب يراعي الفروق الفردية، ويتبع ذلك طباعتها وتوزيعها بين المحتاجين إليها.

11-            على الدعاة واجب عظيم في التحذير من هذه الأخطاء التي اشتملت عليها الترجمات.

12-            مما يقي من ضرر تلك الأخطاء: أن يقوم ولاة الأمر بالتخلص من الترجمات الفاسدة ليحل محلها الترجمات الصالحة.

13-            من التدابير أيضا: حذف الأخطاء العقدية عند إعادة طباعة الترجمة أو التعليق عليها بما يزيل اللبس.

14-            من التدابير أيضا: مناصحة المكتبات العامة والتجارية بشأن الترجمات المغلوطة وبيان ضررها، ودعونهم إلى استبدالها بالترجمات السليمة.

15-            من أهم التدابير التي ينبغي أن يُهتم بها: قيام المؤسسات العلمية السلفية بواجبها تجاه الترجمات: رقابة ومراجعة وتأليفا.

أما التوصيات والمقترحات؛ فقد مضت في طي البحث، وألخص أهمها فيما يأتي:

1-                 أن تكون "الدراسات النقدية للترجمات المشهورة" موضوعات يتناولها طلبة الدراسات العليا المؤهلون في رسائلهم العلمية.

2-                 أن يتحرى أهل الخير والمسابقون إليه في طباعة ترجمات معاني القرآن والسنة وتوزيعها: الترجمات السليمة دون المغلوطة، كما أحثهم على الاحتساب في طباعة الدراسات النقدية للترجمات السقيمة.

3-                 من المهم أيضا: مخاطبة المؤسسات العلمية المعتبرة المكتبات العامة بضرورة استبدال النسخ المحتوية على الأخطاء العقدية بأخرى سليمة، مع السعي في توفيرها لها.

4-                 أن تحرص الجمعيات الإسلامية في بلاد الأقليات على مراجعة ما تحويه المكتبات من ترجمات، مع القيام بما يجب من التوجيه والنصح.

5-                 المؤسسات العلمية في المملكة العربية السعودية -كوزارة الشئون الإسلامية، والرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء، والجامعات الإسلامية، والجمعية العلمية السعودية لعلوم العقيدة ونحوها – يؤمل منها أن يكون لها أكبر الجهد في العناية بهذا الموضوع من خلال إنشاء أقسام متخصصة بترجمة السنة تكون وظيفتها: دراسة الترجمات المطبوعة ونقدها، والقيام بالترجمة النقية من أوضار البدع والانحرافات.

6-                 طلبة العلم في الجامعة الإسلامية –المحفل العالمي الكبير- كنز ثمين ينبغي استثماره -في موضوع الترجمة ومراجعة الترجمات- على أكمل وجه.

وفق الله الجميع لكل خير، وحقق –بفضله- الآمال، إن ربي لسميع الدعاء.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



( [1] )     قطعة من حديث أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب المساجد ومواضع الصلاة (1/370-371) برقم (521) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه.

( [2] )     تفسير ابن كثير (4/477).

( [3] )     سير أعلام النبلاء (18-19).

( [4] )     المصدر السابق.

( [5] )     مجموع الفتاوى (28/231-232).

( [6] )     الرسالة (42).

( [7] )       انظر: أصول التفسير لابن عثيمين (1/37) ضمن كتابه: تفسير القرآن الكريم.

( [8] )     البرهان في علوم القرآن (1/292).

( [9] )     المصدر السابق. وقد أخرجه البيهقي في الشعب (5/232) بلفظ: (لا أوتى برجل غير عالم بلغات العرب يفسر ذلك إلا جعلته نكالا).

        وهذان الأثران وما في معناهما وإن كانا واردين في القرآن إلا أن حكمهما يشمل السنة أيضا؛ فإنها قرينة القرآن.

( 3 )     انظر: فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء – مجلة البحوث الإسلامية، العدد (6)، ص 274-275، وأصول التفسير لابن عثيمين (1/37).

( [11] )    أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب التوحيد، باب قوله تعالى:(ويحذركم الله نفسه) (13/384) – مع فتح الباري، برقم (7405)، ومسلم في صحيحه في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب الحث على ذكر الله تعالى (4/2061) برقم (2675) .

( [12] )    والترجمة كما في صحيح مسلم باللغة الإنجليزية، ترجمة الدكتور محمد محسن خان – مكتبة دار السلام: (I live In the though of my servant as he thinks about me)

( [13] )    والترجمة كما في صحيح مسلم باللغة الإنجليزية، ترجمة الدكتور محمد محسن خان – مكتبة دار السلام: (I also remember him in my heart).

( [14] )    انظر مثلا: ترجمة موطأ الإمام مالك بالإنجليزية لمحمد رحيم الدين (MUWATTAAIMAM MALIK – MUHAMMAD RAHIMUDDIN)، وترجمة سنن أبي داود بالإنجليزية لأحمد حسن (SUNAN ABU DAWUD – AHMAD HASAN)، وترجمة مشكاة المصابيح بالإنجليزية للحاج مولانا فضل الكريم (Mishkat-ul- Masabih – AL-HAJ MAULANA FAZLUL  KARIM, M.A. B.L.)

( [15] )    انظر: المورد – قاموس عربي إنجليزي (55) - (apostle).

( [16] )    المورد – قاموس عربي إنجليزي (55) - (Abostles Creed).

( [17] )    تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا.

( [18] )    قاموس الكتاب المقدس (403) مادة (رسول).

( [19] )    ويمكن الاستعاضة عن هذا اللفظ بلفظ آخر يؤدي معنى (رسول) في الإنجليزية كلفظ: (Messenger).

( [20] )      انظر: أصول النفسير (1/37).

( [21] )    هو محمد أسد في ترجمته الإنجليزية لصحيح البخاري.

( [22] )    قال البخاري رحمه الله في صحيحه: (باب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ومن صحب النبي صلى الله عليه وسلم أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه) وانظر تعليق ابن حجر عليه في فتح الباري (7/5). وقال ابن كثير: (والصحابي: من رأى الرسول صلى الله عليه وسلم في حال إسلامه وإن لم تطل صحبته، أو إن لم يرو عنه شيئا، وهذا قول جمهور العلماء خلفا وسلفا) اختصار علوم الحديث (133) - مع الباعث الحثيث.

( [23] )    نقل هذا الكلام عنه من ترجمته الإنجليزية لصحيح البخاري: الدكتور إبراهيم عوض في بحثه: "فكر محمد أسد كما لا يعرفه الكثيرون" وهو منشور في موقعه على الشبكة: www.awad.phpnet.us

( [24] )    انظر: البحث السابق.

( [25] )    من الأمثلة التي تذكر في هذا السياق: أن الجاحظ –وهو معتزلي المعتقد- ألف كتابه "الحيوان" لتمهيد بدعه الاعتزالية التي يحملها، مع أن موضوع الكتاب لا يمس الاعتقاد بصلة! انظر التنبيه على ذلك في: التبصير في الدين للإسرافييني (82).

( [26] )    شفاء العليل (1/273).

( [27] )    وهو ما أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب تحريم الكلام في الصلاة (1/381-382) برقم (537) من حديث معاوية بن الحكم رضي الله عنه حين سأل النبي عليه الصلاة والسلام جاريته فقال: (أين الله؟ قالت: في السماء، قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله، قال: اعتقها؛ فإنها مؤمنة).  

( [28] )    انظر: ترجمة صحيح مسلم إلى اللغة الأسبانية (2/79)Abdu Rahman Colombo Al-Yerrahi – طبع وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف بالكويت.

( [29] )      هذه الجملة وما قبلها معنى ما دوّن في الكتابين كما أفادني بذلك بعض طلبة العلم من المتكلمين باللغة الروسية الذين ترجموا لي ما ورد فيهما.

( [30] )    أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الإيمان، باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان (1/69) برقم (49) من حديث أبي سعيد رضي الله عنه.

( [31] )      زاد المعاد (3/581). وقد قال هذا تعليقا على قول كعب بن مالك رضي الله عنه لما جاءه كتاب ملك غسان: (فتيممت بها التنور فسجرته بها). والحديث أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب المغازي، باب حديث كعب بن مالك (8/113) برقم (4418) – مع فتح الباري،  ومسلم في صحيحه في كتاب التوبة، باب حديث توبة كعب بن مالك وصاحبه (4/2120) برقم (2769).

( [32] )      أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الإيمان، باب بيان أن الدين النصيحة (1/74) برقم (55) من حديث تميم الداري رضي الله عنه.