×
يقول المؤلف فى بداية الكتاب : هل تدبر السنة أحد أركان الإسلام الخمسة، أو أركان الإيمان الستة، أو أنواع التوحيد الثلاثة، أو أركان الصلاة أو شروطها، أو أركان الحج، أو واجباته، ... الخ، ليس واحدا مما ذكر بل هو الطريق إلى ذلك كله. ففي سنن ابن ماجه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله وسلم يقول: طلب العلم فريضة على كل مسلم. إن الناس قد حصل منهم تقصير فيما سبق ذكره من الأركان والشروط والواجبات ولتحقيق هذا الأمر العظيم في حياة الأمة هذه بعض المفاتيح التي تعين على تدبر السنة وتحقيق القوة بها في الحياة، وهي المفاتيح العشرة التي ذكرتها في تدبر القرآن الكريم أذكرها هنا.

 مفاتح تدبر السنة والقوة في الحياة

د . خالد بن عبد الكريم اللاحم

الأستاذ المساعد بقسم القرآن وعلومه

جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

     ح   خالد بن عبد الكريم اللاحم ، 1426هـ

فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية أثناء النشر

اللاحم ، خالد عبد الكريم محمد

مفاتح تدبر السنة والقوة في الحياة /خالد بن عبد الكريم اللاحم - الرياض ، 1426هـ

80 ص ، 24 سم

ردمكـ 6 – 458-_ 49 _ 9960

1- السنة النبوية                        أ - العنوان

ديوي 230     5357- 1426

حقوق الطبع محفوظة

الطبعة الأولى 1426هـ - 2005م

يطلب الكتاب من الناشر على العنوان :

جوال 0505217570

فاكس012312652 ، بريد الكتروني [email protected]


بسم الله الرحمن الرحيم


تدبر السنة ، لماذا ؟

هل تدبر السنة أحد أركان الإسلام الخمسة، أو أركان الإيمان الستة، أو أنواع التوحيد الثلاثة، أو أركان الصلاة أو شروطها، أو أركان الحج، أو واجباته، ....الخ، ليس واحدا مما ذكر بل هو الطريق إلى ذلك كله.

ففي سنن ابن ماجه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله وسلم يقول: طلب العلم فريضة على كل مسلم.([1])

إن الناس قد حصل منهم تقصير فيما سبق ذكره من الأركان والشروط والواجبات وهم في هذا على نوعين:

الأول: قوم أضاعوا الطريق من أصله فصار سيرهم على غير طريق الإسلام والإيمان.

الثاني: قوم على الطريق لكن وقودهم إما قليل أو قد نفد فتوقفوا في بعض الطريق وهم يتعجبون من توقفهم، والعجب فيهم ومنهم، وإلا كيف يتعجبون من هذا التوقف والوقود بجانبهم فلم يأخذوا منه ما يؤدي إلى تحركهم ومواصلة سيرهم والوصول إلى أعلى المراتب بدل الرضى بالدون والهوان.

فـ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾ [(33) سورة لقمان].


إن الحمد لله نحمده ونستعينه، و نستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى أله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا.

 أما بعد

فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: بلغني عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث في القصاص لم أسمعه منه فابتعت بعيرا فشددت رحلي ثم سرت إليه شهرا حتى قدمت مصر أو قال الشام فأتيت عبد الله بن أنيس فقلت: حديث بلغني عنك تحدث به سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم أسمعه - في القصاص - خشيت أن أموت قبل أن أسمعه، فقال عبد الله: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يوم يحشر العباد أو قال الناس حفاة عراة غرلا([2]) بهما([3]) ليس معهم شيء ثم يناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب: أنا الملك أنا الديان لا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة ولأحد من أهل النار عليه مظلمة حتى أقصه منه ولا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار ولأحد من أهل الجنة عنده مظلمة حتى أقصه منه حتى اللطمة، قال: قلنا:كيف وإنما نأتي الله عز وجل عراة حفاة غرلا  بهما؟ قال: بالحسنات والسيئات([4])

كم من الأحاديث سنموت قبل أن نسمعها؟ وهي قريبة جدا منا لا تحتاج إلى سفر، وكم هي الأحاديث التي سمعناها ثم نسيناها؟ وكم هي الأحاديث سمعناها ونسمعها بل ربما نحفظها ولم نعمل بها؟ بسبب ضعف تدبرنا لها وفقهنا لما تضمنته من المعاني العظيمة، أو بسبب ضعف الدافع لتكرار قراءتها والتفكر فيها.

إن قراءتنا للقرآن أو للسنة -إن وجدت- تمر بشئ من العجلة والرغبة في الانتهاء من واجب مفروض؛ سواء مفروض بأصل الشرع أو فرضه الشخص على نفسه، ثم تجده يقفز إلى ما تهواه نفسه من برنامج أو جريدة أو مجلة يتابعها بهدف التسلية، أوبحجة فقه الواقع أو متابعة التخصص وهذا دأبه كل يوم فمتى سينتفع مثل هذا الشخص بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لست أرفض فقه الواقع أو متابعة التخصص؛ لكن هناك أولويات وهناك أصول وقواعد، فلا يصح أن نتفقه بالواقع ما لم نفقه الأصل الذي نقيس عليه، ونحكم به على الواقع وإلا كان فهمنا قاصرا ومختلا، فيجب أولا تحصيل المقاييس والموازين والأدوات التي نحكم بها على الواقع ثم بعد ذلك نشرع في فهمه، أما الانغماس التام بمتابعة الإعلام وهجر القرآن والسنة فهو منهج خاطئ.

إن المسلمين اليوم كثير؛ لكنهم غثاء كغثاء السيل، حتى بعض من يحسبون على العمل للإسلام والسعي في نصرته لو عرضتهم على بساط الامتحان لوجدت صورا من الجهل لا ترضي، تجد الجهل بأوضح آيات القرآن الكريم، وبأهم وأعظم الأحاديث النبوية، تجد القطيعة المستديمة لهذين المصدرين العظيمين، وهذا من المفارقات العجيبة كيف يريد أن ينتصر للإسلام وهو بعيد الصلة عن مصدر انتصاره؟ تجده يعد نفسه من الدعاة الغيورين والبارزين المشهورين وهو ضعيف الصلة جداً بالقرآن والسنة، لا يقرأ القرآن إلا يسيرا, أما السنة فلا يعرف منها إلا بعض الأحاديث التي يحتاجها للاستشهاد بها في كتاباته أو كلماته.

 إن تفسير وجود مثل هذه الصور - فيما أرى - هو خلل في التربية من البداية، وفقد للآليات والطرق التي ترشد بيسر وسهولة إلى التعلق بالسنة وتدبرها.

قبل سنوات تلقيت دعوةً لحضور إحدى المناسبات وقد صدرت بحديث وكان هذا غريبا في مثل هذا الدعوات؛ ولما بدأت قراءة الحديث ساورني الشك في صحته فلما وصلت آخره إذا بعبارة : رواه مسلم! هل حقا هذا الحديث في صحيح مسلم؟ وكيف غفلت عنه طيلة هذه السنوات؟ رجعت وبشئ من العناء إلى موضع الحديث فوجدته، قرأته مرة أو مرتين ثم ذهب أدراج النسيان.

 وبعد إحدى الصلوات كنت أقرأ في كتاب (المتجر الرابح في ثواب العمل الصالح، للحافظ الدمياطي) وقرأت حديثا في بعض الدعوات المستجابة، فجاءني شخص يطلب كتابة الحديث في ورقة ليتسنى له الانتفاع به، هذا الرجل قد تخطى الستين من عمره وهذا الحديث موجود بين يديه منذ أن ولد فكيف مرت هذه السنوات من عمره وهو محروم من الاستفادة من هذا الحديث العظيم الذي يحتاجه كل مسلم في حياته كل يوم أشد من حاجته للهواء والطعام والشراب.

 إن مثل هذه الصور هي حال كثير منا مع السنة النبوية، فهل يليق بنا أن نفرط في تلك الكنوز التي وهبنا الله إياها دون عناء أو تعب؟ وقد صلت إلينا محفوظة مصونة منقحة، وخاصة في هذه الأيام التي تسلط فيها الأعداء على بلاد المسلمين فسرقوا أموالها ونهبوا ثرواتها، واستضعفوا أهلها؛ فتدخلوا في أدق تفاصيل حياتهم: ماذا يأكلون؟ وماذا يشربون؟ وماذا يبيعون؟ وماذا يشترون؟ وماذا يعملون؟ وكيف يتعلمون؟ ولا غرابة في هذا لأنهم أدركوا أن استمرار تلك السرقات والاستيلاء على تلك الثروات لن يدوم لهم إلا بهذه الطريقة حين ينـزعون من الأمة مصدر قوتها ومنبع طاقتها.

 إن كل مسلم لديه أصل التصديق بالقرآن الكريم والسنة النبوية ولديه أصل السمع والطاعة لهما متى وصل إليه النص بطريقة صحيحة وهذه قوة هائلة لو وجدت من يستثمرها لتحقيق النصر للمسلمين.

إن القرآن الكريم والسنة النبوية هما مصدر القوة التي استطاع بها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أن ينشر العدل والرحمة والخير بين الناس في نيف وعشرين سنة، وأن يجعل الملوك والرؤساء في ذلك الوقت يتساءلون عما جاء به وما مضمونه؟ وما سر نجاحه؟ في إقامة الدولة الإسلامية.

 وفاعلية هذا العلم ليست خاصة به صلى الله عليه وسلم، أو بصحابته رضي الله عنهم بل هو متاح لكل من أجاد استعماله وتدرب عليه، وصفحات التاريخ ناطقة على صحة ما أقول.

 إن صراع الحضارات هو صراع معنوي علمي قبل أن يكون صراعا ماديا.

 إن أي أمة تجيد بناء بنيتها الأساسية -أعني بناء القوة المعنوية النفسية العلمية- لكل أفرادها رجالا ونساء، أطفالا وشبابا تضمن لنفسها القوة والثبات، وتضمن لنفسها العزة والكرامة وترفع عنها الذل وتحمي خيراتها من لصوص الحضارات.

ولتحقيق هذا الأمر العظيم في حياة الأمة هذه بعض المفاتيح التي تعين على تدبر السنة وتحقيق القوة بها في الحياة، وهي المفاتيح العشرة التي ذكرتها في تدبر القرآن الكريم أذكرها هنا لأمرين:

 الأول: أن أنبه على أن هذه المفاتيح ليست خاصة بالقرآن الكريم بل يمكن تطبيقها أيضا على السنة النبوية، بل هي أدوات ومنهج لأي قراءة تربوية لأي كتاب، فأي قراءة تطبق عليها هذه المفاتيح أو معظمها تجد أن استفادتك مما تقرأ تكون أعلى وأقوى.

 الثاني: هناك بعض الفروق في بيان هذه المفاتيح في حق السنة النبوية وهو ما أركز الحديث عليه هنا وأقتصر عليه ومن أراد التفصيل فليرجع إلى كتاب مفاتح تدبر القرآن.

هذا والله أسال أن ييسر لنا حفظ سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وأن يرزقنا الاقتباس من نور علمه وحكمته ما يحقق لنا القوة والكرامة والعزة، ويحقق لنا السعادة والطمأنينة والنجاح في الحياة، إنه سميع مجيب وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

                                                وكتبه /

                                   د . خالد بن عبد الكريم اللاحم

                                الأستاذ المساعد بقسم القرآن وعلومه

                              جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية


 المفتاح الأول: حب السنة.

 وهو المدخل للانتفاع بالسنة في الحياة، وهو السائق والدليل إلى كنوز وخيرات هذا العلم العظيم الذي لو وعته الأمة الإسلامية لسادت العالم.

ولتحصيل حب السنة طرق ثلاثة:

  الأول: الدعاء.:

 التضرع إلى الله تعالى آناء الليل وآناء النهار أن يرزقك تعظيم السنة والانتفاع بها ومن ذلك الدعاء الذي جاء في السنة نفسها، فعن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول -إذا صلى الصبح حين يسلم-: اللهم إني أسألك علما نافعا، ورزقا طيبا، وعملا متقبلا([5]) ، والعلم بالسنة من أعلى مراتب العلم النافع ومن أرفع درجاته.

 وكذلك دعاء سنَّه النبي صلى الله عليه وسلم لنا خمس مرات في اليوم والليلة على الأقل، فعن معاذ بن جبل رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيده وقال: يامعاذ والله إني لأحبك،  فقال:  أوصيك يا معاذ لاتدعن في دبر كل صلاة تقول اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، ([6]) والإعانة على الشئ تستلزم الإعانة على وسيلته والآلة المؤدية إليه وهو هنا حب السنة وتذكرها وكثرة قراءتها، ومحاولة فهمها، والفرح بما يقف عليه منها.

  الثاني: القراءة في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم:

 فمن المجرب والمشاهد أن العيش مع أحوال النبي صلى الله عليه وسلم يبعث في نفس المسلم تعظيمه وتبجيله ومن ذلك تعظيم كلامه وتقديسه وهذا ينتج الحرص على سنته وبذل الأوقات الثمينة في تحصيلها والعمل بها.

 وإن أقرب الكتب لتحقيق هذا المعنى هو القرآن الكريم متى قرأه المسلم قراءة تربوية يطبق فيها مفاتح التدبر كاملة فإنه مع مرور الوقت يحس أنه يعيش في عصره، يسمع صوته، يراه وهو يصلي، وهو يمشي، وهو يتكلم، وهو يفرح، وهو يحزن، وهو يجاهد صلى الله عليه وسلم، فما أظن كتابا يحقق هذا المعنى كما يحققه القرآن الكريم، قد تستفيد هذا المعنى من قراءة كتب السيرة أو كتب الشمائل لكن ما تستفيده من تصوير القرآن الكريم لأحوال النبي صلى الله عليه وسلم وأحوال آل بيته وصحابته يكون أعظم وأكبر أثرا.

  الثالث: القراءة عن أهمية السنة:

 وهذا يكون بالقراءة عن أخبار السلف في تعظيمهم لحديث النبي صلى الله عليه وسلم واجتهادهم في خدمته، والأخبار والقصص في هذا المجال كثيرة مشهورة، وكتب السنة والتراجم قد حفلت بالكثير من الأخبار والنماذج الحية التي تبعث في نفس المسلم الهمة لتعظيم السنة والنشاط في كتابتها وحفظها والعمل بها ونشرها والدعوة إليها، ومن الكتب المهمة في هذا المجال كتاب: (سير أعلام النبلاء للحافظ الذهبي)، وكتاب: (الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي)، وكتاب ( الرحلة في طلب الحديث للخطيب البغدادي) وكتاب: (جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر)، فينبغي على كل ناصح لنفسه ألا ينقطع عن القراءة في هذا الجانب لئلا يضعف تعظيمه للسنة ، وتضعف قيمتها في قلبه فيزهد فيها ويهجرها، فالقراءة عن أهمية الشئ مفتاح الاهتام به والحرص عليه.([7])

إن نصوص سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لو كانت عند أهل حضارة أخرى لكتبوها في المحافل والمجامع والميادين العامة، ولتغنوا بذكرها ونقشوها في بيوتهم بل في قلوبهم، إننا نراهم يتغنون بنصوص وحكم مفكريهم التي لا تعد شيئا بالنسبة لحكمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فيا لله العجب ما أغفلنا عن هذه الطاقة التي منحنا الله إياها فنتركها ونذهب لدراسة طرق وأساليب توليد الطاقة المعنوية عند الشرق أو الغرب فصدق علينا قول الله تعالى:﴿ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ ﴾ [(61) سورة البقرة]

إن حب السنة ليس دعوى تقال باللسان ويصرح بها في الخطب والكلمات، وتسطر بها صفحات الصحف وموجات الأثير، بل هي حقيقة لها علامات ومقاييس وموازين، من جاء بها صُدق قوله وأقر على دعواه، ومن هذه العلامات:

 1- كثرة قراءتها ومطالعة كتبها.

 2- محاولة حفظها والحزن والأسف على فوات ذلك.

 3- الفرح بمجالسها ومنتدياتها ولقاءاتها.

 4- الشوق إليها إذا طالت الغيبة عنها.

 5- تطبيقها في جميع جوانب الحياة.


 المفتاح الثاني: استحضار أهداف قراءة السنة.

 إن قراءة السنة النبوية يجتمع لها المقاصد نفسها التي ذكرتها لقراءة القرآن الكريم ففيها العلم وعليها العمل، وفيها مناجاة وثواب وشفاء، وبها إعلام ودعوة للناس كافة.

  الهدف الأول: العلم

  المسألة الأولى: شدة الحاجة إلى علم السنة.

قال الله تعالى: ﴿ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [(44) سورة النحل]، وقال تعالى: ﴿كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ﴾ [(151) سورة البقرة]

 فالسنة تفسير للقرآن وهي المبينة لكيفية تطبيقه والعمل به، وحاجة المسلم إليها كحاجته للقرآن.

 إن حاجة الإنسان للسنة كحاجته لدقات قلبه؛ فمع كل نبضة من نبضات القلب هناك خاطر وتفكير إما بحق أو باطل؛ ولا سبيل للتمييز بين ذلك إلا بالعلم.

 لو تأملت أمور حياتك اليومية تجد أنه ما من أمر من الأمور وإلا وللقرآن والسنة فيها توجيه وتعليم سواء كان ذلك حركة جوارح أو حركة مشاعر، وفيها يتضح الفرق بين العالم والجاهل.

 إن حاجتك للعلم تتزامن مع كل حركة من حركاتك اليومية التي تعد بآلاف الحركات، أنت فيها إما عالم أو جاهل؛ عالم مغتبط بعلمك قرير العين بمنة الله عليك، أو جاهل غافل تشقى ولا تدري سبب شقائك. قال الإمام أحمد: حاجة الناس إلى العلم أشد من حاجتهم إلى الطعام والشراب، ذلك أن الحاجة للطعام والشراب تكون مرة أو مرتين في اليوم بينما حاجتهم للعلم بعدد الأنفاس.

 وصدق الإمام أحمد رحمه الله تعالى وهو من هو في علمه وفقهه وكثرة قراءته للقرآن الكريم ولأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، فياليتنا نفقه هذه الحقيقة وتسيطر على أفكارنا ومشاعرنا، إذ لو حصل ذلك لأمكن وضع نهاية لمشاكلنا التربوية والاجتماعية ولصلحت أحوالنا الخاصة والعامة.

 المسألة الثانية: مفاهيم خاطئة في طلب العلم.

 لعل من أهم الأسباب التي صرفت كثيرا من الناس عن العلم بالسنة وبذل الجهد والوقت في ذلك هو مفهوم ترسخ لدى البعض وهو: أن طلب العلم - ومنه حفظ السنة - يراد به تخريج العلماء والمفتين والقضاة!! إنه حصر للعلم في نطاق محدود، وحصر له في أبواب معينة من العلم، ومجالات محدودة في الحياة.

 وبعضهم ظن أن العلم كلٌ لا يتجزأ وان تبدأه بعلوم الآلة من النحو وأصول الفقه والبلاغة.

 وبعضهم يرى أن: حفظ السنة كل لا يتجزأ فإما أن تحفظ الكتب الستة في عدد من الدورات المكثفة أو أن تتفرج على من يحفظ وتغبطه عليه، أما أن تنـزل إلى الميدان وتبدأ الحفظ ولو بحديث واحد فهذا مالا يخطر له على بال ولا يعده من طلب العلم.

 والبعض يريد أن يحفظ السنة في سنة وإلا فلا، أن يحفظ خمسة آلاف حديث أو لايحفظ شيئا.

 كل هذه مفاهيم خاطئة ينبغي أن نستبعدها من تفكيرنا، وأن نستبدلها بالفهم الصحيح، والنهج السديد وهو أن: العلم يتكون من آلاف الجزئيات وأن العلماء مراتب ومستويات، وان طلب العلم يراد به النجاة والنجاح في الحياة، وان طريق طلب العلم طويل وهو يقطع على مراحل ومسافات، المهم أن تبدأ السفر، وتشرع في الرحلة ثم لا يهمك بعد هذا متى تصل أوإلى أين تصل ما دامت النية صادقة والوجهة صحيحة والمسافة المقطوعة تزيد يوما بعد يوم.

 المسألة الثالثة: الرحلة في طلب السنة.

 لقد فقه سلفنا الصالح أهمية السنة، وأدركوا عظيم قدرها فكانوا يبذلون النفس والنفيس والغالي والرخيص في سبيل تحصيلها ولو كان ذلك كلمات معدودات، والأمثلة والصور والنماذج في هذا المجال كثيرة سطرها التاريخ بمداد من نور فبقيت منارات تشرأب إليها الأعناق ويقتدي بها السائرون اذكر هنا بعضا منها:

 1- رحلة جابر بن عبد الله من المدينة إلى الشام أو مصر في طلب حديث واحد وقد سبق ذكرها في المقدمة.

 2- وعن عطاء بن أبي رباح رضي الله عنه قال: خرج أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه إلى عقبة بن عامر رضي الله عنه يسأله عن حديث سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يبق أحد سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم غيره وغير عقبة، فلما قدم إلى منزل مسلمة بن مخلد الأنصاري - وهو أمير مصر - فأخبره فعجل عليه فخرج إليه فعانقه ثم قال له ما جاء بك يا أبا أيوب؟ فقال: حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبق أحد سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم غيري وغير عقبة فابعث من يدلني على منزله، قال: فبعث معه من يدله على منزل عقبة، فأخبر عقبة فعجل فخرج إليه فعانقه، فقال ما جاء بك يا أبا أيوب؟ فقال: حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبق أحد سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم غيري وغيرك في ستر المؤمن، قال عقبة: نعم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من ستر مؤمنا في الدنيا على خزية ستره الله يوم القيامة، فقال له أبو أيوب: صدقت، ثم انصرف أبو أيوب إلى راحلته فركبها راجعا إلى المدينة، فما أدركته جائزة مسلمة بن مخلد إلا بعريش مصر.([8])

 كان قصد أبي أيوب رضي الله عنه من رحلته إلى مصر أن يتأكد ويتثبت من صحة حفظه كل ذلك حرصا على السنة وحبا لها، وكان ذلك في آخر عمره، ولعله خشي أن يموت قبل أن يتثبت من علمه، بمعنى أنه أراد ألا تنتهي فترة امتحانه في الدنيا إلا وقد حصل على الإجابات الصحيحة السديدة، وهو الهدف نفسه الذي صرح به جابر رضي الله عنه، بل هو الهدف الذي يجب أن يسعى إليه كل مسلم، أما أن تمضي الأيام ونحن في جهلنا راضون، وبتقصيرنا في العلم قانعون، فهذا ما لا يليق بعاقل أبدا.

 3- وعن كثير بن قيس قال : كنت جالسا عند أبي الدرداء في مسجد دمشق فأتاه رجل فقال له: يا أبا الدرداء ! أتيتك من المدينة مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم لحديث بلغني أنك تحدث به عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فما جاء بك تجارة؟ قال: لا، قال: ولا جاء بك غيره؟ قال: لا، قال: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة، وإن الملائكة تضع أجنحتها رضا لطالب العلم، وإن طالب العلم يستغفر له من في السماء والأرض حتى الحيتان في الماء، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، إنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر.([9])

 4- وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم - وأنا شاب - قلت لشاب من الأنصار: يافلان! هلم فلنسأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولنتعلم منهم فإنهم كثير، قال: العجب لك يابن عباس أترى الناس يحتاجون إليك وفي الأرض من ترى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: فتركت ذلك وأقبلت على المسألة وتتبع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن كنت لآتي الرجل في الحديث يبلغني أنه سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأجده قائلا، فأتوسد ردائي على بابه تسفي الريح على وجهي حتى يخرج، فإذا خرج قال: يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لك؟ فأقول: بلغني حديث عنك أنك تحدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحببت أن أسمعه منك، قال فيقول: فهلا بعثت إلي حتى أتيك، فأقول: أنا أحق أن آتيك، فكان الرجل بعد ذلك يراني وقد ذهب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم واحتاج الناس إلي فيقول كنت أعقل مني.([10])

 5- وروي عن سعيد بن المسيب قال: إن كنت لأسير ثلاثا في الحديث الواحد.([11])

 6- وقال عامر الشعبي: لو أن رجلا سافر من أقصى الشام إلى أقصى اليمن ليسمع كلمة حكمة ما رأيت أن سفره ضاع.([12])

 7- وعن زر بن حبيش قال: أتيت صفوان بن عسال المرادي، فقال: ما جاء بك؟ قلت: أنبط العلم ( أي استخرجه ) ، قال: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من خارج خرج من بيته في طلب العلم إلا وضعت له الملائكة أجنحتها رضا بما يصنع.([13])

 وهذه الرحلات كانت قبل تدوين السنة حين كان طلب الحديث يحصل مشافهة، ثم تلتها مرحلة أخرى وهي الرحلة من أجل ضبط الكتب وتصحيحها على الشيوخ، ولا زالت حتى الآن، وبعد أن تطورت وسائل الكتابة والطباعة، وتطورت وسائل الاتصال تعارف العلماء وطلاب العلم على نسخ معينة بالضبط والإتقان تعرف باسماء محققيها، لكن يبقى ضرورة المشافهة بها على الشيوخ للتأكد من صحة نطق اللفظ وفهم المعنى، وهذا والحمد لله متيسر في كل حاضرة من حواضر المسلمين اليوم ولا يحتاج إلى رحلة بل يحتاج إلى حرص وجود وسخاء بالوقت والجهد وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ، إن من يعرف قيمة السنة يرى أنه لو أوتي أضعاف عمره ما انقضى عجبه من بعضها ، قال الأمير المنصور بن المهدي للمأمون : أيحسن بمثلي أن يتعلم؟ فقال : والله لأن تموت طالبا للعلم خير من أن تموت قانعا بالجهل.

 المسألة الرابعة: السنة واضحة ميسرة

 إن معظم كلام النبي صلى الله عليه وسلم بَيِّن واضح, يشترك في فهمه العالم والعامي والصغير والكبير والرجل والمرأة عدا نسبة قليلة تحتاج إلى توضيح من جهة ارتباط بعضها ببعض فتكون مخصصة أو منسوخة أو مقيدة ، وأيضا بعض الكلمات الغريبة تحتاج إلى بيان لعدم فشو استعمالها بين الناس، أما استغلاق السنة على البعض فهو بسبب عدم التدبر، وضعف الصلة بها، وقلة بل ندرة القراءة، وعدم إلقاء السمع والتركيز حين سماعها بل يسمعها بأذنه بينما قلبه في كل واد من أودية الدنيا يهيم ثم بعد ذلك يقول إن فهم السنة أمر صعب فيؤثر الانشغال بالقيل والقال على سماع السنة وتعطير المجالس بها.

 وبعض المربين والمعلمين أو المؤلفين حين يحاول شرح السنة وتوضيحها لعامة الناس تجده يستطرد ويخرج عنها إلى علوم وفنون متنوعة من لغويات وبلاغيات صعبة الفهم أو إلى قصص وحكايات وطرائف تنسي أصل الحديث المتكلم عنه أو لا تبقي له إلا القليل من الوقت أو المساحة، لست أرفض شرح السنة ولا أنفي الحاجة لذلك وإنما أنفي الاستطراد والخروج عن المقصود والتطويل الذي يصرف عن السنة نفسها وتذهب الأوقات والأعمار في قراءة أو سماع كلام كثير لوكان مكانه سماع أحاديث أخرى لكان أولى وأحرى، فينبغي أن نقرب السنة للناس ونقتصر في بيانها وشرحها على ما تدعو الحاجة إليه ولو كان الشرح قليلا لأننا إذا فعلنا ذلك نرسخ في أذهانهم أن السنة واضحة سهلة فيقبلوا على قراء تها وتدبرها، أما نعقد ونهول الأمر ونبالغ في شرح بعض العبارات فهذا وإن كان قصد قائله خدمة السنة وحراستها فإنه قد يؤدي إلى عكس مقصوده.

 المسألة الخامسة: العلم بالسنة يوفر الوقت ويختصر الجهد.

إن تدبر السنة والتفقه فيها يوفر الوقت ويختصر الطريق على المربي والواعظ والخطيب إذ أنه في أي قضية يريد الحديث عنها فإنه سيجد من حكمة النبي صلى الله عليه وسلم ما يوصله إلى هدفه من أقرب الطرق وأيسرها وأسهلها وأوضحها، أما إن كانت صلته بالسنة ضعيفة فإنه سيشرق ويغرب ويهيم في أودية الكلام ويسلك طرقا ملتوية وطويلة للوصول إلى الهدف المنشود فيطيل بذلك على السامعين ويثقل عليهم، وقد بين هذا المعنى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في عبارة موجزة واضحة لمن عقل وتدبر فعن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه، فأطيلوا الصلاة وأقصروا الخطبة وإن من البيان لسحرا.([14])

 فأي خطيب عادته إطالة الخطبة فاعلم أنه غير فقيه في الخطابة مهما كانت قوة خطبه وتأثيرها الحماسي المؤقت، أما التأثير التربوي طويل الأجل فهي عنه بمعزل.

 إن بعض الخطباء يظن الخطبة قناة تلفزيونية أو جريدة أو مجلة أو دار نشر، حتى إن بعض الخطباء لما ختم خطبته قال: هذا ما تيسر جمعه في هذه العجالة؛ وقد زادت خطبته عن نصف الساعة، فالخطيب أو الواعظ حينما يتكلم مدة عشرين أو ثلاثين دقيقة ماهدفه؟ هل هدفه أن يعمل الناس بما يقول؟ فكيف سيحفظ المستمعون كل ما قال؟ إن إيجاز الخطبة يوجد الحب للخطيب أو الواعظ وبالتالي الانتفاع بما يقول، وبهذا لا نحتاج إلى شخص موهوب يجمع بين التطويل والتشويق حين يخطب أو يعظ، فالخطب والمواعظ العلمية التربوية تختلف تماما عن الخطب الأدبية والترفيهية، والكلام الكثير مع السرعة ينسي بعضه بعضا والذي يحصل أن المستمع يشرد ذهنه؛ خاصة إذا كان التطويل عادة لذلك الخطيب أو الواعظ أو كان موضوع الخطبة علميا دقيقا، أما إذا حولنا الخطبة إلى قصص وحكايات وترفيه ومسرح للأحداث فصحيح أنه سيوجد التركيز وشد الذهن والاهتمام لكن بهذه الطريقة نكون قد جارينا الناس بما تهوى أنفسهم ويقل نفعه لهم مع مخالفة السنة في التطويل، التطويل يصلح ويحسن في بعض الأحيان وحين تكون المناسبة ملحة، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم شئ من ذلك أما أن يكون التطويل هو الأصل ، والإيجاز غير ممكن لأنه دليل على العي والقصور فهنا انتكاس في المفاهيم وجهل واضح بالسنة.

 المسألة السادسة: تدبر السنة وقاية من الانحراف الفكري

 إن من يقرأ السنة بتدبر وبنية صحيحة مبتغيا وجه الله تعالى لا وجوه الناس فإنه بإذن الله تعالى يعصم من أي انحراف فكري وخاصة إذا تربى على هذا الأمر من صغره بطريقة صحيحة.

 قرأت في احد المواقع موقفا يحكيه عن نفسه بعض المضلين فيقول: كنت يوماً في العاصمة التونسية داخل مسجد عظيم من مساجدها، وبعد أداء فريضة الصلاة جلس الإمام وسط حلقة من المصلّين وبدأ درسه بالتّنديد والتكفير لأولئك الذين يشتمون أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) واسترسل في حديثه قائلاً: إيّاكم من الذين يتكلّمون في أعراض الصّحابة بدعوى البحث العلمي والوصول لمعرفة الحق، فأولئك عليهم لعنة الله والملائكة والنّاس أجمعين، إنهم يريدون تشكيك النّاس في دينهم، [ ثم استشهد الإمام بحديث] فقاطعه أحدُ المستبصرين كان يصحبني قائلاً: هذا الحديث غير صحيح وهو مكذوب على رسول الله! وثارت ثائرة الإمام وبعض الحاضرين والتفتوا إلينا منكرين مشمئزّين، فتداركت الموقف متلطّفاً مع الإمام وقلت له: يا سيدي الشيخ الجليل ... ... ... ، .... ... .." ثم بدأ هذا المضل يلقي بشبهاته وأباطيله إلى أن قال :  "ولما عرف الإمام تأثيري في الحاضرين من خلال حفظي للأحاديث التي رويتها قال في هدوء: نحن قرأنا على مشايخنا رحمهم الله تعالى بأنّ الفتنة نائمة فلعن الله من أيقظها، فقلت: يا سيدي! الفتنة عمرها ما نامت، ولكنا نحن النّائمون... " إلى أن قال هذا المضل: " ....وبعد شهر واحدٍ كتب إليَّ رسالة لطيفة يحمد الله فيها أن هداه إلى صراطه المستقيم " ؟

 فهذا الموقف وأمثاله يتكرر يوميا عبر وسائل الإعلام والاتصال - التي تطورت في عصرنا الحاضر - ويحتاج منا إلى وقفة جادة في طلب العلم النافع والتفقه في دين الله تعالى، وأن الأمر جد لا يحتمل التأخير أو التهاون والتواني، فنحن مسؤولون أمام الله عزوجل عن تقصيرنا في هذا الواجب العظيم.

إنها كلمة أوجهها إلى المسؤولين عن التربية والتعليم في العالم الإسلامي: إن أردتم الأمن والسلامة من المشكلات الفكرية والتربوية فليس أمامكم إلا القرآن والسنة ببرامج مكثفة وبيان واضح يمنع الانحراف في فهمها وتنزيلها على غير مادلت عليه، إن التاريخ يشهد أن العلاقة طردية بين العلم ومنه التوحيد وبين الأمن وقبل شهادة التاريخ شهادة رب العالمين إذ يقول : ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ﴾ [(82) سورة الأنعام]  فمحاولة إبعاد العلوم الشرعية عن مناهج التعليم أو تقليصها مع الإغراق في العلوم الدنيوية بحجة سوق العمل فهذا سيكون على حساب أمن المجتمع واستقراره على المدى البعيد وبوادر ونذر هذا الخطر بدأنا نذوقها من أقرب الناس إلينا إن العودة الصادقة لتدبر القرآن والسنة بطريقة صحيحة وبآليات كافية لهو السبيل لتحقيق الأمن المنشود والرخاء المقصود.

إن تغييب بعض نصوص القرآن والسنة بحجة علاج المشكلات الفكرية هو سبب في توليد مثل هذه المشكلات، فهذه النصوص إن لم يسمعها الناشئة من صغرهم في مدارسهم ويسمعوا بيانها الصحيح في مناهج التربية والتعليم فسيسمعونها من هنا او هناك مقلوبة محرفة ثم يطبقونها تطبيقا خاطئا فيجنون على أنفسهم وأمتهم.

 المسألة السابعة: السنة وفرضيات البرمجة اللغوية العصبية.

 يوجد في البرمجة اللغوية العصبية عدد مما يسمى بالفرضيات وهي عندهم قواعد وأصول سلوكية نفسية يبنى عليها عدد من الإجراءات والتقنيات في هذا العلم، وحينما تستمع لمدربي البرمجة وهم يشرحون فرضياتها، أو يدافعون عنها ويجيبون عما أورد عليها من ملاحظات فإنك تتعجب وتستغرب كيف يحاول هؤلاء التشبث بمثل هذه الفرضيات والدفاع عنها مع أن عندهم أضعاف أضعاف....أضعافها من حكم وقواعد موجودة في السنة النبوية تظهر لمن قرأها وتدبرها وأطال الوقوف عند حكمها.

 إن مثل هذا التمسك والاعتداد والفرح بهذه الفرضيات يقبل من أولئك الذين لا يعرفون القرآن ولم يطلعوا على سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لأن هذا منتهى علمهم وهم يحسبون بما قرروه أنهم حازوا سبقا علميا واكتشفوا أدوات لم تكن موجودة في هذا الوجود.

فيحسن بالمشتغلين بهذا العلم أن يعطوا من وقتهم القدر الكافي لتدبر السنة والتأمل في مضمونها إذ إنهم لو فعلوا ذلك لوجدوا ضالتهم المنشودة ولا ستغنوا بما عندهم عما عند غيرهم ولعلموا أن ما يسعون لتحقيقه من تغيير وتطوير موجود في السنة النبوية.

 فيأيها المدربون ويأيها المبرمجون خذوا من السنة النبوية ما تشاءون؛ من المسلمات التربوية والقواعد النفسية فهي معين لا ينضب وكنز لا يفنى، خذوا واشرحوا واعقدوا الدورات لتطوير الحياة.

 إنها دعوة مفتوحة إلى من آتاهم الله العلم بركنيه الفهم (الذكاء)، والحفظ (الذاكرة) أن يبينوا للناس القواعد التربوية، والمسلمات النفسية ويدربوا الناس عليها ويبنيوا لهم تطبيقاتها في الحياة، إن هذه القواعد هي التي تمكن بها النبي صلى الله عليه وسلم من تغيير الناس وتطويرهم من أمة بدوية بدائية إلى أمة ذات حضارة قوية مكينة استمرت قرونا طويلة ولا تزال تملك تلك الطاقة التي تمكنها بعون الله أن تعود إلى ما كانت عليه.

 المسألة الثامنة: مشهد من الواقع.

في أحد المساجد النشيطة قرأت لوحة رسم فيها خطة لمشروع تربوي يحتضن الناشئة في المرحلة الابتدائية، وكان البرنامج يحتوي على أنشطة متنوعة للطلاب منها: حفظ القرآن، ومذاكرة الكتب المدرسية، والترفيه، وغيرها، والذي استوقفني في الإعلان هو أن البرنامج يشمل دورات يلقيها عدد من المتخصصين في التربية وعلم النفس لتعليم الآباء والأمهات كيف يربون أبناءهم ويتعاملون معهم؟ فقلت: هل وصلت التبعية التربوية للغرب حتى إلى المساجد، إن كان أهل القرآن والسنة لا يستطيعون أن يعرفوا كيف يربون أبناءهم ويتعاملون معهم إلا بمساعدة المؤهلين في تلك العلوم من جامعات شرقية أو غربية ؟ إذا ما أثر القرآن والسنة في حياتهم ؟ أين هم من سنة المربي الأول صلى الله عليه وسلم ؟ الذي استطاع تكوين خير جيل عرفه التاريخ، أين هم من خبراته وتجاربه ومن قواعده وهديه ؟ إن كان المراد أن هؤلاء جمعوا بين التخصص في القرآن والسنة وبين العلوم التربوية والنفسية وسيكون طرحهم بواجهة القرآن والسنة وتحت لوائهما فحسن ، أما إن كانت الأخرى وهو الواقع والمشاهد فلا .

 المسألة التاسعة: الاستيراد والتصدير الفكري.

 إن من مظاهر الانهزامية والتبعية في وقتنا الحاضر هو ذلك الاستيراد الثقافي الذي نشط في السنوات الأخيرة نشاطا ملحوظا واتخذ قوالب مختلفة منها ترجمة الكتب ومنها دورات التطوير والتغيير كلها ينتهي إسنادها إلى الحضارة الغربية ومقطوعة الإسناد عن القرآن والسنة.

إن التبعية الفكرية للحضارات القوية في العالم انهزامية غير مقبولة مهما كان المبرر والواجهة التي تغلف بها والجسر الذي تعبر فوقه إلى ثقافتنا وحضارتنا.

 لماذا الاستيراد؟ والانتاج المحلي متوفر بل يفوق المستورد.

 إننا لن نتحرر ماديا حتى نتحرر فكريا بشكل كامل ومطلق.

 والسبب في وجود هذه الظاهرة عدم التفريق بين الاستيراد الممنوع وبين الانتفاع المشروع بما عند الحضارات الأخرى في أمور الحياة المادية، فهذه مسالة يقع الخلط فيها كثيرا ولا يوفق للبصيرة في هذا الأمر إلا من هدي إلى الصراط المستقيم؛ الذي فرض على المسلم أن يدعو بالهداية إليه كل يوم سبعة عشر مرة على الأقل.

 إن لكل حضارة جانبين معنوي ومادي وهما ممتزجان بشكل يصعب الفك بينهما وإن بينهما خيط رفيع لا يراه إلا المبصرون ممن تدبر القرآن والسنة.

إننا بهذا الاستيراد نعمق في نفوس الناس وخاصة الجيل الجديد التبعية لتلك الأمم شئنا أم أبينا وسنظل نغرس الضعف والانهزامية دون أن نحاول الخروج وتحقيق النصر والعزة.

 إن على المثقفين من المسلمين أن ينتقلوا من مرحلة الاستيراد إلى التصدير، أي تصدير مشروعنا الحضاري إلى الناس كافة خاصة أن المناخ مناسب والمنافسة مفقودة حيث تعاني الحضارات اليوم من فراغ نفسي شديد وهي بأمس الحاجة لأن ترى حضارة الإسلام بثوب عصري يجيب على كل تساؤلات الحياة إجابات مقنعة ويربط القرآن والسنة بكل دقائق الحياة في كافة الجوانب.

 المسألة العاشرة: الوقود الذي يطلق القدرات.

 إن السنة النبوية لمن فتح الله تعالى له أبوابها هي المنطلق لإطلاق قدرات الإنسان وهي الوقود الذي يولد الحماس والنشاط والطاقة والإبداع.

قال ابن القيم: وما ظنك بمن إذا غاب عنك هديه وما جاء به طرفة عين فسد قلبك، ولكن لا يحس بهذا إلا قلب حي وما لجرح بميت إيلام، وإذا كانت السعادة معلقة بهديه صلى الله عليه وسلم فيجب على كل من أحب نجاة نفسه أن يعرف هديه وسيرته وشأنه ما يخرج به عن خطة الجاهلين، والناس في هذا بين مستقل ومستكثر ومحروم والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم([15])

هذا الكلام يعترف به كل مسلم نظريا ، أما من يطبقه إلى واقع عملي محسوس فهم في عصرنا قليل.

 إن نشر السنة بين الناس وتدبرهم لها يسهم بشكل كبير في تربية النفوس وتهذيب الأخلاق ونتيجة لذلك تقل المشاكل والمخالفات والجرائم، ويوجد الجد في الحياة والالتزام في أداء الواجبات دون حاجة إلى أجهزة مراقبة أو حراسة أو إدارات متابعة فهناك رقابة داخلية تعمل على مدار الساعة فإذا تحقق هذا فانظر ماذا يترتب عليه من مصالح عظيمة.

 وأيضا إذا وجد تدبر السنة يكون الحصول على القوي الأمين أمر سهل مما يمكن معه تحقيق الكثير من الأهداف العامة والخاصة وإنجاز الكثير من المشاريع بأقل تكلفة وأقل جهد، ما أقوله ليس أحلام شاعر، ولا أوهام كاهن بل هي حقيقة مقررة  وأثره ملموس لكنه في نطاق محدود، إننا نملك أعظم طاقة معنوية لو استطعنا أن نوصلها بشكل صحيح وأن نستثمرها في تحقيق الرخاء والأمن للمجتمع، وتحقيق الحياة الطيبة لكافة أفراده.

 المسألة الحادية عشرة: مقاومة تغيير المناهج.

 يبنغي للمسلمين ألا يستسلموا لمن أراد تغيير مناهجهم وتقليصها؛ لكن لا يضيع وقتهم في الدفاع وينشغلوا به عن البناء حتى يغلبوا ويسقطوا، بل عليهم أن يبحثوا عن البدائل والحلول التي يقاومون بها هذا التغيير ويكفل للناشئة استمرار اتصالهم بالقرآن والسنة صلة صحيحة قوية محكمة، وبتلقائية وسهولة وهو ما يحققه مشروع تدبر القرآن والسنة بإذن الله تعالى.

 لقد سجل التاريخ شهادات إجلال وإكبار لأقليات مسلمة عاشت متمسكة بدينها وعقيدتها تمسكا قويا متينا مع شدة ما تواجهه من ضغوط رسمية واجتماعية إنها فقط الرغبة الصادقة في البناء وامتلاك السيولة العلمية التي تدعم هذا المشروع الكبير.

 فالأسرة المسلمة إذا كانت مبنية على أسس تربوية سليمة وبدأت بواجبها منذ نشأتها وتكوينها فلن تستطيع أي قوة في الأرض أن تفرض على أفرادها فكرا غير الفكر الذي رضعته منذ أيامها الأولى، أما إن تركت الوعاء فارغا وألقت بالتبعة على غيرها فهنا مكمن الخطر والثغرة التي ينفذ منها الأعداء إلى حصوننا، لقد ولى عهد النوم والكسل وبدأت مرحلة الجد والعمل، فكل منا على ثغرة من ثغور الإسلام فالله الله أن يؤتى الإسلام من قبله.

 المسألة الثانية عشرة: تدبر السنة اجتماع الكلمة وتوحيد الصف:

إن بعض الناس لا يعرف السنة إلا عندما يريد أن يجادل أو يخاصم فتراه يفتش في كتبها بحثا عما يقوي حجته ويشهد لرأيه وما عدا ذلك من أيام حياته فلا صلة له بالسنة فلا يفتش فيها بحثا عن أسباب نجاته وإصلاح نفسه وتزكية قلبه ، قد غاب عن ذهنه الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم والتأسي به في شأنه كله.

فمثل هذا النوع من الناس هو الذي يزرع الخلاف والشقاق بين المسلمين ، وينشر الآراء الشاذة والمناهج المنحرفة سواء كان ذلك بحسن نية أو عدمها النتيجة واحدة.

أما حين يوجد تدبر السنة عند أفراد الأمة، يبدأ الجميع بتدبرها من الصغر وبنية صادقة ومنهج صحيح فإننا بإذن الله تعالى نأمن وجود هذه البذور الفاسدة في صفوفنا فتصفو الحياة وتجتمع الكلمة، وحتى لو وجد خلاف على بعض المسائل فإن القلوب صافية والنيات صادقة.

فهذه وسيلة سهلة ميسرة في متناول الجميع منحنا الله إياها فلم لا نوظفها لتحقيق الخير وجمع الكلمة.

إن كل مجتمع صغيرا كان أو كبيرا يأخذ بزمام المبادرة ويسعى في غرس هذه الشجرة المباركة في أرضه فإنه يتفيؤ ظلالها عندما تنمو وتكبر، أما من يفرط ويهمل فإنه يتجرع الغصص ويتكبد الخسائر، ويعيش في جحيم الخلاف والشقاق طول حياته.

 الهدف الثاني: العمل.

 إن وجود هذا الهدف عند كل مسلم من أقوى الدوافع للعناية بالسنة والإقبال عليها والاشتغال بها، والحرص عليها.

 فمتى علم المسلم أن في السنة ما يحقق له النجاة والحياة الطيبة، ما يجيبه على التساؤلات اليومية التي تمر به، ما يعينه على التعايش مع الواقع الذي يعيش به، ما يكشف له الجواب الصحيح في كل موقف يتعرض له، ما يؤمن له المستقبل في الحياة الآخرة فإنه يحرص عليها أشد الحرص، ويقدرها حق قدرها ويوليها اهتماما بالغا وعناية خاصة.

 المسألة الأولى: حرص السلف على العمل بالسنة.

 لقد فقه سلفنا الصالح هذا الهدف فقرنوا العلم بالعمل وتواصوا به وأكدوا عليه دائما، فلم يكن حظهم من السنة الرواية، بل قرنوا الرواية بالدارية والربط بشؤون الحياة كلها.

وأورد هنا بعض النماذج لبيان هذا الجانب المشرق في حياة الصحابة رضي الله عنهم شحذا للهمم للتأسي بهم، والسير في طريقهم:

 1- عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: لست تاركا شيئا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل به إلا عملت به، وإني أخشى إن تركت شيئا من أمره أن أزيغ.([16])

 2- عن عمر رضي الله عنه: أنه جاء إلى الحجر الأسود فقبله فقال إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك.([17])

 3- وعن يعلى بن أمية قال: طفت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه فلما كنت عند الركن الذي يلي الباب مما يلي الحِجْر أخذت بيده ليستلم ، فقال : أما طفت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلت: بلى، قال: فهل رأيته يستلمه؟ قلت: لا، قال: فانفذ عنك، فإن لك في رسول الله أسوة حسنة.([18])

 4- وعن سعيد بن المسيب قال : رأيت عثمان رضي الله عنه قاعداً في المقاعد فدعا بطعام مما مسته النار فأكله ثم قام إلى الصلاة فصلى ، ثم قال عثمان: قعدت مقعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأكلت طعام رسول الله، وصليت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.([19])

 5- وعن علي ين أبي طالب رضي الله عنه: أن فاطمة رضي الله عنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم تسأله خادما فقال: ألا أخبرك ما هو خير لك منه؟ تسبحين الله عند منامك ثلاثا وثلاثين وتحمدين الله ثلاثا وثلاثين وتكبرين الله أربعا وثلاثين، قال علي رضي الله فما تركتها بعد، قيل: ولا ليلة صفين؟ قال ولا ليلة صفين.([20])

 6- وعن ميسرة الطهوي قال: رأيت عليا يشرب قائما، قال: قلت له: تشرب قائما؟ فقال: إن أشرب قائما فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب قائما، وإن أشرب قاعداً فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب قاعداً.([21])

 7- وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: بينما نحن نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال رجل من القوم: الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيرا ،وسبحان الله بكرة وأصيلا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من القائل كلمة كذا وكذا؟ قال رجل من القوم: أنا يا رسول الله، قال: عجبت لها، فتحت لها أبواب السماء، قال ابن عمر رضي الله عنهما: فما تركتهن منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك.([22])

 8- وعن سالم بن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تمنعوا إماء الله أن يصلين في المسجد، فقال ابن له: إنا لنمنعهن، فقال: فغضب غضبا شديدا وقال: أحدثك عن رسول الله وتقول إنا لنمنعهن، وفي رواية: فانتهره عبد الله، قال: أفٍ لك، أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقول: لا أفعل.([23])

 9- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أوصاني خليلي بثلاث لا أدعهن حتى أموت: صوم ثلاثة أيام من كل شهر، وصلاة الضحى، ونوم على وتر.([24])

والنصوص في هذا الباب عن الصحابة والتابعين وأئمة الفقه كثيرة كلها تؤكد هذا المعنى وتهيج النفوس إليه ، وتبرز هذا الجانب المهم من حياة المسلم في تعامله مع سنة النبي صلى الله عليه وسلم.

 المسألة الثانية: مراتب اتباع السنة.

مراتب اتباع السنة أربع:

 الأولى: سماع الحديث أو قراءته والتأكد من صحته.

الثانية: حفظ لفظ الحديث.

الثالثة: فقه الحديث وحفظ معانيه.

 الرابعة: العمل والتنفيذ.

 هذه مراتب اتباع السنة، فأولا تسمع الحديث أو تقرأه، ثم تحفظه، ثم تتفكر في معانيه وتتدبره وتتأكد من فقهك له بسؤال أهل العلم أو بالسماع أو بالقراءة، ثم تنطلق للعمل مباشرة بما سمعته عن الرسول صلى الله عليه وسلم دون تأخير أو توان.

 لقد كان تعامل الصحابة رضي الله عنهم مع السنة تعاملا مباشرا وسهلا، يأتي أحدهم النبي صلى الله عليه وسلم فيسأله، ثم يستمع إلى الإجابة ويحفظها ثم ينطلق للعمل بها، أما كثير من الناس اليوم فإما أن يحرموا أنفسهم سماع السنة والعلم بها، أو يحرموا أنفسهم فورية التطبيق والتنفيذ بحجج واهية وأعذار وهمية، فتنقضي أيام حياتهم وفي كل يوم يفوتهم خير عظيم.

 المسألة الثالثة: التربية والتدريب على العمل بالسنة.

 إن العمل بالسنة وتطبيقها يحتاج إلى التدرج في التطبيق شيئا فشيئا، وينبغي أن يبدأ ذلك في وقت مبكر منذ سنوات الطفولة الأولى بحيث يتسع الوقت للبناء، وتوجد مساحة كافية للتدريب والتكرار حتى ترسخ العادات التربوية الجيدة.

عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: حافظوا على أبنائكم في الصلاة وعودوهم الخير فإن الخير عادة.([25])

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: تعودوا الخير عادة، و إياكم و عادة السواف من سوف إلى سوف.([26])

وعن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه قال: عودوا أنفسكم الخير؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الخير عادة ،والشر لجاجة، ومن يرد الله به خيرا يفقهه في الدين.([27])

 إن كل عمل دلنا عليه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حري بنا أن نعود أنفسنا عليه، وكل عمل من هذه الأعمال له مستويات ودرجات و يؤخذ بالتدريج يوما بعد يوم، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، ولا نظن أن ما نسمع عن السلف من اجتهاد في الأعمال الصالحة جاء طفرة وفجأة إنما جاء بالتدريج والتربية والتعويد سواء كان في تربية الإنسان لنفسه أو تربية المربي لغيره، فلا يمكن أن يحصِِّل الشخص كل أبواب الخير وبأعلى درجة في يوم أو في سنة وأيضا ليس مطلوبا منه ذلك إنما البناء يكون بالمجاهدة والمصابرة وبالرياضة. وأن يبدأ رحلة المجاهدة وفي نيته إتمامها، ولو مات قبل إكمالها فإنه يكتب له ثواب ما نوى، وأن يكون خط سير الرحلة على الأحاديث، نبدأ بها حديثا حديثا، وكل حديث أيضا نأخذه بالتقسيط فمثلا حديث أبي هريرة أوصاني خليلي بثلاث: نبدأ أولا بأن نتعود أن نوتر قبل أن ننام، ثم بصلاة الضحى، ثم بصيام ثلاثة أيام من كل شهر، فإذا أتقناه ذهبنا للحديث الذي بعده، فتكبر وتنمو حصيلتنا التربوية يوما بعد يوم فتضفي على حياتنا النور والبهجة والسرور، وتسهم بشكل سريع وقوي في علاج مشاكلنا الموجودة ووقايتنا مما لم يوجد.

الإنسان مركب ومكون من آلاف العادات الصغيرة التي تتشكل وتتركب مع بعضها لتكون عادات أكبر ثم تشكل الشخصية الكلية للإنسان.

ومن المعلوم أن في بداية تركيب وتثبيت العادة وبنائها يحصل شئ من الاهتزاز والتأرجح حتى تثبت وتصلب.

 أما من يريد أن يأخذ الأعمال والدين جملة فإنه يذهب عنه جملة، وتنقضي حياته ولم يترق أو يصعد في سلم الخير.

 وأذكِّر هنا بما قلته في كتاب (مفاتح تدبر القرآن) : أن مفتاح الإشعال والمنطلق في بناء الذات وتكوين المهارات هو القيام بالقرآن فهو الذي يهيئ النفس لتكون أرضا صالحة للزراعة وتربة خصبة تنمو فيها خصال الخير بقوة وحيوية.

 إن المتربي بالإضافة إلى عمله وتطبيقه لهذه الأحاديث يتعلم أمرا مهما بل في غاية الأهمية إنه يتعلم كيف يعمل بالسنة كيف يتعامل معها، وكيف يطبقها خطوة بخطوة وبشكل مباشر.

 إننا بنبغي أن نتربى على الفورية والمباشرة مع السنة وألا يكون بيننا وبينها وسطاء ننتظر منهم أن يقدموها لنا حتى إذا وصلتنا لا نذوق طعمها وحلاوتها، ونتهيب أن نحاول قراءة أو تطبيق أمر آخر غير ما قدموه لنا.

 الهدف الثالث: الثواب.

 كل نص من القرآن والسنة ورد فيه فضل العلم والحث عليه فإن حفظ السنة وقرائتها وتدبرها يدخل فيه دخولا أوليا وهناك نصوص خاصة في الحث على حفظ السنة وتبليغها إلى الناس ، وهذا طرف مما ورد في هذا الباب من النوعين:

 1- قال الله تعالى: ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ [(11) سورة المجادلة].

 2- قال الله تعالى: ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ﴾[ (9) سورة الزمر].

 3- قال الله تعالى: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾[ (108) سورة يوسف].

 4- وعن معاوية رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين.([28])

 5- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالما ومتعلما.([29])

 6- وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: نضر الله امرءً سمع منا شيئا فبلغه كما سمعه فرب مبلغ أوعى من سامع.([30])

 7- وعن صفوان بن عسال المرادي رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو متكئ على برد له أحمر فقلت له: يارسول الله إني جئت أطلب العلم ، فقال: مرحبا بطالب العلم إن طالب العلم تحفه الملائكة بأجنحتها ثم يركب بعضهم بعضا حتى يبلغوا السماء الدنيا من محبتهم لما يطلب.([31])

 8- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علما علمه ونشره وولدا صالحا تركه أو مصحفا ورثه أو مسجدا بناه أو بيتا لابن السبيل بناه أو نهرا أجراه أو صدقه أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه بعد موته.([32])

 9- وعن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من غدا إلى المسجد لا يريد إلا أن يتعلم خيرا أو يعلمه كان له كأجر حاج تاما حجته.([33])

10- وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغوا عني ولو آية.([34])

11- وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: القلوب أوعية فخيرها أوعاها ، الناس ثلاثة فعالم رباني ومتعلم على سبيل نجاة وهمج رعاع لا خير فيهم.([35])

12- وعن أبي قتادة رضي الله عنه قال: باب من العلم يحفظه الرجل لصلاح نفسه وصلاح من بعده أفضل من عبادة حول.([36])

 13- وعن أبي هريرة وأبي ذر رضي الله عنهما قالا : باب من العلم نتعلمه أحب إلينا من ألف ركعة تطوع وباب من العلم تعلمه عمل به أو لم يعمل به أحب إلينا من ألف ركعة تطوع.([37])

 14- وعن معاذ بن جبل لما حضرته الوفاة قال: اللهم إنك تعلم أني لم أكن أحب البقاء في الدنيا لجري الأنهار ولا لغرس الأشجار ولكن كنت أحب البقاء لمكابدة الليل الطويل ولظمأ الهواجر في الحر الشديد ولمزاحمة العلماء بالركب في حلق الذكر.([38])

 15- وقال الشافعي: ليس شئ بعد الفرائض أفضل من طلب العلم. ([39]).

 16- وقال سفيان الثوري: ما من عمل أفضل من طلب العلم إذا صحت النية.([40])

 17- وقال الشافعي: طلب العلم أفضل من صلاة النافلة، وقال: من أراد الدنيا فعليه بالعلم ومن أراد الآخرة فعليه بالعلم، وقال: من لا يحب العلم فلا خير فيه فلا يكن بينك وبينه معرفة ولا صداقة، وقال: إن لم يكن الفقهاء العاملون أولياء الله فليس لله ولي، وقال: من تعلم القرآن عظمت قيمته، ومن نظر في الفقه نبل قدره، ومن نظر في اللغة رق طبعه، ومن نظر في الحساب جزل رأيه، ومن كتب الحديث قويت حجته ومن لم يصن نفسه لم ينفعه علمه.([41])

والنصوص في هذا الباب كثيرة كلها تحث وترغب في التوجه لطلب العلم النافع ونشره وتبليغه للناس.

 الهدف الرابع: المناجاة.

 تضمنت السنة عددا من الأدعية والأذكار التي يناجي بها العبد ربه، وهي ألفاظ عظيمة حملت معاني جليلة من حفظها وذكر الله بها أو دعا بها عظمت منزلته وارتفعت مكانته وقضيت حاجته وصار من أولياء الله المتقين الذين ﴿ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلاتَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ* نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ﴾[(30،31) سورة فصلت].

ومن المناجاة بالسنة أن تتذكر وأنت تكتب السنة أو تحفظها أن الله يراك ويسمعك ويبارك عملك ويحب ذلك منك، وأنه يمدحك ويعطيك فاجتهد في قراءة السنة، وكن سخيا في بذل الوقت والجهد في حفظها والعمل بها ونشرها بين الناس ما استطعت إلى ذلك سبيلا فإنك بأعلى المراتب وأفضل المنازل.

 الهدف الخامس: الشفاء.

 إن العيش مع السنة يحول حياتك إلى روضة من رياض الجنة تحس خلالها بالرضى والطمأنينة والسكينة، وتحس بوضوح الرؤية لأمور الحياة فتنجو من جحيم التردد والتذبذب والشك وتسلم من الانحراف عن الصراط المستقيم.

 والشفاء بالسنة نوعان: شفاء علمي معنوي نفسي، وشفاء حسي بدني، وتحصيل هذين الشفاءين يكون بأمرين:

الأول: بتدبر السنة على أسس صحيحة.

الثاني: الدعاء بالسنة أوالرقية بها.

أما الأول: فهو موضوع الكتاب، ومن أهم المفاتيح العملية المحققة للشفاء بالسنة المفتاح السادس وهو الحفظ التربوي للسنة ، وبدونه فإن الشفاء بالسنة يكون محدودا وأثره ضعيف.

وأما الثاني وهو الدعاء بالسنة والرقية بها فقد جاء بيانه في عدد من الأحاديث وهي معروفة معلومة منها:

 1- عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعوذ بعض أهله يمسح بيده اليمنى ويقول: اللهم رب الناس أذهب الباس اشفه وأنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقماً.([42])

 2- عن عثمان بن أبي العاص أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعا يجده في جسده منذ أسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ضع يدك على الذي تألم من جسدك وقل باسم الله ثلاثا وقل سبع مرات أعوذ بالله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر.([43])

 3- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين ويقول: إن أباكما كان يعوذ بها إسماعيل وإسحاق أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة.([44])

 وغيرها من الرقى النبوية التي يوقن المسلم بأثرها العظيم في تحقيق الشفاء ودفع البلاء، كما يؤمن بقضاء الله وتدبيره وبحكمته وعلمه إن تأخر الشفاء وأن ما قضاه الله وقدره لعبده هو خير له على كل حال.

والأمثلة والنماذج على حصول الشفاء بالسنة - على مر العصور- لا حصر لها وإنما أذكر هنا أربعة نماذج في الشفاء العلمي من أجل التوضيح وتأكيد هذا المعنى وتقريبه للنفوس:

 المثال الأول:

 عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم المسجد فإذا هو برجل من الأنصار يقال له: أبو أمامة، فقال: يا أبا أمامة ما لي أراك جالسا في المسجد في غير وقت الصلاة؟ قال هموم لزمتني وديون يارسول الله، قال: أفلا أعلمك كلاما إذا أنت قلته أذهب الله همك وقضى عنك دينك؟ قال بلى يارسول الله، قال: قل إذا أصبحت وإذا أمسيت اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل وأعوذ بك من الجبن والبخل وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال، قال: ففعلت ذلك فأذهب الله همي وقضى عني ديني.([45])

 المثال الثاني:

 عن أبي سلمة رضي الله عنه قال: لقد كنت أرى الرؤيا فتمرضني حتى سمعت أبا قتادة يقول وأنا كنت أرى الرؤيا تمرضني حتى سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: الرؤيا الحسنة من الله فإذا رأى أحدكم ما يحب فلا يحدث به إلا من يحب، وإذا رأى ما يكره فليتعوذ بالله من شرها ومن شر الشيطان وليتفل ثلاثا ولا يحدث بها أحدا فإنها لن تضره.  ([46])

 المثال الثالث:

 قال عبد الله بن وهب صاحب مالك: وكان أول أمري في العبادة قبل طلب العلم فولع مني الشيطان في ذكر عيسى بن مريم كيف خلقه الله عزوجل ونحو هذا، فشكوت إلى شيخ فقال لي: ابن وهب؟ قلت: نعم، قال: اطلب العلم فكان سبب طلبي العلم  ([47])

 المثال الرابع:

 وكانت بعض الصالحات يضيق صدرها وتحزن كلما جاءها الحيض أسفا على فوات الأعمال الصالحة التي كانت تواظب عليها وخاصة في رمضان فلما سمعت بقول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحا مقيما([48]) علمت أنه يكتب لها ثواب نيتها الصادقة حال العذر ففرحت بذلك وزال عنها ضيق الصدر والهم، وسكنت نفسها واطمأن قلبها إلى رحمة الله تعالى وسعة فضله.

 الهدف السادس: الإعلام والدعوة.

 هذا الهدف من أهم المقاصد التي ينبغي للمسلم أن يحمل همها وأن يحرص على تحقيقها فيمن حوله، فيحصل التواصي بين الجميع باتباع السنة والعمل بها لتصلح النفوس وتحيى القلوب فتصلح الأحوال وتصفو الحياة.

 لقد حرص النبي صلى الله عليه وسلم على غرس هذا المعنى في النفوس وأكد عليه في كل مناسبة، فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : نضر الله امْرَأً سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه ليس بفقيه.([49])

ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : ليبلغ الشاهد الغائب فإن الشاهد عسى أن يبلغ من هو أوعى منه.([50])

 وأيضا فإن كل نص من القرآن والسنة جاء فيه ذكر الدعوة والتبليغ والوعظ والبيان فإنه يشمل أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأحواله في جميع أمور الحياة.

ومن الأمور المهمة التي ينبغي التنبيه عليها في هذا المقام أن يكون تبليغ السنة مسندا إلى النبي صلى الله عليه وسلم معزوا إليه قدر الاستطاعة لأن هذا أبلغ في التأثير وأقوى في الحجة، فهناك فرق كبير بين أن تقول: لا تشرب بشمالك، أو أن تقول له: هل سمعت بقول النبي صلى الله عليه وسلم ..... ، فقط خبرا لا أمرا ولا زجرا، فالناس بأمس الحاجة لأن يسمعوا كلام الله، وأن يسمعوا كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس كلام فلان أو علان، فأنت بهذه الطريقة تجعله يسلم ويذعن احتراما للنبي صلى الله عليه وسلم لانك بهذه الطريقة أرسلت له رسالة خفية مفادها أن الذي يريد ذلك منك هوالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وليس أنت فيفهم قصدك ومرادك وأنها ليست مسألة شخصية او انتقاص له.

 فكلما وجد في الأمة حفظ السنة ووجد إذاعتها ونشرها بين الناس في كل موقف يحتاج إليها فيه فإن هذا من أقوى الأسباب في الإصلاح والتغيير، فما وجدت النقائص وكثر التفريط والتقصير إلا لما غابت السنة عن واقع الحياة وإلا لو ملئت مجالسنا وملتقياتنا ومساجدنا ومدارسنا بنصوص القرآن والسنة وبآلية تامة لكان لواقعنا شأن آخر غير الذي نعيشه اليوم.


 المفتاح الثالث: التركيز.

 كان المفتاح الثالث بالنسبة لقراءة القرآن هو قراءته في صلاة ، والقرآن هو الكلام الوحيد الذي يشرع له هذا الحكم وما عداه من الكلام فلم تشرع قراءته في صلاة، إلا أنه يمكن الاستفادة من تقنيات التركيز التي تحققها القراءة في صلاة، ومنها:

 1- تركيز القلب:

 أي تركيز التفكير على الهدف الذي تريد وهو فهم نصوص السنة واستحضارها بعمق، بمعنى أن تكون واعيا لما تقرأ؟ فتتذكر أنك تقرأ كلاما مقدسا محترما ملزما بفقهه والعمل بما فيه فتكون في كامل وعيك حين القراءة.

 2- تركيز العين:

 أي تثبيت النظر إلى الكتاب الذي تقرأ فيه، وإن كنت تقرأ حفظا فتركيز العين على نقطة معينة أو تغميض العينين ليكون أقوى في التركيز.

3- تركيز اللسان:

 بمعنى أن تمنع نفسك عن الكلام بغير السنة أثناء القراءة إلى أن ينتهي الوقت المخصص لها فلا تسمح لأحد أن يقاطعك ولا تجيب سائلا ولا تتدخل فيما حولك.

 4- تركيز الوجه:

 أي تثبيته إلى جهة محددة وفي هذا إعانة على التركيز على ما يقرأ.

 5- تركيز اليدين:

 أي كفهما عن الحركة فلا تسمح لنفسك أن تتحرك بأي حركة خارج ما أنت فيه من قراءة السنة فلا تجيب جوالا ولا تفتح درجا أو بابا إلا ما دعت الحاجة إليه.

 6- الوقوف:

 من المعلوم العلاقة بين القوة البدنية والقوة الذهنية للإنسان يدل على ذلك ماجاء عن أبي ذر رضي الله عنه أنه كان يسقى على حوض له فجاء قوم فقال: أيكم يورد على أبي ذر ويحتسب شعرات من رأسه فقال رجل أنا فجاء الرجل فأورد عليه الحوض فدقه وكان أبو ذر قائما فجلس ثم اضطجع فقيل له يا أبا ذر لم جلست ثم اضطجعت؟ فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا: إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس فان ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع.([51])

 فالمقصود إضعاف القوة الذهنية حتى يزول المؤثر ومن مفهوم المقابلة لهذا الحديث فإن الجلوس أعون على الفهم من الاضطجاع ، والوقوف أعون من الجلوس.

 فهذه ستة أمور تفيد في تحقيق مستوى أعلى من التركيز وبالتالي الفقه والفهم فتطبيقها مع بقية المفاتيح الأخرى يساعد جدا على تدبر السنة والغوص في معانيها والوقوف على أسرارها وخفاياها.


 المفتاح الرابع: أن تكون القراءة في ليل.

 لأن الأصل في الليل أن يكون وقت الهدوء والصفاء، وخاصة حين يطول، وعبارات السلف تؤكد على أن الليل هو أولى الأوقات لما يراد حفظه أو فقهه من العلم.

 1- قال الشافعي رحمه الله: الظلمة أضوء للقلب.([52])

2- وسئل رجل أبا حنيفة عما يورث الحفظ فقال : البزر البزر.([53])

3- وقال الخطيب البغدادي: واعلم أن للحفظ ساعات ينبغي لمن أراد التحفظ أن يراعيها .. فأجود الأوقات: الأسحار، ثم بعدها وقت انتصاف النهار، وبعدها الغدوات دون العشيات، وحفظ الليل أصلح من حفظ النهار، قيل لبعضهم: بم أدركت العلم؟ قال: بالمصباح والجلوس إلى الصباح، وقال آخر: بالسفر والسهر والبكور في السحر.([54])

4- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جزأت الليل ثلاثة أجزاء: ثلثا أصلي، وثلثا أنام، وثلثا أذكر فيه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وروي مثله عن عمرو بن دينار وسفيان الثوري.  ([55])

5- وقال المنذر لابنه النعمان: يابني ، أحب لك النظر في الأدب بالليل فإن القلب بالنهار طائر ، وبالليل ساكن ، فكلما أوعيت فيه شيئا عقله.([56])

6- وقال أحمد بن الفرات: لم نزل نسمع شيوخنا يذكرون أشياء في الحفظ فأجمعوا أنه ليس شئ أبلغ فيه إلا كثرة النظر ، وحفظ الليل غالب على حفظ النهار, وقال: سمعت إسماعيل بن أبي اويس يقول: إذا هممت أن تحفظ شيئا فنم وقم عند السحر فأسرج، وانظر فيه فإنك لا تنساه بعد إن شاء الله.([57])

ولأن آخر الليل يفترض فيه أن الجسم يكون في حالة النشاط وذروة القوة وهذا يساعد جدا على الصفاء والتركيز ومن ثم سرعة الحفظ والفهم، أما إذا حولنا أول الليل إلى لهو ولعب وآخره إلى إعياء وتعب فمتى  سنربي أنفسنا ونطور قدراتنا الذهنية ونزيد حصيلتنا العلمية التي يتوقف عليها نجاحنا في الدنيا والآخرة.


 المفتاح الخامس: التكرار الأسبوعي.

 وهو الطريقة التي يمكن بها حفظ السنة لفظا ومعنى بسهولة وانسيابية دون تسويف أو استعجال بل أدومه وإن قل، بمعنى أن يكون لك حزب يومي تحافظ عليه بحيث تختم ما تحفظه كل أسبوع، بمعنى أن تقسم ما يتم حفظه من السنة إلى سبعة أقسام في كل ليلة قسم فتختمه كل أسبوع، وكلما زاد الحفظ أعدت التقسيم ليتناسب مع المقدار الجديد.

 كما يمكن أن يكون التحزيب على أسبوعين أو شهر، لكن اعلم أنه كلما طالت مدة الدورة كلما ضعف أثره التربوي واختل الحفظ وأنت الحكم.

والبداية تكون بسبعة أحاديث بحيث يكون لكل يوم حديث ابتداء من يوم الجمعة، ثم تكون الزيادة بالطريقة نفسها التي وصفتها في الحفظ التربوي للقرآن.

 هذا المفتاح وظيفته تثبيت حفظ الألفاظ والمعاني، وهو يقوم على أسس منها:

 1- الأناة وعدم الاستعجال ويتمثل ذلك بتقليل المقدار.

 2- مراعاة الفروق الفردية فكل شخص له طاقته وقدرته.

 3- المحافظة على الجهد والوقت.

 4- الحزم والمبادرة.

 5- ضبط المحفوظ مقدم على حفظ الجديد عند التعارض.

 6- الاستمرار وعدم التوقف.

 7- التركيزعلى القليل حتى الإتقان.

 وهذه المعاني أكد عليها علماء الحديث قديما وطبقوها على أنفسهم وطلابهم وأقوالهم في هذا مشهورة من ذلك:

 1- عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: تزاوروا وتدارسوا الحديث ولا تتركوه يدرس.([58])

 2- وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنا نكون عند النبي صلى الله عليه فنسمع منه الحديث فإذا قمنا تذاكرناه فيما بيننا حتى نحفظه.([59])

 3- وعن عطاء قال: كنا نكون عند جابر بن عبد الله فيحدثنا فإذا خرجنا من عنده تذاكرنا حديثه.([60])

 4- وعن ابن عباس قال: إذا سمعتم مني حديثا فتذاكروه بينكم.([61])

 5- وعن سعيد بن جبير أن ابن عباس رضي الله عنه كان يقول له: يا سعيد اخرج بنا إلى النخل ويقول: ياسعيد حدِّث، قلت: أحدث وأنت شاهد؟ قال إن أخطأتَ فتحتُ عليك.([62])

 6- عن علقمة قال: أطيلوا ذكر الحديث لا يدرس.([63])

 7- عن سفيان الثوري قال: اجعلوا الحديث حديث أنفسكم وفكر قلوبكم تحفظوه.([64])

 8- وعن ابن خلاد قال: قيل: الاحتفاظ بما في صدر الرجل أولى من درس دفتره، وحرف تحفظه بقلبك انفع لك من ألف حديث في دفاترك. ([65])

 9- وقيل للأصمعي: كيف حفظت ونسي أصحابك؟ قال: درست وتركوا.([66])

 10 - وعن أبي حازم قال: كان الناس فيما مضى من الزمان الأول إذا لقي الرجل من هو أعلم منه قال: اليوم يوم غنمي فيتعلم منه، وإذا لقي من هو مثله قال: اليوم يوم مذاكرتي فيذاكره، وإذا لقي من هو دونه علَّمه ولم يَزْه عليه، قال: حتى صار هذا الزمان فصار الرجل يعيب من فوقه ابتغاء أن ينقطع منه حتى لا يرى الناس أن له إليه حاجة، وإذا لقي من هو مثله لم يذاكره فهلك الناس عند ذلك.([67])

 11- وقال جعفر الصادق: القلوب ترب والعلم غراسها والمذاكرة ماؤها فإذا انقطع عن الترب ماؤها جف غرسها.([68])

 12- وقال عبد الرحمن بن مهدي: إنما مثل صاحب الحديث بمنزلة السمسار إذا غاب عن السوق خمسة أيام تغير بصره.([69])

 13- وقال أبو هلال العسكري: وإذا كان ما جمعته من العلم قليلا وكان حفظا كثرت المنفعة به، وإذا كان كثيرا غير محفوظ قلت منفعته.([70])

 14- وقال الخليل بن أحمد: تعهد مافي صدرك أولى بك من تحفظ ما في كتبك.([71])

 15- وقال الخطيب البغدادي: ولا يأخذ الطالب نفسه بما لا يطيقه بل يقتصر على اليسير الذي يضبطه ويحكم حفظه ويتقنه. ([72])

 16- وقال ابن علية: وكنت أسمع من أيوب خمسة، ولو حدثني بأكثر من ذلك ما أردت.

 17- وقال عبد الرحمن بن مهدي: قال سفيان: كنت آتي الأعمش ومنصورا فأسمع أربعة أحاديث، خمسة ثم أنصرف كراهة أن تكثر وتفلت.

 18- وقال شعبة: كنت آتي قتادة فأسأله عن حديثين فيحدثني ثم يقول أزيدك؟ فأقول لا حتى أحفظهما وأتقنهما.

 19- وقال الزهري: من طلب العلم جملة فاته جملة، وإنما يدرك العلم حديث وحديثان.

 20- وقال معمر: من طلب الحديث جملة ذهب عنه جملة وإنما كنا نطلب حديثا وحديثين.

 21- وقال الزهري: إن هذا العلم إن أخذته بالمكابرة له غلبك ولكن خذه مع الأيام والليالي أخذا رفيقا تظفر به.

22- وقال الخطيب البغدادي: ينبغي له أن يتثبت في الأخذ ولا يكثر بل يأخذ قليلا حسب ما يحتمله حفظه ويقرب من فهمه فإن الله تعالى يقول: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا﴾ [(32) سورة الفرقان ] فقد روي أن حماد بن أبي سليمان قال لتلميذ له: تعلم كل يوم ثلاث مسائل ولا تزد عليها شيئا، واعلم أن القلب جارحة من الجوارح تحتمل أشياء وتعجز عن أشياء كالجسم الذي يحتمل بعض الناس أن يحمل مائتي رطل، ومنهم من يعجز عن عشرين رطلا، وكذلك منهم من يمشي فرسخا في يوم لا يعجزه، ومنهم من يمشي بعض ميل فيضر ذلك به فكذلك القلب؛ من الناس من يحفظ عشر ورقات في ساعة، ومنهم من لا يحفظ نصف صفحة في أيام فإذا ذهب الذي مقدار حفظه نصف صفحة يروم أن يحفظ عشر ورقات تشبها بغيره لحقه الملل وأدركه الضجر ونسي ما حفظ ولم ينتفع بماسمع، فليقتصر كل امرئ من نفسه على مقدار يَبْقى فيه ما لا يستفرغ كل نشاطه فإن ذلك أعون له على التعليم من الذهن الجيد والمعلم الحاذق، ولا ينبغي له أن يزج نفسه فيما يستفرغ مجهوده، وليعلم أنه إن فعل ذلك في يوم ضِعْف ما يحتمل أضر به في العاقبة لأنه إذا تعلم الكثير فإنه إذا عاد من غد وتعلم نسي ما كان تعلمه أولاً وثقلت عليه إعادته، وكان بمنزلة رجل حمل في يومه ما لا يطيقه فأثر ذلك في جسمه وكذلك إذا فعل في اليوم الثالث ويصيبه المرض وهو لا يشعر، ويدل على ماذكرته أن الرجل يأكل الطعام ما يرى أنه يحتمله في يومه مما يزيد فيه على قدر عادته فيعقبه ذلك ضَعْفاً في معدته فإذا أكل في اليوم الثاني قدر ما كان يأكله أعقبه لباقي الطعام المتقدم في معدته تخمة، فينبغي للمتعلم أن يشفق على نفسه من تحميلها فوق طاقتها ويقتصر من التعليم على ما يبقى عليه حفظه ويثبت في قلبه.

 وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: ألم أخبر أنك تقوم من الليل وتصوم النهار؟ إنك إن فعلت ذلك هجمت عينك ونقهت نفسك: لعينك عليك حق ولنفسك عليك حق فصم وأفطر وصل ونم.

 وينبغي أن يجعل لنفسه مقدارا كلما بلغه وقف وقفته أياما لا يزيد تعلما فإن ذلك بمنزلة البنيان؛ ألا ترى أن من أراد أن يستجيد البناء بنى أذرعا يسيرة ثم ترك حتى يستقر ثم يبني فوقه ولو بنى البناء كله في يوم واحد لم يكن بالذي يستجاد وربما انهدم بسرعة وإن بقي كان غير محكم([73]) فكذلك المتعلم يبنغي أن يجعل لنفسه حدا كلما انتهى إليه وقف عنده حتى يستقر ما في قلبه ويريح بتلك الوقفة نفسه"اهـ([74])

 إن التكرار الأسبوعي المنظم من أنفع المفاتيح في البناء العلمي وتثبيت حفظ السنة لفظا ومعنى، فالأحاديث التي تطبق عليها هذا المفتاح تجد أنها دخلت في أعماق حياتك وملأت عليك تفكيرك بأمور إيجابية بعد أن كان مرتعا للأفكار السيئة ولوساوس شياطين الإنس والجن.

 إن هذا أيسر علاج لمعظم الأمراض النفسية لمن قدر عليه وأحس بأهميته، بل هو وقاية منها قبل وقوعها فحينما يحرص عليها الإنسان في حال الرخاء أوالصحة والنشاط ينتفع بها حال الشدة أوالمرض والفتور، وحينما نربي عليها أطفالنا منذ الصغر فإن ألفاظ السنة ومعانيها ترسخ في قلوبهم تنمو مع نمو أجسامهم وتقوى مع قوة عظامهم.

 فما كثرت في مجتمعنا الأمراض النفسية، وكثرت الانحرافات الخلقية إلا حينما أهملنا هذا الغذاء النافع المفيد وشغلنا حياتنا باللهو سواء المباح منه أو المحرم.

 إن تطور تقنيات الإعلام والمعلومات في عصرنا الحاضر بدل أن يكون نعمة نستغلها في الخير صارت وبالا على الكثير من أفراد الأمة الإسلامية حيث اتخمت بكم هائل من المعلومات تنزل بساحتها صباح مساء فانشغلت به عن العلم الذي فيه بناؤها وقوتها وتماسكها مما أدى إلى ترهلها وإصابتها بأمراض معنوية كثيرة تماما كما حصل لها في أسلوب تغذيتها حيث صارت المصانع تزج بآلاف الأطعمة التي طليت بكثير من المحسنات والمشهيات فنتج عنه إصابتها بأمراض في بدنها لم تكن معروفة من قبل.


 المفتاح السادس: الحفظ ([75])

 المسألة الأولى: حفظ السنة أمنية كل مسلم:

 حفظ السنة مطلب وأمنية لكل مسلم لا لذات الحفظ ولا ليقال: حافظ وإنما لأجل النجاة والنجاح في الحياة ، لأجل أن تكون السنة حاضرة في القلب تسعفك بالجواب في كل خطوة تخطوها في حياتك كلما أصبحت أو أمسيت بحيث يكون العلم بالسنة حاضرا على مدار الساعة في قلبك يسعفك باتخاذ القرار الصحيح، ويمدك بالجواب في كل نازلة، فمتى كان أفراد الأمة بمثل هذا الحضور وتلك القوة العلمية فلتبشر بالنصر والتمكين ورفع الذل والصغار عنها، أما إن كان لا هم لأفرادها إلا قراءة المجلات والجرائد ومتابعة القنوات والبرامج ومجالس الترفية والتسلية فأنى لأمة هذا حالها أن تحقق نصرا أو ترفع ذلا وصغارا.

 لقد كان السلف يحافظون على حزبهم من السنة كما يحافظون على حزبهم من القرآن، وكان الهدف من ذلك حياة القلب وصحة النفس والنجاح في الحياة.

 المسألة الثانية: حفظ السنة وتطوير الذات:

 إنه بقدر ما تحفظ من سنة النبي صلى الله عليه وسلم بقدر ما يحصل في حياتك من تغيير وتطوير فابدأ الرحلة من الآن، احفظ الحديث الأول ثم الثاني ثم الثالث ... وبعد مدة راقب كيف تؤثر في حياتك كيف يتغير تفكيرك ومنطقك وكلامك كيف يدخل النور والهدى إلى قلبك، إن الإحساس بهذا الشعور سيدفعك إلى الانطلاق في الحفظ والنشاط فيه لكن عليك بالتأني واستحضار أهداف قراءة وحفظ السنة وقواعد الحفظ التربوي ليكون سيرك متزنا وخطواتك ثابتة ونتائج عملك سريعة.

 إن حفظ السنة هو المنهج والطريق الصحيح لتغيير الإنسان وتطويره على أسس قوية، وقواعد راسخة لا تهزها الصعاب ولا توهنها الشدائد ولكن أكثر الناس عنها غافلون.

 المسألة الثالثة: مشروع: (حفظ وفقه السنة للجميع) :

من أجل تيسير حفظ وفقه السنة وتقريبه لكل المسلمين مهما اختلفت أعمارهم أو تخصصاتهم أو اهتماماتهم أو قدراتهم فقد رسمت طريقا يسلكه كل من أراد الدخول في هذا المشروع العظيم من مشاريع الحياة وسميته : ( مشروع حفظ وفقه السنة للجميع) وهذا عنوان لكتاب مستقل للتعريف بهذا المشروع وبيان أهدافه وأسسه وفروعه، والجانب الذي يخص حفظ السنة يتمثل في (معجم السنة التربوي) والذي يستطيع الجميع ابتداء السير فيه ثم بعد ذلك تتفاوت الهمم والقدرات فكل يصل فيه إلى ما تيسر له وهو ينوي السير حتى النهاية فإن أمكنه ذلك فالحمد لله على منته وفضله، وإلا فهو مأجور على نيته الصادقة وله من الأجر والثواب مثل أجر من وصل الغاية وبلغ النهاية حتى وإن كانت هذه النية لم تأت إلا في سنوات العمر الأخيرة ففضل الله عزوجل عظيم ورحمته واسعة.


 المفتاح السابع: تكرار قراءة الحديث.

 فلا تكفي القراءة السريعة للحديث بل قف عنده وتأمل ما وراء الألفاظ من المعاني العظيمة التي تحول حياتك إلى جنة في الدنيا قبل جنة الآخرة، فكم يشقى الإنسان ويتنكد سنوات من عمره ثم يجئ حديث واحد فقط لينتشله من الهم والقلق والضيق الذي هو فيه وعندها يقول ما أجهلني إذ فرطت في هذا الكنز الذي في متناول يدي.

 كرر قر اءة الحديث ومتع جميع حواسك بقراءته، قلِّبه على جميع الوجوه لتكتشف ما فيه من جواهر ونفائس.

 وإن مما يساعدك على تطبيق هذا المفتاح فهمك واستيعابك للمفاتيح الأخرى وخاصة المفتاح الخامس الذي يضبط السير في قراءة السنة وحفظها، أما حين يضيع منك هذا المفتاح فستكون قراءتك للسنة تمر بشئ من العجلة والرغبة في الانتهاء مما لا تحس معه بالمتعة والرغبة في تكرار الحديث.


 المفتاح الثامن: ربط الألفاظ بالمعاني وربطها بالواقع.

 الألفاظ هي الشئ المادي المحسوس الذي يمكن أن نشاهده أن نسمعه وهو الحبل الذي نربط به المعاني لكي تثبت وتستقر، واعلم أن كل لفظ يختلف عن الآخر في المعاني التي يحتويها ويتضمنها، وكذلك يتفاوت الأشخاص في عدد المعاني التي يفهمونها من اللفظ الواحد، وأيضا يتفاوت الشخص نفسه من وقت لآخر في مقدار عمق فهمه للفظ من الألفاظ فيفتح له في وقت ويغلق عنه في وقت آخر، ولا وسيلة لعلاج مثل هذه الحالات والصور إلا الربط، وهو يحصل بالتكرار الأسبوعي والتكرار الآني مع تطبيق المفاتيح الأخرى التي تسهم في التنقيب عن المعاني داخل الألفاظ فتستخرجها وعليك أن تقوم بحفظ ما تستخرجه منها سواء كان هذا الاستخراج محض هداية من الله وفتح منه أو تكون سمعت به من عالم أو قرأته في كتاب، عليك بصيد المعاني واقتناصها بواسطة الألفاظ وحبسها فيها لئلا تطير.

 وهنا سؤال: هل نحن نعي ونفقه ألفاظ السنة كما وعاها النبي صلى الله عليه وسلم أو وعاها الصحابة رضي الله عنهم؟ لو كنا كذلك فكيف تكون حالنا؟

 إن المصطلحات تتبدل، والأحوال تتغير، والمسميات تختلف بشكل سريع ولا بد من ملاحقة هذا التسارع وأن نبين لكل ما نصادفه في الحياة موقعه من السنة وأن يكون الربط بين المصطلحات المستجدة وألفاظ السنة ربطا صحيحا دقيقا لا يحرف الحقائق ولا يبدل المعاني.


 المفتاح التاسع : الترتيل.

 إن كلاما بهذه العظمة وبتلك الأهمية لا يمكن أن نعامله كغيره من الكلام فنطبق عليها مبادئ القراءة السريعة أو القراءة التصويرية أو غيرها من موديلات وموضات القراءة التي غزت قاعات التطوير وبناء الذات ، بل ينبغي أن نطبق عليه قواعد القراءة التربوية والتي من أهم مفاتيحها الترتيل ويراد به التمهل والتأني كمن يسير في منطقة ذات طبيعة خلابة مليئة بالمناظر والثمار وبالجواهر والكنوز المباحة لمن مر بها يأخذ منها ماشاء ويقطف منها ما تشتهيه نفسه وتلذ به عينه فهل ترى من يسير في أرض هذا شأنها يسير بسرعةعالية أم أنه يتمهل في السير وربما يقف بل ويطيل الوقوف في كل نقطة منها ليستمتع غاية الاستمتاع ويستثمر غاية الاستثمار .


 المفتاح العاشر: الجهر والتغني.

 وهذا المفتاح هو أشبه بالحلاوة التي توضع في أدوية الأطفال لتذهب مرارة الدواء، وأشبه الحداء للإبل لتنشط في السير، فالتغني بالكلام مع الجهر ومحاولة التطريب يساعد على مواصلة السير، وهذا أمر مشاهد في واقع الناس في كل كلام يستحسنونه ويتلذذون به وللناس في هذا فنون وفنون بل لهم فيه علوم وفهوم، فأهل اللهو والطرب، وأهل الأوراد والموالات ، والأناشيد، كل هؤلاء يسعون للفت الأنظار لكلامهم وتوصيله إلى قلوب المستمعين له بهذه الطرق وتلك الوسائل وليس في الدنيا كلام يستحق مثل هذه الرعاية وتلك العناية سوى كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم فهو الكلام الذي لا يليق بعاقل أن يتغنى بغيره ولا أن يمتع نفسه بسواه على أن يكون في ذلك متبعا لا مبتدعا فيكون تغنيه حسبما ورد عمن أمره بالتغني والجهر به كما تناقله المسلمون جيلا عن جيل وحفظه القراء لنا تاما مضبوطا بحركاته وسكناته هذا في حق القرآن، ويمكن التغني بقراءة السنة بطريقة خاصة بها لا لاعتقاد مشروعيته كما هو في حق القرآن إنما لإعانة النفس على قراءة السنة وطول الوقوف مع أحاديثها والتأمل في معانيها.

 قال أبو هلال العسكري: وينبغي للدارس أن يرفع صوته في درسه حتى يسمع نفسه فإن ما سمعته الأذن رسخ في القلب ولهذا كان الإنسان أوعى لما يسمعه منه لما يقرأه ... وقال : وحكي عن أبي حامد أنه كان يقول لأصحابه: إذا درستم فارفعوا أصواتكم فإنه أثبت للحفظ وأذهب للنوم.([76])

 وعن الزبير بن بكار قال: دخل علي أبي وأنا أروي في دفتر ولا أجهر، أروي فيما بيني وبين نفسي، فقال لي: إنما لك من روايتك هذه ما أدى بصرك إلى قلبك فإذا أردت الرواية فانظر إليها واجهر بها فإنه يكون لك ما أدى بصرك إلى قلبك وما أدى سمعك إلى قلبك.([77])


 الخاتمة

 أخي القارئ ها قد انتهيت من قراءة هذه الرسالة، فماذا فهمت؟ وماذا تنوي أن تفعل؟

 هل ستضع الكتاب في مكانه من مكتبك ثم تنسى ما فيه من العلم إلى الأبد؟  إن كان هذا قرارك فأعد النظر فيه.

لست بهذا الكلام أدعو إلى تكرار قراءة كتابي أو كلامي، بل أدعو إلى تكرار قراءة ما تضمنه من نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية وأقوال السلف في هذه القضية الكبرى في حياتنا.

إن كان هذا قرارك فأنت تكرر معاناة الكثيرين الذين يقولون: نقرأ ولا نتغير ولا نترقى !

 إن القراءة المجردة العابرة لا تحقق تغييرا ولا تأثيرا.

 إن أردت الطريق للتغيير والتطوير فأسأل نفسك: كم سيبقى ما تعلمته من هذا الكتاب حاضرا في قلبك يوم؟ شهر؟ سنة؟

 إنه بقدر حضور هذا العلم في قلبك بقدر ما تحصل من تقدم ورقي وأنت الحكم.

 نسأل الله بمنه وفضله أن يهدينا للصراط المستقيم، ويجعل مآلنا جنات النعيم ، إنه قريب مجيب ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.




([1]) سنن ابن ماجه 1/82 ، صحيح الجامع (3913).

([2])  الغرل : جمع أغرل ، وهو الأقلف أي غير المختون . النهاية لابن الأثير : 3/668

([3])  البهم : جمع بهيم ، وهو في الأصل الذي لا يخالط لونه لون سواه ، يعني ليس فيهم شئ من العاهات والأعراض كالعمى والعور والعرج . النهاية لابن الأثير1/167

([4]) مسند أحمد 3-495، المستدرك على الصحيحين 4-618، مجمع الزوائد 10-625 وقال: وهو عند أحمد والطبراني في الأوسط بإسناد حسن، وقال العراقي في المغني: رواه أحمد بإسناد حسن، قال شعيب الأرناؤوط: إسناده حسن

([5])  مسند أحمد 5-244 ، سنن أبي داود : 1-475 ، المستدرك : 1-401 ، 3-307

([6])  مسند أحمد : 1-294 ، سنن أبي داود 1/475 ، سنن ابن ماجه 1-298، 318 ، 322

([7]) وهذا الكتاب (مفاتح تدبر السنة) قدد تضمن نصوصا مهمة تكرار قراءتها تحقق حب السنة.

([8])  مسند أحمد 4- 159 ، مصنف عبد الرزاق 10-228 ، جامع بيان العلم وفضله 1-102

([9])  سنن أبي داود 2/341 ، سنن الترمذي 5/48 ، سنن ابن ماجه 1-81

([10])  جامع بيان العلم وفضله 1-103

([11])  تذكرة الحفاظ 1-52 ، جامع بيان العلم وفضله: 1-113

([12])  جامع بيان العلم وفضله 1-114

([13])  سنن ابن ماجه 1-131

([14])  مسند أحمد 1-440 ، صحيح مسلم 2-594 ، صحيح ابن خزيمة 2-142

([15])  مختصر زاد المعاد : 13

([16])  مسند أحمد 1/167

([17])  صحيح البخاري 2/579، صحيح مسلم 2/925 ، سنن أبي داود 1/477 ، مسند أحمد 1/197

([18])  مسند أحمد 1/ 265

([19])  مسند أحمد 1/378

([20])  صحيح البخاري: 5 - 2051 ، صحيح مسلم: 4 - 2091

([21])  مسند أحمد 2/179

([22])  مسند أحمد: 2-14، صحيح مسلم: 1-420، سنن أبي داود: 1-502، سنن النسائي: 3-364

([23])  صحيح البخاري 1/305 ، صحيح مسلم 1/326 ،  مسند أحمد: 8/290 ، 6/132

([24])  صحيح البخاري 1-395 ، 2-699 ، صحيح مسلم 1-499 ، سنن أبي داود 1-455 ، سنن النسائي 3-229

([25])  شعب الإيمان: 9 - 236

([26])  المعجم الكبير:7 - 386 ، شعب الإيمان: 7 - 386

([27])  مسند الشاميين:3 - 250

([28])  صحيح البخاري 3-1134 ، 6-2667 ، صحيح مسلم 2-718 ، سنن الترمذي 5-28 ، سنن ابن ماجه 1-80

([29])  سنن الترمذي 4-561 ، سنن ابن ماجه 2-1377 ، مسند البزار 5-144

([30])  سنن أبي داود 2-346 ، سنن الترمذي5-23 سنن ابن ماجه 1-84

([31])  مسند أحمد 4-239 ، ومعجم الطبراني الكبير 8-54

([32])  سنن ابن ماجه 1-88 ، وسنن البيهقي 3-247 ، وصحيح ابن خزيمة 4-121

([33])  المعجم الكبير للطبراني 8-94، 154، المستدرك 1-169 ، صحيح الترغيب والترهيب 1-38

([34])  مسند أحمد 2-159 ، صحيح البخاري 3-1275 ، سنن الترمذي 5-40

([35])  الفقيه والمتفقه :1/182

([36])  جامع بيان العلم وفضله 1-26

([37])  تذكرة السامع والمتكلم 10

([38])  جامع بيان العلم وفضله 1-61

([39])  مفتاح دار السعادة 1-119

([40])  مفتاح دار السعادة 1-119

([41])  المجموع شرح المهذب 1-43

([42])  صحيح البخاري 5- 2168

([43]) صحيح مسلم 4/1728 .

([44])  صحيح البخاري 3-1233

([45])  سنن أبي داود 1-484

([46])  صحيح البخاري 6-2582 ، صحيح مسلم 4-1771

([47])  جامع بيان العلم وفضله 1-83

([48])  صحيح البخاري 3-1092

([49])  سنن أبي داود 2-346 ، سنن الترمذي 5-33 ، سنن ابن ماجه 1-84

([50])  صحيح البخاري 1-37 ، 51 ، صحيح مسلم 2-287 ، 3-1305

([51])  مسند أحمد 5-152، سنن أبي داود 2-664

([52])  الحث على طلب العلم للعسكري 73

([53])  الحث على طلب العلم للعسكري 73 والبزر : هو دهن يستخرج من البذور ، والمراد أن يكون الحفظ في الليل حين يحتاج للسراج

([54])  الفقيه والمتفقه : 2/207

([55])  الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 2-264

([56])  الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 2-265

([57])  الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 2-265

([58])  الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 1-236

([59])  الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 1-236

([60])  الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 1-237

([61])  الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 1-237

([62])  الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 2-269

([63])  الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 1-238

([64])  الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 2-266

([65])  الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 2-267

([66])  الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 2-267

([67])  الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 2-276

([68])  الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 2-278

([69])  الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 2-278

([70])  الحث على طلب العلم 74

([71])  الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 2-14، الحث على حفظ العلم للعسكري 7

([72])  من رقم 15 إلى رقم21 في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 1-231

([73])  هذه القاعدة من أنفع القواعد في حفظ العلم حفظا متقنا نافعا، ومن التجارب المعاصرة في تطبيق هذه القاعدة ما حدثني به الزميل الدكتور إبراهيم الدوسري حيث ذكر أنه لما حفظ ثلثي القرآن توقف سنة كاملة عن الحفظ ليراجع ما حفظ ويثبته فلما استقام له ذلك واصل المشوار إلى أن أتم حفظ القرآن كاملا فانتفع به ونفع، فالاستعجال وعدم مراعاة الفروق الفردية من أكبر الأسباب في تساقط طلاب العلم واليأس من الحفظ ومن ثم الرضى بالجهل بقية الحياة

([74])  الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي : 2/215

([75])  تنبيه: كان الحفظ التربوي أحد مسائل هذا المفتاح لكن رأيت أن أفرده برسالة مستقلة؛ لإن تفصيل الكلام فيه خروج عن مضمون هذا المفتاح ولأن الحفظ التربوي ليس خاصا بالقرآن والسنة بل هو أداة يمكن تطبيقها على مجالات تربوية متعددة من ذلك تعلم اللغات، وحفظ المتون العلمية من منظوم ومنثور، وكذلك في الإدارة والاقتصاد. علما بأن خلاصة الجانب العملي منه هو المذكور في مفاتح تدبر القرآن، ومضمون بقية الرسالة في بيان أهميته وشدة الحاجة إليه، وقواعده وتطبيقاته.

([76])  الحث على طلب العلم 72

([77])الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 2-266