×
قالت الكاتبة وهي إحدى طالبات العلم: مذهب جمهور العلماء أن أسماءَ الله تعالى توقيفية؛ أي لا يجوز الاجتهاد فيها أو القياس أو التشبيه أو التعطيل أو التأويل أو التحريف؛ لأنها من الأمور الغيبية التي لا تُعلم إلا بما جاء عن الله وعن رسوله - صلى الله عليه وسلم -؛ فهذا الباب ليس من أبواب الاجتهاد. ولأسماء الله الحسنى أهميتها العظيمة ومنزلتها العالية وذلك لأنها أصلُ الإيمان وأصلُ العلم، وأنها قسم من أقسام التوحيد الثلاثة: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات. وقد زكى هذا الكتاب فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن محمد آل رقيب.

 ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها

بسم الله الرحمن الرحيم

شكر وتقدير:

لأنَّ تزكيةَ الشيخ عبد الرحمن بن محمد آل رقيب جاءت عقب فصلنا للأسماء الحسنى عن كتاب (لولا دعاؤكم) ارتأينا نشرَها في الكتابين، وللشيخ منا جزيلُ الشكر ووافرُ التَّقْدير على كلماته الطَّيِّبة هذه.


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على مَنْ لا نَبيَّ بعدَه نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وبعد:

يقول الله تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ [غافر: 60]؛ فالدعاء هو العبادة كما ورد في الآية؛ فالمسلم مأمورٌ بعبادة الله ودعائه؛ قال الله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: 65]، وقال الله تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ [البقرة: 186].

وقد اطَّلَعْتُ على ما حواه هذا الكتاب المشتمل على عدَّة فصول بمجملها تَحُثُّ على الدعاء وتبيِّن أهميتَه بالنسبة للمسلم، كما تَضَمَّنَ أيضًا بيانًا بأسماء الله الحسنى التي يدعو الإنسان بها؛ لما تشمله من حمد الله وتمجيده وتقديسه والثناء عليه؛ لذا فإني أوصي بالاعتناء بهذا الكتاب والاهتمام به ونشره وتوزيعه، وإني أُثْني على المجهود الكبير الذي بَذَلَتْه مَنْ جَمَعَتْه - وفَّقها الله - وآثرتْ عدمَ ذكر اسمها رجاء أن يكون ذلك العملُ خالصًا لله صوابًا مبتغيةً بذلك وَجْهَ الله والدارَ الآخرة.

 وليكن ذلك صفةً ملازمةً لمن يدعو الله سبحانه ويتوجه إليه؛ أسأل الله أن يجعل ذلك في ميزان حسناتها، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

حُرِّر في 30/12/1429هـ.

كتبه راجي عفو ربه/ عبد الرحمن بن محمد آل رقيب

رئيس محاكم المنطقة الشرقية

رئيس الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بالمنطقة الشرقية.


 اهتداء

خرجت الطبعة الأولى من كتاب (لولا دعاؤكم) بقائمة الأسماء الحسنى، وحديث في سطرين يُحُثُّ على إحصائها، ولم يَخْطُر بالبال التفصيلُ في هذا الأمر.

ثم بعد طبع الكتاب وتوزيعه انتبهَت الأختُ الناشرةُ لخطأ مطبعيٍّ في قائمة الأسماء الحسنى، فَظَنَّتْ أنَّ اسمَ (الحي) تكرَّر مرتين، وعندما راجعتُ الأسماء وجدتُ أنه (الحيي)؛ لكنها الياء سقطت من الاسم، ولم يكن هناك حركة الشدة على الياء ككناية عن  إدغامهما، فَرُحْتُ أراجع الأسماءَ في مصادر أخرى، وكان هذا الخطأ المطبعيُّ سببًا ألهمنا الله إيَّاه للبحث؛ تَفَهُّمًا في معانيها؛ فارتأيتُ إضافةَ هذا الباب الموصودَ على الكنز للطبعة الثانية من كتاب (لولا دعاؤكم) لكن كبرَ حجم هذا الفصل دفعنا لنشره في كتاب منفصل.

ولم نتحرك قبل ذلك تجاه البحث عن معاني الأسماء الحسنى، كما لم يتحرك بعضنا للفوز بالوعد الإلهي لدخول الجنة بحفظ 99 اسمًا فقط من أسماء الله الحسنى؛ فنحن أمام هذه الكنوز الإلهيَّة لا نستطيع حراكًا حتى يفتح الله علينا ويهدينا؛ كما لا نتحرك في صالة المطار تجاه بوابة المغادرة حتى نسمع النداء على رقم رحلتنا وتُفتح لنا البوابة.

وحين وضعتُ أول خطواتي على درب الفهم انْغَمَسْتُ كلِّيَّةً فيه، فامتلأ مكاني بمراجع عديدة وقَيِّمة، فَرُحْتُ أقرأ وأقرأ حتى شعرت لوهلة وكأن سقفَ حجرتي تحوَّل لسماء مشرقة ترفعني للأعلى، ثم وجدتُني وقد انتهيت منها بحال آخر يختلف تمامًا عمَّا كنت عليه حين بدأت بها؛ حالٌ لا أستطيع أن أصفه لكم حتى تعيشوه بأنفسكم؛ لكن ما أستطيع أن أقوله هو أني كلما ناجيتُه - تعالى - باسم من الـ 99 شعرتُ بمحتوى اسمه يحيطني ثم يغمرني.

كلي رجاء أن تقرؤوها بقلوبكم كما تحفظوها عن ظهرها؛ فالله لا ينظر إلى أشكالكم ولا صوركم؛ بل ينظر إلى قلوبكم.


 مقدمة عن الأسماء الحسنى

 1- أسماء الله تعالى توقيفية

مذهب جمهور العلماء أن أسماءَ الله تعالى توقيفية؛ أي لا يجوز الاجتهاد فيها أو القياس أو التشبيه أو التعطيل أو التأويل أو التحريف؛ لأنها من الأمور الغيبية التي لا تُعلم إلا بما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فهذا الباب ليس من  أبواب الاجتهاد.

والإلحاد في أسماء الله سبحانه هو العدول بها وبحقائقها ومعانيها عن الحق الثابت لها.

من أنواع الإلحاد:

1- أن يُسَمَّى الأصنامُ والأوثانُ بها؛ كتسمية المشركين اللات من الإله، والعزَّى من العزيز، ومنَاةَ من المنَّان، وتسميتهم الصَّنَم إلهًا.

2- تسمية الله بما لا يليق بجلاله؛ ومن ذلك تسميةُ النَّصارى له (الأب)، وتسمية الفلاسفة إياه (العلة الفاعلة)، وتسمية بعض أهل الضلال له بـ (مهندس الكون)، أو ما جرى على ألسنة بعض العوام من أسماء ليست لله؛ كقولهم في كُرَبهم (يفرجها أبو غيمة الذي لا تنام عينه) ونحو ذلك؛ فكلُّ ذلك من الإلحاد في أسماء الله.

3- تعطيلُ الأسماء عن معانيها وجَحدُ حقائقها؛ كما قال ابنُ عباس رضي الله عنه: "الإلحاد التكذيب"؛ ومن ذلك قولُ المعَطِّلة: إنها ألفاظٌ مجرَّدةٌ لا تَدُلُّ على معان، ولا تتضمن صفات؛ تعالى الله عما يقولون.

4- تَشْبيهُ ما  تضمَّنَتْه أسماءُ الله الحسنى من صفات عظيمة بصفات المخلوقين، والله يقول: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾.

 2- أهميتها

أهميتها عظيمة ومنزلتها في الدين عالية:

1- أنها أصلُ الإيمان وأصلُ العلم.

2- أنها قسم من أقسام التوحيد الثلاثة: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات.

3- عبادة الله على بصيرة وعلى الوجه الأكمل، ولا يتم ذلك إلا بمعرفة أسمائه الحسنى، والتَّفَقُّه في معانيها.

4-  الدُّعاء بها قبل معرفتها مُحال.


 3- فَضْلها:

لمعرفتها والعمل بها فضائلُ لا تُحْصَرُ:

1- دخول الجنة؛ وهو وعدٌ إلهيٌّ، والله حَقٌّ، ووعدُه حَقٌّ.

2- كَسْبُ البركة؛ ﴿تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾.

تبارك: تفاعل من البركة، والمعنى أن البركة تُكْتَسَبُ وتُنال بذكر اسمه.

3- التَّقرُّبُ لله ونَيْلُ معيَّته الخاصَّة.

4- من أسباب إجابة الدعاء ﴿فَادْعُوهُ بِهَا﴾.

5- معرفة مدلولاتها والعمل بمقتضاها أهمُّ مصادر السَّعادة الحقيقية؛ فمن  عظم عنده أمرُ الله صغر عنده كلُّ أمور الدنيا.

6- كلما حَسُنَت معرفة العبد بأسماء الله حَسنَ ظَنُّه بالله.

7- كلما ازداد العبدُ معرفة بأسماء الله وصفاته ازداد إيمانُه وقَويَ يقينُه.

8- من كان بالله أعرف كان له أخوف ([1]) .

 4- معاني (الحسنى):

أسماءُ الله تعالى وصفاته كلُّها حسنى؛ أي بالغة في الحسن غايته، والحسنى تأنيثُ الأحسن؛ كالكبرى والصغرى تأنيث الأكبر والأصغر، ووَرَدَ وَصْفُها بالحسنى في أربعة مواضع من القرآن الكريم، ولوصفها بالحسنى عدة وجوه:

1- أنَّها دالَّةٌ على صفات كمال عظيمة.

2- شرف العلم بها؛ فالعلم بأسمائه أشرفُ العلوم.

3- ما وعد عليها من الثواب بدخول الجنة لمن أحصاها، والثواب عند الذكر للعبد، وجزيل العطاء عند التَّوَسُّل بالدُّعاء.

4- لكونها حسنةً في الأسماع والقلوب.

5- من تمام كونها حسنى أنه لا يُدعى إلا بها.

 5- كيف ندعوه بها؟

تشمل ﴿فَادْعُوهُ بِهَا﴾ دعاءَ المسألة والطَّلَب ودعاءَ العبادة والثناء؛ فلا ندعوه ولا نسأله ولا نُثْني عليه إلا بأسمائه الحُسنى وصفاته العلى:

1- دعاءُ المسألة والطَّلَب:

أن تبدأ دعاءك بتعظيم الله وتنزيهه، ثم تُقَدِّم بين يدي مطلوبك من أسماء الله - تعالى - ما يكون مناسبًا؛ مثل أن تقول: يا غفور اغفر لي. ويا رحيم ارحمني. ويا حفيظ احفظني. ونحو ذلك.

ومن يتدبَّرُ الأدعيةَ الواردةَ في القرآن أو في السُّنَّة يجد أنه ما من دعاء منها يختم بشيء من أسماء الله الحسنى إلا ويكون في ذلك الاسم ارتباطٌ وتناسُبٌ مع الدُّعاء المطلوب؛ كقوله تعالى: ﴿رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾.

2- دعاءُ العبادة والثَّناء:

أن تتعبَّد لله تعالى بمقتضى هذه الأسماء؛ فتقوم بالتوبة إليه لأنه التواب، وتَذْكُرُه بلسانك لأنَّه السميع، وتتعبَّدُ له بجوارحك لأنَّه البصيرُ، وتخشاه في السِّرِّ لأنه اللطيف الخبير، وتتوكل عليه بهمومك لأنَّه الوكيلُ الكافي، وعلى هذا النَّحْو في كلِّ أسمائه.

 6- هل هي 99 اسمًا فقط؟

اتَّفَقَ علماءُ المسلمين على أنَّ أسماءَ الله تعالى أكثرُ من تسعة وتسعين وغيرُ محصورة بعدد معيَّن؛ كما نقل النَّوَويُّ وابنُ تيمية وغيرُهم من أهل العلم؛ إذ لا يجوز أن تتناهى أسماؤه؛ لأنَّ مدائحَه وفواضلَه غيرُ متناهية؛ فكلُّ اسم متضمِّنٌ صفةً، ومن الصفات ما يتعلَّق بأفعال الله، وأفعاله لا مُنْتَهَى لها.

وأَيَّدَ ذلك ابنُ القَيِّم: «أن الأسماءَ الحسنى لا تَدْخُلُ تحت حَصْر ولا تُحَدُّ بعدد؛ فإن لله تعالى أسماءً وصفات استأثر بها في علم الغيب عنده، لا يعلمها ملك مقرب، ولا نبيٌّ مُرْسَلٌ». ثم اسْتدلَّ بالحديث عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «أسألُكَ بكُلِّ اسم هُوَ لَكَ سَمَّيتَ به نَفْسَكَ أوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا منْ خَلْقِكَ أَوْ أَنْزَلْتَهُ في كِتَابِكَ أَوِ اسْتَأْثَرتَ به في عِلْمِ الغَيبِ عِنْدَكَ»([2]) .

وقال الخطابيُّ وغيرُه أنَّ معنى التِّسعة وتسعين إنَّما هو المُشرع بالدعاء بها، وغيرها من الأسماء لم يشرع لنا الدعاء بها.

وأشار البيهقيُّ بأنَّ تحديدَ تسعة وتسعين اسما لا يَنْفي غيرَها؛ وإنما وقع التَّخْصيصُ بذكرها لأنَّها أشهرُ الأسماء وأَبْيَنُها معاني، وفيها وَرَدَ الخبرُ أنَّ مَنْ أحصاها دخلَ الجنَّة.

إذن ما المقصود بـ99؟

المقصودُ كما ذَكَرَ جمهورُ العلماء هو الإخبارُ عن دخول الجنة بإحصاء 99 اسمًا من أسماء الله تعالى، و(إن) الواردةَ في الحديث خبرٌ لـ (من أحصاها) بمعنى (إنَّ مَنْ أحصاها)، وذَكَرَ النَّجْديُّ في قول (تسعة وتسعون مائة إلا واحد): "هو تكرار للتأكيد".

 7- معنى (أحصاها):

تحتمل عدةَ وجوه حَصَرَها ابنُ القَيِّم والخَطَّابيُّ في مراتب ثلاثة متقاربة:

1- الحفظ: إحصاءُ ألفاظها وعددها؛ أن يعدَّها حتى يستوفيها حفظًا كما قال به البخاريُّ والنَّوَويُّ، واستدلَّ براوية مسلم الأخرى للحديث: «مَنْ حَفِظَهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ».

2- الفهم: فهم معانيها ومدلولها وحسن مراعاتها.

3- الدُّعاء: دعاؤه بها دعاءَ ثناء وعبادة، ودعاء طلب ومسألة.

قال القرطبيُّ عن مراتب إحصاء أسماء الله: «من كَرَم الله – تعالى - أنَّ مَنْ حَصَلَ له إحصاء هذه الأسماء على إحدى هذه المراتب مع صحَّة النِّيَّة أن يُدْخلَه اللهُ الجنةَ؛ وهذه المراتب الثلاثة للسابقين والصِّدِّيقين وأصحاب اليمين».

 8- من أحصاها؟

لم يرد عن الرسول صلى الله عليه وسلم حديث حصر فيه أسماء الله الحسنى؛ ومن قام بحصرها هم ثلاثة من رواة الحديث اجتهادًا منهم، ثم ألحقوها بالحديث الوارد عن الرَّسول بأنَّ لله تسعةً وتسعين اسمًا؛ فالْتَبَسَ على بعض العامَّة أنَّها واردةٌ عن الرَّسول؛ ولذا تَتَبَّعَ عددٌ من العلماء الطُّرُقَ التي وردت فيها الأسماء فوجدوها جاءت من ثلاثة طرق كلُّها ليست عن الرسول صلى الله عليه وسلم:

الطريق الأولى - وهي الأشهر بين الناس - عن الرَّاوي (الوليد بن مسلم)، أخرجها:

1- التِّرْمذيُّ في سُنَنه (3849)، كتاب الدَّعَوات.

2- ابنُ حبَّان في صحيحه، موارد الظمآن (2384).

3- الحاكم في المستدرك، (1/16).

4- ابن منده في كتاب التوحيد، (2/205).

5- البيهقيُّ في السُّنَن الكبرى، كتاب الإيمان (20312).

الطريق الثانية: عن الرَّاوي (عبد الملك بن محمد الصَّنعاني)، أخرجها: ابنُ ماجه في سننه، باب الدعاء (3994).

الطريق الثالثة: عن الرَّاوي (عبد العزيز بن الحصين بن الترجمان)، أخرجها:

1- الحاكم في المستدرك (1/17).

2- البيهقي في الأسماء والصفات.

وهذه الرِّوايات الملحقة بالحديث هي اجتهادًا منهم وليست إلزامًا للأمة، ومن الخطأ التَّعْويلُ على هذا العَدِّ وقَصْرُ النَّاس عليه؛ فعلى سبيل المثال: في الكتاب والسُّنَّة أسماء ليست في رواية الوليد؛ مثل اسم "الرب" و"المنان" و"الوتر" و"الشافي"، وغيرها كثير.

وقال شيخ الإسلام ابنُ تيمية - رحمه الله - عن هذه الرِّوايات الثَّلاثة: "قد اتَّفَقَ أهلُ المعرفة بالحديث على أنَّ تلك الرِّوايات ليست من كلام النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ وإنَّما من كلام بعض السَّلَف، ونَقَلَ ابنُ حجر عن ابن عطيَّة - رحمهما الله - قوله: "حديثُ التِّرْمذيِّ ليس بالمتواتر، وبعضُ الأسماء التي فيه شذوذٌ".

لأجل ذلك اختلفت قائمةُ أسماء الله الحسنى باختلاف العلماء حولها؛ فظهرت أسماءُ كثير منهم أعادوا جمعَ وحصرَ الأسماء الحسنى؛ مثل الخطابي والقرطبي وابن القيم الذي ألف قصيدة (النُّونيَّة)؛ رَصَدَ وشرح فيها أسماءَ الله ومعانيها في ستة آلاف بيت.

والشيخ السعديّ وابن عثيمين، وأخيرًا الشيخ ابن باز الذي أشرف على قائمة أَعَدَّها الشيخُ سعيد بن وهف القَحْطانيّ؛ وهي التي أخذنا بها في الكتاب مع إسقاطنا لاسم (جامع الناس ) مستعيضين عنه باسم (الوتر) الذي أورده الشيخ القحطانيُّ ضمنَ أسماء تزيد على التسعة وتسعين؛ وذلك لاختلاف العلماء حول اسم (جامع الناس) أنه من الأسماء المشْتَقَّة من الأفعال المقيَّدة بزمن أو مكان مخصوص؛ أي أنه بيوم القيامة فقط؛ ﴿رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ [آل عمران: 9]، وليست مطلقةً على كلِّ حال.


 الاسمُ الأعظمُ

لله اسمٌ أعظم من كُلِّ أسمائه الحسنى تُلَبَّي به مطالبُنا ويُسْتجابُ دعاؤنا، وقد نَبَّهَ الشَّيخُ السَّعيدُ - رحمه الله - على خطأ؛ ظَنَّ الناسُ بأنَّ الاسم الأعظم لا يعرفه إلا مَنْ خَصَّه الله بكرامة خارقة للعادة؛ فإنَّ اللهَ حَثَّ على معرفة أسمائه وأثنى على مَنْ عرفها وتَفَقَّه فيها ودعا بها.

 أَدلةُ ثبوت الاسم الأعظم

1- عن بُرَيْدة الأَسْلميِّ أَن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم سَمعَ رَجُلاً يَقُولُ: «اللهُمَّ إنِّي أَسألكَ أَني أَشهَدُ أَنكَ أنتَ اللهُ لاَ إله إلا أنتَ الأحَدُ الصَّمَدُ الذي لمْ يَلدْ وَلَمْ يُولد ولم يَكنْ لَهُ كُفوًا أحدٌ». فقال: «لَقدْ سَأَلتَ  اللهَ بالاسم الذي إذا سُئلَ به أعطى وَإذا دُعي به أجَابَ» ([3]) .

2- عن أنس أنهُ كَانَ مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم جَالسًا وَرَجُلٌ يُصَلِّي ثُمَّ دَعَا: «اللهُمَّ إنَّي أَسْأَلُكَ بِأَنَّ لَكَ الْحَمْدَ لَاَ إِلاَّ أَنْتِ المنَّانُ بَديعُ السَّموات وَالأَرْض يَا ذَا الجلال وَالإكْرَام يَا حَيُّ يَا قّيُّومُ». فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَقَدْ دَعَا اللهَ بِاسْمِه الْعَظيم الذي إذا دُعي به أجَابَ وإذَا سُئل به أعطى»([4]) .

3- عَنْ أَبي أُمَامَةَ عَن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اسْمُ اللهِ الأَعظَمُ الذي إِذَا دُعي به أَجَابَ في سُوَر ثَلاثَ البَقَرة وآلِ عِمْرَانَ وَطَهَ»([5]) .

 ما سببُ إخفاء الاسم الأعظم؟

قيل: إنه مخفيُّ التَّعْيين كليلة القدر وساعة الإجابة يوم الجمعة؛ لتحفيز المؤمن على طلب كلِّ الأسماء الحسنى بالثَّناء والدُّعاء.

 ما هو اسمُ الله الأعظمُ؟

اختلف العلماء حولَ تحديد الاسم الأعظم؛ بعضُهم صَرَّحَ به، والبعض الآخر رَفَضَ تعيينَه للناس حثًّا لهم على إحصاء الأسماء الحسنى والأخذ بها جميعًا؛ لكن يلاحَظُ أنَّ الاسمَ المتكررَ في الأحاديث الثَّلاثة السابقة هو (الله)؛ وَرَدَ في الحديث الأول، وورد في الحديث الثاني بصيغة (اللهم) بزيادة ميم في آخره.

وقد اختلفت الأقوال في الحديث الثالث؛ قيل: إن الاسمَ في السور الثلاث هو (الحيُّ القيوم)؛ حيث لم يرد مقرونًا إلَّا في هذه السُّوَر الثَّلاث، وقيل: بل إنَّه تأكيدٌ على أنَّه (الله)؛ لورودها في هذه السُّوَر (الله لا إله إلا هو)، وزادوا على ذلك بسَرْد تَمَيُّز اسم الله عن غيره بخصائص سنوردها لاحقًا؛ قال بذلك ابنُ القَيِّم والخَطَّابيُّ والقُرْطبيُّ والطَّبَريُّ وغيرُهم.

 ملاحظات على أسماء الله

- جاءت معظمُ الأسماء الحُسْنَى على صيغ مبالغة من "فعلان"؛ مثل (رحمان)، و"فعيل"؛ مثل (رحيم)، و"فعول" مثل (غفور)، و"فعال" مثل (غفار)؛ كدلالة على استمرارية معنى الاسم وكَثْرته.

والمبالغةُ أن يَذْكُرَ المتكلِّمُ وَصْفًا فيزيد فيه حتى يكون أبلغَ في المعنى الذي قَصَدَه.

- لله تعالى صفةٌ تَحْصُل من اقتران أحد الاسمين والوَصْفين بالآخر؛ وذلك قدرٌ زائدٌ على مُفْرَدَيْهما؛ نحو (الحميد المجيد).

- بعضُ الأسماء المزدَوَجة لا يَجوز أن تُطْلَقَ بشكل منفرد عن الآخر؛ مثل (المقدم والمؤخر)، و(القابض والباسط).

- لا يجوز أن يَتَّصفَ اللهُ بأضداد صفاته؛ فلا يُوصَفُ بضدِّ العُلُوِّ وهو السُّفول، ولا يوصَف بضدِّ العظيم وهو الحقير.

- بعضُ الأسماء لا يَصحُّ إطلاقُه على البَشَر؛ مثل: الله، الرحمن، الخالق، الخلاق، البارئ، ونحوها.

- يجوزُ إطلاقُ بعض الأسماء على البشر مضافة مثل: ربّ الدار.

- لا يُشرع ذكر اسم الله أو أي من أسمائه مفردًا كما يلجأ بعض الجهلة إلى ترديده مفردًا ألف مرة وأكثر في حلقات متمايلين؛ حيث لم يَرد في الأذكار الصَّحيحة إلا مقرونًا بتنزيهه والثَّناء عليه.

- الإيجازُ والإطناب في شرح الاسم حسب ما تَوَفَّر لنا من المراجع حولَه وحَسَب ما فَتَحَ اللهُ علينا من الفهم، وليس تقصيرًا في حقِّ أَيٍّ من أسماء الله الحسنى.

- تكرار سَرْد بعض الآيات والأحاديث أمرٌ يَقْتضيه شرحُ الاسم.

- مُيِّزت الأسماءُ الواردةُ في القرآن باللَّوْن الأَزْرق، وعددُها 86 اسما.

- ومُيِّزَت الأسماء الواردة في السُّنَّة باللَّون الأسود، وعددُها 13 اسما.

- جاء تقسيم أعمدة جدول الأسماء بحسب الاسم؛ ودليلُه وعددُ المرَّات التي ورد فيها في القرآن:


فادعــوه بهــا

1

الله

الرحمنُ

الرَّحيمُ

الرَّبُ

الإلهُ

2

الأولُ

الآخرُ

الظَاهِرُ

الباطنُ

العَلي

3

الأعلى

المتعال

العظيم

الكبيرُ

الحميدُ

4

المجيد

الواحدُ

الأحَدُ

الصَّمَدُ

الحي

5

القَيُّومُ

بديع السماوات والأرض

نور السماوات والأرض

ذو الجلال والإكرام

مالك الملك

6

المليكُ

الملكُ

القُدوسُ

السلامُ

المُؤمنُ

7

المُهيمنُ

العزيزُ

الجبارُ

المُتكَبُرَّ

الخلاق

8

الخالقُ

البارئُ

المصورٌ

القَادرُ

القدير

9

المقتدر

القاهرُ

القهارُ

القَويُّ

المتين

10

الحق

المُبينُ

السميعُ

البصيرُ

العليمُ

11

الخبير

الشَّهيدُ

الحَسيبُ

الرقيبُ

القريبُ

12

المجيبُ

العفُوُّ

الغفورُ

الغَفّارُ

الحليمُ

13

الرؤوفُ

التَّوَّابُ

البَرُّ

الودودُ

الشاكرُ

14

الشكور

اللطيفُ

المُحيطُ

الوَاسعُ

الوهابُ

15

الغني

الكريمُ

الأكرَمُ

الرازقُ

الرزاقُ

16

الفَتاح

المُقيتُ

الهَادي

الحكمُ

الحكيمُ

17

الوكيل

الحَفيظُ

الولي

المولى

النصيرُ

18

الكافي

الشافي

الرفيقُ

الجَميلُ

القابضُ

19

الباسط

المُعطي

المُقدمُ

المُؤَخرُ

المنّانُ

20

السيدُ

الحييُّ

السِّتِّيرُ

الوَتر

من حفظها دخل الجنة

 شرح الأسماء الحسنى


الرقم

الاسم

الدليل من القرآن أو السنة

ورد ذكره في القرآن الكريم

1

الله

بسم الله الرحمن الرحيم

1750مرة

المألوهُ المعبودُ ذو الألوهيَّة والعبوديَّة على خلقه أجمعين، و(الله) أصلُه الإله، واسم الله هو الجامع لجميع الأسماء الحسنى والصفات العلى، وأعمها مدلولاً.

و(اللهم) هو اسم (الله) أضيف إليه حرف (م) لأسباب عدة؛ قيل: إنَّ "الميم" جاءت عوض حرف النداء؛ لذلك لا يجوز أن يقول: "يا اللهم"، ولا يجوز أن يوصَفَ به، وقيل: زيدت للتعظيم والتفخيم. و(الميم) في كلام العرب من علامات الجمع، وقال الحسن البصريُّ: (اللهم) مجمع الدعاء. وقال العطاردي: "إن (الميم) فيها تسع وتسعون اسما". وقال النَّضْرُ بنُ شميل: " من قال (اللهم) فقد دعاه بجميع أسمائه".

خصائصُ اسم الله بتصرف وزيادة عما أوردها النجديُّ عن فخر الدين الرازي في كتابه (شرح أسماء الله الحسنى):

1- أنَّه اسمٌ علمٌ، وليس مشتقًّا كسائر الأسماء المشتقَّة من الأفعال والصِّفات.

2- أنَّه اسمٌ لم يطلق على غير الله تعالى؛ إذ قبض الله الألسنةَ عن التَّسَمِّي به؛ ﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾ [مريم: 65].

3- أنَّه الأصلُ في أسماء الله، وسائر الأسماء مضافة إليه؛ ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾، ولا ينسب هو إلى شيء منها؛ مثالُ ذلك يقال: العزيزُ من أسماء الله، ولا يقالُ: اللهُ من أسماء العزيز.

4- أنَّه دالٌّ على جميع الأسماء الحسنى.

5- من خاصية الاسم أنَّ الألفَ واللامَ من بنية هذا الاسم ولم تدخل عليه للتعريف عنه؛ والدليلُ أنَّها تبقى مع دخول حروف النداء (يا الله)، وحروفُ النداء لا تَجْتَمع مع ألف لام التعريف؛ فَتَسْقُط؛ كما في بقية الأسماء (يا رحمن)؛ حيث لا يُقال: (يا الرحمن). وقيل: بل إن عدمَ سقوط (أل) التعريف عنه دليلٌ على أنَّ هذه المعرفةَ أبديةٌ لا تَزول.

6- أنَّه أَوَّلُ اسم في أَوَّل آية في القرآن: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الفاتحة: 1، 2]؛ كما أنه آخر ما ذكر من الأسماء ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ﴾.

7- في قوله تعالى: ﴿قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ﴾ [الإسراء: 110]: خَصَّ هذين الاسمين بالذِّكْر عن غَيْرهما لشرفهما، وإن كان اسم (الله) أشرفَ؛ لتَقَدُّمه في الذِّكر عن الرحمن، ولخصائصه هذه.

8- كلمة الشهادة التي تنقل من الكفر للإسلام لم يذكر فيها إلا هذا الاسم: (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله)، ولا تصحُّ الشَّهادةُ بقوله: "أشهد أن لا إله إلا القدوس" أو غيره؛ عدا اسم الله.

9- لعظم شَرَفه يَرْفَعُه اللهُ من الأرض في آخر الزمان إذا قبض روح المؤمنين؛ قال صلى الله عليه وسلم: «لا تَقُومُ الساعةُ عَلى أَحد يَقُولُ اللهُ الله»([6]) .

10- اختصَّ بالأذان والتَّكْبير في الصلاة.

11- اختص في القسم بحالة لا تكون لغيره من الأسماء: تالله، أيمن الله.

12- أنَّ أحبَّ الأسماء إلى الله "عبد الله" و"عبد الرحمن"؛ كما جاء في الحديث ([7]) .

أَثَرُ الإيمان بالاسم:

إذا تَدَبَّرَ المؤمنُ اسمَ الله عَرَفَ أنَّ له جميعَ معاني الألوهيَّة؛ فإذا تقرَّر عندَه أنَّ اللهَ وحدَه المألوهُ خضع له وخشع وأَلْزَمَ قلبَه هَيْبَتَه وتعظيمه، وعَلَّقَ بربِّه حبَّه وخوفَه ورجاءَه وأنابَ إليه في كلِّ أموره وقَطَعَ الالتفاتَ إلى غَيْره من المخلوقين ممَّن ليس لهم حولٌ ولا قوة إلَّا بالله العليم العظيم.

2

الرحمن

﴿بسم الله الرحمن الرحيم﴾ [الفاتحة: 1]

57 مرة

مُتَضَمِّنٌ للرَّحْمة الكاملة التي قال عنها النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «للهُ أرحمُ بعباده من هذه بولدها». مشيرًا لأمٍّ في السَّبْي وجدت صَبيَّها فَأَلْصَقَتْه ببطنها وأَرْضَعَتْه([8] ومتضمِّنٌ أيضًا للرَّحْمة الشَّاملة التي قال الله تعالى عنها: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾. [الأعراف: 156].

وقال بعضُهم: إنَّه اسمُ الله الأعظم؛ لشرف ذكره مع اسم الله؛ ﴿قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ [الإسراء: 10].

أَثَرُ الإيمان بالاسم:

أَلْزَمَ اللهُ تعالى نفسَه الرحمةَ وهو الآمرُ النَّاهي، لا يُلْزمُه شيءٌ أمامَ عباده ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾ [الأنعام: 54]؛ اسْتَوَى اللهُ – تعالى - على العرش بهذا الاسم: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه: 5]، وكَتَبَ على عَرْشه أنَّ رحمتَه سَبَقَتْ غَضَبَه ([9]) .

عرشُه الذي وسع المخلوقات بصفة رحمته التي خلق منها مائة رحمة؛ الواحدةُ منها طباقُ ما بين السَّماء والأرض؛ أنزل منها واحدةً للأرض يتراحم بها خَلْقُه؛ بها تَعْطف الوالدةُ على ولدها، والطيرُ والبهائمُ فيما بينها.

وفي سورة الرحمن المرتبطة بمعاني هذا الاسم ختمها – تعالى – بقوله: ﴿تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾ [الرحمن: 78]؛ فالاسمُ الذي تبارك قيل أنَّه الاسمُ الذي افْتَتَحَ به السورة (الرحمن) وسمَّاها به؛ إذ هو مصدرُ البركة؛ فكلُّ ما ذكر عليه هذا الاسم بورك فيه.

قَسَّمَ بعضُ أهل العلم رحمةَ الله إلى نَوْعَين؛ رحمة خاصَّة بالمؤمنين، ورحمةً عامَّةً للبَرِّ والفاجر؛ فمن رَحْمَته العامَّةَ إرسالُ الرُّسُل والكتب السَّماويَّة وآيات الكون ونظامه الدَّقيق؛ فالنِّعَمُ كلُّها من آثار رحمته التي وسعت كلَّ شيء وعَمَّتْ كلَّ مخلوق في أرزاقهم وأسباب معايشهم ومصالحهم، وبعضُ نعمه تَسَمَّتْ في القرآن بالرَّحْمة؛ كالمطر والرِّزق والجنَّة.

للمؤمنين رحمةٌ خاصَّةٌ يمكن اكتسابُها بأعمال جاء وَصْفُها بالتالي:

﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ﴾ [الأعراف: 156]، ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [آل عمران: 132]، ﴿لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [النمل: 46].

وللمحسنين المتَّقين من رَحْمته النَّصيبُ الوافرُ والخيرُ المتكاثرُ؛ ﴿إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ *﴾ [الأعراف: 56]، وإن حَصَلَ للمؤمن رحمةٌ في الدُّنْيا ورحمةٌ في الآخرة كانت هذه الرَّحمةُ الكاملةُ المطْلَقَةُ المتَّصلةُ بالسَّعادة الأَبديَّة، والمحرومُ منها هو مَنْ أَبَى وتَوَلَّى عن عبادة الله.



3

الرحيم

﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحيم﴾

[البقرة: 163]

114 مرة

الرحيم والرَّحمن اسمان مشتقَّان من الرَّحمة؛ لكن "الرَّحمن" أشدُّ مبالغةً من الرحيم؛ حيث شمل "الرحمن" الخلقَ كُلَّهم، وَقيل: الرَّحيم خاصٌّ بالمؤمنين فقط؛ ﴿وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا﴾ [الأحزاب: 43].

وَقيل: "الرَّحمن" صفةُ ذات، و"الرحيم" صفة فعل؛ لأجل ذلك يُقال: رجلٌ رحيم. ولا يُقال: رحمان.

أَثَرُ الإيمان بالاسم:

يقتضي من العبد أن يَسْعَى للاتِّصاف بصفة الرَّحمة؛ رجاءً وطلبًا لنَيْل رحمة الله؛ فَحَظُّه من رحمة الله مشروطٌ برحمته لمَن حَولَه؛ كما اشترطها النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «لا يَرْحَمُ اللهُ مَنْ لاَ يَرْحَم النَّاس»([10]) .

واشتد صلى الله عليه وسلم في ذلك مُشْتملاً جميعَ الخلق: «مَن لا يَرْحَمُ لاَ يُرْحَمُ»([11])، وقد دَخَلَتْ مومس الجنةَ برحمتها لكلب من العطش سقته بخُفِّها ([12]) .

دلَّ على ذلك وأَكَّد عليه مشاركتُه - عزَّ وجَلَّ - لعباده بهذه الصِّفة؛ ﴿فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ [يوسف: 64]، وتأكيدًا على ذلك وصف النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالرَّحيم؛ ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤوفٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة: 128].

4

الرب

﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الفاتحة:2]

15 مرة

المربِّي جميعَ عباده بالتَّدْبير وأصناف النِّعَم؛ وهو مُشْتَقٌّ من التَّرْبية؛ فهو مدبِّرٌ خلقَه ومربِّيهم ومصلحهم والقائم بأمورهم؛ فالرَّبُّ هو المالك، وكُلُّ مَنْ مَلَكَ شيئًا فهو رَبُّه.

 وَرَدَ اسمُ (الرَّبِّ) في القرآن كثيرًا؛ لكن ورودَه منفردًا كان 15 مرة.

أَثَرُ الإيمان بالاسم:

هو الذي له جميع معاني الرُّبوبيَّة التي لا يشاركه فيها أحد؛ لا بَشَرٌ ولا ملك؛ بل هم جميعًا عبيدٌ مربوبون لربِّهم مقهورون خاضعون لجلاله وعظمته؛ فلا يَنْبَغي أن يكون أحدٌ منهم ندًّا ولا شريكًا لله في عبادته وألوهيَّته.

وأَخَصُّ من هذا تربيتُه لأصفيائه من الأنبياء والصَّالحين بإصلاح قلوبهم وأرواحهم وأخلاقهم؛ وبهذا كَثُرَ دعاؤهم له بهذا الاسم الجليل؛ لأنَّهم يَطْلبون منه هذه التَّرْبيةَ الخاصَّةَ المستمرَّةَ حتى وفاتهم؛ ﴿هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ﴾ [آل عمران: 38]، ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آَمِنًا﴾ [إبراهيم: 35] ومن دعاء محمد صلى الله عليه وسلم الذي علَّمه إيَّاه الله وقال عنه أهل العلم: لا زال في زيادة من علم حتى توفي: ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ [طه: 114]، ومَنْ يَتَدبَّر القرآن يجد معظمَ الأدعية باسم (الرَّبِّ)؛ بل إنَّ اللهَ حَثَّ عبادَه على دعائه به: ﴿وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ﴾ [المؤمنون: 118].

مَنْ عَرَفَ أنَّ اللهَ هو رَبُّ الأرباب لم يَطْلب غيرَ الله تعالى ربًّا له، ورضي بربوبيَّته، ومَنْ رَضيَ ذاقَ حلاوةَ الإيمان؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: «ذَاقَ طعْمَ الإيمان مَنْ رَضيَ بالله رَبَّا وبالإسلام دينًا وَبُمِحَمَّد رَسُولاً» ([13]) . ومن رضي أمرًا سَهُل عليه؛ فَتَسْهُل عليه الطَّاعات حتَّى تَلَذَّ له.

على العبد أن يُحسن تربيةَ مَنْ جُعلت تربيتُه إليه؛ فيقوم بأمره ومصالحه كما قام الرَّبُّ – تعالى - به.


5

الإلـه

﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾

28 مرة

الله أصلُه الإله، واسم الإله كما اسم الله؛ جامعٌ لجميع الأسماء الحُسْنَى والصِّفات العُلَى، ومعنى "الإله" المعبود، وقول الموحِّدين "لا إله إلا الله" معناه: لا معبودَ غير الله.

 وَرَدَ ذكرُه منفردًا في القرآن 28 مرةً.

أثرُ الإيمان بالاسم:

مَنْ عَرَفَ الإله عَرَفَ أن ليس في السماوات والأرض غيره؛ ﴿وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ﴾ [الزخرف: 84]؛ فَيَأْلَه إليه بالاعتماد عليه في الرَّخاء والشِّدَّة، ويَخْلَع كلَّ إله سواه.

الهوى من أضل ما يتَّخذه العبد إلهًا بالطاعة دون الله؛ ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ [الجاثية: 23]؛ فلا يكون هواه إلَّا في عبادة الحَقِّ.

للتَّهْليل فضلٌ كبيرٌ دَلَّت عليه الأسانيدُ من القرآن والسُّنَّة.


6

الأول

﴿هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ﴾

[الحديد: 3]

مرة واحدة

فسرها - صلى الله عليه وسلم - تفسيرًا واضحًا فقال: «اللهمَّ أنت الأولُ فليسَ قَبلكَ شيءٌ وأنت الآخر فليسَ بعدك شيءٌ وأنتَ الظاهرُ فليسَ فوقك شيءٌ وأنت الباطنُ فليس دونَك شيء»([14]) .

الأَوَّلُ ليس قبله شيء، السَّابق للأشياء كلِّها؛ فاسْتَحَقَّ الأَوَّليَّةَ؛ إذ كان موجودًا ولا شيء قبله ولا معه، وكُلُّ شيء هالكٌ إلَّا وجهه؛ قال صلى الله عليه وسلم: «كَان اللهُ ولمْ يَكُنْ شيءٌ غَيْرُه، وكَانَ عَرْشُهُ عَلى الماء»([15]) .

أَثَرُ الإيمان بالاسم:

عبوديَّتُه – سبحانه - باسمه الأَوَّل تَقْتَضي النَّظَرَ إلى سَبْق فضل الله ورحمته في كلِّ نعمة دينيَّة أو دنيويَّة؛ إذ السَّبَبُ والمسبّب منه تعالى، وهو المبتدئ بالإحسان من غير وسيلة من العبد؛ فمنه – سبحانه - الإيجادُ ومنه الإعدادُ ومنه الإمدادُ؛ فلا يُلْتَفَتُ إلى غَيْره ولا يُوثَقُ بسواه ولا يُتَوَكَّلُ على غيره؛ كما يقتضيه أن يعلم بأنَّ اللهَ إلهُ الأَوَّلين والآخرين؛ فيأخذ نفسَه بالتَّقَدُّم والسَّبْق إليه في الدُّنيا؛ ليكون من أهل السَّبْق في الآخرة؛ ﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ﴾ [الواقعة: 10-12].


7

الآخـر

﴿هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ﴾ [الحديد: 3]

مرة واحدة

ليس بعده شيء، ولا انتهاء لوجوده، وهو غايةُ كلِّ مخلوق.

أَثَرُ الإيمان بالاسم:

التَّوَجُّهُ لله – تعالى - على أنَّه هو الغاية، كما يَقْتَضي ألَّا يَرْكَنَ لأسباب الحياة من مال وجاه ونحوه؛ فمصيرُها الزَّوالُ ويبقى الدَّائمُ الباقي بعدها حيث التَّعَلُّق بالآخر عزَّ وجلَّ تَعَلُّقًا لا يَزُول ولا يَنْقَطع؛ بخلاف التَّعَلُّق بغيره.

التَّعَبُّدُ باسميه (الأول والآخر) يوجب صحَّةَ الاضطرار إلى الله وحدَه ودوامَ الفقر إليه دون سواه، وأن الأمرَ منه، وإليه يَرْجع؛ فهو الأوَّلُ الذي ابتدأت منه المخلوقات والآخرُ الذي  انتهت إليه عبوديَّتُها وإرادتُها ومحبَّتُها.

أَكْثَرُ الخَلْق تَعَبَّدُوا له باسمه (الأَوَّل)؛ بمعنى أنَّهم آمنوا أنَّه خالقُ الكون؛ وإنَّما الشَّأْنُ في التَّعَبُّد له باسمه (الآخر)؛ فهذه عبوديَّة الرُّسُل وأتباعهم التي تَقْتَضي من العبد مع إيمانه العملَ للآخر.


8

الظـاهر

﴿هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ﴾ [الحديد: 3]

مرة واحدة

الذي ليس فوقه شيء، الظاهر الغالب العالي على كلِّ شيء علمًا؛ وظاهرُ الشَّيء ما علا منه وأحاط بباطنه، ولا ينافي اسم الظاهر نزوله للسَّماء الدُّنيا في ثُلُث اللَّيْل؛ فَنُزُولُه ليس كمثله شيء لا يماثل نزولَ المخلوق الذي إن نزل زال وصفه بالعلو، والرب لا يكون شيء أعلى منه قَطُّ؛ فهو العليمُ الأعلى.

أثرُ الإيمان بالاسم:

هو الظَّاهر البادي بحُجَجه وبَرَاهينه النَّيِّرة وأفعاله وآياته المتلوَّة والعيانيَّة؛ فمَنْ تَفَكَّرَ في السماوات والأرض عَلم علمَ اليقين أنَّ له خالقًا مدبِّرًا.

مَنْ تَعَبَّدَ لله بهذا الاسم استقامت له عبوديَّتُه وصار له معقل وملجأ يلجأ إليه ويهرب ويَفرُّ إليه كُلَّ وقت، كما يَقْتَضي منه أن يَرْعَى من أعماله ما تَقَدَّمَ وما تَأَخَّرَ وما يَسْتَظْهره وما يَسْتَبْطنه؛ فإنَّ اللهَ – تعالى - مُطَّلعٌ على الظَّواهر والبواطن يستوي عنده من هو مُخْتَف في قَعْر داره ومَنْ هو سائر في طريقه (سربه) بالنَّهار؛ ﴿سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ﴾ [الرعد: 10].


9

الباطن

﴿هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ﴾ [الحديد: 3]

مرة واحدة

ليس دونه شيء؛ وهو دليل على اطِّلاعه على السَّرائر والضَّمائر والخفايا ودقائق الأشياء؛ كما يَدُلُّ على كمال قُرْبه ودُنُوِّه، ولا يتنافى الظَّاهر والباطن؛ لأنَّ اللهَ ليس كمثله شيء.

والباطن العالم بكلِّ شيء والعارف ببواطن الأمور وظواهرها، وهو الباطن الذي لا يُحَسُّ؛ وإنَّما يُدْرَك بآثاره وأفعاله، وهو الباطن لجميع الأشياء؛ فلا شيءَ أقربُ إلى شيء منه؛ ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾ [ق: 16].

أَثَرُ الإيمان بالاسم:

من رُزق فهم معنى هذا الاسم وضح له التَّعَبُّد به؛ وهو إحاطةُ الرَّبِّ بالعالم؛ فَأَصْلح له غيبَك؛ فإنَّه عنده شهادةٌ، وزَكِّ له باطنَك؛ فإنَّه عنده ظاهرٌ.

وردت الأسماءُ الأربعةُ (الأول والآخر والظاهر والباطن) مجتمعة مرَّةً واحدةً في السُّنَّة في دعاء:

روى مسلم (7064) أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يقوله إذا أخذ مضجعه، وفي رواية الترمذي (3818) أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم عَلَّمَه لابنته فاطمة رضي الله عنها حين سَأَلَتْه خادمًَا بعد أن أشار عليها بالتَّسْبيح: «اللهمَّ رَبَّ السَّمَوَات وَرَبَّ الأرض وَرَبَّ الْعَرْش الْعَظيم رَبَّنا وَربَّ كُلِّ شيء فَالقَ الحَبَّ والنَّوَى وَمُنَزِّلَ التَّوْراة والإنجيل والفُرقان، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرَّ كُلَّ شيء أَنْتَ آخِذٌ بناصيته، اللَّهمَّ أنتَ الأَوَّلُ فليس قبلَك شيءٌ، وأنتَ الآخرُ فَليسَ بَعْدَكَ شَيءٌ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَليْسَ فَوْقَكَ شَيءٌ، وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فليس دونك شيءٌ، اقْض عنَّا الدَّيْنَ وأَغْننا من الفَقْر».

ووردت مرَّةً واحدةً في القرآن الكريم في آيَة لها أَثَرٌ عظيمٌ في دَفْع الوَسْوَسَة وَرَدَ كيدها كما ورد عن سؤال أبي زميل لحبر الأمة ابن عبَّاس - رضي الله عنه - عن شيء يجدُه في صَدْره لن يَتَكلَّم به، فقال له ابنُ عبَّاس: «ما نجا من ذلك أَحَدٌ حَتَّى أنزل اللهُ تعالى: ﴿فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ﴾ [يونس: 94]»، إذا وَجَدْتَ في نَفْسك شيئًا فقل: ﴿هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾.

والخلاصةُ أنَّ معرفةَ هذه الأسماء الأربعة هي أركانُ العلم والمعرفة والتَّوْحيد؛ فحقيقٌ بالعبد أن يَبْلُغَ في مَعْرفتها إلى حيث يَنْتَهي به قُوَاه وفَهْمُه.


10

العلي

﴿وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾

[الحج: 62]

8 مرات

العليُّ مُشْتَقٌّ من العُلُوِّ؛ فهو العليُّ في ذاته العالي على غَيْره شَرَفًا ورفعةً وهو العليُّ في دُنُوِّه القريبُ في عُلُوِّه، وجميعُ معاني العُلُوِّ ثابتةٌ لله من كُلِّ وَجْه؛ فَلَه تعالى:

1- عُلُوُّ ذات: أنَّه مُسْتَو على عَرْشه فوقَ خَلْقه، وهو مع هذا مُطَّلعٌ على أَحْوالهم مُدَبِّرٌ لأمورهم.

2- عُلُوُّ قدر: وهو عُلُوُّ صفاته وعظمتُها؛ فلا يماثله صفةُ مخلوق؛ بل لا يَقْدرُ الخلائقُ كُلُّهم أن يحيطوا بمعاني صفة واحدة من صفاته؛ قال تعالى:  ﴿وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا﴾ [طه: 110].

3- عُلُوُّ قَهْر وغَلَبة: أنَّه القَهَّارُ قَهَرَ الخَلْقَ كُلَّهم؛ فَنَواصيهم بيده، وما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، ولو اجتمع الخَلْقُ على إيجاد ما لم يَشَأْه الله أو مَنْع ما شاء، لم يَقْدروا ولم يَمْنعوا؛ وذلك لكمال اقتداره ونفوذ مشيئته وشدَّة افتقار المخلوقات كلِّها إليه من كُلِّ وَجْه.

أثر الإيمان بالاسم:

- يَقْتَضي إثباتَ العُلُوِّ لله بكلِّ معانيه دون تعطيل أو تأويل.

- اجْتَهَدَ أَهْلُ العلم في إثبات صفة العُلُوِّ له؛ ردًّا على قول أهل البدع بحلول الله بذاته في أجساد البشر وفي البيوت وغيرها من الأماكن على الأرض، وقولهم أنَّ استواءه على العرش مجازيٌّ وليس حقيقيًّا.

- وهذا التَّجَنِّي على الله – تعالى - كَشَفَه العلماءُ بإثبات العُلُوِّ لله؛ بالتَّالي:

- استواءُ الله على العَرْش حقيقيٌّ؛ ففي اللُّغة الاستواءُ هو الاستقرارُ في العُلُوِّ؛ ﴿اسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ﴾ [هود: 44].

- أنَّ التَّنْزيلَ لا يكون إلَّا من عُلُوٍّ؛ وقد ثَبَتَ في القرآن بعبارات مختلفة (نَزَّل، أنزلناه، تَنزيلُ)؛ كما أنَّ الرَّفْعَ لا يكونُ إلَّا إلى عُلُوٍّ ﴿تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ﴾ [المعارج: 4]، والعملُ الصَّالحُ والكلامُ الطَّيِّبُ يَصْعَدان إليه، ورَفْعُه لعيسى - عليه السلام - ومعراجُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم.

- أنَّ العربَ والعجمَ إذا نزلت بهم شدَّةٌ رَفَعُوا أيديَهم للسَّماء يَسْتَغيثون اللهَ، وقد سأل النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم جاريةً: «أين الله؟» قالت: في السماء. وأشارت برأسها إلى السَّماء؛ فَأَمَرَ مَوْلاها أَنْ يُعْتقَها؛ لأنَّها مؤمنةٌ..


11

الأعلى

﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى﴾

[الأعلى: 1]

مرتان

له العُلُوُّ المطْلَقُ في ذاته دونَ إضافة إلى موجود من موجوداته؛ أي لا يقارن بغيره؛ فيقال: هو الأعلى وكُلُّ شيء تحتَ قَهْره وسُلْطانه وعَظَمَته؛ فهو الذي على العرش استوى وعلى الملك احتوى، وبجميع صفات العظمة والجلال والكمال اتَّصَفَ، وإليه فيها المنْتَهَى.

أَثَرُ الإيمان بالاسم:

من سُنَّة الرَّسول صلى الله عليه وسلم في سُجُود الصَّلاة قولُه: «سُبْحَانَ رَبَّيَ الأَعْلَى». وعَلَّلَ ذلك بأنَّ السُّجودَ غايةٌ في الخضوع والتَّذَلُّل من العبد بأشرف شيء فيه لله - وهو وَجْهُه - بأن يَضَعَه على التُّراب؛ فناسب في غاية سفوله أن يَصفَ ربَّه بأنَّه الأعلى؛ فالعبدُ ليس له من نفسه شيء، وليس له من العظمة نصيبٌ؛ فهو خُلق من العَدَم.

عُلُوُّ الخَلْق من عُلُوِّه تعالى؛ كما أنَّ عزَّتَهم من عزَّته، وعلى قدر الإيمان والعمل يكون العُلُوُّ في الدُّنيا والآخرة؛ ﴿إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ﴾ [المطففين: 18]؛ فَيَجْتَهد الإنسانُ أن يَكونَ في "علِّيِّين"؛ وهي جَنَّاتُ المقرَّبين أعلى من جنات أصحاب اليمين؛ فأصحابُ علِّيِّين جُلَساءُ الرَّحمن، وهم أصحابُ المنابر من نور عن يمينه.

وفي الدُّنيا يكون عُلُوًّا يَمْنَحُ القُوَّةَ بمنعه الوهن، ويَمْنَح السَّعادةَ بدَفْعه الحَزَن: ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: 139]؛ وما تلك السَّعادة والقوة إلَّا لأنَّ هذا العُلُوَّ يُدخل صاحبَه في معيَّة الله؛ ﴿فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ﴾ [محمد: 35].

دلَّ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أُمَّتَه على ما يُرفَعُ به الدَّرجاتُ: ﴿وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَا﴾ [طه: 75]، ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ [المجادلة: 11]، وقال صلى الله عليه وسلم: «مَا  تَواضعَ أَحدٌ لله إلا رَفَعَهُ الله»([16]).

وهذا العُلُوُّ يَحْصُلُ للمؤمن بإيمانه وليس بإرادته؛ وإلَّا كان ممَّن ذَمَّهم الله كفرعون وإبليس؛ ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [القصص: 83].


12

المتعال

﴿عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ﴾ [الرعد]

مرة واحدة

المتعال على جميع خلقه الذي تعالى عمَّا نسبه إليه أهلُ الإلحاد من الأنداد؛ لذلك يقال: تعالى الله عن كذا. إذا نُسب إليه ما لا يَليق به، وهو اسمُ الفاعل من قَوْلنا: (تعالى الله)؛ أي تفاعل، من "العلو"؛ كما أنَّ "تبارك" تفاعل من البركة، وكما يُقال: تقاضى، فهو متقاض. فيقال: تعالى، فهو متعال.

أَثَرُ الإيمان بالاسم:

مَنْ عَرَفَ مَعْنى الأسماء الثَّلاثة السَّابقة (العليّ، الأعلى ، المتعال)، عَرَفَ أنَّ الله عليٌّ بصفات الكمال، متعال عن صفات النَّقْص، أعلى من خَلْقه، ومن عرف ذلك تعاطى معاني الأخلاق في رفع ذكر الله وإعلاء منازله والتَّقَرُّب بعد التَّقَرُّب منه تعالى.


13

العظيم

﴿وَلَا يَؤودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ﴾ [البقرة: 255]

9 مرات

ذو العظمة، ومعناه عظم شأنه وجلال قَدْره الذي جاوز حدودَ العقل؛ حتَّى لا تتصوَّر الإحاطة بكنهه وحقيقته.

أثر الإيمان بالاسم:

العظمةُ صفةٌ من صفات الله لا يقوم لها خلق، والله تعالى خَلَقَ بين الخَلْق عظمةً يُعظِّم بها بعضُهم بعضًا؛ فمن الناس مَنْ يُعَظِّمُ المالَ أو الفضلَ أو العلم  أو السلطان أو الجاه؛ وهم بذلك إنما يُعَظَّمون لمعنى دون معنى، والله - عَزَّ وجَلَّ - يُعظَّمُ في كلِّ الأحوال، وكان الاسم لمن دونه مجازًا.

أمر النبيُّ صلى الله عليه وسلم أُمَّتَه أن يُسبِّحوا اللهَ بهذا الاسم في صلاتهم: «فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فيه الرَّبَّ عَزَّ وَجَلَّ»([17]).

المعظِّمُ لله عند مشاهدته معاني الجلال والعظمة يَحلُّ في قلبه الإكبارُ والمهابةُ لله؛ فالسَّماوات والأرض والعوالم كلُّها في قبضته كَحَبَّة خَرْدَل في يد العبد؛ ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [الزمر: 67]، وتَتَجَلَّى صورةُ تلك العظمة في أعظم آية في القرآن؛ ﴿وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ﴾ [البقرة: 255].

يَنْبَغي للعبد أن يُعَظِّمَ اللهَ حَقَّ تعظيمه ويقدره حَقَّ قَدْره بما يستطيعه؛ فيقتضيه وجوبُ العظمة أن يتواضع لعظمته، وتعظيمُ الله بتعظيم أسمائه وصفاته دون تشبيهها بخَلْقه، ولا يكون ذكرُه لله – تعالى - عند لهو أو أباطيل؛ بل ذكر تعظيم لشأنه وتوقير لمقامه وهيبة له.

وتعظيمه - تعالى - بتعظيم كُتُبه ورُسُله وملائكته ومناسكه وشعائر دينه؛ ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ *﴾ [الحج: 32].

وتعظيمُه بتعظيم حُرُماته وحُرُمات المؤمنين؛ ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ﴾ [الحج: 30].

من أعظم ما حَرَّمَه الله أن يشرك به ما لا يملك نفعًا ولا ضرًا من أَوْثان وأحجار وقبور صار أصحابُها عظامًا نخرة؛ فكيف تقضي لهم حاجةً وتشفي مريضًا وتَرُدُّ غائبًا.

 وهؤلاء الذين قَصر إيمانُهم عن عظمة الله تَوَعَّدَهم بالعذاب؛ ﴿خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ * إِنّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ﴾ [الحاقة: 30-33].


14

الكبير

﴿وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾

[الحج: 62]

6 مرات

الموصوفُ بالجلال والعظمة وكبر الشأن والقدر؛ فصغر دون جلاله كلُّ كبير؛ ولذلك كان التَّكْبيرُ شعارًا للعبادات الكبيرة كالصلاة.

أَثَرُ الإيمان بالاسم:

اللهُ أكبرُ من كُلِّ شيء وأَكْبَرُ من أن يُعرف كُنْهُ كبريائه وعَظَمَته؛ لذلك نُهينا عن التَّفْكير في ماهية الله؛ لأنَّنا لن ندركَها بعقولنا الصَّغيرة والقاصرة والمحدودة، وحتى لا نقع فيما وَقَعَ فيه الفلاسفةُ من محاولة إدراك ماهيَّة الله بعقولهم؛ فتاهوا وضَلُّوا ضلالاً بعيدًا، الكبير لا يليق إلا به – سبحانه - أمَّا العبد فصفتُه التَّذَلُّلُ والخشوعُ والخضوعُ لله.

الله الكبير المتعال على الخلق أجمعين القادر على الانتقام من الأقوياء للضُّعَفاء والمساكين؛ حتَّى من الزَّوْج للزَّوْجة؛ ﴿فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا﴾ [النساء: 34]؛ إن أطاعت المرأةُ زوجَها فيما أباحه الله، فلا سبيلَ له عليها، وقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا﴾ تهديد من الله للرجال وتحذير لهم من الظُّلْم والطُّغْيان والتَّكَبُّر على نسائهم من غير سبب؛ فإنَّ العليَّ الكبيرَ وَليَّهنَّ منتقمٌ ممَّن ظلمهنَّ وبغى عليهنَّ.


15

الحميد

﴿وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾

[فاطر: 15]

17 مرة

المحمودُ المستحقُّ الحمدَ بفعاله عند خَلْقه بما أَوْلاهم من نعمة وفضل، له جميع المحامد بأَسْرها؛ فهو الحميدُ في ذاته وصفاته وأفعاله، والحمدُ أَعَمُّ من الشُّكْر؛ لأنَّك تَحْمدُ الإنسانَ على صفاته الذَّاتيَّة وعلى عطائه، ولا تَشْكره على صفاته.

والحمد نوعان:

1- حمدٌ على إحسانه - تعالى.

2- حمدٌ على ما له من الأسماء الحسنى والصِّفات العلى؛ فله المحامدُ الكاملةُ.

أَثَرُ الإيمان بالاسم:

- اللهُ وحدَه الذي يُحْمَدُ في السَّرَّاء والضَّرَّاء، والشِّدَّة والرَّخاء، له الحمد كلُّه وعلى كلِّ حال؛ لأنَّه حكيمٌ لا يجري في أفعاله الخطأُ.

- كمالُ حَمْده يوجب أن لا يُنسب إليه شَرٌّ ولا سُوءٌ ولا نَقْصٌ؛ لا في أسمائه ولا في أفعاله ولا في صفاته.

- كُلُّ ما يُحمدُ به الخلق فهو من الخالق؛ فيرجع  إليه لأنَّه الواهبُ للصِّفات المحمودة؛ فهو الأَحَقُّ بالحمد في الأولى والآخرة.

- كان اختتامُ الصَّلاة على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بهذين الاسمين من أسماء الرَّبِّ - سبحانه وتعالى ؛ وهما (الحميد والمجيد)؛ فالحمدُ والمجدُ إليهما يرجع الكمالُ كُلُّه؛ فإنَّ الحمدَ يَسْتَلْزمُ الثَّناءَ والمحبَّةَ للمحمود؛ فَمَنْ أَحْبَبْتَه ولم تُثْن عليه لم تكن حامدًا له، وكذا من  أَثْنَيْتَ عليه لغرض ما ولم تُحبَّه لم تكن حامدًا له حتى تكون مُثْنيًا عليه مُحبًّا له.

- وجاء اسمي (الحميد والمجيد) عقب الصَّلاة على النَّبيِّ وآله مطابقٌ لقُوله تعالى: ﴿رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ﴾ [هود: 73]؛ فيكون هذا الدُّعاءُ مُتَضَمِّنًا لطَلَب الحَمْد والمجد للرَّسول صلى الله عليه وسلم، وختم الدُّعاءَ بالثَّناء على الله بالحمد والمجد.

- جاء الحمدُ في أَوَّل كتاب الله: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الفاتحة: 2].

- وردت صيَغُ الحمد في أَغْلَب الأَذْكار؛ فهي من أَحَبِّ الكلام لله، تملأ ما بين السَّماوات والأرض، عَطسَ رَجُلان عند النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فشمَّت أحدُهما ولم يُشَمِّت الآخر، فقيل له فقال: «هَذَا حمِدَ الله وَهذَا لمْ يَحْمَد الله»([18]). يشمِّت: يدعو بالخير والبركة. وهو قول "يرحمك الله".

- الحمد يَجْلبُ رضى الله؛ قال صلى الله عليه وسلم: «إنَّ اللهَ لَيَرْضَى عَن الْعَبْد أَنْ يَأْكُلَ الأكلةَ فَيَحمدهُ عليْهَا أَوْ يَشربَ الشربة فيحمدهُ عليها» ([19]).

وللحمد ثقَلٌ وسَعَة قال عنهما صلى الله عليه وسلم: «الطّهُورُ شَطْرُ الإيمان وَالْحَمْدُ لله تَملأُ الميزَانَ، وَسُبحانَ الله وَالْحَمْدُ لله تَمْلآن أو تملآ مَا بينَ السَّماوات وَالأرض» ([20]).

كان صلى الله عليه وسلم إذا رأى ما يُحبُّ قال: «الْحمدُ لله  الذي بِنعمَته تَتمُّ الصّالحَاتُ». وإذا رأى ما يَكْرَه قال: «الحمدُ لله عَلى كُلَّ حال»([21]).

وقال صلى الله عليه وسلم: «مَا أَنعمَ اللهُ على عَبد نعمة فَقالَ الْحمدُ لله، إلا كان الذي أعطاهُ أفضلَ مما أخَذَ»([22]). أي كان إلهامُ الله له بالحمد والشُّكر أفضل ممَّا أَخَذَ من النِّعْمة.


16

المجيـد

﴿إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ﴾ [هود: 73]

مرتان

المجيد - تعالى: الكثيرُ الإحسان إلى عباده بما يُفيضه عليهم من خيرات.

المجد: الكثرة والسَّعَة؛ وهو عظمةُ الصِّفات.

والماجد: الكثير الشَّرَف، والله تعالى أمجد الأمجدين وأكرم الأكرمين.

واقترانُ الحميد مع المجيد دالٌّ على جميع صفاته الذَّاتيَّة والفعليَّة؛ حيث هو - عز وجل - محمودٌ على مَجْده وعَظَمَته.

أَثَرُ الإيمان بالاسم:

مَجَّدَ اللهُ نفسَه في كتابه بآيات كثيرة، وسَمَّى الله كتابَه بالمجيد؛ أي كريم وشريف؛ حيث المجد والرِّفْعةُ لمن أَخَذَ بكتاب الله؛ لذا فإنَّ من أعظم ما يُمَجِّدُ به العبدُ ربَّه تلاوةَ كتابه؛ فلا أحدَ يحصي الثَّناءَ عليه والتَّمجيدَ له كما يُثْنى على نفسه.

وفي الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنَّ العبدَ إذا قرأ الفاتحةَ في الصَّلاة وقال: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾، «قَال الله مَجّدني عَبْدي»([23]).


17

الواحد

﴿وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾ [ص: 65]

مرتان

الواحدُ: الفردُ الذي ليس باثنين الذي تَوَحَّدَ بجميع الكمالات بحيث لا يشاركه مشاركٌ فيها.

ومعنى وحدانية الله: نَفْيُ الأَشْباه والأَمْثال عنه.

أَثَرُ الإيمان بالاسم:

- الله تعالى هو الإله الواحد الأحد الذي لا إله إلا هو وحده لا شريك له في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله؛ فلا يجوز أن يُشَبَّهَ اللهُ – تعالى - بشيء من المخلوقات؛ فهو الواحدُ الذي ليس له ندٌّ ولا نظير.

- لا يَدْخُلُ العبدُ الإسلامَ حتى يُوَحِّدَ الله – تعالى - بشهادة أن لا إله إلا الله، واشْتُرط الإيمانُ بوحدانية الله لقَبول العمل الصالح؛ ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا﴾ [النساء: 124].

- يَجبُ على العباد توحيدُه اعتقادًا وقولاً وعملاً؛ بأن يَعْتَرفوا بكَمَاله المطْلَق وتَفَرُّده بالوحدانية، ويفردوه بأنواع العبادة.

- لا يجوز أن يَتَوَجَّه العبادُ لغير خالقهم بعبادة من العبادات؛ صلاةً كانت أو دعاءً أو ذبحًا أو نذرًا أو تَوَكُّلاً أو رجاءًا أو خوفًا أو خشوعًا أو خضوعًا؛ بل يكونوا كما أمر الله نبيَّنا أن يقول: ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾ [الأنعام: 162، 163].

فَضْلُ تهليل الله وتوحيده جاء في مواضع كثيرة لتجديد الإيمان بوحدانية الله؛ لما في ذلك من دَفْع المسلم للخير والعمل الصالح؛ إذ إن مَنْبَعَه هو التَّوحيدُ الخالصُ.


18

الأحـد

﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾

[الإخلاص: 1]

مرة واحدة

الله هو الأحد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد.

الفرق بين الواحد والأحد أنَّ الواحدَ يُفيد وحدةَ الذَّات والأحد يفيده بالذَّات والصِّفات.

وقيل: إنَّ اسمَ (أحد) أَخَصُّ وأكملُ من (واحد)، وهو يأتي بمعنى أَوَّل العدد (أحد عشر).

أَثَرُ الإيمان بالاسم:

جاء في الصحيح أنَّ مَنْ نَسَبَ لله تعالى الولد فقد شتمه؛ تعالى الله عن ذلك؛ قال: «قَالَ اللهُ كَذَّبَني ابنُ آدمَ وَلمْ يَكُنْ لَهُ ذَلكَ، وَشَتمني وَلمْ يَكُنْ لَه ذَلكَ؛ فَأمَّا تَكْذيبهُ إيَّاي فَقوْلُهُ لَنْ يُعيدني كَما بَدَأَني؛ وَليسَ أولُ الْخلق بأهونَ عَلىَّ مِنْ إعادته، وَأَمَّا شَتْمُهُ إيَّاي فَقولُهُ: اتخذ اللهُ وَلدًا. وَأنا الأَحدُ الصَّمَدُ لَمْ أَلدْ وَلَمْ أُولَدْ وَلمْ يَكْنْ لي كُفْأً أَحَدٌ»([24]).


19

الصمـد

﴿اللَّهُ الصَّمَدُ﴾

[الإخلاص: 2]

مرة واحدة

السَّيِّدُ المصمود إليه في الحوائج الذي تصمد إليه الخلائق كُلُّها وتقصده في جميع أحوالها.

والصمد: هو المصمت الذي لا جوف له.

وصمد إليه: بمعنى قصده.

أَثَرُ الإيمان بالاسم:

- ينبغي على العبد ألَّا يَقْصدَ  غيرَه ولا يلجأ إلا إليه ولا يطلب إلا منه.

- سورة الإخلاص التي ورد فيها (الأحد) و(الصمد) تَعْدل ثُلُثَ القرآن، ومما قيل في أَنَّها عَدَلَتْ ثُلُثَ القرآن أنَّه لأجل اسمي (الصمد والأحد) اللَّذان لم يوجدا في غيرها من السور، ولما اشتملت عليه السورة من معرفة الذات المقدسة.

ذُكر هذان الاسمان (الأحد، الصمد) في أَصَحِّ الأحاديث عن الدُّعاء باسم الله الأعظم؛ حيث كان الدعاءُ تَوَسُّلٌ إلى الله بتوحيده.


20

الحـيُّ

﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ﴾

[البقرة: 255]

5 مرات

مُتَضَمِّنٌ للحياة الكاملة التي لم تُسْبَقْ بعدم ولا يَلْحَقُها زَوَال؛ الحياة المستلزمة لكمال الصِّفات من العلم والقدرة والسَّمْع والبَصَر وغيرها.

وحياتُه مُنَزَّهَةٌ عن مشابهة حياة الخلق لا يجري عليها الموت أو الفناء، ولا تَعْتَريها السُّنَّةُ – أي النّعاس- ولا النَّوم.

أَثَرُ الإيمان بالاسم:

- مَنْ عَرَفَ هذه الصِّفةَ في رَبِّه تَوَكَّلَ عليه وانقطع قلبُه إليه عن الخلق المحتاجين مثله إلى خالقهم؛ فكيف يرجوهم بعد ذلك؟ ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا﴾ [الفرقان: 58].

- الحياةُ الدُّنيا كالمنام، والحياةُ الآخرة كاليَقَظَة، والله – تعالى - يَهَبُ أهلَ الجنة الحياةَ الدَّائمة؛ ﴿وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ *﴾ [العنكبوت: 64]، والكافر والمجرم والشَّقيُّ في نار جهنم ﴿لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا﴾ [الأعلى: 13].

للعبد أن يَجْتهدَ في أنْ ينالَ من هذا الاسم القسم الأوفر؛ فَيَسْعَى للحياة الآخرة بالحياة الدُّنْيا مكتفيًا بمن يَهَبُه هذه الحياةَ الأبديَّةَ؛ فحقيقةُ الحياة هي الحياةُ بالرَّبِّ – تعالى - لا الحياةُ بالنَّفْس والفناء وأسباب العَيْش.

وقد حَثَّ الرَّسولُ صلى الله عليه وسلم على الدُّعاء بهذا الاسم في حال الكَرْب: «يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمتك أستغيثُ»([25])، وكان شيخُ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - شديدَ اللَّهَج بهذين الاسمين مؤكِّدًا على ما يتركانه من تأثير عظيم في حياة القلب، وكان يشير إلى أنَّهما الاسمُ الأعظمُ.


21

القيـوم

﴿وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ﴾

[طه: 111]

3 مرات

- القائمُ بنفسه المقيمُ لغيره كاملُ القَيُّوميَّة؛ قام بنفسه وعظمت صفاته، واستغنى عن جميع مخلوقاته، وقامت به الأرض والسماوات وما فيهما من المخلوقات.

- ومن كمال قَيُّوميَّته أنَّه لا ينام؛ إذ هو مُخْتَصٌّ بعدم النُّعاس والنَّوم.

- اقترانُ اسم القَيُّوم بالحَيِّ في القرآن يَسْتَلْزمُ صفات الكمال ويَدُلُّ على دوامها؛ فالحيُّ الجامع لصفات الذَّات، والقيومُ الجامعُ لصفات الأفعال.

أَثَرُ الإيمان بالاسم:

- الخلائقُ ليست قائمةً بنفسها؛ بل محتاجةً للحيِّ القيُّوم الذي يُحْييها ويقيمها؛ فهو – تعالى - القيوم لأهل السَّماوات والأرض القائم بتدبيرهم وأرزاقهم وجميع أحوالهم.

- القيوم على وزن "فيعول" من قام يقوم، وهو من قوله - تعالى: ﴿أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ﴾ [الرعد: 33]؛ أي يَحفظ عليها ويُجازيها ويُحاسبها.

- أعظم آية في القرآن هي آيةُ الكُرْسيِّ التي ورد فيها الاسمين معًا كما وردا في حديث اسم الله الأعظم وكما وردا في ذكر الاستغفار الذي يغفر لقائله وإن كان فَرَّ من الزَّحْف.

- مَنْ عَرَفَ معنى اسم القيوم لم يَجْعَلْ للدُّنيا في قَلْبه قيمةً كبيرةً، والله قائمٌ بأَمْره ووجب عليه أن يقوم ما كلَّفه مولاه القَيُّوم علمًا وعملاً.


22

بديع السماوات والأرض

﴿بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [البقرة: 117]

مرتان

- المنفرد بخلق السماوات والأرض، وبدع الشيءَ أنشأه وبدأه، وقد ذُكر الاسم في أحد أحاديث الدُّعاء باسم الله الأعظم.

أَثَرُ الإيمان بالاسم:

- وَرَدَ الاسمُ في بيان قُدْرَة الله أمامَ ما نُسبَ إليه من الولد النَّبيِّ عيسى بن مريم، عليهما السَّلام.

- فقوله (كُن فَيكُونُ) من أَبْلَغ الحُجَج على استحالة نسبة الولد إليه، ﴿بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [الأنعام: 101].

- ثم قال تعالى تأكيدًا على أن خلق السموات والأرض أعظم من خلق بني آدم ﴿لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [غافر: 57].


23

نور السماوات والأرض

﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [النور: 35]

مرة واحدة

هادي الخلق، نَوَّرَ قلوبَ المؤمنين بهدايته ومعرفته والإيمان به؛ وقد أضاف تعالى النُّورَ إلى نفسه إضافةَ الصِّفة إلى موصوفها في قوله تعالى: ﴿وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا﴾ [الزمر: 69]، وفي قوله: ﴿مَثَلُ نُورِهِ﴾، وأَخْبَرَ أيضًا أنَّه يَحْتَجبُ بالنُّور.

أَثَرُ الإيمان بالاسم:

وَرَدَ الاسمُ مَرَّةً واحدةً في القرآن متبوعًا بشرحه بمثال ضُرب لهداية الله تعالى لقلوب المؤمنين؛ ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [النور: 35]؛ فضرب سبحانه مثلاً لنوره الذي قَذَفَه في قلب عبده المؤمن؛ وهو نورُ القرآن والإيمان الذي أعطاه إيَّاه؛ كما قال في آخر الآية: (نورٌ عَلَى نُورٍ)؛ يعني نورَ الإيمان على نور القرآن.

- وقد جمعَ اللهُ – سبحانه - بينَ ذكر هذين النُّورين - وهما الكتاب والإيمان - في غير موضع من كتابه؛ كقوله: ﴿مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا﴾ [الشورى: 52]، وكَرَّرَ تعالى ضربَ الأمثال على الهداية بالنُّور: ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأنعام: 122]، ﴿أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ *﴾ [الزمر: 22].

- وسَمَّى اللهُ تعالى به رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم؛ ﴿قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ﴾ [المائدة: 15].

- كان من دعائه صلى الله عليه وسلم بعد قيام اللَّيل: «اللهُمَّ اجْعَلْ في قَلْبي نُورًا وفي بَصري نُورًا وَفي سمعي نُورًا وَعنْ يميني نُورًا وَعنْ يَسَاري نُورًا وَفوقي نُورًا وَتحتي نُورًا وأمامي نُورًا وَخلفي نُورًا اجعل لي نُورًا»؛ حيث هذه الأنوارُ تَسُدُّ منافذَ الشَّيْطان.

ذكر الله - تعالى اسمه - عقب آية أمر فيها المؤمنين بغَضِّ أبصارهم وحفظ فروجهم ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [النور: 35]؛ وسرُّ هذا الخبر أنَّ الجزاءَ من جنس العمل؛ فمَنْ غَضَّ بصرَه عن المحرَّمات أطلقَ اللهُ نورَ بصيرته، وقال الله – سبحانه - بعد ذكر قصة قوم لوط وما ابْتُلوا به: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ﴾ [الحجر: 75]؛ وهم المتفرِّسون الذين سلموا من النَّظَر المحرَّم والفاحشة.

- مَنْ غَضَّ بصرَه أَوْرَثَ اللهُ قلبَه نورًا وإشراقًا يتجلَّى في العين وفي الوجه وفي الجوارح؛ كما أنَّ إطلاقَ البصر يورثه ظلمةً تَظْهَرُ في وَجْهه وجوارحه.


24

ذو الجلال والإكرام

﴿تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾ [الرحمن: 78]

مرتان

ذو العظمة والكبرياء؛ وجلالُ الله عظمتُه، والجلل الأمر العظيم، والجلال مصدر الجليل، ولا يقال (الجلال) إلا لله عزَّ وجَلَّ، والإكرام مصدرُ أكرم؛ ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ﴾ [الإسراء: 70].

أَثَرُ الإيمان بالاسم:

- الله – تعالى - مُستحقٌّ أن يُجَلَّ ويُعَظَّمَ ويُكْرَمَ؛ فلا يُجحد ولا يُكفر به.

- حَثَّ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أُمَّتَه على الإكثار من الدُّعاء بهذا الاسم: «أَلظُّوا بيَا ذَا الجلال والإكرام»([26])؛ والإلظاظُ في اللغة الملازَمةُ له والمثابَرةُ عليه والإكثارُ منه؛ حتى يستمدَّ القلبُ (جلالَ الله)، ويُقرَّ في النَّفْس تعظيمَه وهيبتَه؛ فيُكرمه الله ببرِّه ونعمه وفضله دنيا وآخرة.

- وروي أيضًا أنَّ الرسولَ صلى الله عليه وسلم سمع رجلًا يدعو: «اللهمَّ إنِّي أَسألكَ بأَنَّ لكَ الحمدَ لا إلَهَ إلا أنتَ المنَّانُ بَديعُ السماوات والأرض يَا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم». فقال صلى الله عليه وسلم: «دعا اللهَ باسمه الأعْظم الذي إذا دُعي به أجَابَ وإذا سُئل به أعطى»([27]).

- وكان صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثًا وقال: «اللهمَّ أنتَ السلامُ وَمنكَ السَّلامُ تَباركْتَ يَا ذَا الجلالِ وَالإكرامِ»([28]).

- كَرَّمَ الله – تعالى - خَلْقَه وهو يشركهم في جلاله؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: «إنَّ مِنْ إجلال الله إكرامَ ذي الشَّيْبَة المسلم وحامل الْقُرْآن غَيْر الغالي فيه والجافي عنهُ، وإكرام ذي السُّلْطان المقسط»([29]).

- جلالةُ الله تكسو من يُعَظِّمُها جلالةً ونورًا حتى تجعلَه على منابر من نور يَغْبطه عليها الأنبياء؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: «قَالَ اللهُ عز وجلَّ: المتحابُّونَ في جَلالي لَهُمْ مَنَابرُ مِنْ نُور يَغْبطُهُمُ النَّبيُّون والشُّهَداءُ»([30]

المتحابُّون في جلالي: أي لأجل إجلالي و تعظيمي؛ وهو حُبٌّ في ذات الله وجهته لا يَشُوبه الرِّياءُ والهَوَى.


25

مالك الملك

﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ﴾

[آل عمران: 26]

مرتان

المالك لجميع الممالك، وجميع من فيها مماليك له، وهو المالك لخزائن السماوات والأرض؛ بيده الخيرُ يرزق من يشاء.

أَثَرُ الإيمان بالاسم:

- تَفَرُّدُ اللهُ بالملك يوم القيامة؛ ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ [الفاتحة: 4]، وخصَّ يوم الدِّين لأنَّه اليومُ الذي لا يملك فيه أحدٌ شيئًا ممَّا كان في ملكهم في الدنيا!

- من رحمة الله بعباده أنَّه هو الملك الوحيد يوم القيامة؛ لأنَّه يحاسب بالعدل ولا يجور؛ ﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ [فُصِّلَت: 46].


26

المليك

﴿فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ﴾ [القمر: 55]

مرة واحدة

المصرِّفُ لأمور عباده كما يجب؛ جاء على صيغة المبالَغة من ملك.

أَثَرُ الإيمان بالاسم:

سبحانه كل يوم في شأن، يتصرف في ملكوته كيف يشاء؛ ﴿يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ﴾ [الرحمن: 29]؛ عَبَّرَ الرَّسولُ صلى الله عليه وسلم عن تَصَرُّف الله في ملكه في هذه الآية: «مَنْ شَأْنه أن يَغْفر ذَنبًا وَيُفَرِّجَ كربًا وَيرفَعَ قَوْمًا وَيَخفضَ آخرين»([31] وقال تعالى: ﴿يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: 247].

إذا علم العبدُ ما لله من المُلْك حَقَّ عليه ألَّا يشح به؛ لأنَّ ملكَه لما آتاه اللهُ من نعمة ومال وجاه على طريق الوديعة اسْتُخْلف عليه أيَّامًا قليلة؛ فإن رَدَّها إلى مالكها أحسن رَدٍّ عاد  عليه ونال عوضًا منها أرفعَ وأشرفَ مُلْك، وإن نسي أنَّه مُسْتَخْلَفٌ فقط طَغَى وظَنَّ أنَّه المالكُ الحقيقيُّ.


27

الملك

﴿فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ﴾ [المؤمنون: 116]

5 مرات

مُلك الله تعالى وملكوتُه، سلطانُه وعظمتُه وعزَّتُه، والمُلْكُ أَعَمُّ من المالك؛ فالملك صفةٌ لذاته، والمالكُ صفةٌ لفعله.

أَثَرُ الإيمان بالاسم:

من أحكام كَوْنه ملكًا كمالُ الرَّحْمة؛ حيث أثبت لنفسه الملكَ بعدَ أو قبلَ صفة الرَّحْمة؛ ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ [الفاتحة: 3، 4]، ﴿هو الرحمن الرحيم * هو الله الذي لا إله إلا هو الملك﴾ [الحشر: 22، 23]؛ وهذه الآياتُ تَدُلُّ على أنَّ المُلكَ لا يَحْسُنُ ولا يَكْمُلُ إلَّا مع الإحسان والرَّحْمة.

إذا كان المُلك المطْلَقُ لله وحدَه فالطَّاعةُ المطلقةُ له وحدَه؛ لأنَّ مَنْ سواه من ملوك الأرض إنَّما هم عبيدٌ له وتحتَ إمْرَته؛ فالله – تعالى - هو ملك الملوك؛ فَحَريٌّ بنا أن نمثل أنفسنا بين يدي الملك الأعظم المطَّلع على السِّرِّ والعلانية.


28

القدوس

﴿هُوَ اللهُ الّذِي لا إِلَهَ إِلّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ﴾ [الحشر: 23]

مرتان

الطاهر المطهر؛ وممَّا طَهَّرَ وقَدَّسَ به بني آدم ما أنزله في كتبه ورسله، وما شَرَّعه من الطَّهارة بالماء الطَّهور، ثم جعل كلَّ شيء يُسَبِّحُ بحمده؛ فهو (السّبّوح  القدّوس)، وهو صيغةُ مبالغة من القُدْس؛ وهو الطَّهارةُ.

﴿وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ﴾ [البقرة: 30]، نُقَدِّسُ لَكَ: نُطَهِّر أنفسَنا لك، وقيل: نَنْسبك إلى صفاتك الطَّاهرة.

وروحُ القُدُس هو جبريل - عليه السلام - معناه رُوحُ الطَّهارة، وقيل: القُدسُ البركة، والأرضُ المقدَّسةُ هي الأرضُ المبارَكةُ؛ ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ﴾ [الإسراء: 1].

أَثَرُ الإيمان بالاسم:

- اللهُ – سبحانه - هو القُدُّوسُ بكلِّ اعتبار المنَزَّهُ على الإطلاق، وطهارةُ العبد منه وبه.

- وَجَبَ على العبد أن يُقَدِّسَ اللهَ ويُنَزِّهه عن النَّقائص، ثم يُقَدِّسُ نفسَه عن الشَّهوات ومالَه عن الشُّبُهات وقلبَه وجوارحَه عن الغَفَلات؛ فإذا فَعَلَ ذلك اسْتَنَارَ قَلْبُه وظَهَرَ ذلك على ظاهره، وتَعَدَّى لغيره؛ فَيَطْهر بطهارته أهلُه وولدُه.

- كان النبي صلى الله عليه وسلم يُكْثر من ذكر هذا الاسم في رُكوعه وسُجوده: «سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الملائكة والرُّوح»([32]).

- وكان يُسَبِّحُ به إذا سَلَّمَ في الوتر بقوله: «سُبحان الملك القُدوس»([33]).

- نفى صلى الله عليه وسلم صفةَ التَّقْديس عن الأُمَّة الظَّالمة: «لا قُدِّسَتْ أُمةٌ لا يَأْخُذُ الضَّعيفُ فيها حَقَّه غَيْرَ مُتَعْتَع»([34]). المتعتع: المقلق المنزعج، وقال صلى الله عليه وسلم: «كَيف يُقدِّسُ اللهُ أمةً لا يُؤْخَذُ لضعيفهم من شديدهم»([35])؛ فالظُّلمُ يَنْتَقص من طهارة وبركة الأُمَّة.

كتب أبو الدَّرْداء إلى سلمان الفارسيِّ ليهاجر من العراق إلى الأرض المقدَّسَة؛ وهي الشَّام، فَرَدَّ عليه سَلْمان ببلاغة تُوَضِّحُ مفهومَ القداسة: «إنَّ الأرضَ لا تُقَدِّسُ أحدًا؛ وإنَّما يُقَدِّسُ الإنسانَ عَمَلُه»([36]).


29

السلام

﴿هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدّوسُ﴾ [الحشر: 23]

مرة واحدة

السالم من كل عيب و البريء من كلِّ آفة، والسَّالم من مماثَلة خَلْقه ومن كلِّ ما يُنافي كمالَه.

والسَّلامةُ هي البراءة، وقيل: العافية.

أَثَرُ الإيمان بالاسم:

- سلم اللهُ – تعالى - على أنبيائه ورُسُله لإيمانهم وإحسانهم، وليقتدي بذلك البشر؛ فلا يذكرهم أحدٌ بسوء؛ ﴿وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ﴾ [الصافات 181]، ثمَّ أكرمَ اللهُ يحيى - عليه السلام ؛ فَخَصَّه بسلام في مواضع قيل أنها الأكثر وحشةً للخلق؛ ﴿وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا﴾ [مريم: 15]: يوم ولد فيرى نفسه خارجًا مما كان، ويوم يموت فيرى قومًا لم يكن عاينهم، ويوم يبعث فيرى نفسَه في المحشر العظيم.

- قوله تعالى: ﴿السَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى﴾ [طه: 47]: معناه أنَّ مَنْ اتَّبَعَ هدى الله سلم من سَخَطه وعذابه.

- اللهُ يُسَلِّمُ على عباده في الجنة: ﴿سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ﴾ [يس: 58]، والجنَّةُ هي دارُ السَّلام: ﴿لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ [الأنعام: 127].

- وكذا ملائكته؛ فإنَّها تُسَلِّمُ على عباده الصَّالحين عند قَبْض أَرْواحهم وتُطَمئنُهم: ﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [النحل: 32].

- مَنْ علم أنَّ اللهَ السَّلامُ وَجَبَ عليه أن يسلم قلبَه ولسانَه ليكون ممَّن وقع عليهم المعنى في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم: «المسلم مَنْ سَلمَ المسلمون من لسانه ويده، والمهاجرُ مَنْ هَجَرَ ما نَهَى اللهُ عنهُ»([37]).

- ولا يَقفُ عند هذا الحَدِّ مَنْ كَفَّ الأذى؛ بل عليه أن يُؤَدِّيَ حَقَّ اسم الله (السلام)؛ كما قال ابنُ عبَّاس: "السَّلامُ اسمٌ من أسمائه – سبحانه - وَضَعَه في الأرض، فَأَفْشُوه بينَكم».

- ومن فَضْل السَّلام الوصولُ به إلى دار السَّلام؛ حيث كان الأمرُ بإفشاء هذا الاسم لأنَّه سببٌ في دخول الجنة؛ كما أوضح نبيُّ الأُمَّة صلى الله عليه وسلم في حديث أشبه بخريطة بينة المعالم: «لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابُّوا، أَوَلا أَدُلُّكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم! أفشوا السَّلامَ بينَكم»([38]).

- والسَّلامُ من أسباب التآلُف ومفتاحُ جَلْب المودَّة، مع ما فيه من رياضة النَّفْس ولزوم التَّواضُع وتعظيم حُرُمات المسلمين.

- وإذا قال المسلم للمسلم: (السلام عليكم). فكأنَّه يُخْبره بالسَّلامة من جانبه ويُؤَمِّنُه من شَرِّه وغائلته، وأنه سلم له لا حرب عليه.

- وكما فَرَضَ السَّلامَ أَوْجَبَ رَدَّه صلى الله عليه وسلم: «حَقُّ المسلم عَلى المُسلم خَمسٌ؛ رَدُّ السَّلام، وَعيادة المريض، واتِّباعُ الجنائز، وإجابةُ الدَّعوة، وتشميتُ العاطس»([39]).

لا يُقالُ: السلام على الله. فالسَّلامُ من الله وله، وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك وهو يُعْلم أُمَّتَه أَبْلَغَ وأَشْمَلَ صيغ السَّلام بما يُقالُ في التَّشَهُّد الأَوَّل من التَّحيَّات - وهي جمع تحية ومعناها السلام: «إن اللهَ هُوَ السَّلامُ، فإذا صَلَّى أحدُكم فَلْيَقُلْ: التحياتُ لله، والصلواتُ والطَّيِّبات ورحمةُ الله وبركاتُه، السَّلامُ علينا وعلى عباد الله الصَّالحين»، ثُمَّ أَوْضَحَ الرَّسولُ صلى الله عليه وسلم مدى هذا السَّلام في بقيَّة الحديث: «فإنَّكم إذا قُلتموهًا أصابت كُلَّ عَبْد لله صالح في السَّماء والأرض»([40]).


30

المؤمن

﴿هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السّلامُ الْمُؤمِن﴾ [الحشر: 23]

مرة واحدة

الذي آمن خلقَه من ظلمه، وقيل: المُصدِّقُ للمؤمنين بما وَعَدَهم من النَّصْر ومن الثَّواب والمصدِّقُ لأنبيائه بما جاؤوا به بالمبيَّنات والحُجُج؛ ففي اللغة له معنيان: التَّصْديق؛ ﴿وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا﴾ [يوسف: 17]، والثاني الأمان؛ ﴿وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ﴾ [قريش: 4].

أثر الإيمان بالاسم:

- الله تعالى يُؤَمِّنُ عذابَه مَنْ لا يستحقُّه من المؤمنين، ويَهَبُ الأمنَ لعباده؛ ﴿الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ [الأنعام: 82].

- تَرَكَ – تعالى - خيارَ الحصول على منحة الأمن هذه للعبد بعمله؛ ﴿أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آَمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [فصلت: 40].

- وَجَبَ على المؤمن أن يأمن المؤمنون شَرَّه وغوائلَه؛ كما أوضح صلى الله عليه وسلم: «وَالله لا يُؤمنُ والله لا يُؤمنُ والله لا يؤمنُ». قيل: ومَنْ يا رسُولَ الله؟ قال: «الذي لا يأمنُ جاره بوائقه». وفي رواية لمسلم قال صلى الله عليه وسلم: «لا يَدْخُلُ الجنةَ مَنْ لاَ يَأمَنُ جارُه بوائقَهُ»([41]).

- وكما قال صلى الله عليه وسلم: «المؤمن مَنْ أَمنه النَّاسُ عَلى دمائهم وأموالهم»([42]).


31

المهيمن

﴿هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السّلامُ الْمُؤمِن الْمُهَيْمِنُ﴾ [الحشر: 23]

مرة واحدة

- الحافظُ والأمينُ والشَّاهدُ والرَّقيبُ على خَلْقه بأعمالهم.

- الهيمنة: القيامُ على الشَّيء والرِّعاية له.

أثر الإيمان بالاسم:

- الله تعالى هو الشاهد على خلقه لا يغيب عنه شيء ﴿وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ [البقرة: 74].

- من نعم الله على المسلمين أن جعل الله القرآن مهيمنًا على ما قبله من الكتب؛ أي عال عليهم، وقيل: عال بما زاد من السُّوَر؛ مثل الفاتحة وخواتيم البقرة، ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ﴾ [المائدة: 48].


32

العزيز

﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾

[آل عمران: 6]

92 مرة

العزيز: الذي له العزَّةُ كُلُّها بمعانيها الثَّلاث:

1- عزَّةُ القُوَّة: الدالّ عليها من أسمائه القويُّ المتين؛ وهي وَصْفُه العظيمُ الذي لا تُنْسَبُ إليه قُوَّةُ المخلوقات وإن عظمت.

2- عزَّةُ الامتناع: المنيع الذي لا يُنَالُ ولا يُرام جانبه؛ فهو الغنيُّ بذاته فلا يحتاج إلى أحد، ولا يبلغ العبادُ ضره فيضرونه، ولا نفعه فينفعونه؛ بل هو  الضَّارُّ النَّافعُ المعطي المانع؛ فمُمْتَنعٌ أن ينالَه أحدٌ من المخلوقات.

3- عزَّةُ الغَلَبة: قَهَرَ جميعَ الكائنات ودانت له الخليقةُ وخَضَعَتْ لعظمته.

أثر الإيمان بالاسم:

لله – تعالى - جميعُ معاني العزَّة يمنعها ويَهَبُها لمن يشاء؛ ﴿تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ﴾ [آل عمران: 26].

- يريد – سبحانه - أن يُنَبِّهَ ذوي الأَقْدار والهمم من أين تُنالُ العزَّةُ؛ فمَنْ طَلَبَ العزَّةَ من الله وصَدَقَه في طَلَبها بافتقار وخضوع وَجَدَها عندَه غير ممنوعة ولا محجوبة؛ ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [المنافقون: 8].

- أَعَزَّ اللهُ كتابَه؛ ﴿وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ﴾ [فصلت: 41] لأنه كلامه؛ فكلامُه عزيزٌ مُحْكَمٌ محفوظٌ من الباطل.

- صور عزَّته لأنبيائه - عليهم السلام - جاءت في قصصهم التي وردت في القرآن؛ أمَّا صُوَرُ عزَّته للمؤمنين فقد وردت في مواضع؛ منها: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا﴾ [الحج: 38].

- إدراكُ معاني الاسم والإيمان به يعطي المسلم شجاعةً وثقةً كبيرةً به؛ ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾ [الصافات: 180]؛ فالعزيزُ في الدُّنيا والآخرة مَنْ أَعَزَّه الله.

- مَنْ طَلَبَ العزَّةَ في الدُّنيا والآخرة فَلْيَطْلُبْها من ربِّ العزَّة؛ ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا﴾ [فاطر: 10].

- مَنْ كان يُحبُّ أن يكونَ عزيزًا في الدَّارَيْن فَلْيَلْزَمْ طاعةَ الله – تعالى ؛ فإنَّه يَحْصُلُ له مقصوده؛ وبذلك تَعْلَمُ ضلالَ مَنْ بَحَثَ عن العزَّة عند غير الله تعالى المنفرد بالعزَّة؛ حيث يوكله إلى مَنْ طَلَبَها عنده، وهم لا عزَّةَ لهم أو عندهم؛ ﴿الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا﴾ [النساء: 139].

- من أسباب العزَّة العفوُ والتَّواضُعُ؛ قال صلى الله عليه وسلم: «مَا زاد اللهُ عبدًا بعفو إلَّا عزًّا»([43])؛ فمن عفا عن أمر مع قدرته على الانتقام عظم ثوابُه وقَدْرُه.

- العزَّةُ هي لنفس الإنسان؛ لا ليمارسها على غيره من المؤمنين، ولا ليطغى بها كما طغى ابنُ سَلول كبيرُ المنافقين: ﴿يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ﴾ [المنافقين: 8]؛ أي ليخرجنَّ منها الجليلُ الذَّليلَ.

- مدح – تعالى - أقوامًا أدركوا معنى العزَّة التي حازوها: ﴿أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ [المائدة: 54]؛ متَّبعين في ذلك هديَ الرَّسول صلى الله عليه وسلم الذي أمره تعالى: ﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [الحجر: 88].

- مَنْ حاز العزَّةَ وعرف معناها حقًّا فاز بحبِّ الله؛ ﴿فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ [المائدة: 54]؛ فينخلع من قلبه عزَّةُ المخلوق، ومن لسانه تعظيمه، ومن يديه خدمته إلا ما حَضَّ الشَّرعُ عليه.


33

الجبـار

﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ  الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [الحشر: 23]

مرة واحدة

جاء الاسم على ثلاث معان:

1- العالي على خلقه: حيث تسمي العربُ النَّخْلَةَ الطَّويلة (الجبارة).

2- القاهر: لخلقه على ما أراد من أَمْر ونَهْي.

3- جابر كل مكسور: يجبر الكسير ويغني الفقير وييسِّر على المعسر كلَّ عسير، وإذا دعا الداعي فقال: «اللهم أَجْبرْني». فإنَّه يريد هذا الجَبْرَ الذي حقيقتُه إصلاحُ العبد ودَفْعُ جميع المكاره عنه، وأصله من جَبْر الكَسْر.

أثر الإيمان بالاسم:

- مَدَحَ اللهُ – تعالى - نفسَه بهذا الاسم؛ وأمَّا في حَقِّ الخَلْق فهو مذموم، وقد نفى – تعالى - صفةَ الجَبَّار عن عباده وهو ينفيها عن قدوتهم أكرم الخلق صلى الله عليه وسلم: ﴿وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآَنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ *﴾ [ق: 45].

- يجب على المسلم ألَّا يتَّصفَ بهذا الاسم ولا يتعاطاه؛ وإنَّما يَسْتَغيث به وبعزِّ سلطانه تعالى عند غلبة الجبَّارين عليه؛ فالجبروتُ لله وحدَه؛ أما المخلوقُ فهو موصوفٌ بصفات النَّقْص مقهورٌ مجبورٌ أسيرُ جوعه وصريعُ شبعه؛ ومَنْ تَكون هذه صفته كيف يليق به التَّكَبُّرُ والتَّجَبُّر؟!

- أنكرت الرُّسُلُ على أقوامها صفةَ التَّجَبُّر والتَّكَبُّر في الأرض؛ كما قال هود لقومه عاد: ﴿وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ *﴾ [الشعراء: 130، 131]؛ لكنَّهم ﴿جَحَدُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ﴾ [هود: 59]، وحين عاندوا اللهَ الجبَّارَ هَلَكُوا.

- وكان التَّجَبُّرُ سببًا للطَّبْع على قلوبهم؛ فلم تعرف معروفا ولم تنكر منكرًا؛ ﴿كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ﴾ [غافر: 35].

- من صُوَر وَعيد الله المؤلمة للجبابرة يوم القيامة: ﴿وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ * مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ * يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ﴾ [إبراهيم: 15، 16، 17].

وكيف يتجبَّر الجبابرةُ في الأرض والأرض كلُّها خبزة بيد الجبار؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: «تَكون الأرضُ يوم القيامة خُبزةً وَاحدة يتكفؤها الجبارُ بيده كما يكفأ أحدكم خُبزته في السفر؛ نُزلًا لأهل الجنة»([44]).

- كان الرسولُ صلى الله عليه وسلم يدعو بين السَّجْدَتَيْن: «اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني واهدني وارزقني» ([45]).

- مَنْ جَبَرَ اللهُ مصيبتَه رَدَّ عليه ما ذَهَبَ منه وعَوَّضَه.


34

المتكبر

﴿هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ  الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾

[الحشر: 23]

مرة واحدة

الذي تَكَبَّرَ عن كُلِّ ظلم وسوء وشر، والذي تَكَبَّرَ عن صفات الخَلْق فلا شيءَ مثله.

التاء في المتكبر ليست تاء التَّعاطي والتَّكَلُّف؛ كما يقال: فلان يَتَعَظَّمُ وليس بعظيم؛ إنَّما هي تاءُ التَّفَرُّد والتَّخَصُّص؛ فالتَّكَبُّر لا يليق إلا به سبحانه.

أثر الإيمان بالاسم:

- مثل اسم الجبَّار؛ لا حَظَّ للعبد من هذا الاسم سوى الذِّلَّة والافتقار للمتكبِّر سبحانه.

- الكبر كان أَوَّلَ الذُّنوب التي ارتكبها المخلوقُ بحقِّ الخالق حين أبى إبليس طاعةَ أمر الله بالسُّجود لآدم؛ وهو سجود تحية وإكرام، لا سجود عبادة؛ ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾ [البقرة: 34].

- وكما كان الكبرُ سببًا في هلاك وطرد إبليس من رحمة الله كان سببًا في هلاك بعض الأمم السابقة، واستكبارُهم هو برفضهم الانقياد لله ولأوامره وعباده.

- والمتكبِّرُ من الخلق هو مَنْ يَجد في نفسه تَعَزُّزًا واستعلاءً واحتقارًا للغير ورغبةً لن يَبْلُغَها في طَمْس الحقِّ وإعلاء الباطل؛ ﴿إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ﴾ [غافر: 56].

من صور استكبار العبد على مَنْ هم أقلُّ منه مالًا وجاهًا: ﴿قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ﴾ [الشعراء: 111]؛ امتنعوا عن الإيمان بالرسل؛ لأنَّ مَن اتَّبَعَهم كان من ضعفاء الناس وفقرائهم.

- استأثر اللهُ بصفة الكبرياء لنفسه متوعِّدًا مَنْ يُحاول الاتِّصافَ به العقابَ الشَّديد؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: «قَالَ اللهُ - عَزَّ وجلَّ : الكبرياءُ ردائي والعظمةُ إزاري، فمَنْ نازَعَني واحدًا منهما قَذَفْتُه في النار»([46]).

- وصورةُ منازعة العبد لهذه الصِّفة أوضحها الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثه: «لا يَدْخُل الجنةَ مَنْ كَانَ في قَلْبه مثقالُ ذَرَّة من كبر». قال رجلٌ: إنَّ الرجلَ يُحبُّ أن يكون ثوبُهُ حَسَنًا ونَعْلُه حسنة. قال: «إنَّ اللهَ جميلٌ يحب الجمالَ؛ الكبرُ بَطَرُ الحَقِّ وغَمْطُ النَّاس»([47]).

- تَوَعَّدَ اللهُ المتكبِّرين بأشدِّ العذاب يوم القيامة: ﴿أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ﴾ [الزُّمَر: 60].

وقال صلى الله عليه وسلم: «ألا أُخْبرُكم بأهل الجنَّة؛ كُلُّ ضَعيف مُتضعِّف لوْ أَقْسَمَ على الله لأَبَرَّه، ألا أُخبركم بأهل النار؛ كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظ مستكبر» ([48]).

وكره رسول الله صلى الله عليه وسلم التكبر من الناس حتى الفقراء  منهم؛ كما قال: «ثَلاثة لا يُكلمُهمُ اللهُ يَوْمَ الْقيامة ولا يُزكيهمْ». قال أبو معاويةَ: «ولا ينظرُ إليهم ولهم عذابٌ أليمٌ؛ شيخٌ زان وملكٌ كذابٌ وعائلٌ مستكبر»([49]).

الحرمان من دخول الجنة عقاب أخرويٌّ؛ أمَّا في الدُّنيا فيجعل نفسه عُرْضَةً لبطش الله؛ وهو يجعل نفسه من الفئة الممقوتة عنده تعالى: ﴿إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ﴾ [النحل: 23].

كُلُّ ذنب يمكن التَّسَتُّرُ به وإخفاؤه إلا التَّكَبُّر؛ فإنَّه شيءٌ يَلْزَمُهُ الإعلان؛ ودواءُ هذا الكبر أن يتذكَّرَ العبدُ دومًا أنَّه لا حولَ ولا قوةَ إلا بالله، وأنَّه الجبَّارُ المتكبِّرُ على الخلق أجمعين.


35

الخلاق

﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ﴾ [الحجر: 86]

مرتان

الخالق خلقًا من بعد خلق؛ وهو صيغة مبالغة للخلق.

أَثَرُ الإيمان بالاسم:

وجودُ هذا الخلق العظيم المحيط بنا دليلٌ على قدرة الخالق وعلى عظمته وكماله؛ فالإنسانُ يَعْجَزُ في كثير من الأحيان عن معرفة جوانب كثيرة من الأرض التي يعيش عليها مع أنَّها صغيرةٌ جدًّا إذا ما قيست بالنسبة لبقية الكون الفسيح المليء بملايين النجوم والأقمار التي يعجز عن حصرها أو عدِّها؛ وهذا كلُّه في السَّماء الدنيا التي فوقها ستُّ سماوات طباقًا وفوقهن الكرسيُّ والعرشُ أعظم من ذلك، والخالق فوق العرش، وهو جَلَّتْ عظمتُه أكبرُ من كلِّ شيء وأعظم.

وما خَلَقَ اللهُ هذا الخَلْقَ العظيمَ لَهْوًا ولا عَبَثًا؛ إنَّما خَلَقَه لغاية عظيمة؛ ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ﴾ [المؤمنون: 115]، وقد أوضح – تعالى - هذه الغاية في موضع آخر: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56]، عبادة الله الذي يَجْزي المسيءَ السَّيِّئة والمحسن الحسنى.

العدم لا القدم:

أخبر اللهُ – تعالى - عن نفسه أنَّه هو الخالقُ وحدَه وما سواه مخلوق؛ ﴿هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ﴾ [فاطر: 3]؛ كُلُّ ما سوى الله مخلوقٌ محدَثٌ، كائن بعد أن لم يكن، سَبَقَه العَدَمُ؛ ﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا﴾ [الإنسان: 1]، وهذه الآياتُ تَكْشف بوضوح خطأَ وجهلَ الفلاسفة القائلين بقدَم العالم وأبديَّته.

والله لم يَزل خالقًا كيف شاء ومتى شاء؛ ﴿كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [آل عمران: 47].


36

الخالق

﴿هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ﴾ [الحشر: 24]

مرة واحدة

المبدع للخلق، المخترع له على غير مثال سابق، والخلق بمعنى الإيجاد.

أثر الإيمان بالاسم:

- خَلْقُ الله عظيمٌ مُحْكَمٌ؛ فلا يستطيع مخلوقٌ أن يخلق مثله، وقد أثبت اللهُ عجزَهم عن خَلْق كائن ضعيف حقير مثل الذُّباب؛ ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ﴾ [الحج: 73].

- أَثْنَى اللهُ – تعالى - على مَنْ يَنْظُرُ في مخلوقاته متفكِّرًا بها؛ ﴿وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [آل عمران: 191].

- حَثَّ – سبحانه - على النَّظَر والاعتبار بمخلوقاته؛ لا مجرَّد استعمالها والتَّمتُّع بها؛ ﴿أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ﴾ [الغاشية: 17].

- التَّفَكُّرُ في خلق الله للكون يَقودك للتَّفكُّر في خلق الإنسان الذي لن تُعَيِّرُه بقبح خلقته أو بعضها؛ والله القائل: ﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾ [المؤمنون: 14].

- فالقُبْحُ الحقيقيُّ هو الشَّرُّ الكامن داخل بعض الخلق مما نستجير بكلمات الله منه؛ ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ﴾ [الفلق: 1، 2]، وفي السُّنَّة قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ نَزَلَ مَنْزلاً ثم قال: "أعوذُ بكلمات الله التامات من شَرَّ ما خلقَ" لمْ يَضُرَّه شيءٌ حتى يرتحل من منزله ذلك»([50]).

- يَنْبغي لك أن تنظر للفعل الصادر منك؛ هل هو خير أم شر؛ فإن كان خيرًا حَمَدْتَ مولاك على ما أولاك؛ حيث خلقك أهلًا للخير، ولو ترك نفسك وطبعها ولم يقمعها بتقواه لسارت في الشر.


37

البارئ

﴿هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ﴾ [الحشر: 24]

3 مرات

هذا الاسم يحتمل معنيين:

1- الموجد المبدع لما كان في معلومه من أصناف الخلائق؛ وهذا هو الذي يشير إليه قوله - جل وعز : ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ [الحديد: 22]؛ فهو – تعالى - بَرَّأَ الخَلْقَ وأوجدهم من عدم وهو عالمٌ بما أبدع قبل أن يبدع.

2- البارئ الذي فصل ومَيَّزَ الخَلْقَ بعضَه عن بعض، قالب الأعيان؛ أي أنه أبدع الماءَ والترابَ والنارَ والهواءَ من لا شيء، ثم خلق منها الأجسامَ المختلفة؛ كما قال - جل وعز : ﴿إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ﴾ [ص: 71].

فيكون هذا من قولهم برأ القَوَّاس القوس إذا صنعها من موادِّها التي كانت لها؛ فجاءت منها، لا كهيئتها.

البرء هو: الخلق على صفة، والبرء من تبرئة الشيء من الشيء؛ كقولهم برأت من المرض وبرئت من الدين.

والبريَّةُ هم الخلق: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ﴾ [البينة: 7].

رغم أنَّ الأسماءَ الثَّلاثةَ (الخالق، البارئ، المصور) جاءت متلازمة دون حرف عطف بينها، إلا أن هناك فرقًا بينها:

- الخالق: عامٌّ والدِّلالة في كلِّ مخلوق، ويتضمَّن الإيجاد والتَّقْدير، وجاء اسمي البارئ المصور كتفصيل لمعنى اسم الخالق.

- والبارئ: عامٌّ في كلِّ مُبَرَّأ؛ وهو كُلُّ ما وجد بعد أن لم يكن؛ أي مجرَّد الإيجاد دونَ تقدير.

- والمصوِّرُ: يَخْتَصُّ بكلِّ خَلْق له صورة.

- أثر الإيمان بالاسم:

ذُكر اسم البارئ في القرآن ثلاث مرات؛ مرة جاءت كاسم بين اسمي الخالق والمصوِّر: ﴿هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ﴾ [الحشر: 24].

- ومَرَّتَيْن في آية واحدة: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ *﴾ [البقرة: 54]، وفي قوله: (إلى بارئكم): تنبيهٌ على عظم جُرْمهم بعبادة عجل صنعوه من حُليٍّ ذهبيَّة.


38

المصور

﴿هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ﴾ [الحشر: 24]

مرة واحدة

الذي أنشأ خَلْقَه وعَدَلَهم على صور مختلفة وهيئات متباينة من الطُّول والقصر والذُّكورة والأنوثة؛ كُلٌّ على صورته الخاصَّة.

- أثر الإيمان بالإسم:

- مع أنَّ اللهَ خَلَقَ صورَنا إلا أنَّه لا ينظر إليها ولا يَعْتَدُّ بها في الحكم علينا؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: «إنَّ اللهَ لا ينظُرُ إلى أجسادكُمْ ولاَ إلى صُوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم». وأشارَ بِأَصَابعه إلى صَدرِهِ ([51]).

- فسبحانه صَوَّرَنا لنتعارف بصورنا فيما بيننا ولحكمة إلهيَّة هو أعلم بها؛ لا لتكون الشُّغلَ الشَّاغل لنا بأن نظهرها في أحسن حال؛ حتى وإن كان على غَيْر صورتها الحقيقية؛ فمن سياق الحديث نفهم أنَّها مُجَرَّدُ صورة، والأصلُ هو القلبُ.

- حَرَّمَ الله على عباده أن يُصَوِّروا الصُّوَرَ ذات الأرواح؛ لما فيها من مضاهاة لخلق الله، وقد وردت أحاديث كثيرة في وعيد المصوِّرين بأشدّ العذاب، وذَكَرَ القُرْطبيُّ أنَّ التَّصاويرَ هي التماثيل.

- وقد قَسَّمَ النَّوَويُّ المصوِّرين للتماثيل إلى ثلاثة أقسام:

1- من عمل صور لتعبد؛ وهو صانع الأصنام؛ فهذا كافر وأشدُّ عذابًا.

2- من عمل صورة بقصد مضاهاة خلق الله؛ فهذا كافر.

3- من لم يقصد بالصُّور العبادة ولا المضاهاة؛ فهو فاسق صاحب ذنب كبير.


39

القادر

﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ﴾

[الأنعام: 65]

مرتان

الذي له القدرةُ الشاملة؛ فهو القادر على ما يشاء؛ لا يعجزه شيء؛ والقادر بمعنى المقدِّر للشيء؛ ﴿فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ﴾ [المرسلات: 23].

أثر الإيمان بالاسم:

- الله قادرٌ على ما يفعله وما لا يفعله؛ ﴿وَلَوْ شِئْنَا لَآَتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا﴾ [السجدة: 13] ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا﴾ [يونس: 99].

- قدرةُ الإنسان مستعارَةٌ، وهي عنده وديعةٌ من الله – تعالى ، ويجوز عليه العجز في حال والقدرة في أخرى، والله تعالى هو القادر؛ فلا يَتَطَرَّق عليه العجزُ ولا يفوته شيء.


40

القدير

﴿يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ﴾ [الروم: 54]

45 مرة

القويُّ التَّامُّ القدرة؛ والقديرُ أبلغُ في الوصف من القادر، ومن كمال قدرته تدبيرُ الأمور والخلق دون أن يَلْحَقَه إعياءٌ أو ضعفٌ؛ إذا أراد شيئًا قال له: "كن" فيكون، وبقدرته يُقَلِّبُ القلوبَ ويَصْرفها على ما يشاء ويريد.

أثر الإيمان بالاسم:

- اللهُ على كل شيء قدير، لا يمتنع عليه شيء، له القدرة التَّامَّةُ الشَّاملة الكاملة؛ ﴿مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ [الحج: 74]، ومعنى الآية: ما عرفوا اللهَ حقَّ معرفته وما عَظَّموه حَقَّ عَظَمَته؛ وهذه الآية تَكَرَّرَ ذكْرُها في ثلاثة مواضع في القرآن ردًّا على مَنْ أنكر إنزالَ شيء على البشر.


41

المقتدر

﴿كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ﴾ [القمر: 42]

4 مرات

مبالغة في الوصف بالقدرة وهو المظهر قدرته بفعل ما يقدر عليه.

أثر الإيمان بالاسم:

- إذا علم العبد أن ربَّه - عز وجل - قادرٌ لا يعجزه مقدور، خاف عذابه فلا يأمنه إن عصى، وكذلك لا ييأس من رحمته إن لجأ إليه؛ فيرجوه رجاء من يعلم أنَّه قادر على توصيل كلِّ مَرْجُوٍّ.

- للعبد قدرةٌ يكتسب بها ما أقدره الله عليها على مجرى العادة ﴿وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الزخرف: 72]، ﴿فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ﴾ [الأعراف: 39].


42

القاهر

﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ﴾ [الأنعام: 18]

مرتان

القاهر فوق عباده الذي خَضَعَتْ له الرِّقاب وذَلَّتْ له الجبابرة، قهر الخلق كلَّهم بالموت.

أثر الإيمان بالاسم:

- ها هو الموت الذي كتبه الله – تعالى - على عباده لا يستطيع الخلق ردَّه ولا دَفْعَه عن أنفسهم مهما بلغوا من القوَّة والجبروت ما بلغوا.

- وقد ذكر اللهُ الموتَ قريبًا من اسمه (القاهر) ليُذَكِّرَهم أنَّه – تعالى - قد قَهَرَهم به أجمعين: ﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ﴾ [الأنعام: 61].

- والأمراض والمصائب والنَّكبات التي لا يملك النَّاسُ رَدَّها عن أنفسهم هي مما قهرهم بها الله تعالى.


43

القهـار

﴿وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾ [ص: 65]

6 مرات

الذي يَقهر ولا يُقهر بحال؛ قَهَرَ عتاةَ خَلْقه بالعقوبة، ويُدَبِّرُ خَلْقَه بما يريد.

أثر الإيمان بالاسم:

- جادل النَّبيُّ يوسف - عليه السلام - صاحبَيْه في السِّجْن: ﴿يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾ [يوسف: 39]؛ أي أنَّ آلهتَهم مقهورةٌ لله.

- إن اتَّصَفَ المخلوقُ بالقَهْر فهو أمر مذموم؛ لقيامه على الظُّلم والطُّغيان؛ كما قال فرعون ﴿سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ﴾ [الأعراف: 127].

- وزاد تعالى في النَّهي عن القهر بقوله: ﴿فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ﴾ [الضحى: 9]؛ أي لا تظلمه وادفع له حقه، وخَصَّ اليتيمَ لأنَّه لا ناصرَ له غير الله.


44

القوي

﴿وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ﴾

[الشورى: 19]

9 مرات

القوي المقوِّي لغيره؛ قويٌّ لا يَغْلبه غالب؛ القويُّ في بَطْشه، القويُّ التَّامُّ القوة والقدرة.

أثر الإيمان بالاسم:

- كثيرًا ما يَنْسَى الإنسانُ ضَعْفَه وحاجَتَه؛ فيعادي اللهَ ويشرك به، ويفسد في الأرض ويتكبَّر بما حباه الله من نعمة؛ مثال ذلك ذَكَرَه الله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [غافر: 22].

- ثم جاء رَدُّ الله – تعالى - على عاد قوم هود - عليه السلام: ﴿فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً﴾ [فصلت: 15]، وكان عقابُهم من الله ريحًا قَضَتْ عليهم.

- الأمثلةُ في القرآن كثيرة كما هي في الحياة، وما ذكرها كأمثلة إلا رجاء إتقاء الوقوع في مثل تلك الخطايا.

- أول ما يتقوَّى به المؤمن العلم ثم العمل؛ قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «المؤمنُ القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف»([52]).

التَّبَرُّؤُ من القوة:

المسلم المتبرئ من الحَوْل أو القوة يفعل ذلك ليستمدَّ من الله القوَّةَ الحقيقيةَ، وصورة هذا التَّبَرُّؤ هي في حقيقتها كنزٌ من كنوز الجنة كما أشار الرسول صلى الله عليه وسلم لأحد أصحابه: «أَلا أدُلُّك على كلمة هي كنزٌ من كُنُوز الجنَّة: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوة إلا بالله»([53])؛ فهو – تعالى - الذي له القُوَّةُ كُلُّها؛ فلا قوةَ للإنسان إلا بقوة الله وبتوفيقه، ولا حولَ له على اجتناب المعاصي ودفع شرور النفس إلا بالله – تعالى - الذي يَتَفَرَّدُ بالقوَّة: ﴿أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا﴾ [البقرة 165].


45

المتين

﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾ [الذاريات: 58]

مرة واحدة

الشديد القوة الذي لا تنقطع قُوَّتُه، والقوة تَدُلُّ على القدرة التَّامَّة؛ بينما المتانة تَدُلُّ على شدَّة القوَّة لله تعالى.

أثر الإيمان بالاسم:

جاء الاسم لتعظيم ما يمتنع به من اعتصم بحبله وتَمَسَّكَ بعروته الوُثْقَى؛ فهو المتينُ لمن تَعَلَّقَ به وامتنع بجنابه؛ فلا يخاف ولا يُغْلَبُ.


46

الحـق

﴿أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ﴾

[النور: 25]

10 مرات

الحقُّ المتحقِّقُ كونه ووجوده، محق الحق وعده حق، وهو الحق في ذاته وصفاته وأقواله وأفعاله.

سُمي يوم القيامة بـ(الحاقة) لأنَّه يتحقَّقُ فيها الوَعْدُ والوعيد: ﴿الْحَاقَّةُ * مَا الْحَاقَّةُ﴾ [الحاقة: 1، 2].

أثر الإيمان بالاسم:

- لمَّا كان اللهُ هو الحقُّ ويحب الحق ويأمر به، فإنه لا يستحيي من بيانه للناس بما يفهمونه؛ ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ﴾ [البقرة: 26].

- وفي التأكيد على عدم الحياء من الحقِّ قال تعالى: ﴿وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ﴾ [الأحزاب: 53]؛ حيث جاء للأمر بالحقِّ والحثِّ عليه في سائر شؤون الناس؛ لأنه صلاحُهم في معاشهم ومعادهم، وفي ترك الحقِّ حياءًا أو خوفًا أو مداهَنة فسادٌ في حياة الناس.

- ومنح الله الحقَّ قوةً يَغْلب بها الباطلَ؛ ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ﴾ [الأنبياء: 18].

- مع هذا الصراع الأَزَليِّ بينهما لا يَجْتَمع الحقُّ والباطل أبدًا؛ ﴿فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ﴾ [يونس: 32]؛ فحضورُ الحقِّ كفيلٌ بزَوَال الباطل؛ ﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾ [الإسراء: 81].

- كان من دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم في قيامه بالليل: «ولكَ الْحمْدُ أَنتَ الحقُّ ووَعْدُك الحقُّ وَلقاؤك حقٌّ وقولُك حقٌّ والجنةُ حقٌّ والنَّارُ حقٌّ والنبيونَ حَقٌّ وَمُحَمَّدٌ حَقٌّ والساعةُ حقٌّ»([54]).


47

المبين

﴿أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ﴾

[النور: 25]

مرة واحـدة

البَيِّنُ أمره المبين لعباده سبيلَ الرَّشاد والموضِّح لهم الأعمال الموجبة لثوابه والأعمال الموجبة لعقابه، والمبيِّن لهم ما يأتونه ويَذَرونه.

وجاء ارتباطه باسم (الحق) حيث الله هو الحق الذي يبين لهم الحقائق.

أثر الإيمان بالاسم:

- في القرآن البيان البَيِّنُ الواضحُ لكلِّ ما يحتاجه بنو الإنسان في حياتهم بأروع عبارة وأجمل أسلوب، وفيه بيان كُلِّ شيء من البداية للنهاية، حتى يستقرَّ أهلُ الجنة في نعيمهم وأهلُ النار في جحيمهم؛ ﴿جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ﴾ [المائدة: 15].

- سَمَّى الله تعالى رسولَه - صلى الله عليه وسلم - بالمبين تأكيدًا على بيان رسالته للبشريَّة؛ ﴿وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ﴾ [الحجر: 89].

- وَرَدَ اسمُ (المبين) مرَّةً واحدةً فقط في القرآن؛ وذلك في أعقاب اتِّهام المنافقين لأمِّ المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - في حادثة الإفك، فَأَظْهَرَ اللهُ براءتَها وأبان للمسلمين طهارتَها ومكانتَها؛ ﴿يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ *﴾ [النور: 25].


48

السميع

﴿فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [البقرة: 137]

45 مرة

سمعه تعالى نوعان:

- أحدهما: سمعه لجميع الأصوات الظاهرة والباطنة، الخفية والجلية، وإحاطته التامة بها.

- والثاني: استجابة دعاء الدَّاعين وقبول العمل من العابدين؛ فيصيبهم ويثيبهم.

- وَوَرَدَ الاسمُ مَقْرونًا بغيره (سميع عليم، سميع بصير، سميع قريب) دلالةً على الإحاطة بالخَلْق؛ وفي ذلك تنبيهٌ للعاقل وتذكيرٌ؛ كي يراقبَ نفسَه وما يصدر عنها من أقوال وأفعال.

أثر الإيمان بالاسم:

- الله هو الذي يسمع المناجاة ويجيب الدُّعاءَ عند الاضطرار ويكشف السُّوءَ ويَقْبل الطَّاعة؛ فكيف تلجأ لغيره بالشكوى، وكيف يبلغ بك اليأس حدًّا قد تصرخ معه ثم تتباكى على جنبات هذه الصَّرْخة بأنها صارت صرخة في واد.

- السَّمعُ أعلى درجات الحواسِّ في الإنسان؛ حتى أنَّه قُدِّمَ على البصر؛ لكن مهما حاولتَ تَصَوُّرَ مدى سمع الله فسيقصر تَصَوُّرُك عن كُنْه هذا السَّمْع؛ ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى: 11].

- الله تعالى سميع لدعاء خلقه على اختلاف ألسنتهم ولغاتهم، يعلم ما في قلب القائل قبل أن يقول، وإن عجز عن التعبير عنه فيعطيه اللهُ ما في قلبه وإن لم يتلفظ به؛ كما سمع دعاءَ زكريا - عليه السلام : ﴿إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا﴾ [مريم: 3].

- جاء اقترانُ (السميع) بـ (العليم) في أدعية الأنبياء الواردة في القرآن مناسبًا لأن يَختم الدعاءَ بالتَّوَسُّل إلى الله – سبحانه - باستجابة الدعاء بهذين الاسمين؛ فالسميع بمعنى السامع للدعاء أو مجيب الدعاء، والعليم بحال الداعي وحاجته؛ فإنَّ البشرَ لو سألَ بشرًا مثلَه لا بُدَّ له أن يُعْلمه بحاله وما فيه من العَوْز؛ أما الله - سبحانه وتعالى - لا يخفى عليه شيء من حال الدَّاعي؛ فهو السَّامع لدعائه العالم بحاله.

- أدرك الأقربون لله - وهم رسله - أنَّ ما من سميع لشكواهم وحاجتهم وأعمالهم إلا الله، فدعا زكريا - عليه السلام - ربَّه سائلًا إيَّاه الذُّرِّيَّةَ الصَّالحة وهو يتضرع؛ ﴿إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ﴾ [آل عمران: 38].

- وأَثْنَى إبراهيم - عليه السلام - على ربِّه باسم السَّميع؛ ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ﴾ [إبراهيم: 39]، ثم سأل الله بهذا الاسم حين أنهى وابنه إسماعيل - عليه السلام - بناءَ الكعبة؛ ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [البقرة: 127].

- وسألت امرأةُ عمران قبولَ الله لعملها حين نذرت ما في بطنها تقرُّبًا وتضرُّعًا لله؛ ﴿رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [آل عمران: 35].

- ولما ضاقت على يوسف - عليه السلام - مكائدُ النساء حوله، دعا ربَّه؛ ﴿فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [يوسف: 34].

- وما الهمُّ والحزن وتداعياته من وسوسة وشَكٍّ وقَهْر وكآبة إلا من شيطان أَمَرَنا الله بالتَّحَرُّز منه؛ ﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [فصلت: 36]؛ فالله سميع بجهل الجاهل عليك، عليم بما يذهب عنك نزغ الشيطان وأذى خلقه؛ ﴿فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [البقرة: 137].

- ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا﴾ [المجادلة: 1]، وعن الآية قالت عائشة - رضي الله عنها : «تبارك الذي وسع سمعُه الأصوات؛ لقد جاءت المجادلة تشتكي إلى رسول الله وأنا في جانب الحجرة، وإنَّه لَيَخْفَى عليَّ بعضُ كلامها»؛ فسبحانه: ﴿يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [الأنبياء: 4].

- وقد أنزل الله قرآنًا في ثلاثة رجال تحاوروا عند بيت الله مشكِّكين في قدرة الله؛ «أترون أن الله يسمع ما نقول؟» فأنزل اللهُ تعالى: ﴿وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ﴾ [فصلت: 22]، وبَيَّنَ – تعالى - قدرتَه في موضع آخر: ﴿أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ﴾ [الزخرف: 80].

- وقال الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه حين رفعوا أصواتهم بالتكبير: «أَيُّها النَّاسُ، أَرْبعوا على أنفسكم؛ فإنَّكم لا تدعون أصمَّ ولا غائبًا؛ ولكن تدعون سميعًا بصيرًا»([55]).

ومعنى قولنا: (سَمعَ الله لمن حمده): أي "قَبلَ الله حَمْدَ مَنْ حَمدَه".

- إن احْتَجْتَ أن تُسمع هَمَّكَ لأحد فلا تَذْهَبْ بعيدًا عن الله السَّميع المجيب؛ إنَّه يسمع السِّرَّ والنَّجْوَى، ويَسْمَعُ الشَّكْوى؛ يَسْمَعُ ويُجيب إجابةً لا تجدها عند غيره، يرفع عنك الحزن ويطيح عنك الهمَّ؛ ﴿وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [يونس: 65].


49

البصـير

﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى: 11]

4 مرات

للبصر معنيان:

- الأول: أنَّه بصر يرى به - سبحانه وتعالى - كلَّ شيء وإن رَقَّ وصغر؛ فيبصر دبيبَ النَّمْلة السَّوداء على الصَّخْرة الصَّمَّاء في الليلة الظَّلْماء، وجميع أعضائها الباطنة والظاهرة، وسريان القوت في أعضائها الدقيقة، ويُبْصر ما تحت الأراضين السَّبْع، وما فوق السماوات السَّبْع، وكل خفايا الأمور.

- والثاني: أنَّه ذو البصيرة بالأشياء الخبير بها؛ خبير بخلقه وأحوالهم وأفعالهم: ﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [الحديد: 4].

وكثيرًا ما يَقْرن اللهُ بينَ (السميع والبصير)؛ فكلٌّ من السَّمْع والبصر محيطٌ بجميع متعلِّقاته الظَّاهرة والباطنة.

البصيرة: العلم والفطنة.

أثر الإيمان بالاسم:

- الله تعالى بصيرٌ بمَنْ يَسْتَحقُّ الهدايةَ من عباده وبصيرٌ بمن يَصْلح حالُه بالغنى والمال، وبمن يفسد حاله بذلك؛ ﴿وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ﴾ [الشورى: 27].

- التَّقْوَى من أَهَمِّ أسباب حصول البصيرة للإنسان؛ حيث لم يردْ في القرآن صفةُ إبصار للإنسان سوى مرة واحدة في هذه الآية؛ ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ﴾ [الأعراف: 201]؛ لذلك جاء أمرُ الله لعبده بالتَّقْوى مقرونًا باسم البصير؛ ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [البقرة: 233].

- الإخلاصُ في العمل هو من آثار الإيمان بهذا الاسم؛ حيث تكررت ﴿بمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ 14 مرة في القرآن الكريم؛ تأكيدًا على اطِّلاع الله على عمل الإنسان.

- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مقام الإحسان؛ وهو أعلى مقامات الطاعة: «أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فإنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإنَّهُ يَرَاكَ»([56])؛ فمَنْ علم أنَّ ربَّه مُطَّلعٌ عليه استحيى أن يراه على معصية أو فيما لا يحب، ومن علم أنه يراه أحسن عملَه وعبادتَه وأخلص فيها.

- هناك فرقٌ بين النَّظَر والبصيرة لدى الإنسان أوضحه الله تعالى: ﴿وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ﴾ [الأعراف: 198].

 وفي موضع آخر أوضح الله تعالى مصدرَ البصيرة؛ وهو القلب وليس العين: ﴿فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ [الحج: 46].


50

العليم

﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: 231]

157 مرة

متضمِّنٌ للعلم الكامل الشَّامل الذي لم يسبق بجهل ولا يلحقه نسيان.

أثر الإيمان بالاسم:

- الله تعالى ﴿وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾ [طه: 98]، وخَلْقُه ﴿لَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ﴾ [البقرة: 255]؛ فإن وَهَبَ اللهُ أحدًا علمًا بقي هو تعالى ﴿فَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾ [يوسف: 76].

- وقد اسْتَأْثَرَ بمفاتيح الغيب الخمسة؛ ﴿إنَّ اللهَ عنده علمُ السَّاعة ويُنَزِّلُ الغيثَ ويَعْلَمُ ما في الأرحام وما تَدْري نفسٌ ماذا تَكْسبُ غدًا وما تَدْري نفسٌ بأَيِّ أَرْض تَموت إنَّ اللهَ عليمٌ خبيرٌ﴾. لقمان: 34، وبَيَّنَ تعالى قصورَ علم الخَلْق عن الغيب؛ ﴿وَعندَه مَفَاتحُ الغَيْب لا يَعْلَمها إلَّا هو﴾. [الأنعام: 59]؛ حتَّى الأنبياء لا يَعْلمون الغيبَ؛ كما قالت عائشة - رضي الله عنها: «مَنْ زَعَمَ أنهُ - أي الرسول - يُخبرُ بما يَكُونُ في غد فقد أَعظَم على الله الفريةَ و الله يَقولُ ﴿قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ﴾. [النَّمْل: 65]» ([57]).

- ومن آيات علم الله بما كان وسيكون (اللوح المحفوظ) الذي مكتوب فيه مجريات الكون والمخلوقات؛ ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ [الحديد: 22].

- وعلمه تعالى يَشْمَلُ الظَّاهرَ كما يَشْمَلُ الأسرارَ في القلوب؛ ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ [آل عمران: 119]؛ تَكَرَّرَتْ هذه الآية مرَّتان وفي الثالثة عشر قال تعالى: ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾ [غافر: 19] تأكيدًا على علم الله بما تُضْمره الصُّدورُ من خير وشر، وأهمية النِّيَّة، وتحذيرًا من انحرافها؛ ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ﴾ [البقرة: 235]، وقال صلى الله عليه وسلم: «إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّات وإنَّما لكلَِّ امرئ ما نَوى»([58])؛ أي يُثاب على عمله بنيَّته وليس بالعمل، وقيل: توزن الأعمال يوم القيامة بنواياها.

- مَنْ تَدَبَّرَ اسمَ العليم علم أنَّ العلمَ كلَّه بجميع وجوهه واعتباراته لله تعالى؛ فلا يَعْلَمُ الخَلْقُ شيئًا من ذات الله وصفاته إلَّا ما أَطْلَعَهم عليه، ويقصر فهمها عن إدراك عظمتها وعظمة ملكوته، إلا مَنْ شاء اللهُ له الهدايةَ وفتح عليه من  أبواب العلم بقدر أوضحه تعالى: ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الإسراء: 85]؛ فالعلم أصلُ الخصال الشَّريفة، والعلم يَرْقَى بالإنسان إلى المنازل الرفيعة المنيفة من الشرف الذي هو الاتِّصافُ بكلِّ خُلُق عال وتجنُّب كلِّ دنيء، ولا يُتَوَصَّلُ لهذه المنزلة ويُرْتَقى لهذه المرتبة إلا بالعلم والمداومة عليه والمداومة على سؤال الله إياه؛ تَمَثُّلًا بدعاء الرَّسول الذي عَلَّمه إيَّاه الله: ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ [طه: 114].


51

الخبـير

﴿وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ﴾

[الأنعام: 18]

45 مرة

العليمُ بسائر عباده، الخبيرُ بأمورهم؛ فهو العالمُ بكُنْه الشَّيء المطَّلع على حقيقته، لا يَعْزب عنه مثقالُ ذَرَّة ولا يَتَحَرَّك ولا يَسْكُن إلَّا وعنده خبره.

وهو بمعنى العليم؛ لكن العليم إذا أضيف إلى الخفايا الباطنة سُمِّي خبرة وسُمِّي صاحبُها خبيرًا.

أَثَرُ الإيمان بالاسم:

جاء في إخباره – تعالى - باسم الخبير تحريض على التَّقْوَى وتحذير من المعصية وحَضٌّ على الطَّاعة ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [المائدة: 8].

- أخبرَ اللهُ تعالى عن مفاتيح الغيب، وهي غَيْبيَّةٌ مستقبليَّةٌ؛ ولا يُخْبر بمثل هذه الأمور كلِّها إلَّا الله وحده؛ ﴿وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ﴾ [فاطر: 14].

- جديرٌ بالعبد أن يكون خبيرًا بما يَجْري في عالمَه الدَّاخليِّ قبل الخارجيِّ، وعالمُه الدَّاخليُّ هو قلبُه وبَدَنُه، والخفايا التي يتصف القلب بها من الغشِّ والخيانة وإضمار الشَّرِّ وإظهار الخير؛ فقد تخدع النَّفْسُ صاحبَها بالتَّجَمُّل وإظهار الإخلاص وهي مفلسة منه، ومثل تلك الخدع النَّفْسيَّة يكتشفها العبد إن كان قد خبر نفسه وعرف مكرَها وتلبيسَها وخدعَها؛ فيمتنع عن الوقوع في خدع وهوى النَّفْس.

- مَنْ تَشَكَّلَتْ لديه خبرةٌ في نفسه، تشكَّلَتْ لديه القدرةُ على تكوين خبرة بالعالم الخارجيِّ المحيط به؛ فتعلم قدماه أي أرض تمشي عليها، وهو يعلم حكمة الله من الخلق والنِّعَم والمصائب؛ فلا يقع في فتن الخلق ولا مكائد الشَّيْطان.


52

الشهيد

﴿إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾

[الحج: 17]

18 مرة

الذي شهد لعباده وعليهم بما عملوه ويشهد عليهم يوم القيامة بما علم وشاهد منهم.

والشهيد بمعنى عليم؛ فإذا اعتبر العلم مطلقًا فهو عليم، وإذا أضيف إلى الغيب والأمور الباطنة فهو الخبير، وإذا أضيف إلى الأمور الظاهرة فهو الشهيد.

أثرُ الإيمان بالاسم:

- الله تعالى عالمُ الغيب والشهادة يقضي بين عباده بعلمه وسمعه وبصره الذي لم يفارقهم في الدُّنيا طرفةَ عين.

- شهادة الله تعالى هي الأعظم؛ ﴿قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ﴾ [الأنعام: 19]؛ فشهادتُه – سبحانه - لا غَلَطَ فيها ولا ظلم.

- شهد اللهُ لنفسه بالوحدانية ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ [آل عمران: 18] فتضمنت الآية أعظم شهادة من أعظم شهيد.

- وهو أيضًا الشَّاهدُ للمظلوم الذي لا شاهد له ولا ناصر على الظالم؛ لينتصف له.

- من قُتل في سبيل الله يسمى شهيدًا، وقد تعدَّدت الأقوالُ في سبب تلك التسمية؛ قيل: لأنَّ ملائكةَ الرحمن يَحْضرون ويشهدون ويرفعون روحَه، وقيل أنَّه شهيد مبالغة من شاهد؛ فهو قد شاهد ما أَعَدَّ له اللهُ من الدَّرجات، وقيل: سُمِّي بذلك لأنه من جملة من سيشهد يوم القيامة على الأمم السابقة، وقول آخر اعتبر الشهيد هو الحيّ؛ لأنَّ مَنْ كان حيًّا كان مشاهدًا للأحوال؛ ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ [آل عمران: 169].

- سمى الله - عز وجل - الرسولَ صلى الله عليه وسلم وأُمَّتَه بالشُّهداء؛ حيث يَشْهدون على الأمم السَّابقة يوم القيامة؛ ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ [البقرة: 143].

- وكما جعلنا الله شهداء في الآخرة حرص على شهادتنا في الدنيا بألا تكون إلا بالعلم؛ ﴿إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [الزخرف: 86].

- كَرَّمَ اللهُ الشهادةَ والشَّاهدَ بأن شرط بأن يكون من أهل العدالة؛ ﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ [الطلاق: 2]؛ أي عدل لا يتبع ما ينتقص من مروءته.

- واشتدَّتْ مكانةُ الشَّهادة التي وَجَبَ أن تكونَ دائمًا ظاهرةً؛ فحرم – تعالى – إخفاءها: ﴿وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آَثِمٌ قَلْبُهُ﴾ [البقرة: 283]، وخَصَّ القلبَ لأنَّه المحتملُ للشهادة.

- شَدَّدَ الله – تعالى - على تحريف الشَّهادة أو الكذب بها وهو يذكرها عقب عبادة الأوثان؛ ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ﴾ [الحج: 30].

- مَنْ كان شاهدًا فالله شهيدٌ عليه؛ ﴿وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ﴾ [يونس: 61].


53

الحسيب

﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا﴾ [النساء: 86]

3 مرات

الحسيب بمعنى الكافي عبدَه المتوكِّل عليه؛ ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ [الطلاق: 3]؛ أي كافيه أمورَ دينه ودنياه.

والحسيب هو المحاسب والمجازي لعباده بالخير والشر والحفيظ عليهم ﴿وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا﴾ [النساء: 6].

أثر الإيمان بالاسم:

- اللهُ حسيبُ كلِّ أحد وكافيه؛ فلا يُظن أنَّ الطفلَ الذي يحتاج إلى أمِّه ترضعه وتتعهَّده ليس الله حسيبَه وكافيه؛ بل كَفاه إذ خلق أمَّه وخلق الشَّفقةَ في قلبها عليه، وخلق اللبنَ في ثديها وهداه لالتقامه.

- أثنى الله على أهل التوحيد والتَّوَكُّل من عباده؛ حيث أفردوه بالحسب فكفاهم؛ ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ [آل عمران: 173]، عن ابن عباس: "(حَسْبُنا الله ونعم الوكيلُ) قالها إبراهيمُ - عليه السلام - حين ألقي في النَّار، وقالهَا مُحمَّدٌ صلى الله عليه وسلم حين قالوا ﴿فَاخْشَوْهُمْ﴾".

- ولام الله تعالى المنافقين ممَّن إذا أعطاهم الرسول صلى الله عليه وسلم من الصَّدَقة رضوا، وإن منعهم سخطوا؛ ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ﴾ [التوبة: 58-59]؛ فَتَضَمَّنَت هذه الآية الكريمة أدبًا عظيمًا وسرًا شريفًا؛ وهو الرِّضا بما آتاه الله ورسوله، والتَّوَكُّلُ على الله وحده؛ وهو قولُه: ﴿قَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ﴾.

- أعمالُ الإنسان كلُّها محسوبةٌ محصاةٌ لا يضيع منها شيء ولا يُزاد عليها؛ ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ﴾ [الأنبياء: 47]، فليحاسب نفسه قبل أن يحاسب.

- حساب الخلق لا مَشَقَّةَ فيه على الخالق الحسيب؛ ﴿ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ﴾ [الأنعام: 62].

- على العبد أن يحتسب اللهَ في كلِّ شيء حتى معرفته بالناس؛ فقد أَثْنى رجلٌ على رجل عند النبيِّ فقال صلى الله عليه وسلم: «ويلكَ قَطعت عُنقَ صَاحبكَ قَطعتَ عُنَقَ صاحبك». مرارًا، ثم قال: «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَادحًا أخاهُ لا مَحَالَةَ فَليقُلْ: أحسبُ فُلانًا، وَاللهُ حَسيبهُ، ولا أُزَكِّي على الله أَحَدًا؛ أحسبهُ كَذا وكذا إن كان يَعْلمُ ذَلك مِنْهُ»([59]).

الاحتساب: هو طَلَبُ الأَجْر من الله تعالى خالصًا.

أمثلة على جزاء الاحتساب:

1- نيل المبتغي لك ما احتسبت:

كان رجلٌ من الأنصار لا يترك الصَّلاةَ مع الرَّسول رغمَ أن بيتَه أقصى بيت في المدينة، فأشار عليه أُبَيّ بن كعب رضي الله عنه: «لو أنك اشتريتَ حمارًا يقيكَ من الرَّمْضاء ويقيك من هوام الأرض». فقال: «أمَا والله ما أحبُّ أن بيتي مُطَنَّبٌ ببيت مُحمَّد صلى الله عليه وسلم ». فَظَنَّ أُبَيُّ بن كعب أن قولَه بشعًا في حقِّ الرَّسول، فأخبر به الرَّسول صلى الله عليه وسلم فَدعَاهُ فقال لهُ مثل ذلك وذكر له: «أنه يَرْجو في أَثره الأجر»، فقال له صلى الله عليه وسلم: «إن لك ما احتسبتَ»([60]). مُطَنَّبٌ: مشدودٌ بالأَطْناب؛ (وهي الحبال) لبيت رسول الله؛ والمعنى: بل أحبُّ أن يكون بعيدًا عنه لتكثير ثوابي وخطاي إليه.

2- محوُ الخطايا بشهادة مشروطة بالاحتساب:

روي أنَّ رجلًا قال: «يا رسولَ الله، أرأيتَ إن قتلتُ في سبيل الله تُكفِّر عنِّي خطاياي». فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعمْ؛ إن قتلتَ في سبيل الله وأنت صابرٌ مُحتسبٌ مُقبلٌ غير مدبر»([61]).

3- الجنة، "ثمَّ احتسبه إلا الجنة":

قال صلى الله عليه وسلم: «يقولُ الله تعالى: مَا لعبدي المؤمن عندي جزاءٌ إذا قَبَضْتُ صَفيَّه من أَهْل الدُّنْيا ثم احْتَسَبَه إلَّا الجَنَّة»([62]).

قَبَضْتُ صَفيَّه: وهو الحبيب المصافي كالولد والأخ وكُلِّ مَنْ يُحبُّه الإنسان؛ والمراد بالقبض قبضُ روحه؛ وهو الموت.

ثم احتسبه: صَبَرَ على فَقْده راجيًا الأجرَ من الله على ذلك.


54

الرقيب

﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا﴾

[الأحزاب: 52]

3 مرات

القائم على كلِّ نفس بما كسبت، المطَّلع على ما أكنَّتْه الصُّدور، المراعي لأحوال العبد، الحافظ له، المحصي جميع أعماله.

أثر الإيمان بالاسم:

- على العبد أن يعلم أن الله تعالى هو الرقيب على عباده الذي يراقب أقوالهم وأفعالهم وما يجول في قلوبهم وخواطرهم، لا يخرج أحدًا من خلقه عن ذلك.

- استشعارُك مراقبةَ الله تعالى يَمْنحُك القربَ منه حتى تجد نفسَك مع المداومة عليها وقد أصبحت في معيَّة الله الخاصة؛ فَتَيَقُّنُك بمراقبة الله يَرْفَعُ مستوى التَّقْوَى لديك، ثم لا تزال ترتفع حتى تجد نفسَك في حالة عميقة من السَّعادة الحقيقيَّة، تنسى كيف وصلتَ إليها أو متى بدأتَها، ثم ما تَلْبَثُ أن تَعْرفَ أنَّ معيَّةَ الله تعالى تَمْنَحُكَ انشراحًا في الصَّدْر ومَسَرَّةً في القلب وقرَّةً للعين؛ فارتباطُ التَّقْوَى بالمراقبة قال عنه - تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1]؛ فلزم العبدَ أن يراقب نفسه في عمله ودوافع عمله؛ أهي لهوى في النَّفْس أم لله – تعالى؛ فإن كان لله أمضاه وإلا تركه؛ وهذا هو الإخلاص؛ فمراقبة النِّيَّة وإصلاحها مع اليقين أنَّ اللهَ عليم بها يُجازي عليها من الله؛ كما جاء في حديث عَدَّه العلماءُ رُبْعَ الدِّين وجعله البخاريُّ الحديث رقم (1) في صحيحه: «لكُلِّ امرئٍ ما نَوى».

 - ولا يقف هنا مكتفيًا بنيَّته؛ لأن رقابةَ الله عليه دائمةٌ ومستمرةٌ؛ فيجب أن يستمرَّ في الإتقان والإخلاص والالتزام بالعمل حتى النهاية؛ تَمَثُّلاً بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إنْ قَامَت السَّاعةُ وَبيد أحدكُم فسيلةٌ فَإن استطاعَ أَنْ لا يَقُوم حتَّى يَغْرِسَهَا فَليَفْعَلْ»([63]).

 وفي باب حفظ اللسان قَرَنَ البخاريُّ في صحيحه بين حديث الرَّسول صلى الله عليه وسلم: «وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بالله وَاليَوْم الآخر فَليَقُلْ خَيْرًا أَوْ ليَصْمُتْ»([64] وبين قوله تعالى: ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ [ق: 18].

- استشعارُ العبد رقابةَ الله عليه من أعلى أعمال القلوب التي تصل به لأعلى مقامات الطاعة؛ وهو مقام الإحسان؛ فَتَعْبد اللهَ كأنَّك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.


55

القريب

﴿إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ﴾ [سبأ: 50]

3 مرات

قريبُ الإجابة للدُّعاء قريبٌ ممَّن أَخْلَصَ له العبادةَ ورغب إليه في التَّوبة وقَرَّبه من عباده بتقرُّبهم إليه.

وهذا القرب لا تُدرك له حقيقة؛ وإنما تُعلم آثارُه من لطفه بعبده وعنايته به وتوفيقه وتسديده، ومن آثاره الإجابة للدَّاعين والإثابة للعابدين.

وقُرْبُه نوعان:

1- قرب عامٌّ من كل أحد يعلمه، وإحاطته، ومراقبته.

2- قرب خاصٌّ من عابديه، وسائليه، ومجيبيه؛ وهو قربٌ يقتضي المحبَّةَ والنُّصْرة والإجابة للدَّاعين والقبول والإثابة.

أثر الإيمان بالاسم:

- وصف - عز وجل - نفسه بالقرب من داعيه؛ ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ﴾ [البقرة: 186].

- مواضعُ القرب من الله تعالى هي مواضع إجابة الدعاء.

- أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بالتَّقَرُّب إليه سجودًا؛ ﴿وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ﴾ [العلق: 19].

وقال صلى الله عليه وسلم: «أَقربُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبَّهِ وَهُوَ سَاجدٌ فأكثروا الدُّعَاءَ»([65]) .

- وقال صلى الله عليه وسلم في حديث قدسيٍّ: «.. وَمَا تَقَرَّبَ إليَّ عَبْدي بِشَيء أَحَبَّ إليَّ مما افترضتُ عليه، وما يزالُ عبدي يَتَقربُ إليَّ بالنَّوافل حتى أُحبَّهُ» ([66]).

- وفي حديث قدسيٍّ آخر يوضح مسافات القرب: «.. وإنْ تَقَرَّبَ إليَّ بشبر تَقربتُ إليه ذراعًا، وَإنْ تَقرَّبَ إليَّ ذراعًا تَقَرَّبتُ إليه باعًا، وإن أتاني يمشي أتيتُهُ هَرْوَلة»([67]).

- وقال صلى الله عليه وسلم: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الربُّ منَ الْعَبْد في جوف الليل الآخر فَإنِ استطعتَ أَنْ تَكُون ممن يذْكُر الله في تلك الساعة فكن»([68]).

- قَسَّمَ اللهُ الخَلْقَ يومَ القيامة لثلاثة أصناف؛ صنف في النار - وهم أصحاب الشمال - وصنفين في الجنة - وهم أصحاب اليمين - وصنف أعلى منزلة منهم، وهم المقرَّبون.

- لئن تَطَلَّعْتَ لقرب الله كنتَ من الموعودين بالنَّعيم؛ ﴿عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ﴾ [المطففين: 28]؛ عين شراب خالصة للمقرَّبين الذين هم أعلى الخلق منزلة، ثم تكون لغيرهم وهم أصحاب اليمين ممزوجة بأشربة أخرى.

- كلَّما كَمَّلَ العبدُ مراتبَ العبوديَّة كان أقربَ إلى الله.


56

المجيب

﴿إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ﴾

[هود: 61]

مرتان

الذي يُنيلُ سائلَه ما يريد، ويجيب المضطرَّ إذا دعاه ويَكْشف السُّوء؛ قال تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة: 186].

وإجابتُه – تعالى - نوعان:

1- إجابةٌ عامَّةٌ لكلِّ مَنْ دعاه دعاءَ عبادة أو دعاءَ مسألة؛ قال تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر: 60]؛ فدعاءُ المسألة: يقول العبدُ: اللَّهمَّ أَعْطني. أو: اللَّهمَّ ادفع عني. فهذا يقع من البَرِّ والفاجر.

2- إجابة خاصَّةٌ للمضطَّرِّ: ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ﴾ [النمل: 62]، والمريض، والمظلوم، والصائم، والوالد لولده، وفي أوقات وأحوال إجابة الدعاء الخاصة.

 اقْتَرَنَ اسمُ المجيب بـ (القريب) في القرآن: ﴿إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ﴾ [هود: 61]، وفي قوله: ﴿فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ﴾ [البقرة: 186]؛ لأنه قربٌ يَقْتَضي إجابتَه لدعواتهم.

أَثَرُ الإيمان بالاسم:

- ينبغي للعبد أن يكون مجيبًا أَوَّلًا لرَبِّه تعالى فيما أَمَرَه ونهاه ﴿أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة: 186].

- ثُمَّ لعباده فيما أنعم الله - عز وجل - عليه في إعطاء كلِّ سائل بما يسأله إن قدر عليه، وفي لُطْف الجواب إن عجز عنه؛ قال الله - عز وجل : ﴿وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ﴾ [الضحى: 10].

وكيف للذي أمرنا بعدم نهر السائل أن يَرُدَّنا إن سَأَلْناه؛ فتعالى اللهُ ما أكرمه وهو القائل: ﴿وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ﴾ [الصافات: 75]، ثم تَفَضَّلَ على موسى وأخيه هارون - عليهما السلام : ﴿قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا﴾ [يونس: 89] حين دعا موسى على فرعون وملئه وأمن عليه هارون ﴿رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ﴾ [يونس: 88].

- يلي القُرب الإجابة؛ لذلك إن أردتَ إجابةَ دعائك عليك بتحرِّي مواضع القرب من الله والاجتهاد والإلحاح في الدُّعاء وتكون على رجاء الإجابة ولا تقنط من رحمة الله؛ فإنك تدعو مجيبًا للدُّعاء.

- مهما بلغ تقصير العبد فلا يمتنع عن الدعاء؛ لأن الله قد أجاب شَرَّ خَلْقه - وهو إبليس - حين دعا الله بدعاء ورد في القرآن ثلاث مرات كناية عن الإلحاح على الله بالدُّعاء: ﴿قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ [ص: 79].


57

العفـو

﴿إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا﴾ [النساء: 149]

5 مرات

الواضع عن عباده تبعات خطاياهم وآثارها؛ فلا يَسْتَوْفيها منهم إذا تابوا واستغفروا، أو تركوا لوجهه أعظم مما فعلوا؛ فَيُكَفِّر عنهم ما فعلوا بما تركوا.

العفو هو الصَّفْحُ عن الذُّنوب وتركُ مجازاة المسيء.

الفرق بين العفو والمغفرة:

العفو أبلغُ من المغفرة؛ فالعفو هو الذي يمحو السيئات ويتجاوز عن المعاصي؛ يقال من عفت الريح الأثر. إذا درسته؛ فكأنَّ العافي عن الذَّنْب يمحوه بصفحه عنه، والمغفرةُ هي سَتْرُ وتغطيةُ الذَّنب.

ارتبط اسمُ العفوِّ مع الغفور في أربعة مواضع، وفي الخامسة مع القدير ليظهر أن عفوَه مع قدرته على خَلْقه وعقابهم والانتقام منهم.

أثر الإيمان بالاسم:

- تَكَرَّرَ سؤالُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لرَبِّه العفو والعافية في أحاديث كثيرة؛ حتى أنَّه خَصَّ ليلة القدر الثَّمينة بهذا الدُّعاء الثَّمين الذي عَلَّمه عائشة - رضي الله عنها : «اللهمَّ إنكَ عَفُوٌ تُحبُّ العَفْوَ فَاعْفُ عني»([69]). وسؤال العفو والعافية بمعنى ترك العقوبة والسَّلامة.

- حَثَّ اللهُ عبادَه على العفو والصَّفْح حين أنزل في أبي بكر الصِّدِّيق - رضي الله عنه - قولَه تعالى: ﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [النور: 22]؛ وذلك حين حَلَفَ أبو بكر - رضي الله عنه - ألَّا ينفق على (مسطح) أحد أقاربه بعد أن قَذَفَ عرض ابنته عائشة في حادثة الإفك المعروفة.

وفي الآية أهمُّ مردود وثواب للعفو؛ ﴿أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ﴾؛ فمَنْ عفا بنيَّة أن يعفو الله عنه أعطاه الله ما أراد.

- وللتأكيد على أنَّ الله تعالى يبادل العفو بعفو أكبر جاءت هذه الآية: ﴿أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا﴾ [النساء: 149].

- وألزم الله نفسَه التَّعْويضَ على العبد في موضع آخر؛ ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾ [الشورى: 40]، والأجرُ الإلهيُّ لا يُقَدَّرُ بثمن.

- وجعل العفو مع المقدرة من أقرب منازل التقوى ﴿وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ [البقرة: 237]؛ وهي منازل موصلة للعزِّ؛ قال صلى الله عليه وسلم: «مَا زَاد اللهُ عَبْدًا بَعفو إلا عزا»([70]).

- وهنا أمر هامٌّ يفرَّق به المؤمن القويُّ عن المؤمن الضعيف؛ وهو أن العفوَ يصدر من قدرة؛ لا من ضعف وهوان وعجز وجهل؛ فهو إن لم يكن قادرًا على الانتقام لنفسه كان عفوُه متلبِّسًا بالعجز والوهن والضَّعْف، وإن لم يكن عالمًا كان تركُه للانتقام للجهل.

- ما أحوجنا لمغفرة الله وعفوه في يوم الحشر الأكبر، وحاجتُنا الشديدة هذه لعفو الله تجعل عفوَنا عمَّن أساء لنا أو أجرم بحقِّنا خالصًا لله وليس طمعًا في تقدير المسيء أو المجرم لهذا العفو؛ إنه استثمارٌ حقيقيٌّ لحقوقنا.


58

الغفـور

﴿نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الحجر: 49]

91 مرة

الذي لم يَزَلْ يغفر الذنوب ويسترها ويغطيها فلا يكشف أمر العبد لخَلْقه ولا يَهْتك سَتْرَه بالعقوبة التي تشهره في عيونهم.

ارتبط اسم الغفور بالرحيم في أغلب المواضع؛ كدلالة على أنَّ من يُحَصِّلُ مغفرةَ الله يُحَصِّلُ رحمتَه به.

أَثَرُ الإيمان بالاسم:

مهما عظمت ذنوبُ الإنسان فإنَّ سعةَ مغفرة الله ورحمته أعظم؛ ﴿إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ﴾ [النجم: 32].

- من سعة مغفرته – تعالى - أنَّه مهما أذنب العبدُ حَدَّ الإسراف، ثم تاب ورجع، غفر الله له جميع ذنوبه؛ ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الزمر: 53].

- لا يَجوز للمسلم أن يُسْرفَ في الخطايا بحجَّة أنَّ اللهَ غَفَّارٌ؛ فالمغفرة إنَّما تكون بشروط بيَّنها الله تعالى: ﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى﴾ [طه: 82]؛ أربعةُ أمور يقوم بها التائب اختصرها الله ببلاغة اللفظ في موضع آخر: ﴿إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [النمل: 11]، ومَنْ بَدَّلَ يُبَدِّل الله له؛ وهذه شروطٌ واضحةٌ لا تتحقَّق بدونها المغفرة؛ حتى وإن كانت بدعاء من سَيِّد البشر صلى الله عليه وسلم كما فعل للمنافقين: ﴿سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ [المنافقون: 6]؛ لأنَّهم لم يخلصوا دينهم لله، ولم يُصْلحوا من أحوالهم، وإن مات وهو مقيم على الكبائر من غير أن يتوب فإن مذهبَ أهل السُّنَّة أنَّه ليس له عهدٌ عند الله بالمغفرة والرَّحمة؛ بل إن شاء غفر له وإن شاء عذبه؛ ﴿وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء: 48].


59

الغفـار

﴿رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ﴾ [ص: 66]

5 مرات

السَّتَّارُ لذنوب عباده المسدل عليهم ثوب عطفه ورأفته المبالغ في السَّتْر؛ فلا يُشَهِّر بالمذنب في الدُّنيا ولا في الآخرة.

أثر الإيمان بالاسم:

- اتِّصافُ الله بالمغفرة رحمةٌ للعباد؛ لأنه غنيٌّ عن العالمين لا ينتفع بالمغفرة لهم؛ فتعالى اللهُ الذي لولا كمال عفوه ومغفرته ما ترك على الأرض دابَّةً تَدُبُّ؛ ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ [فاطر: 45].

- أَمَرَ الله عبادَه بالاستغفار؛ ﴿اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ﴾، ثمَّ أوضح – تعالى - في القرآن بعد هذا الأمر مباشرة ما للاستغفار من ثمار عظيمة في الدُّنيا والآخرة؛ ﴿يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ﴾ [هود: 3]، ﴿يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ﴾ [هود: 52]، ﴿يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا﴾ [نوح: 11، 12].


60

الحليم

﴿قَولٌ معروفٌ ومغفرةٌ خَيْرٌ مَّن صَدَقة يَتبَعُها أذى واللهُ غنيُّ حليم﴾ [البقرة: 263]

11 مرة

ذو الصَّفح والأناة، لا يَسْتَفزُّه غضبٌ، ولا يستخفُّه جهلُ جاهل ولا عصيان عاص، حليم عمَّن عصاه؛ لا يَحْبس أنعامَه ولا أفضالَه عن عباده لأجل ذنوبهم رجاء توبتهم، وحلمه مع علمه وكمال قدرته وإحاطته؛ ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا﴾ [الأحزاب: 51].

أثرُ الإيمان بالاسم:

- حلمُ الله عظيمٌ يتجلَّى في صَبْره – سبحانه - على خَلْقه، والصبرُ داخلٌ  تحت الحلم، والأناة تؤدي إلى الحلم، والحلم يؤدِّي إلى الحكمة.

- حلم الله مشهود في الأرض؛ حيث ترى الكفارَ وأهلَ العصيان معافون يتقلَّبون في نعم الله؛ فسبحان مَنْ يُمْهل ولا يُهْمل، وقد تغترُّ الناسُ بالإمهال فلا تستشعر قلوبُهم رحمةَ الله؛ حتى يأخذهم بعدله وقوته عندما يَحين أجلُهم الذي ضُرب لهم.

- وقد يزداد غرورُ البعض فيستكبرون على حلمه وإمهاله بطلبهم تعجيل العقوبة؛ ﴿وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ﴾ [ص: 16].

 - قسم الله نصيبًا من اسمه لعباده؛ ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ﴾ [التوبة: 114]، وحثَّ على أن يأخذ العبدُ ما استطاع من هذه الصِّفة؛ مما يكسر سورة غضبه ويرفع عنه رغبة الانتقام ممن أساء إليه.

- جعل الله صفة الحلم مما يحبُّه من الخصال في العبد وهو يرفعها لدرجة العزم؛ ﴿وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ [الشورى: 43].


61

الرؤوف

﴿وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾

[النور: 20]

10 مرات

الرأفةُ أعلى وأشدُّ معاني الرَّحمة؛ وهي عامَّةٌ لجميع الخلق في الدُّنيا ولبعضهم في الآخرة، والرؤوفُ المتساهل على عباده؛ لأنَّه لم يُحَمِّلْهم ما لا يطيقون؛ فَخَفَّفَ فرائضَ المقيم والصحيح على المسافر والمريض.

الفرقُ بينَ الرَّأْفة والرحمة:

الرَّأْفةُ أَعَمُّ من الرَّحمة؛ إذ تكون الرَّحمةُ بشيء مكروه أو عقب بلاء؛ بينما الرَّأْفَةُ خيرٌ من كُلِّ وجه؛ ولذلك تقول لمن أصابه بلاء في الدنيا وفي ضمنه خير: إنَّ اللهَ قد رحمه بهذا البلاء. وتقول عمَّن أصابه عافيةٌ في الدنيا ضمنها خير؛ أولها وآخرها وظاهرها وباطنها خير: إن الله قد رأف به. ولأجل هذه التَّفْرقة جاءا معًا: ﴿إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤوفٌ رَحِيمٌ﴾. [البقرة: 143].

أَثَرُ الإيمان بالاسم:

من مظاهر رأفته بالعباد:

- أنَّه لا يضيع لعباده طاعة إلَّا يثيبهم عليها.

- لا يَرُدُّ عن بابه العاصين المنيبين مهما كثرت سيئاتهم وتعاظمت خطيئاتهم؛ ﴿ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة: 117].

- تسخيرُه لما في السماوات والأرض لمصلحة الإنسان وخلقُه الأنعام لحمله، ولولا ذلك لأصابه مَشَقَّةٌ وجهدٌ عظيمٌ؛ ﴿وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [النحل: 7].

- سَمَّى الله – تعالى - رسولَه - صلى الله عليه وسلم - بهذه الصِّفة ﴿بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤوفٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة: 128]، وكان من رأفته صلى الله عليه وسلم أنَّه ما خُيِّرَ بين أَمْرَيْن إلَّا اختارَ أَيْسَرَهما ما لم يكن إثمًا، وما انتقم لنفسه إلا أن تُنتهك حرمات الله، وكان يختصر الصلاة إذا سمع بكاء صبيٍّ؛ كي لا يشقَّ على أمِّه؛ لهذا كان حقُّه مقدَّمًا على سائر حقوق الخلق بتعظيمه وتوقيره.


62

التَّواب

﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ [البقرة: 160]

11 مرة

تَوَّابٌ على مَنْ تاب من عباده المذنبين؛ وصيغة المبالغة بمعنى كلما تكررت التوبة تكرر القبول، يقابل الخطايا الكبيرة بالتَّوبة الواسعة.

التوبة: تركُ المعصية والرُّجوعُ للطَّاعة.

اقترانُ التَّوَّاب بالحكيم والرَّحيم جاء لأنَّه:

تَوَّابٌ على مَنْ يَعود عن المعاصي، حكيم فيما فرض من الحدود ما يُكَفِّرُ به عن عباده من الذُّنوب، وعذابُ الدُّنْيا أهونُ من عذاب الآخرة، مع منحهم الفرصة بإمهالهم للتَّوبة.

رحيم بهم؛ فلا يَخْذل من جاء تائبًا ولو بلغت ذنوبُه عنانَ السَّماء، ولا يعاقبهم بعد العقوبة؛ فقبوله – تعالى - للتَّوبة على سبيل التَّرَحُّم والتَّفَضُّل لا على سبيل الوجوب.

وتوبةُ الله على عبده نوعان:

1- توفيقُه للتوبة.

2- قبولها وإجابتها؛ فإنَّ التوبةَ النَّصوح تَجُبُّ ما قبلها.

أثر الإيمان بالاسم:

-            الله تعالى لا يفضح الذنوب ابتداءًا؛ ليكون ذلك عونًا على التوبة.

-            من فضل الله العظيم أن توبةَ الله على العبد ليست بمحو السَّيِّئة فقط؛ بل إبدالُها بحسنة؛ فلو كسب من ذنب ما 100 سيئة ثم تاب إلى الله توبة نصوحة لا تتحول إلى صفر كما يعتقد البعض؛ بل تصبح 100 حسنة ﴿يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ﴾.

- بَيَّنَ اللهُ ذلك في أناس بلغت ذنوبُهم حَدَّ الكبائر: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا﴾ [الفرقان: 68، 69]، ثم جاء الاستثناء الإلهيُّ الرَّحيم مشروطًا بثلاثة شروط: أَوَّلُها بالتَّوبة: ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا *﴾ [الفرقان: 70].

- قَسَّمَ اللهُ العبادَ إلى تائب وظالم لا ثالث لهم، وسُمي ظالمًا لجهله بحقِّ ربِّه وبحقِّه وبعيب نفسه وآفات عمله؛ ومن هنا جاء حَثُّ الرَّسول صلى الله عليه وسلم لأُمَّته: «يا أيهَا  الناسُ تُوبُوا إلى الله فَإني أَتوبُ في اليوم إليه مائَةَ مرة»([71]).

 - التوبةُ واجبةٌ على كُلِّ عبد لا يَصحُّ أن يَنْفَكَّ منها بأيِّ حال من الأحوال، وأفضلُ الناس هم مَنْ قام بها وبحَقِّها؛ ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [النور: 31]، و(لعلكم) مشعرةٌ بالتَّرَجِّي؛ أي إذا تبتم كنتم على رجاء الفلاح؛ فلا يرجو الفلاحَ إلا التَّائبون.

- إذا تَخَلَّى العبدُ عن التَّوبة صار ظالمًا لنفسه؛ ﴿وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [الحجرات: 11].

- التوبةُ من أنفع الأمور للعبد؛ فقد يبتلي الله عبدَه المؤمنَ دفعًا له للتَّوبة لتكمل عبوديَّتُه بتضرُّعه وتقرُّبه لله وشكر نعمه عليه؛ فلا يزول عن العبد ما يكره إلا بالتَّوبة.

شروط التَّوبة:

1- ترك الذنب.           2- العزيمة على ترك المعاودة.

3- الندم عليه.            4- استبداله بعمل صالح.

- كلُّ مَنْ تاب توبةً نصوحة لله تاب الله عليه، وكلما ازداد العبدُ توبةً واستغفارًا لله ازداد قربًا لله ورفعة.

- التوبةُ ليست نقصًا؛ بل هي الكمال الذي يحبه الله ويأمر به؛ ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ [البقرة: 222]؛ وهي الخير الذي قال عنه صلى الله عليه وسلم: «كُلٌُّ ابن آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائينَ التَّوَّابُونَ» ([72]).

- حرص الأنبياء على التوبة مع عصمتهم؛ كما دعا إبراهيم وإسماعيل: ﴿وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ [البقرة: 128]، وقد ورد في القرآن توبة كثير من الأنبياء ممن لا يتسع المجال لحصره هنا.


63

الـبرُّ

﴿إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ﴾

[الطور: 28]

مرة واحدة

البَرُّ - بفتح الباء : العطوف على عباده، المحسن إليهم في مضاعفة الثواب، برُّه عامٌّ لجميع خلقه؛ فلم يبخل عليهم برزقه، وهو يريد بهم اليسر ولا يريد العسر، والبر في اللغة هو: الاتِّساع في الإحسان والزيادة في فعل الخير.

 اقترن اسم (البر) بـ (الرحيم) كدلالة على أن الله رحيمٌ بعباده عطوفٌ عليهم مصلحٌ لأحوالهم.

أثر الإيمان بالاسم:

- جاء قولُه تعالى: ﴿إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ﴾ [الطور: 28] بعد وصف نعيم أَهْل الجنة وتحاور أهلها عن أحوالهم في الدُّنيا، وكيف كانوا خائفين من عذاب الله فدعوه في الدُّنيا باسمي (البر والرحيم)، فوقاهم عذابَ السَّموم في الآخرة؛ استجابةً لدعائهم.

- الله تعالى يحبُّ البرَّ ويأمر به؛ فقال في آية احتوت على جميع أعمال البر: ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ [البقرة: 177].

- أَثنى الله على عيسى ويحيى - عليهما السَّلام - ببرِّهما بأبويهما: ﴿وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا﴾ [مريم: 32]، وقال عن يحيى - عليه السلام : ﴿وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا﴾ [مريم: 14].

- وجعل الرسول صلى الله عليه وسلم الأخلاقَ الحسنةَ من البرّ: «البرُّ حُسْنُ الخُلُق وَالإثْمُ مَا حَاكَ في صَدْركَ وَكَرهْتَ أَنْ يَطَّلعَ عَلَيْه النَّاسُ»([73])؛ والبرُّ من العَبْد يكون بمعنى الصِّلة وبمعنى اللُّطف والمبرة وحسن الصُّحبة والعشرة، وبمعنى الطاعة؛ وهذه الأمور هي مجامع حُسْن الخُلُق.

- ارتبط البرُّ بالتَّقوى في مواضع عديدة من القرآن:

 ﴿وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى﴾ [البقرة: 189].

 ﴿وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ [المجادلة: 9].

 ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ [المائدة: 2].

- فُسِّرَ برُّ الله بعبده بأنَّه الجنة؛ وعليه فقد وضع تعالى شروطًا لنيل هذا البر؛ ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ [آل عمران: 92]، وجاء التأكيدُ في قوله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الصدقَ يهدي إلى البرَّ وإنَّ البرَّ يهدي إلى الجنة»([74]).

 ومصداقُ هذا الحديث قولُه تعالى: ﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ﴾ [الانفطار: 13]، وليس هذا النَّعيم مختصٌّ بيوم المعاد فحسب؛ قيل: بل ورد في الدُّنيا أيضًا.


64

الودود

﴿وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ﴾

[البروج: 14]

مرتان

المودَّةُ هي المحبَّةُ، والودودُ – تعالى - هو المحبُّ لخَلْقه المثني عليهم المحسن إليهم العطوف على عباده ذو محبة لمن أناب وتاب إليه، ارتبط الاسم بالمغفرة والتوبة تأكيدًا لمحبة الله لعباده التَّوَّابين، وإشارةً لأنَّ الاستغفارَ يُكْسب العبدَ محبَّةَ الله.

أثر الإيمان بالاسم:

- يَنْبغي على العبد أن يَتَوَدَّدَ إلى رَبِّه بامتثال أَمْره ونَهْيه؛ فالله يُحبُّ مَنْ  أطاعه ويُبْغضُ مَنْ عَصَاه؛ ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [آل عمران: 31]، ومثال محبَّة الله بترك نواهيه أكثر من مثالها بعمل الطاعات؛ فالبَرُّ والفاجر يعملون صالحًا؛ لكن الانتهاءَ عن المعاصي لا تكون إلَّا من مُصَدِّق وبكمال العبودية.

- المستحقُّ أن يُحب لذاته هو سبحانه وتعالى؛ فكُلُّ محبَّة يجب أن تكون لله وفي الله، فإن أحببت أحدًا أو شيئًا أحببه لله، ومثلها كراهيتنا وبغضنا؛ فالله هو المحبوب في الحقيقة، وهو المستحقُّ أن يكون غاية كلِّ حبٍّ: ﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [المجادلة: 22].

- من أَحَبَّه اللهُ أدخله في معيَّته الخاصَّة؛ كما ذكر صلى الله عليه وسلم في حديث قدسيٍّ: «وَمَا تَقرَّبَ إليَّ عبدي بشيء أحبّ إليّ ممَّا افترضتُ عليه، وما يزالُ عبدي يتقرَّبُ إليَّ بالنَّوافل حتى أحبَّه؛ فإذا أحببتُه كنتُ سمعهُ الذي يسمعُ به وَبَصرَه الذي يُبصرُ به وَيَدَهُ التي يَبْطُشُ بها ورجلَهُ التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينَّه، ولئن استعاذني لأُعيذنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عن شيء أنا فاعلهُ تَرَدُّدي عَنْ نَفْس المؤمن يَكْرهُ الموت وأنا أكرهُ مساءتهُ»([75]).

- مَنْ أحبَّه الله أحبَّه خَلْقُه؛ ﴿إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا﴾ [مريم: 96]؛ أي يودِّدهم إلى خلقه، ومن هذا قوله صلى الله عليه وسلم في حديث يرفع رجاءنا حد السماء؛ بأن تتردد أسماءنا بين طوابقها السبع بصوت جبريل عليه السلام؛ وقد تلقَّاه من الرحمن - عز وجل: «إنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعالى إذا أَحَبَّ عَبدًا نَادَى جبريلَ إنَّ الله قدْ أَحَبَّ فُلانًا فأحبهُ. فيُحبهُ جبريلُ، ثم يُنادي جبريلُ في السماء: إن اللهَ قَدْ أحبَّ فُلانًا فَأحبوه. فيحبه أهل السماء، وَيُوضَعُ لهُ القبولُ في أهل الأرض» ([76]). - من حُبِّ العبد لربه رضاه بما قضاه وقَدَّرَه وحُبُّ القرآن والقيام به وحُبُّ الرسول وسننه.

- حب الله يقوى بقوة العلم وسلامة الفطرة؛ فكلما كان المسلم عالمًا بدين الله كان حبه أقوى من غيره من الجاهلين، ونقص المحبة من نقص المعرفة وخبث الفطرة بالأهواء الفاسدة، وإن كانت توجد محبة الله بالفطرة لكنها  تقوى بالعلم وتخبو بالشهوات والشبهات.

- وجب التفريق بين الحب لله والحب مع الله؛ فالأول إيمان والثاني شرك؛ ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ﴾ [البقرة: 165]؛ أمَّا الحب لله فقال عنه صلى الله عليه وسلم: «ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فيه وَجَدَ حَلاوَةَ الإيمان: أَنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إليه مما سواهُمَا، وَأَنْ يُحبَّ المرءَ لاَ يُحبُّه إلا لله، وَأَنْ يَكرَهَ أَنْ يَعُودَ في الكفر كَمَا يَكرَهُ أَنْ يُقْذَفَ في النار»([77]).


63

الشّاكر

﴿مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا﴾

[النساء: 147]

مرتان

المادحُ لمن يطيعه والمثني والمثيب له بطاعته، والقرآن مملوء بمدح الأنبياء والصالحين؛ يشكر الشاكرين ويذكر الذاكرين بأن يثنى عليهم في ملئه الأعلى وبين ملائكته، ويلقي لهم الشكر بين عباده.

 معنى الشكر عرفان الإحسان ونشره، وقيل: هو الثناء على المحسن بما أولاك إياه من المعروف، والفرق بين الشكر والحمد: أن الحمد أعم من الشكر؛ فإنك تحمد الإنسان على صفاته الجميلة ومعروفه، ولا تشكره إلا على معروفه؛ فالشُّكر لا يكون إلا عن عطاء.

أثر الإيمان بالاسم:

- أمر الله تعالى خلقه بالشكر: ﴿وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ [النحل: 114]، كما أمر به أنبياءه موسى ومحمد - عليهما السلام: ﴿وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾ [الأعراف: 144] [الزمر: 66]، ونهى عن ضدِّه: ﴿وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ﴾ [البقرة: 152]. وأثنى على أهله، وجعلهم من الخاصة والنخبة من خلقه؛ فوصف به إبراهيم - عليه السلام : ﴿شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [النحل: 121]، وقال عن نوح - عليه السلام : ﴿إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا﴾ [الإسراء: 3]، وجعله - عز وجل - سببًا لرضاه على عباده: ﴿وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ﴾ [الزمر: 7]، ووعد الشاكرين بأحسن الجزاء: ﴿وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ﴾ [آل عمران: 144]، وزاد على الجزاء المزيد من فضله تعالى: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ [إبراهيم: 7].

- أعظم الشكر لله توحيدُه وعبادتُه وطاعتُه، وشكر الله واجب على كل مكلف، وقدوتُنا ومثلنا الأعلى خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم؛ قام حتى تورَّمت قدماه فقيل له: «غَفَرَ اللهُ لَكَ مَا تَقدَّمَ مِنْ ذنبكَ وَمَا تأخَّر». فقال صلى الله عليه وسلم: «أفلا أكونُ عبدًا شكوراً»([78]). وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم: «.. ربَّ اجعلني لكَ شَكَّارًا لك ذكارًا». وقال صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل: «يَا مُعَاذُ، وَالله إني لأُحبُّكَ.. أُوصيكَ يَا مُعاذُ لا تَدَعَنَّ في دُبُر كُلِّ صلاة تَقُولُ: اللهمَّ أعنِّي عَلى ذكرك وشكرك وحسن عبادتك»([79]).

- اختلف السَّلَفُ في تعريف شكر العبد لله، فقيل أنَّ الشُّكرَ هو معرفةُ العجز عن الشكر، وقيل: هو ألا يستعان بشيء من نعم الله على معاصيه، وقيل هو رؤية المنعم لا رؤية النعمة.

- حقيقةُ الشُّكر هي ظهورُ أثر نعمة الله على لسان عبده؛ ثناءً واعترافًا، وعلى قلبه: شهودًا ومحبَّةً، وعلى جوارحه: انقيادًا وطاعةً.

- على كُلِّ جارحة شكر، وشُكْرُها باستعمالها بتقوى الله.

- الرِّضا أعلى درجات التَّوَكُّل، وأَوَّلُ درجات الشُّكر؛ فالرِّضا مندرجٌ في الشُّكر؛ إذ يستحيل وجودُ الشُّكر بدونه، وذكر ابنُ القَيِّم أنَّ الإيمانَ نصفان: نصف شكر ونصف صبر.

- وجب على العبد شكرُ مَنْ أجرى اللهُ النِّعمةَ على يده؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: «لا يَشْكُرُ اللهَ مَنْ لا يَشْكُر النَّاسَ»([80]).

- للشُّكْر ثلاثةُ أركان كما ذكر القرطبيُّ:

1- الإقرار بالنِّعمة للمُنعم.

2- الاستعانة بها على طاعته، وعدم استعمالها في معصية.

3- شكر من أجرى النِّعمة على يده.


66

الشكور

﴿وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ﴾

[التغابن: 17]

4 مرات

الذي يشكر القليل من العمل ويغفر الكثير من الزلل ولا يضيع أجر من أحسن عملاً؛ بل يضاعفه بغير حساب.

 جاء اقتران (الشكور) بـ (الغفور)؛ حيث الله غفور للسيئات، شكور للحسنات.

أثر الإيمان بالاسم:

- كُلُّ الآيات التي ذُكر فيها اسمُ الشكور اقترنت بمفردات المضاعفة؛ ﴿وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ﴾، ﴿نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا﴾، ﴿يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ﴾، وتَأَكَّدَتْ هذه الزِّيادة والمضاعَفة بقوله تعالى: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ [إبراهيم: 7].

- من شكره تعالى لعبده أنَّ مَن ترك شيئًا لله عَوَّضَه اللهُ خيرًا منه.

- نُهينا أن نَسْتَصْغر شيئًا من أعمال البرِّ مهما كان شيئًا يسيرًا؛ قال صلى الله عليه وسلم: «لا تَحقرَنَّ مِنَ المْعروُف شَيئًا وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوجه طَلْق»([81] وقال صلى الله عليه وسلم: «اتَّقوا النارَ وَلو بشقَّ تمرة»([82]).

- وهذا القليلُ في أعيننا عظيمٌ أجرُه عند الشَّكور تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [النساء: 40]، ومضاعفة الأجر تصل لـ 700 ضعف وأكثر؛ كما روي في حديث عن رجل جاء بناقة مخطومة فقال: «هذه في سبيل الله» فقال صلى الله عليه وسلم: «لكَ بِهَا يَوْمَ القيامة سَبْعُمائة نَاقة كُلُّها مَخْطُومةٌ»([83]).

- للشُّكر فوائدُ جمَّة لا يدركها إلا قلَّةٌ من الناس؛ أهمُّها:

- الأمن من عذاب الله ﴿مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا﴾ [النساء: 147] .

- الانضمام لفئة النُّخبة عند الله؛ لأنَّهم قلَّةٌ في العالمين؛ ﴿وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ [سبأ: 13].


67

اللطيف

﴿وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾

[الأنعام: 103]

7 مرات

اللطيف بعبده ولعبده، وجاء الاسم بعدة معان:

1- الذي يلطف ويرفق بعباده من حيث لا يعلمون، ويسبب لهم مصالحهم من حيث لا يشعرون ولا يحتسبون، ومن هذا قولهم: لطف الله لك. أي أوصل إليك ما تحبُّ في رفق.

2- لطيف العلم الذي لا تخفى عليه الأشياء وإن دقَّت ولطفت وتضاءلت: ﴿يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ﴾ [لقمان: 16]؛ لو كان للإنسان رزق بوزن مثقال حبَّة خردل في هذه المواضع ساقه الله إليه.

3- الذي لطف عن أن يُدرك بالكيفية؛ ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [الأنعام: 103]؛ واللَّطف – بالفتح - تعني الرِّفق والبرَّ. ولطُف – بالضم - معناها صغر ودق، وقد يكون اللطف بمعنى الرقة والغموض.

الفرق بين (لطف به) و (لطف له):

لطف الله به: الأمور الدَّاخلية لطفٌ بالعبد؛ فإذا يَسَّر الله عبدَه لطريق الخير وأعانه عليه، فقد لطف به. لطف الله له: الأمور الخارجية لطف للعبد؛ فإذا قَيَّضَ الله له أسبابًا خارجيةً غير داخلة تحت قدرة العبد فيها صلاحه فقد لطف له، ولهذا لما تنقلت بيوسف - عليه السلام - أحوالٌ من الابتلاء عَرَفَ أنَّها من لطف الله له، فاعترف بهذه النعمة؛ ﴿وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾ [يوسف: 100]؛ فإذا قال العبد: «يا لطيف الطف بي والطف لي وأسألك لطفك». فمعناه أصلحْ أحوالي الظاهرة والباطنة.

أثر الإيمان بالاسم:

من صور لطف الله بالعبد:

- أنه أعطاه فوق الكفاية وكلَّفه دون الطاقة.

- أن يفتح له بابًا من أبواب الخير لم يكن له على بال وييسره له.

- أن يجري بشيء من ماله نفعًا وخيرًا لغيره؛ فيثيبه من حيث لا يحتسب؛ كمن له زرع فأصاب منه إنسان أو حيوان شيئًا آجَرَ الله صاحبَه وهو لا يدري؛ خصوصًا إذا كانت عنده نيَّةٌ حسنة، وعقد مع ربه عقدًا في أنه مهما ترتب على ماله شيء من النفع (فأسألك يا رب أن تأجرني وتجعله قربة لي عندك)، وكذلك لو كان له عين انتفع به منها وغير ذلك؛ ككتاب انتفع به في تعلُّم شيء منه أو مصحف قُرئ فيه، والله ذو الفضل العظيم.

- أنه يعينه على الابتلاء والامتحان؛ ليزداد بذلك إيمانُه ويعظم أجرُه؛ فسبحان اللطيف في ابتلائه وعافيته وعطائه ومنعه.

- أن يجعل ما يبتلي به عبدَه من المعاصي سببًا لرحمته؛ فيفتح له باب التوبة والتضرع لربه وازدراء نفسه واحتقارها وزوال العجب والكبر من قلبه ما هو خير له من كثير من الطاعات.

- من عظيم لطفه عدم اختصاصه بالرِّزق للمؤمن فقط؛ ﴿اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ﴾ [الشورى: 19].

- لو تتبَّعتَ أثرَ لطفه في تيسير لقمة يتناولها العبد من غير كلفة يتجشمها تجد أن اللهَ سَخَّرَ خلقًا لا يُحصَى عددُهم تعاونوا على إصلاحها من زارع وحاصد وطاحن وعاجن وخابز؛ إلى غير ذلك؛ وعلى هذا فاللُّطف من الله بك يستدعي ألا يأخذك الاهتمام برزقك ومصالحك مأخذًا يشغلك عن أداء الفرائض واتِّباع سبيل من أناب إلى الله.

- استشعارُ لطف الله في كلِّ مجريات الكون يَمْنَحُ العبدَ حظَّه من هذا الوصف بالتَّلَطُّف بعباد الله في الدَّعوة إليه تعالى والهداية إلى سعادة الآخرة بألطف الألفاظ من غير عنف وتعصُّب وتخاصم؛ فاللهُ لطيفٌ يحبُّ اللطيف من عباده ويبغض الفَظَّ الغليظَ القاسي الجعظري الجواظ.

- إذا علم العبدُ دقَّةَ علم الله وإحاطته الكاملة حاسب نفسه على أقواله وأفعاله.


68

المحيـط

﴿وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ﴾

[البروج: 20]

8 مرات

الذي أحاطت قدرتُه بجميع خلقه؛ أحاط بكل شيء علمًا وأحصى كلَّ شيء عددًا، وهو المحيطُ الذي لا يُقدر على الفرار منه.

أحاط به: أي استولى عليه، ويسمى الجدار حائطًا لأنَّه يحوط ما فيه.

أثر الإيمان بالاسم:

الإحاطةُ إنما هي لله؛ فتخضع لعظمته وجلاله وتستسلم لأمره وتنقاد لحكمه وتعلم أنك محصور مقهور محاط بك؛ لا فرار منه إلا إليه؛ فكلُّ شيء تخاف منه تفر منه إلا الله؛ فإنَّك تفرُّ إليه؛ بل الفرار إليه أمر مندوب إليه؛ ﴿فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ [الذاريات: 50].

- أكثر ما جاء الاسم في مواضع التهديد والوعيد؛ لهذا كان من دعاء يقوله الرسول صلى الله عليه وسلم إذا أراد النوم: «لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إلاَّ إليكَ»([84]).


69

الواسـع

﴿إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾

[النور: 32]

8 مرات

الواسع: وسعت رحمته وفضله وعلمه الخلقَ أجمعين، الذي يسع ما يُسأل، وسع غناه مفاقر عباده.

أصل السعة: كثرة أجزاء الشيء، والسعة نقيض الضِّيق، وقيل: هي الجدة والطاقة.

 اقترن اسم (الواسع) بـ(العليم) في سبع آيات؛ بيانًا لسعة عطاء الله - سبحانه وتعالى - وعلمه بمن يستحقُّ هذا العطاء.

أثر الإيمان بالاسم:

- مهما ضاقت عليك الدُّنيا فالواسع - عز وجل - يحتويك بسعة عطائه ومَنِّه ومغفرته.

- وسَّع اللهُ على عباده في دينهم، ورفع الضِّيقَ والحَرَجَ عنهم؛ فلم يكلِّفْهم ما ليس في وسعهم؛ ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: 286]؛ خَفَّفَ عليهم كما المريض والمسافر والمسنّ وغيرهم من أصحاب الأعذار.

- ووَسَّعَ اللهُ على عباده في إنفاقهم؛ ﴿لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ﴾ [الطلاق: 7]؛ فإن وَسَّعَ اللهُ عليك فَوَسِّع على نفسك وأهلك وعلى غيرك.

- سعة مغفرته - تعالى - تحتوي كلَّ مَنْ تاب وأناب مهما بلغت خطاياه؛ ﴿إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ﴾ [النجم: 32].

- من دعاء حَمَلَة العرش للمؤمنين: ﴿رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ﴾ [غافر: 7].


70

الوهّـاب

﴿أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ﴾ [ص: 9]

3 مرات

الوهاب: الكثير المواهب والهبات، المصيب بها مواقعها، يقسِّمها على ما تقتضيه حكمتُه، المتفضِّل والمنعم بالعطايا؛ لا عن استحقاق عليه ولا طلب منه لثواب من أحد.

 والهبة: هي العطيةُ الخالية عن العوض.

أثر الإيمان بالاسم:

- الإقرار لله باسمه؛ ﴿إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾ هو في حقيقته ثناءٌ وتمجيدٌ لله؛ فكان من دعاء أهل العلم الرَّاسخين فيه ممَّن عرفوا سرَّ مناجاة الله بأسمائه الحسنى: ﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾ [آل عمران: 8]؛ سألوه الثباتَ والرَّحمةَ، ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [آل عمران: 7]، ومعرفتُهم لهذا السِّرِّ جاءت تأسِّيًا منهم بدعاء الأنبياء.

- حيث دعا سليمان ربَّه مضمِّنًا دعاءه اسمَ (الوهَّاب)؛ ﴿قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾ [ص: 35]، فاستجاب الله له؛ ﴿فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ﴾ [ص: 36]، ثم قال - عز وجل : ﴿هَذَا عَطَاؤُنَا﴾ [ص: 39]؛ حيث لم ينقص من عطائه في الآخرة؛ ﴿وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآَبٍ *﴾ [ص: 40].

- وكما أنَّ المُلكَ والسلطان هبةٌ من الله فالنُّبوَّةُ والكتاب هبةٌ من الله يختص بها من يشاء من عباده؛ كما قال تعالى على لسان موسى - عليه السلام : ﴿فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ [الشعراء: 21].

- جاءت هبات الله للأنبياء في القرآن على صور عديدة؛ فقد دعا إبراهيم - عليه السلام - ربَّه أن يعوِّضَه بالذُّرِّية عن قومه الذين كذَّبوه: ﴿رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [الصافات: 100]، فأجاب الله دعاءه: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ﴾ [إبراهيم: 39]؛ فلمَّا حمد الله على نعمه زاده منها فرزقه حفيدَه يعقوب بن إسحاق وجعلهما من الأنبياء؛ ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ﴾ [الأنعام: 84].

- وأشهرُ الأنبياء في دعاء الله بالذُّرِّيَّة زكريا - عليه السلام : ﴿هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ﴾ [آل عمران: 38]. ثم ألحَّ على الله بالدُّعاء بلسان حاله وهو أبلغ من المقال: ﴿وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا﴾ [مريم: 5].

- قد يملك الخلقُ أن يهبوا مالًا في حال دون حال؛ لكنَّهم لا يملكون أن يهبوا شفاء لسقيم ولا ولدًا لعقيم ولا هدى لضال ولا عافية لذي بلاء؛ لأنَّ اللهَ هو مَن يملك جميع ذلك؛ يَهَب ما يشاء لمن يشاء، وأكثر الخلق إنَّما يهبون من أجل عوض ينالونه؛ إما في الدنيا بمدح بين الناس أو طلبًا لمودة، وإما لأجل الثواب في الآخرة.


71

الغـنيّ

﴿وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾

[فاطر: 15]

18 مرة

المستغني عن خَلْقه بقدرته وعزِّ سلطانه، وهم إليه فقراء، الغنيُّ بذاته له الغنى التَّامُّ المطلق؛ لا لأمر أوجب غناه، والعبد فقير لذاته؛ لا لعلة أَوْجَبَتْ هذا الفقر؛ ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ [فاطر: 15]؛ أي أنَّ فقرَ العالم لله أمرٌ ذاتيٌّ لا يُعلل؛ فيستحيل أن يكون العبد إلا عبدا والرَّبُّ إلا ربًّا.

أثر الإيمان بالاسم:

- من كمال غناه تعالى وكرمه أنه يأمر عبادَه بدعائه، ويعدهم بإجابة دعواتهم ويؤتيهم من فضله ما سألوه وما لم يسألوه.

- أوضح الرسول صلى الله عليه وسلم حقيقةَ غنى الإنسان: «ليس الغنى عَنْ كَثْرَة الْعَرض ولكن الغنى غنى النفس»([85])؛ فَبَيَّنَ أنَّ مَن وضع الله الغنى في نفسه فقد أغناه؛ فمن رضي بقسم الله كان به غنيًّا، ومن لم يسأل الله يغضب عليه.

- وقال صلى الله عليه وسلم موضِّحًا ثوابَ مَنْ يَسْتَغْني بالله عن غيره: «وَمَنْ يَسْتَعفف يُعفَّهُ اللهُ وَمنْ يستغن يُغنه الله»([86]).

- الغني نوعان: غنى بالله، وغنى عن غير الله.

- وللغنى 3 درجات نذكرها بتصرُّف عن ابن القيم:

1- غنى القلب: تعلُّقه بالله وحده.

2- غنى النفس: وهو استقامتها على الحق، وسلامتها من الرياء؛ فالنفس من جند القلب ورعيته، وهي من أشدِّ جنده خلافًا عليه وشقاقًا له.

3- الغنى بالحقِّ: مطالعة أوليته تعالى؛ وهو سَبْقه للأشياء جميعًا؛ فقد كانت في حَيِّز العدم، وهو الذي كساها حلَّةَ الوجود؛ فهو الأول الذي ليس قبله شيء؛ قال بعضهم: «ما رأيت شيئًا إلا وقد رأيت الله قبله».

- الطريق إلى الغنى بالله هو بالفقر إليه، والفقرُ هنا نوعان:

فقر اضطراريٌّ: وهو فقرٌ عامٌّ لا خروجَ لبَرٍّ ولا فاجر عنه؛ لأنه مخلوقٌ أمرُه بيد خالقه يرزقه طعامه وشرابه.

فقر اختياريٌّ: وهو نتيجة علْمين شريفين:

1- معرفة العبد بربه.      ب- معرفته بنفسه.

أي أن يعرف ربَّه بالغنى المطلق ويعرف نفسه بالفقر المطلق لله؛ فمتى حصلت له هاتان المعرفتان أنتجتا فقرًا هو عين غناه وعنوان نجاحه وسعادته، وتفاوت الناس في هذا الفقر بحسب تفاوتهم في هاتين المعرفتين.

- أحسنُ ما يَتَوَسَّل به العبد إلى الله دوام الافتقار إليه على جميع الأحوال وملازمة السُّنَّة في جميع الأفعال وطلب القوت من وجه حلال، وقيل: "من حكم الفقر أن لا تكون له رغبة؛ فإذا كان ولا بد فلا تجاوزُ رغبتُه كفايتَه".

- حقيقة الفقر هنا أن لا يستغني بشيء دون الله، وأن يصير كله لله تعالى، لا يبقى عليه بقية من نفسه وحظه وهواه.

- والفقر الحقيقي: دوامُ الافتقار إلى الله في كلِّ حال، وأن يشهد العبد في كل ذرة من ذراته الظاهرة والباطنة فاقة تامة إلى الله تعالى.

- هذا الفقر لله لا تنافيه الجدة ولا الأملاك؛ فقد كان الأنبياء في ذروته مع جدتهم وملكهم؛ كإبراهيم الخليل كان أبا الضيفان، وكانت له الأموال والمواشي، وكذلك كان سليمان وداود عليهما السلام وكذلك كان نبينا صلى الله عليه وسلم؛ كما قال تعالى عنه؛ ﴿وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى﴾ [الضحى: 8]؛ فكان الأنبياءُ أغنياء في فقرهم فقراء في غناهم.

- إذا صَحَّ الافتقارُ إلى الله تعالى صَحَّ الاستغناء بالله، وإذا صح الاستغناء بالله كمل الغنى به.

- إن نسي العبدُ فقرَه لربِّه واستغنى عنه وعن أداء الطاعات إليه طغى، والطُّغيان أعلى درجات الظُّلم لنفسه؛ ﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى﴾ [العلق: 6، 7].

- وإن استغنى عن الله حقَّ عليه الشَّقاء؛ ﴿وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى﴾ [الليل: 8-10].


72

الكريم

﴿وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ﴾

[النمل: 40]

3 مرات

الجواد الكثير الخير، ومن أكثر خيرًا من الله يسهل خيره ويقرب تناول ما عنده؛ فليس بينه وبين العبد حجاب، وهو قريب لمن استجاب، وهو الكريم العزيز الذي له قدرٌ عظيم المنزَّه عن النَّقائص.

والكرم: سرعة إجابة النفس، وهو نقيض اللؤم.

أثر الإيمان بالاسم:

- الله كريم يستحيي أن يردَّ عبده حين يسأله؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: «إنَّ رَبَّكُمْ تَبَارَكَ وتَعالىَ حييٌّ كَريمٌ يَسْتَحيي مِنْ عَبْده إِذَا رفع يَديْه إليه أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا»([87]).

- من كَرَمه تعالى مضاعفةُ الحسنات؛ بدءًا من ضعفها وعشرة أمثالها وحتى سبع مائة ضعفًا وأكثر، وجعله السيئة كما هي.

- ومن كَرَمه - عز وجل - احتساب الحسنات وثواب العبادات لمن لم يبلغه سن التكليف من الأطفال.

- ومن كرمه – تعالى - أفضالُه على مَن يكفر بنعمه؛ فالله – تعالى - كريم في نفسه، وإن لم يعبده أحد فعظمته ليست مفتقرة إلى أحد؛ ﴿وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ﴾ [النمل: 40]؛ غنيٌّ عن العباد وشكرهم وعبادتهم، وكريم يعمُّ بخيره في الدُّنيا الشَّاكر والكافر، ثم يحاسبهم ويجازيهم في الآخرة.

- سَمَّى الله – تعالى - كتابَه كريمًا؛ ﴿إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ﴾ [الواقعة: 77]؛ لما فيه من مكارم الأخلاق، وقيل: لأنَّه يُكرَم حافظُه ويُعَظَّمُ قارئه.

- وتكريمًا لحقِّ الوالدين أمر عبادَه ووَجَّهَهم لآداب الحديث معهما؛ ﴿فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا *﴾ [الإسراء: 23]؛ أي قولًا ليِّنًا طيِّبًا حسنًا بتأدُّب وتوقير وتعظيم.

- رغم أنَّ الاسمَ ورد في القرآن ثلاث مرات فقط، إلا أنَّ اللهَ أَسْبَغَ صفة اسمه على أعظم عطاياه في الآخرة وهي الجنة؛ فجعل الجنةَ هي أكرم مدخل ورزق وأجر؛ ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا *﴾ [النساء: 31]، ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ [الأنفال: 74]، ﴿تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا﴾ [الأحزاب: 44]، ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ﴾ [الحديد: 11].

- في تساؤل إلهيٍّ بعد ذكر مشاهد قيام الساعة وفناء الدنيا يقول - عز وجل : ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ﴾ [الانفطار: 6]، وقد يتوهَّم بعضُ الجهلة من أنه إرشادٌ إلى الجواب؛ حيث قال: ﴿الكريم﴾، حتى يقول قائلُهم: غَرَّه كَرَمُه. لكنَّ المقصودَ من هذا التَّساؤل هو التَّهديد؛ لينبِّه على أنَّه لا ينبغي أن يُقابل الكريم بالأفعال القبيحة وأعمال السوء.


73

الأكـرم

﴿اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ﴾ [العلق: 3]

مرة واحدة

أكرم الأكرمين، لا يوازيه كريم ولا يعادله نظير.

 جاء الاسم في أول سورة أنزلت على الرسول صلى الله عليه وسلم.

أثر الإيمان بالاسم:

- من كرمه تعالى أن عَلَّم الإنسان ما لم يعلم؛ فَشَرَّفَه وكَرَّمَه بالعلم الذي امتاز به آدم على الملائكة، وخَصَّه بالكرامة؛ ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ﴾ [الإسراء: 70].

- نَظَرَ ابن عمر - رضي الله عنه - يومًا إلى الكعبة وقال: "ما أعظمك وأعظم حُرمتك والمؤمنُ أعظمُ حُرْمَة عند الله منك"([88]).

- أعظم أسباب الكرامة عند الله هي تقواه؛ ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [الحجرات: 13]؛ فهي الكرامةُ الحقيقيةُ التي تبقى في الآخرة لأصحابها حتى يدخلوا دارَ الكرامة، وهي الجنة؛ حيث من أجمل صور كرم الكريم الأكرم قوله تعالى في الحديث القدسي عنه صلى الله عليه وسلم: «أَعْدَدْتُ لعبادي الصالحينَ مَا لاَ عَيْنَ رَأَتْ وَلاَ أُذُنَ سَمعَتْ وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْب بَشَر، فاقرؤوا إن شئتم: ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ﴾ ([89])».

- لهذا كان من دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم لجنازة ميت: «وَأكرم نُزُلَهُ»([90])؛ أي أحسن نصيبَه من الجنة؛ قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا﴾ [الكهف: 107].

- وأمَّا ما يتمتع به الكفار من التكريم وارتفاع شأنهم في الدنيا فهو زائل منقلب إلى ضدِّه يوم القيامة؛ ﴿خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ * ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ * ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ﴾ [الدخان: 47-49]، والآية الأخيرة تقريعٌ له بما كان يصف به نفسه في الدنيا.


74

الرازق

﴿أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾

[المؤمنون: 72]

5 مرات

المفيضُ على جميع عباده، الذي خَلَقَ الأرزاق وأعطاها الخلائق وأوصلها إليهم.

 الرزق هو كل ما يُنتفع به، وأعظم رزق يرزقه الله لعباده هو الجنة؛ حيث سماها رزقا؛ ﴿قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا﴾ [الطلاق: 11].

 ورد الاسم في القرآن بصيغة الجمع، أحدها كان في دعاء عيسى - عليه السلام : ﴿وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ﴾ [المائدة: 114].

أثر الإيمان بالاسم:

- رزق الله تعالى للعبد نوعان:

- الأول: رزق عامٌّ يشمل البَرَّ والفاجر؛ وهو رزق الأبدان.

- الثاني: رزق خاصٌّ وهو رزق القلوب بالإيمان والعلم والرزق الحلال الذي يعين على صلاح الدين.

- من أسباب الرِّزق والبركة تقوى الله؛ ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ﴾ [الأعراف: 96]، وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾. [الطلاق: 2، 3].

- ثم تتوالى الوعود الإلهية بالرِّزق للمتقين؛ ﴿وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا﴾ [الجن: 16].

- ويتكرر المعنى في مواضع عديدة كدلالة على ارتباط الرزق بطاعة الله وتقواه؛ ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ﴾ [المائدة: 66].

- والعكس صحيح؛ فالمعصية تُنقص الرزقَ والبركة؛ ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [الروم: 41].


75

الرازق

﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ﴾

[الذاريات: 58]

مرة واحدة

الرزاق رزقًا بعد رزق، المُكثر الموسِّع له، المتكفِّل بأقوات خَلْقه أجمعين؛ ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [العنكبوت: 60].

ورد اسم (الرزاق) في القرآن مرة واحدة؛ لكن مفردة (رزق) وردت أكثر من مائة مرة.

أثر الإيمان بالاسم:

- تَفَرَّدَ اللهُ بالرِّزق؛ ﴿هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ [فاطر: 3].

- وعلى هذا التَّفَرُّد كان تحكُّمه في الأرزاق؛ فيجعل من يشاء غنيًّا ويقتر على آخرين لحكمة بالغة؛ ﴿وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ﴾ [النحل: 71].

- اللهُ خبير بمن يستحقُّ الغنى ومن يستحقُّ الفقر بما يصلح حالَهم؛ ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا﴾ [الإسراء: 30].

- ومن حكمته وهو الخبير البصير أنَّه لو أعطاهم فوقَ حاجتهم من الرزق لحمَلَهم ذلك على الطُّغيان؛ ﴿وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ﴾ [الشورى: 27]. - - كثرةُ الرزق في الدنيا لا تدلُّ على محبَّة الله تعالى وكرامته كما يَظُنُّ بعض الجهلة من المترَفين؛ ﴿وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ﴾ [سبأ: 35]، كما أنَّ قلَّةَ الرزق لا تَدُلُّ على الإهانة؛ ﴿فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ﴾ [الفجر: 15، 16].


76

الفتّـاح

﴿وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ﴾

[سبأ: 26]

مرتان

ورد بعدة معان:

1- الحاكم الذي يقضي بين عباده بالحقِّ والعدل.

2- الذي يفتح أبواب الرزق والرحمة لعباده، وما انغلق عليهم من أمور.

3- الناصر لعباده المؤمنين وللمظلوم على الظالم.

 الفتح هو: نقيض الإغلاق. وقيل: هو النَّصر.

وقد ورد الاسمُ مرة بصيغة المفرد وأخرى بصيغة الجمع؛ ﴿رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ *﴾ [الأعراف: 89].

أثر الإيمان بالاسم:

- الله تعالى الفتاح، يفتح ما تغلق على العباد من أسبابهم؛ فيغني فقيرًا، ويفرِّج عن مكروب، ويسهِّل مطلبًا، وكلُّ ذلك يُسمَّى فتحًا.

- الله سبحانه بيده وحده مفاتيح خزائن السماوات والأرض لا يفتحها ولا يغلقها غيره؛ ﴿مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [فاطر: 2].

- تَوَجَّهَت الرُّسُل إلى الله الفتَّاح - سبحانه - بطَلَب الفتح فيما حصل بينهم وبين أقوامهم المعاندين من الجدال والخصومة، فاستجاب الله لهم بإهلاك الجبابرة؛ ﴿وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ﴾ [إبراهيم: 15].

- ودعا نوح عليه السَّلام ربَّه: ﴿قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ * فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الشعراء: 117، 118]؛ فأنجاه الله وأتباعه وأهلك المعاندين، وهذا من حكمه تعالى في الدنيا.

- وكذلك يوم القيامة فإنَّ اللهَ هو الفتَّاحُ الذي يَحْكم بين الناس فيما كانوا يختلفون فيه في الدنيا؛ ﴿قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ﴾ [سبأ: 26]، وقد سمَّى الله – تعالى - يومَ القيامة بيوم الفتح؛ ﴿قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ﴾ [السجدة: 29].

- نسب الله الفتوحَ لنفسه لينبِّه عبادَه على أنَّ النَّصْرَ والفتحَ من عنده؛ لا من عند غيره، وقال مخاطبًا خاتمَ رُسُله صلى الله عليه وسلم: ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا﴾ [الفتح: 1]، وجاءت البشارة الإلهيَّةُ لمن قاتل في سبيله ونصر دينَه بأنَّ هذا الفتحَ للدُّنيا والآخرة؛ ﴿نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الصف: 13].

- كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول لأصحابه: «إذا دَخلَ أَحَدُكُمُ المسجدَ فَليقُل اللهمَّ افتحْ لي أبوابَ رحْمَتكَ وإذَا خرج فليقُل اللهمَّ إني أسألكَ مِنْ فضلك»([91]).

- قد يفتح الله أبواب النِّعَم والخيرات على بعض النَّاس استدراجًا لهم؛ ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ﴾ [الأنعام: 44].


77

المقيـت

﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا﴾

[النساء: 85]

مرة واحدة

خالقُ الأقوات وموصلها للأبدان وهي الأطعمة، وإلى القلوب وهي المعرفة؛ أوصل إلى كلِّ موجود ما يَقْتات به، القدير على كل شيء.

الفرق بين القوت والرزق أنَّ القوتَ ما به من قوام البنية مما يتغذى به، والرزق كل ما يدخل تحت مُلك العبد مما يُؤكل ومما لا يُؤكل.

أثر الإيمان بالاسم:

- لكلِّ مخلوق قوتٌ؛ فقوت الأبدان الطعام، وقوت الأرواح العلم، وقوت الأرواح وقوت الملائكة التَّسبيح؛ وبالجملة فإنَّ اللهَ هو المقيت لعباده الحافظ لهم.

- لا قائم بمصالح العباد إلا الله، وأفضل رزق يرزقه الله العبدَ العقلُ؛ فمَنْ رزقه العقل أكرمه.

- حذَّر الرَّسول صلى الله عليه وسلم المسلم من التَّصدُّق من قوت أهله يطلب به الأجر، فينقلب ذلك الأجر إثمًا إذا ضَيَّعَ من يَعولهم: «كَفى بالمرء إثمًا أَنْ يُضيعَ مَنْ يَقُوت»([92]).


78

الهـادي

﴿وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا﴾

[الفرقان: 31]

مرتان

الدَّالُّ والمبين لسبيل النَّجاة؛ لئلَّا يَزيغ العبد ويضلّ؛ فيقع فيما يُرديه ويُهلكه، وهو الذي بهدايته اهتدى إليه أهل ولايته، وبهدايته اهتدى جميع الأحياء لما يصلحها واتقت ما يضرها؛ ﴿رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾ [طه: 50] ﴿الَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى﴾ [الأعلى: 3].

الهدى هو: الرَّشاد والدلالة، وهو معرفة الحقِّ والعمل به.

والهادي هو: الدليل؛ يُقال هديت الطريق.

أثر الإيمان بالاسم:

- قال الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم موضِّحًا مصدرَ الهداية: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ [القصص: 56].

- ثم أوضح تعالى في موضع آخر تفرُّدَه بالهداية، وهو يحصرها باتباع ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من الله؛ ﴿وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾ [النور: 54].

- وجاء إقرارُ أهل الجنة بذلك؛ ﴿وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ﴾ [الأعراف: 43].

- جعل الله تعالى كتبَه المنزَّلة هدايةً ونورًا تهدي للصراط المستقيم.

- كان الرسول صلى الله عليه وسلم يسأل الله الهداية في دعائه وصلاته: «اللهمَّ إني أَسْألكَ الهدى والتقى»([93]). وعلَّم ابن عمِّه عليًّا - رضي الله عنه : «قُل اللهُمَّ اهدني وَسَددني..». ثم شرح له معنى الدعاء؛ ليدعو الله على بيِّنة؛ «... وَاذْكُرْ بالهدى هِدايتك الطريق والسَّداد سداد السهم». ثم عَلَّمَ الحسن بن علي - رضي الله عنه - أن يقول في قنوت الوتر: «اللهم اهدني فيمنْ هَدَيْتَ».

- الهداية أكبر نعمة ينعم بها الهادي سبحانه على عبده، وكل نعمة دونها زائلة، لذلك كان أهل العلم الراسخون فيه أكثر الناس حرصًا على هذه النِّعمة، وهم يدعون بعدم زوالها: ﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا﴾ [آل عمران: 8].

- أُمرت هذه الأمة أن تسأل اللهَ الهدايةَ في كلِّ ركعة من صلاتها: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ [الفاتحة: 6].

- الإنسان بقدر هدايته تكون سعادته وطيب عيشه وراحة باله في الدنيا وفوزه في الآخرة؛ ﴿فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [البقرة: 38]؛ أي فلا خوف عليهم فيما يستقبلونه من أمر الآخرة ولا هم يحزنون على ما فاتهم من أمور الدنيا.

- علاماتُ الهداية واضحة في نفس المؤمن: ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ﴾ [الأنعام: 125].


79

الحكـم

﴿أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا﴾

[الأنعام: 114]

مرة واحدة

الحاكم الذي سُلِّم له الحكم ورُدَّ إليه فيه الأمر؛ فهو أحكم الحاكمين الذي لا يجور ولا يظلم أحدًا، يحكم بين عباده في الدنيا والآخرة بعدله وقسطه؛ فلا يظلم مثقالَ ذرَّة، ولا يُحَمِّل أحدًا وزرَ أحد، ولا يجازي العبدَ بأكثر من ذنبه، ويؤدِّي الحقوق إلى أهلها؛ فلا يدع صاحبَ حقٍّ إلا وصل إليه حقه.

وأصل الحكم منع الفساد، وشرائع الله تعالى كلها استصلاح للعباد، وقد تضمن اسم (الحكم) جميع الصفات العلى والأسماء الحسنى؛ إذ لا يكون حكمًا إلا سميعًا وبصيرًا عالمًا وخبيرًا.

لذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم لرجل يُكْنَى بأبي الحكم: «إنَّ اللهَ هُو الحكَمُ وإليه الحكم، فَلمَ تُكَنَّى أَبَا الحكَم». فغيَّر الرسول صلى الله عليه وسلم كنيته لولده «فَأَنْتَ أَبُو شُرَيْح»([94]).

أثر الإيمان بالاسم:

- الحكم لله وحدَه، ومصدرُ التَّشريع هو ما أنزله تعالى على خَلْقه من الشَّريعة الإسلامية: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ﴾ [يوسف: 40].

- ليس لأحد أن يراجع اللهَ في حكمه أو يبطله؛ ﴿وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ﴾ [الرعد: 41].

- ليس لنا أن نتعدَّى حكمَ الله ونتجاوزه؛ لأنه لا حكم أعدل منه؛ متمثِّلين بموقف الرسول صلى الله عليه وسلم حين طلب منه المشركون أن يجعل بينه وبينهم حكمًا فنزل قوله تعالى: ﴿أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ﴾ [الأنعام: 114].

- من صفات المؤمنين الرِّضا بحكم الله وإن كان ضدَّ مصالحهم؛ ﴿إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا﴾ [النور: 51].

- ومن أعمق صور هذا الرِّضا بحكم الله موقف النَّبيِّ نوح - عليه السلام - الذي دعا ربَّه أن ينجي ابنه من الغرق حين بلغ الماء رؤوس الجبال مبديًا رضاه المسْبَق بحكم الله وهو يختم دعاءه بهذا الاسم: ﴿وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ﴾ [هود: 45].


80

الحكـيم

﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾

[آل عمران: 6]

94 مرة

المحكم المتقن الحكيم الذي لا يدخل تدبيره خلل ولا زلل، أفعاله سديدة وصنعه مُتقن.

 الحكمة: معرفة أفضل الأمور بأفضل العلوم، وقيل: «رأس الحكمة مخافة الله».

 لم يرد اسمُ الحكيم مفردًا؛ بل جاء مقرونًا بعدد من أسماء الله، وأكثرها (العزيز الحكيم، العليم الحكيم)؛ كنايةً عن مقتضى حكمة أمره في عذابه لفئة من الناس، ورحمته لأخرى، وفي تعليمه ما شاء لمن يشاء.

أثر الإيمان بالاسم:

- مصدر قضاء الله وقدره اسمه (الحكيم)؛ فله حكمة من أفعاله قد تظهر وقد تغيب عن خلقه؛ كما قالت الملائكة حين أراد الله أن يستخلف الإنسان على الأرض: ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ﴾ [البقرة: 30]، فأجابهم – تعالى : ﴿إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 30].

- من أدرك حكمة الله علم أنَّ اللهَ لا يخلق شيئًا عبثًا؛ فحكمته – تعالى - بهرت أولي الألباب حتى قالوا: ﴿رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [آل عمران: 191].

- اللهُ يَمْنَحُ الحكمة لمن يشاء من عباده، ومن حظي بهذه المنحة فقد ناله خير وسعادة أبدية؛ ﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ [البقرة: 269]، وهذا الخير يستدعي الغبطة؛ لعظم هذه النِّعمة؛ قال صلى الله عليه وسلم: «لا حَسدَ إلا في اثنتين رَجُلٌ آتاهُ اللهُ مالاً فَسُلَّطَ عَلى هَلكته في الحقِّ، ورجلٌ آتاهُ اللهُ الحكمةَ فَهْوَ يَقْضي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا»([95]).

- لم يقتصر الله في منح الحكمة على الأنبياء؛ بل جعل للصَّالحين من عباده حظًّا منها، ومن أشهرهم لقمان العبد الصالح: ﴿وَلَقَدْ آَتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ﴾ [لقمان: 12]؛ ذكر الله ذلك حثًّا للعباد على طلبها من الله والأخذ بها في أمورهم.

- أركان الحكمة: العلم والحلم والأناة.

- للحكمة 3 درجات:

1- أن تعطي كل شيء حقه ولا تعديه حدَّه ولا تعجِّله عن وقته ولا تؤخِّره عنه.

2- أن تشهد نظر الله في وعده وتعرف عدله.

3- أن تبلغ في استدلالك البصيرة وفي إرشادك الحقيقة وفي إشارتك الغاية.


81

الوكيـل

﴿وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ [آل عمران: 173]

14 مرة

الموكَّل والمفوَّض إليه الكفيل بأرزاق العباد، ويحتوي اسمُ الوكيل على ثلاثة معان: الكفيل، الكافي، الحفيظ.

والوكيل هو: المسندُ إليه القيام بأمر ما، وتوكَّل على الله: استسلم له وفَوَّضَ أمرَه إليه.

التَّوَكُّل: إظهار العجز والاعتماد على الغير.

والتَّوَكُّل على الله هو: التَّسليم لأمره وقضائه.

أثر الإيمان بالاسم:

- دعا محمد صلى الله عليه وسلم بهذا الاسم حين قيل له أن قريشًا يجتمعون عليه، ودعا به إبراهيم - عليه السلام - حين ألقي في النار؛ ﴿حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ [آل عمران: 173]، فنجَّاه الله وكفاه همَّه وحظي بالوقاية والسَّلامة والرِّبح والرزق والنعمة ورضا الله؛ ﴿فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾ [آل عمران: 174].

- حَضَّ الله على التَّوَكُّل عليه، حدَّ أنَّه شرطُ الإيمان بالتَّوَكُّل؛ ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [المائدة: 23]؛ فمن لا تَوَكُّل له لا إيمان له، والتَّوَكُّلُ يزيد بزيادة الإيمان ويَنْقص بنقصانه.

- ثم أبدى – تعالى - محبَّته للمتوكِّلين عليه؛ ﴿فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ [آل عمران: 159].

- وزاد على محبَّته الأجرَ العظيمَ والمكافأةَ المجزيةَ؛ ﴿فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ [الشورى: 36].

- وجعل – تعالى - التَّوَكُّلَ وقايةً وحمايةً من تَسَلُّط الشيطان عليه؛ ﴿إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ [النحل: 99].

- من صَدَقَ توكُّلُه على الله في حصول شيء ناله، وقد شرح الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه هذه الحقيقة عن أثر التَّوَكُّل الحقيقيّ: «لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَوكَّلُونَ عَلى الله حقَّ تَوَكُّلِهِ لَرُزقْتُمْ كَمَا تُرْزَقُ الطَّيْرُ تَغْدُو خمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا»([96]). خماصًا: جياع، بطانًا: عظيم البطن؛ أي شباعى.

- وفي موضع آخر ضرب الرسول صلى الله عليه وسلم لهم مثلًا تطبيقيًّا عن أثر التَّوَكُّل وفوائده الجليَّة: «إذا خَرَجَ الرَّجُلُ مِنْ بَيْته فَقَالَ بِسْم الله تَوَكَّلْتُ عَلى الله لا حَوْلَ وَلا قُوة إلا بالله». قال: «يُقالُ حينئذ: هُديتَ وكفيتَ ووقيتَ. فتتنحَّى له الشياطينُ فيقولُ له شيطانٌ آخرُ: كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي»([97]).

- أخبر تعالى أنَّ كفايتَه لعباده مقرونةٌ بتوكُّلهم عليه؛ ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ﴾ [الطلاق: 3].

- التَّوَكُّل من أعمِّ المقامات تعلُّقًا بالأسماء الحسنى.

- للتَّوَكُّل درجات ذكرها ابن القيم في مدارج السَّالكين نوردها بتصرف:

1- معرفة بالرَّبِّ وصفاته: قراءتك لهذا الكتاب أو غيره من كتب تشرح أسماء الله الحسنى هي أول درجات التَّوَكُّل؛ فمعرفتُك بأسماء الله وصفاته تعني أن تعرف من تتوكَّل عليه، وكيف تتوكَّل عليه حقَّ تَوَكُّله.

2- إثبات في الأسباب والمسبِّبات؛ فالتَّوَكُّلُ كالدُّعاء الذي جعله الله سببًا في حصول المدعوِّ به، فإذا لم يأت بالسَّبب امتنع المسبب، والتَّوَكُّلُ من أعظم الأسباب التي يَحصل بها المطلوب ويندفع بها المكروه.

3- رسوخ القلب في مقام توحيد التَّوَكُّل: فإنَّ العبدَ متى التفت إلى غير الله أخذ ذلك الالتفات شعبة من شعب قلبه فنقص من توكُّله على الله بقدر ذهاب تلك الشعبة؛ فمن يلجأ لساحر لجلب محبَّة زوج أو رزق أو غيره لا يعرف حقًّا معنى اسم الوكيل، وهو يتَّكل على غير الله، وقد حرَّم – تعالى - على عباده التَّوَكُّل على غيره واتِّخاذ غيره وليًّا أو معبودًا يفوِّضون إليه أمورهم؛ ﴿أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا﴾ [الإسراء: 2]؛ فهو وحده حسبهم ونعم الوكيل؛ حتى نفس الإنسان لا يستطيع الاتِّكال والاعتماد عليها متوهِّمًا في نفسه القدرة أو القوة؛ فقد كان من دعاء أكرم الخلق صلى الله عليه وسلم: «اللهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو فَلاَ تَكلني إلى نَفْسي طَرْفَةَ عَيْن»([98]).

4- اعتمادُ القلب على الله واستنادُه إليه وسكونُه يُحَصِّنُه من الخوف من الدُّنيا أو رجائها؛ فحالُه في الخوف حال مَنْ خرج عليه عدوٌّ عظيمٌ لا طاقةَ له به، فرأى حصنًا مفتوحًا فأدخله ربّه إليه وأغلق عليه بابه، فبقي يشاهد عدوَّه خارج الحصن؛ فاضطراب قلبه وخوفه من عدوه في هذه الحال لا معنى له، وحاله في الرجاء حال من أعطاه ملكٌ درهمًا فسُرق منه، فقال له الملك: «عندي أضعافه فلا تهتم متى جئت إليَّ أعطيتُك من خزائني أضعافَه». فإذا علم صحَّةَ قول الملك ووَثَقَ به واطْمَأَنَّ إليه وعلم أنَّ خزائنَه مليئةٌ بذلك لم يحزنه فوتُه.

5- حُسْنُ الظَّنِّ بالله: على قدر حسن ظنك بربك ورجائك له يكون توكُّلُك عليه، ولذلك فَسَّرَ بعضهم التَّوَكُّلَ بحسن الظَّنِّ بالله؛ إذ لا يتصوَّر التَّوَكُّل على من ساء ظنُّك به، ولا التَّوَكُّل على مَنْ لا ترجوه.

6- استسلام القلب لله تعالى: الاستسلام لتدبير الرَّبِّ كتسليم العبد الذليل نفسه لسيِّده وانقياده له وترك منازعات نفسه وإرادتها مع سيده تعالى.

7- التفويض: وهو روح التَّوَكُّل ولُبُّه وحقيقته؛ وهو إلقاء أموره كلِّها إلى الله وإنزالها به طلبًا واختيارًا لا كرهًا واضطرارًا؛ ﴿أُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾ [غافر: 44]؛ وهو كتفويض الابن العاجز الضَّعيف المغلوب على أمره كلَّ أموره إلى أبيه المتولِّي كفايتَه وحسنَ ولايته، وإذا وضع قدمَه في درجة التَّفويض انتقل منها إلى درجة الرِّضا.

8- الرضا هو ثمرةُ التَّوَكُّل وأعظم فوائده؛ فالمقدور يكتنفه أمران: التَّوَكُّل قبله، والرضا بعده؛ فمَن تَوَكَّلَ على الله قبل الفعل ورضي بالمقضيِّ له بعد الفعل؛ فقد قام بالعبودية؛ وهذا معنى قول بشر الحافي: «يقول أحدهم: توكَّلت على الله. يكذب على الله؛ لو توكل على الله لرضي بما يفعله الله به».

- باستكمال هذه الدَّرَجات الثَّمان يَستكمل العبدُ مقامَ التَّوَكُّل، وتثبت قدمه فيه؛ فلا يَشتبه لديه التَّفويض بالإضاعة ولا التَّوكُّل بالراحة، ولا اشتباه الثقة بالله بالغرور والعجز، وهذه الأخيرة الفرق بينهما أنَّ الواثقَ بالله قد فعل ما أمره الله به ووثق بالله في طلوع ثمرته كغارس الشجرة، والمغترُّ العاجز فرط فيما أُمر به وزعم أنَّه واثقٌ بالله، والثِّقةُ إنَّما تصحُّ بعد بذل المجهود.

والأمر هنا لا يُفَسَّرُ بالتَّواكل الشَّديد دون عزمة وعمل، كما ورد عن جماعة من اليمن يحجون ولا يتزودون بالطعام، ويقولون: «نحن المتوكِّلون». وهم يتسوَّلون طعامهم من الناس، فأنزل الله تعالى: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾ [البقرة: 197]؛ أي تزوَّدوا ما يكفُّ وجوهكم عن الناس ويقيكم ذلَّ سؤالهم.


82

الحفـيظ

﴿إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ﴾

[هود: 57]

3 مرات

الذي حفظ ما خلقه، وحفظ أولياءه من وقوعهم في الذنوب والمهالك، وأحصى على العباد أعمالهم وجازاهم عليها بفضله وعدله، والحفظ بمعنى: الجمع والوعي، وقد تكون بمعنى الأمانة.

أثر الإيمان بالاسم:

- الله وحده الحفيظ على خلقه، لا يشركه في ذلك أحدًا ولا حتى رسله؛ كما قال تعالى على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم ولسان شعيب - عليه السلام: ﴿وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ﴾ [الأنعام: 104]، وقوله تعالى عن النبي صلى الله عليه وسلم: ﴿فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا﴾ [النساء: 80].

- من حفظ الله تعالى لعباده أن يحفظ أعمالهم ويوفيهم حسابها إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر، وقد وكل الله بالعباد ملائكة يعلمون ويكتبون ما يفعلون؛ ﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ﴾ [الانفطار: 10، 11]؛ فهذا المعنى من حفظه يقتضي إحاطة علم الله بأحوال العباد كلها ظاهرها وباطنها، وكتابتها في اللوح المحفوظ وفي الصحف التي في أيدي الملائكة وعلمه بمقاديرها ثم مجازاته عليها : ﴿مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾ [الكهف 49].

- تكفَّل الله بحفظ كتابه العزيز من التحريف والتغيير على مر العصور: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: 9]، وها نحن بعد 14 قرن وبعد فتن سوداء وبدع محدثة عجز الجميع أن ينالوا من وعد الله الحفيظ بحفظ القرآن؛ فلم يغيروا حرفا واحدا في القرآن.

- وحفظ الكعبة وهي من آياته العظيمة؛ بيت من حجارة في واد غير ذي زرع حفظها الله من الزَّوال لتبقى شاهدًا على قدرة الله وحفظه، وحفظ السماوات والأرض وما فيهما؛ ﴿وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا﴾؛ يحفظهما بلا مشقَّة ولا كلفة، ودون أدنى تعب ولا نصب.

- ويحفظ السماءَ أن تقع على الأرض؛ ﴿وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آَيَاتِهَا مُعْرِضُونَ﴾.

- الله وحده من يحفظ الإنسان من الشرور والآفات والمهالك ﴿إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ﴾ [الطارق: 4]؛ يحفظ عبده من المهالك والمعاطب، ويقيه مصارع السوء؛ ﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ﴾ [الرعد: 11]؛ أي بأمر الله.

- ويحفظ العبد من عذابه وعقابه إن هو حفظ حدود الله؛ ﴿وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [التوبة: 112]؛ فبتقوى الله يُحفظ الإنسان ﴿فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ﴾ [النساء: 34].

- من حفظ الله في الدنيا حفظه الله من عذابه في الآخرة؛ قال الرسول صلى الله عليه وسلم لابن عباس: «يَا غُلاَمُ إني أُعَلَّمُكَ كَلمَات احْفَظ اللهَ يَحْفَظْكَ احفَظ اللهَ تَجدْهُ تُجاهك»([99]) ؛ أي احفظ أوامره بالامتثال ونواهيه بالاجتناب وحدوده بعدم تعدِّيها يحفظك في نفسك ودينك ومالك وولدك، وفي جميع ما آتاك الله من فضله.

- وعد الله عباده الحافظين لحدوده وعدًا يرونه في الآخرة رؤى العين ماثلاً أمامهم؛ ﴿هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ﴾ [ق: 32]، والوعدُ هو ما ذكر في الآية السابقة لها، ﴿وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ﴾ [ق: 31]، ثم بعد الرؤية يقول - عز من قائل: ﴿ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ * لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ﴾ [ق: 34، 35].

- علَّم الرسول صلى الله عليه وسلم أمته طلبَ حفظ الله بهذا الدعاء: «.. اللهمَّ احْفَظني منْ بَيْن يَدَيَّ وَمِنْ خَلْفي وَعَنْ يَميني وَعَنْ شِمَالي وَمِنْ فوقي..» ([100]).

- الصلاة من أعظم ما أُمر به العبد من واجبات، ولم يرد في القرآن أمر إلهي (حافظوا) سوى في هذه الآية؛ ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾ [البقرة: 238]؛ فمن صفات المؤمنين: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾ [المعارج: 34]، وسرُّ ذلك أنَّ الصلاةَ صلةٌ بالله، وعلى قدر صلة العبد بربِّه يُفتح عليه الخير ويُغلق عنه الشر؛ فالصلاة لها تأثير عجيب في صحة البدن والقلب وفي حفظ صاحبها؛ كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث قدسي عن الله عز وجل: «ابنَ آدمَ اركعْ لي مِنْ أَوَّل النَّهَار أَرْبَعَ رَكَعَات أَكْفكَ آخره»([101] وجاء أمر ثان من الله تعالى لعباده بحفظ اليمين: ﴿وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ﴾ [المائدة: 89]؛ بعدم التساهل في الحلف والقسم؛ فحفظ اليمين دليل إيمان العبد.

- وأمر الله – تعالى - عبادَه في صيغة ثالثة من أوامر الحفظ بحفظ  أجسادهم من الوقوع في الزنا: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ﴾ [النور: 30]، وقد مدح – تعالى - مَنْ فعل ذلك ووصفهم بالفلاح في أول سورة المؤمنون: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾، ثم عَدَّدَ صفات أهل الفوز والفلاح حتى قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ﴾ [المؤمنون: 5] .

- وممن مدحهم الله تعالى بالحفظ والمحافظة وهو يبشرهم بالفوز العظيم: ﴿وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [التوبة: 112].


83

الوليّ

﴿وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ﴾

[الشورى: 28]

16 مرة

المتولي للأمر والقائم به، مالك التدبير، ولي النعمة الناصر.

الولي من الموالاة وهي: القرب والدنو: (كل مما يليك)؛ بمعنى مما يقاربك، والولي ضد العدو.

ورد الاسم في آيات كثيرة بصيغ عديدة منها: (وَهوَ وَليُّهُم)، (أَنتَ وَليِّي)؛ لكن بصيغة (ولي) دون زيادات ورد 16 مرة.

وورد الاسم في مواضع التعزيز والدعم والنصر للمؤمن.

أثر الإيمان بالاسم:

- تفرَّد الله بولاية عباده ونصرهم على أعدائهم؛ ﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا﴾ [النساء: 45]. ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ [البقرة: 257]؛ يتولاهم بإرشاده وعونه وتوفيقه لما قابلوا إنعام الله عليهم بالشكر.

- اختصَّت الولاية بالمؤمنين؛ أما الكافرين فلا يُقال: الله وليهم. لجحودهم بنعمه: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ﴾ [البقرة: 257].

- ولاية الله تعالى للمؤمنين تحقِّق لهم الأمن والسعادة؛ ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [يونس: 62]؛ لا يحزنون على ماض ولا يخافون مستقبلا.

- التقوى من أعلى مراتب التقرب من الله، والدخول في معيته، والفوز بولايته؛ ﴿وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ﴾ [الجاثية: 19].

- وعلى هذا فولاية الله تعالى لعباده كسبية وليست وهبية؛ أي يكتسبها  المؤمن بالعمل الصالح؛ ﴿وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأنعام: 127]؛ فلا تُنال الولاية إلا بالإيمان الصادق والعلم الراسخ والعمل المتواصل الثابت والاهتداء بهدي الله تعالى؛ فهي ليست هبةً بلا سبب كما يعتقد بعض أهل الجهل والمغالاة؛ حيث نسبوا الولايةَ للمجانين والفسقة والظلمة والزنادقة من أهل وحدة الوجود والاتحاد بمجرد حصول بعض الخوارق والشَّعْوذات الشيطانية على أيديهم؛ كالدخول في النار وحمل الأفاعي وغيرها؛ فتعالى الله عما يقولون.


84

المولى

﴿وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾

[الحج: 78]

مرة واحدة

المولى المأمول في النصر والمعونة، الناصر.

والمولى هو: الناصر والتابع والشريك والحليف، وولي فلان أمر فلان، فهو وليه ومولاه.

اقترن اسم (الولي والمولى) بـ (النصير)؛ حيث الله وحده المأمول في النصر والمعونة؛ فولاية الله محققةٌ للنَّصر والفوز.

الفرق بين الولي والمولى:

اسم (الولي) خاصٌّ بالمؤمنين؛ أما اسم (المولى) فقد اختلف فيه؛ قيل أنه خاصٌّ بالمؤمنين عطفًا على قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ﴾ [محمد: 11]؛ أما من قال أنه عامٌّ لجميع الخلق المؤمن والكافر فاستدل بقوله تعالى: ﴿ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ﴾ [الأنعام: 62]؛ وهذان القولان لا خلاف بينهما؛ إذ معنى كونه مولى الكافرين أي مالكهم والمتصرف فيهم بما شاء، ومعنى كونه مولى المؤمنين دون الكافرين: أي ولاية محبَّة وتوفيق.

أثر الإيمان بالاسم:

- الله مولى  عباده، وهو نعم المولى لمن تولَّاه ونعم النصير لمن استنصره؛ ﴿بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ *﴾ [آل عمران: 150].

- جاء في الحديث أن أبا سفيان قال في يوم أحد حين هُزم المسلمون: «أفي  القوم مُحَمَّدٌ؟» فقال صلى الله عليه وسلم: «لا تُجيبُوهُ» لكنه عندما قال: «لَنا الْعُزَّى وَلاَ عُزَّى لكُم». قال الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «أجيبُوهُ». قَالوا: «ما نَقُولُ؟» قال: «قُولوا اللهُ مَوْلانَا وَلاَ مَوْلَى لَكُمْ»([102])؛ فأمرهم بجوابه عند افتخاره بآلهته وبشركه؛ تعظيمًا للتوحيد وإعلامًا بعزة من عبده المسلمون، وأنه لا يُغلَب، ونحن حزبُه وجُنده.

- وفي خواتيم البقرة التي مَن قرأها كفتاه جاء طلب النصر باسم المولى؛ ﴿أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ *﴾ [البقرة: 286].

- أرشد الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم إلى جواب المنافقين في عداوتهم له: ﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [التوبة: 51]: هُوَ مَولانا: أي سيدنا وملجؤنا.


85

النصير

﴿وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا﴾

[الفرقان: 31]

4 مرات

الموثوق منه بأن لا يسلم وليه ولا يخذله، ينصر المؤمنين على أعدائهم.

النصير هو: الناصر، وجمعها: الأنصار، ونصره إذا أعانه على عدوه، والنصر هو العون.

أثر الإيمان بالاسم:

- الله تعالى مصدر النصر الحقيقي؛ ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ [آل عمران: 126].

- والنصر له على الإطلاق: ﴿إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ﴾ [آل عمران: 160]؛ وعلى هذا فلا ناصر ولا معين سوى الله تعالى: ﴿وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾ [البقرة: 107]، وقد تكرر هذا المعنى في آيات كثيرة؛ لتتوجَّه قلوب عباده وأكفُّهم بالضَّراعة إليه تعالى.

- أخبر الله تعالى أنَّ نصرَه لرسله وعباده يشمل الدنيا والآخرة معًا؛ ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾ [غافر: 51].

- شرط الله لطالبي نصره أن ينصروه أولاً؛ ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ [محمد: 7] نصرة العبد لربه؛ بنصرته لدين الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم والعمل لمرضاته؛ فينصره الله ويعينه، والجزاء من جنس العمل.

- وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يناجي الله بهذا الاسم في غزواته وسط أرض المعركة: « اللُهمَّ أَنْتَ عَضُدِي وَنصيري بِكَ أَحُولُ وَبكَ أَصُولُ وَبِكَ أُقاتلُ»([103]).


86

الكافي

﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ﴾

[الزمر: 36]

مرة واحدة

الذي يكفي عباده كل شيء القائم بالأمر.

ورد الاسم كصفة مرة واحدة، ثم جاءت الكفاية كفعل في مواضع عديدة من القرآن؛ ﴿وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا﴾ [النساء: 81].

الكفاية هي: القيام بالأمر والاستقلال به، وقيل: هي دفع المكروه، وقيل: هي القوت.

أثر الإيمان بالاسم:

- الكافي عباده رزقًا ومعاشًا وحفظًا ونصرًا وعزًّا هو الله تعالى الذي يُكتفى به عمَّن سواه.

- والكفايات كلُّها واقعةٌ به وحده؛ فلا تكون العبادة إلا له، ولا الرغبة إلا إليه، ولا الرجاء إلَّا منه تعالى.

- روي في الحديث الصحيح عن الغلام المؤمن الذي دعا على جنود الملك الكافر حين أرادوا  إلقاءه من فوق الجبل، فدعا الله: «اللهمَّ اكفينهم بما شئت» فَرجفَ بهمُ الجبلُ فَسَقَطُوا وَجَاء يمشي إلى الملك فقال له الملك: «ما فعلَ أصحابك» قال: «كفانيهم الله».

- ورد من دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم على قريش: «اللهم اكفينهم بسبع كَسبع يُوسُفَ». فأصابتهم سنة جفاف حصت كل شيء حتى أكلوا العظام، وكفاه – تعالى - شرَّ من كفر به؛ ﴿فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [البقرة: 137].

- ينبغي للمؤمن أن يكتفي بالله، وهو يكفي نفسه عن غيره؛ فلا يكون عالةً على الناس يتكفَّفهم، ويحذر الكافي تعالى وهو يكفي الناس شرَّه وأذاه.


87

الشافي

قال صلى الله عليه وسلم: «اشفه وَأنتَ الشافي»

الشافي الصدور من الشُّبه والشُّكوك والحسد والغلِّ؛ شافي الأبدان من الأمراض والآفات، لا يقدر على ذلك غيره ولا يُدعى بهذا الاسم سواه.

الشفاء هو البرء من المرض ورفع ما يؤذي ويؤلم البدن، واستشفى أي طلب الشفاء.

أثر الإيمان بالاسم:

- لا شافي على الإطلاق إلا الله؛ ﴿وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ﴾ [الشعراء: 80]؛ فالشفاء له وبه ومنه، والأدوية المستعملة إنما هي وسائل وأسباب يسبِّبها الله لتحدث للعبد الصِّحَّةَ، والصحة لا يَخلقها سواه؛ فكيف ينسبها إلى جماد من الأدوية، ولو شاء الله لَخَلَق الشِّفاءَ بلا سبب؛ ولكن لما كانت الدنيا دار أسباب جرت السُّنَّةُ فيها بمقتضى الحكمة على تعليق الأحكام بالأسباب؛ كما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم: «مَا أَنْزَلَ اللهُ دَاءً إلا أنزلَ لَهُ شِفَاء»([104]). وزاد صلى الله عليه وسلم على تأكيد ذلك بقوله «لكل داء دواء»([105]).

- التَّداوي لا ينافي التَّوَكُّلَ على الله، كما لا ينافيه دفع الجوع بالطَّعام، وكذلك تجنب المهلكات بالدُّعاء بطلب العافية ودفع الضُّرِّ.

- وعلى هذا رقى جبريل - عليه السلام - الرسولَ صلى الله عليه وسلم حين اشتكى مرضا: «بِسْم الله أرقيك من كل شيء يُؤذيك، من شر كل نفس أو عين أو حاسد اللهُ يَشفيكَ، بسم الله أرقيك»([106]).

- وكان من دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم إذا أتى مريضًا: «اللهمَّ ربَّ الناس، أَذْهِبِ البَأسَ، اشفِهِ وَأَنتَ الشافي، لاَ شِفَاءَ إلاَّ شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لاَ يُغادرُ سقمًا»([107]).


88

الرفيق

قال - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ الله رَفيقٌ يُحبُّ الرَّفْقَ في الأمر كُلِّه».

كثير الرفق، المُيسر والمُسهل لأسباب الخير كلها.

والرفق: لين الجانب ولطافة الفعل، وقد يجيء بمعنى التَّمَهُّل والتَّأَنِّي في الأمور، وهو ضد العنف.

أثر الإيمان بالاسم:

- أطلق الإمام البخاريُّ على أحد أبواب صحيحه مسمَّى: (باب الرفق في الأمر كله)؛ بناءًا على هذا الحديث للرسول صلى الله عليه وسلم مع عائشة حين غضبت من تحية اليهود: (السامُ عليكَ) - السَّام هو الموت – فردَّت: (بَلْ عَليْكُمُ السامُ واللعنةُ). فعلَّمها الرسول صلى الله عليه وسلم الرَّدَّ: «قَد قُلْتُ وَعليكُمْ». بعد أن تلطَّف معها في تعليمها لاسم الله ومعانيه: «يَا عائشةُ إنَّ اللهَ رَفيقٌ يُحبُّ الرِّفقَ في الأمر كلِّه»([108]).

- وبيَّن صلى الله عليه وسلم في موضع آخر ثوابَ الرِّفق: «وَيُعْطي عَلى الرَّفْق مَا لا يُعطي عَلى العُنْف وَما لا يُعطي عَلى ما سِوَاهُ»([109]). وعطاؤه بمعنى الثواب، وقيل: يتأتَّى معه من الأمور ما لا يتأتَّى مع ضدِّه.

- وأفاض الرسول صلى الله عليه وسلم في وصف الرِّفق: «إنَّ الرفقَ لاَ يَكُونُ في شيء إلا زانه وَلا يُنْزَعُ مِنْ شَيء إلا شانهُ»([110]).

- ثم جاء حديث آخر تأكيدا على ارتباط الرفق بالخير: «مَنْ يُحْرَم الرِِّفق يُحْرَم الخير». مسلم 6763.


89

الجمـيل

قال - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ اللهَ جميلٌ يحبُّ الجمالَ»

كُلُّ أمره تعالى حسن وجميل؛ فهو مجمل من شاء من خلقه، جليل ذو نور، له الأسماء الحسنى؛ لأن القبائح لا تليق به؛ فهو سبحانه الأجمل والأحسن في صفاته.

الجمال: الحسن، ويكون في الفعل والخلق.

أثر الإيمان بالاسم:

- أفضل التجمل هو لله، ومكمن جمال العبد وتجمله قلبه؛ فالله ينظر للقلوب ولا ينظر للصور؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: «إنَّ اللهَ لا ينظرُ إلى أجسادكُمْ وَلاَ إلى صُوركمْ؛ ولكن يَنظُرُ إلى قُلوبِكُم، وأشارَ بأصابعه إلى صدره»([111]).

- لأجل ذلك أوصى الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم وأمَّتَه بالجمال الداخليِّ وهو يوصي بسلوكيات مثل الصبر والهجر والصفح، مع مرارة بعضها؛ أردفها بوصف الجمال؛ ﴿فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا﴾ [المعارج: 5]؛ جمال الصبر أنَّه لا جزعَ ولا شكوى فيه لأحد غير الله.

- ﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا﴾ [المزمل: 10]؛ جمال الهجر هنا أنه لا عتاب معه، وقيل: لا جزع فيه.

- ﴿فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ﴾ [الحجر: 85]؛ جمال الصَّفح بعدم الأذيَّة؛ يقابل الإساءة بالإحسان والذَّنب بالغفران.

- ﴿وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا﴾ [الأحزاب: 49]؛ إطلاق سراح الزوجات بتطليقهن طلاقًا خاليًا من الأذى والضر ومنع الحقوق الواجبة.

- الله يحب التَّجمُّل في غير إسراف ولا بطر ولا كبر ولا خيلاء؛ قال صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقالُ ذرَّة من كبر». فقال رجل: «إنَّ الرجلَ يحبُّ أن يكون ثوبُه حسنًا ونعلُه حسنة». قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله جميلٌ يجبُّ الجمالَ؛ الكبرُ بَطَرُ الحقِّ وغَمْطُ الناس» ([112]).

البطر: التَّكبُّر على الحقِّ فلا يقبله. الغمط: الاحتقار والاستهانة.

- الأكوانُ محتويةٌ على أصناف الجمال، وجمالُها من الله تعالى؛ فهو الذي كساها الجمال وأعطاها الحسن؛ فهو تعالى أولى منها به؛ لأن مُعطي الجمال أحقُّ بالجمال.


90

القـابض

قال - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ اللهَ هُوَ المسعِّرُ القابضُ الباسطُ الرازقُ»

يطوي برَّه عمَّن يشاء، وقد اتَّفق معظم العلماء أنَّ القبضَ في ثلاثة أمور:

1- قابضٌ للأرزاق: ويقبض الرِّزق عمَّن يشاء بلطفه وحكمته، ويقبض الصَّدَقات من الأغنياء، ويبسط الأرزاق للفقراء.

2- قابضٌ للأرواح: يقبض الأرواح بالموت الذي كتبه على العباد، ويبسط الأرواح في الأجساد عند الحياة.

3- قابض للقلوب: يقبض القلوب فيضيقها حتى تصير حرجًا؛ ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ﴾ [الأنعام: 125].

القبض هو: التقتير والتضييق.

أثر الإيمان بالاسم:

- قَبْضُ اللهُ للرزق عن عباده فيه حكمة بالغة؛ وتوضِّحها الآية: ﴿وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ﴾ [الشورى: 27].

- ولأنَّ قبضَ الله تعالى فيه حكمة إلهية لا يدركها البشر، فقد نهى الله تعالى عباده عن قبض اليد؛ أي الامتناع عن الإنفاق على الخير، وبلغ في النَّهي حدَّ أن جعلها صفةً للمنافقين؛ ﴿الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ *﴾ [التوبة: 67].

- ولأنَّ الغلاءَ والرُّخص والسَّعة والضِّيق بيده سبحانه، ردَّ الرسولُ صلى الله عليه وسلم على الناس حين قالوا له: «يَا رَسُول الله غَلاَ السَّعْرُ فَسَعَّرْ لنا» فقال: «إنَّ الله هو المسعِّرُ القابض الباسطُ الرازق»([113]). وشاهد هذا الحديث قوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [البقرة: 245]؛ حيث تفرَّد الله بقبض الأرزاق وبسطها على من يشاء.

- وتتجلَّى عظمة تفرُّده تعالى بالقبض وقت زوال الدنيا، كما تفرُّده بالملك آنذاك في قوله صلى الله عليه وسلم: «يَقبضُ اللهُ الأرضَ ويطوي السماوات  بيمينه، ثُمَّ يَقُولُ: أنا الملكُ، أينَ مُلوُكُ الأرض»([114]).

- مَنْ ضُيِّق عليه في رزق أو قلب أو غيره ينبغي ألَّا يلجأَ إلَّا إلى القابض الباسط، ويعلم أنَّ ذُلَّ الضِّيق بعدله سبحانه لمصلحته؛ فهو لا يظلم أحدًا سبحانه عز وجل من قائل: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [الزمر: 67].


91

الباسـط

الدليل السابق: ﴿وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [البقرة: 245]

ناشر فضله على عباده الباسط للأرزاق والرحمة والقلوب.

باسط رزقه على مَن أراد أن يوسِّع عليه؛ ﴿يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [الشورى: 12]، وهو الذي يبسط الأرواح في الأجساد عند الحياة، وهو الذي يبسط القلوب بما يفيض عليها من معاني برِّه ولُطفه؛ ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ﴾ [الأنعام: 125].

البسط هو: السَّعَة. وبسطه: نَشَرَه، وقيل: إنَّ أعظمَ البسط بسطُ الرَّحمة على القلوب حتى تستضيء وتخرج من ظلمة الذُّنوب.

أثر الإيمان بالاسم:

- من أجمل ما ورد عن بَسْط الله تعالى لعباده بالرَّحمة ما قاله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ اللهَ - عز وجل - يَبْسُطُ يدَهُ بالليل ليتوبَ مُسيء النَّهار، ويَبْسطُ يَدَهُ بالنَّهار ليتوبَ مسيءُ الليل، حتى تَطْلعَ الشَّمسُ من مغربها»([115]).

- ينبغي لمن امتنَّ الله عليه ببسطة في المال أو العلم أو الجسم أن يؤدِّيَ حقَّ هذه النِّعم ويَحذر من استعمالها في المعاصي ومن بَسطها عليه، وهو الباسط - عز وجل - يُذَكِّرُه بمَرْجعه إليه؛ ﴿وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [البقرة: 245].

- الأدبُ في هذين الاسمين أن يُذْكَرا معًا؛ ليكون أنبأَ عن تمام القدرة وأَدَلَّ على الحكمة.


92

المعطي

قال - صلى الله عليه وسلم -: «اللهُ المعطي وأنا القاسم».

لا معطي لما منع، ولا مانع لما أعطى؛ فجميع المصالح والمنافع منه تُطْلَب، وإليه يُرْغَب فيها، وهو الذي يعطيها لمن شاء ويمنعها من يشاء بحكمته ورحمته.

- أثر الإيمان بالاسم:

- جعل الله لعطائه وإكرامه أسبابًا، ولضدِّ ذلك أسبابًا؛ من قام بها رتبت عليها مسبباتها، وكُلٌّ مُيَسَّرٌ لما خُلق له؛ فأهل السَّعادة يُيسَّرون لعمل أهل السَّعادة، وأهلُ الشَّقاوة فيُيَسَّرون لعمل أهل الشَّقاوة، وهذا يوجبُ للعبد القيامَ بتوحيد الله، والاعتماد على ربِّه في حصول ما يحب، والاجتهاد في فعل الأسباب النافعة؛ فإنَّها محلُّ حكمة الله.

- ومن أجمل ما يُعطى العبدُ كما قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ يُرد اللهُ به خَيْرًا يُفقِّهْهُ في الدِّين، واللهُ المعطي وَأنَا القَاسم»([116])؛ أي لا يتصرَّف بعطية، ولا يعطي أحدًا إلَّا بأمر الله.

- وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم في دُبُر كلِّ صلاة: «اللهمَّ لا مَانعَ لما أَعْطيْتَ، ولاَ مُعطي لما مَنَعتَ»([117]).

- وإن كان لعطاء البشر حَدٌّ معيَّنٌ فإنَّ عطاءَ الله تعالى لعباده لا يَنقطع؛ ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ *﴾ [هود: 108]. مجذوذ: مقطوع.

- قال تعالى عن نعيم الجنة أنه ﴿جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا﴾ [النبأ: 36]؛ أي جازاهم الله به وأعطاهموه بفضله ومَنِّه وإحسانه ورحمته عطاءً حسابًا؛ أي كافيًا وافيًا سالمًا كثيرًا؛ تقول العرب: أعطاني فأحسبني: أي كفاني. ومنه: حسبي الله: أي الله كافيني.

- يعطي الله تعالى مَنْ يسعى للدُّنيا ومَن يَسعى للآخرة؛ كلًّا ما يستحقُّه من السَّعادة والشَّقاوة؛ ﴿كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا *﴾ [الإسراء: 20]؛ أي لا يمنعه أحد، ولا يردُّه رادٌّ.

- حَثَّ الرسول صلى الله عليه وسلم أمَّتَه على البَذْل والعطاء؛ «الأيدي ثلاثةٌ؛ فَيَدُ الله العليا ويدُ المعطي التي تليهَا وَيَدُ السائل السُّفْلى؛ فَأَعْط الفضْلَ وَلاَ تَعْجزْ عَنْ نفْسِكَ»([118])؛ فاليدُ العليا هي المنفقة المعطية، والسفلى هي السَّائلة.


93

المقـدّم

قال - صلى الله عليه وسلم -: «أنتَ المقدِّمُ وأنتَ المؤخِّرُ».

المُعطي لعوالي الرُّتَب والمُنزل للأشياء منازلها؛ يقدِّم ما يشاء ويؤخِّر ما يشاء لمن شاء؛ فهو المقدِّمُ لبعض الأشياء؛ كتفضيل الأنبياء على سائر البشر، وتفضيل العباد بعضهم على بعض.

وقدم: تقدَّم، والإقدام بمعنى الشَّجاعة، والقَدَم بمعنى السابقة في الأمر؛ ﴿لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ [يونس: 2].

أثر الإيمان بالاسم:

- كان من دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم في قيام الليل: «فاغفر لي مَا قَدَّمتُ وما أَخَّرْتُ وما أسررتُ وما أعلنتُ؛ أنتَ المقدِّمُ وأنتَ المؤخِّرُ لا  إله إلا أنت»([119]).

- حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على تقدُّم أمته وهو يدربهم على التَّقدم في الصلاة: «تقدَّموا فائتموا بي وليأتم بكمْ مَنْ بَعْدَكُمْ؛ لا يزالُ قَوْمٌ يتأخَّرونَ حتى يؤخِّرَهُم الله»([120])؛ أي يؤخِّرهم اللهُ عن رحمته.

- حَثَّ الله تعالى عباده على التَّقَدُّم بالمسارعة لطاعته؛ ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾. [آل عمران: 133].

- وفي آية أخرى جعل السُّرعةَ حدَّ السِّباق لمرضاته؛ ﴿سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ [الحديد: 21].

- مَن كان سَبَّاقًا للخيرات في الدُّنيا كان سَبَّاقًا لدخول الجنة في الآخرة، والنَّاسُ في ذلك درجات؛ حيث ذَكَرَ الرَّسول صلى الله عليه وسلم صفات المارِّين على الصِّراط في حديث كان منه: «فيمر أولكمْ كالبرق» «ثُمَّ كمرَّ الريح ثُمَّ كَمَرَّ الطير وَشَدَّ الرجال.. حَتَّى يجيء الرجلُ فلا يستطيع السَّيرَ إلا زحفًا». وفي كلِّ تلك الحالات يقف خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم على الصِّراط يقول: «ربَّ سلِّمْ سَلِّمْ»([121]).

- حق على المؤمن أن يُقدِّم ما قدمه الله، ويسابق إلى طاعته والعمل بمرضاته والتقرب إليه بما يحب؛ فهذا سبيل التَّقَدُّم إلى مراتب الشَّرف والكرامة في الدُّنيا والآخرة.


94

المؤخـر

قال - صلى الله عليه وسلم -: «أنت المقدمُ وأنتَ المؤخرُ»

الذي يؤخِّر الأشياءَ فيضعها في مواضعها، وهو الدَّافع عن معالي الرُّتب؛ أَخَّر مَن شاء عن مراتبهم، وأَخَّر الشيء عن حين توقُّعه لعلمه وحكمته.

الآخر: بعد الأول، وجاء آخرًا: أي أخيرًا، والتَّأخير ضدُّ التَّقدُّم.

أثر الإيمان بالاسم:

- لا مقدِّمَ لما أخَّر الله، ولا مؤخِّرَ لما قدَّم، ومن الأدب الدُّعاء بالاسمين معًا.

- مَنْ تراخى وتكاسل وتأخَّر عن واجباته تجاه الله، فإنَّه المتأخر عن درجات الخير والثواب والرحمة، والمؤخر في الآلام والعذاب؛ كما قال صلى الله عليه وسلم عن المتأخِّرين عن صفوف الصَّلاة: «لاَ يَزالُ قومٌ يتأخرُونَ حتَّى يُؤَخرهُمُ الله»([122]).

- جاء الرسول صلى الله عليه وسلم آخر الأنبياء لكنه مع ذلك كان مقدَّمًا عليهم في الشَّرف.

- إن تأخَّر الخيرُ على الإنسان وَجَبَ عليه ألَّا يجزعَ ويقنط من رحمة الله؛ فهذا من حكمة الله.


95

المنـان

سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلًا صَلَّى ثم دعا: «اللهُمَّ إنَّي أَسْأَلُكَ بِأَنَّ لَكَ الْحَمْدَ لَاَ إله إِلاَّ أَنْتِ المنَّانُ بَديعُ السَّماوات وَالأَرْض يَا ذَا الجلال وَالإكْرَام يَا حَيُّ يَا قّيُّومُ».

فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لَقَدْ دَعَا اللهَ بِاسْمِه الْعَظيم الذي إذا دُعي به أجَابَ وإذَا سُئل به أعطى»([123]) .

كثير العطاء عظيم المواهب مَنَّانٌ على عباده بإحسانه وإنعامه ورزقه إياهم. المنّ: العطاء دون طلب عوض.

ثبوت الاسم جاء في حديث رُوي فيه أنَّ الرسولَ صلى الله عليه وسلم سمع رجلًا صلَّى ثم دعا بأسماء الله تعالى: « اللهُمَّ إنَّي أَسْأَلُكَ بِأَنَّ لَكَ الْحَمْدَ لَاَ إِلاَّ أَنْتِ المنَّانُ بَديعُ السَّماوات وَالأَرْض يَا ذَا الجلال وَالإكْرَام يَا حَيُّ يَا قّيُّومُ». فلم ينكر عليه صلى الله عليه وسلم؛ بل قال: «لَقَدْ دَعَا اللهَ بِاسْمِه الْعَظيم الذي إذا دُعي به أجَابَ وإذَا سُئل به أعطى»([124]) .

أثر الإيمان بالاسم:

أوضح الله بعض منَّاته على رسله؛ ﴿وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ * وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ﴾ [الصافات: 114، 115].

- وقال تعالى عن يوسف معترفًا بمنَّة الله عليه: ﴿أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [يوسف: 90].

- مَنَّ اللهُ على عباده بنعم كثيرة، من أعظمها الدِّين الإسلاميّ الذي بعث به خاتم الأنبياء: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [آل عمران: 164].

- حين لا يدرك البعض أنَّ الإسلامَ منَّةٌ من الله يقع في خطأ قال عنه تعالى: ﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ *﴾ [الحجرات: 17].

- الهدايةُ منَّةٌ عظيمة؛ إذا أدرك المؤمنُ معانيها أدرك أنَّ المنَّةَ لله وحده في كُلِّ ما أعطاه الله وأنعم عليه؛ حتى في دخوله الجنة: ﴿فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ﴾ [الطور: 27].

- ومن كانت حاله كذلك في حاجة دائمة لمنة الله عليه، حُرِّم عليه منازعةُ الله صفةَ المنَّان في عطائه أو صدقته؛ فإن فعل فهذا الأمر يبطل مفعولَ صدقته ويبطل فرصته يوم القيامة في نيل رحمة الله؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: «ثلاثةٌ لا يكلمُهُمُ اللهُ يَوْمَ القيامة: المنانُ الذي لا يُعطي شيئًا إلا منَّهُ، والمنفقُ سلعتهُ بالحلف الفاجر، والمسْبلُ إزارهُ»([125]).

ومَنْ ضاعت عليه فرصةُ رحمة الله حُرِّم عليه دخول الجنة؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: «لا يَدْخُل الجنةَ مَنَّانٌ ولاَ عَاقٌّ ولا مُدْمنُ خَمْر»([126]).

- قال بعضُهم: إذا أعطيتَ رجلاً شيئًا - أي أسديت له معروفًا - ورأيتَ أنَّ سلامك يثقل عليه، فكفَّ سلامَكَ عنه. وقيل: إذا اصطنعتم صنيعةً فانسوها، وإذا أُسديت إليكم صنيعة فلا تنسوها.

- قال ابنُ القَيِّم: المَنُّ نوعان:

1- بالقلب؛ وهذا إن لم يُبطل الصَّدقةَ فهو من نقص الاعتراف بمنَّة الله عليه؛ أن يَسَّرَ له المالَ لينفقَه.

2- مَنٌّ باللِّسان؛ وفيه اعتداء على مَنْ أحسن إليه.

- اختصَّ الله تعالى المنَّ لنفسه؛ لأنه من العباد تكدير وتعيير، ومن الله تعالى إفضالٌ وتذكير.


96

السـيد

قال - صلى الله عليه وسلم -: «السَّيِّدُ اللهُ تَبَاركَ وتعالىَ».

مالك الخلق، له السُّؤْدَدُ والشَّرف على الإطلاق، والخلق كلُّهم عبيدُه محتاجون إليه على الإطلاق.

السُّؤدد: الشرف، والسيد من البشر هو مَن فاق غيرَه بالعقل والمال والدَّفع والمنع، والسيد الذي لا يغلبه غضبه، وسمِّي سيدًا لأنَّه يَسود سوادَ الناس؛ أي أغلبهم، وسيِّدُ كلِّ شيء أشرفُه، واللهُ سيدُ الخَلق.

أثر الإيمان بالاسم:

- السِّيادة والشرف على الإطلاق لله تعالى؛ فقد رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه جاءه وفدٌ من بني عامر قالوا له: «أنتَ سيدنَا» فقال صلى الله عليه وسلم: «السيدُ اللهُ تبارَكَ وَتَعَالى». أي هذا الوصف على الكمال والحقيقة لله تعالى، ثم قال الوفد: «وأفضلنا فضلاً وأعظمنَا طولاً». فَرَدَّ عليهم صلى الله عليه وسلم: «قُولوا بقولكُمْ أوْ بَعْض قَوْلكُمْ ولاَ يَسْتَجْرينَّكُمُ الشيطانُ»([127]). حثَّهم على أن يدعوه نبيًّا ورسولًا كما سمَّاه الله، ولا يُسَمُّونه كما يُسَمُّون رؤساءهم؛ فالنبي لا يسودهم بأسباب الدُّنيا؛ إنما يسودهم بالنُّبوَّة والرِّسالة.

- كلُّ سيادة وشرف للمخلوق فمنه تعالى وتَفَضُّلٌ على عبيده؛ فلا فخرَ له بهذه السِّيادة؛ كما أخبر صلى الله عليه وسلم عن نفسه بسؤدد فاض عليه من فضل ربِّه تعالى في الآخرة: «أنا سَيِّدُ ولد آدم يوم القيامة»([128]). وفي رواية للتِّرمذيِّ 3975: «أنا سَيَّدُ وَلد آدمَ يَوْم القيامة وَلاَ فَخْرَ». لا فخر: لأنه لم يَنَلْها من قبل نفسه؛ بل كرامةً من الله تعالى.

- ثم فَسَّر صلى الله عليه وسلم معنى وأسباب هذه السِّيادة في بقيَّة الحديث: «وَأوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ الْقَبْرُ وَأوَّلُ شَافع وَأَوَّلُ مُشَفَّع»([129]).

- سؤدَدُ العبد في التَّقوى لسيِّده، وسيادة العبد على نفسه وأهوائه وشهواته يمكنه الله منها إن استعان بسيادة الله تعالى عليها.


97

الحييّ

قال - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ ربَّكمْ تَبَارك وَتَعالى حَييٌّ كريمٌ»

كثير الحياء، وقد أَوَّلَ كثيرٌ من العلماء صفةَ الحياء له سبحانه بالتَّرك تارة حين يترك عقاب عبده، وبالكراهية تارة حين يكره أن يردَّ دعاءَ عباده، وبالرحمة تارة، وكلُّها من لوازم الحياء.

الحياء: الاحتشام وانقباض النَّفْس عن القبائح.

حياؤه – تعالى - وصفٌ يليق به، ليس كحياء المخلوقين الذي هو تَغَيُّرٌ وانكسار يعتري الشَّخصَ عند خوف ما يُعاب أو يُذمّ؛ بل حياؤه تعالى هو ترك ما ليس يتناسب مع سعة رحمته وكمال جوده وكرمه وعظيم عفوه وحلمه؛ فالعبد يجاهره بالمعصية ويستعين بنعمه على معصيته؛ ولكنَّ الرَّبَّ – سبحانه - مع كمال غناه وتمام قدرته على العبد يستحيي من هَتْك سَتره وفضيحته.

أثر الإيمان بالاسم:

- يستحيي الله تعالى ممَّن يَمُدُّ يديه إليه أن يردَّهما صفرًا؛ فمن رحمة الله تعالى وكرمه أنَّه يدعو عبادَه إلى دعائه وهو يعدهم بالإجابة؛ فوصفُ الحياء يوصَفُ به مَن كرمت نفسه؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: «إنَّ ربَّكمْ تبارَكَ وَتَعالى حييٌّ كريمٌ يستحيي من عبده إذا رَفَعَ يَدَيْه إليه أَنْ يَرُدَّهُمَا صفرًا»([130]).

- قال تعالى: ﴿وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ﴾ [الأحزاب: 53]؛ فَوَصْفُه بأنَّه يستحيي من العبد لا يتنافى مع وَصْفه نفسه بأنَّه لا يستحيي من الحقِّ؛ فحياؤه من عبده يَرجع إلى قضاء حاجته بصفة كرمه، وكونُه لا يستحيي من الحقِّ يرجع إلى صفة عدله.

- ومثل الحقّ كان العلم؛ قالت عائشة رضي الله عنها مدحًا لمن أدرك معنى الحياء وأبصر حدودَه: «نعْمَ النَّسَاءُ نسَاءُ الأنصار؛ لمْ يمنعهنَّ الحياءُ أنْ يتفقَّهنَ في الدِّين»([131]). وقال مجاهد: «لا يتعلمُ العلمَ مُستحي ولا مُسْتكبرٌ».

- وعن مردود الحياء قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «الحياءُ لا يأتي إلا بِخَيْر» ([132]). أي إذا صار عادة وتخلَّق به صاحبه يكون سببًا لجلب الخير إليه؛ فيكون منه الخير بالذَّات والسَّبب.

- كان الرسول صلى الله عليه وسلم أشدَّ حياء من العذراء في خدرها، وقد مرَّ على رجل يعاتب آخر في حيائه: "إنكَ لتَسْتَحيي". حَتَّى كَأنُّه يَقُولُ: قَدْ أَضَرَّ بك. فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: «دَعْهُ فإنَّ الحياءَ من الإيمان»([133]).

- ثم أوضح الرسول صلى الله عليه وسلم عظم أمر الحياء في أكثر من حديث: «الإيمانُ بضعٌ وستون شعبةً، والحياءُ شعبةٌ من الإيمان»([134]).

- ثم أخبر أصحابَه عمَّا اتَّفق عليه الأنبياء قبله ولم يُنسخ فيما نُسخ من شرائعهم: «إنَّ ممَّا أدركَ الناسُ من كلام النُّبوَّة الأولى: إذا لمْ تَسْتَحْيِ فاصنعْ ما شئتَ»([135]). (اصنعْ ما شئت): قيل أنَّ معناها انظر لما تريد أن تفعله. فإن كان ممَّا لا يُستَحْيَى منه فافعله، وإن كان العكس فدعه. وقيل: هو للتهديد؛ أي اصنع ما شئت؛ فإن الله سيجزيك. وقيل أنَّ الحياءَ هو ما يمنعه من المعصية ويبعث على الطاعة.

- المرادُ بالحياء في هذه الأحاديث ما يكون شرعيًّا، والحياء الذي يَنْشأ عنه الإخلال بالحقوق ليس حياء شرعيًا؛ بل هو عجز ومهانة.

- وقال الرَّاغبُ: «الذي يستحيي منهم الإنسان ثلاثة (البشر، نفسه، ثم الله عز وجل». ومن استحيى من الناس ولم يستحي من نفسه فنفسُه أخسُّ عنده من غيره، ومن استحيى منهم ولم يستحي من الله فلعدم معرفته به؛ فالإنسان يستحيي ممَّن يعظمه ويعلم أنه يراه؛ ومَنْ لا يعرف اللهَ فكيف يعظِّمه؟! ﴿أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى﴾ [العلق: 14]، وقال بعض السلف: علمتُ أنَّ اللهَ مطَّلعٌ عليَّ فاستحييتُ أن يراني على معصية.

- الله حييٌّ يحبُّ أهلَ الحياء، كما أنَّه عليمٌ يحبُّ العلماء، كريم يحب الكرماء؛ وممَّا يولِّدُ الحياءَ امتزاجُ التَّعظيم بالمودَّة وامتزاج رؤية العبد آلاء الله عليه، ورؤيته لتقصيره عن شكره تعالى عليها.

- الحياءُ من الحياة، وعلى حسب حياة القلب يكون فيه قوة خلق الحياء، وقلة الحياء من موت القلب والروح.

- قُسِّم الحياء على عشرة أوجه كما ذكرها ابن القيم نوردها بتصرف:

1- حياء الجناية: مثل حياء آدم - عليه السلام - لمَّا فَرَّ هاربًا في الجنة؛ قال الله تعالى: أفرارًا مني يا آدم! قال: لا يا رب؛ بل حياء منك.

2- حياء التَّقصير: كحياء الملائكة الذين يسبِّحون الليلَ والنهارَ لا يفترون؛ فإذا كان يوم القيامة قالوا: سبحانك ما عبدناك حقَّ عبادتك.

3- حياء الإجلال: هو حياء المعرفة، وعلى حسب معرفة العبد بربِّه يكون حياؤه منه.

4- حياء الكَرَم: كحياء النبيِّ صلى الله عليه وسلم من القوم الذين دعاهم إلى وليمة زينب وطَوَّلوا الجلوس عنده، فقام واستحيى أن يقول لهم: انصرفوا: ﴿إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ﴾ [الأحزاب: 53].

5- حياءُ الحشمة: كحياء علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن المذي لمكان ابنته منه.

6- حياء الاستحقار واستصغار النفس: كحياء العبد من ربِّه - عز وجل - حين يسأله حوائجه؛ احتقارًا لشأن نفسه واستصغارًا لها، وقد يكون لهذا النوع سببان؛ أحدهما استحقار السَّائل نفسَه واستعظام ذنوبه وخطاياه، والثاني: استعظام مسؤوله.

7- حياء المحبَّة: حياء المحب من محبوبه؛ فللمحبة سلطان قاهر للقلب أعظم من سلطان من يقهر البدن؛ ولذلك تعجبت الملوك والجبابرة من قَهْرهم للخلق وقهر المحبوب لهم وذلِّهم له.

8- حياء العبودية: فهو حياء ممتزج من محبَّة وخوف ومشاهدة عدم صلاح عبوديَّته لمعبوده، وأنَّ قدره أعلى وأجل منها؛ فعبوديَّتُه له توجب استحياءه منه لا محالة.

9- حياء الشَّرَف والعزَّة: حياء النَّفس العظيمة الكبيرة؛ وهذا له سببان: أحدهما: إذا صدر من النَّفس ما هو دون قدرها من بذل أو عطاء وإحسان، والثاني: أنَّه يستحيي مع بذله استحياءه من السائل الخجول؛ حتى كأنه هو الآخذ السائل، وبعض أهل الكرم لا تطاوعه نفسه بمواجهة من يعطيه حياء منه.

10- حياء المرء من نفسه؛ فهو حياء النفوس الشريفة الرفيعة من رضاها لنفسها بالنَّقص وقناعتها بالدُّون؛ فيجد نفسه مستحييًا من نفسه؛ حتى كأن له نفسين؛ يستحيي بإحداهما من الأخرى، وهذا أكمل ما يكون من الحياء؛ فإنَّ العبدَ إذا استحيى من نفسه فهو بأن يستحيي من غيره أجدر.


98

السـتير

قال - صلى الله عليه وسلم -: «إن اللهَ عز وجل حييٌّ ستِّيرٌ يُحبُّ الحياءَ والسَّتْرَ»([136])

يستر على عباده كثيرًا، ساتر للعيوب والفضائح، ويحب من عباده السَّتر على أنفسهم.

والسِّتِّير تُقْرَأُ بطريقتين:

1- ستير، بكسر السين وتشديد التاء المكسورة.

2- سَتِّير بفتح السين وكسر التاء مخففة.

وسَتَرَ الشَّيءَ: أخفاه وغطَّاه. ورجل مستور: أي عفيف.

أثر الإيمان بالاسم:

- رأى الرَّسول صلى الله عليه وسلم رجلا يَغْتسل من البراز بلا إزار، فصعد المنبر وقال: «إنَّ الله عز وجلَّ حييٌّ ستِّير يُحبُّ الحياءَ والسترَ فإذا اغتسل أحَدُكُمْ فليستترْ»([137]).

- وجاء رجل للرسول صلى الله عليه وسلم فقال: «إني عَالجتُ (داعبت) امرأة في أقصى المدينة وإني أصبتُ منها مَا دُونَ أَنْ أمَسَّها فَأنَا هَذا فَاقض فيَّ ما شئتَ». فقال له عمر بن الخطاب: «لَقَدْ سَتَركَ اللهُ لَوْ سَتَرْتَ نَفْسَكَ». فلم يَرُدَّ النبيُّ شيئًا. قيل أن سكوتَه صلى الله عليه وسلم على مقولة عمر دليل رضاه لها؛ إذ هو لا يقرُّ أحدًا على باطل أبدًا.

   فقام الرجل فانطلق، فأتبعهُ النبي ُّ صلى الله عليه وسلم رجلاً دعاه وتلا عليه هذه الآية: ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ﴾. فقال رجل من القوم: «يا نبي الله هذا لَهُ خاصة» قال صلى الله عليه وسلم: «بل للناس كافَّةً»([138]).

- لم يدع الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الدعوات حين يمسي وحين يصبح: «.. اللهمَّ استر عوراتي وآمنْ روعاتي..» ([139]).

- سَتْرُ الله تعالى على عبده في الدُّنيا يمتدُّ للآخرة إن حفظ العبدُ هذا السَّترَ بستره على نفسه، وجعل إقرارَه بذنوبه واعترافَه بها لخالقه فقط؛ كما روى الرسول صلى الله عليه وسلم: «يَدنو أَحدُكُم من ربِّه حتَّى يضعَ كَنَفَهُ عليه فَيَقُولُ: عَملتَ كَذَا وكَذَا. فيقولُ: نَعَمْ. ويَقُولُ: عَملتَ كَذا وكَذا. فيقولُ: نعم. فيقرِّره ثم يقول: إنِّي سَتَرْتُ عليك في الدُّنيا، فأنا أغفرها لك اليوم»([140]). كنفه: يستره، ويقال: فلان في كنف فلان: أي في حمايته.

- وتأكَّدت هذه البشارة بالسَّتر والمغفرة يوم القيامة في حديث آخر: «لا يَسْتُرُ اللهُ عَلَى عَبْد في الدُّنيا إلَّا سترهُ اللهُ يومَ القيامة»([141]). لذلك كان تشديد الرَّسول صلى الله عليه وسلم على العبد بالسَّتْر على نفسه؛ كي لا يفقد تلك المنَّةَ العظيمةَ من الله في الآخرة، وفي الدُّنيا فقدان العافية: «كلُّ أمَّتي مُعافى إلا المجاهرينَ»([142]).

- من أمقت الناس إليه تعالى مَنْ بات عاصيًا والله يستره، فيصبح يكشف سترَ الله عليه وهو يذيعها بين النَّاس؛ كما في بقية الحديث أعلاه: «وَإنَّ مِن المجانة أن يعملَ الرجلُ بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره اللهُ فيقولَ: يا فلان عملتُ البارحة كذا وكذا. وقد بات يسترهُ ربُّه، ويُصبحُ يكشف سترَ الله عنه»([143])؛ فالجهر بالمعصية استخفافٌ وعنادٌ بحقِّ الله ورسوله والمؤمنين؛ كما أنَّه يَقْطع الطَّريقَ عليه أن يتوب فيما بينه وبين الله تعالى.

- منح الله العبدَ فرصةَ السَّعي لكسب ستر الله عليه بستره هو لما يقع عليه من عورات الناس؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: «ومنْ سَتَرَ مسلمًا سَتَرَه الله  يوم القيامة»([144]).

- شَدَّدَ الرسولُ صلى الله عليه وسلم على سَتْر عورات المسلم فقال: «يَا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمانُ قلبهُ لا تغتابوا المسلمينَ ولا تتبعوا عوراتهم؛ فإنَّهُ من اتَّبَعَ عوراتهم يتَّبع اللهُ عورتَه، ومَنْ يتَّبع اللهُ عورتَهُ يفضحْه في بيته»([145]).

- جرى على ألسنة كثير من الناس اسم (ساتر)؛ فيقولون: يا ساتر. ولم يرد هذا الاسم في السُّنَّة؛ فينبغي أن يقال: يا ستير. والله أعلم.


99

الوتـر

قال - صلى الله عليه وسلم -: «وهوَ وَترٌ يُحبُّ الوترَ»([146])

الواحد الفرد الذي لا شريك له ولا نظير في ذاته ولا انقسام؛ لا ينبغي لشيء من الموجودات أن يُضم إليه فيعد معه فيكون شفعًا.

أوتر العبد: صلَّى الوتر؛ وهو ركعة تكون بعد صلاته مثنى مثنى من الليل.

أثر الإيمان بالاسم:

- قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «لله تسعةٌ وتسعونَ اسمًا؛ مائةٌ إلَّا واحدًا، لا يحفظها أحدٌ إلا دخلَ الجنةَ، وَهْوَ وَتْرٌ يُحبُّ الوتر»([147]).

- معنى محبَّته للوتر أنَّه أَمَرَ به وأثاب عليه، وقيل أنَّ الوترَ المعنيُّ بمحبَّته صلاة الوتر، وقيل: يوم الجمعة. وقيل: يوم عرفة. وقيل: آدم. وقيل: بل هو لعموم ما خلق الله وترًا من مخلوقاته. وقيل أنَّ الوترَ هو التَّوحيد؛ فيكون المعنى أنَّ الله واحد يحبُّ أن يُوحَّدَ ويُفرَدَ بالألوهية دون خلقه.

- وكما اختلف تفسير الوتر في السُّنَّة اختلف أيضًا في القرآن في قوله تعالى: ﴿وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ﴾ [الفجر: 3]؛ حيث فسَّرَها مجاهد بأنَّ كلَّ خلق الله شفعٌ؛ السماوات والأرض، البرُّ والبحر، الجنُّ والإنس، الشَّمس والقمر، والله الوتر وحده.

- ثم قيل أنَّ الصوابَ أنَّ اللهَ أقسم بالشَّفع والوتر دون تحديد نوع من الشَّفع والوتر؛ فكلُّ ما فسَّره أهلُ التَّأويل داخلٌ في قسمه تعالى، والله أعلم.

تم بحمد الله.



([1]) من قول أبي عبد الله الأنطاكي.

([2]) رواه أحمد في مسنده (3784) والبزار وأبو يعلى وابن حبان في صحيحه والحاكم، وصححه الألباني.

([3]) رواه الأربعة أبو داود (1495) الترمذي (3812) ابن ماجه (3990) مسند أحمد (23667)، وحسَّنه التِّرمذيُّ وصحَّحه ابنُ حبان والحاكم والذَّهبيُّ والألبانيُّ؛ وهذا الحديث أرجح من حيث السَّنَد من جميع ما وَرَدَ في ذلك.

([4]) أبو داود (1497) الترمذي (3889) ابن ماجه (3991) مسند أحمد (12534) صححه ابن حبان والحاكم والذهبي والألباني.

([5]) ابن ماجه (3988) حسنه الألباني.

([6]) مسلم (393).

([7]) الصحيح مسلم (5709).

([8]) مسلم (7154).

([9]) البخاري (7422) مسلم (7146).

([10]) البخاري (7376).

([11]) البخاري (5997) .

([12]) البخاري (3467) مسلم (5998).

([13]) مسلم (160) .

([14]) مسلم 7064.

([15]) البخاري (3191).

([16]) مسلم (6757).

([17]) مسلم (1102) وقد يكون التعظيم في الركوع لأنه يُمَثِّلُ صورةَ انكسارنا لله وخضوعنا لعظمته.

([18]) البخاري (6221).

([19]) مسلم (7108).

([20]) مسلم (556).

([21]) ابن ماجه (3935) حسنه الألباني.

([22]) ابن ماجه (3937)، حسنه الألباني.

([23]) مسلم (904).

([24]) رواه البخاري (4974).

([25]) الترمذي (3866).

([26]) الترمذي (3867) .

([27]) الترمذي (3889).

([28]) مسلم (1363).

([29]) أبو داود (4845)، حسَّنه الألباني.

([30]) الترمذي (2567).

([31]) ابن ماجه 207، حسنه الألباني.

([32]) مسلم (1119).

([33]) أبي داود (1432).

([34]) ابن ماجه (2520)

([35]) ابن ماجه (4146) .

([36]) موطأ مالك (1464).

([37]) البخاري (10) مسلم (171).

([38]) مسلم (203).

([39]) البخاري (1240)، مسلم (5777).

([40]) البخاري (831، 924).

([41]) البخاري (6061 مسلم 181) . البوائق: الغوائل، والشرور.

([42]) الترمذي (2836) النسائي (5012) أبو داود (4069).

([43]) مسلم (6757).

([44]) البخاري (6520) مسلم (7235).

([45]) الترمذي (285). اجبرني: أي أَغْنني.

([46]) أبي داود (4092).

([47]) مسلم: (275). البطر: التكبر على الحق فلا يقبله، وغمط الناس: احتقارهم وازدراؤهم.

([48]) البخاري (4918) مسلم (7366) الجواظ: الجموع المنوع الذي يجمع المال من أي جهة ويمنع صرفه في سبيل الله، العتل: الشديد الجافي الغليظ من الناس.

([49]) مسلم: (309). العائل: الفقير.

([50]) مسلم: (7053).

([51]) مسلم: (6707).

([52]) مسلم (6945).

([53]) البخاري (6384) مسلم (7037).

([54]) البخاري (1120) مسلم (1844).

([55]) البخاري (6384) مسلم (7037).

([56]) البخاري (50) مسلم (102) .

([57]) مسلم (457).

([58]) البخاري (1)، مسلم (6711) .

([59]) البخاري (2662) مسلم (7692).

([60]) مسلم (1548).

([61]) مسلم (4988).

([62]) البخاري (6424).

([63]) الأدب المفرد للبخاري مسند أحمد (13322).

([64]) البخاري (23)

([65]) مسلم: (1111).

([66]) البخاري (6502).

([67]) البخاري (7405) مسلم (6981).

([68]) الترمذي (3928) النسائي (579).

([69]) الترمذي (3855) ابن ماجه (3982).

([70]) مسلم (6757).

([71]) مسلم (7034).

([72]) الترمذي (2687).

([73]) مسلم (6680).

([74]) البخاري (6094) مسلم (6803).

([75]) البخاري (6502).

([76]) البخاري (7485) مسلم (6873).

([77]) البخاري (16) مسلم (174).

([78]) البخاري (4836).

([79]) أبي داود (1524) النسائي (1311).

([80]) أبي داود (4813).

([81]) مسلم (6857).

([82]) البخاري (1417) مسلم (2395).

([83]) مسلم (5005).

([84]) البخاري (6313) مسلم (7057).

([85]) البخاري (6446) مسلم (2467).

([86]) البخاري (1427) مسلم (2471).

([87]) أبي داود (1490) الترمذي (3904).

([88]) الترمذي (2164).

([89]) البخاري: (3244) مسلم (7310).

([90]) مسلم (2276) .

([91]) مسلم (1685).

([92]) أبي داود (1694).

([93]) الترمذي (3827).

([94]) أبي داود (4957).

([95]) البخاري (73) مسلم (1930).

([96]) الترمذي (2515) ابن ماجه (4303) .

([97]) أبي داود (5097) الترمذي (3754).

([98]) أبو داود (5092) حسنه الألباني.

([99]) الترمذي (2706).

([100]) أبو داود (5076).

([101]) الترمذي (477) أبي داود (1291).

([102]) البخاري (4043) .

([103]) أبي داود (2634) الترمذي (3933).

([104]) البخاري (5678).

([105]) مسلم (5871).

([106]) ابن ماجه (3652).

([107]) البخاري (5743) مسلم (5836).

([108]) البخاري (6927).

([109]) مسلم (6766).

([110]) مسلم (6767).

([111]) مسلم (6707).

([112]) مسلم (275) .

([113]) أبو داود (3453) الترمذي (1362).

([114]) البخاري (4812) مسلم (7227).

([115]) مسلم (7165).

([116]) البخاري (3116) مسلم (1086).

([117]) البخاري (844) مسلم (1099).

([118]) أبو داود (1651).

([119]) البخاري (1120).

([120]) مسلم (1010) .

([121]) مسلم (503).

([122]) مسلم: (1010).

([123]) أبي داود (1497) الترمذي (3889) .

([124]) أبي داود (1497) الترمذي (3889) .

([125]) مسلم (307).

([126]) النسائي (5690).

([127]) أبي داود (4808) .

([128]) مسلم (6079) وفي رواية الترمذي (3975).

([129]) مسلم: (6079).

([130]) أبو داود (1490) الترمذي (3904).

([131]) البخاري (50) مسلم (776).

([132]) البخاري (6117) مسلم (165).

([133]) البخاري (6118).

([134]) البخاري (9 ) مسلم (161).

([135]) البخاري (6120).

([136]) رواه أبو داود (4014) النسائي (409).

([137]) أبو داود (4014) النسائي (409).

([138]) مسلم (7180).

([139]) ابن ماجه (4004).

([140]) البخاري (6070) .

([141]) مسلم (6759).

([142]) البخاري (6069) مسلم (7676).

([143]) البخاري (6069) مسلم (7676).

([144]) البخاري (2442) مسلم (6743).

([145]) أبي داود (4882).

([146]) البخاري (6410).

([147]) البخاري (6410).