×
شرح أسماء الله الحسنى [ الفتاح ]: هذا جزء من سلسلة شرح أسماء الله الحسنى، تتحدَّث فيه الكاتبة عن اسم الله الفتاح - جل جلاله - لغةً واصطلاحًا.

 شرح أسماء الله الحسنى [ الفتاح ]

نوال بنت عبد العزيز العيد

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وبعد:

فقد اقترحن عليَّ بعض الأخوات حفظهن الله ممن يحضرن سلسلة الدروس العلمية لشرح أسماء الله الحسنى في جامع عثمان بن عفان t في حي الواحة بالرياض أن يفرغن المادة العلمية الموجودة بالأشرطة المسجلة، ومن ثم مراجعتها، ونشرها لتعم الفائدة، وقد قمن مشكورات بالتفريغ، وتمت مراجعة المادة، وأجيز نشرها سائلة المولى جل وعلا أن يجعل عملنا خالصًا لوجهه، رافعًا لدرجتنا عنده، وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

كتبته

نوال بنت عبد العزيز العيد

اسم الله «الفتاح»

جل جلاله وتقدست أسماؤه

 المعنى اللغوي:

فتح: الفتح نقيض الإغلاق فتحه يفتحه فتحًا, وافتتحه وفتحه فانفتح وتفتح، ومفاتيح ومفاتح، هما جمع مفتاح ومفتوح وهما في الأصل مما يتوصل به إلى استخراج المغلقات التي يتعذر الوصول إليها، وباب فتح أي: واسع مفتح، والفتح: النصر، والاستفتاح الاستنصار، وفي الحديث: أنه كان يستفتح بصعاليك المهاجرين، أي يستنصر بهم، ومنه قوله تعالى: }إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ{([1] واستفتح الفتح: سأله، والفتاح: الحاكم وفي التنزيل قال تعالى: }وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ{([2])، والفتاحة بالضم الحكم، والفُتاحة والفِتاحة: أن تحكم بين خصمين وقيل: الفتاحة الحكومة ([3]).

ومن أسماء الله تعالى الحسنى «الفتاح» قال ابن الأثير: هو الذي يفتح أبواب الرزق والرحمة لعباده ([4] وقيل: معناه الحاكم بينهم، يقال: فتح الحاكم بين الخصمين إذا فصل بينهما والفاتح الحاكم، والفتاح من أبنية المبالغة.

 وروده في القرآن العظيم:

ورد الاسم مرة واحدة مفردًا في قوله تعالى: }قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ{([5]) وورد مرة واحدة أيضًا بصيغة الجمع في قوله تعالى: }وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ{([6]).

 معنى الاسم في حق الله تعالى:

1- الفاتح: الحاكم الذي يقضي بين عباده بالحق والعدل، بأحكامه الشرعية القدرية.

2- ويكون الفاتح أيضًا بمعنى: الناصر لعباده المؤمنين، وللمظلوم على الظالم، وهذا يعود إلى الأول.

3- الفتاح: الذي يفتح أبواب الرحمة والرزق لعباده، ويفتح المنغلق عليهم من أمورهم وأسبابهم ([7])، ويفتح قلوبهم وعيون بصائرهم؛ ليبصروا الحق، قال تعالى: }مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ{([8] ومن الرحمة التي يفتحها الله على عباده: إدخال الإيمان في القلوب، وهداية من كتب الله له الهداية، وتوفيق من كتب الله له التوفيق إلى ما فيه الصلاح والسداد.

وكل ما ورد في تفسير هذا الاسم راجع إلى المعاني الثلاثة المتقدمة.

قال قتادة: رحمه الله في تفسير قوله تعالى: }افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ{: اقض بيننا وبين قومنا بالحق ([9]).

وقال ابن جرير رحمه الله في تفسير قوله تعالى: }رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ{([10] أي: احكم بيننا وبينهم بحكمك الحق, الذي لا جور فيه ولا حيف ولا ظلم، ولكنه عدل وحق، }وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ{، يعني: خير الحاكمين ([11]).

وقال في موضع آخر: قال تعالى: }وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ{([12])، القاضي العليم بالقضاء بين خلقه؛ لأنه لا تخفى عنه خافية، ولا يحتاج إلى شهود تعرفه المحق من المبطل ([13]).

وقال الزجاج رحمه الله: «والله تعالى ذكره فتحٌ بين الحق والباطل؛ فأوضح الحق وبينه، وأدحض الباطل وأبطله، فهو الفتاح»([14]).

وقال الخطابي رحمه الله: «الفتاح»: هو الحاكم بين عباده، وقال: وقد يكون الفتاح أيضًا الذي يفتح أبواب الرزق والرحمة لعباده ويفتح المنغلق عليهم من أمورهم وأسبابهم، ويفتح بصائرهم؛ ليبصروا الحق، ويكون الفاتح بمعنى الناصر، كقوله تعالى: }إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ{([15])([16]).

وقيل: "الفتح في اللغة: حل ما استغلق من المحسوسات والمعقولات، والله سبحانه هو الفتاح؛ لذلك يفتح ما تغلق على العباد من أسبابهم، فيغني فقيرًا، ويفرج عن مكروب، ويسهل مطلبًا، وكل ذلك يسمى فتحًا؛ لأن الفقير المنغلق عليه باب رزقه يفتح بالغنى، وكذلك المتحاكمان إلى الحاكم ينغلق عليهما وجه الحق، فيفتحه الحاكم عليهما، وهذا الاسم يختص بالقضاء بين العباد بالقسط والعدل، وقد حكم الله بين عباده في الدنيا بما أنزل في كتابه، وبين في سنة رسول الله ﷺ‬، وكل حاكم إما أن يحكم بحكم الله تعالى، أو بغيره"([17]).

آثار الإيمان بهذا الاسم:

لا شك بأن كل إنسان قد انغلق عليه في هذه الحياة باب من الأبواب، فأخذ يلهث ويتلفت يمنة ويسرة؛ باحثًا عن مفتاح لما انغلق عليه، وقد ينسى أو يتناسى في غمرة الحياة وزحمتها، المفتاح الأكيد لكل باب مغلق، وهو الرجوع إلى الخالق سبحانه وتعالى والتضرع إليه بأسمائه الحسنى، التي فيها من المعاني ما لا يكفي لإحصائه مداد ولا ورق..

1- الله سبحانه وتعالى هو الحاكم بين عباده في الدنيا والآخرة بالقسط والعدل، يفتح بينهم في الدنيا بالحق، بما أرسل من الرسل، وأنزل من الكتب.

يقول القرطبي رحمه الله في هذا الاسم: ويتضمن من الصفات كل ما لا يتم الحكم إلا به، فيدل صريحًا على إقامة الخلق وحفظهم في الجملة؛ لئلا يستأصل المقتدرون المستضعفين في الحال».

ويدل على الجزاء العدل على أعمال الجوارح والقلوب في المثال، ويتضمن ذلك أحكامًا وأحوالاً لا تنضبط بالحد، ولا تحصى بالعد، وهذا الاسم يختص بالفصل والقضاء بين العباد بالقسط والعدل، وقد حكم الله بين عباده في الدنيا بما أنزل في كتابه، وبين في سنة رسوله ﷺ‬، وكل حاكم إما أن يحكم بحكم الله تعالى أو بغيره، فإن حكم بحكم الله فأجره على الله، والحاكم في الحقيقة هو الله تعالى، وإن حكم بغير حكم الله فليس بعادل إنما هو ظالم قال تعالى: }وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ{([18])([19]).

فمن الواجب علينا عند إيماننا بهذا الاسم، وعلمنا بأن الله هو الحاكم بالأمر الشرعي، أنزل إلينا الحكم الذي لا جور فيه ولا حيف ولا ظلم، أن نسارع بتطبيق هذا الحكم الذي أنزله في القرآن وصحيح السنة، ولعلك تلحظ في القرآن بين كل فينة وأخرى يأتي التذكير إلى وجوب التحاكم إلى القرآن والسنة؛ فلا حاكم إلا الله، ولا ينبغي لأحد أن يعتقد أن الحكم لغير الله تعالى، يقول الله تعالى: }أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ{([20] وقال جل شأنه: }وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ{([21]).

وقال جل وعلا: }فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا{([22]) وقال تعالى: }وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ{([23] وقال عز وجل: }وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ{([24]) وقال تعالى: }وَيَقُولُونَ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ * وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ{([25]).

فعجبًا لأقوام ينادون إلى القرآن والسنة فيعرضون عنها إلى أقوال الخلق، والله سبحانه وتعالى يقول: }وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ * أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ{([26]).

حقًا إنها آية عظيمة، تحل كثيرًا من الإشكالات في أي مجال اجتماعي أو سياسي أو اقتصادي أو فكري.

وقوله: }وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ{ دليل على أن كل ما خالف الكتاب والسنة ليس بعلم، إنما هو هوى نفس؛ ولذلك قال العلماء: «من اتبع الهوى فقد افتتن».

وقوله تعالى: }وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ{، لقد حذر المولى جل وعلا رسوله الفتنة في عدم تحكيم كل الشرع، وحذره من أعداء الدين أن يدلسوا عليه الحق فيما يصدونه عن بعض ما أنزل الله إليه، فصار اتباع أهوائهم سببًا موصلاً إلى ترك الحق الواجب، وتأمل التحذير الشديد، فهي فتنة يجب أن تحذر، والأمر في هذا المجال لا يعد أن يكون حكمًا بما أنزل الله كاملاً، أو أن يكون اتباعًا للهوى، وفتنة يحذر الله منها، وعليك أن تحكمي الله في كل شؤونك في معاملتك لزوجك، وولدك، وأهلك، وفي بيتك، ولبسك، وأكلك، وعلاقاتك الاجتماعية، ومالك، واحذري قطاع الطرق الذين يصدونك عن تحكيم بعض ما أنزل الله، فيهونون طاعة الزوج، وتربية الولد، والستر في اللباس وما إلى ذلك، فاحذري الفتنة.

}فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ{ [المائدة: 49]، هذه قمة العدل والإحسان منه سبحانه وتعالى، فمع إعراضهم عما أنزل إليهم من الكتاب والسنة فهم يتحاكمون إلى غيرها، ومع ذلك لم تكن عقوبة الله لهم شاملة لجميع ذنوبهم، بل قال سبحانه: }بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ{.

قوله: }أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ{([27]): ينكر الله تعالى على من خرج عن حكم الله المحكم المشتمل على كل خير, الناهي عن كل شر، وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء، والاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله كما كان أهل الجاهلية يتحاكمون به من الضلالات والجهالات بما يضعونها بآرائهم وأهوائهم.

وقيل: يبتغون ويريدون وعن حكم الله يعدلون ([28]).

وقوله تعالى: }فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ{([29]) يقسم الله تعالى بنفسه الكريمة المقدسة إنه لا يؤمن أحد حتى يحكم الرسول ﷺ‬ في جميع الأمور، فما حكم به فهو الحق الذي يجب الانقياد له باطنًا وظاهرًا، ولهذا قال تعالى: }ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا{([30] أي: إذا حكموك يطيعونك في بواطنهم، فلا يجدون في أنفسهم حرجًا مما حكمت به، وينقادون له في الظاهر والباطن, فيسلمون لذلك تسليمًا كليًا من غير ممانعة ولا مدافعة ولا منازعة كما ورد في الحديث: «لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به»([31])، ففي هذا الحديث الحث على طاعة الرسول ﷺ‬ والانقياد له، وفيه إثبات عصمة الرسل فيما يبلغونه عن الله تعالى، وفيما يأمرون به وينهون عنه، والعلم ليس بكثرة القراءة والاطلاع، ولكن العلم الخشية؛ ولهذا يقول تعالى: }إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ{([32])، فثمرة العلم الخشية، وكلما ازداد العلم زادت خشيتك من الله، وتعظيمك لقدره، والخوف من التفريط في جنبه.

يقول الله تعالى: }وَيَقُولُونَ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ{([33]) فهذا حال الظالمين ممن في قلوبهم مرض وضعف إيمان أو نفاق وريب، علم الله أنهم يقولون بألسنتهم ويلتزمون الإيمان بالله والطاعة، ثم لا يقومون بما قالوا، ويتولى فريق منهم عن الطاعة توليًا عظيمًا، يقول تعالى: }ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ{([34])، فإن المتولي قد يكون له نية عود ورجوع إلى ما تولى عنه، وهذا المتولي معرض لا التفات له ولا نظر لما تولى عنه، وهذه الحالة مطابقة لحال كثير ممن يدعي الإيمان والطاعة لله وهو ضعيف الإيمان يقول ما لا يفعل، وتجده لا يقوم بكثير من العبادات، ويقترف كثيرًا من المعاصي والمخالفات ونحو ذلك ويردد: آمنا بالله وبالرسول وأطعنا، وحاله يخالف قوله، خذ على سبيل المثال حال الناس أيام الاختبارات وبعد انقضائها، إذا دخل وقت الامتحان انقلبت الأحوال ما بين صيام وقيام وأذكار، وإذا انقضى موسم الاختبار تغيرت الأحوال، فضيعت الصلاة نتيجة سهر الليل ونوم النهار، وتوبعت الأفلام الأجنبية والعربية واضمحلت كثير من مظاهر الخير، ويصدق على حالهم قوله تعالى: }وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ{([35])، وتأمل قوله }مُذْعِنِينَ{ فليس انقيادهم لأجل أنه حكم شرعي، وإنما ذلك لأجل موافقة أهوائهم، فليسوا ممدوحين في هذه الحال ولو أتوا إليه مذعنين؛ لأن العبد حقيقة هو من يتبع الحق فيما يحب ويكره، وفيما يسره ويحزنه، وقد قال الله في لومهم على الإعراض عن الحكم الشرعي: }أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ{([36] أي: علة أخرجت القلب عن صحته وأزالت حاسته؛ فصار بمنزلة المريض الذي يعرض عما ينفعه ويقبل على ما يضره، فمن أي الناس أنت؟!، هل تخاف أن يحيف الله عليك ورسوله؟!..

وفي هذه الآيات دليل على أن الإيمان ليس هو مجرد القول، بل يجب اقترانه بالعمل؛ لأنه شرط كمال الإيمان عند أهل السنة والجماعة؛ ولهذا نفى الإيمان عمن تولى عن الطاعة، ووجوب الانقياد لحكم الله ورسوله في كل حال، وأن من ينقد له دل على مرض في قلبه، وريب في إيمانه، وأنه يحرم إساءة الظن بأحكام الشريعة، وأن يظن بها خلاف العدل والحكمة. ولما ذكر حالة المعرضين عن الحكم الشرعي، ذكر حالة المؤمنين الممدوحين، فقال} إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ{([37]) تسليم مطلق لأوامر الله ورسوله، والفعل أكد بالمصدر في قوله تعالى: }وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا{، فما دام أنك تؤمن بأن الله الفتاح فأين أثر الإيمان في التحاكم إلى شرعه، يجب على المسلم أن يترجم الإيمان بأسماء الله إلى واقع يعيشه ويتفيأ بظلاله..

2- اسم الله الفتاح يطمئن قلوب عباد الله المؤمنين بأنه مهما طال ليل الظالم وكثر بغيه وظلمه للعباد، لا بد أن يفتح الله بين عباده المؤمنين وبين عباده الظالمين، وسيحكم سبحانه بحكمه القدري الكوني، فهو سبحانه من يحكم بين عباده بالحق والعدل، وقد توجهت الرسل إلى الله الفتاح سبحانه أن يفتح بينهم وبين أقوامهم المعاندين، فيما حصل بينهم من الخصومة والجدال.

فقال نوح u: }قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ * فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ{([38])، فجاء الفتح بمعنى الفصل القدري بين جند الله وجند الشيطان، وبين عباد الله المؤمنين والمشركين، فأحق الله الحق وأبطل الباطل وإن أطال ليل الظالم.

وقيل: أي: اقض بيني وبينهم, ونجني من ذلك العذاب الذي تأتي به حكمًا بيني وبينهم والذين معي من أهل الإيمان بك والتصديق لي ([39]).

وقال شعيب u }رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ{([40] أي: احكم بيننا وبين قومنا وانصرنا عليهم }وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ{، أي افصل بيننا وبين قومنا وانصرنا عليهم }وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ{، أي: خير الحاكمين، فإنك العادل الذي لا يجور أبدًا ([41]).

وجاء اسم الله «الفتاح» في هذه الآيات ليدلل على أن الله سيفتح بين المؤمنين وبين الكافرين، وكانت النتيجة لقوم شعيب u قال تعالى: }فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ{([42])، فأخبر الله تعالى أنهم أخذتهم الرجفة، كما أرجفوا شعيبًا u وأصحابه، وتوعدوهم بالجلاء ([43])، فعن أبي موسى t قال: قال ﷺ‬: «إن الله سبحانه ليملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته» ثم قرأ قوله تعالى: }وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآَخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ{([44])، فعقوبة الله للظالمين موجعة غليظة – والعياذ بالله -.

وعن جابر بن عبد الله t قال: لما نزل على رسول الله ﷺ‬: }قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ{([45])، قال ﷺ‬: «أعوذ بوجهك» }أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ{ قال: «أعوذ بوجهك»، فلما نزلت: }أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ{، قال ﷺ‬: «هاتان أهون أو أيسر»([46]).

قال زيد بن أسلم: لما نزلت: }قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ{، قال رسول الله ﷺ‬: «لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض بالسيوف، فقالوا: ونحن نشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله..»([47]).

فاعلم بعد هذا أن الله سيجعل يومًا لهلاك الظالم الباغي، ولنصرة المؤمن، وهذا يدعو إلى الاطمئنان، وهو قول الأنبياء في قوله تعالى: }رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ{([48] والله يقول: }وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ{([49])، وقد استجاب الله سبحانه لرسله ولدعائهم، ففتح بينهم وبين أقوامهم بالحق، فنجى الرسل وأتباعهم وأهلك المعاندين المعرضين عن الإيمان بآيات الله، وهذا من الحكم بينهم في الحياة.

3- وكذا يوم القيامة يوم الفتح الحقيقي، فإن الله سبحانه هو الفتاح الذي يحكم بين عباده فيما كانوا فيه يختلفون في الدنيا.

قال تعالى: }قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ{([50])، ففي يوم القيامة يقضي الله عز وجل ويفصل بين العباد، وهو سبحانه لا يحتاج إلى شهود ليفتح بين خلقه؛ لأنه لا تخفى عليه خافية، وما كان سبحانه غائبًا عما حدث في الدنيا، قال سبحانه }فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ{([51]).

وقد سمى الله عز وجل يوم القيامة بيوم الفتح في قوله تعالى: }قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ{([52] والمراد بالفتح: هو القضاء والفصل يوم القيامة ([53])، وسمي فتحا؛ لأن الله تعالى يفتح فيه على المؤمنين.

4- إن الله عز وجل متفرد بعلم مفاتح الغيب، فهو الذي يعلمها، فعلم الغيب مستغلق إلا على الرب سبحانه فهو يعلمه، قال الله تعالى: }وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ{([54]):

قال القرطبي رحمه الله: "مفاتح جمع مفتح، هذه اللغة الفصيحة، ويقال مفتاح، ويجمع مفاتيح...، والمفتح عبارة عن كل ما يحل غلقًا، محسوسًا كان كالقفل على البيت، أو معقولاً كالنظر...، ثم قال: وهو في الآية استعارة على التوصل إلى الغيوب، كما يتوصل في الشاهد بالمفتاح إلى المغيب عن الإنسان"([55]).

وهذه الآية تدل على أن الغيب لا يعلمه إلا الله عز وجل؛ وذلك لأن الخلق لا يعلمون إلا ما علمهم خالقهم سبحانه، ولو كان لمخلوق أن يعلم الغيب لكان الرسل هم الأولى في هذا، ولكنهم بشر، ولذا يعود علم الغيب لخالقهم، ولا يعلمون من الغيب إلا ما أطلعهم الله سبحانه وتعالى عليه قال تعالى: }عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ{([56] وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «من زعم أن رسول الله ﷺ‬ يخبر بما يكون في غد فقد أعظم على الله الفرية، والله يقول: }قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ{([57])([58]).

ولما رميت عائشة رضي الله عنها بالإفك لم يعلم رسول الله ﷺ‬ أهي بريئة أم لا؟، حتى أخبره الله عز وجل بقوله }أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ{([59]).

وقد ذبح إبراهيم u عجلاً للملائكة، ولا علم له بأنهم ملائكة حتى أخبروه وقالوا له كما جاء في قوله تعالى: }إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ{([60])، ولما جاءوا لوطًا u لم يعلم أيضًا أنهم ملائكة، ولذا }سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ{([61] ولم يعلم خبرهم حتى قالوا: }إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ * قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ * إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ{([62])، فأين إيماننا بأنه لا يعلم الغيب إلا الله؟!، مع هذه القنوات الهدامة التي أولع الناس بها إيلاعًا شديدًا، ولا يحسبن أحد أن قضية السحر والشعوذة وظهورها على القنوات وليدة لحظة، إنما هي قضية تراكمية؛ فإنهم لما انتشروا وتوسعوا في قنوات الفساد والعهر والبغي، وما تحتويه من أفلام هابطة وبرامج مفسدة، جاءت النتيجة سحر وشعوذة، وإن لم يكن لدى المسلمين إصلاح إعلامي يمثل المسلمين بإيمانهم الحق، فلن يقف الباطل عند هذا الحد، بل سيسارعون لإيجاد قنوات تعلم الكفر؛ وللشيطان عقبات سبع، العقبة تتلو العقبة:

1- فإن الشيطان سيأتيه بالكفر..

2- فإن لم يصل إليه أتاه من طريق البدعة..

3- فإن لم يصل إليه أتاه من طريق الكبائر..

4- فإن لم يصل إليه أتاه من طريق الصغائر..

5- فإن لم يصل إليه أتاه من طريق عقبة التوسع في المباحات..

6- فإن لم يصل إليه أتاه من طريق تقديم المفضول على الفاضل..

7- فإن لم يصل إليه أتاه من طريق تسليط جنوده من الإنس والجن على ذلك العبد المؤمن..

وهكذا يتدرج الشيطان في إغواء العباد فإما أن يحصل له مراده وتحصل الغواية، فيضل العبد؛ فيكون جزاؤه أن يكون هو ومُضِلّه من الخاسرين، وإما أن تتحطم قواه أمام قوة إيمان ذلك العبد فيرتد إبليس على عقبيه ويفوز ذلك العبد بجنات النعيم، قال الله تعالى: }قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ{([63]).

ويجدر بنا هنا أن نشير إلى علم التنجيم الذي انتشر بين الناس واختلط لديهم علم الفلك بعلم النجوم، حتى أولع الكثير بقراءة الأبراج لمعرفة الحظ السنوي والشهري واليومي أو لمعرفة مواصفات الشخصية، فعلم التنجيم، ينقسم إلى قسمين:

1- علم التأثير.

2- علم التسيير.

فالأول: علم التأثير: "وهو علم روحانيات النجوم" ويعني: ربط الأجرام الفلكية بالحوادث الأرضية، وينقسم إلى ثلاثة أقسام:

الأول: أن يعتقد أن هذه النجوم مؤثرة فاعلة، بمعنى أنها هي التي تخلف الحوادث والشرور، فهذا شرك أكبر؛ لأن من ادعى أن مع الله خالقًا، فهو مشرك شرك أكبر، لأنه قد جعل المخلوق المُسَخَّر خالقًا مُسخِّرًا.

وهذا النوع تمثله طائفة الصابئة، والله تعالى ذم الصابئة وامتدحهم أحيانًا، فإذا جاء الذم على طائفة الصابئة يعني بهم عبدة النجوم، وهم الذين يرون أن النجوم فاعلة مؤثرة في نفسها، ولذلك يصورون تماثيل ويسمونها بأسماء النجوم، ويصرفون لها العبادة من دون الله جل وعلا؛ لأنهم يعبدون الشمس والقمر وسائر الكواكب، ويضيفون السعادة والنحس إليها.

وإذا جاء المدح والثناء للصابئة في القرآن فيعنى به أهل الإيمان؛ لأن المشركين كانوا يسمون من ترك دينهم إلى الإيمان صابئًا.

الثاني: أن يجعلها سببًا يدعي به علم الغيب، فيستدل بحركاتها وتنقلاتها وتغيراتها على أنه سيكون كذا وكذا، وذلك بسبب أن النجم الفلاني صار كذا وكذا، مثال ذلك أن يقول: هذا الإنسان ستكون حياته شقاء؛ لأنه ولد في النجم الفلاني، وهذا حياته ستكون سعيدة؛ لأنه ولد في النجم الفلاني، فهذا اتخذ تعلم قراءة النجوم وسيلة لادعاء علم الغيب.

ويندرج تحت هذا العلم كثير من العلوم مثل: [علم الأبراج، وقراءة الفنجان، وضرب الودع أو قراءة العين].

وهذا العلم من الكهانة، والكهانة مصطلح عام معناه: ادعاء علم الغيب، سواء عن طريق النجوم، أو قراءة الكف، أو الضرب بالودع، أو التكهن بالأبراج؛ لمعرفة الحظ اليومي، أو الحظ الشهري أو الحظ السنوي، ودعوى علم الغيب كفر مخرج من الملة؛ لأن الله تعالى يقول: }الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ{([64])، وهذا من أقوى أنواع الحصر؛ لأنه بالنفي والإثبات..

فمن قرأ هذه الأمور، أو سأل الكهان لمعرفة الغيب، وصدقهم فيما قالوا، فقد أتى أمر كفر؛ لأن النبي ﷺ‬ قال: «من أتى حائضًا, أو امرأة في دبرها, أو كاهنًا فصدقه بما يقول؛ فقد كفر بما أنزل على محمد»([65])، وحمل الشيخ محمد بن عثيمين والشيح صالح الفوزان الكفر هنا على الكفر الأكبر؛ لأن علم الغيب خاصية من خصائص الله، فكيف يعتقد العبد أن لله شريكًا في علم الغيب.

الثالث: من يسأل المنجمين ويقرأ الأبراج، لا ليعلم الغيب ولكن لمعرفة مواصفات الشخصية..

فيسأل:

* هل جعل الله النجوم أسبابًا شرعية لمواصفات الشخصية؟!!..

* هل جعل الله النجوم أسبابًا حسية؟!!..

والجواب: هو النفي بالتأكيد؛ وذلك لأن العبد المؤمن عنده قاعدة: كل ما ليس بسبب شرعي ولا حسي من اتخذه فقد أشرك، فقراءة الأبراج لمعرفة المواصفات الشخصية شرك أصغر.

ومثال ذلك: من يلبس الخاتم أو الأسورة للشفاء، وهذا لم يثبت بالشرع ولا بالطب، فقد أشرك.

جاء في الحديث عن عمران بن الحصين t أن النبي ﷺ‬ رأى رجلاً في كفه حلقة من صفر، فقال: «ما هذه الحلقة؟، قال: هذه من الواهنة، قال: انزعها؛ فإنها لا تزيديك إلا وهنًا»([66]).

وفي الحديث: «من علق تميمة فلا أتم الله له، ومن علق ودعة فلا ودع الله له»([67]).

وهذه ميزة من ميزات الإسلام، فإنه يحفظ عقل الإنسان من الخرافات والخزعبلات، فالمسلم يعرف إن كان هذا الشيء قد جاء عن طريق الشرع، أو عن طريق الحس، وأثبته العقل كالأكل لدفع الجوع، والشرب لدفع العطش، وهكذا...، وما عداهما من الأوهام يترفع أن يعتقده أو يقر به.

وفي هذا الزمان - والله المستعان - قَلَّ أن يخلو الناس في تعاملهم مع الأبراج من الشرك الأكبر أو الشرك الأصغر، مع كثرة الأدلة المحذرة من هذا الفعل الشنيع.

عن أبي موسى t عن النبي ﷺ‬ قال: «لا يدخل الجنة مدمن خمر، ولا مؤمن بسحر، ولا قاطع رحم»([68]).

وعن زيد بن خالد الجهني t قال: «صلى لنا رسول الله ﷺ‬ صلاة الصبح بالحديبية إثر سماء كانت من الليل، فلما انصرف أقبل على الناس فقال: «هل تدرون ماذا قال ربكم؟!، قالوا: الله ورسوله أعلم!، قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب»([69]).

ومن الفتنة أن يقول الإنسان: قرأت ما عليه الكهان والعرافين واستقرأته فوجدته حقًا!، فتلك من الفتنة التي أخبر الله عز وجل عنها في الكتاب وأخبر عنها رسوله ﷺ‬ في السنة، ألا تقرؤون في صفة الدجال أنه يأتي بتغيير حقائق، كأن يأمر السماء أن تمطر فتمطر، ويأمر الأرض أن تنبت فتنبت!..

قال تعالى: }قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ{([70]).

فلو قرأه أحد وما وجده حقًا لم يقرأه أحد بعده، وبهذا يقع التمييز والتمحيص، وهذا هو الاختبار الحقيقي للعباد.

فعن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله ﷺ‬ يقول: «إن الملائكة تنزل في العنان فتذكر الأمر قضي في السماء، فتسترق الشياطين السمع فتسمعه، فتوحيه إلى الكهان فيكذبون معها مائة كذبة من عند أنفسهم»([71]).

وعنها رضي الله عنها قالت: سأل ناس النبي ﷺ‬ عن الكهان فقال: «ليسوا بشيء»، فقالوا: يا رسول الله: فإنهم يحدثون بالشيء يكون حقًا؟!!، فقال النبي ﷺ‬: «تلك الكلمة يخطفها الشيطان فيقرقرها بأذني وَليِّه كقرقرة الدجاجة، فيخلطون فيها بأكثر من مائة كذبة»([72]).

يقول الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: "لكن العجب من العبد كيف يتعلق بكلمة واحدة فيها صدق وينسى تسعةً وتسعين كذبة!!". اهـ.

الرابع: من يشاهد قنوات السحر، أو يقرأ الأبراج فضولاً وحب استطلاع دون تصديق، فحكم فعله حرام، بل ومن كبائر الذنوب..

عن بعض أمهات المؤمنين رضي الله عنهن عن النبي ﷺ‬ قال: «من أتى عرافًا فسأله عن شيء؛ لم تقبل له صلاة أربعين ليلة»([73]).

فمجرد السؤال يحرق صلاة أربعين ليلة!!!..

قوله: «من أتى عرافًا»:

العراف في اللغة: كثير المعرفة، وقيل: إن العراف اسم للكاهن والمنجم والرمال ونحوهم ممن يتكلمون في معرفة الأمور بتلك الطرق، وقيل: إن العراف طبيب العرب والكاهن ([74] وقيل: المنجم أو الحازي الذي يدعي علم الغيب الذي استأثر الله بعلمه ([75]).

فمن تكلم بمعرفة الأمور المغيبة إما الماضية وإما المستقبلة بتلك الطرق – طرق التنجيم، أو طريق الخط في الرمل، أو ضرب الودع، أو بقراءة الفنجان أو الكف، أو بطلب شيء من الملابس، أو بالسؤال عن اسم الأم أو الأب، أو بالخشبة المكتوب عليها أبجد هوز، أو بالكرة الكرستالية، ونحو ذلك – فهو كاهن، فكل من يخبر عن الأمور المغيبة بشيء يجعله وسيلة لمعرفة الأمور المغيبة يسمى كاهنا ويسمى عرافًا؛ لأنه لا يحصل له أمره إلا بنوع من الكهانة.

وقيل: العراف: هو اسم عام للكاهن والمنجم والرمال ونحوهم، مما يستدل على معرفة الغيب بمقدمات يستعملها، وهذا المعنى أعم، ويدل عليه الاشتقاق، إذ هو مشتق من المعرفة، فيشمل كل من تعاطى هذه الأمور وادعى بها المعرفة.

والكاهن مشرك بالله عز وجل؛ لأنه يستخدم الجن ويتقرب إليهم، ولا يصل إلى حقيقة السحر، ولا تخدمه الجن كما يريد حتى يهين القرآن، ويكفر بالله، ويسبه ويسب نبيه محمد ﷺ‬ والعياذ بالله، والسحر شرك بالله تعالى؛ لأنه ادعاء علم الغيب، قال تعالى: }قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ{([76]).

وقد فصل فضيلة الشيخ ابن عثيمين القول في معنى قوله ﷺ‬: «من أتى عرافا فسأله عن شيء، لم تقبل له صلاة أربعين يومًا» فقال رحمه الله:

ظاهر الحديث أن مجرد سؤاله يوجب عدم قبول صلاته أربعين يومًا، ولكنه ليس على إطلاقه، فسؤال العراف ونحوه ينقسم إلى أقسام:

* القسم الأول:

أن يسأله سؤالاً مجردًا، فهذا حرام؛ لقوله ﷺ‬: «من أتى عرافًا فسأله، لم تقبل له صلاة أربعين يومًا»، فإثبات العقوبة على سؤاله يدل على تحريمه، إذ لا عقوبة إلا على فعل محرم.

* القسم الثاني:

أن يسأله فيصدقه، ويعتبر قوله، فهذا كفر؛ لأن تصديقه في علم الغيب تكذيب للقرآن، حيث قال تعالى: }قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ{([77]).

* القسم الثالث:

أن يسأله ليختبره: هل هو صادق أو كاذب؟، لا لأجل أن يأخذ بقوله، فهذا لا بأس به ولا يدخل في الحديث، وقد سأل النبي ﷺ‬ ابن صياد فقال: «خبأت لك خبيئًا» - وكأنه يستفسره – قال ابن الصياد: الدخ، فقال ﷺ‬: «اخسأ فلن تعدو قدرك»([78])، فالنبي ﷺ‬ سأله عن شيء أضمره له؛ لأجل أن يختبره، فأخبره به ([79]).

والثاني: علم التسيير:

وهو علم يحتاجه الناس لضبط مصالحهم الدينية والدنيوية، وينقسم إلى قسمين:

* القسم الأول:

أن يستدل بسيرها على المصالح الدينية، فهذا مطلوب، وإذا كان يعين على مصالح دينية واجبة كان تعلمه واجبًا، كما لو أراد أن يستدل بالنجوم على جهة القبلة، فالنجم الفلاني يكون ثلث الليل قبله، والنجم الفلاني يكون ربع الليل قبله، فهذا فيه فائدة عظيمة..

* القسم الثاني:

أن يستدل بسيرها على المصالح الدنيوية، فهذا لا بأس به، وهو نوعان:

1- النوع الأول: أن يستدل بها على الجهات، كمعرفة أن القطب يقع شمالاً، والجدي وهو قريب منه يدور حوله شمالاً، وهكذا، فهذا جائز، قال تعالى: }وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ{([80] وقال تعالى: }وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ{([81]).

2- النوع الثاني: أن يستدل بها على الفصول، وهو ما يعرف بتعلم منازل القمر، فهذا كرهه بعض السلف، وأباحه آخرون، ومن كرهه علل ذلك بأنه: يخشى إذا قيل: طلع النجم الفلاني، فهذا وقت الشتاء أو الصيف، أن يعتقد بعض العامة أنه هو الذي يأتي بالبرد أو الحر أو بالرياح.

3- ومن آثار الإيمان باسم الله «الفتاح»: الرحمة التي يفتحها الله على عباده، وأعظم فتح هو إدخال الإيمان في القلوب، وفتحه على من يشاء من عباده من الحكمة والعلم والفقه في الدين، ويكون ذلك بحسب التقوى والإخلاص والصدق، قال تعالى: }وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ{([82]).

وقد امتن الله جل وعلا على عباده أن فتح عليهم بالإيمان، فقال تعالى: }أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ{([83]).

ومعنى قوله: }فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ{: أن بعض القلوب قابلة لذكر الله مستبشرة به، وبعضها – والعياذ بالله – رافضة لذلك، ولذلك نوح u مع كثرة ما يذكر قومه بالله فإن ذلك لا يزيدهم إلا طغيانًا وفرارًا، قال تعالى على لسان نبيه نوح u }قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا{([84])، فذكر الله موجب للانشراح في قلوب بعض العباد، وبعضهم قلبه رافض لهذا الذكر صاد عنه.

قال الرازي: "إن قيل: ذكر الله سبب لحصول النور والهداية وزيادة الاطمئنان، كما قال تعالى: }الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ{([85])، فكيف جعله في هذه الآية سببًا لقسوة القلوب؟!!.

والجواب أن نقول: إن النفس إذا كانت خبيثة الجوهر، كدرة العنصر، بعيدة عن مناسبة الشرع، شديدة الميل إلى الهوى والطبائع البهيمية، فإن سماعها لذكر الله يزيدها قسوة ونفورًا، ...، والفاعل الواحد تختلف أفعاله بحسب اختلاف القوابل، كنور الشمس يلين الشمع، ويعقد الملح في الماء"([86]).

والقاسية قلوبهم عن ذكر الله، مهما تأخذ بيده إلى ذكر الله تجده يحيد عنك، كحال قوم نوح u مع نوح، ولذلك الله عز وجل أثنى على المؤمنين فقال: }وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا{([87] وقال: }إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ{([88] وقال: }اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ{([89])، وفي هذه الآية بيان ما يحصل عند سماع القرآن من التأثر لسامعيه والاقشعرار، يقال: اقشعر جلده إذا تقبَّض وتجمع من الخوف ([90])، والمعنى أنها تأخذهم منه قشعريرة، قال الزجاج رحمه الله: :إذا ذكرت آيات الله اقشعرت جلود الخائفين لله، ثم تلين جلودهم وقلوبهم إذا ذكرت آيات الرحمة، وتقشعر إذا ذكرت آيات العذاب، فمن رحمة الله أنه يذكر الشيء ثم يذكر ضده([91])، والقرآن لما كان في غاية الجزالة والبلاغة، كانوا إذا رأوا عجزهم عن معارضته اقشعرت الجلود منه؛ إعظامًا له وتعجبًا من حسنه وبلاغته، ثم تلين جلودهم وقلوبهم..

قال تعالى: }أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ{([92]):

بعد أن حكم الله سبحانه وتعالى عليهم بالضلال المبين في الحياة الدنيا حيث قال في الآية السابقة: }أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ{([93] أشار إلى حكمهم في الآخرة فقال: }أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ{، أخبر أنهم يعذبون في الوجه وهو أشرف أعضاء الإنسان، وذلك لما كانت علامات الاشمئزاز والقسوة تظهر على الوجه الذي كره ما أنزل..

ومن الرحمة التي يفتحها الله على عباده: الإيمان في القلوب والهداية والتوفيق لهم لما فيه الصلاح والسداد، وتحبيب الله لمن اصطفاه الإيمان والأعمال الصالحة، وتزيين ذلك في قلوب عباده، قال تعالى: }حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ{([94]).

وإن كنت ممن فتح الله له بالإيمان، وطلب العلم، والإقبال على الطاعة، فاستمع إلى وصية ابن القيم لك:

قال ابن القيم – رحمه الله – "فيا من فتح الله أقفال قلبه، وأفاض عليه نورًا من عنده، حل أقفال القلوب الجاهلة بمفاتيح العلوم، كن فتاحًا بما فتح الله عليك قال الله تعالى: }وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ{ قال تعالى: }فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ{([95])، وإن كنت لم تصل إلى هذا المقام، وفتح عليك من الرزق الظاهر فكن ذا يد سمحة، وقلب فتاح واسع" وكن مفتاح خير ومغلاق شر، وفي الحديث عن أنس t قال: قال رسول الله ﷺ‬: «إن من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشر، وإن من الناس مفاتيح للشر مغاليق للخير، فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه، وويل لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه»([96]) وفي الحديث: «إن لله عند أقوام نعمًا أقرها عندهم ما كانوا في حوائج المسلمين ما لم يملوهم، فإذا ملوهم نقلها إلى غيرهم»([97]) ومن الأماكن التي يفتح فيها باب الرحمة: المساجد، لما جاء في الحديث عن أبي هريرة t: «إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي ﷺ‬ وليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج فليسلم على النبي ﷺ‬ وليقل اللهم اعصمني من الشيطان الرجيم»([98])، ومن الحديث يتبين أن الدخول إلى المسجد رحمة والخروج منه بداية معركة مع الشيطان، وذلك لأن المساجد أماكن الرحمات وإجابة الدعوات ووجود الملائكة والناس الصالحين، أما إذا خرج من المسجد فقد خرج لمكان تنتشر فيه الشياطين من الإنس والجن، فناسب أن يستعيذ بالله من الشيطان وأن يطلبه العصمة منه.

5- قد يفتح الله سبحانه النعم للناس استدراجًا لهم، إذ تركوا ما أمروا به ووقعوا فيما نهوا عنه، كما قال تعالى: }فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ{([99] ويحسن بنا أخيرًا أن نبين الفرق بين الاستدراج والمكافأة: فإن الإنسان إذا كان صاحب إيمان وفتح الله له أبواب الرزق فهذه دلالة مكافأة، وإذا كان صاحب معصية وفتحت له أبواب الرزق فهذه دلالة استدراج كرزق الله سبحانه وتعالى لقارون وفرعون استدراجًا والله تعالى أعلم.

أسأل الله أن يفتح لنا بمفاتح الرزق، وأن يفتح بيننا وبين القوم الظالمين، وأن يوفقنا لما يحب ويرضى ويأخذ بأيدينا للبر والتقوى.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد.



([1]) سورة الأنفال الآية: 19.

([2]) سورة سبأ الآية: 26.

([3]) لسان العرب (2/538)، مختار الصحاح (1/205).

([4]) النهاية في غريب الأثر (3/406).

([5]) سورة سبأ الآية: 26.

([6]) سورة الأعراف الآية: 89.

([7]) النهج الأسمى (1/207).

([8]) سورة فاطر الآية: 2.

([9]) تفسير الطبري (9/3).

([10]) سورة الأعراف الآية: 89.

([11]) تفسير الطبري (9/2).

([12]) سورة سبأ الآية: 26.

([13]) تفسير الطبري (22/95).

([14]) النهج الأسمى (1/206).

([15]) سورة الأنفال الآية: 19.

([16]) شأن الدعاء (56).

([17]) الكتاب الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى، ورقة (305 أ).

([18]) سورة المائدة: الآية 45.

([19]) الكتاب الأسنى، ورقة (306 أ – 306 ب).

([20]) سورة الأنعام، الآية 114.

([21]) سورة المائدة، الآية 45.

([22]) سورة النساء، الآية 65.

([23]) سورة المائدة، الآية 47.

([24]) سورة المائدة، الآية 44.

([25]) سورة النور، الآية: 47-48.

([26]) سورة المائدة، الآية 49-50.

([27]) سورة المائدة، الآية 50.

([28]) تفسير ابن كثير (2/68).

([29]) سورة النساء، الآية 65.

([30]) سورة النساء، الآية 65.

([31]) رواه الحسين بن مسعود في شرح السنة، برقم (104)، وقال النووي في أربعينه: هذا حديث صحيح رويناه في كتاب الحجة بإسناد صحيح، وقال الألباني في مشكاة المصابيح: سنده ضعيف، رقم الحديث (167).

([32]) سورة فاطر، الآية 28.

([33]) سورة النور، الآية 47.

([34]) سورة آل عمران، الآية 23.

([35]) سورة النور، الآية 49.

([36]) سورة النور، الآية 50.

([37]) سورة النور: 51.

([38]) سورة الشعراء، الآية 117، 118.

([39]) تفسير الطبري (19/91).

([40]) سورة الأعراف، الآية 89.

([41]) تفسير ابن كثير (2/233).

([42]) سورة الأعراف، الآية 91.

([43]) تفسير ابن كثير (2/233).

([44]) سورة هود، الآية 102-103، والحديث أخرجه البخاري (4409).

([45]) سورة الأنعام، الآية 65.

([46]) أخرجه البخاري (6883).

([47]) أخرجه ابن جرير الطبري في تفسير (7/225)، وقد أخرجه البخاري في الصحيح مختصرًا، في متنه قصة (121).

([48]) سورة الأعراف، الآية 89.

([49]) سورة إبراهيم، الآية 15.

([50]) سورة سبأ، الآية 26.

([51]) سورة الأعراف، الآية 7.

([52]) سورة السجدة، الآية 29.

([53]) تفسير ابن كثير (3/465).

([54]) سورة الأنعام، الآية 59.

([55]) تفسير القرطبي، (7/1).

([56]) سورة الجن، الآية 26، 27.

([57]) سورة النمل، الآية 65.

([58]) أخرجه مسلم، وهو جزء من حديث طويل (177).

([59]) سورة النور، الآية 26.

([60]) سورة هود، الآية 70.

([61]) سورة هود، الآية 77.

([62]) سورة الحجر، الآية 40-42.

([63]) سورة النمل، الآية 65.

([64]) سورة العنكبوت، الآية 1، 2.

([65]) أخرجه النسائي في الكبرى (9017)، وابن ماجة في السنن (639)، والترمذي في السنن (135)، وصححه الألباني.

([66]) أخرجه ابن ماجة، (3531)، وقال الألباني: ضعيف.

([67]) أخرجه الحاكم في المستدرك (7501)، والبيهقي في السنن (19389) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (492).

([68]) أخرجه الحاكم في الصحيح (6137)، أحمد في مسنده (11122) وزاد عليه: (ولا كاهن ولا منان)، وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2362): حسن لغيره.

([69]) أخرجه البخاري (991).

([70]) سورة النمل، الآية 65.

([71]) أخرجه البخاري (3038).

([72]) أخرجه البخاري في الأدب المفرد (882)، وصححه الألباني.

([73]) أخرجه مسلم في صحيحه (2230).

([74]) المعجم الوسيط ج2: ص595.

([75]) لسان العرب ج9: ص238.

([76]) سورة النمل، الآية 65.

([77]) سورة النمل، الآية 65.

([78]) متفق عليه، أخرجه البخاري (6244) واللفظ له، ومسلم (2930).

([79]) القول المفيد على كتاب التوحيد (1/532).

([80]) سورة النحل، الآية 16.

([81]) سورة الأنعام، الآية 97.

([82]) سورة البقرة، الآية 282.

([83]) سورة الزمر، الآية 22.

([84]) سورة نوح، الآية 5-7.

([85]) سورة الرعد، الآية 28.

([86]) التفسير الكبير (26/232).

([87]) سورة الفرقان، الآية 73.

([88]) سورة الأنفال، الآية 2.

([89]) سورة الزمر، الآية 23.

([90]) فتح القدير (4/459).

([91]) المرجع السابق.

([92]) سورة الزمر، الآية: 24.

([93]) سورة الزمر، الآية: 22.

([94]) سورة الحجرات الآية: 7.

([95]) سورة الأنعام الآية: 44.

([96]) أخرجه ابن ماجة في السنن (237) وحسنه الألباني.

([97]) أخرجه الطبراني، وحسنه الألباني (2616).

([98]) أخرجه ابن ماجة في السنن (773)، وصححه الألباني.

([99]) سورة الأنعام الآية: 44.