الخشية من الله
التصنيفات
المصادر
الوصف المفصل
سص
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعد:
فإن الخشية من الله جل وعلا سمة من سمات عباده الصالحين، ومنـزلة سلكها الأنبياء والمرسلون والملائكة المقربون والصحابة والتابعون؛ فهي دليل معرفة الله وتقديره، حق قدره، ودليل الإيمان الصادق والعبادة الخالصة. قال تعالى عن المؤمنين: }وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ * فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ * إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ{ [الطور: 25-28]. فبين الله سبحانه وتعالى أن إشفاقهم وخشيتهم من الله في الدنيا كان سببًا لنجاتهم من عذاب جهنم يوم القيامة.
أخي الكريم: ألم يأن لقلبك أن يخشع ولعينك أن تدمع، ولأذنك أن تسمع، فإن عذاب الله شديد، وإن بطشه لعزيز، وإن فزع يوم القيامة لمهول، قال تعالى: }يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ{ [الحج: 1، 2].
وقد وصف الله – جلا وعلا – ملائكته بالخوف منه فقال: }يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ{ [النحل: 50]. فإذا كان الملائكة وهم الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، ترتعد فرائصهم من مخافة الله سبحانه، ما بال الإنسان الذي تحيل نفسه للمعاصي والزلات، وتصر على الخطايا والسيئات، يعمى فلا يخشى ويغفل فلا يذكر!!
وقد كان رسول الله ﷺ وهو الشافع المشفع، وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، كان عليه الصلاة والسلام أشد الناس خوفًا من الله جل وعلا. فعن عائشة رضي الله عنها قالت: ما رأيت رسول الله ﷺ قط مستجمعًا ضاحكًا، حتى أرى لهواته، إنما كان يبتسم، وكان إذا رأى غيمًا ريحًا عرف ذلك في وجهه، فقلت: يا رسول الله: الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر، وأراك إذا رأيته عرفت الكراهة في وجهك! فقال: يا عائشة: «ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب؛ قد عذب قوم بالريح، وقد رأى قوم العذاب فقالوا: هذا عارض ممطرنا»([1]).
أخي الحبيب: فليكن رسول الله ﷺ لك أسوة. وليكن خوفك من الله رادعًا لك عن اقتراف الآثام والسيئات داعيًا إياك للمسارعة إلى البر والخيرات.
لا يحذر النفس إلا ذو مراقبة | ||||
يمسي ويصبح في الدنيا على وجل | ||||
ما أقرب الموت من أهل الدنيا وما | ||||
أحجى اللبيب بحسن القول والعمل | ||||
حقيقة الخشية
واعلم حفظك الله – أن الخشية من الله هي: تألُّم القلب واحتراقه وخوفه من الله بسبب توقع العذاب يوم القيامة. وإنما يخشى الله جل وعلا من طالع حقيقة نفسه، وما انطوت عليه من النقائص والعيوب، ثم عرف قدر ربه وجلال وجهه وسلطانه، وما يستحقه من الطاعة والعبادة والإجلال.
وكلما كانت معرفة العبد بالله أكمل كان له أخشى وأخوف؛ لذلك فقد كان أخشى الناس لله (جل وعلا) رسول الله ﷺ، لأنه كان أعرف الناس به، وأعلم بقدره وجلاله. فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله ﷺ: «أنا أعرفكم بالله وأشدكم له خشية»([2]).
أخي الكريم: تذكر أنَّ خشية الله جل وعلا هي ثمرة إيمانك ويقينك، فكلما صفا إيمانك، وعلا يقينك، ازداد خوفك من الله، وخشيتك له، وفاض أثر ذلك على قلبك، وظهر على جوارحك وصفاتك وأفعالك، بالطاعة والخضوع والبكاء والخشوع.
والسر في ذلك أن الإيمان بالله (جل وعلا) يحمل الإنسان على تصديق الوعد والوعيد، وعلى إدكار القبور وظلماتها، ويوم القيامة وأهوالها، وجهنم وزفراتها، فيعيش المؤمن بين الرجاء في الجنة والخوف من النار، ويرى نفسه مقصرًا في حقوق الله مفرطًا في الطاعة والعبادة فيغلب عليه جانب الخشية والخوف، فلا تراه إلا مستكينًا خائفًا يرجو رحمة الله ويخاف عذابه.
ويحك يا نفس احرصي | على ارتياد المخلص | |
وطاوعي وأخلصي | واستمعي النصح وع | |
واعتبري بمن مضى | من القرون وانقضى | |
واخشي فجاءة القضا | وحاذري أن تخدعي | |
وانتهجي سبل الهدى | واذكري وشك الردى | |
وأن مثواك غدا | في قعر لحد بلقع |
وكيف لا يخشى العبد ربه، وقد أمر الله جل وعلا عباده، أن يخافوه ويرهبوه، وأن يتقوا غضبه وعقابه، قال تعالى: }وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ{ [البقرة: 40]. وقال تعالى: }وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ{ [آل عمران: 28]. وقال تعالى: }وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ{ [الرحمن: 46 ]. وتارة يبين الله جل وعلا بعضًا من أهوال يوم القيامة تخويفًا وتذكيرًا. قال تعالى: }وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآَخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ * وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ * يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ * فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ{ [هود: 102-106].
واعلم يا عبد الله أن حقيقة الخوف والخشية، هي اجتناب ما يوجب سخط الله وغضبه، وفعل أوامره، وما أمر به من الطاعات، والاجتهاد في اكتساب الحسنات، والمسارعة إلى الخيرات، والفرار إلى الله جل وعلا باللجوء إليه، والتوكل عليه، والاستعانة به، والتضرع إليه بالدعاء، والذكر.
قال بعض السلف: من خاف أدلج.
وقال آخر: ليس الخائف من بكى؛ إنما الخائف من ترك ما يقدر عليه.
فخشية الله هي ما أثمر ترك المعاصي والشهوات، وأوجب النظر في خطر العاقبة، ومراقبة النفس ومحاسبتها ومجاهدتها في الله. وقد كان الصحابة أتقى الناس لله، وأخوفهم منه: فهذا عمر بن الخطاب t قرأ سورة } الطور{ حتى بلغ }إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ{ [الطور: 7]. فبكى واشتد بكاؤه حتى مرض وعادوه. فأين نحن من خوف السلف ولا حوله ولا قوة إلا بالله.
مظاهر خشية الله
أخي الكريم: إن من خشي الله جل وعلا حق الخشية لابد أن تظهر علامات ذلك على حاله، وجوارحه، وأفعاله. فلا تراه إلا خاشعًا ضارعًا مستكينًا باكيًا، كلما تفكر في العذاب، وقَّافًا عند حدود الله، سبَّاقًا إلى الطاعات، فارًّا من المعاصي والسيئات.
ومن أهم مظاهر الخشية ما يلي:
1- تقوى الله في السرِّ والعلن: فأصل التقوى هي أن تجعل بينك وبين عذاب الله وسخطه وقاية، ولا يكون ذلك إلا باستحضار عظمته، والخوف منه، ومن عقابه، واجتناب محارمه، ونواهيه، وفعل أوامره، والاجتهاد في العبادات، والقربات. قال تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ{ [آل عمران: 102].
قال الحسن البصري: المتقون هم الذين اتقوا ما حرم الله عليهم، وأدوا ما افترض الله عليهم.
وقال عمر بن عبد العزيز: ليس تقوى الله بصيام النهار، ولا بقيام الليل والتخليط فيما بين ذلك؛ ولكن تقوى الله ترك ما حرم الله، وأداء ما افترض الله، فمن رزق بعد ذلك خيرًا فهو خير إلى خير.
وقال طارق بن حبيب: التقوى أن تعمل بطاعة الله على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله عن نور من الله، تخاف من الله.
فالتقوى، هي أصل الخشية والخوف، وهي زاد الخائفين من عذاب الله، الراجين لثوابه:
خل الذنوب كبيرها | وصغيرها فهو التقى | |
واصنع كماش فوق أر | ض الشوك يحذر ما يرى | |
لا تحقرن صغيرة | إن الجبال من الحصى |
وقد كان السلف رضوان الله عليهم أتقى الناس لله، وكانوا يتواصون بها، فقد كتب عمر بن عبد العزيز إلى رجل فقال: أوصيك بتقوى الله عز وجل، التي لا يقبل غيرها، ولا يرحم إلا أهلها، ولا يثيب إلا عليها، فإن الواعظين بها كثير، والعاملين بها قليل، جعلنا الله وإياك من المتقين.
فيا مفاز المتقي | وربح عبد قد وقي | |
سوء الحساب الموبق | وهول يوم الفزع | |
ويا خسار من بغى | ومن تعدى وطغى | |
وشب نيران الوغى | لمطعم ومطمع |
2- الزهد في الدنيا والإقبال على الآخرة: فإن مآل الدنيا إلى زوال، وإنها كطيف خيال، قال تعالى: }وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ{.
والخشية من الله من أقوى الأسباب التي تجنب المرء الحرص على الدنيا، لأن الخوف من الله يورث في القلب الفزع من العقاب والعذاب، ولا يكون ذلك إلا لمن كان زاهدًا في الدنيا مقبلاً على الآخرة. قال سفيان الثوري: الزهد في الدنيا قصر الأمل، ليس بأكل الغليظ، ولا بلبس العباءة، قال: وكان من دعائهم: اللهم زهدنا في الدنيا، ووسع علينا منها، ولا تردها عنا، فترغبنا فيها.
وقال أبو مسلم الخولاني: ليس الزهادة في الدنيا بتحريم الحلال، ولا بإضاعة المال، إنما الزهادة أن تكون بما في يد الله أوثق منك بما في يديك، وأن تكون حالك في المصيبة وحالك إذا لم تصب بها سواء، وأن يكون مادحك وذامُّك في الحق سواء.
3- محاسبة النفس:
واعلم أخي الكريم: أن محاسبة النفس من أهم علامات الخوف من الله، قال تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ{ [الحشر: 18].
فإن من حاسب نفسه أدرك خطأه، ومن أدرك خطأه وأجبره بالتوبة والاستغفار والإكثار من الخير، فقد وفق لخير كثير، ونجى من عذاب الله سبحانه. فعن ابن مسعود t قال: قال رسول الله ﷺ: «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه، وماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وماذا عمل فيما علم»([3]).
قال الحسن: لا تلقى المؤمن إلا يحاسب نفسه: ماذا أردت تعملين؟ وماذا أردت تأكلين؟ وماذا أردت تشربين؟ والفاجر يمضي قدمًا لا يحاسب نفسه.
وقال أيضًا: إن العبد لا يزال بخير ما كان له واعظ من نفسه، وكانت المحاسبة همته.
4- البكاء من خشية الله:
أخي الكريم: إن القلب إذا خالطته نسمة حب الله (جل وعلا) ، ومازجته خشيته وخوفه، كان رفيقًا رقيقًا خاشعًا مستكينًا، لا تمر عليه آية رحمة أو عذاب إلا أثرت فيه أثرًا بليغًا، فلا ترى صاحبه إلا هطَّال الدمع شوقًا وحزنًا، ورغبة فيما عند الله ورهبة من عقابه. قال تعالى عن المؤمنين: }وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا{ [الإسراء: 109]. وقال تعالى: }أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ{ [النجم: 59، 60].
وعن أنس t قال: «خطب رسول الله ﷺ خطبة ما سمعت مثلها قط، فقال: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً، ولبكيتم كثيرًا» قال: فغطى أصحاب رسول الله: «وجوههم ولهم خنين([4])»([5]).
ولقد كان رسول الله ﷺ أشد الناس بكاء من خشية الله،
فعن عبد الله بن الخير t قال: أتيت رسول الله ﷺ وهو يصلي ولجوفه أزيز كأزيز المرجل من البكاء»([6]) وكان محمد بن واسع يبكي عامة الليل، لا يكاد يفتر.
وكان عمر بن عبد العزيز إذا ذكر الموت انتفض انتفاض الطير، ويبكي حتى تجري دموعه على لحيته. وبكى ليلة فبكى أهل الدار، فلما تجلت عنهم العبرة قالت فاطمة: بأبي أنت يا أمير المؤمنين لم بكيت؟ قال: ذكرت منصرف القوم من بين يدي الله تعالى، فريق في الجنة وفريق في السعير، ثم صرخ وغُشي عليه ([7]).
يا رب جئتك نادمًا أبكي على | ما قدمته يداي لا أتباكا | |
يا رب عدت إلى رحابك تائبًا | مستسلمًا مستمسكًا بعراكا | |
مالي وما للأغنياء وأنت يا | رب الغني ولا يحد غناكا | |
مالي وما للأقوياء وأنت يا | ربي رب الناس ما أقواكا |
ثمار الخشية من الله
اعلم أخي المسلم: أن خشية الله هي النجاة من سخطه وعقابه، قال رسول الله ﷺ: «لا يلج النار رجل بكى من خشية الله، حتى يعود اللبن في الضرع، ولا يجتمع غبار في سبيل الله، ودخان جهنم»([8]) فالنجاة من النار هي الثمرة اليانعة للخوف من الله سبحانه؛ فالله - جل وعلا- لا يجمع على العبد خوفين، فإذا خافه في الدنيا أمنه يوم القيامة، كما أنه لا يجمع على عبده أمنين، فإذا أمنه في الدنيا، أخافه يوم القيامة.
فمن سلك سبيل النجاة امتطى مركب الخوف والخشية، ولازم طاعة الله سبحانه في السر والعلن، وأقام صرح الاستقامة في الظاهر والباطن، وعاش مع خوفه راجيًا ثواب الله سبحانه، محسنًا الظن به، متوكلا عليه، منيبًا إليه.
ومن ثمرات خشية الله والخوف منه، أنه يُظَلَّ صاحبها يوم لا ظل إلا ظله، فعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله ﷺ: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله تعالى، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه»([9]).
أخي الكريم: وتذكر أن خشية الله تورث النضرة في الوجه، والحلاوة والمهابة والشرف، فلا تجد صاحبها إلا شريفًا عفيفًا، طيب الملبس والمطعم، بعيدًا عن الشبهات والمحرمات ومصارع السوء، مشتغلاً بخاصة نفسه، وبما ينفعه في آخرته ومعاده، وهذا ما يجعله مقبولاً عند الله محبوبًا بين الناس طيب السمعة رفيع المنزلة، يشار إلى تقواه وورعه ومكانته بالبنان، ويغبطه كل إنسان.
قيل لأبي بكر المسكي: إنا نشم منك رائحة المسك مع الدوام فما سببها؟
فقال: والله لي سنين عديدة لم أستعمل المسك، ولكن سبب ذلك أن امرأة احتالت علي حتى أدخلتني دارها، وأغلقت دوني الأبواب، وراودتني عن نفسي، فتحيرت في أمري فضاقت بي الحيل، فقلت لها: إن لي حاجة إلى الطهارة؛ فأمرت جارية لها أن تمضي بي إلى بيت الراحة ففعلت، فلما دخلت بيت الراحة أخذت العذرة، وألقيتها على جميع جسمي، ثم رجعت إليها وأنا على تلك الحالة، فلما رأتني دهشت، ثم أمرت بإخراجي، فمضيت، واغتسلت، فلما كانت تلك الليلة رأيت في المنام قائلاً يقول لي: فعلت ما لم يفعله أحد غيرك؛ لأطيبنَّ رحيلك في الدنيا والآخرة، فأصبحت والمسك يفوح مني، واستمر ذلك إلى الآن ([10]).
خاتمة
أخي الكريم: إياك أن تستهويك شهوات الدنيا الفانية، وإياك أن تغويك أماني النفس الآنية، وإياك أن ترديك الوساوس الشيطانية.
فما هي إلا أيام وسوف تنقضى | ||||
ويدرك غب السير من هو صابر | ||||
أقبل على الله بالخشية والتضرع والبكاء، واجعل لنفسك من عذابه وقاية باجتناب ما حرم، وفعل ما أمر، وسر به إلى الله بجناحي الرجاء والخوف. فكلما أصبت طاعة رجوته، وكلما هممت بمكروه خشيته.
مالي رأيتك تطمئن | إلى الحياة وتركن | |
وجمعت ما لا ينبغي | وبنيت ما لا تسكن | |
وسلكت فيما أنت في الد | نيا به متيقن | |
أظننت أن حوادث الـ | أيام لا تتمكن؟!! |
وتذكر أن دموع الخائفين غالية عند الله، فما من قطرات أحب إليه منها.
فعن أبي أمامة صدي بن عجلان الباهلي t، عن النبي ﷺ قال: «ليس شيء أحب إلى الله تعالى من قطرتين، وأثرين: قطرة دموع من خشية الله،ـ، وقطرة دم تهراق في سبيل الله، وأما الأثران: فأثر في سبيل الله تعالى، وأثر في فريضة من فرائض الله تعالى»([11]).
([1]) رواه مسلم (899).
([2]) رواه البخاري (20).
([3]) رواه الترمذي (2416) وحسنه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع 7299.
([4]) والخنين: هو البكاء مع الغنة وانتشاق الصوت من الأنف.
([5]) رواه البخاري 8/210 ومسلم (2359).
([6]) رواه أبو داود (904) وإسناده صحيح.
([7]) مختصر منهاج القاصدين ص340.
([8]) رواه الترمذي (1633) وقال: حديث حسن صحيح.
([9]) رواه البخاري (2/19) ومسلم (1031).
([10]) الجزاء من جنس العمل 20/128 لسيد بن حسين العفاني.
([11]) رواه الترمذي: (1669) وقال: حديث حسن.