×
الذنب الأعظم: هذه المطوية يُبيِّن فيها الكاتب أن أعظم ذنبٍ هو الشرك بالله تعالى، وهو أن يجعل العبدُ مع الله شريكًا أو يعبُد غيرَه، وذكرَ الأدلةَ من الكتاب والسنة على ذلك.

 الذنب الأعظم


الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده                                    أما بعد

 فإن الذنب الأعظم أن يشرك بالله المسلم. قَال َتَعَالَى: { وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً }[النساء: ٤٨]

 وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُوْدٍ tقَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ(أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ قَالَ أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ) .رواه البخاري([1])ومسلم([2])

 والشر ك بالله هو عبادة غير الله مع الله أومن دون الله.   قَال َتَعَالَى: {وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً}[ النساء: ٣٦]

و قَال َتَعَالَى: قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ } [الرعد: ٣٦ ]

و قَال َتَعَالَى: { فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً } [الكهف: ١١٠]

والشرك ظلم عظيم. قَال َتَعَالَى: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ }[لقمان: ١٣]

 والمشرك ظالم لأن الله خلقه فعبد غيره. قَال َتَعَالَى:{أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ  يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ {191} وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلاَ أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ } [الأعراف: ١٩١ - ١٩٢]

ورزقه فشكر سواه . قَال َتَعَالَى: {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ شَيْئاً وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ } [النحل: ٧٣] عبد الله لما كان الشرك ذنباً عظيماً عاقب الله المشرك عقاباً أليماً.

 عقوبات المشرك.

  العقوبة الأولى:

لا يقبل الله من المشرك صياماً ولا صلاه ولا حجاً ولا زكاه حتى يتوب إلى الله. قَال َتَعَالَى: { وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [الأنعام: ٨٨ ] 

     و قَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } [الزمر: ٦٥] 

  العقوبة الثانية:

 أن الله لا يغفر للمشرك إذا لم يتب ومات على الشرك وإن صام وصلى وحج وزكى وزعم أنه مسلم.

قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ } [النساء: ٤٨]

 فجميع الذنوب يمكن أن يغفرها الله لمن مات عليها إلا الشرك.

قَالَ تَعَالَى:{وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ } [النساء: ٤٨]

 وعَنْ أَبِي ذَرٍّ t أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ‬ قَالَ:( عَرَضَ لِى جِبْرِيلَ فَقَالَ:( بَشِّرْ أُمَّتَكَ أَنَّهُ مَنْ مَاتَ لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ فَقُلْتُ يَا جِبْرِيلُ وَإِنْ سَرَقَ وَإِنْ زَنَى قَالَ نَعَمْ. قَالَ قُلْتُ وَإِنْ سَرَقَ وَإِنْ زَنَى قَالَ نَعَمْ. قَالَ قُلْتُ وَإِنْ سَرَقَ وَإِنْ زَنَى قَالَ نَعَمْ وَإِنْ شَرِبَ الْخَمْرَ ».رواه البخاري([3]) ومسلم([4])  

 العقوبة الثالثة:

أن الله يدخله النار ويعامله معاملة الكفار وإن صام وصلى وحج وزكى وزعم أنه مسلم .قَال َتَعَالَى:{إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ}[المائدة: ٧٢]

  عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِt قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ‬يَقُولُ: «مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ مَاتَ يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا دَخَلَ النَّارَ» رواه مسلم([5])

 العقوبة الرابعة:

أن المشرك لا تنفعه شفاعة الشافعين. قَال َتَعَالَى:{فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ }[المدثر: ٤٨]

و عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَt أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ‬ قَالَ:( إِذَا فَرَغَ اللَّهُ مِنْ الْقَضَاءِ بَيْنَ الْعِبَادِ وَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ بِرَحْمَتِهِ مَنْ أَرَادَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ أَمَرَ الْمَلَائِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوا مِنْ النَّارِ مَنْ كَانَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا مِمَّنْ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَيَعْرِفُونَهُمْ فِي النَّارِ بِأَثَرِ السُّجُودِ تَأْكُلُ النَّارُ ابْنَ آدَمَ إِلَّا أَثَرَ

السُّجُودِ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ أَثَرَ السُّجُودِ فَيَخْرُجُونَ مِنْ النَّارِ)رواه البخاري([6]) ولا يشفع له سيد المرسلين ﷺ‬.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَt قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ فَتَعَجَّلَ كُلُّ نَبِيٍّ دَعْوَتَهُ وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَهِيَ نَائِلَةٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا).رواه مسلم ([7])

وقد يقع في الشرك بعض المسلمين لجهله بأعمال المشركين فهؤلاء الصفوة من قوم موسى عليه السلام نجاهم الله من الغرق وفرعون فإذا هم يشركون. قَال َتَعَالَى: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَـهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ {138} إِنَّ هَـؤُلاء مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ {139}قَالَ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَـهاً وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ }[الأعراف: ١٣٨ - ١٤٠] قلت: وهذا ماطلبه بعض المسلمين لما خرجوا إلى غزوة حنين لجهلهم بأعمال المشركين . عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ t قَالَ:(خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ‬إِلَى حُنَيْنٍ وَنَحْنُ حُدَثَاءُ عَهْدٍ بِكُفْرٍولِلْمُشْرِكِينَ سِدْرَةٌ يَعْكُفُونَ

عِنْدَهَا ويَنُوطُونَ بِهَا أَسْلِحَتَهُمْ يُقَالُ لَهَا ذَاتُ أَنْوَاطٍ قَالَ فَمَرَرْنَا بِالسِّدْرَةِ فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لَهُمْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ‬: " اللَّهُ أَكْبَرُ إِنَّهَا السُّنَنُ قُلْتُمْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ كَمَا قَالَتْ بنو إِسْرَائِيلَ :(اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ )لَتَرْكَبُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ " رواه أحمد ([8])و الطبراني ([9])

وللشرك صور وأشكال فصلها رب العزة والجلال. قَال َتَعَالَى:{وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ}[الأنعام: ١١٩]

 والشرك بالله مماحرم الله.

قَال َتَعَالَى: { قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً }[الأنعام: ١٥١]

الصورة الأولي: عبادة الملائكة والأنبياء مع  الله أومن دون الله فمن عبدهم فقد كفروأشرك بمولاه. قَال َتَعَالَى:{ وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلاَئِكَةَ وَالنِّبِيِّيْنَ أَرْبَاباً أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ}[آلعمران:٨٠]

الصورة  الثانية:عبادة الأولياء والصالحين مع الله أومن دون الله فمن عبدهم فقد أشرك بمولاه .قَال َتَعَالَى:{اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ

إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ }[التوبة: ٣١]  وقَال َتَعَالَى:{وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلَا سُوَاعاً وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً}[نوح: ٢٣] فود رجل صالح وسواع رجل صالح و يغوث رجل صالح ويعوق رجل صالح ونسر رجل صالح

 الصورة الثالثة: عبادة الأشجارأو الأحجار مع الله أو من دون الله فمن عبدها فقد أشرك بمولاه.قَال َتَعَالَى:{أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى{19}وَمَنَاةَالثَّالِثَةَالْأُخْرَى{20}[النجم:]   الصورةالرابعة:عبادة الشيطان.

قَال َتَعَالَى:{أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ {60}وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ }[يس:60-61]

فكل من عبد غير الرحمن فإنما يعبد الشيطان.قَال َتَعَالَى:{ إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثاً وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَاناً مَّرِيداً{117}لَّعَنَهُ اللّهُ}[النساء: 118]

وعن أ بي الطفيل قال ( لما فتح رسول الله ﷺ‬مكة بعث خالد بن الوليد الى نخلة وكانت بها العزى وكانت على ثلاث سمرات فقطع السمرات وهدم البيت الذي  كان عليها ثم تصنع شيئاً فرجع خالد فلما أبصرته السدنة أمعنوا في الجبل وهم يقولون يا عزى يا عزى

فأتاها خالد فإذا امرأة عريانة ناشرة شعرها تحفن التراب على رأسها فعمها بالسيف فقتلها ثم رجع الى رسول الله ﷺ‬ فأخبره فقال((تلك العز ى)) رواه النسائي([10])

ومن عبد الشيطان أوحى إليه البدع والكفر والشرك بالرحمن. قَال َتَعَالَى:{وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ}[الأنعام: ١٢١]

والشيطان يتكلم مع الإنسان بالصوت والصورة. قَال َتَعَالَى:{وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ }[الإسراء: ٦٤]

وعن أبي الطفيل (أن الشيطان ظهر عند العزى في صورة امراة فقتلها خالد ثم رجع الى رسول الله ﷺ‬ فأخبره فقال(( تلك العز ى)) رواه النسائي([11])

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t:أن الشيطان جاءه في صورة إنسان وتكلم معه ثلاث ليال فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ‬ تَعْلَمُ مَنْ تُخَاطِبُ مُنْذُ ثَلَاثِ لَيَالٍ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ لَا قَالَ ذَاكَ شَيْطَانٌ). رواه البخاري مطولا([12])

فبصوته وصورته أضل المشركين حتى ظنوا أنها صورة وصوت المقبورين.



(1)صحيح  البخاري  [  بَاب إِثْمِ الزُّنَاةِ  ]

(2) صحيح مسلم [  بَاب كَوْنِ الشِّرْكِ أَقْبَحُ الذُّنُوبِ  ]

(3) صحيح البخاري  [باب المكثرون هم المقلون ]

(4)صحيح مسلم [باب الترغيب في الصدقة]

(5) صحيح مسلم  [ بَاب مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا  ]

(6) صحيحالبخاري  [  بَاب قَوْلِ اللَّهِ{ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ]  

([7])صحيح مسلم[   بَاب اخْتِبَاءِ النَّبِيِّ rدَعْوَةَ الشَّفَاعَةِ لِأُمَّتِهِ ]

(1)مسند أحمد رقم20892 (ج 44 / ص 368)

(2)المعجم الكبير للطبراني رقم3215 (ج 3 / ص 394)

(3) السنن الكبرى للنسائي رقم 11547 (ج 6 / ص 474) 

(4)السنن الكبرى للنسائي رقم 11547 (ج 6 / ص 474)  

([12]) صحيحالبخاري  [ بَاب إِذَا وَكَّلَ رَجُلًا فَتَرَكَ الْوَكِيلُ شَيْئًا ]