شهادة الإسلام
ترجمات المادة
التصنيفات
- العقيدة >> الإسلام >> أركان الإسلام
- العقيدة >> الإسلام >> شهادة أن لا إله إلا الله
- العقيدة >> الإسلام >> شهادة أن محمدًا رسول الله
الوصف المفصل
- شهادة
الإسلام
- أركان الإسلام :
- أركان الإيمان :
- مكانة لا إله إلا الله :
- فضل لا إله إلا الله :
- لا معبود بحق إلا الله :
- تحقيق الشهادتين :
- الأنبياء دينهم واحد :
- متى تنفع لا إله إلا الله :
- أفضل شعب الإيمان :
- شروط لا إله إلا الله :
- حقيقة لا إله إلا الله :
- معنى محمد رسول الله :
- أهمية التوحيد :
- من فضائل التوحيد :
- نواقض لا إله إلا الله :
- لا تصدق الدجالين :
- أركان لا إله إلا الله :
- من فوائد لا إله إلا الله :
شهادة الإسلام
محمد بن جميل زينو
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
أما بعد ؛؛ فإن التوحيد الذي جاءت به الرسل جميعاً ، وعلى رأسهم محمد صلى الله عليه وسلم يتمثل في شهادة : ( لا إله إلا الله) التي تكررت في القرآن والسنة ، حيث اعتبرها الرسول صلى الله عليه وسلم الركن الأول للإسلام ، ومن أجل هذه الشهادة قامت المعارك ، حتى دخل الكفار الإسلام .
وقد تكلمت عنها اجمالاً في بعض كتبي ، وأحببت أن أفردها في رسالة خاصة ، بعد أن توسعة في شرحها ، ولا سيما وقد قال البخاري في صحيحه : ( باب العلم قبل القول والعمل) . لقول الله تعالى : {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} . فبدأ بالعلم ، وأن العلماء هم ورثة الأنبياء .
وسأشرح لكم : مكانتها ، وفضلها ، وحقيقتها ، ونفعها ، ومعناها ، وشروطها ، ونواقضها ، وغيرها من الأمور المهمة .
والله أسأل أن ينفع بها المسلمين ويجعلها خالصة لله تعالى .
أركان الإسلام :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بني الإسلام على خمس :-
1- شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله .
(لا معبود بحق إلا الله ، ومحمد تجب طاعته في الدين) .
2- وإقام الصلاة :
(أداؤها بأركانها وواجباتها والخشوع فيها) .
3- وإيتاء الزكاة :
(تجب الزكاة إذا ملك 87 غراماً ذهباً أو ما يعادلها من النقود بدفع 2.5 في المائة منها بعد سنة ، وغير النقود لكل منها مقدار معين) .
4- وحج البيت :
( من استطاع إليه سبيلا) .
5- وصوم رمضان :
(الامتناع عن الطعام والشراب ، وجميع المفطرات من الفجر حتى الغروب مع النية) .
أركان الإيمان :
1- أن نؤمن بالله : ( بوجوده ووحدانيته في الصفات والعبادة) .
2- وملائكته : ( مخلوقات من نور لا نراهم لتنفيذ أوامر الله) .
3- وكتبه : ( التوراة والإنجيل والزبور والقرآن وهو أفضلها) .
4- ورسله : ( أولهم نوح وآخرهم محمد) .
5- واليوم الآخر : ( يوم الحساب لمحاسبة الناس على أعمالهم) .
6- وتؤمن بالقدر خيره وشره : ( الرضا بالقدر خيره وشره ، مع الأخذ بالأسباب) .
مكانة لا إله إلا الله :
1- قال الله تعالى : {شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} .
2- وقال تعالى : {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} .
3- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من قال لا إله إلا الله ، وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله) .
وهذه الكلمة هي التي يدخل بها الكافر الإسلام ، فمن قالها عصم ماله ودمه ، ومن لم يقلها لم يعصم دمه وماله .
4- وهذه الكلمة الطيبة أو ما يدعو إليها المسلم ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذاً إلى اليمن قال له : ( إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب ، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا اله ) الحديث .
5- قال ابن القيم في زاد المعاد عن مكانة لا إله إلا الله : ( إنها كلمة يعلنا المسلمون في أذانهم وإقامتهم وخطبتهم وخلقت لأجلها جميع المخلوقات ، وبها أرسل الله الرسل ، وبها انقسمت الخليقة إلى مؤمنين وكافين ، ولأجلها جردت سيوف الجهاد ، وهي حق الله على العباد ، فهي كلمة الإسلام ومفتاح دار السلام ، وعنها يسأل الأولون والآخرون ، فلا تزول قدما العبد بين يدي الله حتى يسأل عن مسألتين :
( ماذا كنتم تعبدون ؟ وماذا أجبتم المرسلين ؟)
وجواب الأولى : بتحقيق لا إله إلا الله معرفة وإقراراً وعملاً .
وجوال الثانية : بتحقيق أن محمداً رسول الله معرفة وانقياداً وطاعة .
6- وقال صلى الله عليه وسلم : ( المسلم إذا سُئل في القبر : شهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ، فلذلك قوله تعالى : {يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء} .
7- وقال صلى الله عليه وسلم : بُني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ) الحديث .
8- وقال ابن عُيينة : ما أنعم الله على العباد نعمة أعظم من أن عرفهم : لا إله إلا الله .
9- وقال ابن رجب في كتابه (كلمة الإخلاص) : إن لا إله إلا الله لأهل الجنة كالماء البارد لأهل الدنيا .
10- وقال ابن عباس في قوله تعالى : {مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً} شهادة أن لا إله إلا الله .
11- الخلاصـة : إن لهذه الكلمة مكانة في الدين ، وأهمية في الحياة ، وأنها أول واجب على العباد ، لأنها الأساس الذي تبني عليه جميع الأعمال ، فهي كلمة الإخلاص ، وشهادة الحق ، ودعوة الحق ، وبراءة من الشرك ، ولأجلها خلق الله الخلق قال تعالى : {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} .
فضل لا إله إلا الله :
1- قال الله تعالى : {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} ، وقد استدل البخاري رحمه الله تعالى من هذه الآية على تقديم العلم فقال : ( باب العلم قبل القول والعمل) .
2- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الإيمان بضع وستون شعبة ، أفضلها قول لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق) - البضع : من ثلاثة إلى تسعة) .
3- وقال صلى الله عليه وسلم : من تعار - أي سقط - من الليل فقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شئ قدير ، سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، ثم قال : اللهم أغفر لي ، أو دعا استجيب له فإن توضأ وصلى قبلت صلاته) .
4- كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عند الكرب : ( لا إله إلا الله العظيم الحليم ، لا إله إلا الله رب العرض العظيم ، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش العظيم) .
5- سمع الرسول صلى الله عليه وسلم رجلاً يقول : ( اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد ، فقال صلى الله عليه وسلم : والذي نفسي بيده لقد سأل الله بإسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى) .
6- وقال صلى الله عليه وسلم : ( دعوني ذي النون إذا دعا بها وهو في بطن الحوت : لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ) لم يدع بها رجل مسلم في شئ قط إلا استجاب الله له) .
7- وقال صلى الله عليه وسلم : ( من قال حين يسمع المؤذن ([1]) وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، رضيت بالله رباً وبمحمد رسولاً وبالإسلام ديناً غفر له ما تقدم من ذنبه) .
8- وقال صلى اله عليه وسلم : ( من قال حين يصبح أو حين يمسي : اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني ، وأنا عبدك ، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت ، أعوذ بك من شر ما صنعت ، أبوء ([2]) لك بنعمتك عليّ وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ، فمات من يومه أو ليلته دخل الجنة) .
9- وقال صلى الله عليه وسلم : ( أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة ، وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي : لا إله إلا الله وحده لا شريك له) .
10- وقال صلى الله عليه وسلم : ( من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك ، وله الحمد وهو على كل شئ قدين ، في يوم مائة مرة ، كانت له عدل عشر رقاب ، وكتبت له مائة حسن ، ومحيت عنه مائة سيئة ، وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك) .
11- وقال صلى الله عليه وسلم : ( من توضأ فأحسن الضوء ، فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، فتحت له أبواب الجنة ، يدخل من أيها شاء) .
12- وقال صلى الله عليه وسلم : ( من كان آخر كلامه - لا إله إلا الله - دخل الجنة) .
الخلاصـة : إن فضائل هذه الكلمة كثيرة ، وحقائقها وموقعها من الدين فوق ما يصفه الواصفون ، ويعرفه العارفون فهي رأس الإسلام مطلقاً وهي حقيقة الأمر كله .
لا معبود بحق إلا الله :
هذا هو التفسير الصحيح لشهادة لا إله إلا الله وبعبارة أوضح : ( لا أحد يستحق العبادة في الوجود إلا الله) .
والعبادة اسم جامع لما يحبه الله من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة كالصلاة ، والذبح ، والنذر ولا سيما الدعاء لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (الدعاء هو العبادة) .
قال الله تعالى : {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} .
والدليل على تفسير (لا معبود بحق إلا الله ) قوله تعالى :-
1- {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} .
2- وقوله تعالى : {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ} .
أ- قال علي رضي الله عنه : ( له دعوة الحق) : قال : التوحيد .
ب- وقال ابن عباس وغيره : ( له دعوة الحق) : لا إله إلا الله .
ج- وقال غيره : ومعنى الكلام أن الذي يبسط يده إلى الماء إما قابضاً وإما متناولاً له من بُعد ، كما أنه لا ينتفع بالمـاء بالذي لم يصل فيه الذي يجعله محلاً للشرب ، فكذلك هؤلاء المشركون الذين يعبدون مع الله إلهاً آخر غيره لا ينتفعون بهم أبداً في الدنيا والآخرة، ولهذا قال: {وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ} .
أقول : لقد حكم الله على الذين يدعون غير الله بالكفر والضلال كما صرحت الآية .
1- وأهم هذه المفاهيم التي يحتاج إليها تصحيحها ، بل ذلك ضرورة : مفهوم (لا إله إلا الله) وهذه الكلمة التي هي رأس الإسلام مطلقاً كما قال الإمام ابن تيمية في الرسالة التدمرية .
2- ويقوم شارح العقيدة الطحاوية وهو من الأحناف :
قوله : (ولا إله غيره) : هذه كلمة التوحيد التي دعت إليها الرسل كلهم ، كما تقدم ذكره ، وإثبات التوحيد بهذه الكلمة باعتبار النفي والإثبات المقتضي للحصر ، فإن الإثبات المجرد قد يتطرق إليه الاحتمال - ولهذا والله أعلم - لما قال تعالى : {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} ، قال بعده { لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} .
فإنه قد خطر ببال أحد خاطر شيطاني : هب إن إلهنا واحد ، فليغرنا إله غيره ، فقال تعالى : { لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} .
لا إله في الوجود إلا الله :
هذا التفسير غير صحيح للأسباب الآتية :-
1- أن الآلهة المعبودة من دون الله كثيرة :
أ- الهندوس في الهند يعبدون البقر ، بمنزلة الآلهة عندهم .
ب- النصارى يعبدون عيسى ، وهو بمنزلة الإله عندهم .
ج- بعض المسلمين يعبدون الأموات ، ولا سيما الأنبياء والأولياء ، حيث يدعونهم من دون الله ، ويستغيثون بهم ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول : (الدعاء هو العبادة) .
د- والدليل على تعدد الآلهة الموجودة قوله تعالى : :
{وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ مِن شَيْءٍ لِّمَّا جَاء أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ} .
{فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} .
{وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَآئِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ}
فهذه الآيات تفيد وجود آلهة متعددة ، ولكنها باطلة ، والمعبود بحق هو الله وحده ، والدليل قول الله تعالى : {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} .
فشمل ذلك جميع الآلهة المعبودة من دون الله من البشر والملائكة والجن وسائر المخلوقات وتفيد آية الأعراف السابقة أن المسلم إذا تكلم بكلام كفر ، وهو لا يدري ، فنبه على ذلك فإنه لا يكفر كما فعل بنو إسرائيل ، والصحابة الذين سألوا النبي صلى الله عليه وسلم .
لا خالق إلا الله :
اختف الناس في معنى ( لا إله إلا الله) إلى طوائف :
الطائفة الأولى تقول : إن معناها : لا خالق ولا رازق إلا الله ، فإذا اعتقد المسلم أن الله وحده هو الخالق والرازق أصبح مؤمناً ، فإذا دعا غير الله ، وقال : يا رسول الله أغثني ، يا جيلاني أشفني ، أو نذر له ، أو توجه إلى قبره وطاف به لا يضر بزعمهم ، ما دام يعتقد أن الله هو الخالق والرازق ، والرب وحده .
وهذا خطأ ظاهر ، لأن المشركين الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يعتقدون أن الله وحده الرب والخالق والرازق والمدبر للأمور ، قال تعالى عن المشركين {قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ} .
وبعض المنتسبين للإسلام يعتقدون أن هناك أقطاباً أربعة يدبرون الكون ! وهذا شرك بالله يجب أن يتوبوا منه ، لأن المدبر للأمور هو الله وحده ، وغيره عاجز عن تدبير نفسه فضلاً عن غيره .
فإن قيل : إذا كانوا يعتقدون أن الله وحده هو الرب والخالق والرازق والمدبر للكون ، فكيف عبد هؤلاء المشركون غير الله ؟ .
فالجواب : عبدوا غير الله ابتغاء التقرب إلى الله ، وليكونوا شفعاءهم عند الله ، قال تعالى : {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} .
وقال تعالى عن المشركين : {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} .
فزعموا أنهم لا يعبدون غير الله إعراضاً عنه ، بل يعبدونهم ويدعونهم للإقبال على الله ، فإن هؤلاء شفعاء عند الله بزعمهم يتقربون بهم إلى الله .
وبعض المسلمين - هداهم الله - لا يرون بأساً في دعاء الأولياء والأموات ، فقد سمعناهم يقولون : لا ندعوا الأولياء على اعتقاد أنهم قادرون على قضاء حوائجنا ، وإنما ندعوهم على أنهم يشفعون لنا عند الله ، ولهم منزلة عند الله ، وزعموا أن هذا لا يناقض التوحيد ، وهذا خطأ لأن الله تعالى يقول : {وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ} - أي المشركين - .
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( الدعاء هو العبادة) .
فكما أن الصلاة عبادة لا تجوز لغير الله ، فكذلك الدعاء عبادة لا يجوز لغير الله .
لا مطاع إلا الله :
الطائفة الثانية تقول : إن معنى لا إله إلا الله .
لا مطاع بحق إلا الله ، أو لا أحد يستحق الإطاعة إلا الله ، فمن أطاع غير الله فقد كفر بزعمهم ، ولهذه الطائفة قصة يحسن ذكرها : وذلك أنه لما كان جميع أهالي الهند متفقين على مطالبة الحرية والاستقلال ، وطرد الإنجليز من الهند ، ولم يختلف في ذلك حزب من الأحزاب ، ولا ملة من الملل ، واستعدوا للتضحية بكل ما يملكون في هذا السبيل ، قامت طائفة من المسلمين بمشاركة الناس في هذا الجهاد ، محتجين بحة هي أقوى عندهم من جميع الحجج ، وذلك زعمهم أن الناس بسبب خضوعهم لقوانين الحكومة البريطانية أصبحوا مشركين ، لأن إطاعة القوانين عندهم عبادة بلا شك ، وزعموا أنه مفهوم لا إله إلا الله زاعمين أن معناها : لام مطاع إلا الله ولهم في هذا مؤلفات كثيرة .
وعلى هذا الأساس حكموا بالكفر على المسلمين الذين أكرمهم الله بالإيمان ، وأعلن في محكم كتابه أنه تقبل منهم ذلك حيث يقول الله تعالى :{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} .
ولا شك أن إمرأة فرعون عاشت مطيعة لأوامر زوجها (فرعون) وقوانين حكومته ، ومع ذلك جعلها الله مثلاً للمؤمنين ، فلله الحمد على هذا التيسير والتخفيف .
ومعـروف للجميع ما ذكر الله لنا عن يوسف عليه السلام من قبوله الوظيفة تحت الملك الكافر .
كما يعرف الجميع أن الرسول صلى الله عليه وسلم بعث جماعة من الصحابة إلى الحبشة يطلبون الأمن ، ولم يعملوا هناك انقلاباً ثورياً ضد النجاشي ، بل عاشوا مطمئنين هادئين .
وعلى هذا الأساس حرفوا معاني الآيات التي جاء فيها الأمر بعبادة الله ، والنهي عن عبادة غيره ، كما فسروا الطاغوت بإطاعة قوانين الحكومة غير المسلمة ، رغم ما اتفق عليه المفسرون من أن المراد من عبادة الطاغوت عبادة الآلهة الباطلة .
وهذه المزاعم كلها غلو منهم ، ودين الله براء منه ، وهذه الطائفة صنو جماعة التكفير والهجـرة التي ظهرت في مصر وغيرها من البلاد (صنو جماعة التكفير : أي أختها ومثيلتها) .
تفسير سيد قطب
ومن الخطأ ما فسر به (سيد قطب) قول الله عز وجل :
1- {وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ}
أي فلا شريك له في الخلق والاختيار .
أقول : هذا معنى من معاني الربوبية التي اعترف بها المشركون كما تقدم ، ضيع به المعنى الحقيقي لكلمة (لا إله إلا الله ) كما سبق تفسيرها الصحيح : لا معبود بحق إلا الله ، لأن الإله : معناه المعبود ، وليس معناه الخالق .
2- وقريب من قوله في تفسير قوله تعالى : {إِلَهِ النَّاسِ}
والإله : هو المستعلي المستولي المتسلط)
أقول : إن الاستعلاء والسلطان والحكم والملك ولا سيادة من صفات الرب ومثلها الخلق والرزق والإحياء والإماتة والتدبير التي اعترف بها المشركون ، كما تقدم في سورة يونس .
والعرب كانوا يعرفون معنى الإله : هو المعبود ، ولذلك رفضوها لأنه تدعوهم إلى عبادة الله وحده ، وترك عبادة آلهتهم ، كما قال الله عنهم : {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ * وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ * بَلْ جَاء بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ} .
وقال الله يحكي قول المشركين : {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} .
قال ابن كثير : ( أي أزعم أن المعبود واحد لا إله إلا هو) فقد فسر ابن كثير : الإله : المعبود.
تفسير ابن تيمية:
قال ابن تيمية رحمه الله : الإله هو المستحق للعبادة ، فأما من اعتقد في الله أنه رب كل شئ وخالقه ، وهو مع هذا يعبد غيره ، فإنه مشرك بربه ، متخذ من دونه إلهاً آخر ، فليست الآلهة هي الخلق ، أو القدرة على الخلق ، أو القدم كما يفسرها هؤلاء المبتدعون في التوحيد من أهل الكلام ، إذ المشركون الذين شهد الله ورسوله بأنهم مشركون من العرب وغيرهم لم يكونوا يشكون في أن الله خالق كل شئ وربه ، فلو كان هذا هو الإله لكانوا قائلين : إنه لا إله إلا الله .
فهذا موضع عظيم جداً ينبغي معرفته لما قد لبس على طوائف من الناس أصل الإسلام ، حتى صاروا يدخلون في أمور عظيمة هي شرك ينافي الإسلام لا يحسبونها شركاً ، وأدخلوا في التوحيد والإسلام أموراً باطلة ظنوها من التوحيد وهي تنافيه ، وأخرجوا من الإسلام والتوحيد أموراً عظيمة لم يظنوها من التوحيد وهي أصله ، فأكثر هؤلاء المتكلمين دون ما يتعلق بالعمل والإرادة واعتقاد ذلك .
بل التوحيد الذي لا بد منه لا يكون إلا بتوحيد الإرادة والقصد ، وهو توحيد العبادة ، وهو تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله : أن يقصد الله بالعبادة ويريده بذلك دون ما سواه ، وهذا هو الإسلام ، فإن الإسلام يتضمن أصلين :
أحدهما : الاستسلام لله .
والثاني : أن يكون ذلك له سالماً ، فلا يشرك به أحد في الإسلام له وهذا هو الاستسلام لله دون ما سواه .
لا حاكم إلا الله :
وقريب من هذا التفسير : لا مطاع بحق إلا الله ، وقد تبين خطأ هذا التفسير كما تقدم ما ذكره (سيد قطب) في كتابه معالم في الطريق حين قال : وأخيراً يدخل في إطار المجتمع الجاهلي تلك المجتمعات تزعم لنفسها أنها مسلمة وهذه المجتمعات لا تدخل في هذا الإطار ، لا لأنها تعتقد بألوهية غير الله ، ولا لأنها تقدم الشعائر التعبدية لغير الله أيضاً ([3]) ولكنها تدخل في هذا الإطار لأنها لا تدين بالعبودية لله وحده في نظام حياتها ، فهي - وإن لم تعتقد بألوهية أحد إلا الله - تعطي أخص خصائص الألوهية لغير الله ، فتدين بحاكمية غير الله ، فتتلقى من هذه الحاكمة نظامها وشعائرها ، وقيمها وموازينها ، وعاداتها ، وتقاليدها ([4]) .. وكل مقومات حياتها تقريباً ، والله سبحانه وتعالى يقول عن الحاكمين : {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} ، كما أنه سبحانه قد وصف اليهود والنصارى من قبل بالشرك والكفر والحيدة عن عبادة الله وحده ، واتخاذ الأحبار والرهبان أرباباً من دونه لمجرد أن جعلوا للأحبار والرهبان ما يجعله الذين يقولون عن أنفسهم أنهم مسلمون .
اعتبر الله سبحانه وتعالى ذلك من اليهود والنصارى شركاً ، كاتخاذهم عيسى ابن مريم رباً يؤلهونه ، ويعبدون سواه ، فهذه كتلك : خروج من العبودية لله وحده ، فهي خروج من دين الله ، ومن شهادة أن لا إله إلا الله ([5]) إلى أن يقول : وإذا تعين هذا فإن موقف الإسلام من هذه المجتمعات كلها يتحدد في عبارة واحدة . إنه يرفض الاعتراف بإسلامية هذه المجتمعات كلها وشرعيتها في اعتباره .
ملاحظات على كلام سيد قطب :
1- تكفيره للمجتمع الإسلامي : وذلك حين قال في ( معالم في الطريق) وأخيراً يدخل في المجتمع الجاهلي تلك المجتمعات التي تزعم لنفسها أنها مسلمة .
أقول : لا يجوز تكفير المجتمعات الإسلامية : بعد أن أكرمها الله تعالى بالإسلام ، والحاقها بالمجتمع الجاهلي الذي لم يدخل في الإسلام .
أ- قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ، ظاهرين إلى يوم القيامة ، فينزل عيسى ابن مريم فيقول أميرهم : تعال صل لنا ، فيقول : لا ، إن بعضكم على بعض أمير ، تكرمه لهذه الأمة .)
ب- وقال صلى الله عليه وسلم : ( إذا قال الرجل هلك الناس فهو أهلكهم) .
قال الخطابي : معناه : لا يزال الرجل يعيب الناس ويذكر مساويهم ويقول : فسد الناس وهلكوا ونحو ذلك فإذا فعل ذلك فهو أهلكهم ، أي أسوأ حالاً منهم بما يلحقه من الإثم في عيبهم والوقيعة فيهم ، وربما أداه ذلك إلى العجب بنفسه ، ورؤيته أنه خير منهم .
وقد بوب الإمام مسلم في كتابه فقال : ( باب النهي عن قول : هلك الناس) .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( أيما رجل مسلم أكفر رجلاً مسلماً ، فإن كان كافراً ، والا كان هو الكافر) .
وقال الله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( إياكم ولظن فإن الظن أكذب الحديث) .
2- وقال (سيد قطب) في كتابه ( معالم الطريق ) . وهذه المجتمعات لا تدخل في هذا الإطار ، لأنها تعتقد بألوهية أحد غير الله ، ولا لأنها تقدم الشعائر التعبدية لغير الله أيضاً .
أقول : إن هذا الكلام يدل على أنه لا يهتم بالشرك الموجود في أكثر البلاد وهو دعاء الأولياء من دون الله كقولهم : المدد يا سيدي الحسين ، والطواف حول قبر الحسين وزينب ، والنذر للقبور ، واعتقاد أن الأولياء يعلمون الغيب ، ويتصرفون في الكون ، وهم الأبدال ، والأقطاب والأغواث ، وغيرها من أنواع العبادة التي لا تجوز إلا لله وحده ، والتي يعتبرها الإسلام من الشرك الأكبر التي يخلد صاحبها في النار ، فكان الواجب عليه أن يحذر منها ، لأن الرسل جميعاً حذروا منها ، والقرآن الكريم يهتم بالتوحيد ، ويحـذر مـن الشـرك المنتشر الآن ، ولا سيما الدعاء الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم : (الدعاء هو العبادة) ، وقال الله تعالى : {وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ} (الظالمين : المشركين) .
3- ثم يقول (سيد قطب) في كتابه (معالم في الطريق) : ولكنها أي المجتمعات الإسلامية تدخل في هذا الإطار (أي المجتمع الجاهلي) لأنها تدين بحاكمية غير الله ..... والله تعالى يقول : {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} .
أقول : ليت قائل هذا الكلام الذي فيه تكفير للمجتمعات الإسلامية رجع إلى تفسر ابن كثير عند تسير هذه الآية حيث فصل وأجاد وأفاد حين قال :
أ- قال السدي : ومن لم يحكم بما أنزل الله فتركه عمداً ، أو جار وهو يعلم فهو من الكافرين .
وقال ابن عباس : من جحد ما أنزل الله فقد كفر ، ومن أقرّ به فهو ظالم فاسق (رواه ابن جرير) ثم اختار أن الآية المراد بها أهل الكتاب ، أو من جحد حكم المنزل في الكتاب .
ب- قال ابن طاووس : وليس كمن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله .
ج- وقال الثوري عن عطاء أنه قال : كفر دون كفر ، وظلم دون ظلم ، وفسق دون فسق .
د- وقال وكيع : ( ومن لم يحكم ..... الآية) قال : ليس بكفر ينقل عن الملة .
هـ وقال طاووس عن ابن عباس في قوله تعالى : {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} ، قال : ليس بالكفر الذي تذهبون إليه .
أقول : من هذه الأقوال عن الصحابة والتابعين يتبين خطأ تفسير سيد قطب للآية وتكفيره للمجتمع الإسلامي ، وهذه بادرة خطيرة انتشرت بين بعض الجماعات الإسلامية مع الأسف الشديد ، أسأل الله لنا ولهم الهداية .
تفسير محمد قطب :
{وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}
يقول (محمد قطب) في كتابه (لا إله إلا الله) .
1- لما قال الناس لابن عباس رضي الله عنه إن هؤلاء يقصدون الأمويين - يحكمون بغير ما أنزل الله ، فما القول فيهم ؟ قال قولته الشهيرة : أنه كفر دون كفر ، أنه الكفر الذي تعلمون ، كفر لا يخرج من الملة ..الخ .
2- أقول : فتحت للأخ محمد قطب هاتفاً ، وسألته عن صحة هذا النقل عن الأمويين ، فلم يذكر المرجع وقلت له : لم يذكر الطبري ولا ابن كثير هذا التخصيص .
3- ثم رجعت إلى تفسير الطبري فرأيته يرجع تخصيص الآية بأهل الكتاب حيث قال : وأولى الأقوال عندي بالصواب قول من قال : نزلت هذه الآيات في كفار أهل الكتاب ، لأن ما قبلها وما بعدها من الآيات ، ففيهم نزلت ، وهم المعنيون بها ثم قال : إن الله تعالى عمّ بالخبر بذلك عن قوم كانوا يحكمون بحكم الله الذي حكم به في كتابه جاحدين فأخبر عنهم أنهم بتركهم الحكم على سبيل ما تركوه كافرون ، وكذلك القول في كل من لم يحكم بما أنزل الله جاحداً به هو بالله كافر ، كما قال ابن عباس ، لأنه بجحوده حكم الله بعد علمه أنه أنزله في كتابه ، نظير جحوده نبوة نبيه بعد علمه أنه نبي .
أقول : يستفاد من تفسير الطبري هذا ما يلي :-
1- أن الآية نزلت في أهل الكتاب ، تعم من جحد حكم الله وهو عالم كما قال ابن عباس ، ومفهومه أن من حكم بغير ما أنزل ، غير جاحد ، أو غير عالم بالحكم لا يكفر ، والدليل قوله تعالى في سورة المائدة : {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} .
2- لم يذكر الأخ (محمد قطب) أيضاً وحـدة الوجود عند الصوفية ، في نواقض لا إله إلا الله ، واكتفى بذكر فكرة (الفناء) التي قال عنها في بحث آخر: ( في الصوفية الهندية يسعى الإنسان لتحقيق الخلود ، ولا يتم هذا إلا بالفناء في الروح الأعظم والاتحاد معه وهذا لا يتم إلا بتعذيب الجسد وإهانه لتنطلق الروح من أوهاقه، وترفرف في عالم النور) .
أقول : إن فكرة الفناء التي عرفها الأخ (محمد قطب) تختلف عن وحدة الوجود التي ذكرها أخوه (سيد قطب) في تفسيره كما سبق .
فكان عليه أن يذكرها في نواقض الشهادة ، ويذكر نصها ، ومن أخذ بها كابن عربي وغيره حيث قال :
الرب عبد ، والعبد رب يا ليت شعري من المكلف
وقال غيره :
وما الكلب والخنزير إلا إلهنا وما الله إلا راهب في كنسية
3- لم يفصل في ذكر النواقض حينما عدها كما فصل في الحكم بغير ما أنزل الله ، علماً بأن دعاء غير الله ، والاستعانة والنذر والذبح لغير الله وقع فيه علماء أهل البدع والعوام .
4- لم يذكر الطواف حول القبور بنية العبادة والترب كالطواف حول قبر الحسين وغيره .
5- لم يذكر في النواقض عقيدة بعض الصوفية المعتقدين بأن هناك أقطاباً أربعة يدبرون أمور الكون ، مع أن المشركين السابقين يسندون التدبير لله .
6- قال إن التلفت من التكاليف طبع بشري صاحب الإنسان منذ نشأته ، قال الله تعالى : {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} .
أقول : لا يجوز لأي مسلم كان إطلاق هذا التعبير لعدم صحته ، ولما فيه من المس بكرامة النبي آدم الذي نسى أمر ربه ولم يتفلت ولو أنه قال : إن الخطأ والنسيان من طبيعة الإنسان لكان صواباً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم (كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون)
وقال العلماء : ما سمي الإنسان إنساناً إلا لنسيانه .
من لم يستطع الحكم بالقرآن :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى :
وكذلك الكفار : من بلغه دعوة النبي صلى الله عليه وسلم في دار الكفر ، وعلم أنه رسول الله فآمن به وآمن بما أنزل عليه ، واتقى الله ما استطاع كما فعل النجاشي وغيره ، ولم تمكنه الهجرة إلى دار الإسلام ولا التزام جميع شرائع الإسلام ، لكونه ممنوعاً من الهجرة وممنوعاً من إظهار دينه ، وليس عنده من يعلمه جميع شرائع الإسلام ، فهذا مؤمن من أهل الجنة ، كما كان مؤمن آل فرعون مع قوم فرعون وكما كانت إمرأة فرعون ، بل وكما كان يوسف الصديق عليه السلام مع أهل مصر ، فإنهم كانوا كفار ولم يمكنه أن يفعل معهم كل ما يعرفه من ديـن الإسـلام ، فإنـه دعاهم إلى التوحيد والإيمان فلم يجيبوه ، قال تعالى عن مؤمن آل فرعون : {وَلَقَدْ جَاءكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءكُم بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ} .
وكذلك النجاشي هو وأن كان ملك النصارى فلم يطعه قومه في الدخول في الإسلام ، بل إنما دخل معه نفر منهم ، ولهذا لما مات لم يكن هناك أحد يصلي عليه ، فصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة خرج بالمسلمين إلى المصلى فصفهم صفوفاً وصلى عليه ، وأخبرهم بموته يوم مات : ( إن أخاً لكم صالحاً من أهل الحبشة مات) وكثير من شرائع الإسلام أو أكثرها لم يكن دخل فيها لعجزه عن ذلك ، فلم يهاجر ولم يجاهد ولا حج البيت ، بل قد روي أنه لم يصل الصلوات الخمس ولم يصم شهر رمضان ، ولم يؤد الزكاة الشرعية ، لأن ذلك كان يظهر عند قومه فينكرونه عليه وهو لا يمكنه مخالفتهم ، ونحن نعلم قطعاً أنه لم يكن يمكنه أن يحكم بينهم بالقرآن ، والله قد فرض على نبيه بالمدينة إنه إذا جاءه أهل الكتاب لم يحكم بينهم إلا بما أنزل إليه ، وحذره أن يفتنوه عن بعض ما أنزل الله إليه .
وهذا مثل الحكم في الزنا للمحصن بحد الرجم ، وفي الديات بالعدل والتسوية في الدماء بين الشريف والوضيع ، والنفس بالنفس والعين بالعين ، وغير ذلك .
والنجاشي ما كان يمكنه أن يحكم بحكم القرآن ، فإن قومه لا يقرونه على ذلك ، وكثيراً ما يتولى بين المسلمين والتتار قاضيً بل وإماماً ، وفي نفسه أمور العدل يريد أن يعمل بها فلا يمكنه ذلك ، بل هناك من يمنعه ذلك ، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها ، وعمر بن عبدالعزيز عودي وأوذي على بعض ما أقامه من العدل ، وقيل : أنه سُمّ على ذلك ، فالنجاشي وأمثاله سعداء في لجنة وإن لم يلتزموا من شرائع الإسلام ما لا يقدرون على التزامه ، بل كانوا يحكمون بالأحكام التي يمكنهم الحكم بها .
ولهذا جعل الله هؤلاء من أهل الكتاب ، قال الله تعالى {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} .
وهذه الآية قد قال طائفة من السلف : إنها نزلت في النجاشي ، ويروى هذا عن جابر وابن عباس وأنس ، ومنهم من قال : فيه وفي أصحابه ، كما قال الحسن وقتادة ، وهذا مراد الصحابة ولكن هو المطاع ، فإن لفظ الآية لفظ الجميع لم يرد واحد .
تحقيق الشهادتين :
(لا إله إلا الله ، محمد رسول الله)
قال الإمام ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم : قال الله تعالى : {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} .
هذان الأصلان ([6]) هما تحقيق الشهادتين اللتين هما رأس الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله ، وشهادة أن محمداً رسول الله .
1- فإن الشهادة لله بأنه لا إله إلا هو : تتضمن إخلاص الألوهية له ، فلا يجوز أن يتأله القلب غيره ، لا بحب ، ولا خوف ، ولا رجاء ، ولا إجلال ، ولا إكبار ، ولا رغبة ، ولا رهبة ، بل لا بد أن يكون لدين كله لله ... فإن بعض الدين لله وبعضه لغيره كان في ذلك من الشرك بحسبه .
2- والشهادة بأن محمداً رسول الله : تتضمن تصديقه في كل ما أخبر ، وطاعته في كل ما أمر ، فما أثبته وجب إثباته ، وما نفاه وجب نفيه ، كما يجب على الخلق أن يثبتوا ما أثبته الرسول لربه من الأسماء والصفات ، وينفوا عنه ما نفاه عنه من مماثلة المخلوقات عليهم أن يفعلوا ما أمرهم به ، وينتهوا عمّا نهى عنه ، ويحلوا ما أحله ويحرموا ما حرمه ، فلا حرام إلا ما حرمه الله ورسوله ، ولا دين إلا ما شرعه الله ورسوله ، ولهذا ذم الله المشركين في سورة الأنعام والأعراف ، وغيرهما لكونهم حرموا ما لم يحرمه الله ، ولكونهم شرعوا ديناً لم يأذن له الله ، وقد قال تعالى لنبيه : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا} .
فأخبره بأنه أرسله داعياً إليه بإذنه .
فمـن دعا إلى غير الله فقد أشرك ، ومن دعا إليه بغير إذنه فقد ابتدع ، والشرك بدعة ، والمبتدع يؤول إلى الشرك ولم يوجد مبتدع إلا مر فيه نوع من الشرك كما قال تعالى : {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} .
وكان من شركهم : أنهم أحلوا لهم الحرام فأطاعوهم ، وحرموا عليهم الحلال فأطاعوهم : قال الله تعالى : {قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ } .
ففرق بعدم إيمانهم بالله واليوم الآخر : أنهم لا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق ، والمؤمنون صدقوا الرسول فيما أخبر به عن الله واليوم الآخر : فآمنوا بالله واليوم الآخر وأطاعوه فيما أمر ونهى ، وحلل وحرم ، فحرموا ما حرم الله ورسوله ، ودانوا دين الحق .
فإن الرسول يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ، ويحل لهم الطيبات ، ويحرم عليهم الخبائث فأمرهم بكل معروف ، ونهاهم عن كل منكر ، وأحل لهم كل طيب ، وحرم عليهم كل خبيث .
الأنبياء دينهم واحد :
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه (اقتضاء الصراط المستقيم) ولما كان أصل الدين الذي هو دين الإسلام واحداً وإن تنوعت شرائعه : قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : ( إنا معشر الأنبياء ديننا واحد ، والأنبياء إخوة وإن أولى الناس بابن مريم لأنا ، فليس بيني وبينه نبي) .
فدينهم واحد : وهو عبادة الله وحده لا شريك له ، وهو يُعبد في كل وقت بما أمر به في ذلك الوقت ، وهو دين الإسلام في ذلك الوقت فمن خرج عن شريعة موسى قبل النسخ ([7]) لم يكن مسلماً ، ومن لم يدخل في شريعة محمد صلى الله عليه وسلم بعد النسخ لم يكن مسلماً .
ولم يشرع الله لنبي من الأنبياء أن يعبد غير الله البتة ، قال الله تعالى : {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ} .
متى تنفع لا إله إلا الله :
إن المسلم ينتفع بهذه الكلمة إذا عرف معناها ، وعمل بمقتضاها ولما كانت هناك أحاديث يتوهم منها أن مجرد التلفظ بها يكفي ، وقد تعلق بهذا الوهم بعض المسلمين ، فكان لا بد من إزالة هذا الوهم :
1- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجهه) .
2- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما من عبد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله إلا حرمه الله على النار) .
3- وقال صلى الله عليه وسلم : (أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غير شاك ، فيحجب عن الجنة) .
4- وقال صلى الله عليه وسلم : ( من قال لا إله إلا الله مخلصاً دخل الجنة) .
5- وقال صلى الله عليه وسلم : ( من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة) .
وأحسن ما قيل في معناها ما قاله شيخ الإسلام ابن تيميه وغيره .
إن هذه الأحاديـث إنما هي فيمن قالها ومات عليها ، كما جاءت مقيدة ، قالها خالصاً من قلبه ، مستيقناً بها قلبه غير شاك فيها بصدق ويقين ، فإن حقيقة التوحيد انجذاب الروح إلى الله جملة فيمن شهد أن لا إله إلا الله خالصاً من قلبه لأن الإخلاص هو انجذاب القلب إلى الله تعالى ، بأن يتوب من الذنوب توبة نصوحاً ، فإذا مات على تلك الحال نال ذلك ، فإنه قد تواتـرت الأحاديث بأنه يخرج من النار من قال : لا إله إلا الله ، وكان في قلبه ما يزن شعيرة ، وما يزن خردلة ، وما يزن ذرة ،
وتواترت بأن كثيراً ممن يقول : لا إله إلا الله يدخل النار ، ثم يخرج منها ، وتواترت بأن الله حرم على النار أن تأكل أثر السجود من ابن آدم ، فهؤلاء كانوا يصلون ويسجدون لله ، وتواترت بأنه يحرم على النار من قال لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، لكن جاءت مقيدة بالقيود الثقال ، وأكثر من يقولها لا يعرف الإخلاص ولا اليقين ، ومن لا يعرف ذلك يخشى أن يُفتن عنها عند الموت فيحال بينه وبينها .
وأكثر من يقولها يقولها تقليداً وعادة لم يخالط الإيمان بشاشة قلبه ، وغالب من يُفتن عند الموت وفي القبول أمثار هؤلاء كما في الحديث . ( سمعت الناس يقولون فقلته) .
وغالب أعمال هؤلاء إنما هو تقليد وإقتداء بأمثالهم وهم أقرب الناس من قوله تعالى : {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ} .
وحينئذٍ فلا منافاة بين الأحاديث ، فإنه إذا قالها بإخلاص ويقين تام لم يكن في هذه الحال مصراً على ذنب أصلاً ، فإن كمال إخلاصه ويقينه يوجب أن يكون الله أحب إليه من كل شئ ، فإذا لا يبقى في قلبه إرادة لما حرم الله ، ولا كراهية لما أمر الله ، وهذا هو الذي يحرم على النار ، وإن كانت له ذنوب قبل ذلك ، فإن هذا الإيمان وهذه التوبة ، وهذا الإخلاص وهذه المحبة ، وهذا اليقين لا تترك له ذنباً إلا يُمحى كما يُمحى الليل بالنهار .
الرد على بعض الشبهات :
بعض الناس يقول : إن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر على أسامة قتل من قال : ( لا إله إلا الله ) وقال : ( أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله) .
وأحاديث أخرى في الكف عمّن قالها ، والجواب :
1- إن أسامة قتل رجلاً ادعى الإسلام بسبب أنه ظن أنه ما ادعاه من النطق بالشهادة هو الخوف على دمه وماله ، فأنكر عليه الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الظن ، لأنه قتل رجلاً أظهر الإسلام ، ومن اظهر الإسلام وجب الكف عنه حتى يتبين منه ما يخالف ذلك والدليل قول الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا) فالآية تدل على أنه يجب الكف عن قتله حتى يظهر منه ما يخالف الإسلام ، وكل من أظهر الإسلام وجب الكف عنه حتى يتبين منه ما يناقض الإسلام .
2- الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أنكر على أسامة قتل من قال : (لا إله إلا الله) هو الذي قال : أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله) .
3- قاتل الرسول صلى الله عليه وسلم اليهود ، وخم يقولون : لا إله إلا الله .
4- قاتل أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم بني حنيفـة وهم يشهدون : أن لا إله إلا الله ، وأن محمدً رسول الله ويصلون ويدعون الإسلام .
5- وكذلك الذين حرقهم ([8]) علي بن أبي طالب كانوا يقولون لا إله إلا الله ، أما الخوارج الذين خرجوا على علي بن أبي طالب فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم فيهم : (قوم يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم ، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية يقتلون أهل الإسلام ، ويدعون أهل الأوثان ، لئن أنا أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد) .
هؤلاء الخوارج كانوا أكثر الناس تهليلاً ، فلم تنفعهم لا إله إلا الله ولا كثرة العبادة ، ولا إدعاء الإسلام لما ظهر منهم مخالفة الشريعة ومن أخطائهم تكفير المسلم المرتكب للكبيرة والخروج على الحاكم المسلم .
فليحذر المسلمون التشبه بهم لقوله صلى الله عليه وسلم : ( من تشبه بقوم فهو منهم) .
رد الحافظ بن رجب :
قال الحافظ بن رجب في رسالته ( كلمة الإخلاص) على قوله صلى الله عليه وسلم : ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله) .
قال : ( فهم عمر وجماعة من الصحابة : أن من أتى بالشهادتين امتنع من عقوبة الدنيا بمجرد ذلك ، فتوقفوا في قتال مانعي الزكاة ، وفهم الصديق أنه لا يتمتع قتاله إلا بأداء حقوقها لقوله صلى الله عليه وسلم : فإذا فعلوا ذلك منعوا مني دماءهم إلا بحقها وحسابهم على الله) .
وقال : ( والزكاة حق المال) وهذا الذي فهمه الصديق قد رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم صريحاً غير واحد من الصحابة منهم ابن عمر وأنس وغيرهما وأنه قال : ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة) . وقد دل على ذلك قول الله تعالى: (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
كما دل قوله تعالى : (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) . على أن الأخوة لا تثبت إلا بأداء الفرائض مع التوحيد فإن التوبة من الشرك لا تحصل إلا بالتوحيد فلما قرر أبو بكر هذا للصحابة رجعوا إلى قوله ورأوه صواباً فإذا علم أن عقوبة الدنيا لا ترتفع عمن أدى الشهادتين مطلقاً ، بل ويعاقب بإخلاله بحق من حقوق الإسلام فكذلك عقوبة الآخرة ، وقال أيضاً : وقالت طائفة من العلماء المراد من هذه الأحاديث أن التلفظ بلا إله إلا الله سبب لدخول الجنة والنجاة من النار ومقتضى لذلك .
ولكن المقتضى لا يعمل عمله إلا باستجماع شروطه وانتفاء موانعه ، فقد يتخلف عنه مقتضاه لفوات شرط من شروطه أو لوجود مانع – وهذا قول الحسب ووهب بن منبه وهو الأظهر – ثم ذكر عن الحسن البصري أنه قال للفرزدق وهو يدفن امرأته : ما أعددت لهذا اليوم ؟ قال : شهادة أن لا إله إلا الله منذ سبعين سنة ، قال الحسن نعم العدة ، لكن للا إله إلا الله شروط فإياك وقذف المحصنات ، وقيل للحسن إن أناساً يقولـون من قال لا إله إلا الله دخل الجنة فقال : من قال لا إله إلا الله فأدى حقها وفرضها دخل الجنة.
وقال وهب بن منبه لمن سأله : أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنة قال : بلى ، ولكن ما من مفتاح إلا له أسنان فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لكم وإلا لم يفتح لك .
وأظن أن في هذا القدر الذي نقلته من كلام أهل العلم كفاية في رد هذه الشبهة التي تعلق بها من ظن أو من قال لا إله إلا الله لا يكفر ، ولو فعل ما فعل من أنواع الشرك الأكبر التي تمارس اليوم عند الأضرحة وقبور الصالحين مما يناقض كلمة لا إله إلا الله تمام المناقضة ويضادها تمام المضادة ، وهذه طريقة أهل الزيغ الذي يأخذون من النصوص ما يظنون أنه حجة لهم من النصوص المجملة ، ويتركون ما تبينه وتوضحه النصوص المفصلة كحال الذين يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض ، وقد قال الله تعالى في هذا النوع من الناس : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ * رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ * رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ) .
اللهم أرنا الحق حقاً وأرزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وأرزقنا اجتنابه وصل اللهم على محمد وآله وصحبه أجمعين .
أفضل شعب الإيمان :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الإيمان بضع وستون شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق) .
وقد لخص الحافظ في الفتح ما أورده العلماء بقوله :
إن هذه الشعب تتفرع من أعمال القلب وأعمال اللسان وأعمال البدن .
1- فأعمال القلب المعتقدات والنيات ، وهي أربع وعشرون خصلة : الإيمان بالله ، ويدخل فيه الإيمان بذاته ، وصفاته وتوحيده بأنه (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) .
واعتقاد حدوث ما دونه ، والإيمان بملائكته وكتبه ورسله ، وبالقدر خيره وشره ، والإيمان باليوم الآخر ، ويدخل فيه السؤال في القبر ( ونعيمه وعذابه) والبعث والنشور ، والحساب والميزان والصراط ، والجنة والنار ، ومحبة الله ، والحب والبغض فيه ، ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم واعتقاد تعظيمه : ويدخل فيه الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم ، واتباع سنته ، والإخلاص : ويدخل فيه ترك الرياء والنفاق ، والتوبة والخوف ، والرجاء والشكر والوفاء ، والصبر ، والرضاء بالقضاء والقدر والتوكل والرحمة والتواضع , ويدخل فيه توقير الكبير ، ورحمة الصغير ، وترك الكبر ، والعجب ، وترك الحسد ، والحقد ، وترك الغضب .
2- وأعمال اللسان : وتشتمل على سبع خصال :
التلفظ بالتوحيد ( شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ) وتلاوة القرآن ، وتعلم العلـم وتعليمه ، والدعاء والذكر ويدخل فيه الاستغفار (والتسبيح) واجتناب اللغو .
3- وأعمال البدن : وتشتمل على ثمان وثلاثين خصلة :
أ- منها ما يتعلق بالأعيان ، وهي خمس عشرة خصلة :
التطهر حساً وكماً : ويدخل فيه اجتناب النجاسات ، وستر العورة ، والصلاة فرضاً ونفلاً ، والزكاة كذلك ، وفك الرقاب ، والجود : ويدخل في إطعام الطعام ، وإكرام الضيف ، والصيام فرضاً ونفلاً ، والاعتكاف ، والتماس ليلة القدر ، والحج والعمرة ، والطواف كذلك ، والفرار بالدين : ويدخل فيه الهجرة من دار الشرك إلى دار الإيمان والوفاء بالنذر والتحري في الإيمان : ( بأن يكون الحلف عند الحاجة) ، وأداء الكفارات : (مثل كفارة اليمين وكفارة الجماع في نهار رمضان) .
ب- ومنها ما يتعلق بالإتباع وهي ست خصال :
التعفف بالنكاح والقيام بحقوق العيال ، وبر الوالدين : ويدخل فيه اجتناب العقوق ، وتربية الأولاد ، وصلة الرحم ، وطاعة السادة (في غير معصية الله) ، والرفق بالعبيد) .
ج- ومنها ما يتعلق بالعامة ، وهي سبعة عشرة خصلة :
القيام بالإمارة مع العدل ، ومتابعة الجماعة ، وطاعة أولي ([9]) الأمر ، والإصلاح بين الناس : ويدخل فيه قتال الخوارج ([10]) والبغاة ، والمعاونة على البر والتقوى : ويدخل فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وإقامة الحدود ، والجهاد : ومنه المرابطة ، وأداء الأمانة ، ومنه أداء الخُمس ، والقرض مع وفائه ، وإكرام الجار ، وحسن المعاملة ، ويدخل فيه جمع المال من حله ، وإنفاقه في حقه ، ويدخل فيه ترك التبذير والإسراف ، ورد السلام ، وتشميت العاطس ، وكف الأذى عن النـاس ، واجتناب اللهو ، وإماطة الأذى عن الطريق .
فهذه 69 خصلة ، ويمكن عدها 79 خصلة باعتبار أفراد ما ضُم بعضه إلى بعض مما ذكر ، والله اعلم ؛؛
أقول : هذا الحديث المتقدم يدل على أن التوحيد هو كلمة لا إله إلا الله أعلى مراتب الإيمان وأفضلها .
فعلى الدعاة أن يبدأوا بالأعلى ثم الأدنى ، وبالأساس قبل البناء ، وبالأهم فالمهم ، لأن التوحيد هو الذي جمع الأمة العربية والأعجمية على الإسلام ، وكون منهم الدولة المسلمة دولة التوحيد .
شروط لا إله إلا الله :
س1: ماهي شروط لا إله إلى الله ، وما معناها ؟
ج1 : أعلم يا أخي المسلم - هدانا الله وإياك - أن لا إله إلا الله مفتاح الجنة ، ولكن ما من مفتاح إلا وله أسنان ، فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك ، والا لم يفتح لك ، وأسنان هذا المفتاح هي شروط لا إله إلا الله الآتية :-
1- العلم بمعناها : وهو نفي المعبود بحق عن غير الله ، وإثباته لله وحده ، قال الله تعالى :{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} ( أي لا معبود في السموات والأرض بحق إلا الله) .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة) .
2- اليقين المنافي للشك : وذلك أن يكون القلب مستيقناً بها بلا شك ، قال الله تعالى : {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} - لم يرتابوا : أي لم شكوا - .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( أشهد أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غير شاك ، فيُحجب عنه الجنة) .
3- القبول لما اقتضته هذه الكلمة بقلبه ولسانه ، قال الله تعالى حكاية عن المشركين : {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ * وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ} . ( أي يستكبرون أن يقولوها كما يقولها المؤمنون) .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فمن قال لا إله إلا الله فقد عصــم منـي ماله ونفسه إلا بحق الإسلام وحسابه على الله عز وجل) .
4- الانقياد والاستسلام لما دلت عليه ، قال الله تعالى : {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ} (أي أرجعوا إلى ربكم واستسلموا له) .
5- الصدق المنافي للكذب ، وهو أن يقولها صدقاً من قلبه ، قال الله تعالى : {الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمد عبده ورسوله صدقاً من قلبه إلا حرمه الله على النار) .
6- الإخلاص : وهو تصفية العمل بصالح النية عن جميع شوائب الشرك ، قال الله تعالى : {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه ، أو نفسه ) .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( إن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله عز وجل) .
7- المحبة لهذه الكلمة الطيبة ، ولما اقتضت ودلت عليه ، ولأهلها العاملين بها الملتزمين بشروطها ، وبُغض ما ناقض ذلك ، قال الله تعالى : {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ} . ( أنداداً : شركاء) .
وقال صلى الله عليه وسلم : (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان) : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه ، كما يكره أن يُقذف في النار) .
8- أن يكفر بالطاغوت : وهو الشيطان وما يدعو إليه من عبادة غير الله ، ويؤمن بالله رباً ومعبوداً بحق : قال الله تعالى :{فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من قال لا إله إلا الله ، وكفر بما يُعبد من دون الله حرم ماله ودمه) .
9- ومن شروطها أن تقال كاملة ، فلا يجوز الفصل بين النفي والإثبات : فلا يقال ( لا إله) عدة مرات ويقال بعد ذلك ( إلا الله) عدة مرات كما يفعل الصوفية لأن ذلك من البدع المحدثة ، ولأن فيها نفي الألوهية عن الله ، وذلك صريح الكفر ثم الإثبات بعد ذلك بمدة لا يفيد شيئاً وهو من التلاعب في ذكر الله ، ولو مات القائل بعد النفي كيف يكون حاله؟ .
10- والذكر بالاسم المفرد لم يرد عن الرسول صلى الله عليه وسلم كقولهم : (الله) ويكررونها آلاف المرات ، ويحتج الصوفية على ذلك بقول الله تعالى (قل الله) ولو قرأوا أول الآية لعرفوا خطأ استدلال ، وأولها :
{قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاء بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُواْ أَنتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ قُلِ اللّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ} أي قل الله أنزله .
11- لا يجوز استبدال كلمة (الله) بكلمة (هو) كما يفعل الصوفية حينما يقولون ( يا هو) لأن (هو) ليست من أسماء الله ، بل هو ضمير منفصل مثل قوله تعالى : {اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ} . فكلمة (هو) ضمير يعود على الإله .
حقيقة لا إله إلا الله :
فيها نفي الإلهية عن غير الله ، وإثباتها لله وحده .
1- قال تعالى : {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} ، فالعلم بمعناها واجب ومقدم على سائر أركان الإسلام .
2- وقال صلى الله عليه وسلم : ( من قال لا إله إلا الله مخلصاً دخل الجنة) . والمخلص هو الذي يفهمها ، ويعمل بها ، ويدعو إليها قبل غيرها ، لأن فيها التوحيد الذي خلق الله العالم لأجله .
3- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب حين حضره الموت يا عم قل : (لا إله إلا الله ، كلمة أحاج لك بها عند الله ، وأبى أن يقول لا إله إلا الله) .
4- بقـى الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة ثلاثة عشر عاماً ، يدعو العرب قائلاً قولوا : ( لا إله إلا الله ، فقالوا إلهاً واحداً ما سمعنا بهذا ؟ لأن العرب فهموا معناها ، وأن من قالها لا يدعو غير الله ، فتركوها ولم يقولوها ، قال الله تعالى عنهم في سورة الصافات :
{إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ}
{وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ}
{بَلْ جَاء بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ}
وقال صلى الله عليه وسلم : ( من قال لا إله إلا الله ، وكفر بما يُعبد من دون الله ، حرم الله ماله ودمه) .
ومعنى الحديث أن التلفظ بالشهادة يستلزم أن يكفر وينكر كل عبادة لغير الله ، كدعاء الأموات وغيره . والغريب أن بعض المسلمين يقولونها بألستنهم ، ويخالون معناها بأفعالهم ودعائهم لغير الله .
5- (لا إله إلا الله) أساس التوحيد والإسلام ، ومنهج كامل للحياة ، يتحقق بتوجيه كل أنواع العبادة لله ، وذلك إذا خضع المسلم لله ، ودعاه وحده ، واحتكم لشرعه دون غيره .
6- قال ابن رجب ( الإله) هو الذي يطاع ولا يعصى هيبة له وإجلالاً ، ومحبة ، وخوفاً ورجاء ، وتوكلاً عليه ، وسؤالاً منه ، ودعاء له ، ولا يصلح هذا كله إلا لله عز وجل ، فمن أشرك مخلوقاً في شئ من هذه الأمور التي هي من خصائص الإله ، كان ذلك قدحاً في إخلاصه في قوله (لا إله إلا الله) وكان فيه من عبودية المخلوق يحسب ما فيه من ذلك .
7- إن كلمة ( لا إله إلا الله) تنفع قائلها إذا لم ينقضها بشرك ، فهي شبيهة بالوضوء الذي ينقضه الحدي . قال صلى الله عليه وسلم : ( من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة) .
معنى محمد رسول الله :
الإيمان بأنه مرسل من عند الله ، فنصدقه فيما أخبر ، ونطيعه فيما أمر ، ونترك ما نهى عنه وزجر ، ونعبد الله بما شرع .
1- يقول الشيخ أبو الحسن الندوي في كتاب النبوة ما نصه : ( الأنبياء عليهم السلام كان أول دعوتهم ، وأكبر هدفهم في كل زمان وفي كل بيئة ، هو تصحيح العقيدة في الله تعالى وتصحيح الصلة بين العبد وربه ، والدعوة إلى إخلاص الدين لله ، وإفراد العبادة لله وحده ، وأنه النافع والضار المستحق للعبادة والدعاء والالتجاء والنسك (الذبح) وحده ، وكانت حملتهم مركزة موجهة إلى الوثنية في عصورهم ، الممثلة بصورة واضحة في عبادة الأوثان والأصنام ، والصالحين المقدسين من الأحياء والأموات .
2- وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له ربه : ({قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم ، فإنما أنا عبد فقولوا عبدالله ورسوله) .
والإطراء : هو الزيادة والمبالغة في المدح فلا ندعوه من دون الله كما فعلت النصارى في عيسى ابن مريم ، فوقعوا في الشرك ، وعلمنا أن نقول : ( محمد عبدالله ورسوله)
3- إن محبة الرسول صلى الله عليه وسلم تقتضي طاعته في دعاء الله وحده ، وعدم دعاء غيره ، ولو كان رسولاً أو ولياً مقرباً ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله) .
وكان صلى الله عليه وسلم إذا نزل به هم أو غمّ قال : ( يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث) .
أهمية التوحيد :
1- لقد خلق الله الثقلين لعبادته ، وأرسل الرسل ليدعوهم الناس إلى توحيده ، وهذا القرآن الكريم يهتم بعقيدة التوحيد في أكثر من سورة ، ويبين ضرر الشرط على الفرد والجماعة وهو سبب الهلاك في الدنيا ، والخلود في نار الآخرة .
2- إن الرسل جميعاً بدأوا دعوتهم إلى التوحيد الذي أمرهم الله بتبليغه للناس ، قال الله تعالى :{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} ، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقى ثلاثة عشر عاماً في مكة ، وهو يدعو قومه إلى توحيد الله ودعائه وحده دون سواه ، وكان فيما أنزل الله عليه : {قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا} .
ويربي الرسول صلى الله عليه وسلم أتباعه على التوحيد منذ الصغر ، فيقول لابن عمه عبدالله بن عباس : ( إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ) .
وهـذا التوحيد هو حقيقة دين الإسلام الذي بُني عليه ، والذي لا يقبل الله من أحد سواه .
3- لقد علّم الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يبدأوا دعوتهم للناس بالتوحيد ، فقال لمعاذ حينما أرسله إلى اليمن : ( فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وفي رواية إلى أن يوحدوا الله) .
4- إن التوحيد يتمثل في شهادة لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، ومعناها لا معبود بحق إلا الله ، ولا عبادة إلا ما جاء به رسول الله ، وهي التي يدخل بها الكفار الإسلام ، لأنها مفتاح الجنة ، وتدخل صاحبها الجنة إذا لم ينقضها بعمله .
5- لقد عرض كفار قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم الملك والمال والزواج وغيرها من مُتع الحياة مُقابل أن يترك دعوة التوحيد ، ومهاجمة الأصنام ، فلم يرض منهم ذلك ، بل استمر في دعوته يتحمل الأذى مع صحابته إلى أن انتصرت دعوة التوحيد بعد ثلاثة عشر عاماً ، وفتحت مكة بعد ذلك ، وكسرت الأصنام ، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول : {وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} .
6- التوحيد وظيفة المسلم في الحياة فيبدأ حياته بالتوحيد ويودعها بالتوحيد ، ووظيفته في الحياة إقامة التوحيد ، والدعوة إلى التوحيد ، لأن التوحيد يوحد المؤمنين ويجمعهم على كلمة التوحيد . فنسأل الله أن يجعل التوحيد آخر كلامنا .
من فضائل التوحيد :
1- قال الله تعالى : {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} .
عن عبدالله بن مسعود قال لما نزلت هذه الآية شق ذلك على المسلمين ، وقالوا أينا لا يظلم نفسه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ليس ذلك ، إنما هو الشرك ، ألم تسمعوا قول لقمان لابنه : {يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} . فهذه الآية تبشر المؤمنين الموحدين الذين لم يلبسوا إيمانهم بشرك ، فابتعدوا عنه ، أن لهم الأمن التام من عذاب الله في الآخرة ، وأولئك هم المهتدون في الدنيا .
2- وقال صلى الله عليه وسلم : ( الإيمان بضع وستون شعبة ، فأفضلها قول لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق) .
3- جاء في كتاب (دليـل المسلـم في الاعتقاد والتطهير) لفضيلة الشيخ عبدالله خياط ما يلي : التوحيد يسبب السعادة ويكفر الذنوب ، المرء بحكم بشريته وعدم عصمته قد تنزلق قدمه ، ويقع في معصية الله ، فإذا كان من أهل التوحيد الخالص من شوائب الشرك ، فإن توحيده لله ، وإخلاصه في قول لا إله إلا الله ، يكون أكبر عامل في سعادته وتكفير ذنوبه ومحو سيئاته ، كما جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمداً عبده ورسوله ، وأن عيسى عبدالله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ، والجنة حق ، والنار حق ، أدخل الله الجنة على ما كان من العمل) .
أي أن جملة هذه الشهادات التي يشهدها المسلم بهذه الأصول تستوجب دخوله الجنة دار النعيم ، وإن كان في بعـض أعماله مآخذ وتقصيرات ، كما جاء في الحديث القدسي : قال الله تعالى : ( يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً أتيتك بقرابها مغفرة) .
نواقض لا إله إلا الله :
على المسلم أن يتعلم هذه النواقض حتى لا يقع فيها ، فيخرج من الإسلام الذي أكرمه الله به ، فيموت كافراً ، وأهم هذه النواقض :-
1- دعاء غير الله كدعاء الأنبياء أو الأولياء الأموات أو الأحياء الغائبين لقول الله تعالى : {وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ} . - أي المشركين - .
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( من مات وهو يدعو من دون الله نداً دخل النار) - الند : المثيل والشريك - .
2- اشمئزاز القلب من توحيد الله ، ونفوره من دعائه والاستغاثة به وحده ، وانشراح القلب عند دعاء الرسل أو الأولياء الأموات أو الأحياء الغائبين ، وطلب المعونة منهم لقوله تعالى عن المشركين : {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} .
( وتنطبق الآية على الذين يحاربون من يستعين بالله وحده ويقولون عنه وهابي ، إذا علموا أن الوهابية تدعو للتوحيد) .
3- الذبح لرسول الله أو ولي لقول الله تعالى : {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} أي أذبح لربك ، وقوله صلى الله عليه وسلم : ( لعن الله من ذبح لغير الله) .
4- النذر لمخلوق على سبيل التقرب والعبادة له ، وهي لله وحده ، قالت امرأة عمران : {إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا} .
5- الطواف حول القبر بنية التقرب والعبادة له ، وهو خاص بالكعبة ، لقول الله تعالى : {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} .
6- الاعتماد والتوكل على غير الله ، لقول الله تعالى : {فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ} .
7- الركوع أو السجود بنية العبادة للملوك أو العظماء الأحياء أو الأموات إلا إن يكون جاهلاً لأن الركوع والسجود عبادة لله وحده .
8- إنكار ركن من أركان الإسلام المعروفة كالصلاة والزكاة والصوم والحج ، أو إنكار ركن من أركان الإيمان : وهي الإيمان بالله وملائكته ورسله واليوم الآخر ، وبالقدر خيره وشره ، وغير ذلك مما هو معلوم من الدين بالضرورة .
9- كراهية الإسلام ، أو كراهية شئ من تعاليمه في العبادات أو المعاملات ، أو الاقتصاد ، أو الأخلاق لقوله تعالى : {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} .
10- الاستهزاء بشئ من القرآن ، أو الحديث الصحيح ، أو بحكم من أحكام الإسلام ، لقوله تعالى : {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ * لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ} .
11- إنكار شئ من القرآن الكريم ، أو الأحاديث الصحيحة مما يوجب الردة عن الدين إذا تعمد ذلك عن علم .
12- شتم الرب أو لعن الدين أو سب الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو الاستهزاء بحالة ، أو نقد ما جاء به مما يوجب الكفر .
13- إنكار شئ من أسماء الله ، أو صفاته ، أو أفعاله الثابتة في الكتاب والسنة الصحيحة من غير جهل ولا تأويل .
14- عدم الإيمان بجميع الرسل الذين أرسلهم الله لهداية الناس ، أو انتقاص أحدهم لقوله تعالى : {لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ} .
15- الحكم بغير ما أنزل الله إذا اعتقد عدم صلاحية حكم الإسلام أو أجاز الحكم بغيره لقوله تعالى : {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} .
16- التحاكم لغير الإسلام ، وعدم الرضا بحكم الإسلام أو يرى في نفسه ضيقاً وحرجاً في حكمه لقوله تعالى : {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} .
17- إعطاء غير الله حق التشريع كالديكتاتورية ، أو الديمقراطية ، أو غيرها ممن يسمحون بالتشريع المخالف لشرع الله ، لقوله تعالى : {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ} .
18- تحريم ما أحل الله ، أو تحليل ما حرم الله ، كتحليل بعض العلماء الربا غير متأول ، لقوله تعالى : {وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} .
19- الإيمان بالمبادئ الهدامة : كالشيوعية الملحدة ، أو الماسونية اليهودية ، أو الاشتراكية الماركسية ، أو العلمانية الخالية من الدين ، أو القومية التي تفضل غير المسلم العربي على المسلم الأعجمي ، لقوله تعالى : {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} .
20- تبديل الدين والانتقال من الإسلام لغيره لقوله تعالى : {وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} .
21- مناصرة اليهود والنصارى والشيوعيين ومعاونتهم على المسلمين لقوله تعالى {لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ} .
22- عدم تكفير الشيوعيين المنكرين لوجود الله ، أو اليهود والنصارى الذين لا يؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم ، لأن الله كفرهم فقال : {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ} .
23- قول بعض الصوفيين بوحدة الوجود : وهو : ما في الكون إلا الله، حتى قال زعيمهم :
وما الكلب والخنزير إلا إلهنا وما الله إلا راهب في كنسية
وقال زعيمهم الحلاج : ( أنا هو ، وهو أنا) فحكم العلماء عليه بالقتل فأعدم .
24- القول بانفصال الدين عن لدولة ، وأنه ليس في الإسلام سياسة لأنه تكذيب للقرآن والحديث والسيرة النبوية .
25- قول بعض الصوفية : إن الله سلم مقاليد الأمور لبعض الأولياء من الأقطاب ، وهذا شرك في أفعال الرب سبحانه يخالف قوله تعالى :{لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} .
إن هذه المبطلات أشبه بنواقض الوضوء ، فإذا فعل المسلم واحداً منها ن فليجدد إسلامه ، وليترك المبطل وليتوب إلى الله قبل أن يموت فيحبط عمله ، ويخلد في نار جهنم ، قال الله تعالى : {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} .
وعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقول : ( اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئاً نعلمه ، ونستغفرك لما لا نعلم) .
وحدة الوجود في الظلال :
1- كنت مولعاً بظلال القرآن لمؤلفه (سيد قطب) ولما قرأته وجدت وحدة الوجود في تفسير أول سورة الحديد وسورة الإخلاص ، وغيرها من الأخطاء التي تتنافى مع عقيدة الإسلام كقوله عن تفسير الاستواء الوارد في عدة آيات : كناية عن السيطرة والهيمنة ، وهذا مخالف للتفسير الوارد في البخاري عن مجاهد وأبي العالية : في قوله تعالى : {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ} ، قال مجاهد وأبو العالية : علا وارتفع .
2- ذكرت ذلك لأخيه (محمد قطب) وقلت له : علق على كلام أخيك في الظلال ، فقال لي : أخي يتحمل مسئولية كلامه .
وبعد سنتين طلبت مني إحدى دور النشر نشر كتابي الجديد : ( شهادة لا إله إلا الله محمد رسول الله) . فذكرت فيه من نواقض الشهادتين : وحدة الوجود عند الصوفية وقرأت في كتاب ( لا إله إلا الله عقيدة وشريعة ومنهج حياة) لمؤلفه (محمد قطب) ذكر فيه نواقض لا إله إلا الله ، ولم يذكر وحدة الوجود ، فاتصلت به هاتفياً ، قلت له : أنت مشرف على طبعة الشروق (في ظلال القرآن) أنا أطالبك بالتعليق في الحاشية امتثالاً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم القائل : ( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) . وأنت تستطيع أن تُغير بلسانك وقلمك ، فقال لي : شكر الله سعيك ، فشكرته على ذلك ، وطلبت منه نسخة فيها تعليقه على وحدة الوجود فسكت ، وأسأل الله أن يوفقه لذلك .
3- قمت بزيارة لأحد العلماء البارزين وعنده أحد مدرسي العقيدة الإسلامية ، وذكرت له وحدة الوجود في الظلال ، فاستغرب ذلك ، وأحضر كتاب الظلال من مكتبته وبدأ يقرأ فيه من أول تفسير سورة الحديد ، حتى وصل إلى قوله : ولقد أخذ المتصوفة بهذه الحقيقـة الأساسية الكبرى وهاموا فيها وبها ، وسلكوا إليها مسالك شتى ، بعضهم قال : إنه يرى الله في كل شئ في الوجود ، وبعضهم قال : أنه رأى الله من وراء كل شئ فـي الوجود ، وبعضهم قال : أنه رأى الله فلم ير غيره في الوجود ، وبعضهم قال : إنه رأى الله فلم ير غيره في الوجود .
وكلها أقوال تشير إلى الحقيقة إذا تجاوزنا عن ظاهر الألفاظ القاصرة في هذا المجال ، إلا أن ما يؤخذ عليهم على وجه الاجمال هو أنهم أهملوا الحياة بهذا التصور ، والإسلام في توازنه المطلق يريد من القلب البشري أن يدرك هذه الحقيقة ويعيش بها ولها .
فأنكر العلماء الموجودون هذه الوحدة ، ووافقوا على أن يُعلق (محمد قطب) عليها .
4- ولسيد قطب - يرحمه الله - كلام في كتبه يخالف وحدة الوجود لكنه لم يُصرح بالرجوع عنها ، وله كتابات جيدة ، ولكنه ليس بمعصوم لأنه بشر يخطئ ، فالواجب بيان هذه الأخطاء نصيحة للقراء وفي هذا الحديث ( الدين النصيحة) .
5- وهناك أخطاء كثيرة في ظلال القرآن جمعها الشيخ عبدالله الدويش في كتابه (المورد الزلال في التنبيه عن أخطاء الظلال) وكتاب (أضواء إسلامية على عقيدة سيد قطب وأفكاره) للشيخ ربيع بن هادي فليرجع إليها ، وليت الشيخ محمد قطب أخذ بهذه الأخطاء وعلق عليها في طبعة الشروق لأنه مشرف عليها فهو مسئول أمام الله عنها ، وأسأل الله أن يوفقه في ذلك .
لا تصدق الدجالين :
قال صلى الله عليه وسلم : ( من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد) .
يحرم تصديق المنجم والكاهن والعراف والساحر والرمال والمندل وغيرهم ممن يدعى العلم بما في النفس ، أو بالماضي والمستقبل ، لأن ذلك من اختصاص الله وحده كما قال :{وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} ، {قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} .
وما يقع من الدجالين إنما هو التخمين والمصادفة ، وأكثره كذب من الشيطان لا يغتر به إلا ناقص العقل ، ولو كانوا يعلمون الغيب لاستخرجوا الكنوز من الأرض ، ولما أصبحوا فقراء يحتالون على الناس لأكل مالهم بالباطل ، وإن كانوا صادقين فليخبرونا عن أسرار اليهود لإحباطها .
أركان لا إله إلا الله :
لها ركنان : الركن الأول : النفي ، والركن الثاني : الإثبات .
والمراد بالنفي نفي الآلهية عمّا سوى الله تعالى من سائر المخلوقات .
والمراد بالإثبات إثبات الإلهية لله سبحانه فهو الإله الحق وما سواه من الآلهة التي اتخذها المشركون فكلها باطلة .
{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}
قال الإمام ابن القيم : فدلالة لا إله إلا الله على إثبات إلهيته أعظم من دلالة قوله : الله إله ، وهذا لأن قول (الله إله) لا ينفي إلهية ما سواه بخلاف قول : لا إله إلا الله فإنه يقتضي حصر الألوهية لله ونفيها عمّا سواه ، وقد غلط غلطاً فاحشاً من فسر الإله بأنه القادر على الاختراع فقط .
من فوائد لا إله إلا الله :
لهذه الكلمة إذا قيلت صدق واخلاص وعمل بمقتضاها ظاهراً أو باطناً فوائد حميدة على الفرد والجماعة من أهمها :-
1- اجتماع الكلمة التي ينتج عنها حصول القوة للمسلمين والانتصار على عدوهم لأنهم يدينون بدين واحد وعقيدة واحدة كما قال تعالى :{وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ} . وقال تعالى : {وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللّهُ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} .
والاختلاف والتناحر في العقيدة يسبب التفرق والنزاع والتناحر كما قال الله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} .
وقال تعالى : {فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} .
فلا يجمع الناس سوى عقيدة الإيمان والتوحيد التي هي مدلول لا إله إلا الله ، واعتبر ذلك بحالة العرب قبل الإسلام وبعده : ( كان العرب في الجاهلية متفرقين فجمعهم الإسلام) .
2- توفر الأمن والطمأنينة في المجتمع الموحد الذي يدين بمقتضى لا إله إلا الله لأن كلاً من أفراده يأخذ ما أحل ويترك ما حرم عليه تفاعلاً مع عقيدته التي تُملى عليه ذلك ، فينكف عن الاعتداء والظلم والعدوان ويحل محل ذلك التعاون والمحبة والموالاة في الله عملاً بقوله تعالى : {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} .
يظهر هذا جلياً في حالة العرب قبل أن يدينوا بهذه الكلمة وبعد ما دانوا بها ، فقد كانوا من قبل أعداء متناحرين يفتخرون بالقتل والنهب والسلب ، فلما دانوا بها أصبحوا إخوة متحابين كما قال الله تعالى : {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ} . وقال تعالى : {وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} .
30 حصول السيادة والاستخلاف في الأرض وصفاء الدين والثبوت أمام تيارات الأفكار والمبادئ المختلفة كما قال تعالى : {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} .
فربط سبحانه حصول هذه المطالب العلية بعبادته وحده لا شريك له الذي هو معنى ومقتضى لا إله إلا الله .
4- حصول الطمأنينة النفسية والاستقرار الذهني لمن قال لا إله إلا الله وعمل بمقتضاها لأنه يعبد رباً واحداً يعرف مراده وما يرضيه فيفعله ويعرف ما يستخطه فيجتنبه بخلاف من يعبد آلهة متعددة كل واحدة منها له مراد غير مراد الاخر ، كما قال تعالى : {أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} .
وقال تعالى : {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} .
قال الإمام ابن القيم رحمه الله : هذا مثل ضربه الله سبحانه للمشرك والموحد ، فالمشرك بمنزلة عبد يملكه جماعة متنازعون مختلفون متشاحنون ، والرجل المتشاكس : السئ الخلق .
فالمشرك لما كان يعبد آلهة شتى شُبه بعبد يملكه جماعة متنافسون في خدمته لا يمكنه أن يبلغ رضاهم أجمعين ، والموحد لما كان يعبد الله وحده فمثله كمثل عبد لرجل واحد قد سلم له وعلم مقاصده وعرف الطريق إلى رضاه فهو في راحة من تشاحن الخلطاء فيه بل هو سالم لمالكه من غير تنازع فيه مع رأفة مالكه ورحمته له وشفقته عليه وإحسانه إليه وتوليه لمصالحه ، فهل يستويان هذان العبدان .
5- حصول السمو والرفعة لأهل لا إله إلا الله في الدنيا والآخرة كما قال تعالى : {حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} ، فدلت الآية على أن التوحـيد علو وارتفاع وأن الشرك هبوط وسفول وسقوط ,
قال العلامة ابن القيم رحمه الله : شبه الإيمان والتوحيد في علوه وسعته وشرفه بالسماء التي هي مصعده ومهبطه ، فمنها هبط إلى الأرض واليها يصعد منها ، وشبه تارك الإيمان والتوحيد بالساقط من السماء إلى أسفل سافلين من حيث التضييق الشديد والآلام المتراكمة والطير التي تخطف أعضاءه وتمزقه كل ممزق بالشياطين التي يرسلها الله تعالى وتؤزره وتزعجه وتقلفه إلى مظان هلاكه ، والريح التي تهوي به في مكان سحيق هو هواه الذي يحمله إلى إلقاء نفسه في أسفل مكان وأبعده عن السماء .
6- عصمة الدم والمال والعرض ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها ) .
وقوله ( بحقها) : معناها : أنهم إذا قالوها وامتنعوا من القيام بحقها وهو أداء ما تقتضيه من التوحيد والابتعاد عن الشرك والقيام بأركان الإسلام أنها لا تعصم أموالهم ولا دماءهم بل يُقتلون وتؤخذ أموالهم غنيمة للمسلمين كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه .
هذا ، ولهذه الكلمة آثار عظيمة على الفرد والجماعة في العبادات والمعاملات والآداب والأخلاق .
وبالله التوفيق ،، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .
دعاء الليل المستجاب :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من تعار من الليل فقال حين يستيقظ : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد يحي ويميت ، بيده الخير وهو على كل شئ قدير ، سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، ثم قال اللهم أغفر لي ، أو دعا استجيب له ، فإن قام فتوضأ ثم صلى قبلت صلاته) .
قرأت هذا الدعاء من أجل شفائي من الأمراض التي أصابتني فشفاني الله ، وقرأته من أجل تيسير بعض الأعمال المتعبة ، فسهل الله لي وأراحني من معاناتها ، بفضل الله ثم بقراءة هذا الدعاء .
إني أنصح كل مسلم إذا وقع في أي مشكلة ، أن يلجأ إلى الله وحده ، ويقرأ هذا الدعاء مع الأخذ بالأسباب التي أمر الإسلام بها كالاستعداد للجهاد ، وأخذ الدواء للمريض لا سيما الأدوية الواردة في الطب النبوي كالعسل ، والحبة السوداء ، وماء زمزم ، وغيرها من العلاجات المفيدة.
([1]) حين يقول المؤذن : أشهر ألا إله إلا الله .
([2]) أبوء : أعترف .
([3]) يعلق الشيخ ربيع بن هادي قائلاً : بل كثير من هذه المجتمعات يضفون على أناس صفات الإله ، كاعتقادهم أنهم يعلمون الغيب ، يتصرفون في الكون ، ويفرجون الكروب ، ويتقدمون لهم بالشعائر التعبدية من الاستغاثة في الشدائد ، والدعاء والخوف ، والرجاء والتوكل والطواف بقبورهم ، وتعظيم هذه القبور ، وإقامة الأعياد والاحتفالات والموالد لهذه الأضرحة ، وشد الرحال إليها وتقديم الذبائح والنذور بالأموال الطائلة لها ، كل هذه الأمور وغيرها من أنواع الشرك لا بعدها (سيد قطب) من أنواع الشرك الناقضة للتوحيد المنافية لمعنى : (لا إله إلا الله) ونحن لا نكفر إلا من قامت عليه الحجة .
([4]) وهي تقاليدها لناس البدلة الأفرنجية والكرافت وحلق اللحية .
([5]) وهذا واضح في تكفير المجتمعات الإسلامية .
([6]) العمل الصالح ، وعدم الشرك بالعبادة حسب فهم الآية .
([7]) الإشارة إلى أن الإسلام نسخ شريعة موسى .
([8]) اعترض على التحريق ابن عباس والدليل معه.
([9]) المراد بالأولى الأمر : الحكام المسلمون إذا لم يأمروا بمعصية .
([10]) الخوارج هم الذين يكفرون المسلم بارتكاب الكبائر .