×
لا تزال آيات الله - عز وجل - تقرع مسامعنا قاصَّةً علينا خبر نبي الله لوط مع قومه، في آيات كثيرة. وهذا الكتيب يتحدث عن هذه الجريمة مبيناً عشر وقفات في هذه القصة، التي ذكرها الله - عز وجل - عبرة للمعتبرين ونذيرًا للظالمين.

 سدوم قصة لم تنتهي

إعداد: أحمد العمران

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم... وبعد:

فلا تزال آيات الله – سبحانه وتعالى – تقرع مسامعنا قاصَّةً علينا خبر نبي الله لوط - عليه السلام - مع قومه، في آيات كثيرة.

تلك القصة التي تتحدث عن جريمة لا كل الجرائم، وعن فاحشة لا يصدقها عقل إنسان فطرته سليمة، ألا وهي: (جريمة اللواط). يقول الوليد بن عبد الملك – رحمه الله-: «لولا أن الله – عز وجل – قصَّ علينا خبر قوم لوط، ما ظننت أنَّ ذَكَرًا يعلو ذَكَرًا».

كما لا تزال اللعنة والمَقْت من الله تُطارد مَن فعل هذه الفاحشة الشنيعة في الدنيا والآخرة. قال - صلى الله عليه وسلم -: «لعن الله مَن عمل، عمل قوم لوط» [رواه أحمد في المسند]. وقال - صلى الله عليه وسلم -: «لا ينظر الله إلى رجل أتى رجلاً أو امرأة في الدبر» [صحيح الجامع].

فإليك – يا بني – عشر وقفات مع هذه القصة، التي ذكرها الله – سبحانه وتعالى عبرة للمعتبرين ونذيرًا للظالمين.

* * *


 الوقفة الأولى: هم أول الناس فعلاً لهذه الفاحشة

يا بُني: إن الله بعث لوطًا - عليه السلام - «إلى أهل سدوم وما حولها من القرى، يدعوهم إلى الله - عز وجل -، ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عمَّا كانوا يرتكبونه من المآثم والمحارم والفواحش التي اخترعوها، لم يسبقهم بها أحدٌ من بني آدم ولا غيرهم، وهو إتيان الذكور دون الإناث، وهذا شيء لم يكن بنو آدم تعهده ولا تألفه ولا يخطر ببالهم، حتى صنع ذلك أهل سدوم عليهم لعائن الله» [تفسير ابن كثير]. قال تعالى: ﴿وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ * إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ﴾ [الأعراف].

يقول الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله: ﴿أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ﴾ أي: الخصلة التي بلغت – في العظم والشناعة – إلى أن استغرقت أنواع الفحش فكونها فاحشة من أشنع الأشياء، وكونهم ابتدعوها وابتكروها وسَنُّوها لمن بعدهم، من أشنع ما يكون أيضًا».

وقال عمرو بن دينار: «ما نزا ذكرٌ على ذكرٍ حتى كان قوم لوط».

 الوقفة الثانية: انقلاب الفطرة

يا بُني: إن فطرة الله التي فَطَر الرجال عليها هي الميل إلى النساء دون الرجال، ولكن اللوطية يا بُني: عكسوا هذه الفطرة التي ركَّبها الله في الذكور، فأتوا بما تشمئز منه القلوب، وتنفر منه الطباع السليمة أشد النفور، ألا وهو نكاح الرجل للرجل كما تُنكح الأنثى.

قال تعالى: ﴿أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ * وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ﴾ [الشعراء: 165، 166].

وقال تعالى: ﴿أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ﴾ [النمل: 55].

لذلك يا بني لمَّا نهاهم لوط - عليه السلام - عن تعاطي الفواحش التي لم يسبق لأحد من العالمين بأن فعلها، قالوا: ﴿أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾ [النمل: 56].

وهذا يا بُني: قمة الانحراف والضلال؛ لأنهم يعدون الطهارة والترفُّع عن هذه الفواحش تهمة يكون على أثرها الطرد والإبعاد.

 الوقفة الثالثة: أوصافهم في القرآن الكريم

يا بُني: إن الأوصاف التي وصفهم بها الله – سبحانه وتعالى – لم يصف بها أحدًا غيرهم من أهل المعاصي والذنوب.

(1) وصفهم الله – عز وجل – بأنهم قوم (عادون). قال تعالى: ﴿أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ * وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ﴾ [الشعراء: 165، 166].

(2) وصفهم الله تعالى بالجهل. قال تعالى: ﴿أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ﴾ [النمل: 55].

(3) وصفهم سبحانه بأنهم مفسدون. قال تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ﴾ [العنكبوت: 30].

(4) وصفهم عز وجل بالظلم. قال تعالى: ﴿وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ﴾ [العنكبوت: 31].

(5) وصفهم الله تعالى بالسوء والفسق. قال تعالى: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ﴾ [الأنبياء: 74].

(6) وصفهم الله تعالى بالإسراف. قال تعالى: ﴿إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ﴾ [الأعراف: 81].

(7) وصفهم الله تعالى بالإجرام. قال تعالى: ﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ﴾ [الأعراف: 84].

(8) وصفهم سبحانه بالكذب. قال تعالى: ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ﴾ [القمر: 33].

(9) وصفهم الله بالسَّفَه وعدم الرُّشْد. قال تعالى: ﴿قَالَ يقَوْم هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِي فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ﴾ [هود: 78].

 الوقفة الرابعة: «وجاءوا يُهرعون»

لقد كذَّبُ أهل سدوم نبيهم الكريم لوطًا - عليه السلام - وطلبوا منه – تحديًا وعنادًا – وقوع ما حذَّرهم من العذاب الأليم.

فعندها دعا ربَّه بالنصر على هؤلاء الفَسَقَة المفسدين. قال تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ﴾ [العنكبوت: 30].

فغار الله لغَيْرته، وغضب لغضبته، واستجاب لدعوته، وأجابه طَلبته، وبعث رسله الكرام، وملائكته العظام، فمروا على الخليل إبراهيم وبشَّروه بالغلام العليم، وأخبروه بما جاؤوا له من الأمر الجسيم والخَطب العميم: ﴿قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ * قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ * لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ﴾ [الذاريات: 31-34]، وقال: ﴿وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ * قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ﴾ [العنكبوت: 31، 32]، وقال الله تعالى: ﴿فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ﴾ [هود: 74]. وذلك أنه كان يرجو أن يجيبوا أو ينيبوا ويسلموا ويُقلعوا ويرجعوا، ولهذا قال تعالى: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ * يإِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ﴾ [هود: 75، 76] أي أعرض عن هذا وتكلم في غيره، فإنه قد حتِّم أمرُهم، ووجب عذابهم وتدميرهم وهلاكهم، ﴿إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ﴾ أي قد أمر به من لا يرد أمره، ولا يرد بأسه، ولا معقِّب لحكمه ﴿وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ﴾.

وقال الله تعالى: ﴿وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ﴾ [هود: 77]. قال المفسرون: لما فصَلت الملائكة من عند إبراهيم – وهم جبريل وميكائيل وإسرافيل – أقبلوا حتى أتوا أرضَ سدُوم، في صورة شُبان حٍسَان، اختبارًا من الله لقوم لوط وإقامة للحجة عليهم، فاستضافوا لوطًا - عليه السلام - وذلك عند غروب الشمس، فخشي، إن لم يضيفهم أن يضيفهم غيره، وحسبهم بشرًا من الناس، وقال تعالى: ﴿سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ﴾. قال ابن عباس ومجاهد وقتادة ومحمد بن إسحاق: شديد بلاؤه. وذلك لما يعلم من مدافعته الليلة عنهم، كما كان يصنع بهم في غيرهم، وكانوا قد اشترطوا عليه أن لا يضيف أحدًا، ولكن رأى ما لا يمكن المحِيد عنه.

وذكر قتادة: أنهم وردوا عليه وهو في أرض له يعمل فيها، فتضيَّفوا فاستحيا منهم وانطلق أمامهم، وجعل يعرض لهم في الكلام لعلَّهم ينصرفون عن هذه القرية وينزلون في غيرها، فقال لهم فيما قال: والله يا هؤلاء ما أعلم على وجه الأرض أهلّ بلد أخبث من هؤلاء. ثم مشى قليلاً، ثم أعاد ذلك عليهم حتى كرره أربع مرات، قال: وكانوا قد أُمروا أن لا يهلكوهم حتى يشهد عليهم نبيهم بذلك.

فجاء بهم فلم يعلم إلا أهل البيت، فخرجت امرأته فأخبرت قومها، فقالت: إن في بيت لوط رجالاً ما رأيت مثلَ وجوههم قط» [قصص الأنبياء لابن كثير].

وها هم – يا بُني – قد جاءوا يُهرولون إلى بيت نبي الله لوط - عليه السلام - تدفعهم حمَّى الشهوة المحرَّمة، وسكرة الرذيلة والشذوذ، بعد أن سمعوا بقدوم أضيافه، وهم من قد علمت في إتيانهم الفاحشة مجاهرة في أنديتهم.

قال تعالى: ﴿وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يقَوْم هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِي فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ * قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ﴾ [هود: 78-79].

وقال تعالى: ﴿وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ * قَالَ إِنَّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِ * وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ * قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ * قَالَ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ * لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ [الحجر].

فقد حذَّرهم - عليه السلام - من مغبَّة أفعالهم وهم مع ذلك «لا ينتهون ولا يرعوون، بل كلمَّا نهاهم يبالغون في تحصيل هؤلاء الضيفان ويحرصون، ولم يعلموا ما حُمَّ به القدر مما هم إليه صائرون وصبيحةَ ليلتهم إليه منقلبون».

ولهذا قال تعالى مقسمًا بحياة نبيه محمد – صلوات الله وسلامه عليه -: ﴿لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾، وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ * وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ * وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ﴾ [القمر: 36-38].

ذكر المفسرون وغيرهم: أن نبي الله لوطًا - عليه السلام - جعل يمانع قومه الدخول ويدافعهم والباب مغلق، وهم يرومون فتحه وولوجه، وهو يعظهم وينهاهم من وراء الباب، وكل ما لهم في إلحاح وإنحاح، فلما ضاق الأمر وعسر الحال قال ما قال: ﴿قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ﴾ [هود: 80] لأحللت بكم النكال.

وقوله: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِي فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ﴾ [هود: 78]. نهيٌ لهم عن تعاطي ما لا يليق من الفاحشة، وشهادة عليهم بأنه ليس فيهم رجل له مُسْكة ولا فيه خير، بل الجميع سفهاء، فجرة أقوياء، كفرة أغبياء.

وكان هذا من جملة ما أراد الملائكة أن يسمعوه منه من قبل أن يسألوه عنه.

فقال قومه – عليهم لعنة الله الحميد المجيد – مجيبين لنبيهم فيما أمرهم به من الأمر السديد: ﴿لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ﴾ [هود: 79] يقولون – عليهم لعائن الله -: لقد علمت يا لوط أنه لا أرَب لنا في نسائك، وإنك لتعلم مرادنا وغرضنا.

واجهوا بهذا الكلام القبيح رسولهم الكريم، ولم يخافوا سطوة العظيم، ذي العذاب الأليم» [قصص الأنبياء لابن كثير].

 الوقفة الخامسة: ﴿إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ﴾؟

يا بُني: ها هي الملائكة تُطَمئِن لوطًا - عليه السلام - وهو قد بلغ من الضيق كل مبلغ في هذا اليوم العصيب الذي قد عظم بلاؤُه، بأنهم رُسل الله وأن قومه لن يصلوا إليه بمكروه ﴿قَالُوا يلُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ﴾ [هود: 81].

فعند ذلك اطمأنت نفس لوط - عليه السلام - وذهب عنه الضيق. وقام جبريل - عليه السلام - (كما ذكر المفسرون) فضرب وجوههم بطرف جناحه فطُمسَت أعينهم. قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ * وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ﴾ [القمر: 37، 38].

 الوقفة السادسة: ﴿فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا﴾

يا بُني: ها هي اللحظات الأخيرة في حياة القوم قد أزفت وها هي عواقب فعلهم قد حلَّت بهم.

فما هي إلا ثوانٍ حتى قَلَبَ الله عليهم قراهم وأمطرهم بحجارة، فهلكوا عن بكرة أبيهم.

قال تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ﴾ [هود: 82، 83].

وقال تعالى: ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ * فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ﴾ [الحجر].

وقال تعالى: ﴿فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ * ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ * وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [الشعراء: 170-174].

وقال تعالى: ﴿فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ * وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ﴾ [الأعراف: 83، 84].

وقال تعالى: ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ * إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ * نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ * وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ * وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ﴾ [القمر: 33-37].

قال مجاهد رحمه الله: «ونزل جبريل - عليه السلام - فأدخل جناحه تحت مدائن قوم لوط، فرفعها حتى سمع أهل السماء نباح الكلاب، وأصوات الدجاج والديكة، ثم قلبها فجعل أعلاها أسفلها، ثم أُتبعوا بالحجارة».

 الوقفة السابعة ﴿فَاعْتَبِرُوا يأُولِي الْأَبْصَارِ﴾

يا بُني: إن ديار قوم لوط – سدوم – وبُحيرتهم ستبقى عبرة للمعتبرين وموعظة للظالمين. قال تعالى: ﴿فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ * وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [الحجر: 74-77].

قال ابن كثير رحمه الله في تفسير قوله تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ﴾ أي: إنَّ آثار هذه النقم ظاهرة على تلك البلاد، لمَن تأمَّل ذلك وتوسَّمه بعين بصره وبصيرته. وقوله: ﴿وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ﴾ أي: وإن قرية سدوم التي أصابها ما أصابها من القلب الصوري والمعنوي والقذف بالحجارة، حتى صارت بحيرة منتنة خبيثة لبطريق مَهْيَع، سالكة مستمرة إلى اليوم وقوله: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ أي: إن الذي صنعنا بقوم لوط من الهلاك والدمار وإنجائنا لوطًا وأهله، لدلالةٌ واضحةٌ جليلةٌ للمؤمنين بالله ورسوله» [تفسير ابن كثير].

يا بُني: إن الله أرسل عليهم ﴿حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ﴾ [هود: 82، 83]، وجعل الله مكانها بحيرة خبيثة منتنة، وجعلها عبرة إلى يوم التناد، وهم من أشد الناس عذابًا يوم المعاد» [تفسير ابن كثير].

يا بُني: إن الله «أهلكهم بأنواع من العقوبات، وجعل محلَّتهم من الأرض بحيرة منتنة قبيحة المنظر والطعم والريح وجعلها بسبيل مقيم يمرُّ بها المسافرون ليلاً ونهارًا» [تفسير ابن كثير].

قال تعالى: ﴿وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ * وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ [الصافات: 137، 138].

وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [العنكبوت: 35].

يا بُني: إن الله قد تركها «عبرة لمن خاف عذاب الآخرة، وخشي الرحمن بالغيب، وخاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى، فانزجر عن محارم الله وترك معاصيه، وخاف أن يشابه قوم لوط، ومَّن تشبَّه بقوم فهو منهم، وإن لم يكن من كل وجهه، فمن بعض الوجوه» [قصص الأنبياء لابن كثير].

قال تعالى: ﴿فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ * وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ﴾ [الذاريات].

فصدق الله يا بني إذ قال: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا﴾ [محمد: 10].

 الوقفة الثامنة: ﴿وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ﴾

يا بُني: كتب خالد بن الوليد - رضي الله عنه - إلى أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -: أنه وجد في بعض ضواحي العرب رجلاً يُنكح كما تُنكح المرأة، وقامت عليه بذلك البيّنة، فاستشار أبو بكر - رضي الله عنه - في ذلك أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكان أشدهم في ذلك علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، قال: «إن هذا ذنبٌ لم تعص به أمةٌ من الأمم إلا أمةً واحدةً صنع الله تعالى بها ما علمتم، أرى أن نحرقه بالنار».

فكتب أبو بكر - رضي الله عنه - إلى خالد بن الوليد - رضي الله عنه -: تحرقه بالنار، ثم حرقهم ابن الزبير – رضي الله عنهما – في زمانه بالنار، ثم حرقهم هشام بن عبد الملك، ثم حرقهم خالد القسري بالعراق [روضة المحبين لابن القيم].

وقد قال المصطفى - صلى الله عليه وسلم -: «من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به» [رواه أبو داود].

وقال إبراهيم النخعي رحمه الله: «لو كان أحدٌ ينبغي له أن يُرجم مرتين لكان ينبغي للوطي أن يرجم مرتين».

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله «لم يختلف الصحابة في قتله، ولكن تنوعوا فيه، فروي عن الصديق - رضي الله عنه - أنه أمر بتحريقه، وعن غيره بقتله، وعن بعضهم أنه يُلقى عليه جدار حتى يموت تحت الهدم.

وقيل: يُحبس في أنتن موضع حتى يموت.

وعن بعضهم: أنه يُرفع إلى أعلى جدار في القرية، ويرمى منه، ويتبع بالحجارة، كما فعل الله بقوم لوط، وهذه رواية عن ابن عباس رضي الله عنهما.

والرواية الأخرى قال: يرجم، وعلى هذا أكثر السلف.

قالوا: «لأن الله تعالى رجم قوم لوط، وشرع رجم الزاني تشبيهًا برجم قوم لوط، فيرجم الاثنان، سواء كانا حرين، أو مملوكين، أو كان أحدهما مملوكًا، والآخر حرًّا، إذا كانا بالغين، فإن كان أحدهما غير بالغ عوقب بما دون القتل، ولا يُرجم إلا البالغ» [فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية]. ويقول الإمام الشوكاني رحمه الله: «وما أحق مرتكب هذه الجريمة، ومقارف هذه الرذيلة الذميمة بأن يعاقب عقوبة يصير بها عبرة للمعتبرين، ويعذب تعذيبًا يكسر شهوة الفسقة المتمردين».

فحقيق بمن أتى بفاحشة قوم ما سبقهم بها أحدٌ من العالمين أن يَصْلَى من العقوبة بما يكون في الشدةً والشناعة مشبهًا لعقوبتهم، وقد خسف الله تعالى بهم، واستأصل بذلك العذاب بِكرهم وثيبهم. وليس هناك من طريق أجدى، ولا أنفع من تنفيذ الإعدام حرقًا، أو هدمًا، أو رجمًا، أو إلقاء من شاهق جبلٍ، ليكون عبرة للمعتبرين، وفي ذلك تطبيق لهدي النبوة» [نيل الأوطار].

 الوقفة التاسعة: القصة لم تنتهي

نعم يا بني القصة لم تنتهي بعد!

فهذه دول الكفر شرقًا وغربًا – مع ما وصلوا إليه من الحضارة والعلم الظاهري الدنيوي – قد أقروا اللواط في مجتمعاتهم وأعلنوا به، وقد أقرُّوا زواج الذكر من الذكر.

يقول جوب كوهين رئيس بلدية أمستردام في خطاب أمام حفل زواج جماعي للشذوذ الجنسي في هولندا: «أنكم تكتبون تاريخًا. إنه أمر فريد في العالم أن يحدث زواج مدني بين رجلين» [مجلة الأسرة العدد (95)].

فيا بُني: إنهم قد أعادوا للأذهان قصة سدوم وما كانوا يفعلون من المنكرات والفواحش، وها هم قد أعلنوا بها دون خجل أو حياء. ففي الولايات المتحدة ثمانية عشر مليونًا من أهل الشذوذ، وصدق الرسول - صلى الله عليه وسلم - إذ قال: «لم تظهر الفاحشة في قوم حتى يعلنوا بها، إلاَّ فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا» [السلسلة الصحيحة (106)].

وها هي الطواعين والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم قد أصابت أجسامهم وحصدت أرواحهم.

فمن هذه الأوجاع والأمراض:

1- السيلان.    2- الزهري.  3- الهربس.

4- الإيدز: وهو الطامة الكبري الذي أرعب الغرب وجعلهم في حيرة.

5- القلق والأمراض النفسية: وهي أعظم هذه الأمراض جميعًا، وأشدها وطأة عليهم، ولذلك كثُر في مجتمعاتهم الانتحار والمصحَّات النفسية.

 الوقفة العاشرة: نافخ الكير

يا بُني: إن أهم أسباب اللواط، جليس السوء الذي وصفه الرسول - صلى الله عليه وسلم - بنافخ الكير، فقال: «مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحًا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحًا خبيثة» [متفق عليه].

ذلك الصاحب الذي يُريد حرق ثياب التقوى فيتعرى الدين والعرض، فتراه يُزين هذه الفاحشة بشتى الطرق: عن طريق الكلام عنها أو مشاهدة الأفلام القبيحة أو الصور الخليعة.

فيا بُني: احذر من هؤلاء الذئاب المسعورة، وكن حريصًا على شرفك ورجولتك.

يا بُني: لا تقرب منهم، فإنهم قد يتنازلون لك عن بعض التجاوزات ضدهم ولكن مقابل أخذ أشياء منك أغلى من الذي أخذت منهم.

يا بُني: لا تركب معهم في سيارةٍ أبدًا، حتى ولو سرتَ على الأقدام مسافات طويلة، فالسير على الأقدام أشرف لك من الركوب مع هذا الذئب الذي في صورة إنسان.

يا بُني: لا تنخدع بمدحهم لك، ولا بضحكهم إذا ألقيت عليهم طرفة، فإنهم يُريدون أن تأنس بهم وبكلامهم فيصيرون قريبون إلى قلبك.

يا بُني: لا تتردد ولا تخجل عن ردعهم – عن طريق ولي أمرك أو مدير المدرسة – إذا أحسست أنهم قد تجاوزوا حدود الأدب معك، سواء بكلام أو فعل، فإنهم يجسون نبضك بشيء من ذلك.

يا بُني: إن أصحاب السوء مع تزيينهم للمعاصي لك، فإنهم قد يصدونك عن دينك وإخراجك منه. والشاهد قوله تعالى: ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يلَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يوَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا﴾ [الفرقان: 27-29].

وأخيرًا: أسأل الله – سبحانه وتعالى – بأن يحميك من هذا الطريق المشين، وأن يُحلِّيك بحلية التقوى والدين.

والله أعلم وأحكم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.