×
أقبح عيب للمعاصي، أن العاصي معاند لربه سبحانه.. متمرد على طاعته! وهذا الكتيب يبين ماهية المعاصي وأقسامها، مع بيان وجوب تركها، وفضل الصبر على ذلك، ثم بيان عقوبة العاصي، وأثار المعاصي.

 نيران المعاصي

أزهري أحمد محمود

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله تعالى ولي المهتدين. وناصر الصادقين والصلاة والسلام على أسوة المتقين، وسراج المؤمنين، وعلى آله وصحبه أئمة الدين وبعد: هذه وقفات مع ذلك الداء الذي انتشر في كل مكان، وأصبح نارًا مستطيرًا يتطاير شررها في كل ناحية، والخلق غافلون عن شررها وشرورها؛ حتى تمكن من النفوس وسيطر على القلوب؛ فشغلت العباد عن الطاعات.. وانحرفت بهم عن طريق الصالحات.. فالله نرجو ونسأل أن يأخذ بقلوبنا وقلوب المسلمين إلى الهداية إلى دينه القويم.. وصراطه المستقيم.


 المعاصي وأقسامها

إن خطر المعاصي وشرورها العظيمة لا يجهله عاقل، وهي من الأمور التي اتفقت عليها الشرائع والمعاصي وإن اختلفت أقسامها وأنواعها، فيجمعها أنها كل شر، وإن تفاوتت درجات هذا الشر..

وأعظم ما في الذنوب من الشرور أنها سبب لسخط الله وغضبه، وكلما كان العبد قريبًا من المعاصي كان بعده من الله تعالى أكثر، وكلما كان بعيدًا عن المعاصي كان قربه من الله تعالى أكثر. ولذلك كانت الطاعة محبوبة إلى الله.. ومن أجل هذه المعاني كانت المعاصي شرًا يجب الحذر منه..

ولذلك كان السلف رضي الله عنهم يستعظمون الذنب وإن قل.

قال أنس بن مالك رضي الله عنه: إنكم لتعملون أعمالا هي أدق في أعينكم من الشعر إن كنا لنعدها على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - من المُوبقات ([1]) .

وقال بلال بن سعيد رحمه الله: «لا تنظر في صغر الخطيئة ولكن انظر من عصيت؟!».

وهذا كهمس بن الحسن رحمه الله يقول: «أذنبت ذنبًا وأنا أبكي عليه منذ أربعين سنة!».

قيل: ما هو يا عبد الله؟

قال: «زارني أخي لي فاشتريت له سمكًا فأكل ثم قمت إلى حائط جاري فأخذت منه قطعة طين فغسلت بها يدي»!!

هكذا كان الصالحون يحاسبون أنفسهم ولا يستحقرون الذنب وإن قل؛ لأنهم وقر في نفوسهم جلال الله تعالى؛ ومن كان هذا حاله عظم الذنب عنده.

أخي المسلم: وإليك أقسام  المعاصي كما قسمها.

الإمام ابن القيم رحمه الله:

أولاً: أصول المعاصي نوعان:

(1) ترك المأمور                    (2) فعل المحظور.

ثانيًا: وينقسم ذلك إلى أربعة أقسام:

أولا: الذنوب الملكية:

وهي أن يتعاطى ما لا يصلح له من صفات الربوبية كالعظمة والكبرياء والجبروت والقهر والعلو واستعباد الخلق ونحو ذلك.

ثانيًا: الذنوب الشيطانية:

وهي التشبه بالشيطان في الحسد والبغي والغش والغل والخداع والمكر والأمر بمعاصي الله وتحسينها والنهي عن طاعته والابتداع في دينه والدعوة إلى البدع والضلال.

ثالثًا: الذنوب السبعية:

وهي ذنوب العدوان والغضب وسفك الدماء والتوثب على الضعفاء والعاجزين.

رابعًا: الذنوب البهيمية:

وهي مثل الشره والحرص على قضاء شهوة البطن والفرج، ومنها يتولد الزنا والسرقة وأكل أموال اليتامى والبخل والشح والجبن والهلع والجزع وغير ذلك.

ثانيًا: وتنقسم المعاصي أيضًا إلى كبائر وصغائر:

قال ابن القيم: «وقد دل القرآن والسنة وإجماع الصحابة والتابعين بعدهم، والأئمة على أن من الذنوب كبائر وصغائر».

خل الذنوب كبيرها

وصغيرها فهو التقى

واصنع كماش فوق

أرض الشوك يحذر ما يرى

لا تحقرن صغيرة

إن الجبال من الحصى

 وجوب ترك المعاصي

أخي المسلم: لما كانت المعاصي كلها شر وجب على المسلم المتلمس لطرق النجاة في الدنيا والآخرة أن يبادر إلى تركها، إذ أن ذلك من علامة الإيمان الصادق.

فلا تقربن أدغال المعاصي والذنوب. وانج بنفسك منها إلى علام الغيوب.. فإن ربك تعالى لشديد الغيرة أن تأخذك المعاصي..فترمى بك في أودية المهالك والمخازي.

قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا أحد أغير من الله ولذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، ولا أحد أحب إليه المدح من الله تعالى»([2]) .

وتارك المعاصي هو المؤمن الحقيقي الذي صدق فعله قوله، فكان مترجمًا لذلك الإيمان.

قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه، ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه»([3]) .

فترك المعاصي من الأمور الواجبة على العبد.

قال محمد بن كعب القرظي رحمه الله: «ما عُبد الله بشيء قط أحب إليه من ترك المعاصي».

وقال سهل بن عبد الله رحمه الله: «أعمال يعملها البر والفاجر ولا يتجنب المعاصي إلا صديق».

وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: «إن أفضل العبادة أداء الفرائض واجتناب المحارم».

وكان يزيد الرقاشي رحمه الله يقول: «يا معشر الشيوخ الذين لم يتركوا الذنوب حتى تركتهم فيا ليتهم إذا ضعفوا عنها لا يتمنوا أن تعود لهم القوة عليها حتى يعملوا بها».

وقال بعض العلماء: «كلّ سفلة يعمل بالطاعة ولكن الكريم من يترك المعصية».

وصدق الحسن البصري رحمه الله عندما قال: «يا ابن آدم ترك الخطيئة أيسر من طلب التوبة»!

أخي المسلم: ترك المعاصي واجب يلازم العبد في أوقاته كلها فهو مطالب دائمًا بجهاد النفس والشيطان، وهي رحلة لا تنقطع.. وإذا غفل العبد عن ذلك دعته النفس الأمارة بالسوء إلى فعل المنكرات، فيجد الغافل نفسه غارقًا في المعاصي!

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «ويحتاج المسلم في ذلك إلى أن يخاف الله وينهي النفس عن الهوى، ونفس الهوى والشهوة لا يعاقب عليه؛ بل على اتباعه، والعمل به؛ فإذا كانت النفس تهوى وهو ينهاها كان نهيه عبادة الله وعملا صالحا وثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «المجاهد من جاهد نفسه في ذات الله» فيؤمر بجهاده كما يؤمر بجهاد من يأمر بالمعاصي، ويدعو إليها وهو إلى جهاد نفسه أحوج، فإن هذا فرض عين وذاك فرض كفاية، والصبر في هذا من أفضل الأعمال، فإن هذا الجهاد حقيقة، فمن صبر عليه صبر على ذلك الجهاد كما قال: «والمهاجر من هجر السيئات».

ولترك المعاصي ثمار طيبة يجدها أهل الطاعات.. ويجدون حلاوتها..

قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: «ولو أن شخصًا ترك معصية لأجل الله تعالى لرأى ثمرة ذلك وكذلك إذا فعل طاعة».

وفي هذا المعنى يقول الإمام ابن القيم: وهو يقف عند قوله تعالى: ﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ﴾ [الانفطار: 13، 14]. يقول: «ولا تظن أن قوله تعالى: ﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ﴾ مختص بيوم المعاد فقط؛ بل هؤلاء في نعيم في دورهم الثلاثة، وهؤلاء في جحيم في دورهم الثلاثة، وأي لذة ونعيم في الدنيا أطيب من بر القلب، وسلامة الصدر، ومعرفة الرب تعالى، ومحبته والعمل على موافقته، وهل العيش في الحقيقة إلا عيش القلب السليم؟».

 عظم المعاصي

أخي المسلم: إن أقبح ما في المعاصي؛ أن فيها مبارزة لله تعالى بالقبيح من القول والفعل، والعاصي في ذلك متمرد على ربه تبارك وتعالى.. وقد نسي العاصي مع سكرة المعصية؛ أنه عاص لملك الملوك.. الذي لا يعجزه شيء في السماوات ولا في الأرض!

ولو علم هذا الغافل عظم المعصية لأدرك أنه على خطر جسيم. وقد مرت معك كلمة بلال بن سعيد: «لا تنظر في صغر الخطيئة ولكن انظر من عصيت!».

وقدر لو أنك  عصيت ملكًا من ملوك الدنيا ماذا سيكون جزاؤك؟

بل إن القلوب لتفرغ من بطش السلطان إذا كان قويًا.

فعجبًا لمن خاف بطش العبد الضعيف الذي لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا، ولم يخش بأس الله تعالى وشديد عقابه!!

قال عوام بن حوشب رحمه الله: «أربع بعد الذنب شر من الذنب: الاستصغار والاغترار، والاستبشار والإصرار».

أخي المسلم: كثير من الناس استهانوا بالمعاصي التي يفعلونها؛ فكان سبب هلاكهم!

فإن اجتماع الذنب على الذنب شر عظيم، ومع التهاون يكون الشر أعظم.

وأعجب لرجل لا يحذر ولا يلتفت إلى تراكم الذنوب عليه، ولكنه إذا تراكم عليه شيء من ديون الخلق؛ جزع لذلك وتضايق؛ وتجده عالمًا وعارفًا بما عليه من الدين.

حقًا! ما أسوأ حال العبد إذا كان ضعيف البصيرة.. جاهلاً بما يصلحه في دنياه وآخرته! وإليك هذا المثل الذي ضربه لنا النبي - صلى الله عليه وسلم - في خطورة التهاون بالمعاصي.

قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إياكم ومحقرات الذنوب؛ فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه!» وضرب لهن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثلا «كمثل قوم نزلوا أرض فلاة، فحضر صنيع القوم؛ فجعل الرجل ينطلق فيجيء بالعود والرجل يجيء بالعود حتى جمعوا سوادًا وأججوا نارًا فأنضجوا ما جمعوا فيها»([4]).

وإن أخطر ما في التهاون بالمعاصي أن ذلك يدفع إلى الاستكثار منها، وزيادتها حتى يجد العاصي نفسه غارقًا في بحور المعاصي..

قال الفضيل بن عياض رحمه الله: «بقدر ما يصغر الذنب عندك يعظم عند الله! وبقدر ما يعظم عندك يصغر عند الله».

أخي المسلم: إن المؤمن الحريص على ما ينفعه هو الذي يتفقد نفسه في صباحها ومسائها ويحاسبها على هفواتها؛ حتى لا تزداد من الشر.

فإن الغفلة، وتسويف التوبة؛ من أسباب الخذلان والسخط. والذي يألف المعصية يشق عليه فراقها، لأنها تملكته، وأصبحت جزءًا منه؛ فهو دائمًا في طلب الزيادة منها، وإن لم تتداركه رحمة الله تعالى؛ أخذه الموت بغتة قبل أن يتوب!

وقيل لبعض الحكماء: من أشد الناس اغترارًا؟!

فقال: أشدهم تهاونًا بالذنب!

فقيل له: علام تبكي؟!

فقال: على ساعات الذنوب!

قيل: علام تأسف؟!

قال: على ساعات الغفلة!

ولقد كان صلحاء هذه الأمة يحذرون المعاصي، ويخافون على أنفسهم من شرورها ويستعظمونها؛ وإن صغرت في أعين الناس..

قال أنس بن مالك رضي الله عنه: «إنكم لتعملون أعمالا هي أدق في أعينكم من الشعر، إن كنا لنعدها على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - الموبقات!» ([5]) .

وسئل حذيفة رضي الله عنه: في يوم واحد تركت بنو إسرائيل دينهم؟

قال: «لا، ولكنهم كانوا إذا أُمروا بشيء تركوه، وإذا نُهوا عن شيء ركبوه، حتى انسلخوا من دينهم كما ينسلخ الرجل من قميصه!».

 فضل الصبر عن المعاصي

أخي المسلم: إن الصبر عن المعاصي من أرفع درجات الصبر، وهي درجة عالية.

والنفس دائمًا ترغب في هواها فمن استطاع عصيانها، وصبر على مطالبها، فقد ارتفع بلا شك إلى تلك الدرجات العالية.

قال ميمون بن مهران رحمه الله: «الصبر صبران: الصبر على المصيبة حسن، وأفضل من ذلك الصبر عن المعاصي». والصابر عن المعاصي نهايته إلى فلاح ونجاح، ويجد أثر ذلك في الدنيا قبل يوم القيامة، وفي يوم القيامة سيكون جزاؤه الجنة قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران: 200].

قال الإمام ابن الجوزي: «ولو أن شخصًا ترك معصية لأجل الله تعالى لرأى ثمرة ذلك، وكذلك إذا فعل طاعة».

وقال سفيان الثوري رحمه الله: «عند الصباح يحمد القوم السُّرى، وعند الممات يحمد القوم التقي».

وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: «ذُكر للصبر عن المعصية سببين وفائدتين: أما السببان فالخوف من لحوق الوعيد المرتب عليها، والثاني الحياء من الرب تبارك وتعالى؛ أن يستعان على معاصيه بنعمه، وأن يبارز بالعظائم، وأما الفائدتان: فالإبقاء على الإيمان، والحذر من الحرام».

فيا راكب الذنب هل تفكرت في عواقبه؟

وهلا علمت حسراته؟! فإن لذة المعصية تذهب كوميض البرق، ولكن تبقى مرارتها جاثمة جثوم الصخرة!

وإن امرءًا باع جنة عرضها السماوات والأرض بلذة ساعة لحري أن تطول حسرته!!

يحكون أن امرأة راودت رجلا فقال لها: «إن رجلا يبيع جنة عرضها السماوات والأرض بفتر ما بين رجليك لعديم البصر بالمساحة!».

وعن عبد الرحمن بن محمد القاري رحمه الله قال جلس إلي يومًا زيادة مولى ابن عباس، فقال لي: يا عبد الله.

قلت: ما تشاء.

قال: ما هي إلا الجنة والنار؟!

قلت: لا والله ما هي إلا الجنة والنار!

قال: ما بينهما منزل ينزله العباد؟!

فقلت: ما بينهما منزل ينزله العباد.

قال: «فوالله لنفسي نفس أضن بها عن النار، وللصبر اليوم عن معاصي الله خير من الصبر على الأغلال في نار جهنم».

إن أفضل ما في الصبر عن المعاصي من الآثار التي يجدها الصابر في الدنيا قبل يوم القيامة أن يجد لذة الإيمان وحلاوته في قلبه؛ فيزكو القلب ويطهر، وإذا طهر القلب ففي ذلك صلاح العبد في أمره كله..

قال - صلى الله عليه وسلم -: «ثلاث من كُنَّ فيه وجد حلاوة الإيمان، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا الله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يُقذف في النار»([6]) .

قال شيخ الإٍسلام ابن تيمية: «وكذلك ترك الفواحش يزكو بها القلب، وكذلك ترك المعاصي؛ فإنها بمنزلة الأخلاط الرديئة في البدن ومثل الدغل في الزرع».

ويحكى مسمع بن عاصم عن عبد الواحد بن زيد رحمهما الله تعالى، قال: قال لي عبد الواحد بن زيد: من نوى الصبر على طاعة الله صبره الله عليها، وقواه لها، ومن عزم  على الصبر عن معاصي الله أعانه الله على ذلك، وعصمه عنها.

قال: وقال لي: يا سيار أتُراك تصبر لمحبته عن هواك فيخيب صبرك؟ لقد أساء بسيده الظن .

قال: ثم بكى عبد الواحد حتى خفت أن يغشى عليه.

ثم قال: بأبي أنت يا مسمع، نعمه رائحة وغادية على أهل معصيته فكيف ييأس من رحمته أهل محبته؟

أخي المسلم: هكذا كان الصالحون يحاسبون أنفسهم ويجاهدونها دائمًا على ترك المعاصي. وإن المسلم الذي نظر في مصلحته حقًا هو ذلك الذي هجر المعاصي وصبر عنها، وعكف على فعل الصالحات.

 من كلام العلماء في المعاصي

أخي المسلم: هذه نماذج واختيارات من كلام العلماء الربانيين يكشفون لك طريق المعاصي. ويصفون لك أضرارها الخطيرة.. وأهل العلم العاملين هم الأطباء لعلل القلوب وآفاتها، وكلامهم في ذلك كلام عالم بما يتكلم فيه.

فتدبر كلامهم تدبر طالب للهداية.. وستجد فيه وصفًا دقيقًا لداء المعاصي..

من كلام أبي الدرداء رضي الله عنه:

قال رضي الله عنه: (اعبدوا الله عز وجل كأنكم ترونه، وعدوا أنفسكم من الموتى، واعلموا أن قليلا يغنيكم خير من كثير يلهيكم، واعلموا أن البر لا يبلى، وأن الإثم لا ينسى!).

وفي هذا دعوة إلى عمل الصالحات، وإخلاص العبادة له سبحانه وتعالى، وعدم الاغترار بالدنيا وزهرتها الفانية، وأن الكل سيلقى جزاء عمله إن شرًا أو خيرًا.

من كلام ابن عباس: رضي الله عنهما:

سئل ابن عباس: عن رجل كثير الذنوب كثير العمل، أعجب إليك أم رجل قليل الذنوب.

قليل العمل؟ قال: «ما  أعدل بالسلامة شيئًا». يعني قليل الذنوب أعجب إلي. وهذا من فقهه رضي الله عنه؛ وهو يشير لك إلى ضرر المعاصي العظيم، وإن كان صاحبها ممن يكثرون أيضًا من العمل الصالح، ولا شك أن من سلم من ذلك كان أحسن حالا.

من كلام عمر بن عبد العزيز رحمه الله: رأى عمر بن العزيز غرابًا طار من سرادق سليمان بن عبد الملك، وفي منقاره كسرة.

فقال عمر لسليمان: هذا غراب طار من سرادقاتك في منقاره كسرة أنت بها مأخوذ وعنها مسئول، من أين دخلت؟ ومن أين خرجت؟

فقال سليمان: إنك لتخبرنا بالعجائب!

قال: أفلا أخبرك بأعجب من هذا؟

قال: بلى.

قال: من عرف الله كيف عصاه؟ ومن عرف الشيطان كيف أطاعه؟ ومن أيقن بالموت كيف يهنيه العيش؟!

قال: لقد غثثت علينا ما نحن فيه، ثم ضرب فرسه وسار.

ومن كلام أبي سليمان الداراني رحمه الله:

قال رحمه الله: «من صفى صُفي له، ومن كدر كُدر عليه، ومن أحسن في ليله كُوفئ في نهاره، ومن أحسن في نهاره كُوفئ في ليله».

وهو تنبيه للغافلين إلى أن الجزاء من جنس العمل، فعلى المسلم أن يطهر أعماله من شوائب المعاصي حتى ينال ثواب أعماله صافية من العقاب.

من كلام محمد بن محيريز رحمه الله:

قال رحمه الله: «إن استطعت أن لا تسيء إلى من تحبه فافعل».

قيل له: وهل يسيء أحد إلى من يحبه؟

قال: «نفسك أحب الأنفس وأعزها إليك، فإذا عصيت فقد أسأت إليها!».

وهذا من الفقه الدقيق الذي لا يفطن إليه إلا أمثال هؤلاء العلماء الربانيين.. أطباء القلوب .. والعالمون بأمراضها.

من كلام أبي القاسم الحكيم رحمه الله:

سئل رحمه الله: «هل من ذنب ينزع الإيمان من العبد؟"».

قال: نعم ثلاثة من الذنوب تنزع الإيمان من العبد، أولها: أن لا يشكر الله على ما أكرمه به من الإيمان. والثاني: أن لا يخاف موت الإيمان عنه، والثالث: أن يظلم أهل الإسلام.

مختارات من كلام الحكماء:

قال عبد الواحد بن زيد: رحمه الله: قال لي عابد من أهل الشام: «أما والله يا أبا عبيدة ليعلمن الصابرون غدًا أن موئل الصبر موئل كريم، هنئ غير مردي، وليعلمن أهل الاستخفاف بمعاصي الله، أن ذلك كائن عليهم وبالاً ولبئس سبيل الخائف الغرة، وترك الحذر، والاحتراس مما يخاف» وبكى.

وقال بعضهم: «أبخل الناس من بخل على نفسه بما فيه سعادة، وأظلم الناس من ظلم نفسه بمعصية  الله تعالى! لأن من عمل المعصية فقد أهلك نفسه».

وقال بعض الحكماء: «هب أن المسيء قد غُفر له، أليس قد فاته ثواب المحسنين؟!».

من كلام يزيد الرقاشي: رحمه الله:

قال رحمه الله في قوله تعالى: ﴿وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾.

﴿وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ﴾ قال: الحق: كتاب الله.

﴿وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ قال: الصبر: طاعة الله.


 عقوبة المعاصي

يا أيها الغافل! الغارق في المعاصي! هل علمت أن للمعاصي عقوبات تحل بأهلها في الدنيا والآخرة؟

إن نيران المعاصي إذا اشتعلت أحرقت كل شيء! ونيران المعاصي لا تطفئها إلا التوبة النصوح؛ التي يخلص العبد فيها الرجوع إلى الله تعالى فيا من أوبقتك المعاصي! انج بنفسك من عقوباتها قبل أن تنزل بك.

قال الله تعالى: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [الروم: 41].

وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي هم أعز منهم وأمنع لا يغيرون إلا عمهم الله بعقاب»([7]) .

وقال - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله عز وجل يملي للظالم، فإذا أخذه لم يُفلته» ثم قرأ  ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾ ([8]) .

قال الإمام ابن القيم: «وكثير من الجهال اعتمدوا على رحمة الله وعفوه وكرمه وضيعوا أمره ونهيه، ونسوا أنه شديد العقاب، وأنه لا يُرد بأسه عن القوم المجرمين، ومن اعتمد على العفو مع الإصرار على الذنب فهو كالمعاند».

أخي المسلم: على العاقل أن يحذر من عقوبة المعاصي؛ ولا يغتر بالتأخير؛ فإن الله تعالى لا تضره معصية العاصي، كما أنه تعالى لا يفوته العاصي؛ لذلك فإنه تعالى يؤخر العقوبة، ولكن متى نزلت فلا نجاة للعاصي!

كتب عمر بن عبد العزيز رحمه الله إلى بعضهم:

«أما بعد:

فلا تغتر يا عبد الحميد بتأخير عقوبة الله تعالى عنك، وإنما يعجل من يخاف الفوت.

والسلام».

فإن الغافل حقًا! هو الذي يغفل عن عقوبات المعاصي وجزائها النازل.

وكم من عاص لا يهمه عاقبة الذنب!

وكم من عاص نسي عواقب الذنوب الوخيمة!

قال ابن عباس رضي الله عنهما:«يا صاحب الذنب لا تأمن سوء عاقبته، ولما يتبع الذنب أعظم من الذنب إذا عملته: قلة حيائك ممن على اليمين وعلى الشمال وأنت على الذنب أعظم من الذنب!» وضحك وأنت لا تدري ما الله صانع بك أعظم من الذنب! وفرحك بالذنب إذا ظفرت به أعظم من الذنب! وحزنك على الذنب إذا فاتك أعظم من الذنب! وخوفك من الريح إذا حركت ستر بابك، وأنت على الذنب، ولا يضطرب فؤادك من نظر الله عليك أعظم من الذنب!

فيا من أسرفت في المعاصي لا تظنن أن الله غافل عنك! ويا من أسرفت في المعاصي تذكر غضب الله وسخطه!

أخي المسلم: عقوبات المعاصي متعددة الأنواع؛ فالضنك والضيق بأنواعه، قد يكون من عقوبات المعاصي.. بل إن المعصية بعد المعصية من عقوبات المعاصي، وتسويف التوبة من عقوبات المعاصي.

قال بعض الحكماء: المعصية بعد المعصية عقاب المعصية، والحسنة بعد الحسنة ثواب الحسنة.

قال الإمام ابن الجوزي: «وربما رأى العاصي سلامة بدنه وماله، فظن أن لا عقوبة وغفلته عما عوقب به عقوبة، وربما كان العقاب العاجل معنويًا كما قال بعض أحبار بني إسرائيل: يا رب كم أعصيك ولا تعاقبني ! فقيل له: كم أعاقبك وأنت لا تدري، أليس قد حرمتك حلاوة مناجاتي؟!».

أخي المسلم: لقد كان الصالحون من هذه الأمة يحاسبون أنفسهم حساب المؤمنين الصادقين، ولا يدعون حدث يمر عليهم دون أن يفكروا في أسبابه، فإذا نزل بأحدهم شيء ينكره رجع إلى نفسه فحاسبها، وهم الصالحون حقًا.. والعاملون بطاعة الله تعالى في ليلهم ونهارهم.

قال الفضيل بن عياض رحمه الله: «إني لأعصي الله عز وجل فأعرف ذلك في خُلُق دابتي وجاريتي».

وجاء عن أبي عثمان النيسابوري رحمه الله: أنه انقطع شسع نعله في مضيه إلى الجمعة، فتعوق لإصلاحه ساعة، ثم قال: «ما انقطع إلا لأني ما اغتسلت غسل الجمعة!».

يقول الإمام ابن الجوزي «من تأمل  عواقب المعاصي، رآها قبيحة، ولقد تفكرت في أقوام أعرفهم، يقرون بالزنا وغيره، فأرى تعثرهم في الدنيا مع جلادتهم ما لا يقف عند حد، وكأنهم ألبسوا ظلمة؛ فالقلوب تنفر عنهم؛ فإن اتسع لهم شيء؛ فأكثره من مال الغير، وإن ضاق بهم أمر؛ أخذوا يتسخطون على القدر هذا وقد شغلوا بهذه الأوساخ  عن ذكر الآخرة، ثم عكست فتفكرت في أقوام صابروا الهوى، وتركوا ما لا يحل، فمنهم من قد أينعت له ثمرات الدنيا، من قوت مستلذ ومهاد مستطاب وعيش لذيذ وجاه عريض؛ فإن ضاق بهم أمر وسعه الصبر، وطيبه الرضى ففهمت بالحال معنى قوله تعالى: ﴿إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [يوسف: 90]».

 آثار المعاصي

أخي المسلم: آثار المعاصي شر مستطير.. ونار تأتي على الصغير والكبير.. وهي شرور تلحق بالخلق في الدنيا والآخرة.

قال الإمام ابن القيم: «فمما ينبغي أن يعلم أن الذنوب والمعاصي تضر ولا بد، وأن ضررها في القلب كضرر السموم في الأبدان، على اختلاف درجاتها في الضرر، وهل في الدنيا والآخرة شر وداء إلا سببه الذنوب والمعاصي؟!».

أخي المسلم: إذا تأملت أخبار الأمم السابقة التي قص الله علينا أخبارهم في القرآن، تجد أن هلاكهم كان بسبب المعاصي.. وتأمل معي في هذا الموقف الذي يعكس لك هذا المعنى.

عن جبير بن نفير رحمه الله قال: لما فُتحت قبرص فُرَّق أهلها؛ فبكى بعضهم إلى بعض، رأيت أبا الدرداء جالسًا وحده يبكي فقلت: يا أبا الدرداء ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله؟!

فقال: «ويحك يا جبير ! ما أهون الخلق على الله عز وجل إذا أضاعوا أمره، بينما هي أمة قاهرة ظاهرة لهم الملك، تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى!».

وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «إذا ظهر الزنا والربا في قرية أذن الله عز وجل بهلاكها».

وقال عبد الرحمن بن سابط رحمه الله: «إنما يُؤذن في هلاك القرى إذا استحلوا أربعًا: إذا نقصوا الميزان، وبخسوا المكيال، وأظهروا الزنا وأكلوا الربا؛ لأنهم إذا أظهروا الزنا أصابهم الوباء، وإذا أنقصوا الميزان وبخسوا المكيال منعوا القطر، وإذا أكلوا الربا جرد فيهم السيف».

أخي المسلم: لقد أخبرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - أن المعاصي ستكون سببًا في ضعف المسلمين وتسلط أعدائهم عليهم.

قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها» فقال، قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟! قال: «بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل! ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن» فقال قائل: يا رسول الله وما الوهَن؟ قال: «حب الدنيا وكراهية الموت»([9]) .

أخي المسلم: إن آثار المعاصي كثيرة، وقد جمع الحديث عنها الإمام ابن القيم رحمه الله، في كتابه النافع، «الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي».

وها هي بعض آثار المعاصي، أسوقها إليك على وجه الإيجاز والاختصار من كتاب ابن القيم السابق.

فمن هذه الآثار:

حرمان العلم: فإن العلم نور يقذفه الله في القلب؛ ولما رأى الإمام مالك نجابة الإمام الشافعي رحمهما الله، قال له: «إني أرى الله قد ألقى على قلبك نورًا فلا تطفئه بظلمة المعصية».

حرمان الرزق بالذنب يصيبه.

وحشة يجدها العاصي في قلبه، وبينه وبين الله تعالى.

تعسر أموره: فلا يتوجه وجهة إلا وانغلقت عليه الأبواب.

ظلمة يجدها العاصي في قلبه، فإن الطاعة نور والمعصية ظلمة.

وهن القلب والبدن.

حرمان الطاعة: فتنقطع بالذنب طاعات كثيرة كل واحدة منها خير له من الدنيا وما فيها !

محق العمر وزوال بركته.

إن المعاصي تزرع أمثالها: فيطول الحال على العاصي حتى يعز عليه مفارقتها.

الصد عن التوبة والعياذ بالله: وهي أعظمها وأقربها إلى هلاك العاصي.

تكرارها يورث القلب إلفها ومحبتها.

إن العاصي وارث لميراث الأمم السابقة، التي أهلكها الله بمعاصيها.

إن العاصي يهون عند ربه، قال تعالى: ﴿وَمَنْ يُهِنِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ﴾ [الحج: 18].

هوان الذنب عند العبد؛ فيعظم الذنب عند الله.

ما يصيب الإنسان والحيوان من شؤمها، فتُحبس الأمطار وتشتد السنين.

إن المعصية تورث الذل قال تعالى: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا﴾ [فاطر: 10].

الطبع على القلوب: فتكون الغفلة!

لعنة الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم -.

حرمان دعوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ودعوة الملائكة، لأن الله أمر نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يستغفر للمؤمنين والمؤمنات.

إنطفاء حرارة الغيرة في القلب!

ذهاب الحياء ووقاره.

ضعف تعظيم الرب سبحانه في القلب.

نسيان الله تعالى لعبده، وتركه لنفسه وشيطانه!

نسيان العبد لنفسه وحظها من الطاعة.

خروجه من دائرة الإحسان.

تسلب صاحبها أسماء المدح والشرف وتكسوه أسماء الذم.

سوء الخاتمة، أعاذنا الله من ذلك.

أخي المسلم: هذه بعض آثار المعاصي في الدنيا؛ وأما في الآخرة؛ فيكفي أن من شرورها وآثارها أن تكون سببًا في دخول النار. أعاذنا الله منها..

 علاج المعاصي

أخي المسلم: لا شك أن لكل داء دواء؛ والمعاصي كغيرها من العلل والأدواء بل إنها أخطر من أمراض البدن العارضة! لأن أمراض الأبدان مهما عظمت، فإن ضررها لا يتجاوز البدن، وأما المعاصي: فإنها أمراض للقلوب، وفي مرض القلوب ذهاب للدين والدنيا.. ومن أراد العلاج فلا بد من الصبر على مرارة الدواء، ومن لم يصبر لمرارة الدواء حرم من العلاج.

وفي علاج المعاصي صلاح للأرض والعباد، كما أن في انتشارها فساد للأرض والعباد..فيا غارقًا في الذنوب عالج نفسك قبل الهلاك! ويا معرضًا عن سبل الطاعات عالج داءك. وإليك وصفات العلماء الربانيين، تجلو بها ما بقلبك من أدواء المعاصي.. يا من أردت العلاج.

 أولاً: الخوف من الله تعالى.

أخي المسلم: تذكر دائمًا أن الله تعالى هو القاهر.. القادر.. شديد العقاب.. الذي لا يعذب عذابه أحد.. وإذا كنت أيها الضعيف لا تطيق بطش مخلوق متجبر؛ فكيف تطيق بطش ملك الملوك؟

كثير من العصاة يقعون في الذنوب ولا يستحضرون خوف الله تعالى، ولو خاف العاصي بأس الله تعالى لأقلع عن الذنب.. فيا أيها العاصي تذكر أنك تبارز الملك المتفرد بالكبرياء !

وقد حذرك الله تعالى شديد انتقامه وبأسه ﴿وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ﴾ [آل عمران: 28].

قال الحسن البصري رحمه الله: «ما خافه إلا مؤمن ولا أمنه إلا منافق».

فيا أيها العاصي خف الله تعالى واهرب من المعاصي إليه؛ فذلك خير لك.

قال الحافظ ابن حجر الهيتمي رحمه الله: واعلم أن أعظم زاجر عن الذنوب هو خوف الله تعالى، وخشية انتقامه وسطوته، وحذر عقابه وغضبه وبطشه ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾.

 ثانيًا: صدق التوجه إلى الله وسؤاله الهداية:

أخي المسلم: على المسلم أن يكون دائم التوجه إلى ربه تعالى وسؤاله من فضله وإحسانه، وهذه أخلاق المؤمنين الصادقين.

ولكن مجرد التوجه لا يكفي إن لم يصحبه صدق وإخلاص، وأن يراعي في ذلك شروط الدعاء المستجاب؛ حتى يثمر دعاؤه عن الإجابة، والعبد في جهاده للنفس والشيطان إن لم يوفقه الله تعالى، فلن يتغلب عليهما..

وفي خطبة النبي - صلى الله عليه وسلم - والتي تسمى (خطبة الحاجة) «من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له»([10]) .

فلتكثر من دعاء الله تعالى في أمرك كله، ولتستعذ بربك تعالى من شر نفسك، ومن شر الشيطان الرجيم. وإذا أخلصت في ذلك فستجد الله تعالى قريبًا منك.

 ثالثًا: مجاهدة النفس وفطمها عن شهواتها:

أخي المسلم: لا تظنن أن نفسك التي بين جنبيك صديق حميم! وإنما هي العدو النازل بين جنبيك تحب دائمًا أن ترتع في هواها وشهواتها. فإن لم تجاهدها لا تزال تدعوك إلى هواها حتى تهلكك !

أيها العاصي! فلتعزم على جهاد نفسك وعصيانها، فإن فعلت ذلك فستجد ربك تعالى مسددًا لك، وهاديًا لك إلى صراطه المستقيم قال الله تعالى:﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [العنكبوت: 69].

قال عبد الواحد بن زيد رحمه الله: «من نوى الصبر على طاعة الله صبره الله عليها، وقواه لها ومن عزم على الصبر عن المعاصي؛ أعانه الله على ذلك وعصمه عنها».

أخي المسلم: جهاد النفس دواء مجرب.. وترياق نافع لسموم المعاصي.. وقد جربه قبلك الصالحون، فأعانهم الله على طاعته. ورفع ذكرهم.

 رابعًا: العزيمة الصادقة على مفارقة المعاصي:

أخي المسلم: عزمك الصادق هو الذي سينسف عروش المعاصي.. وضعفك.. وترددك. وتسويفك للتوبة، هو الذي سيجعل للمعاصي سلطانًا عليك؛ ولا تدري بعدها على أي حال سيُختم لك؟!

سئل بعض العارفين: كيف غلبت نفسك؟

قال: (قمت في صف حربها بسلاح الجد، فخرج مرحب الهوى يدافع فعلاه عليُّ العزم بصارم الحزم، فلم تمض ساعة حتى ملكت خيبر.

ويعني بمرحب: مرحب اليهودي الذي قتله علي ابن أبي طالب رضي الله عنه يوم خيبر.

فشبه الهوى بمرحب اليهودي وشبه العزم بعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقصد من ذلك كله: أن عزمه غلب هواه.

 خامسًا: الإكثار من النوافل والطاعات:

أخي المسلم: الإكثار من النوافل والطاعات؛ عدو لدود للمعاصي؛ لأن الطاعات ضد المعاصي، واجتماع الضدين غير ممكن؛ كما لا يجتمع الماء والنار! والماء هو الطاعات، والنار هي المعاصي..

 سادسًا مجالسة الأخيار:

أخي المسلم: إن مجالسة الأخيار والصالحين من الأدوية النافعة للنجاة من شرور المعاصي. فإن أثر الصحبة والمخالطة على الإنسان مما لا ينكره أحد؛ وقرين السوء كالداء الملازم للبدن! كما أن القرين الصالح كالمرهم الواقي على الجرح، يهديك النصيحة، ويدلك إلى طريق الهداية والسداد.

وأخيرًا: أخي المسلم: تلك كلمات تكشف لك بعض عيوب المعاصي، ولا تنس أن أقبح عيب للمعاصي، أن العاصي معاند لربه سبحانه.. متمرد على طاعته! فتلجعل أخي المسلم طاعة الله شعارًا في حياتك.. حتى تفوز بالخيرات في الدنيا والآخرة.

وصلي الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم



([1]) رواه البخاري.

([2]) رواه مسلم.

([3]) رواه البخاري.

([4]) رواه أحمد صحيح الجامع (2687).

([5]) رواه البخاري.

([6]) رواه البخاري ومسلم.

([7]) رواه ابن ماجه صحيح ابن ماجة (3254).

([8]) رواه البخاري ومسلم.

([9]) رواه أبو داود والطبراني، السلسلة الصحيحة (958).

([10]) رواه مسلم.