معبودات جديدة
التصنيفات
المصادر
الوصف المفصل
معبودات جديدة
علاء الدين بحيص
معبودات جديدة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
}يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ{ [آل عمران: 102].
}يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا{ [النساء: 1].
}يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا{ [الأحزاب: 70].
أما بعــد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى وأحسن الهدي هدي محمد ﷺ وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
ثم أما بعد:
فإن قاعدة الإسلام الأساسية هي التوحيد القائم على الاعتقاد والإقرار الجازم بوجود الله تعالى، وصرف جميع العبادات لله وحده والإخلاص له فيها، ووصفه عز وجل بما وصف به نفسه في كتابه ووصفه به رسوله ﷺ من الأسماء الحسنى والصفات العلى، وإمرارها كما جاءت بلا كيف ودون تعطيل أو تأويل أو تشبيه.
- ومن واجبنا أن نحذر المسلمين من الشرك بكل صوره وأِشكاله وأن ننبه على أوثان ومعبودات جديدة غزت عقيدة التوحيد الخالص في هذا العصر – القرن العشرين – عصر الحضارة والتمدن والذرة وارتياد الفضاء.
- إن كثيرا من المسلمين يحصرون الشرك وعبادة غير الله في صورة واحدة فقط، هي التي تتمثل في عبادة الأصنام التي صنعت من الحجارة فتجدهم يقولون: نحن لا نعبد حجرًا ولا شجرًا و نتخذ أصنامًا وهذا هو الشرك عندهم فحسب!.
- وواضح أنهم ما عرفوا من الشرك إلا عبادة الأحجار والأِشجار وتقديم القربات إليها وتلمس المنافع والبركة منها، وما حصل ذلك منهم إلا لجهلهم بالعبادة ومفهومها الواسع.
ولو كان الأمر كذلك لما قال النبي ﷺ: «الشرك في أمتي أخفى من دبيب النمل على الصفا»([1])، فهل عبادة القبر أو الحجر أخفى من دبيب النمل على الصفا؟!، إذن على هؤلاء التفطن لذلك...
- فالشرك أنواع ومراتب، والأصنام منها ما يرى ومنها ما لا يرى، منها الجلي الظاهر ومنها الخفي الذي هو أخفى من دبيب النمل على الصفا.
- ولقد رأينا النبي ﷺ يعد الرياء شركًا، ويعتبر القسم بغير الله شركا.
كما عد ﷺ تقديس المقابر والأضرحة ضربًا من الوثنية، وهذا ما جعله يدعو ربه فيقول: «اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد»([2]). بل رأينا القرآن الكريم يلفت أنظارنا إلى وثن أو إله خطير، يتعبد له الملايين وهم لا يشعرون، ذلك هو الهوى، قال تعالى: }أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ{([3]). }أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا{([4]).
وفي هذا العصر ظهرت أوثان ومعبودات جديدة شتى في حياة المسلمين، أصبحت تمتلك قلوب الناس ومشاعرهم وولاءهم، وصاروا يصفون لها العبادات من دون الله عز وجل ويقدمون طاعتها على طاعة الله ويؤثرون محبتها على محبته عز وجل، وإن كان اتباع هذه المعبودات الجديدة على درجات ويتسبب في الوقوع في المعاصي أو الابتداع، أو الكفر الأكبر عياذًا بالله – وذلك حسب المقاصد، وليس هذا الكتيب محل تقييد الأحكام وتفصيلها وإنما الغرض التحذير والتنبيه على مسالك الضلال والغواية وأسبابها.
ومن هذه المعبودات الخفية الجديدة:
أولاً: الحرية الشخصية:
- وهي من المعبودات الجديدة التي نتجت عن عدم فهم الناس لها الفهم الصحيح، فأصبحنا نرى الرجل المخنث الذي يتشبه بالنساء في ملابسه وطريقة كلامه ومشيته وتحليه بالذهب فيلبس الأساور في يده والسلاسل في عنقه ويدعي أن هذا من الحرية الشخصية التي لا يلام عليها، وكذلك المرأة التي تخرج من بيتها متبرجة ومتعطرة مائلة مميلة تزاحم الرجال في الأسواق وتثير الفتنة والشهوات في نفوسهم تدعي هي الأخرى أن هذا حرية شخصية ولها أن تفعل ما تشاء وتلبس ما تشاء من اللباس دون تدخل من أحد بل وصل الأمر أن سمعنا من ينتسب إلى العلم في أحد بلاد الإسلام يعلن أن يترك لبناته حرية اختيار الثياب دون تدخل منه!. فأين هؤلاء من قول الله عز وجل: }وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا{ ([5])؟!!
ورأينا من يؤذي جاره برفع صوت المذياع أو التلفاز في أوقات النوم والراحة دون مراعاة لجاره وظروفه، ويقول بأنه حر في بيته.
- وواضح أن حقيقة الحرية الشخصية التي يطالبون بها هي ميل النفس إلى ما تشتهيه سواء كان خيرًا أم شرًا، وهذا ما يسميه العلماء بالهوى، فالهوى هو ميل النفس إلى ما تشتهيه سواء كان خيرًا أم شرًا، ثم استعمل في العمل المذموم والانحراف السيئ، فيقال اتبع هواه.
وهذا الهوى لا بد أن يكون تابعا للشريعة ووفق حدودها ولا يخرج عن حدودها وإلا فهو مذموم. فعن عبد الله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله ﷺ: «لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به» ([6])، يعني أن العبد يجب عليه أن يعرض عمله على الكتاب والسنة ويخالف هواه ويتبع ما جاء به ﷺ، فليس لأحد مع الله عز وجل ورسوله ﷺ أمر ولا هوى. وإنما وقع الذم على أهل الأهواء لأنهم لم يأخذوا الأدلة الشرعية مأخذ الافتقار إليها والتعويل عليها بل قدموا أهواءهم وآراءهم واعتمدوا على ذلك وجعلوا الأدلة الشرعية من كتاب وسنة وراء ذلك. وقد ذم سبحانه من يتبعون الهوى ويعرضون عن الحق الذي جاء به الشرع. قال تعالى: }إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى{([7]). وقال تعالى: }أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ{([8]).
وقال سبحانه في التحذير من إتباع الهوى وأهله: }ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ{([9]).
وقد بين الله عز وجل السبب الأكبر في عدم استجابة الكفار لدعوة الرسول ﷺ وهو إتباع الهوى. فقال تعالى: }فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ{([10]). بل لقد جعل الله سبحانه وتعالى الهوى هو السبب في مخادعة المنافقين للمؤمنين قال تعالى: }وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آَنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ{([11]).
ولا يقتصر ضلال من يتبع الهوى على نفسه بل يتجاوز ذلك إلى إضلال غيره. قال تعالى: }وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ{([12]). وقد أمرنا الله عز وجل في كتابه وعلى لسان رسوله ﷺ أن نحكم بين الناس بالعدل وحذرنا من اتباع الهوى فقال تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا{([13]).
وقد أخبر الله سبحانه أن اتباع الهوى يضل عن سبيل الله فقال تعالى: }يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ{([14]). ثم ذكر سبحانه وتعالى مصير الذين يضلون عن سبيل الله فقال تعالى: }إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ{([15]). فمن اتبع هواه فقد أرداه. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
- فالواجب على المسلم أن يكون هواه تبعا لما جاء به النبي ﷺ وأن يخالف هذا الهوى إن كان في معصية الله، فالحرية الشخصية لا بد وأن تكون موافقة لحدود الشريعة لا تخرج عنها، لأن الله فرض فرائض لا يجوز لمسلم أن يضيعها، وحد حدودا لا يجوز لمسلم أن يتعداها وحرم أشياء لا يجوز لمسلم أن ينتهكها.
- فليس للمسلم حرية في أن يؤدي الفرائض أو يتركها بل لا بد من تأديتها حتى لا يأثم وليس له حرية في أن يأتي الحرام أو يتركه بل عليه تركه وإلا أثم.
والحرية الشخصية تكون في حدود الأمور المباحة من الطعام والشراب واللباس بشرط تجنب مخالفة أوامر الله، وأن يكون الأمر حلالا في نفسه، فهذا يحب نوعا من الطعام لا يحبه غيره، وهذا يحب نوعا من الشراب لا يقبل عليه آخر، وهذا يفضل ثيابا لا يفضلها غيره، كل هذا جائز ما دام الأمر داخلا في إطار الشريعة، وليست الحرية في إتباع الشهوات وانطلاق الغرائز السفلى فهذه بهيمية لا حرية، ولا إتباع الشبهات وإثارة الفتن فهذه فوضى لا حرية.
- ولا يجوز لرجل أن يتخنث وأن يتشبه بالنساء فهذا واقع تحت الوعيد لما ثبت من الأحاديث التي تتوعد الرجل إذا تشبه بالمرأة والمرأة إذا تشبهت بالرجل في لباس أو غيره باللعن والطرد من رحمة الله ومنها:
ما رواه عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «ليس منا من تشبه بالرجال من النساء، ولا من تشبه بالنساء من الرجال»([16]).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «لعن رسول الله ﷺ الرجل يلبس لبسه المرأة، والمرأة تلبس لبسه الرجل»([17]).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «لعن النبي ﷺ المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء» وفي لفظ: «لعن رسول الله ﷺ المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال»([18]).
وفي هذه الأحاديث دلالة على تحريم تشبه النساء بالرجال وعلى العكس.
- ولا يجوز لامرأة أن تخرج من بيتها متبرجة ومتعطرة تظهر مفاتنها فإن فعلت فهي واقعة تحت الوعيد الشديد؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال ﷺ: «صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات، مميلات، مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا»([19]).
- وكذلك الرجل الذي يؤذي جاره بدعوى أنها حرية شخصية عليه الحذر من هذا الفعل فقد بين النبي ﷺ أن من علامة الإيمان في القلب الإحسان إلى الجار وعدم إيذائه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره»([20]).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن. قيل: من يا رسول الله؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوائقة»([21]).
فقول العصاة: «أنا حر»، وقول العامة: «كل واحد حر» شبهة حاصلها أن فريقا من أهل المعصية يعتقدون أنهم أحرار فيما يفعلون! وأن المنكر عليهم يتدخل في شئونهم بغير حق، وسبب ذلك هو ذهاب نور الإسلام من قلوب العصاة حتى أصبح الواحد منهم كالمريض يرفض ما يصلح بدنه من الدواء ويتناول ما يفسده من صنوف الطعام والشراب، فكذلك هؤلاء يتعاطون المعاصي والمنكرات التي تفسد أرواحهم فإذا جاء من يأمرهم وينهاهم أخذتهم العزة بالإثم، أعرضوا عما جاءهم من الحق ظنا منهم – وبئس الظن – أن فعلهم هذا – أعنى ارتكاب المعاصي – يدخل في حريتهم الشخصية التي لا يجوز لأحد أن ينال منها.
وقد بين لنا رسول الله ﷺ أن هذه شبهة فاسدة وحجة داحضة، كما بين أن ترك هذا الصنف من الناس يفعل ما يشاء فيه هلاكنا وهلاكهم، كما أن الأخذ على أيديهم فيه نجاتنا ونجاتهم وذلك في قوله ﷺ: «مثل القائم على حدود الله، والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقًا ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعًا»([22]).
وقد رواه البغوي بسنده عن الشعبي قال: سمعت النعمان بن بشير يقول على المنبر: يا أيها الناس خذوا على أيدي سفهائكم، فإني سمعت رسول الله ﷺ يقول: «إن قوما ركبوا البحر في سفينة، فاقتسموها فأصاب كل واحد مكانا، فأخذ رجل منهم الفأس فنقر مكانه، فقالوا: ما تصنع؟ قال: مكاني أصنع به ما شئت، فإن أخذوا على يديه، نجوا ونجا وإن تركوه غرق وغرقوا»، فخذوا على أيدي سفهائكم قبل أن تهلكوا: رواه البغوي في شرح السنة.
فقول الرجل المذكور في الحديث: «مكاني أصنع به ما شئت» هو نفس قول أهل الأهواء والمنكرات: «أنا حر». وقول العامة: «كل واحد حر». وقد وصف الصحابي الجليل النعمان بن بشير من يقول ذلك بأنه سفيه، وقد أمر رسول الله ﷺ أن يؤخذ على يديه وإلا فمصيره ومصيرنا الهلاك والغرق. جنبنا الله الخطأ والزلل واتباع الهوى وجعلنا ممن يخافون مقام ربهم، قال تعالى: }وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى{([23]).
- سئل الشيخ ابن عثيمين عن قول الإنسان: «أنا حر».
فأجاب بقوله: إذا قال ذلك رجل حر وأراد أنه حر من رق الخلق، فنعم هو حر من رق الخلق، وأما إن أراد أنه حر من رق العبودية لله – عز وجل – فقد أساء في فهم العبودية، ولم يعرف معنى الحرية، لأن العبودية لغير الله، هي الرق، أما عبودية المرء لربه – عز وجل – فهي الحرية، فإنه إن لم يذل الله ذلك لغير الله، فيكون هذا خادعا نفسه إذا قال: إنه حر يعنى أنه متجرد من طاعة الله ولن يقوم بها([24]).
وسئل الشيخ أيضا: عن قول العاصي عند الإنكار عليه: «أنا حر في تصرفاتي».
فأجاب بقوله: هذا خطأ، نقول لست حرا في معصية الله، بل إنك إذا عصيت ربك فقد خرجت من الرق الذي تدعيه في عبودية الله إلى رق الشيطان والهوى([25]).
ثانيًا: العقل:
ليس ثمة عقيدة تقوم على احترام العقل الإنساني وتعتز به وتعتمد عليه في ترسيخها كالعقيدة الإسلامية وليس ثمة كتاب أطلق سراح العقل وغالى بقيمته وكرامته كالقرآن الكريم كتاب الإسلام بل إن القرآن ليكثر من استثارة العقل ليؤدي دوره الذي خلقه الله له.
ولذلك نجد عبارات }لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ{ [البقرة: 73] و}لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ{ [الرعد: 3] و}لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ{ [الأنعام: 98]، ونحوها تتكرر عشرات المرات في السياق القرآني لتؤكد النهج القرآني الفريد في الدعوة إلى الإيمان وقيامه على احترام العقل([26]).
ولسنا في حاجة للتأكيد على أن الإسلام أمر بالتفكر، وإعمال العقل، وعدم تلقي النصوص ببلاهة وغباء أو إعراض وتجاهل، بل أمرنا أن نستقبلها بحواسنا كلها، متدبرين معتبرين، ولقد وصف الله عز وجل عباده بأنهم: }إِذَا ذُكِّرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا{ [الفرقان: 73]، بل يكبون عليها سامعين مبصرين بآذان واعية، وعيون راعية، منتفعين بها، كما حثنا على الادكار والاعتبار: }فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ{ [الحشر: 2].
ومعلوم أيضا أن المسلم لا يكون مكلفا بأحكام الإسلام، ولا يقع عليه حساب ولا عذاب إلا إذا كان عاقلا مختارا، لذا جاءت النصوص بإسقاط التكليف عن المجنون والصبي، وعمن غاب عقله لعارض كالنوم أو الإغماء أو النسيان، فقد أخرج أحمد وأصحاب السنن عن عائشة رضي الله عنها مرفوعا: «رفع القلم عن ثلاثة، عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل» وهو صحيح الإسناد. وعن أبي ذر رضي الله عنه مرفوعا، عنه ﷺ: «إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه»([27]). وعن أبي هريرة: «إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تعلم به أو تكلم به»([28]).
ولكن الإسلام بعد هذا التكريم كله وذلك الاهتمام قد حدد للعقل مجالاته التي يخوض فيها حتى لا يضل. فأمر الإسلام العقل بالاستسلام والامتثال للأمر الشرعي الصريح حتى ولو لم يدرك الحكمة والسبب في ذلك وقد كانت أول معصية لله ارتكبت بسبب عدم هذا الامتثال، فحينما أمر الله سبحانه وتعالى إبليس بالسجود لآدم عليه السلام استكبر وعصى واستبد برأيه فقارن بين خلقه وخلق آدم عليه السلام: }قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ{([29])، فلم يمتثل للأمر طلبا للسبب الذي يسجد لأجله الفاضل للمفضول حسب رأيه فلما لم يدرك عقله السبب رفض الامتثال فكانت المعصية وكانت العقوبة([30]).
يقول الإمام ابن الجوزي: «لقد أنس ببديهة العقل خلق من الأكابر أولهم إبليس، فإنه رأى تفضيل النار على الطين فاعترض. ورأينا خلقا ممن ينسب إلى العلم قد زلوا في هذا واعترضوا، ورأوا أن كثيرا من الأفعال لا حكمة تحتها. والسبب هو الأنس بنظر العقل في البديهة والعادات، والقياس على فعال المخلوقين»([31]).
لذا منع الإسلام العقل من الخوض فيما لا يدركه ولا يكون في متناول إدراكه كالذات الإلهية والأرواح في ماهيتها ونحو ذلك فقال عليه الصلاة والسلام: «تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في الله»([32])، وقال ﷺ: «لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال: هذا خلق الله فمن خلق الله؟ فمن وجد من ذلك شيئا فليقل: آمنت بالله ورسله»([33]).
وعن الروح قال تعالى: }وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي{([34])، فصرف الجواب من ماهيتها لأنه ليس من شئون العقل السؤال عنها ولا من مداركه، وكذلك الجنة ونعيمها والنار وجحيمها وكيفية ذلك وغيرها من الغيبيات التي ليست في متناول العقل ومداركه.
وعلى هذا مضى المسلمون في العصر الأول من الإسلام عرفوا ما للعقل فدرسوه وحفظوه وما ليس له فاجتنبوه([35]).
ولقد وظف المسلمون العقل أحسن توظيف وشادوا حضارة باسقة البنيان شاقهة الذرى، عمروا الدنيا والآخرة أجمل عمارة، استخدموا عقولهم في إبداع العلوم، وتأسيس أصول الاجتهاد، وتفريع الفروع، ومجابهة التيارات المنحرفة، وقامت مدارس عقلية كمدارس الرأي في الفقه والتفسير، والدعوة بالمنطق والمعقول في مواجهة الماديين الدهريين والمتفلسفة، وكان ثمة نوع من التوسط والهدى في استخدام العقل([36]).
ولقد كان العقل دائما في الإسلام جاريا في إطار الوحي، وقد أشار الإمام الغزالي إلى هذا المعنى حيث قال: وظيفة العقل أن يشهد للنبوة بالتصديق ولنفسه بالعجز. فالعقل لا يرشد إلى النافع والضار من الأعمال والأقوال والأخلاق والعقائد، ولكن إذا عرف فهم وصدق فالعقل خادم الدين المطيع، وقد أجمعت الأصول العامة كلها على أن الوحي هاد للعقل، وأن الدين يقود العقل إلى الصواب.
مظاهر تأليه العقل:
- لقد ظهرت في هذا القرن دعاوى تحمل اسم الإنسانية العلمانية التي تقوم على أن قيم الإنسان يجب أن تكون من صنع الإنسان ولا حاجة له إلى إله، ونتج عن ذلك أن العقل البشري أصبح الحكم والفيصل في شئون البشر لا الهدى الإلهي؛ أي أن العقل – لا الله – صار هو الإله المعبود، وأصبح مصدر الأحكام المطلقة.
مع أن العقل وباعترافه هو محدود، ولو ادعى العقل تمام المعرفة لوجب أن تلغى ميزانيات البحث العلمي وتغلق مختبراته، فما ظمأ الإنسان للمزيد من المعرفة إلا اعترافا بمدى ما يجهله.
وعقل الإنسان فوق ذلك كله متغير قابل للإيحاء كشيمة البشر، وكان من نتيجة ذلك أن أصبح حرام الأمس حلال اليوم والرذيلة في السابق حسنة في اللاحق ومقدسات الماضي سخرية الحاضر([37]).
- تيار العقلنة التي تعني أن يحل العقل محل النص، وأن يقوم هوى الإنسان مقام هدى الرحمن جل في علاه، وأن تكون النظريات البشرية حاكمة على القطعيات الربانية، وهذا ما لا يقله عاقل ولا مسلم. فالعقلانيون أصحاب هذا التيار حكموا العقل أكثر من تحكيمهم للشرع بل جعلوا الأدلة العقلية مقدمة على الأدلة الشرعية فكذبوا ما لا يوافق العقل من الحديث – وإن صح – وأولوا ما لا يوافقه من الآيات – وإن وضحت – بل حاولوا إخضاع عبارات القرآن الكريم لآرائهم، وقالوا بسلطة العقل وقدرته على معرفة الحسن والقبيح ولو لم يرد به شرع.
حتى قال الشيخ محمد عبده في تعميم ومغالطة: «اتفق أهل الأمة الإسلامية – إلا قليلا ممن لا ينظر إليهم! على أنه إذا تعارض العقل والنقل أخذ بما دل عليه العقل»([38]).
وبلغت بهم الجرأة إلى حد أن قال بعضهم:
«إن البشرية لم تعد في حاجة إلى من يتولى قيادتها في الأرض باسم السماء فلقد بلغت سن الرشد، وآن لها أن تباشر شئونها بنفسها».
وكان من نتيجة تقديم العقل على النص الصحيح الصريح قولهم إن بعض الأحكام المقررة في الشرع أو جلها لم تعد توافق الزمن الذي نحن فيه بعد انتشار العلم والمعرفة وأنها أي الأحكام الشرعية لا يقبلها العقل كالرجم وقطع يد السارق وأحكام الردة وأحكام المواريث.
بل بلغت الجرأة بأحدهم أن قال كيف يمكن أن تكون شهادة الرجل الواحد وإن كان أميا لا يقرأ ولا يكتب تعدل شهادة امرأتين ولو كانت كل واحدة منهما حاصلة على أعلى الشهادات العلمية فهذا أمر في زعمهم لا يوافق العقل ولا يقبله. }كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا{([39]). وإن كثيرا من العقلانيين أنكروا عذاب القبر، ووجود الجن، والملائكة رغم النص القرآني، وأنكروا المعجزات الحسية كلها.
ولقد كان في انحراف المعتزلة القدامى والجدد إساءة إلى الإسلام السمح اليسير وإساءة إلى منهجه القرآني السائغ ولا ريب أن الهدف هو في النهاية إنكار الخالق والوحي والنبوة، ومكمن الخطر أن يكون العقل مهيمنا على الشريعة قاضيا فيها بأهواء العصر مبررا لأوضاع المجتمعات المنحرفة([40]).
عقـل من نحـكم؟
يبطل الاعتماد على العقل بسبب التفاوت في العقول ... فإذا حكمناه وجعلناه الضابط والمقياس الأوحد، فعقل من نحكم؟.
* هل عقل الخواص أم عقل العوام؟
* وهل نحكم العقل السلفي أم العقل الصوفي؟
* وهل نحكم العقل الأصولي أم العقل الفلسفي؟
* وعقل أي جيل نحكم؟
أعقل الأجيال الفاضلة أم الأجيال التي تليهم؟
* ثم إن للعقل عند استقامته منهجا، وعند جنوحه مناهج ومناهج ... والعقل الجاهل غير العقل الإسلامي.
* والعقل الأوربي الجاهل استحسن اللواط ونكاح الأمهات والبنات!!
* والعقل الذي انحرف عن المنهجية الإسلامية عطل السنة كلها – كما فعل القرآنيون -.
وردا على التساؤل أقول: إن العقل الذي ينبغي أن يحكم:
* هو العقل المسلح بمناهج تضمن استقامته، وتضمن سيره على خط لا عوج فيه.
* العقل الذي لا يعرف الهوى ولا التسلط، ولا فرض الذات، ولا الاحتكام إلى مناهج تلوى من أجلها النصوص ليًا وتعتسف الأدلة اعتسافا.
* العقل السلفي في أدلته.
* العقل المزكي من الله تعالى، المرشد بالوحي، والمسلح بالبرهان النقي([41]).
كلمة أخيرة:
إن العقل – مهما اتسع وتعاظم – يتيه في صحراء الأوهام إذا خرج عن مجاله إلى علام الغيب... فالعقل يتحدد دوره في فهم النص وإدراك معناه، والتسليم المطلق له، ثم السير على هداه، أما أن يكون ندًا للوحي فهذا من الاستكبار البشري الذي يخيل لأصحابه أنهم يستطيعون بعقولهم الكلية اقتحام مجاهل الغيوب، على حين يقف العقل عاجزا أمام بعض معضلات الحياة الدنيا([42]).
فالعقل نعمة من الله عز وجل، وهذه النعمة كغيرها من النعم الواجب على الإنسان أن يشكر الله تعالى عليها، وشكر هذه النعمة يكون بطاعة الله، واستعمال العقل في التمييز بين الحلال والحرام والتفكر في نعم الله الأخرى وفي مخلوقاته وأن يكون في ذلك كله مضبوطا بالكتاب والسنة سائرا في طريقهما لا أن يكون ضابطا لهما أو حاكما عليهما، وإلا فقد اتخذناه إلها من دون الله عز وجل.
- كما أن دعوى أن العقل في إمكانه الاستقلال بهداية الإنسان إلى ما يصلحه ويسعده، دعوى باطلة ساقطة لا وزن لها ولا واقع، وذلك لأننا رأينا الكثير من الأمم والشعوب لما فقدت هداية الوحي الإلهي لم تغن عنها هداية العقول شيئا، فضلت وهلكت، ومما قاله القرآن في هذا الموضوع قوله تعالى في سورة الأحقاف: }وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ{([43]).
وذلك لأن العقول لا تهدي إلى معرفة كل ما ينفع الإنسان في حياتيه ليأخذ به، ولا إلى معرفة كل ما يضر الإنسان في حياتيه ليتجنبه وينجو مما يضره إلا في ضوء الشرع الإلهي ونور وحيه؛ لأن العقول لا تعدو كونها آلة إدراك كحاسة العين التي هي آلة إبصار. والعين قطعا لا تبصر ومهما كانت سليمة وقويه إلا في الضوء والنور، ولا يمكنها أن ترى وتبصر في الظلام أبدا. وفي أي حال من الأحوال العقل مثل العين سواء بسواء؛ كما أن العين لا تبصر إلا في الضوء والنور، فإن العقل لا يدرك إلا على ضوء الشرع الإلهي ونور وحيه تعالى إلى أنبيائه ورسله. ومن رأى غير هذا فإنه يغالط نفسه ويكابر في شيء من الخطأ والضلال المكابرة فيه؛ لكونه من المحسوس المشاهد([44]).
ثالثا: حرية الفكر:
- إن من أخطر المسائل التي تطرح على ساحة الفكر الإسلامي اليوم قضية حرية الفكر أو الرأي، إذ يطرحها عملاء الغزو الفكري في الداخل يحملون أسماء إسلامية، والذي تشربوا السم الذي بثه الغزو الفكري في نفوس المثقفين ليدعموا باطلا يذهبون إليه.
- فهم يطالبون بإطلاق العنان لحرية الفكر مهما كان من نتائج هذا الفكر من ضلال وفساد وإلحاد ومخالفة لشرع الله وخروج عن أوامره سبحانه وهدم لعقائد الإسلام وطعن في أصوله وتشريعاته.
- فتحت اسم حرية الفكر الآن يعاد تكريس وتنشيط كل الدعوات الباطنية الهدامة، ويعمد إلى تكريم كل أفاك أثيم من حملة الأفكار الباطنية .. في الوقت الذي يعاب فيه على الشاب المسلم المتمسك بأبسط مظاهر دينه.
- ودائما ينادي الذين يدعون الاستنارة بحرية الفكر والاعتقاد ثم ينسون ذلك إذا كان الأمر يتعلق بالمسلمين، فكلما قامت قائمة لاجتياح العناصر المسلمة قام هؤلاء ينددون بالتطرف والإرهاب، ويبشعون هؤلاء «الذين يريدون أن يرجعوا بالناس إلى عصور ما قبل التاريخ»!! وكلهم في مثل هذه الحال يصير مفتيا وفقيها في أحكام الإسلام، وينسون آنئذ تشدقهم بحرية الفكر والاعتقاد، ويتجاهلون الصفحات الطوال التي سودوها تغنيا بالحرية وتغزلا فيما يطلقون عليه سعة الأفق.. لكن إذا ما ظهر مارق يدعو بدعوى الجاهلية، أو بفكرة باطنية، أو بإفتئات على دين الله فسرعان ما تشرع الأقلام، وتفتح قنوات الإعلام، ويبدأ التباكي علي الحرية الطعينة والتنديد بمحاربة الفكر.
- لقد خرج مارق بالسودان على أحكام الإسلام، وحكم بردته علماء مسلمون في كثير من بلاد المسلمين، بسبب ادعائه للنبوة، ومع ذلك فلقد ذرفت الدموع – بعد تنفيذ حكم الإعدام فيه – على المفكر الإسلامي!! العظيم، والمجدد الكبير، وتباكى الصحفيون والمشبوهون والمجهولون والشيوعيون في كل أرجاء الوطن العربي، حتى إنهم اتهموا القاضي الذي حكم عليه بالإعدام بأنه مجنون.
- وطلع على الناس مارق آخر يصرح أن محمدا ﷺ ليس آخر الأنبياء! مبدلا – هو وفريقه من البهائيين – في دين الله أساسه وفرعياته – وحكم علماء الأزهر الشريف بردتهم في الخمسينيات وحكموا أيضا – هم وكافة علماء المسلمين في العالم الإسلامي – بكفرهم في الأشهر الأخيرة، ومع ذلك انبرت الأقلام للدفاع عن حرية الاعتقاد وحرية الفكر، وأنه لا تجوز مصادرة حرية المرء في التدين على الطريقة التي يحب، وأنه «لا إكراه في الدين»!! ويبكون على الحريات المنتهكة وطرائق التفكير المزرية التي يتحلى بها من يرميه بالردة([45]).
- وتحت مسمى حرية الفكر هذه ظهر في ساحتنا الإسلامية مذهب فكري جديد يسعى لهدم كل موروث. والقضاء على كل قديم، والتمرد على الأخلاق والقيم والمعتقدات، وهذا المذهب أطلق عليه كهانه وسدنة أصنامه اسم «الحداثه»([46]).
وقد بين سماحة الشيخ ابن باز أن من أهداف هذا المذهب – وهو أخطرها -، محاولة نبذ الشريعة والقيم والمعتقدات والقضاء على الأخلاق والسلوك باسم التجديد وتجاوز جميع ما هو قديم وقطع صلتها به([47]).
- ومن الأمور التي يجب أن يعلمها كل فرد أن الإسلام يحمي حرية الرأي، ويدعمها طالما أنها في إطار الإسلام ولا تخرج عن أصوله وتشريعه وأن تكون من باب المناصحة في الدين ومن باب الاجتهاد داخل الأطر الشرعية العامة والخطوط العريضة للإسلام لمن يستكمل عدة النظر والاجتهاد.
- لكن الإسلام لا يحمي الكفر أو الردة، ففي صحيح البخاري عن ابن عباس عن النبي ﷺ قال: «من بدل دينه فاقتلوه»([48]). وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة»([49]).
- فليس من قبيل حرية الرأي أن نتطاول على الله تعالى، ولا على رسوله ﷺ .. ولا على شيء معلوم من الدين بالضرورة.. فمن فعل شيئا من ذلك فعلماء المسلمين سلفا وخلفا يقولون إنه مرتد حلال الدم، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلاً، إلا أن يتوب.
- سئل الشيخ ابن عثيمين: نسمع ونقرأ كلمة «حرية الفكر» كثيرا وهي دعوة إلى حرية الاعتقاد، فما تعليقكم على ذلك؟
فأجاب بقوله: تعليقنا على ذلك أن الذي يجيز أن يكون الإنسان حر الاعتقاد يعتقد ما شاء من الأديان فإنه كافر، لأن كل من اعتقد أن أحد يسوغ له أن يتدين بغير دين محمد ﷺ، فإنه كافر بالله – عز وجل – يستتاب، فإن تاب وإلا وجب قتله. والأديان ليست أفكارا، ولكنها وحي من الله – عز وجل- ينزله على رسله، ليسير عباده عليه، وهذه الكلمة – أعني كلمة فكر – التي يقصد به الدين – يجب أن تحذف من قواميس الكتب الإسلامية لأنها تؤدي إلى هذا المعنى الفاسد، وهو أن يقال عن الإسلام فكر، والنصرانية فكر، واليهودية فكر – أعني بالنصرانية التي يسميها أهلها بالمسيحية – فيؤدي إلى أن تكون هذه الشرائع مجرد أفكار أرضية يعتنقها من شاء من الناس، والواقع أن الأديان السماوية أديان سماوية من عند الله – عز وجل – يعتقدها الإنسان على أنها وحي من الله تعبد بها عباده، ولا يجوز أن يطلق عليها فكر.
وخلاصة الجواب: أن من اعتقد أنه يجوز لأحد أن يتدين بما شاء وأنه حر فيما يتدين به فإنه كافر بالله – عز وجل - لأن الله تعالى يقول: }وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ{([50])، ويقول: }إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ{([51]).
فلا يجوز لأحد أن يعتقد أن دينا سوى الإسلام جائز يجوز للإنسان أن يتعبد به بل إذا اعتقد هذا فقد صرح أهل العلم بأنه كافر كفرًا مخرجا عن الملة([52]).
رابعا: حكم الأكثرية «الأغلبية»:
وفيه يختار الشعب نوابا عنه يمثلونه في «البرلمان» يكون إليهم أمر التشريع ويكون التصويت داخل «البرلمان» بالأغلبية.
فلو رأت الأغلبية إباحة الخمر أبيحت، ولو رأت إباحة الربا أبيح، ولو رأت عدم تطبيق شرع الله فلا يطبق، فالحكم أولا وأخيرا للأغلبية!!.
- وفي هذا مصادمة واضحة بينة للشرع وذلك لأن التشريع حق لله وحده والسلطة التشريعية لا بد من الرجوع بها لكتاب الله ولسنة رسوله ﷺ، قال تعالى: }وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ{([53])، وقال تعالى: }أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ{([54]). وقال تعالى: }إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ{([55]). وقال تعالى: }وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا{([56])، والنبي ﷺ صادق مصدوق قال تعالى: }وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى{([57]) إذن فهذه السلطة مصدرها الشرع المطهر لا الشعب.
- فلا يجوز شرعا إنشاء مجالس تشريعية تبحث هل الربا نتعامل به أم لا وهل تمنع الخمر أم لا ونعرض ذلك على عقول البشر فمهمة العقل أن يفهم الشرع وأن يستسلم لحكم ربه ويحل ما أحل الله ويحرم ما حرم الله جل وعلا، قال تعالى: }فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا{([58]).
وقال تعالى: }وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا{([59])، وقال تعالى: }أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ{([60]).
- والواجب الإذعان لشرع الله وأن يقتصر دور هذه المجالس على سن القوانين الإدارية فقط التي لا تخالف شرع الله والمنضبطة بأصول وقواعد الشرع والمتفقة مع مقاصد الشريعة، ويراعى فيها تحقيق المصالح ودرء ودفع المفاسد، كقانون المرور مثلا فهو نظام مطلوب للحفاظ على أرواح الناس وتيسير سبل الحركة في الطرق ونحو ذلك.
- والناس جميعا حكاما كانوا أو محكومين وسواء كانوا في السلطة التنفيذية أم القضائية يجب عليهم أن ينقادوا لشرع الله ويقودوا الناس به «كلكم راع ومسئول عن رعيته والإمام راع ومسئول عن رعيته»([61]). ولا شك أن الحاكم دوره خطير ومسئوليته أعظم وبصلاحه واستقامته ينصلح خلق كثير ويستقيمون على أمر الله وكما قال عثمان بن عفان رضي الله عنه: «إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن»، وليس له أن يتابع آراء أو أهواء البشر قلت أو كثرت إذا صادمت شرع الله وبحجة أنه ينزل على إرادة شعب هذا إذا كان الشعب يرفض الرجوع لدين الله([62]).
- والأمر الذي ينبغي التنبيه عليه أن رأي الأغلبية أو الأكثرية لا قيمة له عند الله تعالى إن كانت تعمل بمعصية الله، قال تعالى: }وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ{([63])، وقال تعالى: }وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ{([64])، وقال تعالى: }وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ{([65]).
قال الإمام ابن القيم: وما أحسن ما قال أبو محمد عبد الرحمن بن إسماعيل المعروف بأبي شامة في كتاب الحوادث والبدع: «حيث جاء الأمر بلزوم الجماعة فالمراد به لزوم الحق واتباعه، وإن كان المتمسك به قليلاً والمخالف له كثيرًا».
لأن الحق هو الذي كانت عليه الجماعة الأولى من عهده ﷺ وأصحابه، ولا نظر إلى كثرة أهل البدع بعدهم. قال عمرو بن ميمون الأودي: صحبت معاذا باليمن، فما فارقته حتى واريته التراب بالشام، ثم صحبت بعده أفقه الناس عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، فسمعته يقول: عليكم بالجماعة، فإن يد الله على الجماعة، ثم سمعته يوما من الأيام وهو يقول: سيلي عليكم ولاة يؤخرون الصلاة عن مواقيتها، فصلوا الصلاة لميقاتها، فهي الفريضة، وصلوا معهم فإنها لكم نافلة، قال: قلت: يا أصحاب محمد ما أدري ما تحدثونا؟ قال: وما ذاك؟ قلت: تأمرني بالجماعة وتحضني عليها، ثم تقول: صل الصلاة وحدك، وهي الفريضة، وصل مع الجماعة وهي نافلة؟ قال: يا عمرو بن ميمون، قد كنت أظنك من أفقه أهل هذه القرية، تدري ما الجماعة؟ قلت: لا. قال: الجماعة ما وافق الحق وإن كنت وحدك!! وفي طريق أخرى: «فضرب على فخذي وقال: ويحك، إن جمهور الناس فارقوا الجماعة. وإن الجماعة ما وافق طاعة الله عز وجل».
قال نعيم بن حماد: «يعني إذا فسدت الجماعة فعليك بما كانت عليه الجماعة قبل أن تفسد، وإن كنت وحدك. فإنك أنت الجماعة حينئذ» ذكره البيهقي وغيره([66]).
- سئل الشيخ ابن عثيمين: يحتج بعض الناس إذا نهي عن أمر مخالف للشريعة أو الآداب الإسلامية بقوله: «الناس يفعلون كذا».
فأجاب بقوله: هذا ليس بحجة لقوله تعالى: }وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ{([67]). ولقوله تعالى: }وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ{([68]). والحجة فيما قاله الله ورسوله ﷺ أو ما كان عليه السلف الصالح([69]).
- ولقد حذرنا الله عز وجل من الخوض من الناس في الضلال وفي المعصية قال تعالى: }مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ{([70]). أي كلما غوى غاو غوينا معه.
- ولقد بين النبي ﷺ عقوبة هذا الصنف من الناس الذي يسير بلا إرادة وبلا وعي حين يوضع في قبره كما في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «إن العبد إذا وضع في قبره، وتولى عنه أصحابه، إنه ليسمع قرع نعالهم، إذا انصرفوا، أتاه ملكان، فيقعدانه، فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل، محمد؟ فأما المؤمن فيقول: أِشهد أنه عبد الله ورسوله ... وأما الكافر أو المنافق، وفي رواية: وأما الكافر والمنافق – فيقول: لا أدري، كنت أقول ما يقول الناس فيه، فيقال: لا دريت، ولا تليت........».
- فينبغي لكل مسلم التفطن لهذا الأمر وأن يعلم أن الجماعة هي الحق، وأنه لا يجوز لمسلم أن يكون إمعة لا رأي له يسير مع الناس حيث ساروا في أي طريق كان، بل الواجب عليه أن يبحث عن الحق وأن يتمسك به ويؤثره على غيره مهما قل أتباعه.
خامسا: القومية العربية:
لقد بليت بلاد الإسلام بصنف من الناس وهم للأسف من جلدتنا ويتكلمون بألستنا وهم كما وصفهم الرسول ﷺ دعاة على أبواب جهنم من أجابهم قذفوه فيها.
وهم كثير من أبناء الإسلام من العرب انصرفوا عن الدعوة إلى هذا الدين العظيم الذي رفع الله به أسلافهم وأعزهم وجعلهم ملوك الدنيا وسادة العالم.
ثم بعد هذا الشرف العظيم والنصر المؤزر نرى هؤلاء النفر من أبناء الإسلام يدعون إلى غير الإسلام، يدعون إلى التكتل والتجمع حول القومية العربية، وقد اختلف الدعاة إليها في عناصرها، فمن قائل: إنها الوطن، والنسب، واللغة العربية، ومن قائل: إنها اللغة فقط، ومن قائل: إنها اللغة مع المشاركة في الآلام والآمال.
أما الدين عند أساطينهم فليس من عناصرها، وقد صرح كثير منهم بأن الدين لا دخل له في القومية([71]). وها هي بعض أقوال دعاة القومية، يقول على ناصر الدين في صراحة في كتابه (مع القومية): «العروبة نفسها دين عندنا نحن المؤمنين العريقين من مسلمين ومسيحيين! لأنها وجدت قبل الإسلام وقبل المسيحية في هذه الحياة الدنيا، مع دعوتها إلى أسمى ما في الأديان السماوية من أخلاق ومعاملات وفضائل وحسنات».
والكاتب محمود تيمور تجرفه هذه الموجة فتراه يقول في وضوح وجلاء: «لئن كان لكل عصر نبوته المقدسة فإن القومية العربية لهي نبوة هذا العصر في مجتمعنا العربي» .......... ويقول: «وإن كتاب العرب في أعناقهم أمانة، هي أن يكونوا حواريين لتلك النبوة الصادقة، يزكونها بأقلامهم وينفخون فيها من أرواحهم.....».
- وهكذا نرى القومية العربية عند هؤلاء الدعاة «عقيدة» و«دينا» و«نبوة» فماذا أبقوا للإسلام في حياة الناس.
- الإسلام عند القوميين ليس أكثر من انتفاضة عبرت عن حقيقة الأمة العربية ومثلها العليا وعبقريتها ومعنى هذا أنه لم يكن وحيا إلهيا، بل إبداعا بشريا!!.
ولنقرأ لمؤلف كتاب (مع القومية العربية) هذه الفقرة: «لقد كان الدين الإسلامي رسالة الأمة العربية في الماضي نحو الإنسانية جمعاء ... ولذلك فإننا نعتز به كدين وثقافة وتشريع، ونفهمه على أنه نزعة الإنسان نحو المثل الأعلى – [فكرة الوحي معدومة طبعا] – بالحياة الأفضل، إن الدين الإسلامي – وأي دين آخر – إذا توصلنا إلى جوهره وتلمسنا روحه العامة، ونظرنا إليه من هذا المفهوم على أنه قيم ومثل وفضائل وتهذيب للحياة وبلورة للإحساس، لا أنظمة اقتصادية واجتماعية وثقافية محددة، إن أي دين بالاستناد إلى هذا المفهوم هو انطلاق للعقل، ودفع نحو التطور والتجدد».
- يقول الدكتور يوسف القرضاوي تعليقا على هذا الكلام: هذه هي نظرة القوميين إلى الإسلام! إنه كان رسالة العرب في الماضي فقط، ومن هذه الزاوية يعتزون به، ولهذا لم يكن هناك فرق بينه وبين البوذية والهندوكية وكلها – في نظرهم – نزعة نحو المثل الأعلى ... إلخ، وتبعًا لهذا التفكير، نرى القوميين يزينون التاريخ ليوافق هواهم فهم يحيلون الثقافة الإسلامية ثقافة عربية، والحضارة الإسلامية حضارة عربية، والفتوحات الإسلامية عربية، وأبطال المسلمين أبطال العرب، حتى أبو حنيفة وصلاح الدين الأيوبي وقطز وأمثالهم كلهم من «أعلام العرب» وهذا تزييف للواقع التاريخي لا يجوز بحال، ولون آخر من التحريف نراه في تسميتهم حكم العثمانيين استعمار للبلاد العربية، وتسمية الأتراك «أجانب» وهي مفاهيم دخيلة مزورة على تاريخ المنطقة، فلم يكن العرب ينظرون قط إلى الحكم العثماني وإلى الأتراك هذه النظرة.
ودعاة القومية يقفون في وجه كل دعوة إلى «وحدة إسلامية» أو «إتحاد إسلامي» أو حتى مجرد «تضامن إسلامي» وذلك لأن الترابط على أساس العقيدة الدينية عندهم من خصائص القرون الوسطى التي عفى عليها الزمن.
- ويقول الدكتور يوسف القرضاوي أيضا: «وهنا تلاقى كلُّ دعاة القومية العربية على تفريغها من كل معنى إسلامي وإفراغها في قالب علماني صرف، كما اتفقوا على أن يجعلوا منها (عقيدة) تلتهب بها المشاعر، وتهتف بها الحناجر، وتنبض بحبها القلوب، وترفع لها الأعلام، وتنظم فيها الأناشيد، وينشأ على تقديسها الصغير، ويهرم في خدمتها الكبير وتصبح بذلك (معبودًا) تعنوا له الوجوه، وتسبح له الألسنة، وهذا ما صرح به كثير من دعاة القومية وأنصارها المؤمنين بها([72]).
- وقد سئل سماحة الشيخ ابن باز عن الدعوة إلى القومية العربية فأجاب سماحته في كتابه القيم «نقد القومية العربية» صفحة (74): لا ريب أن الدعوة إلى أن تكون القومية العربية هي الرابطة الأولى بين العرب، دعوة باطلة لا أساس يؤيدها من العقل ولا النقل، بل هي دعوة جاهلية إلحادية يهدف دعاتها إلى محاربة الإسلام والتملص من أحكامه وتعاليمه ........
وقال سماحته في صفحه (77): وكيف يليق في عقل عاقل أن يقارن بين قومية لو كان أبو جهل وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأضرابهم من أعداء الإسلام أحياء لكانوا هم صناديدها وأعظم دعاتها، وبين دين كريم صالح لكل زمان ومكان دعاته وأنصاره هم محمد ﷺ والخلفاء الراشدون وغيرهم من الصحابة ومن سلك سبيلهم من الأخيار.
- ويقول الأستاذ محمد قطب في كتابه مذاهب فكرية معاصرة صفحة (586) ما نصه:
إن الإسلام لا يغير انتماء الناس إلى أرضهم ولا شعوبهم ولا قبائلهم، لأن هذا أرم مادي حسي واقعي لا سبيل إلى تغييره، فالذي يولد في الأرض المصرية مصري بحكم مولده والذي يولد في الأرض العراقية عراقي بحكم مولده. والذي يولد في الأرض الباكستانية باكستاني بحكم مولده.. وهكذا ولكن الإسلام ينكر أن تكون صلة التجمع شيئا غير الإسلام! غير العقيدة الصحيحة في الله! لا الدم ولا الأرض ولا اللغة ولا «المصالح الأرضية».
}قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ{([73]).
وانظر إلى قصة نوح مع ابنه:
}وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ * قَالَ سَآَوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ * وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ * قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ{([74]).
لقد وعد الله نوحا أن ينجو أهله معه، إلا من سبق عليه القول.
}حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آَمَنَ وَمَا آَمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ{([75]).
فلما رأى ابنه في معزل ناداه ليركب معه سفينة النجاة .. ولكنه عصى وقال:} سَآَوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ ...{ وكانت عاقبته أن غرق مع المهلكين.
ولما قضي الأمر ونجا من نجا وهلك من هلك راح نوح – في مرارة الفقد التي تشوب فرحة النجاة – يناجي ربه، ويسأل عن تفسير ما حدث: لقد وعده الله بنجاة أهله، وابنه من أهله، ومع ذلك كان من الهالكين. وكان الرد الرباني: }إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ{.
ذلك أن الآصرة الحقيقة التي تجعله من أهلك ليست هي رابطة الدم التي تجمع بينه وبينك. إنما هي رابطة العقيدة. وقد رفض الابن أن يكون على العقيدة الصحيحة فانقصم ما بينه وبين أبيه من رباط، لأنه }عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ{.
ذلك هو ميزان الإسلام.
وقد مرت بنا الآية التي تجعل الآباء والأبناء والإخوان والأزواج والعشيرة والأموال والتجارة والأرض وهي مقومات القومية كلها في كفة، وفي الكفة الأخرى حب الله ورسوله والجهاد في سبيل الله .. والمفاصلة الكاملة بين هذه وتلك..
وليس معنى ذلك أن الإسلام يحرم كل تلك الروابط!
كلا! إنما يجيزها كلها حين تقع تحت رابطة العقيدة وداخلها: }وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ{([76]) أي حين يكونون كلهم مؤمنين.
أما حين تكون تلك الروابط حاجزا يحجز بين المؤمن والمؤمن بسبب رباط الدم أو اللغة أو الأرض أو المصالح... فهذه التي قال فيها رسول الله ﷺ: «دعوها فإنها منتنة»([77]).
فكيف إذا كانت تلك القومية تقول لك في صراحة إن المشرك الذي يشاركك في قوميتك أقرب إليك من المسلم الذي ينتمي إلى قومية أخرى!.
هذه ... ما ميزانها في كتاب الله؟!.
وفي قصيدة للدكتور حسان حتحوت:
إن العروبة في بدر قد اقتتلت | ||
سيفا لسيف وكان الكل عربانا | ||
فهل أبو لهب في غيه وأبو | ||
جهل كمثل أبي بكر وعثمانا؟ | ||
عروبتان: فذي نور .. وذي ظلم | ||
وإن بينهما شتان شتانا | ||
خلاصة القول في القومية:
وخلاصة القول في القومية: إنها شرك بالله لأنها بإيجابها العمل لها وحدها والتضحية والجهاد في سبيلها، وصرف الكره والبراء وما يتبعهما ضد كل خارج عن القومية وصرف الحب والولاء وما يتبعهما للقوميين ومن والاهم: هي بهذا تكون ندًا يعبد من دون الله لأن ذلك يقوم مقام النفي والبراء والإثبات والولاء وهما ركنا الألوهية أو العبادة في قول «لا إله إلا الله» فلا «إله» نفي وبراء، و«إلا الله» إثبات وولاء لله لا شريك له. والدليل على ذلك قوله تعالى: }وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ{([78]) وليس بعد الحق إلا الضلال. فليحذر كل مسلم على نفسه من الوقوع في هذا الشرك المقنع([79]).
سادسا: الوطن:
يقول الدكتور ناصر العمر في محاضرة له بعنوان امتحان القلوب عند الحديث عن أمراض القلوب، أن التحزب لغير الحق مرض خطير وداء يقتل ويهلك الأفراد والأمة على حد سواء وهو على نوعين:
1- التحزب لبعض المبادئ في هذه الأيام، ونحن نسمع عما يسمى «الوحدة الوطنية» وهي الحب على أساس المواطنة، فما كان من وطنك تحبه سواء كان مسلما أو فاسقا أو كافرا، فالمهم أنه مواطن مثلك. بينما لا تحمل هذا الشعور لأخ مسلم من غير وطنك، ولو كان من أتقى الناس.
فهي موالاة ومعاداة على أٍساس الوطن. حتى قال أحدهم – فض الله فاه –: حب يذهب ويتلاشي إلا حب الوطن. يعني إلا حب التراب: حب الأرض، ملأ الله جوفه قيحا وصديدا، هكذا: كل حب يذهب حتى حب الله – عز وجل – ورسوله ﷺ إلا حب الوطن فهو شرك من نوع جديد.
وفي مقال بعنوان من القومية إلى الوطنية كتب الأستاذ ناصر إبراهيم البريدي في مجلة البيان العدد العاشر ص (45) ما نصه:
«احتل الاستعمار بلاد المسلمين سنوات طويلة، وقد بذل في هذه السنوات من الجهود الجبارة لحرب الإسلام والمسلمين، ما يعجز القلم عن تسطيره في مثل هذه العجالة، ولم يخرج منها إلا وقد اطمأن إلى أنه قد خلف جنودا يحملون رسالته، ورجالا يذبون عن أهدافه، وإن كانوا من أبناء جلدتنا ويتكلمون بلغتنا، كثير منهم يركعون ويسجدون معنا ويصلون في مساجدنا.
ولمواجهة الخلافة الإسلامية – التي كانت قائمة في آخر عهد الدولة العثمانية – تبنى الاستعمار لغة القوميات التي أتت على أمتنا بالشرور والويلات.
وبعد أن قضى على الخلافة العثمانية، جاءت اتفاقية «سايكس - بيكو» التي قطعت فيها الأمة العربية إلى دويلات، وشتت شمل المسلمين من خلال تلك المؤامرات.
وبعد أن ارتفع صوت القومية طويلا وأدى جزءًا من الأهداف المرسومة له، ظهرت دعوة أخرى – لا تقل خطرا عن مؤامرة القوميين.. تلك هي الدعوة إلى الوطنية، واتخاذ الوطن إلها يعبد من دون الله، وارتفع صوت الوطنيين في كثير من الدول الإسلامية يدعون إلى مبادئ تخالف دعوة الإسلام، وتدعو إلى الانصهار في بوتقة الوطن، واعتباره رابطا قوميا يعلو فوق كل الروابط. ولم يدرك أولئك – ولربما علموا – ما يحمل هذا الفكر الخبيث من سموم، وما سيجره على الأمة من مصائب ونكبات.
إننا في الوقت الذي تتداعى فيه أمم الكفر على أمتنا، وتجتمع علينا في إطار عقيدة واحدة، نجد بيننا من يرفع شعارا يمزقنا، ومبادئ تفرقنا.
إن رسول الله ﷺ بعث في قوم تحكمهم العصبيات، وتقودهم الوثنيات، فكان السلاح الذي رفعه ﷺ في وجه أولئك هو الإسلام، الذي جمعهم بعد تفرق، وذابت فيه كل الفوارق والألوان والجنسيات والطبقات.
وفي ظل الإسلام عقد أعظم مؤاخاة في التاريخ، جمعت العربي مع الرومي، والفارسي مع الأوسي، والحبشي مع الخزرجي، ولم يكن هناك أي اعتبار لميزان الجنس واللون والوطن.
وإن أخطر ما في مثل هذه الدعوة أن بعض المسلمين يتحمس لها ويدافع عنها بحسن نية وسلامة مقصد، بل وتجدهم يرددون ما يزعمون أنه حديث نبوي «حب الوطن من الإيمان» وهو حديث موضوع([80]) لا يجوز الاحتجاج به ولا الركون إليه.
وأشير هنا إلى أن حب الوطن أمر غريزي جبلي لا يستطيع الإنسان إن ينكره أو ينفيه، ولكن الخطر الداهم أن كثيرا من دعاة الوطنية اتخذوه صنما يعبد من دون الله، وتخلوا عن مبادئهم الإسلامية باسم الوطنية }وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ{([81]).
ولنقرأ مقاطع من مقالة كتبها أحد أولئك حيث قال: «ليس أغلى على الإنسان أو غيره من الوطن، من الأرض، من التراب الذي يخصه، وعلاقة الإنسان وغير الإنسان بأرضه علاقة تختلف عن كل علاقة، فهي أصلب، وهو أشد». ثم يمضي الكاتب في غلوه، فيقول: «ليس ثمة ما هو أرقى من العلاقة بني المخلوق وتربته وأرضه ووطنه». ولم يكتفِ بذلك، بل جاءت القاصمة -التي لا تقصم الظهر، ولكن تقصم الدين-: «إن كل شيء يذهب ويتلاشى، إلا حب الوطن، حب الوطن هو الذي يستمر مشتعلًا في الذات دائمًا أبدًا، كالوشم الذي لا يتغير».
هذه النتيجة المتوقعة من أدعياء الوطنية، وهذا الكاتب لا يعبر عن نفسه، ولكنه خريج مدرسة قائمة، علمته: كيف يحب، ومن يحب، ومتى يحب...
نسي هذا الكاتب -أو تناسى- أن الحب في الله، والبغض في الله من أوثق عرى الإيمان، وتجاهل قول الرسول ﷺ: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين»([82]). ونتيجة لهذا الغلو والإفراط أصبحوا من أجل الأرض يحبون، وفي سبيل التراب يبغضون، وفي ذات الوطن يوالون ويعادون.
نعم كل إنسان يحب وطنه ولكن المسلم يجعل هذا الحب في إطاره الصحيح، فهو حب طبيعي فطري ولكنه لا يقدمه -بحال من الأحوال- على حب الله وحب رسوله، ولا يساويه بحب دينه، بل ولا يرقى حب الوطن إلى حب الوالدين.
إذ هو حب يُحكَم بحب أسمى منه والعلاقة بالوطن تخضع لعلاقة أقوى منها.
أما أن يصل حب الوطن إلى أن يقول شاعرهم:
وطني لو شغلت بالخلد عنه | ||
نازعتني إليه في الخلد نفسي |
فهذا حبٌّ لا يقره الإسلام ولا يرضاه، بل يمقته ويأباه.
إن حقيقة الدعوة للوطنية تبرز عندما تتعارض مصلحة من مصالح الوطن –الموهومة- مع مبادئ الإسلام وقيمه الحقيقية، نجد أن دعاة الوطنية يقدمون تلك المصلحة الظنية على ما يقره الإسلام ويدعو إليه. ولأولئك نقول: إن الله سبحانه وتعالى قد ذم المنافقين الذين فضلوا البقاء في الأوطان على الخروج منها للجهاد في سبيل الله فقال تعالى: }وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا{ ([83]).
ورسول الله ﷺ كان يحب مكة، ولكنه قدم الهجرة فرارًا بدينه على حب وطنه، وكذلك فعل صحابته الكرام، وهكذا يكون حب الوطن والولاء له ليس حبًّا مطلقًا ولا ولاءً محررًا من كل قيد، كما يريد أولئك الأدعياء. وأقول بصدق: إن الذي يزعم حب الوطن حبًّا مجردًا من مبادئ الإسلام وضوابطه كاذب في زعمه خائن لوطنه وأمته، وهو أول من ينسحب في معركة الذب عنه والدفاع عن حرماته، وما قصة المنافقين في «أحد» إلا برهان قوي للرد على هؤلاء، وفي «الأحزاب» خير دليل على حقيقة مواقفهم: }وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا * وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآَتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا * وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا{([84]).
فرية الدين لله والوطن للجميع:
سئل الشيخ عبد الرحمن الدوسري رحمه الله عن هذه المقولة: «الدين لله والوطن للجميع» فأجاب رحمه الله بقوله: هذه المقالة صاغها الحاقدون على الإسلام الذين رموه بالطائفية بهذه الصيغة المزوَّقة إفكًا وتضليلًا ليبعدوا حكم الله ويفصلوه عن جميع القضايا والشئون بحجة الوطن الذي جعلوه ندّا لله وفصلوا بسببه الدين عن الدولة، وحصروه في أضيق نطاق فأعادوا بذلك الحكم القيصري والكسروي بألوان وأسماء جديدة والعبرة بالمعاني من سوء التحكم والأعمال المخالفة للشرع وعدم العدل، لا بالأسماء ولا بالألقاب فهي خطة شركية، قلَّ من انتبه لها ولا يجوز للمسلمين إقرارها أبدا، ولكن غلبت عليهم سلامة الصدر فاغتروا بما يطلقه أولئك من الدجل والتهويل ويخادعون به الله والمؤمنين من دعوى تعظيم الدين والارتفاع به عن مستوى السياسة التي هي غش وكذب ليخدعوا به المسلمين ويخرسوهم والله لا يرضى من عباده أن يتهاونوا بالحكم ويتنازلوا عن حدوده قيد شعرة أو تنقص فيهم الرغبة الصادقة في تنفيذه -بدلا من أن تنعدم- لحب وطن أو عشيرة بل ولا لحب ولد أو والد أو أخ قريب، فالدين الذي لله يجب أن يسيطر على الجميع ويكون أحب وأعز من الوطن وأن لا يتخذ الوطن أو العشيرة ندًّا من دون الله، ويعمل من أجله ما يخالف حكم الله وتبذل النفوس والأموال دون كيان العصبية القومية وفي سبيل الوطن لا في سبيل الله لإعلاء كلمته وقمع المفترى عليه بل لتعزيز المفترى عليه؛ فهذه وثنية جديدة أفظع من كل وثنية سبقتها إذ يعملون تحت هذا الشعار الوثني ما يشاءون ويخططون لحياتهم الوطنية تخطيط من ليس مقيدا بشريعة ربه، وكونها أفظع من كل وثنية هو لمزيد فتنتها وإخراجها للناس بهذا الأسلوب الذي صاغته «أوربا» هروبا من حكم الكنيسة والله يقول: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ...{([85]).
وقد عملوا منذ زمن طويل على ذلك حتى كسبوا بعض أولاد المسلمين فنفذوا لهم هذه الخطة التي طوحوا بها حكم الإسلام بحجة أقلية نصرانية انتحلوا هذه النحلة من أجلها فيما يزعمون في تقديس الجنس وعطلوا دعوة الإسلام وأوقفوا زحفه إرضاء لهذه الأقلية وإغضابا لله، بينما هي تزحف بالدعاية النصرانية وبث الإلحاد على حساب المسلمين وفي عقر بيوتهم، وجعلوا الحكم لغير الله من أجلها وأباحوا من أجلها ما حرم الله بإقرارهم له وإعفاء مرتكبيه من العقوبة ليشهدوا لهم مع تلاميذ الإفرنج من أبنائهم أنهم متحررون كفء للحكم، فيا له من دين جعلوه يتلاشى أمام مصالح الوطن وأوضاعه التي يتعشقونها فكأنهم قالوا: «الدين لله يطرح ظهريًّا ليس له حق في شئوننا الوطنية من سياسة وعلم واقتصاد وغيره» مرحى مرحى لهذا الدين المعطل المطروح على الرف([86]).
سابعًا: الأحزاب العلمانية:
هذه الأحزاب بدعة منكرة وهي أثر من آثار الاستعمار أحدثها المستعمرون ليفرقوا بين أبناء الأمة الواحدة، وليجعلوا أبناء الوطن الواحد شيعًا وأحزابًا بعد ذلك.
وكل حزب له برنامجه المعبر عنه وله أيضا رايته ومن يمثله، وهذه الأحزاب منها ما هو شيوعي ماركسي ومنها ما هو وطني ومنها ما هو ليبرالي علماني.
وقد رأينا الثمار المرة لهذه الأحزاب من تفريق للناس وتنابذ وتراشق بالتهم في الجرائد والمجلات كما هو حاصل مشاهد فالانضمام إلى حزب من هذه الأحزاب هو في نفسه بدعة لا يقرها الشرع.
ولا شك أن من يمشي في ركاب هؤلاء ويهتف بحياتهم ويضحي بنفسه وماله في سبيل حزبهم يصدق عليه أنه باع آخرته بدنيا غيره. يقول النبي ﷺ: «من قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبته أو يدعو إلى عصبته أو ينصر عصبته فقُتل- فقتلته جاهلية»([87]).
ولما سئل النبي ﷺ عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياء؛ أي ذلك في سبيل الله؟ فقال: «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله»([88]).
- لقد ارتفعت رايات كثيرة مارقة للتكتل تحتها بدل راية الإسلام، وأصبح كل حزب بما لديهم فرحون والدين لا يعرف مثل هذه الأحزاب، وإنما يأمرنا إذا أحدق الخطر بنا أن نتعاضد ونتعاون ونقوم قومة رجل واحد للدفاع عن ديننا الذي لا حياة للأمم والأفراد بدونه.
- نعم وجدت الشورى وحدث نوع من الاستيضاح أو الاعتراض حتى على بعض الخلفاء في حالة مخالفة النصوص الشرعية كما اعترضت -فيما روي- المرأة على عمر بن الخطاب حين أراد تحديد المهور -ولكن هل سمح بقيام أحزاب بمناهج تخالف دين الله وتكفر به بزعم حرية التعبير؛ تنشر وتروج المبادئ التي تدين بها في وسط المسلمين؟ هذا لم يحدث أبدا([89]).
ثامنا: العادات والتقاليد:
مما يجدر ذكره أن معظم تقاليدنا وعاداتنا تعارض أحكام الإسلام ولا تتفق مع روحه السمحة التي تهدف إلى إصلاح البشر وإسعادهم في الدارين .. وهذه هي الغاية المتوخاة من الرسالات التي أنعم الله بها على خيرة خلقه، فكانوا منابر هدى وقوارب نجاة للعالمين.
ولا يفوتني أن أنوه عن عادات وتقاليد بالية ما تزال محتفظة بعد سنيها عند كثير من أبناء هذه الأمة -مهما كان فيها من مخالفة للشرع- الذين يرثون عوائدهم وعاداتهم وحتى عباداتهم التي اختلطت مع تقاليدهم فأصبحوا في حيرة لا يعرفون العادة من العبادة، هكذا اختلط عليهم الأمر فاستسلموا لطغيان التقاليد والعادات، حتى إذا أنكر عليهم أحدٌ قالوا: هذه عاداتنا وهذه أعرافنا.
فمن هذه تقاليد المآتم ومواسم الأعياد والأفراح وإقامة السهرات المختلطة والمجالس العامة، كالتعليم المختلط ومسائل الخطبة ورفع مهور البنات وزيارة قبور الأولياء وتقديم النذور للأضرحة، كل هذه الأمور المخالفة للشرع تقام في كثير من البلاد الإسلامية وعلى أعين الجميع مع مخالفتها للهدى المبين الذي جاء به الرسول الأمين.
والواجب على المسلمين أن يعيدوا النظر في هذه العادات والتقاليد، وأن يغيروها إلى ما يوافق تعاليم الإسلام وأحكام الشرع الحنيف، وما كان منها مخالفا للإسلام فإنه يجب الانصراف والابتعاد عنها فورًا حتى لا يتعرض المسلم للعقوبة في الدنيا والآخرة([90]).
وإذا تحولت هذه العادات والتقاليد إلى أمور راسخة يستنكر من خرج عليها وأصبحت معروفا والمخالف لها مستنكر- فإنها بذلك تتحول إلى معبود جديد لأنها تطاع وتتبع من دون الله عز وجل في التحليل والتحريم.
صور جديدة للأنداد:
من الناس من يتخذ من دون الله أندادا ... كانوا على عهد المخاطبين بهذا القرآن أحجارًا وأشجارا أو نجوما أو كواكب أو ملائكة أو شياطين .. وهم في كل عهد من عهود الجاهلية أشياء وأشخاص أو شارات أو اعتبارات .. وكلها شرك خفي أو ظاهر، إذا ذكرت إلى جانب اسم الله، وإذا أشركها المرء في قلبه مع حب الله، فكيف إذا نزع حب الله من قلبه وأفرد هذه الأنداد بالحب الذي لا يكون إلا لله؟!
إن المؤمنين لا يحبون شيئا حبهم لله. لا أنفسهم ولا سواهم. لا أشخاصا ولا اعتبارات ولا شارات ولا قيما من قيم هذه الأرض التي يجري وراءها الناس: }وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ{([91]).
أ- من ذلك تعلق الكثير من الناس بالموضة وخاصة النساء في البلاد التي أنعم الله عليها بنعمة المال، فهن يتبعن أسس الموضة ومستحدثاتها أكثر من التزامهن بأوامر ربهن وشرائعه، ومما يثبت ذلك أن أكثر النساء لا تخلو أدراج إحداهن من الأعداد المتزايدة من أنواع «المكياج» والأدهان «الكريمات» لحفظ البشرة وترطيبها، وتغذيتها، وتنظيفها وتبييضها ... إلخ، وما يتبع ذلك من أنواع الصابون، وعشرات الأنواع والألوان من أحمر الشفاه وظلال العيون، وطلاء الأظفار والشامبو، وأصباغ الشعر ... إلخ، وأصبحت الغرفة وكأنها مختبر أو صيدلية، ولكن تعالَ وابحث عن المصحف، أو عن كتاب علمي تستفيد منه في دينها، وتتبع واقعها في العبادة والصلاة والتقوى، فستجد الرصيد صفرًا !([92]).
- وقد يوجد من المسلمات من صارت تحفظ أسماء مجلات الأزياء ومسميات «الموديلات» أحسن من حفظها لأسماء سور القرآن الكريم، بل إن بعضهن تحفظ أسماء عشرات الممثلين والممثلات، ولا يمكنها أن تعدد أسماء قدواتها الحقيقيات، ألا وهن زوجات رسول ربها ﷺ ورضي الله عنهن، ومن ثم فإن قلبها ميال لتقليد أولئك الممثلات، أو عارضات الأزياء - ألا ذلك هو الخسران المبين([93]).
- وللأسف أصبحت المرأة أسيرة .. أسرها أرباب بيوت الأزياء، وإن تناءت بينها وبينهم الديار، أجل لقد أسروها وكبلوها .. لقد أصبحت دمية يلبسونها متى شاءوا، ويعرّونها متى أرادوا، ويُلَوِّنونها كما يشاءون .. وهي تستجيب لهم بلا قيد أو شرط([94]).
ب- تقديس الأشخاص لدرجة أن يطلق على أحد المغنيين أنه «معبود الجماهير»، أو كما قال أحد الذين ينتسبون إلى العلم على أحد الرؤساء: لو كان الأمر بيدي لوضعته في مكان لا يسأل فيه عما يفعل!!.
الخاتمة:
هذا ما يسر الله لي جمعه من كلام أهل العلم والمتعلق بهذا الموضوع.
وختاما أسأل الله العلي القدير أن يجمع المسلمين على طاعته وطاعة رسوله ﷺ وأن يؤلف بين قلوبهم وأن يوحد صفوفهم على توحيده. وأن ينفع بهذه الرسالة جامعها وقارئها وأن يجعلها ذخرا لي يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
([1]) رواه أحمد والحاكم وأبو نعيم عن عائشة رضي الله عنها.
([2]) رواه أحمد في المسند: 2/246 ومالك في الموطأ كتاب قصر الصلاة في الصفر حديث 85.
([3]) سورة الجاثية (23).
([4]) سورة الفرقان (43).
([5]) سورة الأحزاب (36).
([6]) رواه أبو نعيم ورواه الخطيب البغدادي في تاريخه والبغوي في شرح السنة.
([7]) سورة النجم (23).
([8]) سورة الجاثية (23).
([9]) الجاثية (18).
([10]) القصص (50).
([11]) محمد (16).
([12]) الأنعام (119).
([13]) النساء (135).
([14]) ص (26).
([15]) ص (26).
([16]) أخرجه الإمام أحمد وأبو نعيم وصححه الألباني في الحجاب.
([17]) أخرجه أبو داود وابن ماجة والحاكم والإمام أحمد وقال الحاكم: «صحيح على شرط مسلم».
([18]) أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي.
([19]) رواه مسلم في صحيحه رقم (2128).
([20]) رواه البخاري ومسلم.
([21]) رواه أحمد والبخاري ومسلم.
([22]) رواه البخاري والترمذي.
([23]) النازعات (40 – 41).
([24]) مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين الجزء الثالث ص (128).
([25]) مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين الجزء الثالث ص (128).
([26]) منهج المدرسة العقلية الحديثة في التفسير ص (29) لفهد الرومي.
([27]) رواه ابن ماجه بسند صحيح.
([28]) رواه البخاري، وانظر العقلانية هداية أم غواية ص 14 لبعد السلام بسيوني.
([29]) الأعراف (12).
([30]) منهج المدرسة العقلية في التفسير ص (38).
([31]) صيد الخاطر ص 419.
([32]) رواه الطبري وحسنه الألباني «صحيح الجامع الصغير رقم 2975».
([33]) رواه البخاري ومسلم.
([34]) الإسراء (85).
([35]) منهج المدرسة العقلية في التفسير ص (38 – 39).
([36]) العقلانية ص (14).
([37]) من محاضرة للدكتور حسان حتحوت: الطب بين الإيمان والإلحاد.
([38]) منهج المدرسة العقلية في التفسير.
([39]) الكهف (5).
([40]) المؤامرة على الإسلام ص (42) لأنور الجندي.
([41]) كتاب العقلانية هداية أم غواية ص (61 – 62) بتصرف.
([42]) من رسالة: من يملك حق الاجتهاد لسلمان العودة ص (10).
([43]) سور الأحقاف (26).
([44]) عقيدة المؤمن للشيخ أبي بكر الجزائري ص (28 – 29).
([45]) اليسار الإسلامي ص (27 – 74) بتصرف لعبد السلام البسيوني.
([46]) الحداثة في ميزان الإسلام ص (1226) لعوض القرني.
([47]) الحداثة في ميزان الإسلام ص (1226) لعوض القرني.
([48]) رواه البخاري.
([49]) رواه البخاري ومسلم.
([50]) آل عمران (85).
([51]) آل عمران (19).
([52]) مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين ص (136).
([53]) سورة الرعد الآية (41).
([54]) سورة الشورى الآية (21).
([55]) سورة يوسف الآية (40).
([56]) سورة الكهف الآية (26).
([57]) سورة النجم الآية (3).
([58]) سورة النساء الآية (65).
([59]) سورة الأحزاب الآية (36).
([60]) سورة المائدة الآية (50).
([61]) متفق عليه: رواه البخاري كتاب الأحكام باب (19)، كتبا الوصايا باب (9)، ورواه مسلم في كتاب الإمارة حديث رقم (20).
([62]) مستفاد من كتاب الديمقراطية في الميزان لسعيد عبد العظيم.
([63]) سورة الأنعام الآية (116).
([64]) سورة يوسف الآية (103).
([65]) سورة يوسف الآية (106).
([66]) إغاثة اللهفان لابن القيم ص (69 – 70).
([67]) سورة الأنعام: الآية 116.
([68]) سورة يوسف: الآية 103.
([69]) من فتاوى الشيخ ابن عثيمين ص (139).
([70]) سورة المدثر الآيات (42 – 45).
([71]) مستفاد من كتاب نقد القومية العربية لسماحة الشيخ ابن باز.
([72]) حتمية الحل الإسلامي للدكتور يوسف القرضاوي، الجزء الأول.
([73]) سورة التوبة الآية (24).
([74]) سورة هود من الآية (42 – 47).
([75]) سورة هود الآية (40).
([76]) سورة الأنفال الآية (75).
([77]) رواه البخاري.
([78]) سورة البقرة الآية (165).
([79]) الولاء والبراء في الإسلام ص (218) للدكتور محمد سعيد القحطاني.
([80]) هذا حديث موضوع وانظر موضوعات الصنعاني ص (47) حديث رقم (81).
([81]) سورة البقرة الآية (165).
([82]) الموضوعات الكبرى لعلي القاري (181 – 182).
([83]) سورة النساء الآية (66).
([84]) سورة الأحزاب: 13 – 15.
([85]) سورة آل عمران الآية (100).
([86]) كتاب الأجوبة المفيدة لمهمات العقيدة ص (85 – 86) للشيخ عبد الرحمن الدوسري.
([87]) رواه مسلم كتاب الإمارة رقم (7252)، ورواه ابن ماجه كتاب الفتن رقم (7).
([88]) رواه مسلم كتبا الإمارة رقم (150، 151).
([89]) كتاب الديمقراطية في الميزان لسعيد عبد العظيم ص (82 – 83) بتصرف.
([90]) كتاب مصرع الشرك والخرافة لخالد الحاج ص (324 – 328) بتصرف.
([91]) البقرة: 165 – وانظر الظلال للأستاذ سيد قطب ص (153) الجزء الأول.
([92]) رسالة النساء والموضة والأزياء ص (72، 53، 48).
([93]) رسالة النساء والموضة والأزياء ص (72، 53، 48).
([94]) رسالة النساء والموضة والأزياء ص (72، 53، 48).