الفزع الأكبر والهول الأخطر : أهوال القيامة
التصنيفات
المصادر
الوصف المفصل
الفزع الأكبر والهول الأخطر : أهوال القيامة
أزهري أحمد محمود
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الحي القيوم.. الدائم الباقي العظيم. والصلاة والسلام على نبيه المصطفى، وعلى آله وأصحابه أهل الوفا.
وبعد:
أخي المسلم: عجيب هذا الكون! خلقه الله تعالى فأبدع خلقه! حارت فيه عقول أولي الألباب .. ووقفت دون إدراك كنهه الألباب .. كون تعج أركانه بالعجائب .. وتبصر في خلقه أنواع الغرائب .. أرض كالمهاد .. وجبال كالأوتاد .. وسماء مرفوعة بغير عماد .. وليل ونهار يتعاقبان إلى يوم المعاد.. ﴿لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [غافر].
أخي: ألا تعجب معي إذا قلتُ لك: إنَّ هذا الكون العجيب بنواميسه العجيبة، وبدائع صنعه هذا الكون الذي بهذه الصفة سيأتي عليه يوم تَنْمى آثاره! ويلفظ أنفاسه! ويبدل بعالم آخر هو أعظم منه صُنْعا وخلقًا! ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾ [إبراهيم]
أخي: أتدري ما هو هذا اليوم؟!
إنه (يوم القيامة!) ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا﴾ [النساء].
أخي في الله: إنه (يوم القيامة!) المليء بأهواله وفظائعه! ﴿يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾ [الحج].
أخي: إنه (يوم القيامة!) ﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾ [عبس].
أخي المسلم: لقد قضى الله تعالى في حكمه الذي لا يتخلف أن كل شيء سيزول! ولن يبقى إلا وجهه تبارك وتعالى، ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾ [الرحمن].
* * *
أخي: يا لهَوْل ذلك اليوم الذي يأذنُ فيه مَلِك الملوك بفناء كل شيء!
أخي: أتدري قصَّة فناء الدنيا وزوالها؟!
أتدري كيف تكون نهاية العالم؟!
أتدري ذلك اليوم الذي يتساقط كل شيء لهيبته وشدته؟!
أخي: ها أنا أذكِّرك بقصَّة فناء هذا العالم بأجمعه! خاضعًا لعظمة ملك الملوك تبارك وتعالى.
وها هو نبينا - صلى الله عليه وسلم - لطالما ترقَّب ذلك اليوم! وأشفق من شدته وأهواله!
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «كيف أنْعَمُ! وقد التقم صاحب القرن القرن! وحنى جبهته! وأصغَى سمعه! ينتظر أن يؤمر أن ينفخ فينفخ!» قال المسلمون: فكيف نقول يا رسول الله؟! قال: «قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل توكلنا على الله ربنا» رواه الترمذي وابن ماجه/ السلسلة الصحيحة: 1079.
أخي: وهكذا تبدأ بداية الفناء: ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ﴾ [الزمر] ليقوم الناس بعدها ليشهدوا أهوال ذلك اليوم الفظيع ﴿فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا * السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا﴾ [المزمل].
* * *
أخي: إنه.. يوم القيامة! يوم البعث! يوم الفصل! يوم الحَسْرة! يوم التَّغابُن! يوم الحساب! يوم الوَعيد! يوم الجمْع! يوم التلاق! يوم التناد! يوم الخروج! يوم الآزفة! يوم الخلود! القارعة.. الصَّاخَّة.. الطَّامة الكبرى.. الغاشية.. الحاقة!! الواقعة..
أخي: يا له من يوم جمع من الأسماء والمعاني ما تلين به القلوب! ويفزع لذكره أحياء القلوب!
أخي المسلم: بأي أهوال ذلك اليوم أبتديك؟! وهو كله أهوال! فيا لكرب الخلق في يوم لا تنقضي عجائبه! ولا تزول أهواله إلا بعد مصائب وشدائد!
أخي: أما تذكرت يومك هذا؟!
أخي: أما قلت لنفسك: يا نفس إنه يوم يشيب لهوله الوليد!
يا نفس إنه يوم يفر فيه المرء بنفسه طالبًا خلاصها!
يا نفس إنه يوم ما أكثر الحسرات فيه!
يا نفس إنه يوم الملك فيه لملك الملوك الذي لا يعجزه شيء في السماوات ولا في الأرض!
يا نفس إنه يوم لا أمن فيه إلا لمن تولَّى مولاه تعالى في الدنيا فيؤمِّنه يوم الفزع الأكبر!
يا نفسُ يا لشدَّة هول ذلك اليوم! ألا فلتعملي لعلك تأمنين مع أهل الطاعات..
* * *
أخي: إنه (يوم القيامة!) يوم .. ﴿وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [الزمر].
يوم تفرَّد فيه تبارك وتعالى بالملك والسلطان.
يوم يقول عز وجل فيه: «أنا الملك أين ملوك الأرض» رواه البخاري ومسلم.
أخي: إنه يوم جعله الله ميعادًا لمُثُول خلقه بين يديه تبارك وتعالى فيحاسبهم على الصغير والكبير!
أخي: كم في ذلك اليوم من أهوال تذهل العقول! وتفزع القلوب!
فها هي السماء يضطرب نظامها! فليست هي أخي بتلك السماء التي عرفتها ﴿يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا﴾ [الطور].
ويتشقق بناؤها فليس هو بذاك الباء الذي عهدتَّه! ﴿وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ﴾ [الحاقة].
أخي: وتلك الأرض التل لطالما سرت عليها ولطالما أتخذتها مهادًا! يا تُرى ما الذي أصابها يومئذ؟! ﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ * وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً﴾ [الحاقة].
أخي: واعجب من تلك الجبال الرَّاسية الشامخة! يصيبها هول ذلك اليوم فلا ترى لها أثرًا ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا * فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا﴾ [طه].
أخي: وتلك الشمس والتي لطالما أضاءت الدنيا ونشرت ألسنة ضوئها في كل مكان! وذلك القمر الذي لطالما أنار بنوره غياهب الليل المظلم! يا ترى ما الذي دهى دينك القمرين في ذلك اليوم العظيم؟! ﴿فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ * وَخَسَفَ الْقَمَرُ * وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ * يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ﴾ [القيامة].
﴿إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ﴾ [التكوير] فيجمع بعضها إلى بعض حتى يذهب ضوؤها!
ويا لله ما دَهَى تلك النجوم الزاهرة الجميلة؟! والتي لطالما كانت زينة للسَّماء تحكي درًا بهيًّا نثر على غلالة سوداء! فيا ترى ما الذي أصاب تلك الأنجم يومها؟! ﴿وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ﴾ [الانفطار].
أخي: وتلك البحار العظيمة والتي ملأت أكثر المعمورة! فيا ترى ما الذي دهاها في ذلك اليوم؟! ﴿وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ﴾ [التكوير].
فتشتعل بالنيران! لتزيد من هول وفظاعة ذلك اليوم! ﴿وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ﴾ [الانفطار] فتزول تلك الحواجز! ويختلط العذب بالمالح!
يا لله إنها قدرة الله تعالى وتفرده بالخلق والتدبير ﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾ [الأنبياء].
* * *
أخي المسلم: أما قلبت يومًا في ذكراك هول يوم تحشر فيه إلى مولاك تعالى حافيًا! عاريًا! لا يصحبك مال ولا جاه؟! أما فكرت أخي في يوم يشهده الأولون والآخرون؟!
أما فكرت أخي في يوم يستوي فيه الخلائق! فلا شريف ولا وضيع الكل عبيد لله تعالى؟!
أما فكرت أخي أن الفضيحة والعار يومها يشهدهما الخلق كلهم؟!
أما فكرت أخي في يوم تقف فيه أمام ربك تعالى ذليلاً! ضعيفًا! تنتظر أن يُؤمَر بك إلى جنَّة أو نار؟! وقانى الله وغياك أخي أهوال ذلك اليوم.
أخي: يا له من حشر ما أفظعه! يشهده الخلق كلُّهم! ﴿إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا﴾ [مريم].
فيا لها أخي من لحظات! قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يا أيها الناس إنكم تحشرون إلى الله حفاة! عراة! غرلاً!» ﴿كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ﴾ [الأنبياء] رواه البخاري ومسلم.
فيا للعجب من يوم يُشغَل فيه كل أحد بنفسه! فها هي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تستغرب حشر الرجال والنساء سويًّا! فتقول: يا رسول الله النساء والرجال ينظر بعضهم إلى بعض؟!
قال - صلى الله عليه وسلم -: «يا عائشة الأمر أشد من أن ينظر بعضهم إلى بعض» رواه البخاري ومسلم.
أخي: هو ما أخبرتك عنه: إن هول ذلك اليوم شغل الناس عن أن ينظر بعضهم إلى بعض!
فيا لله من محشر ما أشده على العباد!!
* * *
أخي في الله: يا ترى على أي أرض سيكون هذا المحشر بعد أن تبدلت الأرض والسموات؟!
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «يُحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة النقي (الدقيق الأبيض) ليس فيها علم لأحد!» رواه البخاري ومسلم.
أخي: ليت تلك الأهوال تنتهي بالمحشر! ولكن بعد المحشر أهوال وأهوال! أَمَّنَني الله وإياك من فزع ذلك اليوم.
أخي: ها هم العباد يحشرون حتى يُوقَفُوا في أرض المحشر! فما أشدها من وقفة على العباد! أرض فضاء! لا شجر! ولا حجر! فيا للهول عندما تدنو الشمس يومها من رؤوس الخلائق!
أخي: تأمّل! وأنت في دار الدنيا والشمس في علوها الشاهق إذا أصبك حرها ولفحها تألمت لذلك! وسال العرق منك!
أخي: فيا لله من تلك الشمس الحارقة عندما تدنو من رؤوس الخلائق!
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «تُدْني الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل!».
قال سليم بن عامر: فوالله ما أدري ما يعني بالمِيل؟ أمسافة الأرض؟! أم الميل الذي تكتحل به العين؟!!
قال: «فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق! فمنهم من يكون إلى كعبيه! ومنهم من يكون إلى ركبتيه! ومنهم من يكون إلى حقويه!! ومنهم من يلجمه العرق إلجامًا!».
قال: «وأشار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده إلى فيه» رواه مسلم والترمذي.
* * *
أخي المسلم: ما أشدَّ تلك الكُرُبات! وما أفظع مشاهد ذلك اليوم!
أخي: هل سمعت شيئًا عن أخبار الآمنين في ذلك اليوم؟! هل سمعت شيئًا عن أخبار أقوام هم في أظل الظِّل في ذلك اليوم؟!
أخي: إنهم أقوام عاملوا خالقهم تبارك وتعالى بالصدق والإخلاص في دار الدنيا فأمنهم يوم لقائه شدائد ذلك اليوم! فكانوا أسعد الخلق في ذلك الموقف!
أخي: ألا تحب أن تكون واحدًا منهم؟! فما أحراك أخي أن تحوز صكًا للأمان وأنت في دار الدنيا.. تروى به إذا عطش الناس! وتستظل بفيئه إذا أشمس الناس! وتنجو به من الأهوال إذا هلك الناس!
أخي: أتدري ما هو هذا الصَّك؟! إنه تجريد التوحيد لله تعالى وإخلاص الطاعة له تبارك وتعالى.
أخي: هذا هو أمانك غدًا.. فهل أنت آخذ به أم تارك له؟! ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ﴾ [يونس: 62-64].
أخي: ألا تحب أن أطلعك على قصة أقوام آمنوا يوم الفزع الأكبر؟!
أخي: ما أحوجك أن تعرفهم لعلك أن تكون واحدًا منهم.. هنيئًا لكم أيها الآمنون يا من قال فيكم النبي - صلى الله عليه وسلم -: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلى ظله! الإمام العادل.. وشاب نشأ في عبادة ربه. ورجل قلبه معلق في المساجد. ورجلان تحابَّا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه. ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله. ورجل تصدق أخفى حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه. ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه» رواه البخاري ومسلم.
أخي في الله: فلتتشبث بالطاعات.. وليكُنْ همك في الدنيا الإكثار من القربات التي تقرِّبك غدًا من رحمة الله تبارك وتعالى.. فما أحوجك غدًا أخي إلى الطاعات! فهي جوادك الذي ينجو على متنه من هول تلك الكربات..
* * *
أخي: ولا تنس موقف الحساب يومئذ! فما أشدَّه على العباد! وكيف لا يكون شديدًا والقاضي والحَكَم فيه مَنْ لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء! المتفرد بالعظمة والكبرياء تبارك وتعالى: ﴿وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ [الزمر].
أخي: إنه حساب ملك الملوك! إنه حساب من يعلم السِّر وأخفى!
أخي: ما أظنك تجهل أن حساب الله تعالى لخلقه ليس كحساب الخلق بعضهم بعضًا.. ﴿لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ [إبراهيم].
أخي: هلا وقفت معي عند قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾.
قيل لعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: كيف يحاسب الله العباد يوم القيامة؟!
فقال - رضي الله عنه -: (كما يرزقهم في يوم!).
وقال الحسن البصري رحمه الله: (حسابه أسرع من لمح البصر!).
أخي: إنه حساب الذي لا تخفى عليه خافية! ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾ [الكهف].
أخي: إنه موقف لا يدري العبد كيف يكون فيه غدًا؟!
فيا لمُصيبة من نوقش الحساب! ويا لمصيبة من أحصيت عليه سيئاته حتى رأى أن لا نجاة!
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ليس أحد يُحاسَبُ إلا هلك!» قالت: قلت: يا رسول الله جعلني الله فداءك أليس يقول الله عز وجل: ﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا﴾ [الانشقاق]؟!
قال: «ذاك العرض يعرضون ومن نوقش الحساب هلك!» رواه البخاري ومسلم.
قال الإمام القرطبي: (إن الحساب المذكور في الآية إنما هو أن تعرض أعمال المؤمن عليه حتى يعرف منَّة الله عليه في سترها عليه في الدنيا، وفي عفوه عنها في الآخرة).
أخي: يا من أيقنت بموقف الحساب غدًا.. ماذا أعددت أخي لذلك الموقف؟!
أتدري أخي أول ما يُحاسب عليه العبد غدًا؟! أتدري أخي أول سؤال ستُسأل عنه غدًا؟!
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن أول ما يُحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت! فقد خاب وخسر!» رواه أبو داود والترمذي/ صحيح ابن داود: 864.
أخي: يا لكرب تلك الأقدام والتي لن تزول عن أرض الموقف حتى تسأل عن خمس؟!
قال - صلى الله عليه وسلم -: «لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيما أفناه؟ وعن شبابه فيما أبلاه؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيما أنفقه؟ وماذا عمل فيما علم؟» رواه الترمذي/ السلسلة الصحيحة: 946.
* * *
أخي المسلم: وهنالك موقف آخر ينتظرك وأنت في أرض المحشر! تعاين الشدائد والأهوال!
أتدري أخي: ما هو هذا الموقف؟!
إنه (الميزان!) ميزان لا يظلم نقيرًا! ميزان من صنع أعدل العادلين تبارك وتعالى! ميزان توضع فيه حسناتك وسيئاتك!
أخي: كيف أنت وقتها ؟! بل كيف أنت اليوم ؟!
أما فكَّرت أخي يومًا على أي حال ستكون كفَّات ميزانك غدًا؟! فإما طاحت حسناتُك بسيئاتك، فأنت السعيد يومها.. وإما طاحت سيئاتك بحسناتك! فما أشقاك يومها!
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «يوضَع الميزان يوم القيامة فلو وزن فيه السموات والأرض لوسعت! فتقول الملائكة: يا رب لمن يزن هذا؟ فيقول الله تعالى: لمن شئت من خلقي. فتقول الملائكة: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك..» رواه الحاكم/ السلسلة الصحيحة: 941.
أخي في الله: ذاك هو الميزان بعجائبه! فماذا أعددت له؟! أخي لا تأتين غدًا بحسنات خفيفة وأوزار ثقيلة! فتجد أمامك ميزانًا لا يفوت مثقال ذرة! ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ [الزلزلة].
أخي: تذكر إذا تطايرت الصحف يومها! فآخذ كتابه بيمينه، وآخذ كتابه بشماله! فيا له مع أي فريق أنت يومها أخي؟! مع أهل السرور؟! ﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا﴾ [الانشقاق] أم مع أهل الثبور: ﴿وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا * وَيَصْلَى سَعِيرًا * إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا﴾ [الانشقاق].
أخي: يا لحسرة أقوام يومها! أضاعوا ساعات العمر في المعاصي! وهجروا الطاعات والصالحات!
مَثِل وَقوفَكَ يومَ العَرْض عُرْيَانَا | ||||
مُسْتَوحِشًا قلق الأحشاءِ حَيْرانَا | ||||
والنَّارُ تلهبُ مِنْ غَيْظٍ ومن حَنَقٍ | ||||
على العُصَاةِ وربُّ العَرْشِ غَضَبْانَ | ||||
إقرأ كتابكَ يا عبدي على مهلٍ | ||||
فَهلْ ترى فيه حرفًا غير ما كانا | ||||
لمَّا قرأ ولم تُنْكِرْ قراءتَه | ||||
إقرار من عرفَ الأشياءَ عِرْفَانَا | ||||
نادى الجليلُ خذُوهُ يا ملائكتي | ||||
وامضوا بعبد عَصَا للنَّار عَطْشَانَا | ||||
* * *
أخي: وهنالك وفي أرض المحشر يجثم ذلك الحوض الطاهر! حوض النبي - صلى الله عليه وسلم - والذي من شرب منه لا يظمأ بعدها أبدًا!
أخي: ها هو صاحب الحوض الطَّاهر - صلى الله عليه وسلم - يصف لك حوضه: «حوضي مسيرة شهر! ماؤه أبيض من اللبن! وريحه أطيب من المسْك! وكيزانه كنجوم السماء! من شرب منها فلا يظمأ أبدًا!» رواه البخاري ومسلم.
أخي: ما أكثر الواردين يومها إلى ذلك الحوض الطاهر! والكلُّ كبده حَرَّى يبتغي الرِّى من ذلك الحوض المبارك!
أخي: ولكن هل عملت أن ذلك الحوض لا يرده إلا من كان على طريقه - صلى الله عليه وسلم -؟
وها هو النبي - صلى الله عليه وسلم - يخبرك عن ذلك: «إني على الحوض حتى أنظر مَنْ يرد علي منكم، وسيؤخذ أناس دوني! فأقول: يا ربُّ منِّى ومن أمتي. فيقال: أما شعرت ما عملوا بعدك؟ والله ما برحوا بعدم يرجعون على أعقابهم».
فكان ابن أبي مليكة يقول: «اللهم إنَّا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا أو أن نفتن عن ديننا» رواه البخاري ومسلم.
أخي: جعلني الله وإياك من الواردين على حوض نبينا - صلى الله عليه وسلم - ومن الهانئين بالارتشاف من معينه.
* * *
أخي المسلم: وفي ذلك اليوم المَهُول ينصب الصراط على متن جهنم! فلا طريق لأحد إلا منه!
أخي: ما أفظعها وأشدها من لحظات! فليت شعري أخطر على بالك أخي كيف أنت يومها؟! أَمِنَ الناجين؟! أم من الذين تخطفهم كلاليب الصراط لتقذف بهم في جهنم؟!!
أخي: إنه (الصراط!) ما أفظعه! قال - صلى الله عليه وسلم -: «ويوضع الصراط مثل حد الموسى! فتقول الملائكة: من تجيز على هذا؟ فيقول: من شئت من خلقي. فيقولون: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك» رواه الحاكم/ السلسلة الصحيحة: 941.
أخي: وهاك الوصف الصادق لأهوال الصراط! قال - صلى الله عليه وسلم -: «وتُرْسَل الأمانة والرحم فتقومان جنبتي الصراط يمينًا وشمالاً! فيمر أولكم كالبرق!» قال: قلت: بأبى أنت وأمي أي شيء كمر البرق؟! قال: «ألم تروا إلى البرق كيف يمر ويرجع في طرفة عين؟ ثم كمر الرِّيح! ثم كمر الطِّير! وشد الرجال، تجري بهم أعمالهم! ونبيكم قائم على الصراط يقول: رب سلِّم! سلِّم! حتى تعجز أعمال العباد! حتى يجيء الرجل فلا يستطيع السِّير إلا زحفًا! قال: وفي حافتي الصراط كلاليب مُعَلَّقة! مأمورة بأخذ من أُمِرَتْ به! فمخدُوشٌ ناج! ومَكْدُوسٌ في النِّار!!» رواه مسلم [من حديث حذيفة - رضي الله عنه -].
أخي في الله: ذاك هو الصراط لا يجوزه إلا صاحب عمل صالح! ولا يُبْصَر في ظلمته إلا بنور الصالحات! فيا لسعادة من أكثر من الصالحات.. ويا لشقاء من جاء خفيفًا من حمل الطاعات.
وقَد نُصِبَ الصراط لكي يَجُوزُوا | ||||
فمنهُم مَنْ يُكَبُّ على الشمالِ | ||||
ومنهمُ مَنْ يَسيرُ لدار عَدْنٍ | ||||
تَلَقَّاهُ العَرائِسُ الغَوالِي | ||||
يقولُ له المُهيْمِنُ يا وَليي | ||||
غَفَرْتُ لك الذُّنوب فلا تُبالي | ||||
* * *
أخي: إنه (يوم العَرْض الأكبر!) يَوْمَ لا محيص! ولا مهرب! ولا مفزع!
أخي: المفزع يومها إلى الله تعالى مالك الملك﴿يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ * كَلَّا لَا وَزَرَ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ﴾ [القيامة].
أخي: ماذا أعددت لنفخ الصور وكرباته؟! ماذا أعددت ليوم تمور فيه السماء وتتشقق؟! ليوم تدك فيه الأرض؟! وتنسف الجبال؟! ليوم تحترق فيه البحار؟! ليوم تدنو فيه الشمس من رؤوس الخلائق؟! ليوم ينصب فيه الميزان؟! ليوم تتطاير فيه الصحف فآخذ كتابه بيمينه وآخذ بشماله؟! ليوم ينصب فيه الصراط على جهنم! فناج وهالك؟!
أخي: هل من صالحات تكون جواد نجاتك يوم الكربات؟!
أخي: هل من صالحات تكون نورك يوم الظلمات؟!
أخي: هل من صالحات تكون ظلك يوم تدنو الشمس من رؤوس البريات؟!
أخي: هل من وسيلة تؤنس قلبك يوم يفر الخلق من الأهل والقرابات؟!
أخي المسلم: فلتسع اليوم وأنت صحيح إلى امتلاك سُلَّم النجاة! سُلَّمٌ! إذا أفردت ربك تعالى بخالص التوحيد وكامل العبادة .. فقد أسَّست درجةً ..
وإذا صلَّيتَ ركعات فرضك من الصلوات .. فقد أسَّستَ درجةً..
وإذا صمْتَ شهرك مُحتسبًا.. وقمتَ ليله مُحتسبًا.. فقد أسست درجةً..
وإذا زكَّيتَ مالك إن كنت من أهل اليَسَار.. فقد أسَّستَ درجةً..
وإذا قصدتَّ بيتَه تعالى بالحج والتَّعظيم.. فقد أسَّستَ درجةً..
وإذا أغَثْتَ ملهوفًا وفرَّجت عن مكْرُوب.. فقد أسَّستَ درجةً.. وإذا صدقت في طاعتك لله تعالى.. فالتمست مَراضيه واجتنبت مساخِطَه.. فقد أسَّستَ درجات..
أخي: تلك هي النجاة! جعلني الله وإياك أخي من الناجين غدًا من روعات الفزع الأكبر.. ومن أهل الفوز بالجنان والنعيم الأنضر..﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾ [لقمان].