الفتن وموقف المسلم منها
التصنيفات
- العقيدة >> الإيمان وأركانه >> الإيمان باليوم الآخر >> الفتن
المصادر
الوصف المفصل
الفتن وموقف المسلم منها
نبذة مختصرة عن الخطبة:
ألقى فضيلة الشيخ علي بن عبد الرحمن الحذيفي - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "الفتن وموقف المسلم منها"، والتي تحدَّث فيها عن الفتن التي تُصيب المسلم في دينه ودنياه، وذكر أنها نوعان: عامة وخاصة، وبيَّن كيفية الحذر منها؛ وذلك بالتمسُّك بكتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وطاعة ولاة الأمور.
الخطبة الأولى
الحمد لله، يهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيم، من استهداه هدَاه، ومن أقبَلَ إليه آواه، ومن سأله أعطاه، ومن توكَّل عليه كفاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله، اصطفاه الله على العالمين، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فاتقوا الله حقَّ التقوى، فتقوى الله سعادةُ الدنيا وزادُ الدار الأخرى.
أيها المسلمون:
قد قضى الله وقدَّر بعلمه وحكمته وقدرته أن تكون هذه الحياة الدنيا ميدانًا للخير وللشر، وللحسنات والسيئات، والصراعُ فيها بين حزب الله المُفلِحين وبين حزبِ الشيطان الخاسِرين، منذ أوجَدَ الله آدم - عليه السلام - في هذه الأرض، وقد علِمَ الله في الأَزَل ما الخلقُ عامِلون، وفي الآخرة يُجازِي الله ويُثيبُ على الحسنات أعظم الثواب، برِضوانه وجنات النعيم، ويُعاقِب على الكفر والنفاق والسيئات بأعظم العِقاب، بغضبه وعذاب الجحيم، وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [الكهف: 49].
وإن أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - وارِثة الكتاب، وآخرُ الأمم، وسنَّةُ الله تجري على كل أحد؛ فليس بين الخالق والخلق إلا سبب الطاعة، قال الله تعالى: فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا [فاطر: 43].
أيها الناس:
إن الساعة قد اقترَبَت بأهوالها، وإن الدنيا قد دنا زوالُها، وإن الفتن قد وقعَ بضلالها، فكونوا من الشرور حذِرين، وللحق والخيرات مُلازِمين، جاء في الحديث: «شرُّ الأيام: الأيام التي تلِيها الساعة».
وإن هذه الأمة شاهَدَت وستُشاهِد فتنًا كقِطع الليل المُظلِم، لا يُنجِي منها إلا الاعتصامُ بكتاب الله تعالى وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ولزوم جماعة المسلمين وإمامهم، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إنه لم يكن نبيٌّ قبلي إلا كان حقًّا عليه أن يدُلَّ أمته على خير ما يعلمُه لهم، ويُنذِرَهم شرَّ ما يعلمُه لهم، وإن أمتكم جُعِلَ عافيتُها في أولها، وسيُصيبُ آخرَها بلاءٌ وأمورٌ تُنكِرونها، وتجِيءُ الفتن فيُرقِّقُ بعضُها بعضًا، وتجِيءُ الفتنة فيقول المؤمنُ: هذه مُهلِكَتي، ثم تنكشِف، وتجيءُ الفتنة فيقول المؤمنُ: هذه هذه، فمن أحبَّ أن يُزحزَحَ عن النار ويُدخَل الجنة فلْتأتِه منِيَّتُه وهو يؤمنُ بالله واليوم الآخر، ولْيأتِ إلى الناس الذي يُحبُّ أن يُؤتَى إليه، ومن بايَع إمامًا فأعطاه صفقةَ يده وثمرة قلبه فلْيُطِعه إن استطاع، فإن جاء آخرُ يُنازِعُه فاضرِبوا عُنق الآخر»؛ رواه مسلم في "صحيحه" من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما -.
ومعنى قوله - عليه الصلاة والسلام -: «فلْيأتِ إلى الناس الذي يُحبُّ أن يُؤتَى إليه» أي: فليُعامِل الناس المعاملة الحسنة ببذل الخير وكفِّ الشر، ولا يمنعهم حقوقهم، ولا يعتدي عليهم بدمٍ ولا مالٍ ولا عِرْض.
فطُوبى لمن مات على توحيد الله تعالى، وعُوفِي من ظلمِ أحدٍ من الناس.
أيها المسلمون:
الفتنُ نوعان: خاصةٌ وعامة:
فالفتنة الخاصة: التي تنزل بالفرد في نفسه، أو دينه، أو ماله، أو ولده، ونحو ذلك.
والفتنة العامة: ما يعمُّ شرُّه المجتمعَ ويضرُّه.
ومعنى الفتنة: هي النازِلة التي تضرُّ الدين أو الدنيا؛ بذهاب دين المسلم بالكلية أو بنقصه، أو بذهاب دنياه بالكلية أو بنقصها.
وتُطلَق الفتنة أيضًا على ما يُعطِي الله الإنسان من متاع الدنيا وزينتها، كما قال - تبارك وتعالى -: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ [الأنبياء: 35]، وقال تعالى: إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ [التغابن: 15]، وقال - عز وجل -: وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (16) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ [الجن: 16، 17].
والعِبرة بما بعد الفتنة، فإن انكشَفَت الفتنة المكروهة وقد سلِم للمسلم دينُه أو ازداد إيمانًا وخيرًا؛ فقد نجَّاه الله من شرٍّ عظيم وأثابَه ثواب الصابرين، وإن شكر الله على النِّعَم أثابه الله ثواب الشاكرين، وإن أعرضَ عن الشكر عاقبَه الله عقاب الغافلين المُعرِضين.
عن سلمان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله خير؛ إن أصابَتْه ضرَّاءُ صبَر فكان خيرًا له، وإن أصابَتْه سرَّاءُ شكرَ فكان خيرًا له»؛ رواه مسلم.
والفتن الخاصة التي تنزل بالفرد يدفعها الله ويصرفها عنه بالصلاة، والتقوى، والصدقة، والدعاء، وترك المعاصي، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.
قال حذيفة - رضي الله عنه - قال: "كنا جلوسًا عند عمر - رضي الله عنه -، فقال: أيُّكم يحفظُ قولَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الفتنة؟". قلتُ: "أنا"، قلتُ: "فتنة الرجل في أهله وماله وولده وجاره تُكفِّرها الصلاة، والصوم، والصدقة، والأمرُ بالمعروف، والنهيُ عن المنكر"؛ رواه البخاري ومسلم.
والفتنة العامة التي يعُمُّ ضررُها الأمةَ يصرِفها الله - عز وجل - عن الأمة ويدفعُها باتِّقاء أسبابها، كما قال - تبارك وتعالى -: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [الأنفال: 25].
وأعظم ما يدفع الله به الفتن العامة والعقوبات النازِلة: الأمرُ بالمعروف والنهيُ عن المنكر، فهو حارِسُ المجتمع من كل شرٍّ ورذيلة، والمُرغِّب له في كل خيرٍ وفضيلة.
عن أبي بكر - رضي الله عنه - قال: يا أيها الناس! إنكم تقرأون هذه الآية وتضعونها على غير موضعها: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ [المائدة: 105]، وإنا سمعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعُمَّهم الله بعقاب»؛ رواه أبو داود، والترمذي، وقال: حديثٌ حسن صحيح.
وعن حذيفة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «والذي نفسي بيده؛ لتأمرُنَّ بالمعروف، ولتنهوُنَّ عن المنكر، أو ليُوشِكنَّ الله يبعثُ عليكم عقابًا منه، ثم تدعونه فلا يستجيبُ لكم»؛ رواه الترمذي.
والمجتمع الذي يسود فيه الأمرُ بالمعروف والنهيُ عن المنكر هو الذي يحفَظُه الله ويُنجيه من العقوبات المُدمِّرة، قال الله تعالى: فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ [هود: 116]، وقال تعالى: فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (165) فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ [الأعراف: 165، 166].
الله أكبر! الله أكبر! إذًا من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر نجا، ومن ترك ذلك هلَك.
أيها المسلمون:
نحنُ مُحارَبون في عقيدتنا التي هي سعادتنا في الدنيا والآخرة، ومُحارَبون في شبابنا الذين هم قِوامُ مجتمعنا، فصار يتكلَّم في العقيدة من لا صلة له بالعلم، ويُفتي من لات علم له بالفقه، ويتكلَّم في مسائل الدين من لا تخصُّص له في علوم الشريعة، ويطعن في علماء الأمة الراسخين الذين تدور عليهم الفتوى، فيُصاب الإسلام بسهام الجهل، مع ما يُصاب به من سِهام الكفر والنِّفاق.
كما أننا مُحارَبون في شبابنا باستهدافِهم بالمُخدِّرات التي تمسخُ العقول، وتُدمِّر الأخلاق، وتُفسِد الحياة، وتُقطِّع أواصِر القُربى وصِلات المجتمع ووشائجه، وتهدِم الإسلام في النفوس، وتُميتُ غريزة حب الوطن.
ومُحارَبون في شبابنا بالفكر التكفيري الضال، وبآراء الخوارج الذين ذمَّهم الكتاب والسنة، بمثل قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «سيخرُجُ قومٌ في آخر الزمان حُدَثاء الأسنان، سُفهاء الأحلام، يقولون من قول خير البريَّة، يقرأون القرآن، لا يُجاوِزُ إيمانُهم حناجِرهم، يمرُقون من الدين كما يمرُقُ السهم من الرميَّة»؛ رواه البخاري، ومسلم من حديث عليٍّ - رضي الله عنه -.
فقد اختَطَف هذا الفكر الضال شبابًا من الذكور والإناث من بين أحضان أبوَيْهم، وزجَّ بهم في متاهاتٍ وحيرة، وأوقَعَهم في عظائمَ من الأمور التي يأباها الإسلام - والعياذ بالله -؛ من عقوق الوالدين، واستباحة الدماء والأموال، وعصيان ولي الأمر، وقطيعة الأرحام، ومخالفة العلماء، وترك جماعة المسلمين.
معشر الشباب:
احذروا هذه الفتنة الضالة، وأعمِلوا عقولكم في هذه الفتنة، وفكِّروا جيدًا؛ فإن التَبَس عليكم الأمر فاسألوا أهل الفتوى وهيئةَ كبار العلماء وأئمة الحرمَيْن، واستنصِحوا والديكم وقراباتكم، ولا تغترُّوا بمن يُوجِّهونكم إلى دماركم، فهم يُحقِّقون أهدافًا ومصالح لأعداء الإسلام شعروا أو لم يشعروا، وافحصُوا عن تاريخ من يُوجِّهونكم تظهر لكم الحقائق.
والفرصة مُهيَّأة لرجوعكم إلى الصواب، وتسليم أنفسكم إلى ولاة أمركم الذين يرعون مصالح الأمة، ومُهيَّأة لاجتماعكم بذويكم، ولكم تجربة ماثِلة فيمن هداهم الله فرجعوا إلى الحق، وجمع الله شملهم بذويهم، واندمَجوا مع مجتمعهم المسلم، وراعى مصالحهم ولاةُ الأمر، ومن لم يرجِع إلى الحق والصواب فمثلُه كمثل النعجة التي تطرُد الذئب وصاحبُها يُطارِدها ليُنقِذَها منه، فإن أدرَكَها صاحبُها نجَت، وإلا افترَسَها الذئب.
فيا عجبًا ممن يرى طاعةَ مشبوهٍ ومفتونٍ بالبدعة، ولا يرى طاعة والدَيْه ووليَّ أمره وأقربائه.
والتذكُّر والإنابة جعلها الله من صفات أولي الألباب، قال - تبارك وتعالى -: إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ [الرعد: 19]، وقال - تبارك وتعالى -: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (201) وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ [الأعراف: 201، 202].
والغفلة والإصرار على الباطل من صفات المُعرِضين، والله - تبارك وتعالى - بيَّن الحُجَّة وبيَّن للناس الطريق، فما عليك إلا أن تسلُك طريق السلف - رضي الله تبارك وتعالى عنهم -، ومن أفتاك بأن هذا جهاد فإنه قد غرَّر بك، وإن هذا جهادٌ في سبيل الشيطان وليس بجهادٍ في سبيل الرحمن، ومن قتل نفسَه يظنُّ أنه سيدخل الجنة فإنه قاتلٌ نفسَه ظلمًا وعدوانًا، والله - تبارك وتعالى - يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29) وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا [النساء: 29، 30].
ومن قتل نفسه بحديدة فهو يقتل بها نفسَه في نار جهنم، ومن قتل نفسَه بسُمٍّ فإنه يتحسَّاه في نار جهنم.
فاتقوا الله - يا عباد الله -، اتقوا الله - تبارك وتعالى -.
قال الله - عز وجل -: وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [الزمر: 54 - 58].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، ونفعنا بهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله مُعِزِّ من أطاعه واتقاه، ومُذِلِّ من خالف أمره وعصاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له لا إله سواه، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله اصطفاه ربه واجتباه، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد، ومن اتبع هداه.
أما بعد:
فاتقوا الله - أيها المسلمون - حق التقوى، وتمسَّكوا من الإسلام بالعُروة الوُثقى، واطلبوا مرضاة الله - تبارك وتعالى - في السر والعلانية والنجوى، فإنه - تبارك وتعالى - يقول: {هو أهل التقوى وهل المغفرة}، أهلٌ أن يُتَّقى، وهو أهلٌ أن يُطاعَ فلا يُعصَى.
أيها المسلمون:
إنه قد جاء الحديثُ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث حذيفة - رضي الله تعالى عنه - قال: إن النبي - عليه الصلاة والسلام - قال: «إن الفتن تُعرَضُ على القلوب كالحصير يُعرَضُ عودًا عُودًا، فأيُّ قلبٍ أُشرِبَها نُكِتَت فيه نُكتةٌ سوداء، وأيُّ قلبٍ أنكرَها فإنه تُنكَتُ فيه نُكتةٌ بيضاء، حتى تكون القلوب على قلبَيْن: قلب مثل الصفا أبيض لا تضرُّه فتنةٌ ما دامت السماوات والأرض، وقلب كالكوزِ مُجخِّيًا - أي: مائلاً -، لا يعرِفُ إلا ما أُشرِب من هواه، يرى الحسن قبيحًا والقبيحَ حسنًا».
فاتقوا الله - أيها الناس -.
وجاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا يؤمن أحدُكم حتى يكون هواه تبَعًا لما جِئُتُ به».
فيا عباد الله:
إن الفتن أخبر بها النبي - عليه الصلاة والسلام -، وإنها وقعت في العصر الأول بعد موت النبي - عليه الصلاة والسلام -، ولا تزال تظهر في كل زمان، ولكن الله - تبارك وتعالى - بيَّن لنا في كتابه كل شيء.
يقول عليٌّ - رضي الله عنه - لما سألوه عن الفتن، قالوا: والمخرجُ منها؟ - يرفعُه إلى النبي - عليه الصلاة والسلام - قال: «المخرجُ من الفتن كتابُ الله؛ فيه خبرُ ما قبلكم، ونبأُ ما بعدكم، فتمسَّكوا به ..» في حديثٍ طويلٍ عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
فيا أيها الناس:
إن المخرج من كل فتنة: هو أن تعرِفَ الحق فيها، وأن تعرِفَ الباطل فيها، وأن تتمسَّك بالحق، وأن تكون مع أهل الحق المُفلِحين، وأن تترك الباطل وأن تكون مُنابِذًا لحزب الشيطان الخاسرين.
فاتقوا الله - أيها المسلمون -، واعلموا أنكم غدًا بين يدي الله مسؤولون.
عباد الله:
إن الله أمركم بأمرٍ بدأ فيه بنفسه، فقال - تبارك وتعالى -: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56]، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على سيد الأولين والآخرين، اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، اللهم بارِك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد.
اللهم وارضَ عن الصحابة أجمعين، اللهم وارضَ عن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدِلون: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم وارضَ عنَّا بمنِّك وكرمك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذِلَّ الكفر والكافرين، اللهم أبطِل مكر أعداء الإسلام يا رب العالمين، اللهم أبطِل تخطيطات أعداء الإسلام التي يُخطِّطون بها لضرَر الإسلام يا رب العالمين، إنك على كل شيء قدير.
اللهم اكفِنا والمسمين مكر أعداء الإسلام يا رب العالمين، اللهم اكفِنا شر المنافقين يا رب العالمين، إنك على كل شيء قدير.
اللهم احفظنا وذريَّاتنا من مُضِلاَّت الفتن، اللهم احفظنا وذريَّاتنا من مُضِلاَّت الفتن، اللهم احفظ المسلمين وذريَّاتهم من مُضِلاَّت الفتن يا رب العالمين، اللهم احفظنا وذريَّاتنا من إبليس وذريَّته وشياطينه وجنوده يا رب العالمين، إنك على كل شيء قدير.
اللهم ألهِمنا رُشدنا وقِنا شرور أنفسنا، اللهم أعِذنا من شرور أنفسنا، وأعِذنا من شر كل ذي شرٍّ يا رب العالمين، اللهم اكفِنا شر المُعتدين يا رب العالمين، إنك على كل شيء قدير.
ربنا اغفر لنا ذنوبنا، اغفر لن ما قدَّمنا وما أخَّرنا، وما أسرَرْنا وما أعلنَّا، وما أنت أعلمُ به منَّا، أنت المُقدِّم وأنت المُؤخِّر، لا إله إلا أنت.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح اللهم ولاة أمورنا.
اللهم وفِّق وليَّ أمرنا خادم الحرمين الشريفين لما تحب وترضى، اللهم وفِّقه لهداك، واجعل عمله في رضاك، وانصر به الدين يا رب العالمين، اللهم ارزقه الصحة، إنك على كل شيء قدير، اللهم ارزقه الصحة والعافية ليعود سالمًا مُعافىً، إنك على كل شيء قدير.
اللهم وفِّق نائبَيْه لما تحب وترضى، اللهم وفِّقهما لهداك، واجعل عملهما في رضاك، اللهم وانصر بهم الدين، إنك على كل شيء قدير، يا رب العالمين.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة: 201].
اللهم ألِّف بين قلوب المسلمين، اللهم اغفر لأمواتنا وأموات المسلمين يا رب العالمين.
عباد الله:
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ [النحل: 90، 91].
واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزِدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.