×
الأذكار النووية : طبعة متميزة من كتاب الأذكار للإمام النووي - رحمه الله - والذي يُعد من أنفس كتب الأذكار؛ حتى قيل عنه: «بع الدار، واشتر الأذكار»؛ فقد جمع فيه ما يحتاجه المسلم من الأذكار في يومه وليله، وما يحدث له من أمور عارضة.

 الأذكار النووية

الإمام النووي

باب المقدمات:

 كلمة الناشر:

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ربّ العالمين، وأفضلُ الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. ترجمة المؤلف: اسمه: هو الإمام أبو زكريا [ولا زكريا له؛ لأنه لم يتزوج] محيي الدين [ونقل عنه أنه قال: لا أجعل في حل من لقبني محيي الدين] يحيى بن أبي يحيى شرف بن مِرَى أو مُرِّي بن حسن بن حسين بن محمد بن جمعة بن حزام الحزامي النَّوَوِي [نسبة لبلدة نوى السورية الواقعة إلى الجنوب الغربي من دمشق على حدود هضبة الجولان من أرض حوران، على بعد 70كم تقريبًا] الحوراني الدمشقي. مولده ووفاته: ولد في العشر الأوسط من المحرم سنة إحدى وثلاثين وست مائة من الهجرة، 1233م، بنوى، وتوفي في ليلة الأربعاء في الثلث الأخير من الليل، رابع والعشرين من شهر رجب سنة ست وسبعين وست مائة، 1277م، بنوى أيضًا؛ وقبره معروف فيها إلى اليوم.

نشأته: تعلم وحفظ القرآن ببلدته نوى، ثم قدم به والده إلى دمشق وكان عمره تسع عشرة سنة في سنة تسع وأربعين، فسكن المدرسة الرواحية الواقعة شرقي المسجد الأموي ولصيقته من جهة الشمال. حج مع والده سنة إحدى وخمسين وست مائة. كان مواجهًا للملوك والجبابرة بالإنكار، لا تأخذه في اللَّه لومة لائم، وكان إذا عجز عن المواجهة كتب الرسائل. صفاته: كان إمامًا في العلم والعبادة والزهد وصيام الدهر والورع وعدم إضاعة الوقت. مؤلفاته: وهي كثيرة، منها: "الأذكار"، "الأربعون الحديث النبوية"، "إرشاد طلاب الحقائق إلى معرفة سنن خير الخلائق"، "الأصول والضوابط"، "الإيجاز في مناسك الحج"، "الإيضاح في مناسك الحج"، "بستان العارفين"، "التبيان في آداب حملة القرآن"، ومختصره، "روضة الطالبين"، "رياض الصالحين"، "المجموع شرح المذهب"، "المقاصد الحسان"، "المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج"، "منهاج الطالبين".

هذا الكتاب: يعد كتاب: الأذكار من أشهر كتب الإِمام النووي -رحمه الله تعالى- ويتنازع مع كتاب: رياض الصالحين، على هذه الشهرة، فكثرة طبعاته وانتشاره يجعله يأتي بعد رياض الصالحين؛ فقلّما يخلو بيت مسلم من نسخة من هذا الكتاب. وهو من أهم الكتب وأكثرها انتشارًا التي جمعت أذكار اليوم والليلة، ولولا حجمه لكان انتشاره أكثر من صنوه رياض الصالحين. وهو من أنفس الكتب الجامعة للأذكار بشكل عام مع ذكر الدليل والتحقيق فيها وذكر الأحكام التي لها صلة بها، إذا جمع ما يحتاج إليه في سائر الأحوال من أذكار ودعوات في اليوم والليلة وعلى مدار العام، بل في جميع العمر. فهو عدة للمتعبدين والذاكرين، ودليل للمتصوفين بشكل خاص، ولعامة المسلمين بشكل عام. فالعالم لا يُستغنى عن الرجوع إليه في موضوعه، والخطيب جل اعتماده عليه، والمثقف لا يفتر عن النظر إليه، والصوفي والذاكر لا يمل منه، بل يجد مطالعه والمراجع له فيه أحكامًا فقهية وفوائد علمية كثيرة. ولا شك أن لصدق مؤلفه وإخلاصه أكبر الأثر وأعظم السبب في هذا الرواج والانتشار؛ حيث إن إخلاصه وصلاح نيته دعاه لبناء كتابه بشكل يفيد عامة المسلمين وخواصهم، فيجدون فيه تلبية لحاجاتهم ومنهلاً لتعلمهم وتثقفهم في دينهم. ولما سبق قيل: "بع الدار واشترِ الأذكار". وقال أحدهم: ليس يذكر من لم يقرأ الأذكار. وقال الشيخ المحدِّث أبو المواهب نجم الدين محمد بن أحمد السكندري الغيطي "910 - 981 هـ، 1504 - 1573م" من الطويل: تمسك بآثار النووي واعتصم ... وسرح عيون الفكر في الروضة الغنا ولازم حمى أذكاره ورياضه ... تقر بمنهاج له رائق المعنى

بدأ الإِمام النووي -رحمه الله تعالى- كتابه بمقدمة بيَّن فيها سبب تأليفه للكتاب وهدفه، فقال: أردت مساعدة أهل الخير بتسهيل طريقه، والإِشارة إليه، وإيضاح سلوكه، والدلالة عليه، ثم رسم مخطط كتابه: فقال: فأذكر في أوَّلِ الكتاب فصولاً مهمة يحتاجُ إليها صاحبُ هذا الكتاب وغيره من المعتنين. ثم أردف مبينًا مصادره وموارده في الكتاب قائلاً: وأقتصر في هذا الكتاب على الأحاديث التي في الكتب المشهورة التي هي أصول الإِسلام، وهي خمسة: صحيح البخاري، وصحيح مسلم، وسنن أبي داود، والترمذي، والنسائي. وقال: وقد أروي يسيراً من الكتب المشهورة وغيرها. وقال: وأما الأجزاء والمسانيد، فلستُ أنقل منها شيئاً إلا في نادر من المواطن، ولا أذكرُ من الأصول المشهورة أيضاً من الضعيف إلا النادر مع بيان ضعفه، وإنما أذكر فيه الصحيح غالباً. ومثل ذلك قال في رياض الصالحين: وألتزم فيه أن لا أذكر إلا حديثًا صحيحًا من الواضحات، مضافًا إلى الكتب الصحيحة المشهورات. ومن المفيد بيان مقصود الإِمام النووي -رحمه الله تعالى- من كلامه، وهو: أن منهج الإِمام النووي -رحمه الله تعالى- ومراده من قوله السابق هو الاصطلاح القديم الذي يجعل المقبول من الحديث قسمًا واحدًا، وهو قسم الصحيح، وهو الحديث القوي الذي يشمل الحسن وما فوقه، والذي كان عليه علماء الحديث قبل أن يشهر الترمذي تبعًا لشيخه البخاري، تقسيم الحديث المقبول إلى صحيح وحسن، وهذا الذي حاول أن يذكره الشيخ ناصر الدين الألباني في مقدمته لـ: رياض الصالحين، وقال: وذلك استعمال جائز لا غبار عليه. ثم أضاف: وقد جريت عليه في كثير من مصنفاتي، مثل: صحيح الجامع الصغير وزيادته ورسالتي: صحيح الكلم الطيب، وصحيح أبي داود، وسلسلة الأحاديث الصحيحة، وغيرها. اهـ. وقبل الشيخ ناصر الدين الألباني قال ابن علاّن شارح "الأذكار": مراد النووي من الصحيحة المقبولة، فتشمل الحسن ولو لغيره، والضعيف المقبول في موطنه. اهـ.

ويقول الإمام النووي: لا أذكر في الباب من الأحاديث إلا ما كانت دلالته ظاهرة في المسألة. وأستطيع أن أضيف على ما ذكر الإِمام النووي -رحمه الله تعالى- أنه كان ينقل في كتابه عن كتب الفقه واللغة، وكتب شروح الحديث، مثل: الأحوذي شرح الترمذي، ومعالم السنن. على كل يمكن مراجعة القائمة المتضمنة مصادر الكتاب لمعرفة المزيد من الكتب التي اعتمد عليها الإِمام النووي، رحمه الله تعالى. وبَيَّن الإِمام النووي -رحمه الله تعالى- ما يريد من كتابه بكل وضوح: فلهذا أرجو أن يكون هذا الكتاب أصلاً معتمدًا. وأعتقد، بل أجزم إن الله تعالى حقق للإمام النووي -رحمه الله تعالى- ما أراده. وعلى عادة الإِمام النووي -رحمه الله تعالى- بدأ كتابه بباب الإخلاص واستحضار النية الصالحة، وهذا واضح تمامًا في مؤلفات الإِمام النووي -رحمه الله تعالى- ولعل بمراجعة ما نقله عن حديث: "إنَّما الأعْمالُ بالنِّيَّاتِ" في كتابه "بستان العارفين"1، نعرف سبب حرص الإِمام النووي -رحمه الله تعالى- على البداءة دائمًا في مؤلفاته بالكلام على الإخلاص والنية؛ حيث يقول: واستحب العلماء -رضي الله تعالى عنهم- أن تُسْتَفْتَحَ المصنفات بهذا الحديث، وممن بدأ به في أول كتابه الإمام أبو عبد الله البخاري -رحمه الله- في أول حديثه في صحيحه، الذي هو أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى. وروينا عن الإِمام أبي سعيد عبد الرحمن بن مهدي -رحمه الله- قال: لو صنفت كتابًا بدأت في أول كل باب منه بهذا الحديث. وروينا عنه أيضًا، قال: مَنْ أَرَادَ أن يُصنِّفَ كتاباً فليبدأ بهذا الحديث. وروينا عن الإِمام أبي سليمان أحمد بن محمد بن إبراهيم الخطَّابي -رحمه الله- فيما قرأته في أول كتابه "الإعلاء"، في شرح صحيح البخاري، قال: كان المتقدمون من شيوخنا يستحبُّون تقديم حديث: "الأعمال بالنيّة" أمامَ كل شيء يُنشأ ويُبتدأ من أمور الدين، لعموم الحاجة إليه في جميع أنواعها. __________ 1 راجع طبعتنا لـ"بستان العارفين" الصادرة عن الجفان والجابي للطباعة والنشر، ليماسول قبرص.

وبلغنا عن جماعات من السلف -رضي الله تعالى عنهم- أشياء كثيرة من نحو هذا من الاهتمام بهذا الحديث، والله أعلم. انتهى نقلاً عن "بستان العارفين". وسمة الإخلاص والصدق في صلاح النية هي أبرز صفة في الإِمام النووي -رحمه الله تعالى- حيث تتجلى هذه الصفة دائمًا في كل كتاباته ومؤلفاته. ولنعود إلى الكلام عن بنية كتاب "الأذكار"، فأقول: ثم انتقل إلى تعريف القارئ بأن المقصود من خلال الإنسان عبادة الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] وَإنَّ اللَّهَ تَعالى قال: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة: 152] ثم بعد ثبوت ذلك يجدر بالإنسان العاقل أن يسلك الطريق الصواب لتحقيق المقصود، ولا شك أن الصواب في اتباع ما أنزل على سيدنا ونبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- وهو القرآن الكريم، وكذلك اتباع ما ورد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أخبار صحيحة. لقد أجاد الإِمام النَّوَوِي -رحمه الله تعالى- في تأليف كتابه، ونفع الله المسلمين به، فرحمه الله تعالى وجزاه خيرًا عليه. فـ"الأذكار" كتاب مفيد، يجدر بكل مسلم أن يقرأه ويرجع إليه، فيكفي أنه مليء بتحقيقات وتعليقات الإِمام النووي -رحمه الله تعالى- فتعليقات الإِمام النووي -رحمه الله تعالى- لها نكهة خاصة، يشعر قارئها بالفائدة والحاجة إليها، بل يستطيع أن يتذوقها ويتلذذ بمذاقها، ويتمتع بها؛ فهي مليئة بالإخلاص والوضوح، رحمه الله تعالى. أنهى الإِمام النووي -رحمه الله تعالى- تأليف كتابه "رياض الصالحين"، يوم الاثنين رابع شهر رمضان سنة سبعين وست مائة كما ورد في نهاية الكتاب.

وفي بعض نسخ "رياض الصالحين"، ورد التاريخ أنه "رابع عشر رمضان"، فإذا علمنا أن شهر رمضان لا يفرد دون كلمة شهر كباقي الأشهر التي تبدأ بحرف الراء، يغلب على الظن أن كلمة "شهر"، قد تصحفت إلى "عشر"، كما ورد في بعض النسخ، وأن الأقرب إلى الصواب والذي يطمئن له القلب هو رابع شهر رمضان لا رابع عشر رمضان. وأنهى الإِمام النووي -رحمه الله تعالى- تأليف كتابه "الأذكار" في المحرم سنة سبع وستين وست مائة كما ورد في نهاية الكتاب، وفي نسخة مقروءة على المؤلف رآها الإمام الحافظ السخاوي سنة 665 هـ، والمهم هو أن كتاب "الأذكار" سابق في التأليف لكتاب "رياض الصالحين". وسيجد القارئ من خلاله ما أثبته من زيادات على الأصل الذي طبعته والمحصورة ضمن معقوفتين [] ترابط الكتابين المتين، حيث إنهما نهلا من مصادر واحدة وبزمن متقارب ومتتالي، بل نجد أحيانًا اختصارًا لما ورد في الأذكار أو استدراكًا لما ورد فيه بزيادة تناسب موضوع رياض الصالحين، بل سيتلمس القارئ ترابط كتب النووي -رحمه الله تعالى- ببعضها. ولا شك عندي أن النووي -رحمه الله تعالى- كان يعتمد جهوده التي بذلها في تأليف كتبه السابقة في بناء كتبه اللاحقة، ففي التي سبقت تأليف رياض الصالحين على سبيل المثال، فعل ذلك وبخاصة "الأذكار". فكل مدقق في طبعة رياض الصالحين التي أخرجتها وملاحظ لما أثبته فيها من إحالات إلى كتاب "الأذكار"، يكون الدليل بين يديه لصحة ما ذكرته، بل إننا نجد إحالات من الإِمام النووي -رحمه الله تعالى- إلى كتاب الأذكار حيث يكون أوضح المسألة بشكل أفضل، راجع مثلا تعليق الإمام النووي عقب الحديث رقم: 1590، أو ما ذكره في الباب رقم: 261 -بابُ بَيانِ ما يجوز من الكذب- من كتاب: رياض الصالحين. وهناك فقرات طويلة كاملة وردت في كتابه "الأذكار"، نجدها كما هي في "رياض الصالحين"، مثال على ذلك ما وردَ في الكتابين عن التوبة.

اسم الكتاب: ذكر شارح الأذكار محمد علي بن محمد علان البكري الصديق الشافعي، اسم الكتاب في مقدمة شرحه فقال: "حلية الأبرار وشعار الأخيار في تلخيص الدعوات والأذكار"، وبهذا الاسم ذكره المولى مصطفى بن عبد الله القسطنطيني الرومي الحنفي الشهير بالملا كاتب الجلبي والمعروف بحاجي خليفة، 1017- 1067 هـ، 1609، 1657م، في كتابه: كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون. أما الأسماء الأخرى فاستعرضها اعتمادًا على ما ورد على صفحات العنوان في المخطوطات التي اطلعت عليها: "الأذكار". "الأذكار النَّوَورية". "الأذكار من أحاديث المختار". "حلية الأبرار وشعار الأخيار". مصادر "الأذكار": اعتمد الإِمام النووي -رحمه الله تعالى- في الأخبار الواردة عن القرآن على ابن أبي داود في كتابه "شريعة القارئ"، علمًا أن الإِمام النووي -رحمه الله تعالى- لم يصرح باسم الكتاب، وإنما كان يذكر فقط الرواية عن ابن أبي داود، والذي صرح بالاسم هو الحافظ ابن حجر العسقلاني -رحمه الله تعالى- وعنه نقل الشارح ابن علان اسم الكتاب؛ ولهذا الاعتماد على "شريعة القاري"، كان الحافظ ابن حجر العسقلاني -رحمه الله- يعترض على الإِمام النووي -رحمه الله- أنَّ ابن أبي داود أورد هذا الخبر لكن الإِمام النووي -رحمه الله تعالى- لم يشر إليه، فكأنه يقول: إن الإِمام النووي -رحمه الله تعالى- اعتمد هذا الكتاب لكنه أغفل ذكر هذا الموضوع الذي أورده الكتابُ المعتمدُ عليه.

وهذه قائمة بأسماء الكتب التي نقل عنها المؤلف والتي وردت ضمن الكتاب: "الأحوذيّ في شرح الترمذي" لأبي بكر محمد بن عبد الله المعافري الإشبيلي المالكي، المعروف بابن العربي، 468-543 هـ، 1076-1148م. "إحياء علوم الدين" لحجة الإسلام أبي حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي، 450-505 هـ، 1058-1111م. "الأربعون" لعبد القادر بن عبد الله الفهمي الرهاوي ثم الحراني، 536-612 هـ، 1141-1215م. "الإشارة" لأبي الفتح سُليم بن أيوب الرازي الشافعي، 365-447 هـ، 975-1055م. "الأم" لأبي عبد الله محمد بن إدريس الهاشمي القرشي الْمُطَّلِّبِي، الإمام الشافعي، 150-204 هـ، 767-820م. "البحر" للروياني، أبي المحاسن عبد الواحد بن إسماعيل بن أحمد، 415-502هـ، 1025-1108، الفقيه الشافعي. "البسيط في التفسير" لأبي الحسن علي بن أحمد الواحدي النيسابوري، 000- 468هـ، 000-1076م. "التبيان في آداب حملة القرآن" للإمام النووي رحمه الله. "التتمة" لأبي سعيد عبد الرحمن بن مأمون النيسابوري المتولي الشافعي، 426- 478 هـ، 1035-1086م، أو تتمة الإبانة، وهو شرح لكتاب الإبانة: لأبي القاسم عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن فوران الفوراني، 388-461 هـ، 998-1069م. "التعازي" لأبي الحسن علي بن محمد بن عبد الله المدائني، 135-225 هـ، 752-840م.

"التعليق" للقاضي حسين بن محمد بن أحمد الْمَروَرُّوذي الشافعي، 000-462 هـ، 000-1069م. "تفسير الموطأ" لابن مُزَين المالكي، يحيى بن إبراهيم، ... -259هـ، 000-873م. "التهذيب" لأبي الفتح نصر بن إبراهيم بن نصر بن إبراهيم النَّابُلُسِي المقدسي، 377-390هـ، 987-1096م. وهو شرح لكتاب التقريب لأبي الفتح سُليم بن أيوب الرازي الشافعي، 365-447هـ، 975-1055م. "تهذيب الأسماء واللغات" للإمام النووي رحمه الله. "الجمع بين الصحيحين" للحُميدي، أبي عبد الله محمد بن أبي نصر فَتُّوح، 420 -488هـ، 1029-1095م، المؤرخ والمحدث الأندلسي. "الحاوي" لأبي الحسن علي بن محمد حبيب الْمَاوَرْدِي، 364-450هـ، 974-1058م. "حلية الأولياء" لأبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني، 336-430هـ، 948 -1038م. "الرسالة القشيرية" لزين الإسلام أبي القاسم عبد الكريم بن هوازن النيسابوري القشيري، 376-465هـ، 986-1072م. حلية العلماء في مذاهب الفقهاء، هو المستظهري: لأبي بكر فخر الإسلام محمد بن أحمد بن القفال الشاشي الشافعي، 429-507هـ، 1037-1114م. "السنن الكبرى" للبيهقي، أبي بكر أحمد بن الحسين بن عليّ، 384-458هـ، 994-1066م، أحد أئمة الحديث الشافعية. "السنن" للترمذي، أبي عيسى محمد بن عيسى بن سَورة السلمي البوغي، 209-279هـ، 824-892م.

"السنن" للدراقطني، أبي الحسن علي بن عمر بن أحمد بن مهدي، 306-385هـ، 919-995م. "السنن" لأبي داود، سليمان بن الأشعث الأزدي السجستاني، 202-275هـ، 817-889م. "السنن" لابن ماجه، أبي عبد الله محمد بن يزيد الربعي القزويني، 209-273هـ، 724-887م. "السنن" بما فيها "الكبرى" للنسائي، أبي عبد الرحمن أحمد بن علي بن شعيب، 215-303هـ، 830-915م. "الشامل" لأبي نصر عبد السيد بن محمد بن عبد الواحد بن الصباغ البغدادي 400-477هـ، 1010-1084م. "شرح أسماء الله الحسنى" لأبي جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل النحاس، 000-338هـ، 000-950م. "شرح مختصر المزني" لأبي إسحاق إبراهيم بن أحمد الْمَرْوَزِي الشافعي، ... - 340هـ، ... -951م. "شرح الموطأ" = "تفسير الموطأ". "شعب الإيمان" لأبي عبد الله الحسين بن الحسن بن محمد بن حليم البخاري الجرجاني الحليمي، 338-403 هـ، 950-1012م. "الشمائل النبوية" للترمذي، أبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة السلمي البوغي 209-279هـ، 824-892م. "الصحاح" للجَوهَرِي، أبي نصر إسماعيل بن حماد،.....-393هـ،.....-1003م) . "الصحيح" للإسماعيلي، أبي بكر أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل، 297-371هـ، 910-982م.

"الصحيح" للبخاري، أبي عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة الجعفي 194-256هـ، 810-870م. "الصحيح المستخرج على الصحيحين، المسند" للبرقاني، أبي بكر أحمد بن محمد بن أحمد بن غالب 336-435 هـ، 948-1034م. "الصحيح" لابن خزيمة، أبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة السلمي النيسابوري 223-311هـ، 838-924م. "الصحيح" لمسلم، أبي الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري 304-261هـ، 820-875م. "صناعة الكُتَّاب" لأبي جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل النحاس، ... -338هـ، ... -950م، هو: عمدة الكُتَّاب، التالي. "عمدة الكُتَّاب" لأبي جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل النحاس، ... -338هـ،.....-950م، هو: صناعة الكُتَّاب، السابق. "غريب الحديث" لأبي عبيد أحمد بن محمد الباشاني الهروي، ... -401هـ،.... -1011م. "غريب الحديث" لأبي سليمان حمد بن محمد الخطابي، 319-388هـ، 931 -998م. "الفتاوى" لأبي عمرو تقي الدين عثمان بن عبد الرحمن الشَّهْرَزُورِي، ابن الصلاح، 577-643هـ، 1181-1245م. "غريب الحديث" لأبي إسحاق إبراهيم بن إسحاق الحربي، 198-285هـ، 815-898م. "القواعد الكبرى" لأبي محمد عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام السلمي الدمشقي، الملقب بسلطان العلماء، 577-660هـ، 1181-1262م.

"المجموع شرح المهذب" للإمام النووي -رحمه الله تعالى- مع أن الإِمام النووي -رحمه الله تعالى- أشار فيه إلى "رياض الصالحين"، راجعه: 179/3، 395/4، 481. "المختصر" لأبي إبراهيم بن يحيى المزني، 175-264هـ، 791-878م. المستدرك على الصحيحن: للحاكم، أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن حمدويه بن نعيم الضبي الطهماني النيسابوري، المعروف بابن البَيِّع، 321-405هـ، 933-1014م. المستظهري، هو حلية العلماء في مذاهب الفقهاء. "المسند" لأحمد، أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الوائلي، 164-241هـ، 780-855م. "المستند" للبزار، أبي بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البصري، ... -292هـ، ... -905م. "المسند" للحُميدي شيخ البخاري، أبي بكر عبد الله بن الزبير الحميدي الأسدي، ... -219هـ، ... -834م. "المسند" للدَّارِمي، أبي محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل بن بهرام التميمي السمرقندي، 181-255هـ، 797-869م. "المسند" لأبي يَعْلى أحمد بن علي التميمي الموصلي، ... -307هـ، ... -919م. "مشارق الأنوار" للقاضي عياض، أبي الفضل عياض بن موسى بن عياض بن عمرون اليحصبي السَّبْتِي، 476-544هـ، 1083-1149م. "مطالع الأنوار على صحاح الآثار"، في فتح ما استغلق من كتاب

"الموطأ"، ومسلم والبخاري وإيضاح مبهم لغاتها؛ لابن قرقول، أبي إسحاق إبراهيم بن يوسف الوهراني الحمزي، 505-569هـ، 1111-1174م. "معالم السنن" للخطابي، أبي سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب البُستي 319-388هـ، 931-998م. "معرفة علوم الحديث" للحاكم، أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن حمدويه بن نعيم الضبي الطهماني النيسابوري، المعروف بابن البَيِّع، 321-405هـ، 933-1014م. "المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج" للإمام النووي -رحمه الله تعالى- مع أن الإِمام النووي -رحمه الله تعالى- أشار فيه إلى "رياض الصالحين"، راجعه: 8/ 183. "الموضوعات" لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن الجوزي القرشي البغدادي، 508-597هـ، 1114-1201م. "الموطأ" لمالك، أبي عبد الله مالكُ بن أنس بن مالك الأصبحي الحِمْيَرِي، 93- 179هـ، 712-795م. "النهاية في غريب الحديث" لأبي السعادات مجد الدين مبارك بن أبي الكرم محمد، بن الأثير الْجَزَرِي، 544-606هـ، 1150-1210م. كتب حول كتاب الأذكار: اختصره المؤلف كما وجدت في فهارس المخطوطات، منه نسخة في يني جامع بإستانبول 14 [276] . اختصره محمد بن علي قاسم البلتاجي الشافعي بعنوان "الأنوار المضيئة مختصر الأذكار النووية". منه مخطوطة محفوظة بدار الكتب، القاهرة، 1/م12 [2054] كتبت سنة 1283 هـ. ونسخة محفوظة في

جامعة الرياض، جامعة الملك سعود، 338/4 [3565] 58 ورقة، من القرن 13هـ، تقديرًا. اختصره شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن أبي بكر بن عبدُ الملك بن أحمد القسطلاني، 851-923هـ، 000-000م، منه نسخة في الأزهرية بالقاهرة 595/1 [3212، 43093] 145 ورقة، كتبت سنة 1116هـ. علمًا أن للقسطلاني كتابًا اسمه "الأنوار في الأدعية والأذكار"، واختصره بكتاب سماه "اللوامع في الأدعية والأذكار الجوامع". اختصره شهاب الدين أحمد بن الحسين، ابن رسلان الرملي المقدسي الشافعي 773-844هـ،1371-1440م. اختصره شمس الدين محمد بن محمد القاهري الشافعي الحجازي القاضي القليوبي 000-849هـ، 000-1445م. أملى عليه الحافظ شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني رحمه الله،773-852هـ، 1372-1449م) أمالي استخرج فيها أحاديثه وبَيَّنَ مرتبة أحاديث الكتاب من صحة أو حسن أو ضعف أو اضطراب، ومات قبل إكمالها، وأملى متممًا لذلك تلميذه الحافظ السخاوي، وتوفي قبل الإكمال أيضًا، ومجموع الأمالي في نحو ثلاثة مجلدات، وطبع الأستاذ حمدي عبد المجيد السلفي 220 مجلسًا ثم أوصلهم إلى المجلس رقم: 292 بثلاثة مجلدات باسم: نتائج الأفكار في تخريج أحاديث الأذكار، الطبعة الثانية الصادرة عن دار ابن كثير، عام 1421هـ، 2000م، جاء في آخرها: آخر المجلس الحادي والتسعين بعد المائتين من التخريج، وهو الحادي والسبعون بعد الست مائة من الأمالي المصرية بالبيبرسية رواية كاتبه البقاعي. أ. هـ. وتضم مطبوعة حمدي عبد المجيد السلفي ثلاثة أجزاء، تضم 291 مجلسًا، متوزعة كما يلي:

الجزء الأول: يضم المجالس 1-110. الجزء الثاني: يضم المجالس 111-220. الجزء الثالث: يضم المجالس 221-291. وهذه المجالس تستغرق تخريج كتاب "الأذكار"، إلى الفقرة 636، ومن كتاب "تحفة الأبرار بنكت الأذكار"، للحافظ جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي إلى الفقرة رقم: 46، بينما يستمر كتاب السيوطي ليغطي لغاية الفقرة رقم: 1245 من كتاب "الأذكار". وإذا علمنا أن ابن حجر أملى 660 مجلسًا على كتاب "الأذكار"، كما يقول تلميذه شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي المتوفى سنة 902هـ في "الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر"، صفحة: 583؛ يكون المطبوع يساوي أقل بقليل من نصف الذي أملاه ابن حجر، والذي أملاه ابن حجر يغطي نصف الكتاب وزيادة. وإتمامًا للفائدة فإن السخاوي شرع في إكمال تخريج: الأذكار، [راجع: الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر، صفحة: 587] لكن لم يكمل. وذكر حمدي السلفي في المقدمة أنه حصل على مصورات مخطوطات للمجالس الباقية، وصلت أرقام مجالسها إلى 642. اختصره جلال الدين عبد الرحمن بن أبى بكر الخضيري السيوطي، 849-911 هـ، 1445-1505م، وسماه "أذكار الأذكار"، ثم شرحه. وله كذلك "تحفة الأبرار بنكت الأذكار"، جمع فيه أهم أمالي ابن حجر وما تضمنت من تصحيحات واعتراضات، وأضاف إليه أشياء قليلة. اختصره محمد بن عمر الْحِمْيَرِي الحضرمي الشافعي الشهير بِبَحْرَق، 869-930هـ، 1465-1524م.

"إتحاف الأخيار في نكت الأذكار" لشمس الدين محمد بن علي، ابن طولون الدمشقي الصالحي الحنفي، 880-953هـ، 1475-1546م. "الفتوحات الربانية على الأذكار النووية"، لمحمد بن علي بن محمد علان بن إبراهيم البكري الصديقي الشافعي، 996-1057هـ، 1588-1647م. وقد طبع بسبعة مجلدات بمصر، طبعته جميعة النشر والتأليف الأزهرية، بإدارة الشيخ محمود حسن ربيع، وبتصحيح الشيخ علي حسن البولاقي، وصورت هذه الطبعة في لبنان عدة مرات. وضع نور الدين أبو الضياء علي بن علي الشَّبْرَامَلِّسِي، 997-1087هـ، 1588-1676م، فهرسًا له بعنوان "فهرس الأذكار النووية"، راجع فهرس الأزهرية 363/1 [3107، زكي 41650]-"12و". "حاشية" لنور الدين أبي الحسن بن عبد الهادي السندي التتوي الحنفي المدني نزيل المدينة المنورة، 000-1138هـ، 000-1726م. راجع: هدية العارفين، 318/2. ترجمات الأذكار: ترجمة فرنسية لـ N.YOUNES وراجعها فوزي شعبان Fawzi CHAABAN تحت عنوان Les invocations، طبعتها دار الفكر ببيروت سنة 1994م، بمجلدين. أهم طبعات الأذكار: الطبعة الأولى للكتاب طبعت في مطبعة عبد الرزاق بمصر، سنة 1306هـ باسم "حلية الأبرار وشعار الأخيار في تلخيص الدعوات والأذكار"، راجع "معجم المطبوعات العربية والمعربة"، ليوسف إليان سركيس صفحة: 1878.

ثم طبع باسم "الأذكار المنتخبة من كلام سيد الأبرار"، في المطبعة الميمنية بمصر، سنة 1312هـ، وعلى هامشه بعض التقييدات من شرح ابن علان، راجع "معجم المطبوعات العربية والمعربة"، ليوسف إليان سركيس صحفة: 1876. طبعة مطبعة الملاح بدمشق سنة 1971م، بتحقيق وتعليق للشيخ عبد القادر الأرناؤوط حفظه اللَّهَ تَعالى. ثُمَّ أعيدت هذه الطبعة سنة 1409هـ، 1988م، في دار الهدى للنشر والتوزيع بالرياض، السعودية. ثم هناك كثير من الطبعات لكنها لا تتضمن ميزات فارقة. ميزات الطبعة التي عملت على إخراجها ومبررات طباعتها: لقد أردت من هذه الطبعة أن تكون واضحة الحرف، صحيحة الترقيم، سهلة المتناول، قليلة التعليق، موثقة الأصل. لذلك اعتمدت كأصل لهذه الطبعة: 1- الفتوحات الربانية على الأذكار النووية: لمحمد بن علي بن محمد علان بن إبراهيم البكري الصديقي الشافعي، 996-1057هـ، 1588-1647م، وهو شرح لكتاب "الأذكار"، فاستعنت به خاصة في ما نقله عن ابن حجر من "نتائج الأفكار"، بالقسم الذي لم يطبع منه، وكذلك مما أورده من خلافات النسخ ووصف للأصول التي اعتمدها أو نقل عنها. وقد نقلت ما هو جدير بالنقل من حيث الذي أردته من هذه الطبعة. وكذلك فرغت هذه المواد من القسم المطبوع من "نتائج الأفكار". 2- رجعت إلى عدة مخطوطات محفوظات اليوم في مكتبة الأسد، وهي من مخطوطات المكتبة الظاهرية:

أ- رقم: 433 حديث، عدد أوراقها: 179، وهي بالأصل من مخطوطات وقف الشيخ عثمان الكردي. ب- رقم: 7017 عام، عدد أوراقها: 173. ج- رقم: 5417 عام، عدد أوراقها: 175. د- رقم: 6201 عام، عدد أوراقها: 173. هـ- رقم: 8255 عام، عدد أوراقها: 170. و رقم: 8822 عام، عدد أوراقها: 164. 3- رجعت إلى مخطوطتين من مقتنيات الأستاذ زهير الشاويش صاحب المكتب الإسلامي للطباعة والنشر، كل واحدة منها تمثل جزءًا من الكتاب. 4- رجعت إلى أصول الكتاب لبيان صحة النقل وصحة النسخ، فصححت إن كان هناك سقط أو تصحيف، راجع مثالاً على ذلك النقل عن كتاب: الأفعال، للسرقسطي في النص رقم: 752، حيث تجد أنَّ السقط يتضمن أداة النفي التي تغير المعنى المقصود من الشاهد، وعلى هذا النقص كانت كل طبعات الكتاب السابقة لطبعتنا. وهناك نقل كثير من كتاب أبي جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل النحاس، 000 -338 هـ، 000-950م "صناعة الكُتَّاب"، منه نسخة فريدة محفوظة في مكتبة بودليانا في إكسفورد في إنكلترا، تحت رقم: 338 مارس، كنت أرجع إليها، وأرجو الله تعالى أن يكرمني في إخراجه مطبوعًا. كما أني استدركت أحيانًا ما فات الإِمام النووي -رحمه الله تعالى- وذلك ضمن حدود ضيقة، مثل على ذلك: وَعَدَ في الرقم: 1455، أنه سيأتي دليل كراهة أن يُقال للمتزوّج: بالرَّفاء والبنين؛ وسها عن أن

يفي بذلك، في الفقرة رقم: 1855، حيث أتى بالحكم دون الدليل، فأتيت بالدليل إيفاءً بوعده الذي سبق. 5- ولقد أفرغت كامل كتاب: تحفة الأبرار بنكت الأذكار، لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي الذي جمع فيه أهم أمالي ابن حجر وما تضمنت من تصحيحات واعتراضات، وما أضاف إليه من أشياء؛ كل ذلك وضعته في الهامش، مميزًا لها من غيرها باستعمال الأرقام العربية 123، مع تخريج ما اختصره السيوطي من أصله: نتائج الأفكار، وبالتالي سيجد القارئ أن هناك بعض الفقرات المثبتة غير مخرجة في "نتائج الأفكار"، وبالتالي فإنها من السيوطي -رحمه الله- ومثال على ذلك رقم: 31. وبالتالي إذا جمعنا الحواشي ذات الأرقام العربية 123 يكون لدينا النص الكامل لـ: تحفة الأبرار بنكت الأذكار. هذا وقد تضمن كتاب "تحفة الأبرار"، النص الكامل لرسالة ابن حجر العسقلاني -رحمه الله تعالى- في حديث أم رافع فيما يقال عند إرادة القيامَ إلى الصَّلاة، وبالتالي فإن نص الرسالة يكون ضمن هذه الطبعة. 6- رقمت بشكل تسلسلي عنوانات الأبواب والفصول، وكذلك بشكل تسلسلي الفقرات، ووضعت عنوانات للفصول والأبواب التي لم يكن لها عنوان، تشير إلى مضمون الفصل أو الباب. 7- ومن نافلة القول أني ضبطت النص وشكلته وفصلته، وخرجت الأحاديث والآيات، وكذلك الأخبار بالإحالة إلى مصادرها، وبيان المكرر من النصوص بالإحالة على بعضها كلَّما تكررت، وصنعت فهرسًا للنصوص وآخر للأرجاز والأشعار، وأشياء أخرى يغني وجودها عن ذكرها.

ورحم الله الإمام الذهبي حيث يقول في: سير أعلام النبلاء، 339/19: فعليك يا أخي بتدبر كتاب الله وبإدمان النظر في الصحيحين وسنن النسائي ورياض النووي وأذكاره تفلح وتنجح. اهـ. وفي الختام، أرجو الله سبحانه وتعالى أن ييسرنا للخير، ويستعملنا صالِحًا، ويرحمنا، ويغفر لنا ولوالدينا ولكل من له حق علينا، وآخر دعوانا أنِ الحَمْدُ لِلَّه ربّ العالمين. بسام عبد الوهاب الجابي. دمشق في 2002/1/17م.

بسم الله الرحمن الرحيم وهو حسبي ونِعمَ الوكيل

 مقدمة المؤلف:

الحمد للَّه الواحد القهَّار، العزيز الغفَّار، مقدِّر الأقدار، مصرِّف الأمور مُكوِّر الليل على النهار، تبصرةَ لأُولي القلوب والأبصار، الذي أيقظ من خلقه من اصطفاه فأدخله في جملة الأخيار، ووفَّق من اجتباه من عبيده فجعلَه من المقرَّبين الأبرار، وبصَّرَ من أحبَّه فزهَّدهم في هذه الدار، فاجتهدوا في مرضاته والتأهُّب لدار القرار، واجتناب ما يُسخطه والحذر من عذاب النار، وأخذوا أنفسهم بالجدِّ في طاعته، وملازمة ذكره بالعشيّ والإِبكار، وعند تغاير الأحوال وجميع آناء الليل والنهار، فاستنارت قلوبُهم بلوامع الأنوار. أحمده أبلغَ الحمد على جميع نعمه، وأسألُه المزيد من فضله وكرمه؛ وأشْهَدُ أنْ لا إِلهَ إلاَّ اللَّه العظيم، الواحد الصمد العزيز الحكيم، وأشهد أن محمداً عبدُه ورسوله، وصفيُّه وحبيبه وخليله، أفضلُ المخلوقين، وأكرمُ السابقين واللاحقين، وصلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر النبيّينَ والمرسلين، وآل كلٍّ وسائر الصالحين. أما بعد؛

1- فقد قال الله العظيم العزيز الحكيم: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة: 152] وقال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] . فعُلِم بهذا إِنَّ مِنْ أفضلِ، -أو أفضلَ- حالِ العبد حالَ ذكرِهِ ربَّ العالمين، واشتغاله بالأذكار الواردة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سيد المرسلين. 2- وقد صنَّف العلماءُ -رضي الله عنهم- في عمل اليوم والليلة والدعوات والأذكار كتباً كثيرةً معلومةً عند العارفين، ولكنها مطوّلة بالأسانيد والتكرير، فضَعُفَتْ عنها هممُ الطالبين، فقصدتُ تسهيل ذلك على الراغبين؛ فشرعتُ في جمع هذا الكتاب مختصراً مقاصد1 ما ذكرتْهُ تقريباً للمعتنين، وأحذف الأسانيد في معظمه لما ذكرته من إيثار الاختصار ولكونه موضوعاً للمتعبدين، وليسوا إلى معرفة الأسانيد متطلعين، بل يكرهونه وإن قَصُرَ إلا الأقلّين؛ ولأن المقصود به معرفةُ الأذكار والعمل بها وإيضاحُ مظانّها2 للمسترشدين. وأذكر -إن شاء الله تعالى- بدلاً من الأسانيد ما هو أهم منها مما يُخَلُّ به غالباً، وهو بيان صحيح الأحاديث وحسنها وضعيفها ومنكرها، فإنه مما يفتقرُ إلى معرفته جميعُ الناس إلا النادر من المحدّثين، وهذا أهمّ ما يجب الاعتناء به وما يُحقِّقهُ الطالبُ من جهة الحفاظ المتقنين، والأئمة الحُذَّاق المعتمدين، وأضمُّ إليه إن شاء الله الكريم جملاً من النفائس من علم الحديث ودقائق الفقه ومهمات القواعد ورياضات النفوس والآداب التي تتأكد معرفتُها على السالكين، وأذكرُ جميعَ ما أذكرُه مُوَضَّحَاً بحيث يسهلُ فهمه على العَوَمِّ والمتفقهين. __________ 1 في نسخة: "مختصرًا قاصدًا"؛ من الشارح. 2 في نسخة: "معانيها"؛ من الشارح.

3- وقد روينا في: صحيح مسلم [رقم: 2674] ، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ دَعا إلى هُدىً كانَ لَهُ مِنَ الأجْرِ مِثْلَ أُجُورِ مَنْ تبعهُ لا يَنْقُصُ ذلكَ مِنْ أجورهم شيئًا". [سيرد برقم: 1606] . 4- فأردت مساعدة أهل الخير بتسهيل طريقه، والإِشارة إليه، وإيضاح سلوكه والدلالة عليه، فأذكر في أوَّلِ الكتاب فصولاً مهمةٌ يحتاجُ إليها صاحبُ هذا الكتاب وغيره من المعتنين؛ وإذا كان في الصحابة مَن ليس مشهوراً عند مَن لا يعتني بالعلم نبَّهتُ عليه، فقلت: رُوِّينا عن فلان الصحابيّ، لئلا يُشَك في صحبته. 5- وأقتصر في هذا الكتاب على الأحاديث التي في الكتب المشهورة التي هي أصول الإِسلام، وهي خمسة "صحيح البخاري"، و"صحيح مسلم"، و"سنن أبي داود"، و"الترمذي"، و"النسائي"؛ وقد أروي يسيراً من الكتب المشهورة غيرها. 6- وأما الأجزاء والمسانيد، فلستُ أنقل منها شيئاً إلا في نادر من المواطن، ولا أذكرُ من الأصول المشهورة أيضاً من الضعيف إلا النادر مع بيان ضعفه، وإنما أذكر فيه الصحيح غالباً1، فلهذا أرجو أن يكون هذا الكتابُ أصلاً معتمداً. 7- ثم إني لا أذكر من الباب من الأحاديث إلا ما كانت دلالته ظاهرة في المسألة. 8- واللهَ الكريمَ أسألُ التوفيق والإِنابة والإِعانة، والهداية والصيانة؛ __________ 1 راجع ما سيذكر المؤلف في الفقرة: 27 وما بعدها.

وتيسير ما أقصده من الخيرات، والدوام على أنواع المكرمات، والجمع بيني وبين أحبائي في دار كرامته وسائر وجوه المسرّات. 9- وحسبي الله ونِعم الوكيل، ولا حولَ ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم، ما شَاءَ اللَّهُ، لا قُوَّةَ إِلاَّ بالله، توكلتُ على الله، اعتصمتُ بالله، استعنت بالله، فوضت أمري إلى الله، واستودعته1 ديني ونفسي ووالِدَيَّ وإخواني وأحبابي وسائر من أحسن إِلَىَّ وجميع المسلمين وجميعَ ما أنعمَ به عليَّ وعليهم من أمور الآخرة والدنيا، فإنه سبحانه إذا استُودع شيئاً حفظه، ونعم الحفيظ. __________ 1 في نسخة: "وأستودعه"؛ من الشارح.

 باب: أذكار اليوم والليلة:

  1- فصل في الأمر بالإِخلاص وحسن النِّيَّات في جميع الأعمال الظاهرات والْخَفِيِّات:

قال الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [البيِّنة: 5] ، وقال تعالى: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} [الحج: 37] . قال ابن عباس رضي الله عنهما: معناه: ولكن يناله النِّيَّات. 10- أخبرنا شيخنا الإِمام الحافظ أبو البقاء خالد بن يوسف بن الحسن بن سعد1 بن المحسن بن المفرّج بن بكار المقدسيّ النابلسيّ ثم الدمشقي -رضي الله عنه- أخبرنا أبو اليمن الكندي، أخبرنا محمد بن عبد الباقي الأنصاري، أخبرنا أبو محمد الحسنُ بن عليّ الجوهري، أخبرنا أبو الحسين محمد بن المظفر الحافظ، أخبرنا أبو بكر محمد بن محمد بن __________ 1 قارن الاسم مع الفقرة رقم: 68.

سليمان الواسطي، حدّثنا أبو نُعيم عبيد بن هاشم الحلبي، حدّثنا ابن المبارك، عن يحيى بن سعيد هو الأنصاري، عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن علقمة بن وقّاص الليثيّ، عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "إنَّما الأعْمالُ بالنِّيَّاتِ، وإنَّمَا لكل امرئ مَا نَوَى، فَمَنْ كانَتْ هِجْرَتُهُ إلى الله وَرَسولِهِ، فَهِجْرَتُهُ إلى الله وَرَسولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلى دُنْيا يُصِيبُها، أَوِ امْرأةٍ يَنْكِحُها، فَهِجْرَتُه إلى ما هاجر إليه". [وسيرد برقم: 2062] . 11- هذا حديث صحيح متفق على صحته [البخاري، رقم: 1؛ ومسلم، رقم: 1907] ، مجمع على عظم موقعه وجلالته، وهو أحدُ الأحاديث التي عليها مدارُ الإِسلام، وكان السلفُ وتابعوهم من الخلف رحمهم الله تعالى يَستحبُّون استفتاح المصنفات بهذا الحديث، تنبيهاً للمُطالع على حسن النيّة1، واهتمامه بذلك والاعتناء به. [وممن ابتدأ به في أول كتابه الإمام أبو عبد الله البخاري رحمه الله في أول حديث في: صحيحه، الذي هو أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى. "بستان العارفين"، رقم: 20 وما بعده؛ "متن الأربعين النووية"، رقم: 1 "رياض الصالحين"، رقم: 1] . 12- رُوِّينا عن الإِمام أبي سعيد عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله تعالى، قال: مَنْ أَرَادَ أن يُصنِّفَ كتاباً فليبدأ بهذا الحديث. [ورُوِّينا عنه أيضًا، قال: لو صَنَّفْتُ كتابًا بدأت في أول كل باب منه بهذا الحديث. "بستان العارفين"، رقم: 31] . __________ 1 في نسخة: "صدق النِّية"، وفي أخرى: "صحة النيّة"؛ من الشارح.

13- وقال الإِمام أبو سليمان [أحمد بن محمد بن إبراهيم] الخطابي رحمه الله [في أوّل كتابه "الإعلاء" في شرح "صحيح البخاري"] : كان المتقدمون من شيوخنا يستحبُّون تقديم حديث: "الأعمال بالنيّة" أمامَ كل شيء ينشأ ويبتدأ من أمور الدين لعموم الحاجة إليه في جميع أنواعها1. [بستان العارفين، رقم: 33] . 14- وبلغنا عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه قال: إنما يحفظ [حديثُ] الرجلُ على قدر نيته. [سنن الدارمي، 1/ 105] . 15- وقال غيرُه: إنما يُعطى الناسُ على قدر نياتهم. [التبيان في آداب حملة القرآن، رقم: 27] . 16- وَرُوِّينا عن السيد الجليل أبي عليّ الفُضَيْل بن عياض رضي الله عنه، قال: تركُ العمل لأجل الناس رياءٌ، والعملُ لأجل الناس شِركٌ، والإِخلاصُ أن يعافيَك الله منهما. [شرح الرسالة القشيرية، 135/3؛ راجع "التبيان في آداب حملة القرآن" رقم: 32] . 17- وقال الإمام الحارث المحاسبيُّ رحمه الله [عن عَلاَمَة الصدق] : الصادق هو الذي لا يبالي [و] لو خرج كلُّ قَدْرٍ له في قلوب الخلق من أجل صَلاح قلبه، ولا يحبُّ اطّلاع الناس على مثاقيل الذر من حسن عمله، ولا يكرهُ أن يطلع الناس على السيئ من عمله، [فإنَّ كراهته لذلك دليل على أنه يحب الزيادة عندهم، وليس هذا من أخلاق الصِّدِّقِين. "الرسالة القشيرية" باب __________ 1 في نسخة: "أنواعه"؛ من الشارح.

الصدق؛ "التبيان في آداب حملة القرآن"، رقم: 36] . 18- وعن حُذيفة الْمَرْعَشِيّ رحمه الله، قال: الإِخلاصُ أن تستوي أفعالُ العبد في الظاهر والباطن. [الرسالة القشيرية: باب الإخلاص؛ راجع: التبيان في آداب حملة القرآن، رقم: 30] . 19- ورُوِّينا عن الإمام الأستاذ أبي القاسم القُشيري رحمه الله، قال: الإِخلاصُ إفرادُ الحق سبحانه وتعالى في الطاعة بالقصد، وهو أن يُريد بطاعته التقرّب إلى الله تعالى دون [أي] شيء آخر؛ من تَصنعٍ لمخلوق، أو اكتساب مَحْمَدَةٍ عند الناس، أو محبّة مدحٍ من الخلق، أو معنى من المعاني سوى التقرّب إلى الله تعالى. [الرسالة القشيرية: باب الإخلاص] . 20- وقال السيد الجليل أبو محمد سهل بن عبد الله التُّسْتَرِيّ رضي الله عنه: نظر الأكياسُ في تفسر الإِخلاص، فلم يجدوا غير هذا: أن تكون حركتُه وسكونه في سرِّه وعلانيته لله تعالى، لا يمازجه [شيءٌ، لا] نَفسٌ، ولا هوىً، ولا دنيا. [بستان العارفين، رقم: 82؛ التبيان في آداب حملة القرآن، رقم: 33] . 21- وَرُوِّينا عن الأستاذ أبي عَلِيِّ الدَّقَّاق رضي الله عنه، قال: الإِخلاصُ: التَّوَقِّي عن ملاحظة الخلق، والصدق: التنقي من مطاوعة النفس، فالمخلصُ لا رياء له، والصادقُ لا إعجابَ له. [الرسالة القشيرية: باب الإخلاص، التبيان في آداب حملة القرآن، رقم: 29] .

22- وعن ذي النون المصري رحمه الله، قال: ثلاثٌ من علامات الإِخلاص: استواءُ المدح والذمّ من العَامَّة، ونسيانُ رؤية الأعمال في الأعمال، ونسيان اقتضاء ثواب العمل في الآخرة. [الرسالة القشيرية: باب الإخلاص، حلية الأولياء، 9/ 361؛ راجع: التبيان في آداب حملة القرآن، رقم: 31] . 23- وَرُوِّينا عن القُشَيريِّ رحمه الله، قال: أقلُّ الصدق استواءُ السر والعلانية. [الرسالة القشيرية: باب الإخلاص؛ راجع: التبيان في آداب حملة القرآن، رقم: 30 و35] . 24- وعن سهل التُّسْتَرِيِّ: لا يشمّ رائحة الصدق عبدٌ داهَنَ نفسه، أو غيره. 25- وأقوالهم في هذا غير منحصرة، وفيما أشرتُ إليه كفاية لمن وقف1. __________ 1 ذكر النووي جملاً من أقوال السلف في الإخلاص، مع شرحها؛ في أول: المجموع، شرح: المهذب، "16/1"، وكذلك في معظم افتتاحيات كتبه.

 2- فصل [في] [العمل بما ورد في فضائل الأعمال]

26- اعلم أنه ينبغي لمن بلغه شيء في فضائل الأعمال أن يعمل به، ولو مرّة واحدة، ليكون من أهله، ولا ينبغي له أن يتركه مطلقاً، بل يأتي بما تيسر منه، لقول النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في الحديث المتفق على صحته [البخاري رقم: 7288؛ ومسلم، رقم: 1337] : "إذَا أَمَرْتُكُمْ بَشَيءٍ فأْتُوا مِنْهُ1 ما اسْتَطَعْتُمْ". __________ 1 في بعض النسخ: "فافعلوا منه"؛ من الشارح.

 3- فصل [في] [حكم العمل بالحديث الضعيف في الفضائل والترغيب والترهيب] :

27- قال العلماءُ من المحدّثين والفقهاء وغيرهم: يجوز ويُستحبّ العمل في الفضائل والترغيب والترهيب بالحديث الضعيف ما لم يكن موضوعاً1. 28- وأما الأحكام، كالحلال والحرام والبيع والنكاح والطلاق وغير ذلك؛ فلا يُعْمَل فيها إلا بالحديث الصحيح أو الحسن إلا أن يكون في احتياطٍ في شيء من ذلك، كما إذا وردَ حديثٌ ضعيفٌ بكراهة بعض البيوع أو الأنكحة، فإن المستحبَّ أن يتنزّه عنه، ولكن لا يجب2. 29- وإنما ذكرتُ هذا الفصل لأنَّه يجيءُ في هذا الكتاب أحاديثُ أنُصُّ على صحتها أو حسنها أو ضعفها، أو أسكتُ عنها لذهول عن ذلك أو غيره3، فأردتُ أن تتقرّر هذه القاعدة عند مُطالِع هذا الكتاب. __________ 1ذكر الحافظ ابن حجر لذلك ثلاثة شروط: أحدها: أن يكون الضعيف غير شديد، فيخرج ما انفرد به راوٍ من المكَذِّبِين والمتهمين بالكذب، ومن فحش غلطه. نقل العلائي الاتفاق عليه. الثاني: أن يكون مندرجًا تحت أصلٍ عام، فيخرج ما يخترع بحيث لا يكون له أصل أصلاً. الثالث: أن لا يعتقد عند العمل به ثبوته؛ لئلا ينسب إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ما لم يَقُلْه، بل يعتقد الاحتياط. قال: وهذان الأخيران ذكرهما الشيخ عز الدين بن عبد السلام، وصاحبه ابن دقيق العيد. 2 قال المؤلف في "الأربعين" صفحة 12: "اتفق العلماءُ على جواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال"؛ وقال أيضًا في مقدمة كتابه: "التبيان في آداب حملة القرآن": واعلم أن العلماء من أهل الحديث وغيرهم جوزوا العمل بالضعيف في فضائل الأعمال" ا. هـ. وراجع كذلك "الأجوبة الفاضلة" لِلَّكْنَوِي، بتحقيق الأستاذ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله، صفحة: 43، 44 حيث نقل قول الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله عن السخاوي في "القول البديع" صفحة: 195. 3 في نسخة: "لذهول عنها أو غيرها"؛ من الشارح.

 4- فصل [في] [استحباب الجلوس في حِلَقِ الذكر] :

30- اعلم أنه كما يُستحبُّ الذكر يُستحبُّ الجلوس في حِلَق أهله، وقد تظاهرت الأدلة على ذلك، وستردُ في مواضعها إن شاء تعالى، ويكفي في ذلك حديث ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "إذا مَرَرْتُمْ بِرِياضِ الجَنَّةِ فارْتَعُوا"، قالُوا: وَمَا رِياضُ الجَنَّةِ يا رَسُولَ الله؟ قالَ: "حِلَقُ الذّكْرِ، فإنَّ لله تعالى سَيَّارَاتٍ مِنَ المَلائِكَةِ يَطْلُبُونَ حِلَقَ الذّكْرِ، فإذَا أَتَوْا عَليْهِمْ حفوا بهم" 2. __________ 1 في نسخة: "لذهول عنها أو غيرها"؛ من الشارح. 2 قال الحافظ ابن حجر في أماليه على "الأذكار": لم أجده من حديث ابن عمر ولا بعضه، لا في الكتب المشهورة، ولا الأجزاء المنثورة؛ ["نتائج الأفكار" 21/1] [بل هو في "الحلية" 354/6 من حديث ابن عمر. قال أبو نعيم: حدثنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبد الله المقدسي، حدثنا محمد بن عبد الله بن عامر، حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا مالك، عن نافع، عن سالم، عن ابن عمر؛ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا مَرَرْتُمْ بِرِياضِ الجَنَّةِ فارْتَعُوا" قالُوا: يا رسول الله! وما رياض الجنة؟ قال: "حِلَقُ الذِّكْرِ". وضعفة أبو نعيم بقوله: غريب من حديث مالك، لم نكتبه إلا من حديث محمد بن عبد الله بن عامر.=

31- وَرَوَينا في: صحيح مسلم، [رقم: 2701] ، عن معاوية رضي الله عنه أنه قال: خرجَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- على حَلْقَةٍ من أصحابه، فقال: "ما أجْلَسَكُم"؟ قالوا: جلسنا نذكُر الله تعالى، ونحمَدُه على ما هدانا للإسلام، ومَنَّ به علينا؛ قال: "آلله ما أجْلَسَكُمْ إلا ذَاكَ"؟ [قالوا: واللَّهِ ما أجلسنا إلاّ ذاك؛ قال:] "أما إني لَمْ أستحلِفكُمْ تُهمةً لكُمْ، ولَكنَّهُ أتاني جبْرِيلُ، فأخْبَرَنِي أنَّ الله تعالى يُباهي بكُمُ المَلائكَةَ". 32- وَرَوَينا في: صحيح مسلم، أيضاً [رقم: 2700] ، عن أبي سعيد الخدري، وأبي هريرة رضي الله عنهما؛ أنهما شهدا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنهُ قال: "لا يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُون اللَّهَ تَعالى إلا حَفَّتْهُمُ المَلائِكَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَنَزَلَتْ عَليهِمْ السَّكِينَةُ، وَذَكَرََهُمُ اللَّهُ تَعالى فِيمَنْ عِنْدَهُ". __________ = وانظر هامش "نتائج الأفكار" 15/1، 16 المجلس الثاني] ، ولكن وجدتُه من حديث أنس [بلفظة مفرقًا، ووجدته من حديث جابر] بمعناه مختصرًا [مفترقًا ومجموعًا "نتائج الأفكار" 1/ 21] . قال أحمد [150/3] والترمذي [رقم: 3510] وحسنه، [عن أنس] : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "إذا مَرَرْتُمْ بِرِياضِ الجَنَّةِ فارْتَعُوا" قالُوا: وَمَا رِياضُ الجَنَّةِ؟ قالَ: "حِلَقُ الذِّكْرِ". وأخرج أبو نُعيم في "الحلية" [268/6] من طريق يوسف القاضي، حدثنا محمد بن أبي بكر، حدثنا زائدة ابن أبي الرقاد، حدثنا زياد النميري، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "إذا مَرَرْتُمْ بِرِياضِ الجَنَّةِ فارتعوا" قالوا: وأين لنا برياض الجنة في الدنيا؟! قال: "إنها مجالس الذكر". وأخرج أبو نعيم أيضًا ["الحلية" 268/6] : من طريق الحسن بن سفيان، حدثنا محمد بن أبي بكر، حدثنا زائدة ابن أبي الرقاد، عن زياد النميري، عن أنس، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن لله سيارة من الملائكة يطلبون حلق الذكر، فإذا أتوا عليهم حفوا بهم، وبعثوا رائدهم إلى السماء، إلى ربّ العزة، فيقولون -وهو أعلم: أتينا على عباد من عبادك يعظمون آلاءك، ويتلون كتابك، ويصلون على نبيك، ويسألون لآخرتهم ودنياهم، فيقول: غشوهم رحمتي، هم القوم لا يشقى جليسهم". قلت [والقول للسيوطي] : الظاهر أن الحديثين حديث واحد؛ لاتحاد الرواة؛ فجمع النووي بينهما، واختصر بقية الحديث، وأراد أن يقول: حديث أنس، فسبق قلمه إلى ابن عمر.

 5- فصل [في] [كَيّفيَّةِ الذِّكْرِ] :

33- الذكر يكون بالقلب، ويكون باللسان، والأفضلُ منه ما كانَ بالقلب واللسان جميعاً، فإن اقتصرَ على أحدهما، فالقلبُ أفضل. ثم لا ينبغي أن يُتركَ الذكرُ باللسان مع القلب خوفاً من أن يُظنَّ به الرياءُ، بل يذكرُ بهما جميعاً، ويقصدُ به وجهُ الله تعالى، وقد قدمنا [رقم: 16] عن الفضيل بن عِياض -رحمه الله- أن ترك العمل لأجل الناس رياءٌ؛ ولو فتح الإنسانُ عليه بابَ ملاحظة الناس، والاحتراز من تطرُّق ظنونهم الباطلة لانْسدَّ عليه أكثرُ أبواب الخير، وضيَّع على نفسه شيئاً عظيماً من مهمَّات الدين، وليس هذا طريقة العارفين. 34- ورَوَينا في صحيحي: البخاري [رقم: 4723] ، ومسلم [رقم: 447] رضي الله عنهما، عن عائشة رضي الله عنها، قال: نزلت هذه الآية: {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا} ، [الإسراء: 110] في الدُّعاء.

 6- فصل [في] [أنَّ العبادةَ ذكرٌ] :

35- اعلم أن فضيلة الذكر غيرُ منحصرةٍ في التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير ونحوها، بل كلُّ عاملٍ لله تعالى بطاعةٍ فهو ذاكرٌ لله تعالى؛ كذا قال سعيدُ بن جُبير رضي الله عنه، وغيره من العلماء. 36- وقال عطاءُ رحمه الله: مجالسُ الذِّكر هي مجالسُ الحلال والحرام، كيف تشتري وتبيعُ، وتصلّي وتصومُ، وتنكحُ وتطلِّق، وتحجّ؛ وأشباه هذا.

 7- فصل [في] [فضل الذِّكر] :

قال الله تعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 35] . 37- ورَوَينا في: صحيح مسلم [رقم: 2676] ، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ" قالُوا: ومَا المُفَرِّدونَ يا رَسُولَ الله؟ قالَ: "الذَّاكِرُونَ الله كَثِيراً وَالذَّاكرَاتُ". قلت: رُوي "المفرِّدون" بتشديد الراء وتخفيفها1، والمشهور الذي قاله الجمهور: التشديد. 38- واعلم أن هذه الآية الكريمة [أي: الآية: 35، من سورة الأحزاب] مما ينبغي أن يَهْتَمَّ بمعرفتها صاحبُ هذا الكتاب. وقد اختُلِف في ذلك؛ فقال الإِمامُ أبو الحسن الواحديّ: قال ابن عباس رضي الله عنه: المراد يذكرون الله في أدبار الصلوات، وغدوّاً وعشيّاً، وفي المضاجع، وكلما استيقظ من نومه وكلما غدا أو راح من منزله ذكرَ الله تعالى. 39- وقال مجاهد: لا يكونُ من الذاكرين الله تعالى كثيراً والذاكرات، حتى يذكر الله تعالى قائماً وقاعداً ومضطجعاً. 40- وقال عطاء: من صلَّى الصلوات الخمس بحقوقها، فهو داخلٌ __________ 1 قال الحافظ: والرَّاءُ مفتوحة، وقيل: مكسورة ["نتائج الأفكار" 1/ 37] .

في قول الله تعالى: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ} ، [الأحزاب: 35] . هذا نَقْلُ الواحدي. 41- وقد جاء في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "إذا أيْقَظَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ مِنَ اللَّيْلِ، فَصَلَّيَا، أَوْ صَلَّى رَكعَتينِ جَمِيعاً كُتِبَا في: {الذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ}[الأحزاب: 35] . هذا حديث مشهور1، رواه أبو داود [رقم: 1309] ، والنَّسائي [في: الكبرى، كما في: تحفة الأشراف، رقم: 3965] ، وابنُ ماجه2 [رقم: 1335] في: سننهم. 42- وسئل الشيخ الإِمام أبو عمرو ابن الصَّلاح -رحمه الله- عن الْقَدْرِ الذي يصيرُ به من {الذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ} [الأحزاب: 35] ، فقال [في: الفتاوى، صفحة: 150] : إذا واظبَ على الأذكار المأثورة المثبتة صباحًا ومساءً، وفي الأوقات والأحوال المختلفة، ليلاً ونهاراً، وهي مُبيّنة في كتاب: عمل اليوم والليلة، كان من {الذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ} [الأحزاب: 35] ، والله أعلم. __________ 1 قال الحافظ ابن حجر: قول الشيخ: هذا حديث مشهور؛ يريد شهرته على الألسنة، لا أنه مشهور اصطلاحًا؛ فإنه من أفراد علي بن الأقمر، عن الأغر. ["نتائج الأفكار" 1/ 40] . 2 قال الحافظ ابن حجر: هو كما قال، لكنهم ذكروا أبا هريرة مع أبي سعيد، فما أدري لِمَ حذفه، فإنهما عند جميع مَن أخرجه مرفوعاً؛ وأما من أفرد أبا سعيد فإنه أخرجه موقوفاً. ["نتائج الأفكار" 40/1] .

فصل في بيان حكم الذكر للمحدث والجنب

  8- فصل [في] [بيان حكم الذاكر للمُحْدِثِ والْجُنُبِ] :

43- أجمع العلماءُ على جواز الذكر بالقلب واللسان للمُحْدِث والجُنب، والحائض والنفساء، وذلك في التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير والصلاة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والدعاء وغير ذلك. ولكنَّ قراءة القرآن حرامٌ على الجُنب والحائض والنفساء، سواءٌ قرأ من القرآن قليلاً أو كثيراً، حتى بعض آية، ويجوز لهم إجراءُ القرآن على القلب من غير لفظ، وكذا النَّظَرُ في المصحف، وإمرارُه على القلب. [راجع: التبيان في آداب حملة القرآن، رقم: 145] . 44- قال أصحابُنا: ويجوز للجُنب والحائض أن يقولا عند المصيبة: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 156] ، وعند ركوب الدابة: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} [الزخرف: 13] ، وعند الدعاء: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 202] إذا لم يقصدا به القرآن. [راجع: التبيان في آداب حملة القرآن، رقم: 146، 147] . 45- ولهما أن يقولا: بسم اللَّه، سُبحانَ اللَّهِ والحمدُ لله، إذا لم يقصدا القرآن، سواءٌ قصدا الذكر أو لم يكن لهما قصدٌ، ولا يأثمان إلا إذا قصدا القرآن. [راجع: التبيان في آداب حملة القرآن، رقم: 148] . 46- ويجوزُ لهما قراءةُ ما نُسخت تلاوتُه: كـ: "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما [ألبته] ". [راجع: التبيان في آداب حملة القرآن، رقم: 148] . 47- وأما إذا قالا لإِنسان: {خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّة} [مريم: 11] أو قالا: {ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ} [الحجر: 46] ونحو ذلك، فإن قصدا غيرَ القرآن لم يحرم. [راجع: التبيان في آداب حملة القرآن، رقم: 146] . 48- وإذا لم يجدا الماء تيمَّما وجاز لهما القراءةُ، فإن أحدثَ بعد ذلك لم تحرم عليه القراءة، كما لو اغتسل، ثم أحدث. ثم لا فرق بين أن يكون تَيمُّمُه لعدم الماء في الحَضَر، أو في السفر؛ فله أن يقرأ القرآن بعده وإن أحدث. [راجع: التبيان في آداب حملة القرآن، رقم: 149، 150] .

49- وقال بعضُ أصحابنا: إن كان في الحضر صلَّى به، وقرأ به في الصلاة، ولا يجوزُ أن يقرأ خارجَ الصلاة، والصحيحُ جوازه كما قدّمناه؛ لأن تيمُّمَه قام مقام الغسل. [راجع: التبيان في آداب حملة القرآن، رقم: 150] . 50- ولو تيمَّمَ الجنبُ، ثم رأى ماء يلزمهُ استعمالهُ؛ فإنه يحرمُ عليه القراءةُ وجميعُ ما يحرمُ على الجنُبِ حتى يغتسل. ولو تيمَّم وصلَّى وقرأ ثم أراد التيمّم لحدثٍ أو لفريضةٍ أخرى أو لغير ذلك لم تحرُم عليه القراءة. هذا هو المذهب الصحيح المختارُ، وفيه وجه لبعض أصحابنا أنه يحرمُ، وهو ضعيف. [راجع: التبيان في آداب حملة القرآن، رقم: 151] . 51- أما إذا لم يجد الجُنبُ ماءً ولا تُراباً، فإنه يُصلِّي لحُرمة الوقت على حسب حاله، وتحرمُ عليه القراءةُ خارجَ الصلاة، ويحرمُ عليه أن يقرأ في الصلاة ما زاد على الفاتحة. [راجع: التبيان في آداب حملة القرآن، رقم: 152] . 52- وَهَل تحرم عليه الفاتحة؟ فيه وجهان: أصحُّهما: لا تحرمُ، بل تجبُ، فإن الصَّلاةَ لا تصحُّ إلا بها، وكما جازت الصلاةُ للضرورة [مع الجنابة] تجوزُ القراءة. والثاني: تحرمُ، بل يأتي بالأذكار التي يأتي بها مَن لا يحسن شيئا من القرآن. [راجع: التبيان في آداب حملة القرآن، رقم: 152] . 53- وهذه فروعٌ رأيتُ إثباتَهَا هنا لتعلقها بما ذكرتُه، فَذَكَرتها مختصرة، وإلا فلها تتمّات وأدلة مستوفاةٌ في كتب الفقه؛ والله أعلم.

 9- فصل [في] [آداب الذاكر] :

54- ينبغي أن يكون الذاكرُ على أكمل الصفات، فإن كان جالساً في موضع استقبال القبلة، وجلس مُتذلِّلاً مُتخشعاً بسكينة ووقارٍ، مُطرقًا رأسه، ولو ذَكَرَ على غير هذه الأحوال جاز ولا كراهةَ في حقه، لكن إن كان بغير عذر كان تاركاً للأفضل والدليل على عدم الكراهة قول الله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ، الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران: الآيتان: 190، 191] . [راجع: التبيان في آداب حملة القرآن، رقم: 161، 162] . 55- وثبت في: الصحيحين، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتكئ في حجري وأنا حائض، فيقرأ القرآن. رواه البخاري [رقم: 297] ، ومسلم [رقم: 301] . وفي رواية [للبخاري، رقم: 7549] : ورأسه في حجري وأنا حائض. [راجع: التبيان في آداب حملة القرآن، رقم: 163] . 56- وجاء عن عائشة -رضي الله عنها أيضاً- قالت: إني لأقرأ حزبي وأنا مضطجعةٌ على السرير. [راجع: التبيان في آداب حملة القرآن، رقم: 165] .

 10- فصل [في] [صفة مواضع الذكر] :

57- ينبغي أن يكون الموضعُ الذي يذكرُ فيه خالياً نظيفاً، فإنه أعظمُ في احترام الذكر والمذكور، ولهذا مُدح الذكرُ في المساجد والمواضع الشريفة. [راجع: التبيان في آداب حملة القرآن، رقم: 153] . 58- وجاء عن الإِمام الجليل أبي ميسرة [عمرو بن شرحبيل] رضي الله عنه، قال: لا يُذكر اللَّهَ تعالى إلاَّ في مكان طيّب. [راجع: التبيان في آداب حملة القرآن، رقم: 156] . 59- وينبغي أيضاً أن يكون فمه نظيفاً، فإن كان فيه تَغَيُّر أزاله بالسِّواك، وإن كان فيه نجاسة أزالها بالغسل بالماء، فإن ذكر ولم يغسلها فهو مكروهٌ، ولا يَحرمُ؛ ولو قرأ القرآن وفمُه نجسٌ كُره، وفي تحريمه وجهان لأصحابنا، أصحُّهما أنه لا يحرم. [راجع الأرقام: 587-591، وكذلك: التبيان في آداب حملة القرآن، الأرقام: 139-142] .

 11- فصل [في] [حُكم الذكر في أحوال عدةٍ] :

60- اعلم أن الذكر محبوبٌ في جميع الأحوال، إلا في أحوال وَرَدَ الشرعُ باستثنائها، نذكرُ منها هنا طرفاً إشارةٍ إلى ما سواه مما سيأتي في أبوابه إن شاء الله تعالى. 61- فمن ذلك أنه يُكره الذكرُ حالة الجلوس على قضاء الحاجة، وفي حالة الجِماع، وفي حالة الخُطبة لمن يسمعُ صوت الخطيب، وفي القيام في الصلاة، بل يشتغلُ بالقراءة، وفي حالة النعاس. ولا يُكره في الطريق، ولا في الحمَّام، والله أعلمُ. [راجع: التبيان في آداب حملة القرآن، الأرقام: 157-160] .

 12- فصل [في] [المرادُ مِنَ الذِّكْرِ] :

62- المرادُ من الذكر حضورُ القلب، فينبغي أن يكون هو مقصودُ الذاكر، فيحرص على تحصيله، ويتدبر ما يذكر، ويتعقل معناه؛ فالتدبُر في الذكر مطلوبٌ، كما هو مطلوبٌ في القراءة، لاشتراكهما في المعنى المقصود، ولهذا كان المذهبُ الصحيح المختار استحباب مدَّ الذاكر قوله: لا إله إلا الله، لما فيه من التدبر، وأقوالُ السلف وأئمة الخلف في هذا مشهورةٌ؛ والله أعلم.

 13- فصل [في] [حكم قضاء الذكر] :

63- ينبغي لمن كان له وظيفةٌ من الذكر في وقت من ليل أو نهار، أو عقب صلاةٍ، أو حالةٍ من الأحوال، ففاتتهُ أن يتداركها، ويأتي بها إذا تمكن منها، ولا يهملها، فإنه إذا اعتاد الملازمة عليها لم يعرّضها للتفويت، وإذا تساهل في قضائها سَهُلَ عليه تضييعها في وقتها. 64- وقد ثبت في: صحيح مُسلم [رقم: 747] ، عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "مَنْ نامَ عَنْ حِزْبِهِ أَوْ عَنْ شيءٍ مِنْهُ، فقرأهُ فيما بَيْنَ صَلاةِ الفَجْرِ وصلاة الظهر، كتب له كأنما قرأه من اللَّيل".

 14- فصل في أحوال تَعْرِضُ للذاكر يُستحب له قطعُ الذكر بسببها، ثم يعودُ إليه بعد زوالها:

65- منها: إذا سُلِّم عليه ردّ السلام ثم عاد إلى الذكر، وكذا إذا عطس عنده عاطسٌ شَمَّتهُ ثم عادَ إلى الذكر، وكذا إذا سمع الخطيبَ، وكذا إذا سمع المؤذّنَ أجابهُ في كلمات الأذان والإقامة ثم عاد إلى الذكر، وكذا إذا رأى منكراً أزالهُ، أو معروفاً أرشد إليه، أو مسترشداً أجابه ثم عاد إلى الذكر، وكذا إذا غلبه النعاس أو نحوه، وما أشبه هذا كله؛ والله أعلم.

 15- فصل [في] [أنه لا يُعْتَدُّ بالذكر حتى يُتَلَفَّظُ به] :

66- اعلم أن الأذكار المشروعة في الصلاة وغيرها، واجبةً كانت أو مستحبةً، لا يُحسبُ شيءٌ منها ولا يُعتدّ به حتى يتلفَّظَ به، بحيثُ يسمعُ نفسهُ إذا كان صحيح السمع لا عارض له؛ والله أعلمُ.

 16- فصل [في] [المصنفات في عمل اليوم والليلة وأسانيد المؤلف إلى مؤلفيها] :

67- اعلم أنه قد صَنَّفَ في عمل اليوم والليلة جماعةٌ من الأئمة كتباً نفيسةٌ، رَوَوا فيها ما ذكروه بأسانيدهم المتصلة، وطَرَّقُوهَا من طرقٍ كثيرة، ومن أحسنها "عمل اليوم والليلة"، للإِمام أبي عبد الرحمن النسائي، وأحسنُ منه وأنفسُ وأكثر فوائد كتابُ "عمل اليوم والليلة"، لصاحبه الإمام أبي بكرٍ أحمد بن محمدِ بن إسحاقَ السني رضي الله عنهم. 68- وقد سمعتُ أنا جميعَ كتاب ابن السني على شيخنا الإمام الحافظ أبي البقاء خالد بن يوسف بن الحسن بن سعد بن الحسن1 رضي الله عنه، قال: أخبرنا الإمام العلامة أبو اليَمن زيد بن الحسن بن زيد بن الحسن الكِنْدي سنة اثنتين وست ومائة، قال: أخبرنا الشيخ الإمامُ أبو الحسن سعدُ الخير بن محمد بن سَهْل الأنصاريّ، قال: أخبرنا الشيخُ الإِمام أبو محمد عبد الرحمن بن حمد بن الحسن الدُّوني، قال: أخبرنا القاضي أبو نصر أحمدُ بنُ الحسين بن محمد بنِ الكسَّار الدِّينَوَرِي، قال: أخبرنا الشيخُ أبو بكرٍ أحمدُ بن محمدِ بنِ إسحاقَ السُّني رضي الله عنهُ. 69- وإنما ذكرتُ هذا الإسناد هُنا لأني سأنقلُ من كتاب ابن السني -إن شاء الله تعالى- جُملاً، فأحببتُ تقديمَ إسناد الكتابِ، وهذا مستحسنٌ عند أئمة الحديث وغيرهم، وإنما خصصتُ ذكر إسناد هذا الكتاب لكونه أجمع __________ 1 قارن الاسم مع الفقرة رقم: 10.

الكتب في هذا الفنّ، وإلا فجميعُ ما أذكرهُ فيه لي به رواياتٌ صحيحةٌ بِسَمَاعات متصلة بِحَمْدِ الله تَعالى، إلا الشاذّ النادر. 70- فمن ذلك ما أنقلُه من الكتب الخمسة التي هي أصول الإسلام، وهي: الصحيحان، للبخاري ومسلم، وسنن أبي داود والترمذي والنسائي. 71- ومن ذلك ما هو من كتب المسانيد والسنن، كـ "موطأ" الإِمام مالك رحمه الله، وكـ "مسند" الإِمام أحمد بن حنبل رحمه الله، وأبي عوانة، و"سنن" ابن ماجه والدارقطني والبيهقيّ، وغيرهما من الكتب ومن الأجزاء مما ستراه إن شاء الله تعالى. 72- وكلُّ هذه المذكورات أرويها بالأسانيد المتصلة الصحيحة إلى مؤلفها؛ والله أعلم.

 17- فصل [في] [أصول معتمدة في تصنيف هذا الكتاب] :

3- اعلم أنَّ ما أَذْكُرُه في هذا الكتاب من الأحاديث أُضيفه إلى الكتب المشهورة وغيرها مما قدّمتُه، ثم ما كَانَ في "صحيحي"، البخاري ومسلم أو في أحدهما أقتصرُ على إضافته إليهما، لحصول الغرض، وهو صحته، فإن جميعَ ما فيهما صحيح، وأما ما كَانَ في غيرهما، فأُضيفُه إلى كتب السنن وشبهها مبيِّناً صحته وحسنه، أو ضعفه إنْ كانَ فِيهِ ضعفٌ في غالب المواضع، وقد أغفلُ عن صحته وحسنه وضعفه. 74- واعلم أن "سنن أبي داود" من أكثر1 ما أنقلُ منه، وقد روينا عنه أنه قال: ذكرتُ في كتابي الصحيح وما يُشبهه ويُقاربه، وما كان فيه ضعف شديد بيّنته، وما لم أذكر فيه شيئاً فهو صالحٌ، وبعضُها أصحّ من __________ 1 في نسخة: "أكبر".

بعضٍ ["تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي" 167/1] . 75- هذا كلام أبي دَاودَ، وفيه فائدة حسنة يحتاجُ إليها صاحب هذا الكتاب وغيرُه، وهي أن ما رواه أبو داود في "سننه" ولم يذكر ضعفَه، فهو عنده صحيح أو حسن، وكلاهُما يحتج بها في الأحكام، فكيف بالفضائل؟! 76- فإذا تقرَّر هذا، فمتى رأيتَ هنا حديثاً من رواية أبي داود، وليس فيه تضعيف، فاعلم أنه لم يضعِّفْه؛ والله أعلم. 77- وقد رأيتُ أن أُقدِّم في أوّل الكتاب باباً في فضيلة الذكر مطلقاً، أذكرُ فيه أطرافاً يسيرةَ توطئةً لما بعدها، ثم أذكرُ مقصود الكتاب في أبوابه، وأختمُ الكتابَ إن شاء الله تعالى بباب الاستغفار تفاؤلاً بأن يختم الله لنا به؛ والله الموفِّق، وبه الثقة، وعليه التوكل والاعتماد، وإليه التفويضُ والاستناد.

 18- بابٌ مختصر في أحرفٍ مما جاء في فضل الذكر غير مقيّدٍ بوقت:

78- قال الله تعالى: {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} [العنكبوت: 45] وقال تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة: 152] وقال تعالى: {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الصَّافات: 143، 144] ، وقال تعالى: {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لاَ يَفْتُرُونَ} [الأنبياء: 20] . 79- وروينا في "صحيحي" إمامي المحدثين، أبي عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري الجعفي مولاهم، وأبي الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري رضي الله عنهما، بأسانيدهما، عن أبي هريرة رضيالله عنه، واسمهُ عبد الرحمن بن صخرٍ

على الأصح من نحو ثلاثين قولاً، وهو أكثر الصحابة حديثاً، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "كَلِمَتَانِ خَفِيفَتانِ على اللِّسانِ، ثَقِيلَتَانِ في المِيزَانِ، حَبيبَتَانِ إلى الرَّحْمَنِ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ العَظيمِ". وهذا الحديث آخر شيء في "صحيح البخاري" [رقم: 7563؛ ومسلم، رقم: 2694] . 80- وروينا في "صحيح مسلم" [رقم: 2731] ، عن أبي ذرّ رضي الله عنه، قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "ألا أُخْبِرُكَ بِأَحَبِّ الكَلامِ إلى اللَّهِ تَعالى؟ إِنَّ أحَبَّ الكَلام إلى اللَّه: سُبحانَ اللَّهِ وبِحَمْدِهِ". وفي رواية: سُئل رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- أيّ الكلام أفضل؟ قال: "ما اصطفى الله لملائكته، أو لعبادِهِ: سُبْحانَ اللَّهِ وبحمده". [سيرد برقم: 103] . 81- روينا في "صحيح مسلم" [رقم: 2137] أيضاً، عن - سَمُرة بن جندب رضي الله عنه، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "أحَبُّ الكَلامِ إلى اللَّهِ تَعالى أرْبَعٌ: سُبْحانَ الله، والحمد لله، ولا إله إلا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ؛ لا يَضُرّكَ بِأَيَّهِنَّ بَدأتَ". 82- وروينا في "صحيح مسلم" [رقم: 223] ، عن أبي مالك الأشعري1 رضي الله عنه، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيمَانِ، والحَمْدُ لِلِّهِ تَمْلأُ المِيزَانَ، وَسُبْحانَ اللَّه والحَمْدُ لِلِّهِ تَمْلآنِ -أو تملأ- __________ 1 قال الحافظ: ووقع في رواية جميع من تقدم عن أبي مالك الأشعري، إلا الترمذي [رقم: 3517] ، فوقع في روايته عن الحارث بن الحارث الأشعري؛ [بل هو عنده عن أبي مالك فقط، والذي ذكر الحارث هو ابن منده في كتابه "الإيمان" رقم: 212؛ فليحرر] فإن كان محفوظًا، فالحديث من مسند الحارث، وهو يكنى أبا مالك، وفي الصحابة من الأشعريين ممن يكنى أبا مالك كعب بن عاصم، وآخر اسمه عبيد، وآخر مشهور بكنيته مختلف في اسمه، وقد جعل صاحب " الأطراف" هذا الحديث من روايته، وما وقع عند الترمذي يأبى ذلك. ["نتائج الأفكار" 56/1 وراجع الحاشية التي كتبتها في "رياض الصالحين" على هذا الحديث، في الصفحة: 39، وكذلك "الأربعون النووية"، الحديث رقم: 23] .

مَا بَيْنَ السَّمَوَاتِ والأرض". ["الأربعين النووية"، الحديث رقم: 23] . 83- وروينا فيه أيضاً [رقم: 2726] ، عن جُويريةَ أمّ المؤمنين رضي الله عنها، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خرج من عندها بُكرة حين صلَّى الصبح وهي في مسجدها، ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة فيه، فقالَ: "مَا زِلْتِ اليَوْمَ عَلى الحال الَّتي فارَقْتُكِ عليها"؟ قالت: نعم! فقال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم: "لَقَدْ قُلْتُ بَعْدَكِ أَرْبَعَ كَلماتٍ ثَلاثَ مَرَّاتٍ لَوْ وزِنَتْ بِما قُلْتِ مُنْذُ اليَوْمِ لَوَزَنَتُهُنَّ: سُبحانَ اللَّهِ وبِحمْدِهِ عَدَدَ خَلْقِهِ وَرِضَا نَفْسِهِ َوزِنَةَ عَرْشِهِ وَمِدَادَ كَلِماتِهِ". وفي رواية: "سبحانَ اللَّهِ عَدَدَ خَلْقِهِ، سبحان الله رضا نفسه، سبحان الله زنة عرشه، سبحان اللَّهِ مِدَادَ كَلِماتِهِ". 84- ورويناه في "كتاب الترمذي" [رقم: 3555] ، ولفظه: "ألا أُعَلِّمُكِ كَلماتٍ تَقُولينَها: سُبْحانَ اللَّهِ عَدَدَ خَلْقِهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ خَلْقِهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ خَلْقِهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ رِضَا نَفْسِهِ، سبحان الله رضا نفسه، سبحان الله رضا نفسه، سبحان اللَّهِ زِنَةَ عَرْشِهِ، سبحان الله زنة عرشه، سبحان الله زنة عرشه، سبحان اللَّهِ مِدَادَ كَلِماتِهِ، سُبْحانَ اللَّهِ مِدَادَ كَلِماتِهِ، سُبْحانَ اللَّهِ مِدَادَ كَلِماتِهِ". 85- وروينا في صحيح مسلم [رقم: 2695] أيضاً، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "لأَنْ أقُولَ: سُبْحَانَ الله، والحمد لله، ولا إله إلا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ؛ أَحَبُّ إِلَيّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ". 86- وروينا في "صحيحي البخاري" [رقم: 6404] ، ومسلم [رقم: 2693] ؛ عن أبي أيَوبَ الأنصاري رضي الله عنه، عن النبي -صلى الله عليه وسلم، قال: "مَنْ قالَ: لا إِلهَ إلا الله وحده لا شَريكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ على كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ؛ عَشْرَ مَرَّاتٍ؛ كانَ كَمَنْ أعْتَقَ أَرْبَعَةَ أَنْفُسٍ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ".

87- وروينا في "صحيحهما" [البخاري، رقم: 6403؛ مسلم، رقم: 2691] ، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ قالَ: لا إِلهَ إلا الله وحده لا شَريكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ على كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، في يَوْمٍ مائَةَ مَرَّةٍ، كانَتْ لَهُ عِدْلَ عَشْرِ رِقابٍ، وكتبت له مائة حسنةٍ، ومُحِيَتْ عَنْهُ مائة سَيِّئَةٍ، وكانَتْ لَهُ حِرْزاً مِنَ الشَّيْطانِ يَوْمَهُ ذلكَ حتَّى يُمْسيَ، ولَمْ يَأتِ أحدٌ بأفْضَلَ مِمَّا جاءَ بِهِ إِلاَّ رجلٌ عَمِلَ أكْثَرَ منه". وقال: "مَنْ قالَ: سُبْحانَ اللَّهِ وبِحَمْدِهِ في يَوْمٍ مائَةَ مَرَّةٍ؛ حُطَّتْ خَطَاياهُ وإنْ كانَتْ مِثْلَ ربد البَحْرِ". 88- وروينا في "كتاب الترمذي"1 [رقم: 3383] ،وابن ماجه [رقم 3800] ، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "أفْضَلُ الذّكْرِ لا إلهَ إلاّ اللَّهُ". قال الترمذي: حديث حسن. 89- وروينا في "صحيح البخاري" [رقم: 6407] ، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنهُ قال: "مَثَلُ الَّذي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذي لا يَذْكُرُهُ، مَثَلُ الحَيِّ وَالمَيِّتِ". 90- وروينا في "صحيح مسلم" [رقم: 2696] ، عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، قال: جاءَ أَعْرَابيٌّ إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: علِّمني كلاماً أقوله! قالَ: "قُل: لا إله إلا الله، وحده لا شريك لَهُ، اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيراً، وَالحَمْدُ لِلَّه كَثِيراً، وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبّ العالَمِينَ، لا حَوْلَ وَلا قوة إلا بالله العزيز الحكيم"2، [راجع رقم: 1088 التالي] قال: فهؤلاء لربي، فما __________ 1 في نسخة "كتابي"؛ من الشارح. 2 أخرج البزار [رقم: 3077] هذا الحديث بلفظ: "العلي العظيم" بدل: "العزيز الحكيم". ["نتائج الأفكار" 67/1] وراجعه ففيه تنبيه على زيادة: "وعافني" في نص الدعاء وآخر الحديث.

لي؟ قال: "قُل: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي وَارْحَمْنِي وَاهْدِني وَارْزُقْنِي". 91- وروينا في "صحيح مسلم" [رقم: 2698] ، عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، قال: كنّا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "أيَعْجِزُ أحَدُكُمْ أنْ يكسب في كل يَوْمٍ أَلْفَ حَسَنَة"؟ فسأله سائل من جلسائه: كيف يكسب [أحدُنَا] 1 ألف حسنة؟. قال: "يسبح مائة تَسْبِيحَةٍ، فَتُكْتَبُ لَهُ ألفُ حَسَنَةٍ، أَوْ يحط عَنْهُ ألْفُ خَطِيئَةٍ". قال الإِمام الحافظ أبو عبد الله الحميدي: كذا هو في كتاب مسلم في جميع الروايات: "أو يُحَطّ" قال البرقاني: ورواه شعبة، وأبو عوانة، ويحيى القطان، عن موسى الذي رواه مسلم من جهته، فقالوا: "ويُحَطّ" بغير ألف. 92- وروينا في "صحيح مسلم" [رقم: 720] ، عن أبي ذرّ رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "يُصْبحُ على كُلّ سُلامَى مِنْ أحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ، وكُلّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ، وكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ، وَأَمْرٌ بالمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنِ المُنْكَرِ صدقة، ويجزئ مِن ذلكَ ركْعَتانِ تركعهما من الضحى" [وسيرد برقم: 1664] . قلتُ: "السُّلاَمَى" بضم السين وتخفيف اللام، وهو العضو، وجمعه سلاميات، بفتح الميم وتخفيف الياء. 93- وروينا في "صحيحي البخاري" [رقم: 3684] ومسلم [رقم: 2704] ، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: قال لي النبيّ -صلى الله عليه وسلم: "ألا أدُّلُّكَ على كَنْزٍ مِنْ كُنُوزِ الجَنَةِ"؟ فقلت: بلى! يا رسول الله، قال: "قُل: لا حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ". 94- وروينا في "سنن أبي داود" [رقم: 1500] ، والترمذي [رقم: __________ 1 من "صحيح مسلم".

3568] ؛ عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، أنه دخل مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على امرأة، وبين يديها نوىً أو حصىً تُسَبِّح به، فقال: "ألا أُخْبرُكِ بِمَا هُوَ أَيْسَرُ عَلَيْكِ مِنْ هَذَا، أو أَفْضَلُ"؟ فَقالَ: "سُبْحانَ الله عَدَدَ مَا خَلَقَ في السَّماءِ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ ما خَلَقَ في الأرْضِ، وسُبْحانَ اللَّهِ عَدَدَ ما بَيْنَ ذلكِ، وسُبحَانَ الله عَدَدَ ما هُوَ خالقٌ، واللَّهُ أَكْبَرُ مِثْلَ ذلكَ، والحمدُ لِلَّهِ مثْلَ ذلكَ، ولا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ مثْلَ ذلكَ، ولا حول ولا قوة إلا بالله مِثْلَ ذَلكَ". قال الترمذي: حديث حسن. 95- وروينا فيهما [أبو داود، رقم: 1501؛ الترمذي، رقم: 3583] ، بإسنادٍ حسن عن يسيرة -بضم الياء المثناة تحت وفتح السين المهملة- الصحابية المهاجرة1 رضي الله عنها؛ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمرهنّ أن يُراعين بالتكبير والتقديس والتهليل، وأن يعقدن بالأنامل، فإنهن مسئولات مستنطقات. 96- وروينا فيهما [أبو داود، رقم: 1502؛ الترمذي، رقم: 3486] ، وفي "سنن النسائي" [رقم: 1355] بإسناد حسن؛ عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، قال: رأيتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يعقد التسبيح؛ وفي رواية: بيمينه2. 97- وروينا في "سنن أبي داود" [رقم: 1529] ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ قَالَ رَضِيتُ بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- نبيًّا ورسولًا؛ وَجَبَتْ لَهُ الجَنَّةُ". 98- وروينا في "كتاب الترمذي" [رقم: 3375] ، عن عبد الله بن __________ 1 قال في "نتائج الأفكار" 89/2: ذكر بعضهم أنها أنصارية، والذي وقع في الرواية الماضية أنها من المهاجرات يردُ عليه. اهـ. 2 قال في "نتائج الأفكار: 90/1: ويعني العقد المذكور في الحديث إحصاء العدد، وهو اصطلاح للعرب بوضع بعض الأنامل على بعض عقد الأنملة الآخرى، فالآحاد والعشرات باليمين، والمئون والآلاف باليسار؛ والله أعلم. اهـ. وقد طبعنا في هذا العلم كتابًا باسم: "حساب العقود الدلالة على الأعداد بأصابع اليدين" من أراد التفصيل فيراجعه.

بُسْر -بضمّ الباء الموحدة، وإسكان السين المهملة- الصحابي رضي الله عنه، أن رجلاً قالَ: يا رسول الله! إن شرائع الإِسلام قد كثرتْ عليّ، فأخبرني بشيء أتشبث به، فقال: "لا يَزالُ لِسانُكَ رَطْباً مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعالى". قال الترمذي: حديث حسن. قلت: "أتشبث" بتاء مثناة من فوق، ثم شين معجمة، ثم باء موحدة، مفتوحات؛ ثم ثاءٌ مثلثة؛ ومعناه: أتعلَّقُ به وأستمسك. 99- وَرُوِّينا فيه [رقم: 3376] ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سئل: أيّ العبادة أفضل درجة عند الله تعالى يَوْمَ القِيامَةِ؟ قال: "الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيراً" قُلْتُ: يَا رَسُول الله! ومِن الغازي في سبيل الله عزّ وجلّ؟ قال: "لَوْ ضَرَبَ بِسَيْفِهِ في الكُفَّارِ والمُشْرِكِينَ حتَّى يَنْكَسِرَ سيفه، ويختصب دماً، لكان الذَّاكرون الله أفضل درجة منه". 100- وروينا فيه [رقم: 3377] ، وفي "كتاب ابن ماجه" [رقم: 3790] ؛ عن أبي الدرداء رضي الله عنه، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "أَلا أُنْبِئُكُمْ 1 بِخَيْرِ أعمالِكُمْ، وَأزْكاها عنْدَ مَلِيكِكُمْ، وأرْفَعِها في دَرَجَاتِكُمُ، وخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ والوَرِق، وخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ، فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ، ويضربوا أعناقكم"؟ قالوا: بلى! قال: "ذِكْرُ اللَّهِ تَعالى". قال الحاكم أبو عبد الله في كتابه "المستدرك على الصحيحين" [496/1] : هذا حديث صحيح الإِسناد. 101- وروينا في كتاب الترمذي [رقم: 3458] ، عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "لقيتُ إبْرَاهِيمَ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ أسري __________ 1 في نسخة: "أخبركم"؛ من الشارح.

بي، فقالَ: يَا محمد! أقرئ أمتك مني السَّلامَ، وأخْبِرْهُمْ أَنَّ الجَنَّةَ طَيِّبَةُ التُّرْبَةِ، عَذْبَةُ المَاءِ، وأنها قِيعانٌ، وأنَّ غِرَاسَها: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إِلاَّ اللَّهُ، واللَّهُ أَكْبَرُ" قال الترمذي: حديث حسن. 102- وروينا فيه [رقم: 3372] ، عن جابر رضي الله عنه، عن النبي -صلى الله عليه وسلم، قال: "مَنْ قالَ: سُبْحانَ الله وبِحمْدِهِ، غُرست لَهُ نَخْلَةٌ في الجَنَّةِ" قال الترمذي: حديث حسن [صحيح] . 103- وروينا في [رقم: 3593] ، عن أبي ذرّ رضي الله عنه، قال: قلتُ: يا رسولُ الله! أيُّ الكلام أحبّ إلى الله تعالى؟ قال: "ما اصْطَفى اللَّهُ تَعالى لمَلائِكَتِهِ: سُبْحانَ ربِّي وبِحَمْدِهِ، سُبْحانَ رَبي وبِحَمْدِهِ". قال الترمذي: حديث حسن صحيح. [مر برقم: 80] . 104- وهذا حيث أشرع في مقصود الكتاب، وأذكره على ترتيب الواقع غالباً، وأبدأ بأوّل استيقاظ الإِنسان من نومه، ثم ما بعده على الترتيب إلى نومه في الليل، ثم ما بعد استيقاظاته في الليلة التي ينام بعدَها؛ وبالله التوفيق.

 كتاب أذكار الاستيقاظ من النوم

 19- باب ما يقول إذا استيقظ من منامه:

105- روينا في "صحيحي" إمامي المحدثين أبي عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري [رقم: 1142] ، وأبي الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري [رقم: 776] رضي الله عنهما، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "يَعْقِدُ الشَّيْطانُ على قافِيةِ رأسِ أحَدِكُم إذا هُوَ نَامَ ثَلاثَ عُقَدٍ، يَضْرِبُ على كُلّ عقدةٍ مَكانَها: عَلَيْكَ لَيْلٌ طَويلٌ فارْقُدْ، فإنِ اسْتَيْقَظَ وَذَكَرَ الله تعالى انْحَلَّت عُقْدَةٌ، فإن تَوْضأ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فإنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقَدُهُ كُلُّها، فأصْبَحَ نَشِيطاً طيب النَّفْسِ، وإلاَّ أَصْبحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلانَ".

هذا لفظ رواية البخاري، ورواية مسلم بمعناه. و"قافية الرأس": آخره. 106- وروينا في "صحيح البخاري" [رقم: 6312] ، عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما، وعن أبي ذر رضي الله عنه، قالا: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أوى إلى فراشه قال: "باسْمِكَ اللهم أحيا وأموت" وإذَا اسْتَيْقَظَ قالَ: "الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي أحيانا بعد ما أماتَنا وإلَيْهِ النشُورُ". [سيرد برقم: 489] . 107- وروينا في "كتاب ابن السني" [رقم: 9] ، بإسناد صحيح، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذَا اسْتَيْقَظَ أََحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ: الحمدُ لِلَّهِ الَّذي رَدََّ عَلَيّ رُوحِي، وَعافانِي في جَسَدِي، وأذِن لي بذِكْرِهِ" 1. 108- وروينا فيه [رقم: 10] ، عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَا مِنْ عَبْدٍ يَقُولُ عِنْدَ رَدّ اللَّهِ تَعالى رُوحَهُ عَلَيْهِ: لا إِلهَ إلا الله، وحده لا شَريكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ، وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ على كُلّ شيء قدير؛ إلاَّ غَفَرَ اللَّهُ تَعالى لَهُ ذُنُوبَهُ، وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ ربد البَحْرِ" 2. 109- وروينا فيه [رقم: 13] ، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "ما من رَجُلٍ يَنْتَبِهُ منْ نَوْمِهِ، فَيَقُولُ: الحمدُ لِلَّهِ الَّذي خَلَقَ النَّوْمَ واليَقَظَةَ، الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي بَعَثَنِي سالِماً سَوِيّاً، أشهدُ أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي المَوْتى، وَهُوَ على كُلّ شَيْءٍ قَدِير؛ إلاَّ قال اللَّهُ تَعالى: صَدَقَ عبدي". __________ 1 قال الحافظ ابن حجر: أخرجه الترمذي [بتمامه، رقم: 3398] والنسائي [في "الكبرى" مقتصرًا على شطره الثاني "عمل اليوم والليلة" رقم: 791] ، فما أدري لِمَ أغفل المصنف عزوه إليهما، واقتصر على عزوه إلى ابن السني. ["نتائج الأفكار" 1/ 113] . وقال: وأما قوله: إنه صحيح الإِسناد؛ ففيه نظر، فإنه ["نتائج الأفكار": فإن الشطر الثاني الذي اقتصر عليه] من أفراد محمد بن عجلان, وهو صدوق، لكن في حفظه شيء، وخصوصًا في روايته عن المقبري، فالذي ينفرد به من قبيل الحسن، وإنما يصحح له من يدرج الحسن في الصحيح، وليس ذلك من رأي الشيخ. 2 قال في "نتائج الأفكار" 1/ 115: هذا حديث ضعيف جدًّا. اهـ.

110- وروينا في "سنن أبي داود" [رقم: 5085] ، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا هَبَّ منَ اللَّيْلِ كَبَّرَ عَشْراً، وحَمِدَ عَشْراً، وقَالَ: "سُبْحان الله وبِحَمْدِهِ" عَشْراً، وقَالَ: "سُبْحانَ المَلِكِ القُدُوس" عَشْراً، وَاسْتَغْفَرَ عَشْراً، وَهَلَّل عَشْراً، ثُمََّ قال: "اللَّهُمَّ إني أعوذ بك من ضيق الدنيا وضِيقِ يَوْمِ القِيامَة " عَشْراً، ثُمَّ يَفْتَتِحُ الصَّلاة1. وقولها: "هبَّ" أي: استيقظ. 111- وروينا في "سنن أبي داود" [رقم: 5061] أيضاً، عن عائشة رضي الله عنها أيضاً، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا استيقظ من الليل قالَ: "لا إِلهَ إِلاَّ أنْتَ، سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ، أسْتَغْفِرُكَ لِذَنْبِي، وأسألُكَ رَحْمَتَكَ، اللَّهُمَّ زِدْنِي عِلْماً، ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني، وَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إنَّكَ أنت الوهاب". [وسيرد برقم: 529] .

 20- بابُ ما يَقُول إذا لبسَ ثوبَه:

112- يُستحبّ أن يقول: باسم الله؛ وكذلك تُستحبّ التسمية في جميع الأعمال. 113- وروينا في "كتاب ابن السني" [رقم: 14] ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، واسمه: سعد بن مالك بن سنان، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا لبس ثوباً [سمَّاهُ] : قميصاً أو رداء أو عمامة؛ يقولُ: "اللَّهُمَّ إني أسألُكَ منْ خَيْرِهِ وَخَيْر مَا هو لَهُ، وأعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهِ وَشَرِّ ما هو له". [راجع رقم: 116] . 114- وروينا فيه [رقم: 272] ، عن معاذ بن أنس رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ لَبِسَ ثَوْباً فَقالَ: الحَمْدُ لله الذي كَساني هَذَا وَرَزَقنيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلاَ قُوَّة، غَفَرَ الله لَهُ ما تَقَدَّمَ من ذنبه" 2؛ والله أعلم. __________ 1 أورده ابن حجر في "نتائج الأفكار" 116/1 بعد الحديث رقم: 111 التالي، وقال في 120/1: وهو في أكثر النسخ مقدم على الذي قبله. اهـ. أي على الحديث رقم: 111 التالي كما هو مثبت في نسختنا. 2 خرجه ابن حجر في "نتائج الأفكار" 153/1 عن أبي داود، رقم: 4020؛ الترمذي، رقم: 1767؛ والحاكم 507/1، 192/4؛ وابن ماجه، رقم: 3285؛ وقال: وإنما اقتصر الشيخ [النووي] على عزوه لابن السني؛ لأنه لم يقع في روايته وصف الثوب بالجدة، لكنه حديث واحد قصر فيه بعض الرواة. اهـ. مع ملاحظة أن ما رواه ابن ماجه اقتصر فقط على ما يقول بعد الفراغ من أكل الطعام.

 21- بابُ ما يقولُ إذا لبسَ ثوباً جديداً أو نعلاً وما أشبههُ:

115- يُستحبُّ أن يقول عند لباسه ما قدّمناه في الباب قبلَه [رقم: 112 وما بعده] . 116- وروينا عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا استجدّ ثوباً سمَّاه باسمه: عمامة، أو قميصاً، أو رداء؛ ثم يقولُ: "اللَّهُمَّ لَكَ الحمدُ، أنْتَ كَسَوْتِنِيهِ، أسألُكَ خَيْرَهُ وَخَيْرَ ما صُنِعَ لَهُ، وأعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهِ وَشَرِّ ما صُنِعَ لَهُ" حديث صحيح1، رواه أبو دواد سليمان بن الأشعث السجستاني [رقم: 4020] ، وأبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي [رقم: 1767] ، وأبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي [في "عمل اليوم والليلة"، رقم: 309] في "سننهم". قال الترمذي: هذا حديث حسن [غريب صحيح] . [راجع رقم: 113] 2. 117- وروينا في "كتاب الترمذي" [رقم: 3560] ، عن عمر رضي الله عنه، قال: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "مَنْ لَبِسَ ثَوْباً جَدِيداً، فَقَالَ: الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَساني ما أُوَاري بِهِ عَوْرَتي، وَأَتَجَمَّلُ بِهِ في حياتي؛ ثُمََّ عَمَدَ إلى الثَّوْب الَّذِي أَخْلَقَ فَتَصَدَّقَ بِهِ، كانَ في حِفْظِ اللَّهِ، وفي كَنَفِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، وفِي سَتْرِ الله 3 حيًّا وميتًا". والله أعلم. __________ 1 قال ابن حجر في "نتائج الأفكار" 125/1، 126: رجاله رجال الصحيح، لكن [سعيد] الجريري اختلط. ثم قال: كل من ذكرناه سوى حماد والثقفي سمعوا من الجريري بعد اختلاطه، فعجب من الشيخ كيف جزم بأنه حديث صحيح!، ويحتمل أن يكون صحيح المتن لمجيئه من طريق آخر حسن أيضًا. اهـ. 2 زيادة من مطبوعة الترمذي وغيرها. 3 في بعض النسخ: "وفي سبيل الله".

 22- بابُ ما يقولُ لصاحبه إذا رأى عليه ثوباً جديداً:

118- روينا في "صحيح البخاري" [رقم: 5823] ، عن أُمّ خالد بنت خالد رضي الله عنها: قالت: أُتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بثياب فيها خميصةٌ سوداءُ [صغيرة] ، فقال: "من ترون نكسو هذه الخميصة"؟ فسكت القومُ، فقال: "ائتوني بأُمّ خالِدٍ" فأُتي بِيَ النبيَّ -صلَّى الله عليه وسلم- فألبسنيها بيده، وقال: "أبْلِي وأخْلِقِي" مرّتين. 119- وروينا في كتابي ابن ماجه [رقم: 3558] وابن السني [رقم: 269] ، عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى على عمر رضي الله عنه ثوباً، فقال: "أجَدِيدٌ هَذَا أمْ غَسِيلٌ"؟ فقال: بل غسيلٌ؛ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: "الْبَسْ جَدِيداً، وَعِشْ حَمِيداً، وَمُتْ شَهِيداً سعيدًا". والله أعلم.

 23- بابُ كيفيّة لباسِ الثوبِ والنعلِ وخَلْعِهما:

120- يستحب أن يبتدئ في لبس الثوب والنعل والسراويل وشبهها باليمين من كميه ورجلي السراويل، ويخلع الأيسر ثم الأيمن، وكذلك الاكتحال، والسواك، وتقليم الأظفار، وقصّ الشارب، ونتف الإِبط، وحلق الرأس، والسلام من الصلاة، ودخول المسجد، والخروج من الخلاء، والوضوء، والغسل، والأكل، والشرب، والمصافحة، واستلام الحجر الأسود، وأخذ الحاجة من إنسان، ودفعها إليه، وما أشبه هذا؛ فكله يفعله باليمين، وضدّه باليسار.

121- روينا في "صحيحي" البخاري [رقم: 168] وأبي الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري [رقم: 268] ، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يُعجبه التيمّن في شأنه كله، في طهوره، وترجُّلِه، وتنعّلِه. 122- وروينا في "سنن أبي داود" [رقم:33] ، وغيره [كالإمام أحمد في "مسنده" 265/2] ، بالإِسناد الصحيح، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كانت يدُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اليمنى لطهوره وطعامه، وكانت اليسرى لخلائه، وما كان من أذى1. 123- وروينا في "سنن أبي داود" [رقم: 32] و"سنن البيهقي" [113/1] ، عن حفصة رضي الله عنها، أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يجعلُ يمينَه لطعامه وشرابه وثيابه، ويجعلُ يَسَارَه لما سوى ذلك. 124- وروينا عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذَا لَبِسْتُمْ، وَإذَا توضأتم فابدءوا بأيامنكم" حديث حسن، رواه أبو داود [رقم: 4141] ، والترمذي [رقم: 1766] ، وأبو عبد الله محمد بن يزيد، هو ابن ماجه [رقم: 402] ، وأبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي [86/1] . وفي الباب أحاديث كثيرة؛ والله أعلُم. __________ 1 قال الحفاظ ابن حجر: رجاله أخرج لهم مسلم، فالإسناد على شرط الصحة كما قال المصنف، لكنه جزم في "الخلاصة" بأنه حديث صحيح، وتردد في "شرح المهذب" فقال: صحيح أو حسن. والتحرير أنه حسن؛ فإن فيه علتين: الاختلاف على سعيد بن أبي عروبة في وصله وإرساله، وفيه زيادة راوٍ على السند الموصول؛ فإن أبا داود [رقم: 33] أخرجه أولًا من طريق عبد الوهاب بن عطاء، عن سعيد بن أبي عروبة، عن أبي معشر -وهو زياد بن كليب- عن إبراهيم النخعي، عن الأسود -هو ابن يزيد النخعي- عن عائشة. ثم أخرجه من رواية عيسى بن يونس عن سعيد، بإسقاط الأسود. وأخرجه البيهقي من رواية محمد بن أبي عدي، عن سعيد، عن رجل لم يسم، عن أبي معشر. ورجح الدارقطني في "العلل" هذه الرواية، فصار الحديث بسبب ذلك ضعيفًا من أجل المبهم، وسعيد مع كونه مدلسًا وقد عنعنه، فإنه ممن اختلط. وإنما قلتُ: إن الحديث حسنٌ لاعتضاده بالحديث الذي بعده. ["نتائج الأفكار" 144/1] .

 24- بابُ ما يقولُ إذا خلعَ ثوبَه لغُسْلٍ أو نومٍ أو نحوهِمَا:

125- روينا في "كتاب ابن السني" [رقم: 274] ، عن أنس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "سِتْرُ ما بَيْنَ أَعْيُنِ الجِنّ وَعَوْرَاتِ بَنِي آدَمَ أنْ يَقُولَ الرَّجُلُ المُسْلِمُ إذَا أرَاد أنْ يَطْرَحَ ثِيابَهُ: باسْمِ اللَّهِ الَّذي لا إله إلا هو".

 25- باب ما يقول حال خروجِهِ من بيتِه:

126- روينا عن أُمّ سلمة رضي الله عنها، واسمها هند، أن النبي -صلى الله عليه- وسلم كانَ إذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ، قالَ: "باسْمِ اللَّهِ، تَوَكَّلْتُ على اللَّهِ، اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ أنْ أَضِل أَوْ أُضَل، أوْ أَزِل أَوْ أُزَل، أَوْ أَظلِم أَوْ أُظْلَم، أوْ أَجْهَل أَوْ يُجْهَلَ عليَّ" حديث صحيح، رواه أبو داود [رقم: 5094] ، والترمذي [رقم: 3427] ، والنسائي [رقم: 5486] ، وابن ماجه1 [رقم: 3884] . قال الترمذي: حديث حسن صحيح. هكذا في رواية أبي داود: "أَضِلَّ أَوْ أُضَلَّ، أو أَزِلّ أو أُزَلَّ " وكذا الباقي بلفظ التوحيد. وفي رواية الترمذي: "أعُوذُ بِكَ مِنْ أنْ نَزِلّ" وكذَلِكَ: "نُضل"، "ونَظْلِمَ"، "ونَجْهَلَ" بلفظ الجمع. __________ 1 قال الحافظ ابن حجر: جمع الشيخ هذه الزيادة [أي: بسم اللَّهِ، تَوَكَّلْتُ على الله ... إلخ] في سياق الحديث، ولا وجود لها مجموعة في الكتب الأربعة التي عزاه إليها. ["نتائج الأفكار" 159/1] .

وفي رواية أبي داود: ما خرجَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- من بيتي إلا رفع طرفه إلى السماء، فقال: "اللَّهُمَّ إني أعُوذُ بِكَ". وفي رواية غيره: كانَ إذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ قالَ:.... كما ذكرناه؛ والله أعلم. 127- ورويناه في "سنن أبي داود" [رقم: 5095] ، والترمذي [رقم: 3426] والنسائي [في "عمل اليوم والليلة"، رقم: 89] وغيرهم، عن أنس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قالَ -يعني: إذَا خَرَجَ مِنْ بيته: باسْمِ اللَّهِ، تَوَكَّلْتُ على الله، لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ باللَّهِ، يُقالُ لهُ: كُفِيتَ، ووُقيت، وَهُدِيتَ؛ وتَنَحَّى عنهُ الشيطانُ". قال الترمذي: حديث حسن [صحيحٌ غريب] . زاد أبو داود في روايته: "فيقول"، يعني: الشيطان لشيطان آخر: "كَيْفَ لَكَ بِرَجُلٍ قَدْ هُدِيَ وكُفِيَ وَوُقِيَ؟ ". 128- وروينا في "كتابي" ابن ماجه [رقم: 3885] ، وابن السني [رقم: 176] ؛ عن أبي هريرة رضي الله عنهُ، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كانَ إذَا خَرَجَ من منزله قال: "باسم الله، التُّكْلانُ على الله، لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ باللَّهِ". والله أعلم.

 26- بابُ ما يقولُ إذا دخلَ بيتَه:

129- يُستحب أن يقول: باسم الله، وأن يكثرَ من ذكر الله تعالى: وأن يسلّمَ سواءٌ كان في البيت آدميّ أم لا، لقول الله تعالى: {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً} [النور: 61] . 130- روينا في "كتاب الترمذي" [رقم: 2698] ، عن أنس رضي الله عنه، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا بُنَيَّ! إذَا دَخَلْتَ على أهْلِكَ فَسَلِّمْ، يكن

بَرَكَةً عَلَيْكَ وعلى أهْلِ بَيْتِكَ". قال الترمذي: حديث حسن صحيح1. 131- وروينا في "سنن أبي داود" [رقم: 5096] ، عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه، واسمه الحارث، وقيل: عبيد، وقيل: كعب، وقيل: عمرو؛ قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "إذا وَلَجَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ إِني أسألُكَ خَيْرَ المَوْلِجِ، وَخَيْرَ المَخْرَجِ، باسْمِ اللَّهِ وَلجْنا، وباسْمِ اللَّهِ خَرَجْنا، وَعَلى اللَّهِ رَبِّنا تَوََكَّلْنا؛ ثُمَّ ليُسَلِّمْ على أهْلِهِ" لم يضعفه أو داود. 132- وروينا عن أبي أُمامةَ الباهلي رضي الله عنه، واسمه صُدَيُّ بن عَجْلان؛ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ثَلاَثَةٌ كُلُّهُمْ ضَامِنٌ على اللَّهِ عَزَّ وجل: رجل خرج عازيًا في سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَهُوَ ضَامِنٌ على الله عَزَّ وجَلَّ حَتَّى يتوفاه فيدخله الجنة، أو يرده بما نال مِنْ أجْرٍ وَغَنِيمَةٍ؛ وَرَجُلٌ رَاحَ إلى المَسْجِد، فَهُو ضَامِنٌ على الله تعالى حتَّى يَتَوَفَّاهُ فَيُدْخلَهُ الجَنَّةَ، أَوْ يرده بما نال من أجر وغنيمة، وَرَجُلٌ دَخَلَ بَيْتَهُ بِسلامٍ، فَهُوَ ضَامنٌ على اللَّهِ سُبْحانَهُ وتَعَالى". حديث حسن. رواه أبو داود [رقم: 2494] بإسناد حسن، ورواه آخرون. [كالبخاري في "الأدب المفرد"، رقم: 8094؛ وابن حبان، رقم: 499؛ والحاكم في "المستدرك" 73/2؛ والبيهقي في "السنن" 166/9] . ومعنى "ضامن على الله تعالى" أي: صاحب ضمان، والضمان: الرعاية للشيء، كما يقالُ: تامرٌ ولابنٌ، أي: صاحب تمر، ولبن. فمعناه: أنه في رعاية الله تعالى، وما أجزل هذه العطية! اللهمَّ ارزقناها. 133- وروينا عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: سمعت __________ 1 قال ابن حجر في "نتائج الأفكار" 168/1: هكذا أخرجه الترمذي، وقال: حسن غريب، كذا في كثير من النسخ المعتمدة، منها بخط الحافظ أبي علي الصدفي، ووقع الكرَّوخي: حسن صحيح، وعليها اعتمد في "الأذكار". اهـ.

النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إذَا دَخَلَ الرجلُ بيتهُ، فَذَكَرَ اللَّهَ تَعالى عنْدَ دُخُولِهِ، وَعِنْدَ طَعامِهِ، قالَ الشِّيْطانُ: لا مَبِيتَ لَكُمْ وَلا عَشاءَ؛ وَإذا دَخَلَ فَلَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ تَعالى عنْدَ دُخُولِه، قالَ الشيطانُ: أدْرَكْتُمُ المَبِيتَ، وَإذا لَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ تَعالى عِنْدَ طَعامِهِ، قالَ: أدْرَكْتُمُ المَبِيتَ والعَشَاء" رواه مسلم في "صحيحه" [رقم: 2018، وسيرد رقم: 1172] . 134- وروينا في "كتاب ابن السني" [رقم: 157] ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا رجع من النهار إلى بيته يقول: "الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي كَفانِي وآوَانِي، والحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أطْعَمَنِي وَسَقاني، وَالحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي مَنّ علي [فأفضل] ، أسألُكَ أن تُجِيرَني مِنَ النَّار" إسناده ضعيف1. 135- وروينا في "موطأ مالك رحمه الله" [962/2] ، أنه بلغه أنه يستحبّ إذا دخل بيتاً غير مسكونٍ أن يقولُ: السلامُ عَلَيْنا وَعلى عِبادِ اللَّهِ الصالحين؛ والله أعلم. __________ 1 قال الحافظ ابن حجر: ليس في رواته من ينظر في حاله، إلا الرجل المبهم، الراوي له عن ابن عمرو، وقد وجدت له شاهداً من حديث عبد الرحمن بن عوف، أخرجه ابن أبي شيبة والبزار [129/1] من حديث عبد الرحمن بن عوف، فالحديث حسن. ["نتائج الأفكار" 178/1 و179] .

27- باب ما يقول إذا استيقظ من الليل وخرج من بيته: 136- يستحبّ له إذا استيقظ من الليل وخرج من بيته أن ينظر إلى السماء، ويقرأ الآيات الخواتم من3 سورةِ آل عمران [الآيات: 190 - 200] : {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ، الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلْ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ

وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ، رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ، رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ، فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لأكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللهِ وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ، لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ، مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ، لَكِنْ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللهِ وَمَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لِلأَبْرَارِ، وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُوْلَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} إلى آخر السورة. ["التبيان"، رقم: 471] . 137- قلت: ثبت في "الصحيحين" [البخاري، رقم: 4569؛ مسلم، رقم: 763] أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يفعله، إلا النظر إلى السماء، فهو في "صحيح البخاري" دون مسلم1. ["التبيان"، رقم: 472] . __________ 1 قال الحافظ ابن حجر: بل ثبت ذلك في مسلم أيضًا، وسبب خفاء ذلك على الشيخ أن مسلمًا جمع طرق الحديث كعادته، فساقها في كتاب الصلاة، وأفرد طريقًا منها في كتاب الطهارة [رقم: 256] ، وهي التي وقع عنده فيها التصريح بالنظر إلى السماء، ووقع ذلك أيضًا في طريقين آخرين مما ساقهُ في كتاب الصلاة [رقم: 763] ، لكنه اقتصر في كل منهما على بعض المتن، فلم يقع عنده فيهما التصريح بهذه اللفظة، وهي في نفس الأمر عنده فيهما؛ وأما البخاري، فلم يقع عنده التقييد بكون ذلك عند الخروج من البيت؛ وليس في شيء من الطرق الثلاثة التي أشرت إليها التصريح بالقراءة إلى آخر السورة، وإنما ورد ذلك في طرق أخرى ليس فيها النظر إلى السماء، لكن الحديث في نفس الأمر واحد، فذكر بعض الرواة ما لم يذكر بعض. ["نتائج الأفكار" 1 /181.

138- وثبت في "الصحيحين" [البخاري، رقم: 1120؛ مسلم، رقم: 769] ، عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا قام من الليل يتهجد، قال: "اللهم لَكَ الحَمْدُ، أنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ والأرْضِ وَمَنْ فِيهنَّ، وَلَكَ الحَمْدُ، لَكَ مُلْكُ السَّمَوَاتِ والأرض ومن فيهن، ولك الحمد، أنْت نُورُ السَّمَوَاتِ والأرْضِ ومَنْ فِيهنَّ، ولكَ الحَمدُ، أنْتَ الحَقُّ، وَوَعْدُكَ الحَقّ، ولِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَقَوْلُكَ حَقٌّ، والجَنَّةُ حَقٌّ، والنَّارُ حق، والنبيون حَقٌّ، ومُحَمَّدٌ حَقٌّ، والسَّاعَةُ حَقٌّ؛ اللَّهُمَّ لَكَ أسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وبِكَ خاصَمْتُ، وَإلَيْكَ حاكَمْتُ، فاغْفِرْ لي ما قَدَّمْتُ وَمَا أخَّرْتُ، وَمَا أسْرَرْتُ وَما أعْلَنْتُ، أنْتَ المُقَدِّمُ وأنْتَ المُؤَخِّرُ، لا إله إلا أنت". [راجع رقم: 199 التالي] . زادَ بعض الرواة: "ولا حول ولا قوة إلا بالله"؛ والله أعلمُ.

 كتاب أذكار الطهارة والوضوء

 28- بابُ ما يقولُ إذا أراد دخول الخلاء:

139- ثبت في "الصحيحين" [البخاري، رقم: 142؛ مسلم، رقم: 375] ، عن أنس رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقولُ عندَ دُخول الخلاء: "اللَّهُمَّ إني أعوذ بك من الخبث والخبائث". يقال: "الخبث" بضم الباء وبسكونها، ولا يصحّ قول من أنكر الإِسكان. 140- وروينا في غير "الصحيحين" [أبو داود، رقم: 4 و 5؛ الترمذي، رقم: 5؛ النسائي، رقم: 19] : "باسْمِ اللَّهِ؛ اللَّهُمَّ إني أعُوذُ بِكَ مِنَ الخُبْثِ وَالخبائِثِ".

141- وروينا عن عليّ رضي الله عنه، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "سِتْرُ ما بَيْنَ أَعْيُنِ الجِنّ وَعَوْرَاتِ بَنِي آدَمَ إذَا دَخَلَ الكَنِيفَ أن يقول: بسم اللَّهِ" رواه الترمذي [رقم: 606] وقال: إسناده ليس بالقويّ. وقد قدّمنا في الفصول [برقم: 3] أن الفضائل يُعمل فيها بالضعيف. 142- قال أصحابنا: ويستحبّ هذا الذكر سواءٌ كان في البنيان أو في الصحراء. 143- وقال أصحابنا رحمهم الله: يُستحبّ أن يقول أوّلاً: بِاسْمِ الله، ثم يقول: اللَّهُمَّ إني أعوذ بك من الخبث والخبائث. 144- وروينا عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا دخل الخلاء، قال: "اللهم إني أعوذ بك من الرجل النَّجِسِ الخَبِيثِ المُخْبِثِ: الشَّيْطانِ الرجِيمِ" رواه ابن السني [رقم: 25] ، ورواه الطبراني [رقم: 367] في "كتاب الدعاء"؛ والله أعلم.

 29- بابُ النّهي عن الذِّكْرِ والكَلامِ عَلَى الخَلاَء:

145- يُكْرَه الذكر والكلام حال قضاء الحاجة، سواءٌ كان في الصحراء أو في البنيان، وسواءٌ في ذلك جميع الأذكار والكلام، إلا كلام الضرورة، حتى قال بعضُ أحصابنا: إذا عطس لا يحمدُ الله تعالى، ولا يشمِّت عاطساً، ولا يردّ السلام، ولا يجيب المؤذّن، ويكون المُسَلِّم مُقَصِّراً لا يستحقّ جواباً. والكلام بهذا كله مكروه كراهةَ تنزيه، ولا يحرم، فإن عَطَسَ، فَحَمِدَ اللَّه تعالى بقلبه، ولم يحرّك لسانه فلا بأس، وكذلك يفعل حال الجماع. 146- وروينا عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: مرّ رجل

بالنبيّ صلى الله عليه وسلم وهو يبول، فسلَّمَ عليه، فلم يَرُدَّ عليهِ. رواه مسلم في "صحيحه" [رقم: 370] . 147- وعن المهاجر بن قنفذ رضي الله عنه، قال: أتيتُ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- وهو يبول، فسلَّمت عليه، فلم يرد عليّ حتى تَوَضَّأَ، ثم اعتذر إِلَيَّ، وقال: "إني كَرِهْت أن أذْكُرَ اللَّهَ تَعالى إلاَّ على طُهْر" أو قال: "على طهارةٍ" حديث صحيحٌ، رواه أبو داود [رقم: 17] ، والنسائي [رقم: 38] ، وابن ماجه [رقم: 350] بأسانيد صحيحه1؛ والله أعلم. __________ 1 قال الحافظ ابن حجر: فيه نظر؛ إذ ليس له إلا إسناد واحد عند من ذكر. ["نتائج الأفكار" 208/1] .

بابُ النهي عن السلام على المجالس لقضاء الحاجة

 30- بابُ النّهي عن السَّلام على الجالس لقضاء الحَاجَة:

148- قال أصحابنا: يُكره السلام عليه، فإن سلَّم لم يستحقَّ جواباً لحديث ابن عمر والمهاجر المذكورين [برقم: 146 و147] في الباب قبلَه؛ والله أعلمُ.

 31- بابُ ما يقولُ إذَا خَرَجَ مِنْ الخَلاَء:

149- يقول: "غُفْرَانَكَ، الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي أذْهَبَ عَنِّي الأذَى وَعافانِي". 150- ثَبَتَ في الحديث الصحيح، في "سنن أبي داود" [رقم: 30] ، والترمذي [7] ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "غُفْرَانَك" وروى النسائي [رقم: 79 في "عمل اليوم والليلة"] وابن ماجه [رقم: 300 و301] باقيه1. 151- وروينا عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذَا خَرَجَ مِنْ الخلاء قال: "الحَمْدُ لِلَّه الَّذي أذَاقَنِي لَذَّتَهُ، وأبْقَى فِيّ قُوَّتَهُ، وَدَفَعَ عَنِّي أَذَاهُ" رواه ابن السني [رقم: 25] والطبراني [رقم: 370 في "الدعاء"؛ وراجع رقم: 144] والله أعلمُ. __________ 1 قال الحافظ ابن حجر: هذا يوهمُ أنه حديث واحدٌ اختصره بعضهم، وليس كذلك، بل قوله: "غفرانك" أخرجه أبو داود [رقم: 30] والترمذي [رقم: 7] والنسائي [في "عمل اليوم والليلة"، رقم: 79] وابن ماجه [رقم: 300] ؛ كلهم عن عائشة، والكلام الذي بعده أخرجه النسائي [ابن السني، رقم:22] من حديث أبي ذر، وابن ماجه [رقم: 301] من حديث أنس. ["نتائج الأفكار" 214/1] .

 32- بابُ ما يقولُ إذا أراد صَبَّ ماء الوضوءِ أو استقاءه:

152- يُستحبّ أن يقول: "باسم الله" كما قَدَّمناه [رقم: 112] ؛ والله أعلم.

باب ما يقول على وضوئه مدخل

 33- بابُ ما يَقولُ على وضُوئه:

153- يُستحبّ أن يقول في أوّله: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ" وإن قال: "بِاسْمِ اللَّهِ" كفى. 154- قال أصحابنا: فإن تَرَكَ التسمية في أوّل الوضوء أتى بها في أثنائه. فإن تركها حتى فرغ، فقد فات محلها، فلا يأتي بها، ووضوءُه صحيح، سواءٌ تركها عمداً أو سهواً. هذا مذهبنا ومذهب جماهير العلماء. 155- وجاء في التسمية أحاديث ضعيفة، ثبت عن أحمد بن حنبل رحمه الله، أنه قال: لا أعلم في التسمية في الوضوء حديثاً1 ثابتاً. 156- فمن الأحاديث حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن __________ 1 قال الحافظ ابن حجر: لا يلزم من نفي العلم ثبوت العدم، وعلى التنزل لا يلزم من نفي الثبوت ثبوتُ الضعف، لاحتمال أن يراد بالثبوت الصحة، فلا ينتفي الحكم الحسن، وعلى التنزل لا يلزم من نفي الثبوت عن كل فرد نفيه عن المجموع. ["نتائج الأفكار" 223/1] .

النبي -صلى الله عليه وسلم: "لا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ الله عَلَيْهِ" رواهُ أبو دواد [رقم: 101] وغيره1. ["مسند أحمد" 2/ 418] . ورويناه من رواية سعيد بن زيد2، وأبي سعيد3، وعائشة، ["مجمع الزوائد" 220/1؛ "الدعاء" للطبراني، رقم: 384] وأنس بن مالك ["صحيح ابن خزيمة" رقم: 144؛ النسائي] ، وسهل بن سعد [ابن ماجه، رقم: 400؛ "المستدرك" للحاكم 269/1؛ "الدعاء" للطبراني، رقم: 382] رضي الله عنهم4. ورويناها كلها في "سنن البيهقي" [43/1 - 45] وغيره، وضعّفها كلها البيهقي وغيره؛ والله أعلم. __________ 1 أخرجه الحاكم [146/1] وصححه، وله شواهد من طرق. ["نتائج الأفكار" 224/1] . 2 أخرجه الترمذي [رقم: 25] والدراقطني [79/13] ، وقال البخاري [الترمذي، رقم: 25] : إنه أحسنُ أحاديث الباب. ["نتائج الأفكار" 228/1] . 3 قال الحافظ ابن حجر: هو حديث حسن أخرجه أحمد [41/3] والترمذي [في "العلل الكبرى"] والدارمي [رقم: 697] وابن ماجه [رقم: 397] والحاكم [147/1] وصححه؛ وعن إسحاق بن راهويه، أنه أصح أحاديث الباب. ["نتائج الأفكار" 229/1] . 4 قال الحافظ ابن حجر: وورد أيضًا من حديث علي، أخرجه ابن عدي في "الكامل" [1883/5] ؛ وابي سبرة ["المعجم الكبير" للطبراني ج22، رقم: 755؛ و"الدعاء" له، رقم: 381] أخرجه البغوي في "معجم الصحابة"؛ وابن مسعود وابن عمر؛ أخرجهما البيهقي [44/1] . قال أبو الفتح [ابن سيد الناس] اليعمري: أحاديث الباب إما صريح غير صحيح، وإما صحيح غير صريح. قال ابن الصلاح: يثبت بمجموعها ما يثبت به الحديث الحسنُ. ["نتائج الأفكار" 235/1] .

 34- فصل [ما يقولُ في ابتداء الوضوء بعد التسمية]

157- قَالَ بعض أَصْحَابِنَا، وهو الشيخ أبو الفتح نصر المقدسي الزاهد: يستحب للمتوضئ أن يقولَ في ابتداء وضوئه بعد التسمية: أشهدُ أنْ لا إِلهَ إلاَّ اللَّه وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمداً عبده ورسولُه. 158- وهذا الذي قالهُ لا بأس به، إلا أَنَّهُ لا أصل له من جهة السنة، ولا نعلم أحداً من أصحابنا وغيرهم قال به1؛ والله أعلم. __________ 1 قال الزركشي في "الخادم": قال به شيخه سليم الرازي، وقبلهما الصَّيْمَريّ. وقال الحافظ ابن حجر في أماليه: أَخْرَج جعفر المستغفري في كتاب "الدعوات" من طريق سالم ابن أبي الجعد، عن البراء بن عازب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ عَبْدٍ يَقُولُ إذا توضأ: بسم الله؛ ثم قال لكل عضو: أشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّه وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمدا عبده ورسوله، ثم قال إذا فرغ من وضوئه: اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين؛ إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية، يدخل من أيها شاء". هذا حديث غريب، وفيه تعقب على المصنف في قوله: إن التشهد بعد التسمية لم يرد. ["نتائج الأفكار" 244/1] .

فصل ما يقول عقب الوضوء ...

  35- فضل [ما يقول عقب الوضوء]

159- ويقول بعد الفراغ من الوضوء: أشْهَدُ أنْ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّه وحدهُ لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمدا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنَ التَوَّابِينَ، واجْعَلْني مِنَ المُتَطَهِّرِينَ، سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وبِحَمْدِكَ، أشْهَدُ أنْ لا إِلهَ إِلاَّ أنْتَ، أسْتَغْفِرُكَ وأتُوبُ إِلَيْكَ. 160- وروينا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "مَنْ تَوَضَّأ فَقالَ: أشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّه وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ فُتِحَتْ لَهُ أبْوَابُ الجَنَّةِ الثَّمانِيَةُ، يَدْخُلُ مِنْ أيِّها شاءَ" رواه مسلم في "صحيحه " [رقم: 234] ، ورواه الترمذي [رقم: 55] ، وزاد فيه: "اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِن التَّوَّابِينَ، واجْعَلْنِي مِنَ المُتَطَهِّرِينَ". 161- وَرَوَى: "سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وبِحَمْدِك...." إلى آخره النسائي

[رقم: 81, 83] في "اليوم والليلة" وغيره [مثل الطبراني في "الدعاء" رقم: 388] بإسناد ضعيف1. 162- وروينا في "سنن الدارقطني" [93/1] ، عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ تَوَضَّأ.. ثُم قال: أشْهَدُ أنْ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّه، وأشهد أنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ قَبْلَ أنْ يَتَكَلَّم؛ غُفِرَ لَهُ ما بَيْنَ الوُضُوءَيْن" إسناده ضعيف. 163- وروينا في "مسند أحمد بن حنبل" [265/3] و"سنن ابن ماجه" [رقم: 469] ، و"كتاب ابن السني" [رقم: 32] ، من رواية أنس رضي الله عنه، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ تَوَضَّأ فأحْسَنَ الوُضُوءَ، ثُمَّ قَالَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ: أشْهَدُ أنْ لا إلهَ إِلاَّ اللَّه، وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمدا عبدهُ ورسولهُ؛ فتحت له ُ ثمانيةُ أبوابِ الجنةِ، مِنْ أيّها شاءَ دَخَلَ" إسناده ضعيف. 164- وروينا تكريرَ شهادة أن لا إله إلاَّ الله ثلاث مرات، في "كتاب ابن السني" [رقم: 29] ، من رواية عثمان بن عفان رضي الله عنهُ، بإسناد ضعيف. __________ 1 قال الحافظ ابن حجر: هذا يوهم أن الزيادة في حديث عقبة عن عمر كما في الذي قبله، وليس كذلك، بل هي حديث مستقلّ عن أبي سعيد الخدري، وسنده مغاير لسند عقبة في جميع رواته. ["نتائج الأفكار" 244/1] . قال: وأما وصف الإسناد بالضعف ففيه نظر، فقد أخرجه النسائي "في "عمل اليوم والليلة"، رقم: 81] ، حدثنا يحيى بن محمد بن السكن، حدثنا يحيى بن كثير أبو غسان، حدثنا شعبة، عن أبي هاشم الرماني، عن أبي مجلز، عن قيس بن عباد، عن أبي سعيد الخدري ... ويحيى بن كثير ثقة من رجال الصحيحين، وكذا من فوقه إلى الصحابي، وأما شيخ النسائي فهو ثقة أيضًا من شيوخ البخاري؛ ولم ينفرد به، فقد أخرجه الحاكم [564/1] من وجه آخر عن يحيى بن كثير؛ فالسند صحيح بلا ريب، وإنما اختلف في رفع المتن ووقفه، فالنسائي جرى على طريقته في الترجيح بالأحفظ والأكثر، فلذلك حكم عليه بالخطأ؛ إذ قال بعد تخريجه: هذا خطأ؛ ثم أخرجه عن بندار، عن غندر، عن شعبة به موقوفًا. وأما على طريقة المصنف تبعًا لابن الصلاح وغيره، فالرفع عندهم مقدم؛ لما مع الرافع من زيادة العلم، وعلى تقدير القول بالطريقة الأخرى، فهذا مما لا مجال للرأي فيه، فله حكم الرفع. ["نتائج الأفكار" 246/1] .

165- قال الشيخ نصر المقدسي: وَيَقُولُ مع هذه الأذكار: "اللهمَّ صلِّ عَلَى محمدٍ وعلى آلِ محمدٍ". ويضمّ إليه: "وسلم"1. 166- قال أصحابنا: ويقول هذه الأذكار مستقبل القبلة، ويكون عقيب الفراغ2. __________ 1 قال الحافظ ابن حجر: لم يصرح بكونه حديثًا، وأظن قوله: "ويضم"، من كلام الشيخ المصنف. وقد ورد في الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- في الوضوء شيء: أخرج ابن عدي [2707/7] والبيهقي ["السنن الكبرى" 44/1] ، من طريق يحيى بن هاشم، عن الأعمش، عن شقيق، عن ابن مسعود، سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إذا تطهر أحدكم ليذكر اسم الله.." الحديث، وفيه: "فإذا فرغ من وضوئه فليشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، وليصلّ عَلَيّ، فإذا قال ذلك، فتحت له أبواب الرحمة"، قال البيهقي بعد تخريجه يحيى بن هاشم متروك، ولا أعلمُ رواه غيره. قال الحافظ: بل تابعه محمد بن جابر اليمامي، عن الأعمش، أخرجه أبو الشيخ في كتاب "الثواب" من طَريقِهِ، مقتصرًا على أواخره، وفيه المقصود، ومحمد بن جابر أصلح حالاً من يحيى بن هاشم. وتابعه عمرو بن شمر الجعفي الكوفي، عن الأعمش؛ كرواية محمد بن جابر؛ وعمرو متروك. [منهم بالوضع؛ "نتائج الأفكار" 251/1 و252] . وأخرج أبو بكر بن أبي عاصم، والطبراني ["المعجم الكبير"، رقم: 5698] من طريقه، عن عبد المهيمن بن العباس بن سهل بن سعد، عن أبيه، عن جده؛ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا وضوء لمن لم يصلّ عَلَيّ". وقد ذكر الشيخ في "شرح المهذب" لفظ الشيخ نصر، فقال: قال الشيخ نصر: ويقول مع ذلك: صلى الله على محمد وعلى آل محمد، فصح ما ظننته؛ أن قوله: ويضم إليه.. من كلام المصنف. وكأنهُ ظن أن مستند الشيخ نصر أن الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- مطلوبة في الدعاء، والذكر المذكور مشتمل عليه؛ فيشرع فيه. ويحتمل أن يكون ورود الأمر بالصلاة عليه: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، فلذلك لم يذكر السلام والعلم عند الله ["نتائج الأفكار" 253/1 و254] . 2 قال ابن حجر في "نتائج الأفكار" 255/1: أما الاستقبال فلم أر فيه شيئًا صريحًا يختص به، وقد نقل الروياني أنه يقول رافعًا بصره إلى السماء، وقد تقدم ذلك في حديث عمر، وفي حديث ثوبان: "السماء قبلة الدعاء" فلعل ذلك مرادُ من أطلق. وأما الفراغ فقد ورد صريحًا في معظم أحاديث الباب، والله أعلم. اهـ.

فصل في أدعية أعضاء الوضوء

  36- فضل [في أدعية أعضاء الوضوء]

167- وأما الدعاء على أعضاء الوضوء، فلم يجئ فيه شيء عن النبي، صلى الله عليه وسلم1، وقد قال الفقهاء: يُستحبّ فيه دعوات جاءتْ عن السلف، __________ 1 قال الحافظ ابن حجر: كرر ذلك بنحوه في كثير من كتبه، فقال في "التنقيح": ليس فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقال في "الروضة": لا أصل له، ولم يذكره الشافعي والجمهور. وقال في "شرح المذهب" [501/1] : لا أصل له، ولا ذكره المتقدمون. وقال في "المنهاج": وحذفت دعاء الأعضاء، إذ لا أصل له. وقد تعقبه [عبد الرحيم بن الحسن الإسنوي صاحب "المهمات"، فقال: ليس كذلك، بل روي من طرق، منها عن أنس، رواه ابن حبان في "تاريخه"، في ترجمة عباد بن صهيب. وقد قال أبو داود ["سؤلات الآجري لأبي داود" صحفة: 229 و230] : إنه صدوق قَدَرِيّ. وقال أحمد: ما كان بصاحب كَذِب. وقال الحافظ: لو لم يقل [في "نتائج الأفكار"؛ 257/1: لم يرد] فيه إلا هذا لمشي الحال، ولكن بَقيّة ترجمته عند ابن حبان: كان يروي المناكير عن المشاهير حتى يشهد المبتدئ "في هذه الصناعة أنها موضوعة، وساق منها هذا الحديث". ["نتائج الأفكار" 257/1] . اعترض قوله: لا أصل له؛ بأنه روي في تاريخ ابن حبان من حديث أنس، فلعله أراد لا أصل له صحيحًا. وأما السبكي، فوافق النووي، وابن النقيب حكى كلام النووي في تصحيح "المهذب"، ولم يتعقبه بشيء. وقال الأذرعي في "المتوسط": لا ينبغي تركه، ولا يعتقد أنه سنة، فإن الظاهر أنه لم يثبت فيه شيء. وقد جمع الحفاظ في عمل اليوم والليلة كتبًا مطولة؛ كالنسائي والطبراني والبيهقي وابن السني، وغيرهم؛ ولم يذكروا ذلك. والظاهر أن الشيخ أراد أن يصح فيها حديث كما قاله ابنُ الصلاح. وأولى ما اعتمدُ عليه في ذلك قول النووي وابن حجر، فقد كان إمامي الحفاظ في عصرهما، والمرجع في الحديث إليهما، وليس في المعترضين المذكورين أحد في درجة الحفظ. والحديث الذي رواه ابن حبان في "تاريخه" عن أنس من قسم الواهي الشديد الضعف الذي لا يعمل به في فضائل الأعمال؛ كما تقدم نقل الاتفاق على ذلك في أول الكتاب. وقد أخرجه ابن الجوزي في "الأحاديث الواهية" [339/1] وقال: اتَّهم به ابن حبان عباد بن صهيب، واتهم به الدارقطني الراوي عن عباد أحمد بن هاشم. =

وزادوا ونقصوا فيها، فالمتحصّل مما قالوه أنه يقول بعد التسمية: الحمد للَّهِ الذي جعل الماء طهوراً؛ ويقول عند المضمضة: اللهم اسقِني من حوْضِ نبيِّك محمد كأساً لا أظمأ بعدها أبداً؛ ويقول عند الاستنشاق: اللهمّ لا تحرِمني رائحة نعيمِك وجناتِك؛ ويقول عند غسل الوجه: اللهمّ بيِّض وجهي يوم تبيضّ وجوهٌ وتسودّ وجوه؛ ويقول عند غسل اليدين: اللهمّ أعطِني كتابي بيميني، اللهمّ لا تعطِني كتابي بشمالي؛ ويقول عند مسح الرأس: اللهمّ حرّم شعري وبشرِي على النار، وأظلني تحت ظل عرشِك يوم لا ظلّ إلا ظلُّك؛ ويقول عند مسح الأُذنين: اللهمّ اجعلني من الَّذينَ يستمعونَ القَوْلَ فيتَّبعون أحسنه؛ ويقول عند غسل الرجلين: اللهمّ ثبِّت قدمي على الصراط. والله أعلم1. 168- وقد روي النسائي [رقم: 80] ، وصاحبه ابن السني [رقم: 28] في كتابيهما "عمل اليوم والليلة" بإسناد صحيح، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: أتيتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بوضوءٍ، فتوضأ، فسمعته يدعو __________ = وقد ألفت [القائل في السيوطي] جزءًا سميته "الإغضاء عن دعاء الأعضاء" بسطت فيه الكلام بسطًا شافيًا، وما أحسنَ صنع الإمام الرافعي، حيث قال: ورد بها الأثر عن السلف الصالحين. فعزاه إلى السلف؛ كما صنع النووي في "الأذكار" ولم يعزه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد كان الرافعي من كبار أئمة الحديث وحفاظه؛ وأخبرني من أثق به، أن الحافظ ابن حجر قال: الناس يظنون أن النووي أعلم بالحديث من الرافعي، وليس كذلك، بل الرافعي أفقه في الحديث من النووي، ومن طالع أماليه وتاريخه وشرح "المسند" له؛ تبين له ذلك. والأمر كما قال. 1 قال ابن حجر في "نتائج الأفكار" 262/1: "الذخائر" لِمُجَلِّي [بن جمع] عند المضمضة: اللَّهُمَّ أعِنِّي على تلاوة القرآن والذكر؛ وعند الاستنشاق: اللَّهُمَّ أجِرْنِي مِنَ روائح أهل النار؛ وعند غسل الوجه: اللهمّ بيِّض وجهي يوم تبيض وجوه أوليائك، وتسود وجوه أعدائك؛ وعند غسل اليد اليمنى: اللهم اجعلني من أصحاب اليمين؛ وعند اليسرى: اللهم لا تجعلني من أصحاب الشمال. وفي "البحر" للروياني عند السواك: اللهم بيض به أسناني وشد به لثاتي، وبارك لي فيه يا أرحم الراحمين. اهـ.

ويقول: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي ذَنْبِي، وَوَسِّعِ لي فِي داري، وَبارِكْ لي في رِزْقِي"، فقلتُ: يا نبيّ الله! سمعتك تدعو بكذا وكذا، قال: "وَهَلْ تَرَكْنَ مِنْ شَيْءٍ"؟. تَرْجَم ابن السني لهذا الحديث: باب ما يقول بين ظهراني وضوئه. وأما النسائي، فأدخله في باب: ما يقول بعد فراغه من وضوئه، وكلاهما محتمل1. والله أعلم. __________ 1 قال الحافظ ابن حجر: رواه الطبراني في "الكبير" من رواية مسدد وعارم، والمقدمي؛ كلهم من معتمر، ووقع في روايتهم: فتوضأ، ثم صلى، ثم قال: ... وهذا يدفع ترجمة ابن السني حيث قال: باب ما يقوله بين ظهراني وضوئه؛ لتصريحه بأنه قالُ بعد الصلاة، ويدفع احتمال كونه بين الوضوء والصلاة. قال: وأما حكمُ الشيخ على الإسناد بالصحة؛ ففيه نظر؛ لأن أبا مجلز لم يلق سمرة بن جندب ولا عمران بن حصين فيما قاله على ابن المديني، وقد تأخرا بعد أبي موسى؛ ففي سماعه عن أبي موسى نظرٌ، وقد عهد منه الإرسال عن من لم يلقه. ["نتائج الأفكار" 263/1] .

 37- بابُ ما يقولُ على اغْتسالِه:

169- يستحبّ للمغتسل أن يقول جميع ما ذكرناه في الوضوء من التسمية وغيرها، ولا فرق في ذلك بين الجُنب والحائض وغيرهما. وقال بعض أصحابنا: إن كان جُنُباً أو حائضاً لم يأتِ بالتسمية، والمشهور أنها مستحبّة لهما كغيرهما، لكنهما لا يجوز لهما أن يقصدا بها القرآن. __________ 1 في نسخة: "عند".

 38- بابُ ما يقولُ على تَيَمُّمِه:

170- يُستحبّ أن يقول في ابتدائه: باسمِ الله؛ فإن كان جُنباً أو حائضاً فعلى ما ذكرناهُ في اغتساله. وأما التشهّد بعده، وباقي الذكر المتقدم في الوضوء والدعاء على الوجه والكفّين، فلم أرَ فيه شيئاً لأصحابنا، ولا غيرهم، والظاهر أن حكمه على ما ذكرنا في الوضوء، فإن التيمّم طهارةٌ كالوضوء.

 كتاب أذكار المساجد

 39- بابُ ما يقولُ إذا توجَّهَ إلى المسجد:

171- قَدْ قَدَّمْنَا ما يقوله إذا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ إلى أيّ موضع خرج، وإذا خرج إلى المسجد، فيستحبّ أن يضمّ إلى ذلك ما رويناه في "صحيح مسلم" [رقم: 191/763] ، في حديث ابن عباس رضي الله عنهما الطويل في مبيته في بيت خالته ميمونة رضي الله عنها، ذكر الحديث في تهجّد النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: فأذّن المؤذّن -يعني الصبح- فخرج إلى الصلاة وهو يقول: "اللَّهُمَّ اجْعَلْ في قَلْبِي نُوراً، وفي لِسانِي نُوراً، وَاجْعَلْ في سَمْعِي نُوراً، وَاجْعَلْ في بَصَري نُوراً، وَاجْعَلْ مِنْ خَلْفِي نُوراً، وَمِنْ أمامي نُوراً، وَاجْعَلْ مِنْ فَوْقي نُوراً، وَمِنْ تَحْتِي نُوراً؛ اللَّهُمَّ أعْطِني نُوراً". 172- وروينا في "كتاب ابن السني" [رقم: 83] ، عن بلال رضي الله عنه، قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا خرج إلى الصلاة قال: "بِاسْمِ اللَّهِ، آمَنْتُ باللَّهِ، تَوَكَّلْتُ على الله، لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ باللَّهِ، اللَّهُمَّ بِحَقّ السَّائِلِينَ عَلَيْكَ، وَبِحَقّ مَخْرَجِي هَذَا، فإني لَمْ أخْرُجْهُ أشَراً وَلاَ بَطراً وَلاَ رِياءً وَلاَ سُمْعَةً، خرجتُ ابْتِغاءَ مَرْضَاتِكَ، وَاتِّقاءَ سَخَطِكَ؛ أسألُكَ أنْ تُعِيذَني مِنَ النار وأن تدخلني الجَنَّة". حديث ضعيف، أحد رواته: الوازع بن نافع العقيلي، وهو متفق على ضعفه، وأنه منكر الحديث. 173- وروينا في "كتاب ابن السني" [رقم: 84] ، معناه، من رواية عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعطية أيضاً ضعيف1. __________ 1 قال الحافظ: ضعف عطية إنما جاء من قِبَل التشيّع والتدليس، وهو في نفسه صدوق، وقد أخرج له البخاري في "الأدب المفرد"، وأخرج له أبو داود عدة أحاديث ساكتًا عليها، وحسّن له الترمذي عدة أحاديث؛ بعضها من أفراده، فلا يظن أنه مثل الوازع؛ فإنه متروك باتفاق، وقال فيه ابن معين والنسائي: ليس بثقة. وقال الحاكم: روى أحاديث موضوعة. وقال ابن عدي: أحاديثه كلها غير محفوظة. ["نتائج الأفكار" 267/2] . وحديث أبي سعيد المشار إليه حسن أخرجه أحمد [21/3] وابن ماجه [رقم: 778] وابن خزيمة في "كتاب التوحيد" [ص: 17 و18] ، ورواه أبو نُعيم في "كتاب الصلاة"، وقال في روايته عن عطيه: حدثني أبو سعيد، فأمن بذلك تدليس عطية. قال الحافظ: وعجبت للشيخ كيف اقتصر على سوق رواية بلال دون أبي سعيد، وعلى عزو رواية أبي سعيد لابن السني، دون ابن ماجه وغيره. ["نتائج الأفكار" 269/1] .

 40- بابُ ما يقولُه عندَ دخول المسجد والخروج منه:

174- يُستحبُّ أن يقول: أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم، من الشيطان الرجيم؛ الحَمْد لِلَّهِ، اللَّهُمَّ صلَّى وسلَّم على مُحَمََّدٍ، وَعَلى آلِ مُحَمَّدٍ؛ اللهمّ اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك. ثم يقول: باسم اللَّهِ. ويقدّم رجله اليمنى في الدخول، ويقدّم اليسرى في الخروج، ويقول جميع ما ذكرناه، إلا أنه يقول: "أبواب فضلك" بدل "رحمتك". 175- روينا عن أبي حُميد أو أبي أُسيد رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذَا دَخَلَ أحَدُكُمُ المَسْجِدَ، فَلْيُسَلِّم على النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ، ثُم ليَقُلِ: اللَّهُمَّ افْتَحْ لي أبْوَابَ رَحْمَتِكَ؛ وَإذَا خَرَجَ فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ إِني أسألُكَ مِنْ فَضْلِكَ" رواه مسلم في "صحيحه" [رقم: 713] وأبو داود [رقم: 465] والنسائي [رقم: 729] وابن ماجه [رقم: 772] وغيرهم بأسانيد صحيحة، وليس في رواية مسلم: "فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم" وهو في رواية الباقين. 176- زاد ابن السني [رقم: 85] في روايته: "وإذا خَرَجَ، فَلْيُسَلِّمْ على النبي صلى الله عليه وسلم، وَلْيَقُل: اللَّهُمَّ أعِذْنِي مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ" وروى هذه الزيادة ابن ماجه [رقم: 773] وابن خزيمة [رقم: 452] وأبو حاتم ابن حبان1 [رقم: 2047]- بكسر الحاء - في "صحيحهما" __________ 1 قال الحافظ: هذه الزيادة ليست عند المذكورين ولا غيرهم من حديث أبي حميد ولا أبي أسيد على ما يوهمه كلامه؛ وإنما هي من حديث أبي هريرة. ["نتائج الأفكار" 275/1] .

177- وَرُوِّينا عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما؛ عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أنه كان إذا دخل المسجد يقول: "أعُوذُ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم 1، من الشيطان الرجيم" قال: "فإذَا قَال ذلكَ قالَ الشيطانُ: حُفِظَ مِنِّي سائِرَ اليَوْمِ" حديث حسن، رواه أبو داود [رقم: 466] بإسناد جيد. 178- وروينا في "كتاب ابن السني" [رقم: 87] ، عن أنس رضي الله عنه، قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا دخل المسجد، قال: "بِاسْمِ الله، اللهم صلى على مُحَمَّدٍ" وَإذَا خَرَجَ، قَالَ: "بِاسْمِ الله، اللهم صلى على مُحَمَّدٍ". 179- وروينا فيه [رقم: 88] الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند دخول المسجد والخروج منه من رواية ابن عمر رضي الله عنهما أيضاً2. 180- وروينا في "كتاب ابن السني" [رقم: 86] ، عن عبد الله بن الحسن، عن أمه، عن جدته، قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا دخل المسجد حمد الله تعالى، وسمَّى، وقال: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي، وافْتَحْ لِي أبْوابَ رَحْمَتِكَ"، وَإذَا خَرَجَ قالَ مِثْلَ ذلكَ، وقالَ: "اللَّهُمَّ افْتَحْ لي أبْوَابَ فَضْلِكَ". 181- وروينا فيه [رقم: 154] ، عن أبي أمامة رضي الله عنه، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أنَّ أحدَكُمْ إذَا أرَاد أن يَخْرُجَ مِنَ المَسْجِدِ تَدَاعَتْ جُنُودِ إِبلِيسَ، وَأجْلَبَتْ، واجْتَمَعَتْ كما تجتمع النخل على يَعْسُوبِها، فإذَا قامَ أحَدُكُمْ على بابِ المَسْجِدِ فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ إِني أعُوذُ بِكَ مِنْ إِبْليسَ وجُنُودِهِ؛ فإنَّهُ إذَا قَالَها لَمْ يَضُرَّهُ". اليعسوب: ذَكَر النحل، [المقصود: مَلِكَةُ النحل] ، وقيل: أميرها. __________ 1 قال ابن علاّن: في نسخة: "وبسلطانه" بإعادة الجار القديم. اهـ. 2 أخرجه ابن السني والطبراني بسند ضعيف، ولفظه: قال: علم النبيّ صلى الله عليه وسلم الحسنَ بن عليّ إذا دخل المسجد أن يصلِّي على النبي صلى الله عليه وسلم ويقول: "اللهم اغفر ذنوبنا وافتح لنا أبواب رحمتك" وإذا خرج مثل ذلك، لكن يقول: "افتح لنا أبواب فضلك". ["نتائج الأفكار" 279/1] .

 41- باب ما يقولُ في المسجد:

182- يُستحبُّ الإِكثارُ فيه من ذكر الله تعالى، بالتسبيح، والتهليل، والتحميد، والتكبير، وغيرها من الأذكار، ويُستحبّ الإِكثارُ من قراءة القرآن؛ ومن المستحبّ فيه قراءةُ حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعلم الفقه، وسائر العلوم الشرعية، قال الله تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ، رِجَالٌ} [النور: 36، 37] الآية، وقال تعالى: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32] ، وقال تعالى: {وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} [الحج: 30] . 183- وروينا عن بريدة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "إنَّما بُنِيَت المَساجِدُ لِمَا بُنِيَتْ لَهُ" رواه مسلم في "صحيحه" [رقم: 569] . 184- وعن أنس رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال للأعرابيّ1 الذي بال في المسجد: "إنَّ هَذِه المَساجدَ لا تَصْلُحُ لشيءٍ مِنْ هَذَا البَولِ، وَلا القَذَرِ؛ إنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ تعالى؛ والصلاة، وَقَرَاءَةِ القُرآنِ" أو كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم. رواه مسلم في "صحيحه" [رقم: 285] . __________ 1 ذكر أبو موسى المديني في "الذيل على الصحابة" أن اسم هذا الأعرابي ذو الخويصرة اليماني، وهو غير ذو الخويصرة التميمي رأس الخوارج. ["نتائج الأفكار" 289/1] .

فضل في نية الاعتكاف وتحية المسجد

 42- فصل [في نية الاعتكاف وتحية المسجد]

185- وينبغي للجالس في المسجد أن ينوي الاعتكاف، فإنه يصحّ اعتكافه عندنان ولو لم يمكث إلا لحظة؛ بل قال بعض أصحابنا: يصحّ اعتكاف من دخل المسجد مارّاً ولم يمكث، فينبغي للمارّ أيضاً أن ينوي الاعتكاف ليُحَصِّلَ فضيلتَه عند هذا القائل، والأفضل أن يقف لحظة، ثم يمرّ، وينبغي للجالس فيه أن يأمر بما يراه من المعروف، وينهي عمّا يراه من المنكر؛ وهذا وإن كان الإِنسان مأموراً به في غير المسجد، إلا أنه يتأكد القولُ به في المسجد صيانةً له وإعظاماً، وإجلالاً، واحتراماً. 186- قال بعض أصحابنا: من دخل المسجد، فلم يتمكن من صلاة تحية المسجد: إما لحدث، وإما لشغل، أو نحوه؛ يستحب له أن يقول أربع مرات: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، واللَّه أكبرُ؛ فقد قال به بعض السلف، وهذا لا بأس به؛ والله أعلمُ.

 43- باب إنكاره ودعائه على من يَنشُدُ ضالّةً في المسجد، أو يبيعُ فيه:

187- روينا في "صحيح مسلم" [رقم: 568] ، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "مَنْ سَمِعَ رَجُلاً يَنْشُدُ ضَالَّةً في المَسْجِدِ، فَلْيَقُلْ: لا رَدَّها الله عَلَيْكَ، فإِنَّ المَساجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا". 188- وروينا في "صحيح مسلم" [رقم: 569] أيضاً، عن بُريدة رضي الله عنه؛ أن رجلاً نشدَ في المسجد، فقال: مَن دَعا إليَّ الجمل الأحمر؟ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: "لا وَجَدْتَ! إنَّمَا بُنِيَت المساجدُ لِمَا بُنِيَتْ له". 189- وروينا في "كتاب الترمذي" [رقم: 1321] في آخر كتاب البيوع منه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذَا رأيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ، أوْ يَبْتَاعُ في المَسْجِدِ، فَقُولُوا: لا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجارَتَكَ! وَإذَا رَأيْتُمُ مَنْ ينشدُ فيهِ ضَالَّةً، فَقُولُوا: لا رَدَّها اللَّهُ عَلَيْكَ". قال الترمذي: حديث حسن.

 44- باب دعائه على من ينشد في المسجد شعراً ليس فيه مدحٌ للإِسلام، ولا تزهيدٌ، ولا حثٌّ على مكارمِ الأخلاق، ونحو ذلك:

190- وروينا في "كتاب ابن السني" [رقم: 152] ، عن ثوبان رضي الله عنه، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "مَنْ رأيْتُمُوهُ يُنْشِدُ شِعْراً في المَسْجِدِ فَقُولُوا لَهُ: فَضَّ الله فَاكَ! ثلاث مرات" 1. __________ 1 أخرجه من طريق يزيد بن خصيفة، عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، عن أبيه، عن جده. قال الحافظ: وثوبان المذكور ليس هو المشهور مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بل هُو آخرُ لا يعرفُ إلا في هذا الإسناد، ولا روى عن عبد الرحمن بن ثوبان إلا ابنُه محمد، وهو في عدادِ المجهولين. ["نتائج الأفكار" 297/1] . وذكر في "الإصابة" أربعة من الصحابة، كل منهم يسمى ثوبان: الأول: مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم المشهور. والثاني: ثوبان الأنصاري، جد محمد بن عبد الرحمن صاحب هذا الحديث. والثالث: ثوبان الأنصاري، جد عُمر بن الحكم بن ثوبان، روى له ابن أبي عاصم؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن نقرة الغراب، وافتراش السبع. والرابع: ثوبان العنسي، روى له ابن عساكر، من طريق ابنه ثابت عنه؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بطعام، فقال: "يؤم الناس في الطعام الإمام، أو رب الطعام، أو خيرهم". قال: وذكر المرزباني في "معجم الشعراء": ثوبان بن فزارة العامري مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم. قال: وقد صحفه، والصواب ثروان براءٍ ثم واو.

 كتاب أذكار الأذان والإقامة

 45- بابُ فضيلةِ الأذان:

191- روَينا عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسو ل الله -صلى الله عليه وسلم: "لو يَعْلَمُ النَّاسُ ما فِي النِّدَاءِ وَالصَّفّ الأوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إلاَّ أنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ، لاسْتَهَمُوا". رواه البخاري [رقم: 615] ومسلم [رقم: 437] في "صحيحيهما". 192- وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ أدْبَرَ الشَّيْطانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ، حتَّى لا يَسْمَعَ التَّأذِينَ" رواه البخاري [رقم: 608] ومسلم [رقم: 389] . 193- وعن معاوية رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "المُؤَذّنُونَ أطْوَلُ النَّاسِ أعناقاً يوم القيامة" رواه مسلم [رقم: 387] . 194- وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لاَ يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ المُؤَذّنِ جن ولا إنس ولا شيءٌ إِلاَّ شَهدَ لَهُ يَوْمَ القيامة" رواه البخاري1 [رقم: 609] . __________ 1 قال الزركشي في تخريج أحاديث "الشرح الكبير": وقع في الرافعي، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لأبي سعيد: "إني أراك تحب الغنم والبادية، فإذا دخل وقت الصلاة، فأذن وارفع صوتك، فإنه لا يسمع صوتك حجرٌ ولا مدرٌ إلا شهد لك يوم القيامة" هكذا ذكر أنه صلى الله عليه وسلم هو القائل لأبي سعيد هذا الكلام، وليس كذلك، بل قال هذا أبو سعيد لابن أبي صعصعة. هكذا أخرجه البخاري في "صحيحه"، والنسائي، عن عبد الله بن عبد الرحمن ابن أبي صعصعة؛ أن أبا سعيد قال له: إني أراك تحب الغنم والبادية، فإذا كنت في غنمك وباديتك فأذنت للصلاة، فارفع صوتك بالنداء، فإنه لاَ يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ المُؤَذّنِ جنّ ولا إنس إِلاَّ شَهدَ لَهُ يَوْمَ القِيامَةِ. قال أبو سعيد: سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم. وقال الحافظ ابن حجر في "تخريج أحاديث الشرح": تبع الرافعي في هذا السياق الغزالي، والإمام، والقاضي حسين، والماوردي، وابن داود في شرح المختصر، وهو =

والأحاديث في فضيلة الأذان كثيرة. 195- واختلف أصحابنا في الأذان والإمامة، أيّهما أفضل؟ على أربعة أوجه: الأصحّ: أن الأذان أفضل، والثاني: الإمامةُ، والثالثُ: هما سواءٌ، والرابع: إن علم من نفس القيام بحقوق الإِمامة، واستجمع خصالها؛ فهي أفضل، وإلا فالأذان أفضل. __________ = مغاير لما في صحيح البخاري والموطأ [رقم: 153] وغيرهما من كتب الحديث ... [كالنسائي، رقم 644؛ ابن ماجه، رقم: 723؛ أحمد، رقم: 10648، 10912، 11000] وساق ما تقدم. قال: وكذا رواه الشافعي عن مالك، وتعقبه الشيخ محيي الدين، وبالغ كعادته، وأجاب ابن الرفعة عن هؤلاء الأئمة الذين أوردوه مغيرًا؛ بأنهم لعلهم فهموا أن قول أبي سعيد: سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عائدٌ إلى كل ما ذكره، ويكون تقديره: سمعتُ كل ما ذكرتُ لك من رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- فحينئذ يصح ما أوردوه باعتبار المعنى لا بصورة اللفظ. ولا يخفى ما في هذا الجواب من الكلفة. [راجع "نتائج الأفكار" 311/1، 312] .

 46- بابُ صِفَةِ الأَذان:

196- اعلم أن ألفاظه مشهورةٌ، والترجيعُ عندنا سنةٌ، وهو أنهُ إذا قال بعالي صوته: اللَّهُ أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبرُ، قال سِرّاً بحيثُ يُسمع نفسَه، ومَن بقربه: أشهدُ أنْ لا إله إله إلاّ الله، أشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّه، أشهد أن محمدا رسولُ الله، أشهدُ أنَّ محمداً رسولُ اللهِ؛ ثم يعودُ إلى الجهر وإعلاء الصوت، فيقول: أشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّه، أشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّه، أشهد أن محمدا رسولُ اللهِ، أشهدُ أن محمدا رسول الله. 197- والتثويبُ أيضاً مسنون عندنا، وهو أن يقول في أذان الصبح خاصة بعد فراغه من حيّ على الفلاح: الصلاةُ خيرٌ من النوم، الصلاةُ خيرٌ من النوم. وقد جاءت الأحاديثُ بالترجيع والتثويب، وهي مشهورة.

198- واعلم أنَّه لو تَرَكَ الترجيعَ والتثويبَ صحّ أذانهُ، وكان تاركاً للأفضل. 199- ولا يصحّ أذان مَن لا يُميِّزُ، ولا المرأة، ولا الكافر. ويصحّ أذان الصبيّ المميز. 200- وإذا أذّن الكافر، وأتى بالشهادتين كان ذلك إسلاماً على المذهب الصحيح المختار. وقال بعض أصحابنا: لا يكون إسلاماً؛ ولا خلاف أنه لا يصحّ أذانه؛ لأن أوّله كان قبل الحكم بإسلامه. وفي الباب فروع كثيرة مقرّرة في كتب الفقه، ليس هذا موضع إيرادها.

بابُ صِفَةِ الإِقامة فصل في حكم الأذان والإقامة

  47- بابُ صِفَةِ الإِقامة:

201- المذهب الصحيح المختار الذي جاءت به الأحاديث الصحيحة أن الإِقامة إحدى عشرة كلمة: الله أكبر الله أكبر، أشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّه، أشهدُ أن محمدا رسول الله، حيّ على الصلاة، حيّ على الفلاح، قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله.

  48- فصل [في حكم الأذان والإقامة]

202- واعلم أنَّ الأذانَ والإِقامةَ سنّتان عندنا على المذهب الصحيح المختار، سواءٌ في ذلك أذان الجمعة وغيرها. وقال بعض أصحابنا: هما فرض كفاية. وقال بعضهم: هما فرضُ كفاية في الجمعة دون غيرها. فإن قلنا: فرض كفاية، فلو تركه1 أهل البلد أو محلةٍ قُوتلوا على تركه. وإن قلنا: سنّة، لم يُقاتلوا على المذهب الصحيح المختار، كما لا يُقاتَلون على سنّة الظهر وشبهها. وقال بعض أصحابنا: يُقاتَلون، لأنه شعارٌ ظاهرٌ. __________ 1 في نسخة: "فتركه" بدلًا من: "فلو تركه".

 49- فصل [في آداب الأذان والإقامة]

203- ويُستحبُّ ترتيل الأذان، ورفع الصوت به، ويستحب إدارج الإقامة، ويكون صوتها أخفض من الأذان؛ ويستحبّ أن يكون المؤذنُ حسن الصوت، ثقةً، مأموناً، خبيراً بالوقت، متبرعاً؛ ويستحبّ أن يؤذّن، ويقيم قائماً على طهارة، وموضع عالٍ، مستقبل القبلة، فلو أذّن أو أقام مستدبر القبلة، أو قاعداً، أو مضطجعًا؛ ومحدثًا، أو جُنباً؛ صحّ أذانه وكان مكروهاً، والكراهة في الجُنب أشدّ من المحدث، وكراهة الإِقامة أشد.

 50- فصل [أنه لا يُشرع الأذان إلا للصلوات المكتوبات]

204- لا يُشرع الأذان إلا للصلوات الخمس: الصبح، والظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء؛ وسواءٌ فيها الحاضرة والفائتة، وسواء الحاضر والمسافر، وسواءٌ من صلَّى وحدهُ أو في جماعةٍ، وإذا أذّن واحدٌ كفى عن الباقين. وإذا قضى فوائت في وقت واحد أذّن للأولى وحدها، وأقام لكلّ صلاةٍ. وإذا جمع بين الصلاتين أذّن للأولى وحدها، وأقام لكل واحدةٍ. وأما غير الصلوات الخمس، فلا يؤذّن لشيء منها بلا خلاف. 205- ثم منها ما يستحبّ أن يقال عند إرادة صلاتها في جماعة: الصلاة جامعة؛ مثل العيد، والكسوف، والاستسقاء؛ ومنها ما لا يستحب ذلك فيه، كسنن الصلوات، والنوافل المطلقة؛ ومنها ما اختلف فيه، كصلاة التراويح، والجنازة، والأصحّ أنه يأتي به في التراويح دون الجنازة.

 51- فصل [في وقت الإقامة والأذان]

206- ولا تصحّ الإِقامة إلا في الوقت، وعند إرادة الدخول في الصلاة، ولا يصحّ الأذان إلا بعد دخولِ وقت الصلاة، إلا الصبح، فإنه يجوز الأذان لها قبل دخول الوقت، واختُلف في الوقت الذي يجوز فيه، والأصحّ أنه يجوز بعد نصف الليل، وقيل: عند السَّحَر؛ وقيل: في جميع الليل، وليس بشيء، وقيل: بعد ثلثي الليل، والمختار الأول.

 52- فصل [في حكم أذان المرأة وإقامتها]

207- وتقيم المرأة والخنثى المشكل، ولا يؤذّنان؛ لأنهما منهيّان عن رفع الصوت.

 53- بابُ ما يقولُ مَنْ سمعَ المؤذّنَ والمقيمَ:

208- يُستحبّ أن يقول من سمع المؤذّن والمقيم مثل قوله، إلا في قوله: "حيّ على الصلاة، حيّ على الفلاح" فإنه يقول في دُبُرِ كُلّ لفظة منهما: "لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ باللَّهِ". 209- ويقول في قوله: "الصلاة خير من النوم": صدقتَ وبررتَ؛ وقيل: يقول: صدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الصلاةُ خيرٌ من النوم. 210- ويقول في كلمتي1 الإِقامة: أقامها الله وأدامها؛ ويقول عقيب قوله: "أشهدُ أنَّ محمداً رسولُ الله": وأنا أشهد أن محمداً رسول الله؛ ثم يقول: رضيتُ بالله ربّاً، وبمحمدٍ -صلى الله عليه وسلم- رسولا، وبالإِسلام ديناً. 211- فإذا فَرغَ من المتابعة في جميع الأذان صلَّى وسلَّم على النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم قال: اللَّهُمَّ ربَّ هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمدا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته. [البخاري، رقم: 614] . 212- ثم يدعو بما شاء من أمور الآخرة والدنيا. 213- وروينا عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال __________ 1 في نسخة: "كلمة".

رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "إذَا سَمِعْتُمُ النِّداءَ فَقُولُوا مِثْلَ ما يَقُولُ المُؤَذّنُ". رواه البخاري [رقم: 611] ، ومسلم [رقم: 383] في "صحيحيهما". 214- وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إذَا سَمِعْتُمُ المُؤَذِّنَ فَقُولُوا مثل ما يقول، ثم صلّوا عَليَّ، فإنَّهُ مَنْ صَلَّى عَليَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِها عَشْراً، ثُمَّ سَلُوا الله لِي الوَسِيلَةَ، فإنها مَنْزِلَةٌ في الجَنَّةِ لا تَنْبَغِي إلاَّ لِعَبْدٍ مِنْ عِبادِ الله، وأرْجُو أنْ أكُونَ أنا هُوَ، فَمَنْ سألَ لِيَ الوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفاعَةُ". رواه مسلم في "صحيحه" [رقم: 384، وسيرد برقم: 634] . 215- وعن عُمَرَ بن الخطاب رضي الله عنه، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "إذَا قالَ المُؤَذّنُ: اللَّهُ أكبرُ اللَّهُ أكبرُ، فَقالَ أحَدُكُمْ: اللهُ أكبر الله أكبرُ، ثم قال: أشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّه، قال: أشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ، ثُمَّ قالَ: أشهدُ أنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ، قالَ: أشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ، ثُمَّ قالَ: حَيَّ عَلى الصَّلاةِ، قالَ: لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ باللَّهِ، ثُمَّ قالَ: حَيَّ عَلى الفَلاح، قالَ: لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ باللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُ أكْبَرُ اللهُ أكبرُ، قالَ: اللَّهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ، ثمَّ قالَ: لا إلهَ إِلاَّ اللَّهُ، قالَ: لا إِلهَ إِلاَّ الله؛ مِنْ قَلْبه دَخَلَ الجنَّة". رواه مسلم في "صحيحه" [رقم: 385] . 216- وعن سعد ابن أبي وقاص رضي الله عنه، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَن قَالَ حِينَ يَسْمَعُ المُؤَذّنَ: أشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّه وحده لا شريك له، وأن محمدا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، رَضِيتُ باللَّهِ رَبّاً، وبمحمدٍ صلى الله عليه وسلم رسولا، وبالإسلام دِيناً؛ غُفِرَ لَهُ ذَنْبُهُ". وفي رواية: "مَنْ قَالَ حِينَ يسمعُ المُؤَذّنَ:" وأنا أشهدُ" رواه مُسلمٌ في "صحيحه" [رقم: 386] .

217- وروينا في "سنن أبي دواد" [رقم: 526] ، عن عائشة رضي الله عنها، بإسناد صحيح، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا سمع المؤذّن يتشهد، قال: "وأنا، وأنا". 218- وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ قال حين يسمع النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبِّ هَذهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، والصلاة القائمة، آت محمدا الوسيلة والفضيلة، وابْعَثْهُ مَقاماً محموداً الذي وعدتهُ؛ حَلَّتْ لَهُ شَفاعَتِي يَوْمَ القِيامَةِ". رواه البخاري في "صحيحه" [رقم: 614] . 219- وروينا في "كتاب ابن السني" [رقم: 90] ، عن معاوية رضي الله عنهُ، كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا سمع المؤذّن يقولُ: حيّ على الفلاح، قال: "اللَّهُمَّ اجْعَلْنا مُفْلِحِين". 220- وروينا في "سنن أبي دواد" [رقم: 528] ، عن رجل، عن شَهْر بن حَوْشَب، عن أبي أمامة الباهلي، أو عن بعض أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- أنَّ بلالاً أخذ في الإقامة، فلما قال: قد قامت الصلاة، قال النبيّ -صلى الله عليه وسلم: "أقامَها اللَّهُ وأدَامَها"، وقال في سائر ألفاظ الإِقامة، كنحو حديث عمر في الأذان. [مر برقم: 215] . 221- وروينا في "كتاب ابن السني" [رقم: 103] ، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنه كان إذا سمع المؤذّن يُقيم، يقول: اللهمّ ربَّ هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، صلِّ على محمَّد، وآته سؤلَه يومَ القيامة. 54- فصل [في حكم إجابة المؤذن في حالات خاصة] : 222- إذا سمع المؤذنَ أو المقيم، وهو يصلي لم يجبه في الصلاة، فإذا سلَّم منها، أجابه كما يجيبه مَن لا يُصلي، فلو أجابه في الصلاة كُرِه ولم تبطلْ صلاتُه، وهكذا إذا سمعهُ وهو على الخلاء لا يُجيبه في الحال، فإذا خرج أجابه، فأما إذا كان يقرأ القرآن أو يسبّح أو يقرأ حديثاً أو عِلْمَاً آخر أو غير ذلك، فإنه يقطع جميع هذا، ويجيب المؤذِّنَ، ثم يعود إلى ما كان فيه؛ لأن الإِجابة تفوت، وما هو فيه لا يفوت غالباً، وحيثُ لم يتابعهُ حتى فرغ المؤذنُ يستحب له أن يتدارك المتابعة ما لم يطل الفصل. والله أعلمُ.

بابُ الدُّعاء بعد الأذان: 223- روينا عن أنس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "لا يُرَدُّ الدُّعاءُ بَينَ الأذَانِ والإِقامَةِ" رواه أبو داود [رقم: 521] ، والترمذي [رقم: 212] ، والنسائي [رقم: 67 في "عمل اليوم والليلة"، وفي "الكبرى" كما قال ابن حجر 364/1] ، وابن السني [رقم: 100] ، وغيرهم. قال الترمذي: حديث حسنٌ صحيح1، وزاد الترمذي في روايته في كتاب الدعوات من "جامعه" [رقم: 3594] : قالوا: فماذا نقول يا رسول الله؟ قال: "سَلُوا اللهَ العافِيَةَ في الدُّنْيا والآخِرَةِ". 224- وروينا عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أنَّ رجلاً قال: يا رسول الله! إن المؤذّنين يفضُلُوننا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "قُل كما يَقُولونَ، فإذَا انْتَهَيْتَ، فَسَلْ تعطهُ". رواه أبو داود [رقم: 524] ولم يضعفه. 225- وروينا في "سنن أبي داود" أيضاً [رقم: 2540] ، في كتاب الجهاد، بإسناد صحيح، عن سهل بن سعد رضي الله عنه، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "ثنتان لا تُرَدَّانِ، -أوْ قَلَّما تُرَدَّانِ 2: الدُعاءُ عِنْدَ النِّدَاءِ، وَعِنْدَ البأْسِ حِينَ يُلْحِمُ3 بعضهم بعضًا". [سيرد برقم: 1082] . قلت: في بعض النسخ المعتمدة: "يلحمُ" بالحاء، وفي بعضها بالجيم، وكلاهما ظاهرٌ. والله أعلم. __________ 1 قال ابن حجر في "نتائج الأفكار" 364/1: وقد نقل المصنف أن الترمذي صححه، ولم أر ذلك في شيء من النسخ التي وقفت عليها، ومنها بخط الحافظ أبي على الصدفي [في المطبوع: الصيرفي] ، ومنها بخط أبي الفتح الكروخي. اهـ. واقتصر النووي نفسه في "رياض الصالحين" رقم: 1042 على الحسن. 2 وحدت في بعض نسخ "الأذكار"، وكذلك في بعض نسخ "سنن أبي داود": "قالَ ما تُرَدَّانِ" بدلاً من "قلما تردان". 3 وتضبط أيضًا: "يُلْحِمُ".

 باب ما يقولُ بعدَ ركعتي سنّة الصبح:

226- وروينا في "كتاب ابن السني" [رقم: 101] ، عن أبي المُلَيْح، واسمه عامر بن أُسامة، عن أبيه رضي الله عنه، أنه صلّى ركعتيّ الفجر، وأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلَّى قريباً منه ركعتين خفيفتين، ثم سمعهُ يقولُ وهو جالس: "اللَّهُمَّ رَبّ جِبْرِيلَ وَإِسْرَافِيلَ وَمِيكائِيلَ ومحمدٍ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- أعُوذُ بِكَ مِنَ الن ار 1 "، ثلاثَ مرّاتٍ. 227- وروينا فيه [رقم: 82] ، عن أنس، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "من قال صبيحة يوم الجمعة قبل صَلاةِ الغَدَاةِ: أسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الحَيَّ القَيُّومَ وأتوب إليه؛ ثلاث مرات، غَفَرَ اللَّهُ تَعالى ذُنُوبَهُ وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ". [سيرد برقم: 468 و890] . والله أعلم. __________ 1 رواه الطبراني في الكبير ["مجمع الزوائد" رقم: 3311، 464/2؛ و"الجامع الكبير" 196/1 بلفظ: "اللَّهُمَّ رَبّ جِبْرِيلَ وميكائيل وإسرافيل" بتقديم ميكائيل على إسرافيل.

بابُ ما يقولُ إذا انتهى إلى الصَّفّ: 228- روَينا عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، أن رجلاً جاءَ إلى الصلاةِ ورسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- يُصَلِّي، فقال حين انتهى إلى الصف: اللهمّ آتني أفضل ما تُؤتي عبادك الصالحين؛ فلما قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الصلاة، قال: "مَنِ المُتَكَلِّمُ آنِفاً"؟ قَالَ: أنا يا رَسُولَ الله! قال: "إذَنْ يُعْقَر جَوَادُكَ، وَتَسْتَشْهِد في سَبِيلِ الله تَعَالى". رواه النسائي [في "عمل اليوم والليلة"، رقم: 93] ، وابن السني [رقم: 104] ، ورواه البخاري في "تاريخ" [222/1] في ترجمة محمد بن مسلم بن عائذ.

 باب ما يقولُ عند إرادته القيامَ إلى الصَّلاة:

229- روينا في "كتاب ابن السني" [رقم: 105] ، عن أُمّ رافعٍ -رضي الله عنها- أنها قالت: يا رسول الله! دُلَّني على عملٍ يأجرُني الله عزّ وجلّ عليه، قال: "يا أم رافع! إذَا قُمْتِ إلى الصَّلاةِ فَسَبِّحِي اللَّهَ تَعَالى عَشْراً، وَهَلِّلِيهِ عَشْراً، واحْمَدِيهِ عَشْراً، وكَبِّرِيهِ عَشْراً، وَاسْتَغْفِرِيهِ عَشْراً؛ فإنَّكِ إذَا سَبَّحْتِ قالَ: هَذَا لي، وَإذَا هَلَّلْتِ قالَ: هَذَا لِي، وَإذَا حَمِدْتِ قالَ: هَذَا لي، وَإذَا كَبَّرْتِ قالَ: هَذَا لي، وَإذَا اسْتَغْفَرْتِ قالَ: قَدْ فَعَلْتُ" 1. __________ 1 قال الحافظ في أماليه: أطلق في الحديث موضع القول، والشيخ حملهُ على الإرادة. ووقع لنا من وجه آخر ما يدل على أنه داخل الصلاة، فأخرجه ابنُ منده في "المعرفة" عن أُمّ رافعٍ؛ أنها قالت: يا رسول الله! أخبرني بشيء أفتتح به صلاتي، فذلك الحديث نحوه. وأخرجه الترمذي [رقم: 481] ، وصححه، عن أنس؛ أن أم سليم، قالت: يا رسول الله! علمني كلماتٍ أقولُهُنَّ في صلاتي. فذكر نحوه. وأخرجه أبو يعلى من وجهٍ آخر عن أنسٍ بلفظ: "إذا صليت المكتوبة". ["نتائج الأفكار" 381/1] . رسالة الحافظ ابن حجر العسقلاني في حديث أم رافع: وقال الحافظ أيضًا في رسالة له: الحمدُ لله وكفى، وسلامٌ على عبادهِ الذين اصطفى. أما بعد؛ فقد سئلتُ عن ما أحدثهُ بعضُ المشايخ في مسجده من الاجتماع على ذكر الباقيات الصالحات، وهي: سبحان الله، والحمدُ لله، ولا إله إلا الله والله أكبر؛ عشرًا عشرًا. عند إرادة إقامة الصلاة، بحيث يشرع المؤذن في الإقامة عند انتهائه. فهل لهذا الذي أحدثه الشيخ أصل من السنة في هذا المحل أم لا؟. وهل يعد ذلك من البدع الحسنة التي يثابُ فاعلها أم لا؟. =

.............................................. __________ = فأجبت وبالله التوفيق: بلغني أنه تمسك بما وقع في كتاب "الأذكار" لشيخ الإسلام النووي -نفع الله تعالى به- فإنه قال ما نصه: باب ما يقول عند إرادته القيام إلى الصلاة. روينا في كتاب ابن السني [رقم: 105] ، عن أم رافع رضي الله عنها، قالت: يا رسول الله! دُلّني على عمل يأجرني الله عليه. قال: "يا أم رافع! إذا قمت إلى الصلاة، فسبحي الله تعالى عشرًا، وهلليه عشرًا، وأحمديه عشرًا، وكبريه عشرًا، واستغفريه عشرًا؛ فإنك إذا سبحت قال: هذا لي، وإذا هللت قال: هذا لي، وإذا كبرت قال: هذا لي، وإذا استغفرت قال: قد فعلت". انتهى كلامه. فكأنه فهم من قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا قمت للصلاة" إذا أردت القيام إلى الصلاة، وهو محتمل. ويحتمل أيضًا أن المراد أن يقال ذلك بعد الدخول في الصلاة. وقد عينه بعض أهل العلم في دعاء الافتتاح، وعينه آخر في صلاة مخصوصة، وهي صلاة التسبيح؛ فقد جاء التصريح بقول نحو ذلك في الأذكار كلها إلا التشهد. وعينه آخر في التشهد؛ إذا انتهى التشهد أتى بالذكر المأثور وبما شاء، ثم سلم. فاقتضى اختلافهم النظر في الأقوى من ذلك، وذلك يحصل إن شاء الله تعالى بجمع طرق هذا الحديث، وبيان اختلاف ألفاظه، فإنها ترشدُ الناظر إلى أقوى الاحتمالات التي تنشأ عن الفكر قبل النظر فيها، وذلك يستدعِي ذكر ثلاثة فصول، تشتمل على مقدمة، ونتيجة، وخاتمة. فالمقدمة في الكلام على حال الحديث فيما يرجعُ إلى الصحةِ وغيرها، والنتيجة فيما يستفاد منه للعمل، وهو المقصودُ بالسؤال، والخاتمة في التنبيه على الراجح من ذلك. الفصل الأول: المقدمة هذا الحديث أخرجه الحافظ أبو بكر أحمد بن محمد بن إسحاق الدينوري، المعروف بابن السني، في كتاب "عمل اليوم والليلة" له، [رقم: 105] فقال: باب ما يقول إذا قام إلى الصلاة. فلم يتصرف في لفظ الخبر كما تصرف الشيخ محيي الدين، ثم ساق من طريق علي بن عياش، عن عطاف بن خالد، عن زيد بن أسلم، عن أم رافع؛ أنها قالت ... فذكره، وقال في آخره: "قد غفرت لك" بدل: "قد فعلت". فلعل النسخ اختلفت. وفي هذا السند علتان: إحداهما: أن بَيْنَ زيد بن أسلم وأم رافع واسطة؛ كما سأبينه، فهو منقطع. والثانية: أن عطاف بن خالد مختلف في توثيقه وتجريحه. وأما سائر رواته فهم من =

....................... __________ = رجال الصحيح. وعطاف: بفتح العين المهملة، وتشديد الطاء المهملة أيضًا، وآخره فاء، هو مخزومي مدني. قال فيه مالك -وهو ممن عاصره- لما بلغه أنه يحدث: ليس هو من أهل الثقة. وهذه العبارة يؤخذ منها؛ أنه يروى حديثه ولا يحتاج به؛ لما لا يخفى من الكتابة المذكورة. وحاصل نظر أهل النقد فيه؛ أنه يكتب حديثه، ولا يحتج بما ينفرد به. وقد خولف في سند هذا الحديث، وفي سياق متنه. أما السند، فأخرجه أبو عبد الله ابن مَنْدَه في كتاب "معرفة الصحابة" من طريق هاشم بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن عبيد الله -بالتصغير- بن وهب، عن أم رافع. فزاد فيه رجلًا، ولا بد منه. وأما المتن؛ فوقع في رواية هشام أيضًا أن أم رافع قالت: يا رسول الله! أخبرني بشيء أفتتح به صلاتي. قال: "إذا قمت إلى الصلاة فقولي: الله أكبر عشرًا، فإنك كلما قلت قال الله عز وجل: هذا لي. ثم قولي: سبحان الله وبحمده عشرًا، فإنك إذا قلت، قال الله: هذا لي. واحمدي الله عشرًا، فإنك إذا قلت، قال الله: هذا لي. واستغفري الله عشرًا، فإنك إذا قلت ذلك، قال الله: قد غفرت لك": فزاد في المتن ألفاظًا: منها مطابقة الجواب لسؤالها، ومنها الترتيب في الكلمات المذكورة، ومنها زيادة "وبحمده". وقد وجدناه من رواية راوٍ ثالث، وهو بكير بن مسمار، فأخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" [ج24، رقم: 766] من طريقه، عن زيد بن أسلم، فوافق عطافًا في حذف الواسطة، واختصر المتن، ولفظه: أنها قالت: يا رسول الله! أخبرني بكلمات ولا تكثر علي، فقال: "قولي: الله أكبر عشر مرار، يقول الله: هذا لي. وقولي: سبحان الله عشر مرار، يقول الله: هذا لي. وقولي: اللهم اغفر لي، يقول: قد فعلت، فتقولين عشر مرار، ويقول: قد فعلت". هكذا اقتصر فيه على التكبير والتسبيح فقط، وأطلق محل القول. وبكير وهشام من رجال مسلم. والذي يقتضيه النظر ترجيح رواية هاشم؛ لما اشتملت عليه روايته من تحرير سياق في السند والمتن معًا. وقد جاء نحو هذه القصة، عن أم سليم الأنصارية، وهي والدةُ أنس بن مالك: أخرجه الترمذي [رقم: 481] من رواية عبد الله بن المبارك، عن عكرمة بن عمار، حدثني إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك؛ أن أم سليم عدت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله! علمني كلمات أقولهن في صلاتي. فقال: "كبري الله عشرًا، وسبحي الله عشرًا، واحمديه عشرًا، ثم سلي الله حاجتك، يقول: نعم، نعم". =

....................... __________ وأخرجه النسائي [رقم: 1299] ، من طريق وكيع، عن عكرمة بن عمار، ولفظه: علمني كلمات أدعو بهن في صلاتي. قال: "سبحي الله عشرًا، واحمديه عشرًا، وكبريه عشرًا، ثم سلي حاجتك، يقول: نعم نعم". وقد أخرجه الحاكم [317/1] في صحيحه "المستدرك"، من طريق عبد الله بن المبارك، وقال: على شرط مسلم. وقد عين ابن خزيمة محل هذا الذكر المصخصوص في افتتاح الصلاة، لكن بغير هذا العدد، فأخرج في دعاء الافتتاح حديث جبير بن مطعم؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا افتتح الصلاة قال: "الله أكبر كبيرًا؛ ثلاث مرات، والحمد لله كثيرًا، ثلاث مرات، وسبحان الله بكرة وأصيلاً؛ ثلاث مرات". قلت: وأخرجه أبو داود [رقم: 764] وابن حبان في "صحيحه"، ولفظ ابن حبان؛ أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة، فقال: "الله أكبر كبيرًا؛ ثلاثًا، الحمد لله كثيرًا؛ ثلاثًا، سبحان الله بكرة وأصيلاً؛ ثلاثًا، أعوذ بالله ... " الحديث. (ولفظ ابي داود: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخل الصلاة قال: "الله أكبر كبيرًا، ثلاثًا ... " الحديث) . وقد جاء نحو ذلك في هذا المحل من غير تقييد بعدد، وذلك فيماأخرجه مسلم في "صحيحه" [رقم: 601] ، والنسائي [رقم: 885] والطبراني، من طريق عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن عبد الله بن عمر، قال: بينما نحن نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ قال رجل من القوم: الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلاً. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من القائل كلمة كذا وكذا"؟، فقال الرجل: أنا. فقال: "لقد رأيت أبواب السماء فتحت لها". وفي الباب عن عبد الله ابن أبي أوفى عند أحمد [4/ 355] والطبراني بسند حسن، ولفظه نحو حديث ابن عمر، لكن في آخره، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من هذا العالي الصوت؟ "، فقالوا: هو هذا. فقال: "لقد رأيت كلامه يصعد في السماء حتى فتح له باب، فدخل فيه". وعن وائل بن حجر، أخرجه مسدد في "مسنده"، والطبراني نحو حديث ابن عمر، لكن قال في آخره: فقال: "من صاحب الكلمات؟ "، قال الرجل: أنا، وما أردت إلا خيرًا. قال: "لقد رأيت أبواب السماء فتحت لما تناهت دون العرش". ويؤيد مشروعية هذا الذكر في دعاء الافتتاح حديث عائشة؛ فإنه ورد مقيدًا بالعدد الذي ورد في حديثي أم رافع وأم سليم. وذلك فيما أخرجه أبو داود [رقم: 766] والنسائي [رقم: 1617] وابن ماجه [رقم: 1356] ، وجعفر الفريابي، من طريق معاوية بن صالح، عن أزهر بن سعيد، عن عاصم بن حميد، قال: سألت عائشة: بم كان يستفتح رسول الله صلى الله عليه وسلم قيام الليل؟ =

....................... __________ = قالت: كان إذا قام من الليل استفتح الصلاة، وكبر عشرًا، وسبح عشرًا، وحمد عشرًا، وقال: "اللهم اغفر لي واهدني" عشرًا، ثم يتعوذ. هذا لفظ جعفر. وفي رواية أبي داود: إذا قام كبر عشرًا، وحمد عشرًا، وهلل واستغفر عشرًا، وقال: "اللهم اغفر لي واهدني وارزقني وعافني" ويتعوذ من ضيق المقام يوم القيامة. وفي رواية ابن حبان في "صحيحه"، أن عاصم بن حميد قال: سألت عائشة، فقالت: كان يستفتح إذا قام من الليل يصلي، يكبر عشرًا، ثم يسبح عشرًا، ثم يحمدُ عشرًا، ويهلل عشرًا، ويستغفر عشرًا ... الحديث. قال أبو داود [رقم: 766] بعد تخريجه: رواه خالد بن معدان، عن ربيعة الجرشي، قلت: ما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول إذا قام يُصلي من الليل؟ أو بم كان يستفتح؟ فقال: كان يُكبر عشرًا ... الحديث. وأخرجه أبو داود [رقم: 767] والنسائي [رقم: 1625] ، من وجه آخر، عن عائشة، وأوله: سألتها: ما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يفتتح الصلاة إذا قام من الليل ... ؟ الحديث. فهذه الأحاديث عمدة من جعل محل الذكر المذكور عند دعاء الافتتاح وقبل القراءة. وأما ما ذهب إليه الترمذي [رقم: 481] ، حيث أدخل حديث أنس في قصة أم سليم، في باب صلاة التسبيح، فقد تعقبه شيخنا [عبد الرحيم بن الحسين العراقي] ، في "شرح الترمذي" فقال: فيه نظرٌ، فإن المعروف أنه ورد في الذكر في الدعاء، كلاهما من طريق عبد الرحمن بن إسحاق، عن حسين بن أبي سفيان، عن أنس بن مالك، قال: صلى النبي -صلى الله عليه وسلم- في بيتنا تطوعًا، فقال: "يا أم سليم! إذا صَلَّيتِ المكتوبة، فقولي: سبحان الله عشرًا، والحمدُ لله عشرًا، ولا إله إلا الله والله أكبر عشرًا؛ ثم سلي ما شئت، فإنه يقول لك: نعم". هذا لفظ الطبراني. وفي رواية أبي يعلى ["المسند"، رقم: 4292؛ "مجمع الزوائد" 101/10] : "قولي: سبحان الله عشرًا، والحمد لله عشرًا، والله أكبر عشرًا؛ فإنه يقول لك: نعم، نعم". وفي الباب عن عبد الله بن عمرو بن العاص، أخرجه أصحاب السنن الأربعة [الترمذي، رقم: 3410 و3411؛ النسائي، رقم: 1348؛ أبو داود، رقم: 1502 و5065؛ ابن ماجه، رقم: 926] ، وصححه ابن حبان؛ من رواية عطاء بن السائب، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "خلتان لا يحصيهما رجل مسلم إلا دخل الجنة، وهما يسير، ومن يعمل بهما قليل، يسبح الله أحدكم في دبر كل صلاة عشرًا، ويحمدُ عشرًا، ويكبر عشرًا، فهن خمسون ومائة باللسان، وألف وخمس مائة في الميزان"، قال: فأنا رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعدهن بيده. وعن علي رضي الله عنه؛ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له ولفاطمة كلماتٍ علمهن له جبريل =

...................................................... __________ = عليه السلام: "تسبحان في دُبُرِ كُلّ صلاة عشرًا، وتحمدان عشرًا، وتكبران عشرًا" أخرجه أحمد [106/1] بسند حسن. وعن أبي هريرة رضي الله عنه، في قصة فقراء المهاجرين مع أهل الدثور، ففي بعض طرقه عند البخاري [رقم: 6329] ، فقال: "تسبحون عشرًا وتحمدون عشرًا، وتكبرون عشرًا بعد كل صلاة" أورده في كتاب الدعوات من الصحيح. وفي الباب عن أم سلمة؛ أخرجه البزار، وعن أم مالكٍ؛ أخرجه الطبراني؛ وفي كل منهما أن الذكر المذكور عقب الصلاة عشرًا عشرًا. الفصل الثاني: النتيجة في بيان الراجح في محل الذكر، وإنما يُصارُ إلى الترجيح عند تعذر الجمع، والجمع في هذا ممكن؛ بأن يقال: يشرع هذا الذكر في كل محل عينه فيه إمام من الأئمة، ويؤيد ذلك اختلاف الألفاظ الواردة فيه مع الاختلاف في العدد، وكذا اختلاف الصلاة التي يقالُ فيها؛ هل يعم جميع الصوات؟ أو يخص كل صلاةٍ بخصوص؟ والثاني أولى في طريق الجمع، فنقول: - يشرعُ قول الباقياتُ الصالحات عشرًا عشرًا عند إرادة الصلاةِ في الليل، ويُضافُ إليها سؤال المغفرة، ويشرعُ أيضًا في دُعاء الافتتاح. وقد تنزلُ على حالين؛ فمن يذكرها قبل الدخول في الصلاة قالها خارجها، ومن نسيها استدركها بين دُعاء الافتتاح والقراءة، وهذا ينطبق على قوله: "إذا قمت إلى الصلاة" فإنه يفهم منه ما قبل الدخول على تقدير الإرادة، ويفهمُ منه ما بعد الدخول فيها. - ويشرع أيضًا في صلاة التسابيح، التي لها هيئة مخصوصة؛ وإليه جنح الترمذي. - ويشرع أيضًا عند الفراغ من التشهد والصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- فيذكر الذكر المذكور، فإذا فرغ منه دعا بما ورد مأثورًا، وما كان له من طلب، ثم يسلم، وإلى هذا جنح النسائي، فإنه ترجم: باب الذكر بعد التشهد؛ وأورد حديث أنس في سؤال أم سليم المذكور، ولعله أخذه من قوله في الحديث الآخر، عن عبد الله بن عمرو وغيره في دبر كل صلاة، فإن دبر الشيء حقيقة حيثية، هو جزءٌ منهُ مؤخرٌ، ويطلقُ أيضًا على ما يلحقه ولا تخلل بينهما، فعلى الأول أليق المواضع به ما بين التشهد والسلام؛ فإنه الجزء الأخيرُ من الصلاة اتفاقًا؛ إن كان المرادُ بدُبُر الصلاة الحقيقة. وعلى الثاني فهو موافق لما ورد به الحديث الآخر، عن أبي ذر في الصحيحين، في قصة فقراء المهاجرين، وقولهم: ذهب أهل الدثور بالأجور، وفيه: "تسبحون دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين" فقد وقع الاتفاق على أن المراد بدبر الصلاة هنا ما بعد السلام، بخلاف =

 بابُ الدعاءِ عندَ الإِقامة:

230- روى الإِمام الشافعي رحمه الله، بإسناده في "الأُمّ" [223/1 - 224] حديثاً مرسلاً، أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "اطْلُبُوا اسْتِجابَةَ الدعاء عند __________ = قوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ: "لا تدعن دُبُرِ كُلّ صَلاةٍ أنْ تَقُولُ: اللَّهُمَّ أعِنِّي على ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبادَتِكَ"، فإنهم اختلفوا: هل يقالُ في الجلوس الأخير قبل السلام؟ أو يقالُ بعد السلام؛ كما في حديث أهل الدثور؟ فلعلّ النسائي ممن رجح قول: "اللهم أعني.." قبل السلام. فهذا طريق الجمع بين ما وقع فيه الاختلاف في المحل. - وأما إذا احتجنا إلى الترجيح، فإنا نقول: يمكن رد الجميع إلى ما بعد السلام من الصلاة، ويكونُ قوله: "إذا قمت إلى الصلاة" أي: إذا صليتِ وفرغتِ، فقولي..، ويحمل قوله: "أفتتح به صلاتي.." أي: دُعائي إذا فرغتُ من الصلاة المكتوبة، أو غيره. ويُحمل قولهُ: "في الصلاة" أي: عقبها، ويكونُ أطلق ذلك مجازًا للمجاورة، ولا يخفى تكلفُ ذلك كله، فالأولى ما تقدم. الفصل الثالث: الخاتمة - تحرر من الذي ذكرته من طريق التجريح أنه لا مدخل لذلك في القول قبل الدخول في الصلاة أصلًا. - وتحرر من الذي ذكرته من طريق الجمع أنه يشرع قبل الصلاة، لكنه مخصوص بصلاة قيام الليل، وهو منزل على الحالتين اللتين ذكرتهما من حال المستحضر للذكر المذكور عند إرادة الدخول في صلاة الليل، ومن حال من نسي ذلك، فيستدركه في الافتتاح. هذا الذي يقتضيه النظر فيما دل عليه اختلاف ألفاظ هذا الحديث من حمل مطلقها على مقيدها، ورد مجملها إلى مبينها. وأما تنزيله منزلة الذكر المذكور والمشهور في قصة أهل الدثور، واجتماع المصلي عليه قبل الشروع في الصلاة؛ كما يجتمعون عليه بعد الفراغ من الصلاة، فلا يحفظ ذلك من صنع أحد من السلف، لا عن الصحابة الأطهار، ولا من التابعين لهم بإحسان، وهم الأئمة الأبرارُ، ولا من جاء بعدهم من فقهاء الأمصار، ولا المشايخ المقتدى بهم في الأعصار، فالأولى لمن أراد المواظبة على هذه الأذكار أن يقولها في نفسه، فأفضل الذكر ما يلحق بالسرائر. "تمت رسالة الحافظ ابن حجر".

التقاء الجيوش، وإقامة الصلاة، ونزلو الغيث" 1 [وسيأتي برقم: 957 و1088] . 231- وقال الشافعي رحمه الله ["الأم" 224/1] : وقد حفظت عن غير واحد طلب الإِجابة عند نزول الغيث، وإقامة الصلاة. __________ 1 قال الحافظ: أخرجه في أواخر الاستسقاء عمن لا يتهم، عن عبد العزيز بن عثمان، عن مكحول. وهو مرسل أو معضل؛ لأن جلّ رواية مكحول عن التابعين، وله شاهد أخرجه سعيد بن منصور، عن عطاء، مثله. وهو مقطوع جيدٌ له حكم المرسل؛ لأن مثله لا يُقال من قبل الرأي. ["نتائج الأفكار" 382/1 و383] .

 كتاب أذكارِ الصّلاة

 بابُ ما يقولُه إذا دخلَ في الصَّلاة:

232- اعلم أن هذا الباب واسعٌ جداً، وجاءت فيه أحاديث صحيحة كثيرة من أنواع عديدة، وفيه فروع كثيرة في كتب الفقه، ننبّه هنا منها على أصولها ومقاصدِها دون دقائقها ونوادرها، وأحذفُ أدلّة معظمها إيثاراً للاختصار، إذ ليس هذا الكتاب موضوعاً لبيان الأدلة، إنما هو لبيان ما يُعمل به؛ والله الموفق. __________ 1 قال ابن علاّن في نسخة: "كتاب الصلاة"؛ وأما في النسخ المصححة فلا وجود لهذا التقسيم.

 باب تكبيرة الإحرام مدخل بابُ تكبيرةِ الإِحْرام

233- اعلم أن الصَّلاة لا تصحّ إلا بتكبيرة الإِحرام، فريضة كانت أو نافلة. والتكبيرةُ عند الشافعي والأكثرين جزءٌ من الصلاة، وركن من أركانها. وعند أبي حنيفة هي شرطٌ ليست من نفس الصلاة. 234- واعلم أن لفظ التكبير أن يقول: الله أكبر، أو يقول: الله الأكبر؛ فهذان جائزان عند الشافعي وأبي حنيفة وآخرين، ومنع مالك الثاني، فالاحتياط أن يأتي الإِنسان بالأوّل ليخرج من الخلاف؛ ولا يجوز التكبير بغير هذين اللفظين. فلو قال: الله العظيم، أو الله المتعالي؛ أو اللهُ أعظمُ،

أو أعزّ، أو أجلّ؛ وما أشبه هذا، لم تصحّ صلاته عند الشافعي والأكثرين، وقال أبو حنيفة: تصحّ، ولو قال: أكبرُ الله، لم تصحّ على الصحيح عندنا، وقال بعض أصحابنا: تصح، كما لو قال في آخر الصلاة: عليكم السلام، فإنه يصحّ على الصحيح. 235- واعلم أنه لا يصحّ التكبير، ولا غيره من الأذكار حتى يتلفظ بلسانه بحيثُ يُسمعُ نفسَه إذا لم يكن له عارضٌ، وقد قدّمنا بيان هذا في الفصول التي في أوّل الكتاب [الفصل رقم: 5] فإن كان بلسانه خرسٌ أو عيبُ حركهُ بقدرِ ما يقدرُ عليه، وتصحُّ صلاتهُ. 236- واعلم أنه لا يصحُّ التكبير بالعجمية لمن قدر عليه بالعربية، وأما من لا يقدر فيصحّ، ويجب عليه تعلّم العربية، فإن قصَّرَ في التعلم لم تصحّ صلاته، وتجب إعادة ما صلاَّه في المدة التي قصَّرَ فيها عن التعلم. 237- واعلم أن المذهب الصحيح المختار أن تكبيرة الإِحرام لا تمدّ، ولا تمطّط، بل يقولها مدرجة مسرعة، وقيل: تمدّ، والصواب الأوّل. وأما باقي التكبيرات، فالمذهب الصحيح المختار استحباب مدّها إلى أن يصل إلى الركن الذي بعدها. وقيل: لا تمدّ، فلو مدّ ما لا يمدّ أو ترك مدّ ما يمدّ لم تبطل صلاتُه، لكن فاتته الفضيلة. 238- واعلم أن محلّ المدّ بعد اللام من "الله"، ولا يمدّ في غيره.

فصل حكم الجهر بالتكبير ومده

 62- فضل [حكم الجهر بالتكبير ومدِّه]

239- والسنّة أنَّ يجهر الإِمام بتكبيرة الإِحرام وغيرها ليسمعَه المأمومُ، ويسرّ المأموم بها بحيثُ يُسمعُ نفسَه، فإن جهر المأموم أو أسرّ الإِمام لم تفسد صلاته. 240- وليحرص على تصحيح التكبير، فلا يمدّ في غير موضعه، فإن مدّ الهمزة من الله، أو أشبع فتحة الباء من "أكبر" بحيث صارت على لفظ: "أكبار" لم تصحّ صلاته.

فصل عدد تكبيرات الصلاة وحكمها

  63- فضل [عدد تكبيرات الصلاة وحكمها]

241- اعلم أن الصلاة التي هي ركعتان شُرِع فيها إحدى عشرة تكبيرة، والتي هي ثلاث ركعات سبع عشرة تكبيرة، والتي هي أربع ركعات اثنتان وعشرون تكبيرة؛ فإن في كل ركعة خمس تكبيرات: تكبيرة1 للركوع، وأربعاً للسجدتين والرفع منهما، وتكبيرة الإِحرام، وتكبيرة القيام من التشهد الأوّل. 242- ثم اعلم أن جميع هذه التكبيرات سنّة، لو تركها عمداً أو سهوا لا تبطل صلاته، ولا تحرم عليه، ولا يسجد للسهو إلا تكبيرة الإِحرام، فإنها لا تنعقد الصلاة إلا بها بلا خلاف؛ والله أعلم. __________ 1 ساقطة في الأصول.

بابُ ما يقوله 1 بعد تكبيرة الإِحرام: 243- اعلم أنه قد جاءت فيه أحاديث كثيرة، يقتضي مجموعها أن يقول: "اللَّهُ أكبرُ كَبِيراً، والحمدُ لِلَّه كَثِيراً، وسبحان الله بُكْرَةً وَأصِيلاً؛ وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً مُسْلِماً، وما أنا من المُشْرِكِينَ، إنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبّ العالَمِينَ، لا شَرِيكَ لهُ، وَبِذَلِكَ أمرتُ وأنَا مِنَ المُسْلِمينَ؛ اللَّهُمَّ أنْتَ المَلكُ، لا إلهَ إِلاَّ أنْتَ، أَنْتَ رَبِّي وأنا عَبْدُكَ، ظلمتُ نَفْسِي واعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي، فاغْفِرْ لي ذُنُوبِي جَمِيعاً؛ فإنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أنْتَ، وَاهْدِني لأحْسَنِ الأخْلاقِ لا يَهْدِي لأحْسَنها إلاَّ أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَها لا يصرف عني سَيِّئَها إِلاَّ أَنْتَ، لبيك __________ 1 في نسخ: "ما يقول".

وَسَعْدَيْكَ، والخَيْرُ كُلُّهُ في يَدَيْكَ، وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ، أنا بِكَ وَإِلَيْكَ، تَبارَكْتَ وَتعالَيْتَ، أسْتَغْفِرُكَ وأتُوبُ إِلَيْكَ". 244- ويقول: "اللَّهُمَّ باعِد بَيْني وبَيْنَ خَطايايَ كما بَاعَدْتَ بَيْنَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ؛ اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنْ خَطايايَ كما يُنَقّى الثَّوْبُ الأبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ؛ اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطايايَ بالثَّلْجِ والماء والبرد". [البخاري، رقم: 744؛ مسلم، رقم: 598] . فكل هذا المذكور ثابت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم [راجع مسلم، رقم: 601 و771] . 245- وجاء في الباب أحاديث أُخرُ، منها: حديث عائشة رضي الله عنها: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا افتتح الصلاة قال: "سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وبِحَمْدِكَ، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ، وَتَعالى جَدُّكَ، وَلاَ إلهَ غَيْرُكَ" رواه الترمذي [رقم: 243] وأبو داود [رقم: 776] وابن ماجه [رقم: 806] بأسانيد ضعيفة1، وضعفهُ أبو داود والترمذي والبيهقي وغيرهم2؛ ورواهُ أبو داود [رقم: 775] والترمذي [رقم: __________ 1 قال الحافظ: لس له عند هؤلاء الثلاثة سوى إسنادين: أخرج أحدهُما أبو داود، والآخر عند الآخرين، وقد أخرجه الحاكم [235/1] في "المستدرك"، من الطريق الأول، وقال: صحيح على شرط الشيخين. وقال العراقي في "مستخرجه" على "المستدرك": رجاله ثقات. وأخرجه من الطريق الثاني شاهدًا للأول. وأخرجه أيضًا ابن خزيمة [رقم: 470] في "صحيحه"، وله طرق أخرى عن عائشة ضعيفة، ساقها البيهقي في "الخلافيات". ["نتائج الأفكار" 397/1 و399] . 2 قال الحافظ: لم يصرح أبو داود بضعفه، وإنما أشار إلى غرابته، فقال بعد تخريجه: هذا الحديث ليس بالمشهور، ولم يروه إلا طلق بن غنام، عن عبد السلام. وأما الترمذي والبيهقي؛ فروياه من الطريق الثاني وضعفاه بحارثة بن محمد؛ وكذا الدارقطني، ولو وقعت له الطريق الأولى لكان على شرطه في الحسن. قال: وأما قوله: وغيرهم. فقد يوهم الاتفاق على تضعيفه، وليس كذلك، بل هم مختلفون. ["نتائج الأفكار" 401/1] .

242] والنسائي [رقم: 899 و 900] وابن ماجه [رقم: 804] والبيهقي [34/2] من رواية أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وضعفوه1. 246- قال البيهقي [34/2] : وروي الاستفتاح بـ"سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وبِحَمْدِكَ ... " عن ابن مسعود مرفوعاً، وعن أنسٍ مرفوعاً؛ وكلها ضعيفة2. __________ 1 قال الحافظ: لم أر عن واحدٍ منهم التصريح بتضعيفه، وهو حديث حسن. أما أبو داود، فأخرجه من طريق جعفر بن سليمان، عن علي بن علي، عن أبي المتوكل الباجي، عن أبي سعيد، وقال: يقولون: عن علي بن علي، عن الحسن (ملاسلاً) ، الوهم فيه من جعفر. وأما الترمذي، فقال: حديثُ أبي سعيد أشهرُ شيءٍ في هذا الباب، وبه يقول أكثر أهل العلم، وقد تكلم بعضهم في سنده؛ كان يحيى بن سعيد يتكلم (في علي بن علي الرفاعي. وأما النسائي فسكت عليه؛ فاقتضى أنه لا علة له عنده، وأما ابن ماجه فلم يتكلم) عليه أصلاً كعادته. وأما البيهقي، فحاصل كلامه في "السنن الكبير" [34/2] وفي "الخلافيات"؛ أن حديث علي في "وجهت.." أرجح من هذا الحديث، لكون حديث علي مخرجًا في الصحيح، ولكن هذا وإن جاء من طرق متعددة، لكن لا يخلو سند منها من مقال، وإن أفاد مجموعها القوة. وهذا أيضًا حال كلام ابن خزيمة في "صحيحه" [رقم: 462 و463] ، وأشار إلى أن حديث أبي سعيد أرجح طرقه. وقال العقيلي [617/2] بعد أن أخرجه من طرق حارثة، في ترجمته، في الضعفاء: هذا الحديثُ روي بأسانيد حسان غير هذا، وقد وثق علي بن علي يحيى بن معين وأحمد وأبو حاتم، وسائر رواته رواة الصحيح. ["نتائج الأفكار" 401/1 - 404] . 2 قال الحافظ: عبارة البيهقي بعد حديث ابن مسعود [34/2] : "رواه ليث، عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه، وليس بالقوي، وروي عن حميد، عن أنسٍ مرفوعًا"، ثم ساقهُ بسنده إليه. ولم أر الكلام الأخير في كلامه. وقد أخرج الطبراني في "الدعاء" حديث ابن مسعود بسندين آخرين، وأخرجه الطبراني من وجه آخر عن حُميد، ومن وجه ثالث عن أنس، وأخرجه في "المعجم الكبير" [22/رقم: 155] من حديث واثلة بن الأسقع، ومن حديث الحكم بن عُمير، ومن حديث عمرو بن العاص، وأخرجه البيهقي بسند جيد عن جابر بن عبد الله، ["نتائج الأفكار" 404/1 و405] وأخرجه الدارقطني [299/2] عن عمر موقوفًا ومرفوعًا، وصححه ابن الجوزي في "التحقيق".

247- قال [36/2] : وأصحُّ ما روي فيه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ثم رواه بإسناده عنه، أنه كَبَّر، ثم قال: "سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وبِحَمْدِكَ، تَبَارَكَ اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك" [راجع مسلم، رقم: 399] ؛ والله أعلم. 248- وروينا في "سنن البيهقي" [33/2] ، عن الحارث، عن علي رضي الله عنهُ، قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا استفتح الصلاة قالَ: "لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ، سُبْحانَكَ، ظَلَمْتُ نَفْسِي، وَعَمِلْتُ سُوءاً، فاغْفِرْ لي، إنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ، وَجَّهْتُ وَجْهيَ ... " إلى آخِرِه. وهو حديث ضعيف، فإن الحارث1 الأعور متفق على ضعفه، وكان الشعبيّ يقول: الحارث كذّاب2؛ والله أعلم. 249- وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "الشر لَيْسَ إلَيْكَ"، فاعلم أن مذهبَ أهل الحق من المحدّثين والفقهاء والمتكلمين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من علماء المسلمين أن جميع الكائنات، خيرها وشرَّها، نفعَها وضَرّها، كلها __________ 1 في النسخة: "قال: الحارث ... ". 2 قال الحافظ -بعد تخريجه بنسد لهُ- بلفظ: قال البيهقي: ذكره الشافعي عن هشيم بلا رواية، لكن قال: عن أبي الخليل، بدل الحارث؛ قال: فيحتمل أن يكون لأبي إسحاق فيه شيخان. قال الحافظ: وعلى هذا الاحتمال يكون الحديث صحيحًا، ويقوي ذلك أن الرواية الصحيحة الماضية عن علي بطولها، تشتمل على ألفاظ هذا الطريق، وليس فيها إلا الاختصار وتأخير: "وجهت ... ". قال: وأما قول المصنف: إن الحارث متفق على ضعفه، فهو متعقب، فقد وثّقه يحيى بن معين في سؤالات عثمان الدارمي [صفحة: 90] ، وفي تاريخ عباس الدوري [361/3] . وأما ما نقلهُ عن الشعبي فقد أوضح أحمد بن صالح ذلك، إذ قال: الحارث صاحب علي ثقة، ما أحفظه، وما أحسن ما روى عن علي. قيل له: فما يقوله الشعبي فيه؟ قال: لم يكن يكذب في حديثه، وإنما كان يكذب في رأيه. ["الثقات" لابن شاهين، ص: 71 و72] . وأبى الذهبي ذلك احتمالًا، والمرادُ بالرأي المذكور التشيع، وبسببه ضعفه الجمهور. ["نتائج الأفكار" 407/1 و408] .

من الله سبحانه وتعالى، وبإرادته وتقديره؛ وإذا ثبت هذا فلا بدّ من تأويل هذا الحديث، فذكر العلماءُ فيه أجوبة، أحدها: وهو أشهرها، قالهُ النصرُ بن شُمَيْلِ والأئمة بعدهُ، معناه: والشرّ لا يتقرّب به إليك؛ والثاني: لا يصعد إليك، إنما يصعد الكلمُ الطيب؛ والثالثُ: لا يضافُ إليك أدباً، فلا يقالُ: يا خالق الشر! وإن كان خالقه، كما لا يقالُ: يا خالق الخنازير! وإن كان خالقها؛ والرابع، ليس شرّاً بالنسبة إلى حكمتك، فإنك لا تخلقُ شيئاً عبثاً؛ والله أعلمُ. 65- فصل [عن دعاء التوجه] : 250- هذا ما ورد من الأذكار في دعاء التوجه، فيستحبّ الجمع بينها كلها لمن صلى منفرداً، وللإِمام إذا أذنَ لهُ المأمومون. فأما إذا لم يأذنوا له، فلا يطوِّل عليهم، بل يقتصر على بعض ذلك، وحَسُنَ اقتصارُه على: "وجّهت وجهي ... " إلى قوله: ".. من المسلمين" وكذلك المنفرد الذي يُؤثر التخفيف. 251- واعلم أن هذه الأذكار مستحبّة في الفريضة والنافلة، فلو تكره في الركعة الأولى عامداً أو ساهياً لم يفعله فيما بعدَها لفوات محله، ولو فعله كان مكروهاً، ولا تبطل صلاتهُ، ولو تركهُ عقيب التكبيرةِ حتى شرع في القراءة أو التعوّذ فقد فات محلهُ، فلا يأتي به، فلو أتى بهِ لم تبطُل صلاتهُ، ولو كان مسبوقاً أدرك الإِمام في إحدى الركعات أتى به، إلا أن يخاف من اشتغاله به فوات الفاتحة، فيشتغل بالفاتحة، فإنها آكدُ؛ لأنها واجبةٌ وهذا سنّة. ولو أدرك المسبوقُ الإِمامَ في غير القيام، وإما في الركوع، وإما في السجود، وإما في التشهد؛ أحرم معهُ، وأتى بالذكر الذي يأتي به الإِمام، ولا يأتي بدعاءِ الاستفتاحِ في الحالِ، ولا فيما بعدُ. 252- واختلف أصحابنا في استحباب دعاءِ الاستفتاح في صلاة الجنازة، والأصحُّ أنه لا يستحبّ؛ لأنها مبنية على التخفيف. 253- واعلم أن دعاء الاستفتاح سنةٌ ليس بواجب، ولو تركهُ لم يسجدْ للسهو، والسنّة فيه الإسرارُ، فلو جهر به كان مكروهاً، ولا تبطلُ صلاته. والله أعلم.

بابُ التعوّذ بعد دعاء الاستفتاح مدخل

  بابُ التعوّذ بعد دعاء الاستفتاح:

254- اعلم أن التعوّذ بعد دُعاء الاستفتاح سنةٌ بالاتفاق، وهو مقدمةٌ للقراءة، قال الله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: 98] . معناهُ عند جماهير العلماء: إذا أردت القراءة فاستعذ. ["التبيان في آداب حملة القرآن"، رقم: 167] . 255- واعلم أن اللفظ المختار في التعوّذ: أعوذُ بالله مِنَ الشيطان الرجيم؛ وجاء: أعوذُ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم؛ ولا بأس به، ولكن المشهور المختار هو الأوّل. ["التبيان في آداب حملة القرآن"، رقم: 168] . 256- وروينا في "سنن أبي داود" [رقم: 764 و775] ، والترمذي [رقم: 242] ، والنسائي [في "الكبرى"، انظر "تحفة الأشراف"، رقم: 4252] ، وابن ماجه [رقم: 807] ، والبيهقي [35/2 - 36] ، وغيرها؛ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال قبل القراءة في الصلاة: "أعُوذُ باللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ، من نفحه وَنَفْثِهِ وهَمْزِهِ". 257- وفي رواية: "أعُوذُ بالله السَّمِيعِ العَلِيمِ مِنَ الشَّيْطانِ الرََّجِيمِ، مِنْ هَمْزِهِ وَنَفْخِهِ وَنَفْثِهِ". وجاء تفسيره1 في الحديث، أن همزهُ: الموتهُ2، وهي: الجنون؛ ونفخه: الكبر؛ ونفثه: الشعرُ؛ والله أعلم. __________ 1 في نسخة: "في تفسيره". 2 ووردت: "المؤتة" أيضًا.

 67- فصل [في حكم التَّعوُّذ]

258- اعلم أن التعوّذ مستحبّ ليس بواجب، لو تركه لم يأثم، ولا تبطلُ صلاته سواء تركه عمداً أو سهواً، ولا يسجد للسهو، وهو مستحبّ في جميع الصلوات: الفرائض والنوافل كلها، ويستحبّ في صلاة الجنازة على الأصحّ؛ ويستحبّ للقارئ خارج الصلاة بإجماع أيضاً؛ والله أعلم [راجع "التبيان في آداب حملة القرآن"، رقم: 166 - 169] .

 68- فصل [في محل التعوذ وصفته]

259- واعلم أن التعوّذ مستحبّ في الركعة الأولى بالاتفاق، فإن لم يتعوّذ في الأولى أتى به في الثانية، فإن لم يفعل ففيما بعدها؛ فلو تعوّذ في الأولى، هل يستحبّ في الثانية؟ فيه وجهان لأصحابنا، أصحهما أنه يستحبّ. لكنه في الأولى آكد ["التبيان في آداب حملة القرآن"، رقم: 169؛ وراجع رقم: 348] . 260- وإذا تعوّذ في الصلاة التي يُسِرُّ فيها بالقراءة أسرّ بالتعوّذ، فإن تعوّذ في التي يجهرُ فيها بالقراءة، فهل يجهر؟ فيه خلافٌ لأصحابنا، منهم مَن قال: يُسرّ1، وقال الجمهور: للشافعي في المسألة قولان: أحدهما يستوي الجهر والإِسرار، وهو نصُّه في "الأم" [107/1] . والثاني يُسنّ الجهر، وهو نصُّه في "الإِملاء". ومنهم مَن قال: فيه قولان: أحدهما يجهر؛ صححه الشيخ أبو حامد الإسفراييني إمامُ أصحابنا العراقيين وصاحبهُ المحاملي وغيرهما، وهو الذي كان يفعلهُ أبو هريرة رضي الله عنهُ. [والثاني: يسر] 2، وكان ابن عمر رضي الله عنهما يُسِرّ، وهو الأصحّ عند جمهور أصحابنا، وهو المختار؛ والله أعلمُ. __________ 1 في نسخة: "فيه خلاف؛ من أصحابنا من قال: يسر". 2 في نسخة: "فيه قولان: أحدهما يجهر، والثاني: يُسِرُّ، والصحيح من حيث الجملة أنه يُستحبُّ الجهر، صححه الشيخ أبو حامد الإسفراييني إمام أصحابنا العراقيين وصاحبه المحاملي وغيرهما، وهو الذي كان يفعله أبو هريرة رضي الله عنه".

بابُ القراءةِ بعدَ التعوذ مدخل

  بابُ القراءةِ بعدَ التَّعوُّذ:

261- اعلم أن القراءة واجبةٌ في الصلاةِ بالإِجماع مع النصوص المتظاهرةِ، وأن مذهبنا1 ومذهب الجمهور أن قراءة الفاتحة واجبةٌ لا يجزئ غيرها لمن قدر عليها، للحديث الصحيح أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: $"لا تجزئ صلاةٌ لا يُقْرأُ فِيها بِفاتِحَةِ الكِتابِ". رواه ابن خزيمة [رقم: 490] ، وأبو حاتم وابن حبان، بكسر الحاء، [رقم: 1789] في "صحيحهما"2، بالإِسناد الصحيح، وحَكما بصحته ["التبيان في آداب حملة القرآن"، رقم: 305] . 262- وفي "الصحيحين" [البخاري، رقم: 756؛ ومسلم، رقم 394] ، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم: $"لا صَلاَة إِلاَّ بِفَاتِحَة الكِتابِ"3. 263- ويجب قراءة: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} وهي آية كاملة من أوّل الفاتحة. وتجب قراءة جميع الفاتحة بجميع تشديداتها، وهي أربع عشرة تشديدة: ثلاث في البسملة، والباقي بعدها، فإن أخلّ بتشديدة واحدة بطلت قراءته. 264- ويجب أن يقرأها مرتبة متواليةٌ، فإن تركَ ترتيبها أو موالاتها لم تصحُّ قراءتهُ، ويعذرُ في السكوتِ بقدرِ التنفسِ. 265- ولو سجد المأموم مع الإِمام للتلاوة، أو سمع تأمين الإِمام، فأمَّن لتأمينه، أو سأل الرحمة، أو استعاذ من النار لقراءة الإِمام ما يقتضي ذلك، والمأموم في أثناء الفاتحة؛ لم تنقطع قراءته على أصحّ الوجهين؛ لأنه معذور. __________ 1 في نسخة: "ومذهبنا". 2 في نسخة: "صحيحهما". 3 قال الحافظ: لم أر هذا اللفظ في "الصحيحين"، ولا في أحدهما، والذي فيهما [البخاري، رقم: 756؛ مسلم، رقم: 394] حديث عبادة بن الصامت بلفظ: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب". ["نتائج الأفكار" 422/1] .

فصل في حكم اللحن في قراءة الفاتحة

  70- فضل [في حكم اللحن في قراءة الفاتحة]

266- فإن لحن في الفاتحة لحناً يخلّ المعنى بطلت صلاته، وإن لم يخلّ المعنى صحّت قراءته، فالذي يخلّه مثل أن يقول: أنعمتُ بضم التاء أو كسرها، أو يقول: إياكِ نعبدُ بكسر الكاف؛ والذي لا يخلّ مثل أن يقول: ربُّ العالمين، بضم الباء أو فتحها، أو يقولُ: نستعين بفتح النون الثانية أو كسرها، ولو قال: ولا الضّالّين بالظاء بطلت صلاته على أرجح الوجهين، إلا أن يعجزَ عن الضاد بعد التعلم، فيُعذر.

 71- فصل [في حكم من لم يحسن قراءة الفاتحة]

267- فإن لم يُحسن الفاتحة قرأ بقدرها من غيرها، فإن لم يُحسن شيئاً من القرآن أتى من الأذكار، كالتسبيح والتهليل ونحوهما بقدرٍ آياتِ الفاتحة، فإن لم يحسن شيئاً من الأذكار، وضاق الوقتُ عن التعلّم، وقف بقدر القراءة، ثم يركع، وتُجزئه صلاتهُ إن لم يكن فرّط في التعلم، فإن كان فرّط في التعلم وجبت الإِعادة؛ وعلى كلّ تقدير، متى تمكَّن من التعلم وجب عليه تعلّم الفاتحة، أما إذا كان يُحسنُ الفاتحة بالعجمية ولا يحسنُها بالعربية، فلا يجوزُ له قراءتُها بالعجمية، بل هو عاجزٌ، فيأتي بالبدل على ما ذكرناهُ.

 72- فصل [في حكم قراءة السورة بعد الفاتحة]

268- ثم بعد الفاتحة يقرأ سورة، أو بعض سورة، وذلك سنّة، لو تركه صحَّتْ صلاتُه، ولا يسجد للسهو، وسواءٌ كانت الصلاة فريضة أو نافلة، ولا يستحبّ قراءة السورة في صلاة الجنازة على أصحّ الوجهين، لأنها مبنية على التخفيف، ثم هو بالخيار؛ إن شاء قرأ سورة، وإن شاء قرأ بعض سورة، والسورة القصيرة أفضلُ من قدرها من الطويلةِ. ويستحبّ أن يقرأ السورة على ترتيبِ المصحفِ، فيقرأ في الثانية سورة بعد السورة الأولى، وتكون تليها، فلو خالف هذا جاز؛ والسنّة أن تكون السورة بعد الفاتحة، فلو قرأها قبل الفاتحة لم تحسب له قراءةُ السورة ["التبيان في آداب حملة القرآن"، رقم: 306] . 269- وَاعْلَمْ أنَّ ما ذكرناهُ من استحباب السورة هو للإِمام والمنفرد وللمأموم فيما يسرّ به الإِمام، أما ما يجهر به الإِمام فلا يزيد المأموم فيه على الفاتحة إن سمع قراءة الإِمام، فإن لم يسمعها، أو سمع همهمة لا يفهمها، استحبّت له السورة على الأصحّ، بحيث لا يشوِّشُ على غيره ["التبيان في آدب حملة القرآن"، رقم: 310] .

272- والسنّة أن يقرأ في صلاة العيد والاستسقاء في الركعة الأولى بعد الفاتحة: [سورة] {ق} ، [سورة ق] وفي الثانية: [سورة] {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} [سورة القمر] ، [بكمالهما] وإن شاء قرأ في الأولى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [سورة الأعلى] ، وفي الثانية: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [سورة الغاشية] ، فكلاهما سنّة ["التبيان في آداب حملة القرآن"، رقم: 454] . 273- والسنّة أن يقرأ في الركعة الأولى من صلاة الجمعة [62] سورة الجمعة [بكمالها] ، وفي الثانية: [63 سورة] المنافقون [بكمالها] ، وإن شاء في الأولى: [سورة] {سَبِّحِ} وفي الثانية: [سورة] : {هَلْ أَتَاكَ} ، فكلاهما سنة ["التبيان في آداب حملة القرآن"، رقم: 453] . 274- وليحذر الاقتصار على بعض السورة في هذه المواضع، فإن أراد التخفيف أدرج قراءتهُ من غير هذرمة1 ["التبيان في آداب حملة القرآن"، رقم: 453] . 275- والسنّة أن يقرأ في ركعتي سنّة الفجر في الأولى بعد الفاتحة: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} الآية [سورة البقرة: 136] ، وفي الثانية: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا} الآية [سورة آل عمران: 64] ، وإن شاء في الأولى [109 سورة] : {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ، وفي الثانية: [112 سورة] {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ، فكلاهما صحّ في "صحيح مسلم" [رقم: 727 و726] أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فعله ["التبيان في آداب حملة القرآن"، رقم: 455] . 276- ويقرأ في ركعتي سنّة المغرب وركعتي الطواف والاستخارة في الأولى: [109 سورة] : {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ، وفي الثانية: [114 سورة] __________ 1 "الهذرمة": سرعة الكلام الخفي.

{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} 1 ["التبيان في آداب حملة القرآن"، رقم: 456] . 277- وأما الوترُ، فإذا أوتر بثلاث ركعات قرأ في الأولى بعد الفاتحة: [87 سورة] {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} ، وفي الثانية: [109 سورة] {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ، وفي الثالثة: [112 سورة] {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ، مع المعوّذتين؛ وكل هذا الذي ذكرناه جاءت به أحاديث في الصحيح [أبو داود، رقم: 1423 و1424] وغيره مشهورةٌ، استغنينا بشُهرتها عن ذكرها، ["التبيان في آداب حملة القرآن"، رقم: 457] والله أعلمُ. __________ 1 قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "نتائج الأفكار في تخريج أحاديث الأذكار" 495/1: وأما القراءة في ركعتي الاستخارة فلم أقف عليها في شيء من الأحاديث. وقد ذكر شيخنا [زين الدين عبد الرحيم بن حسين العراقي] في "شرح الترمذي" كلام النووي، وقال: سيفه إليه الغزالي في "الإِحياء" [272/1] ولم أجد لذلك أصلًا، ولكنه حسن؛ لأن المقام يناسب الإخلاص، قال: ولو قرأ فيهما بمثل قوله تعالى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} [القصص: 86] وبمثل قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} ، [الأحزاب: 36] لكان مناسبًا. قلت [والقائل ابن حجر] : قرأتُ في كتاب جمعه الحافظ أبو المحاسن عبد الرزاق الطبسي -بفتح الطاء المهملة والباء الموحدة بعدها سين مهملة، ثم بالنسب- فيما يقرأ في الصلوات، أن الإمام أبا عثمان الصابوني ذكر في أماليه عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين، عن أبيه زين العابدين أنه كان يقرأ في ركعتي الاستخارة بسورة الرحمن، وسورة الحشر. قال الصابوني: وأنا أقرأ فيهما: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى:1] لأن فيها {وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى} [الأعلى:8] ؛ وفي الثانية: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} [الليل: 1] لأن فيها {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} [الليل: 7] . قال الطبسي: وحكى شيخنا طريف بن محمد الحيري، عن بعض السلف أنه كان يقرأ في الأولى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} إلى قوله: {وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص: 36، 37] والثانية فيها: {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً} [الأحزاب: 36، 37] ولم يذكر الصابوني ولا الطبسي لما كان يقرأه زين العابدين مناسبة، ويحتمل أن يكون لَحَظَ قوله تعالى في أوله: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن: 29] وفي الثانية الأسماء الحسنى التي في آخرها ليدعو بها في الأمر الذي يريده، والعلم عند الله تعالى. اهـ.

 فصل في تدارك ما فاته من القراءة المسنونة في الركعة الأولى في الركعة الثانية 74- فضل [في تدارك ما فاته من القراءة المسنونة في الركعة الأولى في الركعة الثانية]

278- لو تركَ سورة الجمعة في الركعة الأولى من صلاة الجمعة قرأ في الثانية سورة الجمعة مع سورة المنافقين، وكذا صلاةُ العيد والاستسقاء والوتر وسنّة الفجر وغيرها مما ذكرناه مما هو في معناه، إذا ترك في الأولى ما هو مسنون أتى به في الثانية بالأوّل والثاني، لئلا تخلو صلاته من هاتين السورتين، ولو قرأ في صلاة الجمعة في الأولى سورة المنافقين، قرأ في الثانية سورة الجمعة، ولا يعيد [سورة] المنافقين؛ وقد استقصيتُ دلائلَ هذا في "شرح المهذب"1. __________ 1 قال ابن علاّن: قال الحافظ [ابن حجر "نتائج الأفكار" 501/1] : قد راجعتُ الشرح فلم أجد ذكرًا لذلك [أو: لم أجده ذكر ذلك، أو: فلم أجده ذكر لذلك] مستندًا من الحديث، وكذا الثلاثة الأمور التي في الفصل قبله، لم يذكر لها مستندًا من الحديث في الشرح المذكور. اهـ.

فصل في تطويل القراءة في الركعة الأولى

  75- فضل [في تطويل القراءة في الركعة الأولى]

279- ثبتَ في الصحيح [البخاري، رقم: 759؛ مسلم، رقم: 451] أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يطوِّل في الركعة الأولى من الصبح وغيرها ما لا يطوّل في الثانية، فذهب أكثر أصحابنا إلى تأويل هذا، وقالوا: لا يطوّل الأولى على الثانية، وذهب المحققون منهم إلى استحباب تطويل الأولى لهذا الحديث الصحيح. واتفقوا على أن الثالثة والرابعة تكونان أقصرُ من الأولى والثانية، والأصحُّ أنه لا تستحبّ السورة فيهما [ولا في ثالثة المغرب] ، فإن قُلنا باستحبابها، فالأصحّ أن الثالثة كالرابعة، وقيل بتطويلها عليها.

 76- فصل [في مكان الجهر والإسرار في الصَّلاة]

280- أجمع العلماءُ على الجهر بالقراءة في صلاة الصبح والأوليين من المغرب والعشاء، وعلى الإِسرار في الظهر والعصر والثالثة من المغرب والثالثة والرابعة من العشاء، وعلى الجهر في صلاة الجمعة والعيدين والتراويح والوتر عقبها، وهذا مستحبّ للإِمام والمنفرد فيما ينفرد به منها؛ وأما المأموم فلا يجهر في شيء من هذا بالإجماع. ["التبيان في آداب حملة القرآن" رقم: 314] . 281- ويسنّ الجهر في صلاة كسوف القمر1، والإِسرار في صلاة كسوف الشمس، ويجهر في صلاة الاستسقاء، ويسر في صلاة الجنازة إذا صلاّها في النهار، وكذا إذا صلاّها بالليل على الصحيح المختار، ولا يجهر في نوافل النهار غير ما ذكرنا من العيد والاستسقاء. [" التبيان في آداب حملة القرآن" رقم: 315] . 282- واختلف أصحابنا في نوافل الليل، فقيل: لا يجهر، وقيل: يجهر. والثالث، وهو الأصح، وبه قطع القاضي حسين والبغوي: يقرأ بين الجهر والإِسرار، ولو فاتته صلاة بالليل فقضاها في النهار، أو بالنهار فقضاها بالليل، فهل يعتبر في الجهر والإِسرار وقت الفوات أو وقت القضاء؟ فيه وجهان: أظهرهما يعتبر وقت القضاء؛ وقيل: يسر مطلقًا ["التبيان في آداب حملة القرآن"، رقم: 316؛ وراجع الفصل رقم 135 التالي: أيها أفضل رفع الصوت بالقرآن أو خفضه؟] . 283- واعلم أن الجهر في مواضعه والإِسرار في مواضعه سنّة ليس بواجب، فلو جهر موضع الإِسرار أو أسرّ موضع الجهر، فصلاته صحيحة، ولكنه ارتكب المكروه كراهة تنزيه، ولا يسجد للسهو. ["التبيان في آداب حملة القرآن" رقم: 317] . 284- وقد قدمنا [رقم: 66] أن الإِسرار في القراءة والأذكار المشروعة في الصلاة لا بد فيه من أن يسمع نفسه، فإن لم يسمعها من غير عارضٍ لم تصحّ قراءته ولا ذكره. ["التبيان في آداب حملة القرآن"، رقم: 318] . __________ 1 الأجود أن يقال: خسوف القمر. قال ثعلب: كسفت الشمس وخسفت القمر، هذا أجود الكلام.

 77- فصل [في بيان سكتات الإمام]

285- قال أصحابنا: يستحبّ للإِمام في الصلاة الجهرية أن يسكت أربع سكتات، إحداهنّ: عقيب تكبيرة الإِحرام ليأتي بدعاء الاستفتاح؛ والثانية: بعد فراغه من قراءة الفاتحة، سكتة لطيفة جداً بين آخر الفاتحة وبين "آمين" ليعلم أن "آمين" ليست من الفاتحة؛ والثالثة: بعد "آمين" سكتة طويلة بحيث يقرأ المأموم الفاتحة1؛ والرابعة: بعد الفراغ من السورة، يفصل بها بين القراءة وتكبيرة الهوي إلى الركوع. ["التبيان في آداب حملة القرآن"، رقم: 319] . __________ 1 قال ابن علاّن: قال الحفاظ [ابن حجر "نتائج الأفكار" 25/2] : دليل استحباب تطويل هذه السكتة حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن: إن للإمام سكتتين، فاغتنموا القراءة فيهما" أخرجه البخاري في كتاب "القراءة خلف الإمام" صفحة: 66؛ وأخرج فيه أيضاً: عن أبي سلمة، عن أبي هريرة صفحة: 66؛ وأخرج البخاري فيه أيضًا صفحة: 66 و67، عن عروة بن الزبير، "قال: يا بنيّ! اقرءوا إذا سكت الإمام، واسكتوا إذا جهر، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب". اهـ.

 78- فصل [في استحباب "آمين" وصيغتها]

286- فإذا فَرغَ من الفاتحة اسْتُحِبَّ له أن يقول: "آمين"، والأحاديث الصحيحة في هذا الباب كثيرة مشهورة في كثيرة فضله وعظيم أجره، وهذا التأمين مستحبّ لكل قارئ، سواءٌ كان في الصلاة، أم خارجاً منها، وفيه أربع لغات: أفصحهن وأشهرهنّ: "آمين" بالمدّ والتخفيف؛ والثانية بالقصر والتخفيف؛ والثالثة بالإِمالة؛ والرابعةُ بالمدّ والتشديد. فالأوليان مشهورتان، والثالثة والرابعة حكاهما الواحدي في أوّل "البسيط"، والمختار الولى؛ وقد بسطت القول في بيان هذه اللغات وشرحها وبيان معناها ودلائلها وما يتعلق بها في كتاب "تهذيب الأسماء واللغات" [2/ 11 - 14؛ و"التبيان في آداب حَمَلة القرآن"، رقم: 320 و321] . 287- ويستحبّ التأمين في الصلاة للإِمام والمأموم والمنفرد، ويجهر به الإمام والمنفرد في الصلاة الجهرية، والصحيح أن المأموم والمنفرد، ويجهر به الإمام والمنفرد في الصلاة الجهرية، والصحيح أن المأموم أيضًا يجهر به، سواء كان الجمع قليلاً أو كثيراً. ["التبيان في آداب حملة القرآن"، رقم: 323] . 288- ويستحبّ أَنْ يكون تأمين المأموم مع تأمين الإِمام، لا قبله ولا بعده، وليس في الصلاة موضع يستحب أن يقترن فيه قول المأموم بقول الإِمام إلا في قوله: "آمين"، وأما باقي الأقول1 فيتأخر قول المأموم. ["التبيان في آداب حملة القرآن" رقم 325] . __________ 1 في نسخة: "وأما في باقي الأقول".

 79- فصل [في إذا مرّ بآية رحمة أو عذاب في الصلاة]

289- يسنّ لكل مَن قرأ في الصلاة أو غيرها إذا مرّ بآية رحمة أن يسأل الله تعالى من فضله، وإذا مرّ بآية عذاب أن يستعيذ به من النار، أو من العذاب، أو من الشرّ، أو من المكروه، أو يقول: اللهمّ إني أسألك العافية، أو نحو ذلك، وإذا مرّ بآية تنزيه لله سبحانهُ وتعالى نزَّهَ، فقال: سبحانهُ وتعالى، أو: تبارك اللَّهِ رَبِّ العالَمِينَ، أو: جلَّت عظمة ربنا، أو نحو ذلك. ["التبيان في آداب حملة القرآن"، رقم: 203] .

290- روينا عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، قال: صَلَّيْتُ مع النبيّ -صلى الله عليه وسلم- ذات ليلة، فافتتح البقرة، فقلت: يرجع عند المائة، ثم مضى، فقلت: يصلي بها في ركعة، فمضى، فقلت: يرجع بها، ثم افتتح النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران فقرأها، يقرأ مترسّلاً، إذا مرّ بآية فيها تسبيح سبَّحَ، وإذا مرّ بسؤال سأل، وإذا مرّ بتعوذٍ تعوّذ. رواهُ مُسلمُ في "صحيحه" [رقم: 772] . [وكانت سورة النساء في ذلك الوقت متقدمة على سورة آل عمران. "التبيان في آداب حملة القرآن"، رقم: 204] . 291- قال أصحابنا: يستحبّ هذا التسبيح، والسؤال والاستعاذة للقارئ في الصلاة وغيرها، وللإِمام والمأموم والمنفرد؛ لأنه دعاءٌ، فاستووا فيه كالتأمين [عقب الفاتحة. "التبيان في آداب حملة القرآن"، رقم: 205] . [وهذا الذي ذكرناهُ من استحباب السؤال والاستعاذة هو مذهب الشافعي وجماهير العلماء رحمهم الله، وقال أبو حنيفة رحمه الله: لا يستحب ذلك بل يكرهُ في الصلاة، والصواب قول الجماهير لما قدمناهُ. "التبيان في آداب حملة القرآن"، رقم: 205] . 292- ويُستحبّ لكل مَن قرأ: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} [التين: 8] أن يقول: بلى! وأنا على ذلك من الشاهدين؛ وإذا قرأ: {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} [القيامة: 40] قال: بلى! أشهد؛ وإذا قرأ: {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} [الأعراف: 184] قال: آمنت بالله؛ وإذا قرأ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى:1] قال: سُبحان ربي الأعلى؛ ويقول هذا كله في الصلاة وغيرها، وقد بينت أدلته في كتاب "التبيان في آداب حملة القرآن" [الأرقام: 285 - 295] .

 باب أذكار الركوع مدخل بابُ أذكار الركوع

293- قد تظاهرت الأخبارُ الصحيحةُ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يُكَبِّر للركوع، وهو سنّة، ولو تكره كان مكروهاً كراهة تنزيه، ولا تبطلُ صلاتُه، ولا يسجدُ للسهو، وكذلك جميع التكبيرات التي في الصلاة هذا حكمُها، إلا تكبيرة الإِحرام، فإنها ركن لا تنعقد الصلاة إلا بها، وقد قدّمنا عدد تكبيرات الصلاة في أوّل أبواب الدخول في الصلاة. [رقم: 241 و242] . 294- وعن الإِمام أحمد رواية: أن جميع هذه التكبيرات واجبة. وهل يستحبّ مدُّ هذا التكبير؟ فيه قولان للشافعي رحمه الله، أصحُّهما وهو الجديد: يستحبّ مدّه إلى أن يصل إلى حدّ الراكعين، فيشتغل بتسبيح الركوع، لئلا يخلو جزءٌ من صلاته عن ذكرٍ، بخلاف تكبيرة الإِحرام، فإن الصحيح استحباب ترك المدّ فيها؛ لأنه يحتاج إلى بسط النيّة عليها، فإذا مدّها شقّ عليه، وإذا اختصرها سهل عليه، وهكذا حكم باقي التكبيرات، وقد تقدم إيضاحُ هذا في باب تكبيرة الإحرام [رقم: 237 - 240] ؛ والله أعلم.

 81- فصل [في التسبيح في الركوع]

295- فإذا وصل إلى حدّ الراكعين اشتغل بأذكار الركوع، فيقول: سُبْحَانَ رَبيَ العَظِيمِ، سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم. 296- فقد ثبت في "صحيح مُسلم" [رقم: 772] من حديث حذيفة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال في ركوعه الطويل الذي كان قريباً من قراءة البقرة والنساء وآل عمران: "سُبْحانَ رَبيَ العَظِيمِ". ومعناه. كرّر سبحان ربي العظيم فيه، كما جاء مبيِّناً في "سنن أبي داود" [رقم: 871] وغيره. 297- وجاء في كتب "السنن" [أبو داود، رقم: 886؛ الترمذي،

رقم: 261؛ ابن ماجه، رقم: 890] أنه صلى الله عليه وسلم قال: "إذَا قالَ أحَدُكُمْ: سُبْحانَ رَبيَ العَظِيمِ ثَلاثاً فَقَدْ تَمَّ ركوعه". 298- وثبت في "الصحيحين" [البخاري، رقم: 794؛ ومسلم، رقم: 484] ، عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقولُ في ركوعهِ وسجودهِ: "سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنا وبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي". يتأول القرآن. [راجع "رياض الصالحين" رقم: 114 حيث قال: معنى "يتأول القرآن" أي: يعمل ما أمر به في القرآن في قوله تعالى: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ} "سورة النصر: 3"؛ وسيرد برقم: 321] . 299- وثبت في "صحيح مسلم" [رقم: 771] عن عليّ -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا ركع يقول: "اللهمَّ لكَ رَكَعْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، ولَكَ أسلمت؛ خضع لَكَ سَمْعِي وَبَصَرِي ومُخِّي وَعَظْمِي وَعَصبِي". 300- وجاء في كتب "السنن" [أبو داود، رقم: 760؛ الترمذي، رقم: 3421؛ النسائي، رقم: 1050] : "خَشَعَ سَمْعِي وَبَصَرِي ومُخِّي وَعَظْمِي، ومَا اسْتَقَلَّتْ بِهِ قَدَمي لِلَّهِ رَبِّ العالَمِينَ". 301- وثبت في "صحيح مسلم" [رقم: 487] ، عن عائشة رضي الله عنها, أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقولُ في ركوعه وسجوده: "سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ، رَبُّ المَلائِكَةِ والرُّوحِ". 302- قال أهل اللغة: سبوح قدوس، بضم أولهما، وبالفتح أيضاً، لغتان، أجودهما وأشهرهما وأكثرهما الضمُّ. 303- وروينا عن عوف بن مالك رضي الله عنه، قال: قمتُ مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لَيْلَةَ، فقام، فقرأ سورة البقرة، لا يمرّ بآية رحمة إلا وقف وسأل، ولا يمرّ بآية عذابٍ إلا وقف وتعوّذ قال: ثم ركع بقدر قيامه، يقول

في ركوعه: "سُبْحانَ ذِي الجَبَرُوتِ وَالمَلَكوتِ، والكبرياء والعظمة" ثم قال في سجوده مثل ذلك. هذا حديث صحيح رواه أبو داود [رقم: 873] ، والنسائي [رقم: 1049] في "سننهما"، والترمذي في كتاب "الشمائل" [رقم: 271] بأسانيد صحيحه1 [وراجع رقم: 324 التالي] . 304- وروينا في "صحيح مسلم" [رقم: 479] ، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فأمَّا الرُّكُوعُ، فَعَظِّمُوا فِيهِ الرب". [سيرد برقم: 328] . 305- واعلم أن هذا الحديث الأخير هو مقصودُ الفصل، وهو تعظيم الربّ سبحانه وتعالى في الركوع بأيّ لفظ كان، ولكن الأفضل أن يجمعَ بين هذه الأذكار كلها إن تمكن من ذلك، بحيث لا يشقّ على غيره، ويقدم التسبيح منها، فإن أراد الاقتصارَ، فيستحبُّ التسبيح، وأدنى الكمال منه ثلاث تسبيحات، ولو اقتصر على مرّة كان فاعلاً لأصل التسبيح، ويُستحبّ إذا اقتصر على البعض أن يفعل في بعض الأوقات بعضها، وفي وقت آخر بعضاً آخر، وهكذا يفعل في الأوقات، حتى يكون فاعلاً لجميعها، وكذا ينبغي أن يفعل في أذكار جميع الأبواب. 306- واعلم أن الذكرَ في الركوع سنّةٌ عندنا وعند جماهير العلماء، __________ 1 قال الحافظ: فيه نظر من وجهين: أحدهما: الحكم بالصحة؛ فإن عاصم بن حميد، أحد رواته، ليس من رجال الصحيحين، وهو صدوق مقل. الثاني: أن الحديث ليس له في هذه الكتب الثلاثة طرقٌ إلا واحدة، ومدارُه عندهم على: معاوية بن صالح، عن عمرو بن قيس، عن عاصم بن حُميد، عن عوف بن مالك. فليس له ثَمّ أسانيد صحيحة، بل ولا دونها. ومعاوية بن صالح؛ وإن كان من رجال مُسلم مختلف فيه، فغاية ما يوصف به أن يعد ما ينفرد به حسنًا، وتعدد الطرق إليه لا يستلزم مع تفرده تعدد الأسانيد للحديث. ["نتائج الأفكار" 75/2] .

فلو تركه عمداً أو سهواً لا تبطلُ صلاته، ولا يأثمُ، ولا يسجد للسهو. وذهب الإِمام أحمد بن حنبل وجماعة إلى أنه واجبٌ، فينبغي للمصلي المحافظة عليه للأحاديث الصريحة الصحيحة في الأمر به، كحديث ابن عباس رضي الله عنهما: "أما الركوع فعظموا فيه الرب" [مسلم، رقم: 479] وغيره مما سبق [في هذا الفصل] ، وليخرج عن خلاف العلماء رحمهم اللَّهِ؛ والله أعلم.

 82- فصل [في حكم القراءة في الركوع]

307- تكره قراءةُ القرآن في الركوع والسجود، فإن قرأ غير الفاتحة لم تبطل صلاتُه، وكذا لو قرأ الفاتحة لا تبطل صلاته على الأصحّ؛ وقال بعض أصحابنا: تبطلُ. 308- وروينا في "صحيح مسلم" [رقم: 480] ، عن علي رضي الله عنه، قال: نهاني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ راكعاً أو ساجداً. 309- وروينا في "صحيح مسلم" [رقم: 479] أيضاً، عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "ألا وَإني نهيتُ أنْ أقْرأ القُرآنَ رَاكِعاً أوْ ساجدًا".

 باب ما يقوله في [حال] رفعِ رأسِه من الركوع، وفي اعتدالِه

310- والسنَّة أن يقول حال رفع رأسه: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حمدهُ؛ ولو قال: من حمدَ الله سمع لهُ؛ جاز، نصَّ عليه الشافعي في "الأمّ" [112/1] ؛ فإذا استوى قائماً، قالَ: رَبَّنَا لَكَ الحَمْدُ، حَمْداً كَثِيراً طَيِّباً مُبارَكاً فِيهِ، مِلْءَ السَّمَوَاتِ وَمِلْءَ الأرْضِ، وَمِلْءَ ما بَيْنَهُما، وَمِلْءَ ما شئت من شيء بعدُ،

أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العَبْدُ، وكلنا لَكَ عَبْدٌ، لا مانِعَ لما أعطيت، ولا مُعْطِيَ لِمَا منعتَ، ولا ينفعُ ذا الجد منك الجد. 311- وروينا في صحيحي البخاري [رقم: 874] ، ومسلم [رقم: 392] ، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "سَمِعَ اللََّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ" حين يرفع صلبه من الركوع، ثم يقول وهو قائم: "رَبَّنا لَكَ الحَمْدُ". وفي روايات: "ولَكَ الحَمْدُ" بالواو، وكلاهما حسن. وروينا مثله في "الصحيحين" عن جماعة من الصحابة. 312- وروينا في "صحيح مسلم" [رقم: 476] ، عن عليٍّ وابن أبي أوفى رضي الله عنهم؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه قال: "سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنا لك الحمد، ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شيءٍ بعد". 313- وروينا في "صحيح مسلم" [رقم: 477] ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من الركوع قال: "اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الحَمْدُ، مِلْءَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ، وَمِلْءَ ما شئت من شيء بَعْدُ، أهْلَ الثَّناءِ والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لَكَ عَبْدٌ؛ اللَّهُمَّ لا مانِعَ لِمَا أعطيت، ولا معطي لِمَا مَنَعْتَ، وَلا يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ". 314- وروينا في "صحيح مسلم" [رقم: 478] أيضاً، من رواية ابن عباس رضي الله عنهما: "ربنا لك الحمد ملء السموات وملء الأرض وما بينهما، وملء ما شئت من شيءٍ بعد".

315- وروينا في "صحيح البخاري" [رقم: 779] ، عن رفاعة بن رافع الزرقي رضي الله عنه، قال: كنا يوماً نصلي وراء النبيّ صلى الله عليه وسلم، فلما رفع رأسه من الركعة، قال: "سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حمدهُ"، فقال رجل وراءه: رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ، حَمْداً كَثِيراً طَيِّباً مُبارَكاً فِيهِ، فلما انصرف، قال: "مَن المُتَكَلِّمُ"؟ قال: أنا، قال: "رأيتُ بضعة وثلاثين ملكًا يَبْتَدِرُونَها، أيُّهُمْ يَكْتُبُها أول".

  84- فصل [في الجمع بين الأذكار الواردة]

316- اعلم أنه يُستحبّ أن يجمع بين هذه الأذكار كلها على ما قدّمناه في أذكار الركوع [رقم: 305] ، فإن اقتصر على بعضها، فليقتصرْ على: سمع الله لمن حمده، ربنا لك الحمد ملء السموات وملء الأرض وما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد. فإن بالغَ في الاقتصار اقتصر على: سمع الله لمن حمده، ربنا لك الحمد. فلا أقلّ من ذلك. 317- واعلم أن هذه الأذكار كلها مستحبة للإِمام والمأموم والمنفرد، إلا أن الإِمام لا يأتي بجميعها، إلا أن يعلم من حال المأمومين أنهم يُؤثرون التطويل. 318- واعلم أن هذا الذكر سنّة ليس بواجب، فلو تركه كُرِهَ له كراهةَ تنزيه، ولا يسجدُ للسهو، ويُكره قراءةُ القرآن في هذا الاعتدال، كما يُكره في الركوع والسجود؛ والله أعلم.

بابُ أَذْكَارِ السُّجودِ مدخل

  بابُ أَذْكَارِ السُّجودِ

319- فإذا فَرغَ من أذكار الاعتدال كبَّرَ، وهوى ساجداً، ومدّ التكبير إلى أن يضع جبهته على الأرض. وقد قدَّمنا حُكم هذه التكبيرة [رقم: 242] ، وأنها سنّة، لو تركها لم تبطلْ صلاتُه، ولا يسجد للسهو، فإذا سجد أتى بأذكار السجود، وهي كثيرة. 320- فمنها ما رويناه في "صحيح مسلم" [رقم: 772] ، من رواية حذيفة المتقدمة [رقم: 290] في الركوع في صفة صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- حين قرأ البقرة والنساء وآل عمران في الركعة الواحدة، لا يمرّ بآية رحمة إلا سأل، ولا بآية عذاب إلا استعاذ؛ قال: ثم سجد، فقال: "سُبحان ربي الأعلى" فكان سجوده قريباً من قيامه. 321- وروينا في "صحيحي" البخاري [رقم: 794] ومسلم [رقم: 484] ، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يُكثرُ أن يقول في ركوعه وسجوده: "سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنا وبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي". [راجع "رياض الصالحين " رقم: 114؛ ومر برقم: 298] . 322- وروينا في "صحيح مسلم" [رقم: 487] ، عن عائشة رضي الله عنها، ما قدمناهُ في الركوع [رقم: 301] أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقول في ركوعه وسجوده: "سُبُّوحٌ قُدُّوس، رَبُّ المَلائِكَةِ والرُّوحِ". 323- وروينا في "صحيح مسلم" [رقم: 771] أيضاً، عن عليّ رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا سجد قال: "اللَّهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، ولَكَ أسْلَمْتُ، سَجَدَ وَجْهِي للَّذي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ، وَشَقّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ، تبارَكَ اللَّهُ أحْسَنُ الخالِقين". 324- وروينا في الحديث الصحيح في كتب "السنن" [أبو داود رقم: 873؛ النسائي، رقم: 1049] ، عن عوف بن مالك، ما قدّمناه في

فصل الركوع [رقم: 303] ، أن رسول الله -صلى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسلم- ركعَ ركوعَه الطويل يقول فيه: "سُبْحانَ ذِي الجَبُروتِ والمَلَكُوتِ وَالكِبْرِياء والعظمة" ثم قال في سجوده مثل ذلك. 325- وروينا في كتب "السنن" [أبو داود، رقم: 886؛ الترمذي، رقم: 261؛ ابن ماجه، رقم: 890] ، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "وَإذا سَجَدَ -أي: أحدكم- فَلْيَقُلْ: سُبْحانَ رَبيَ الأعْلى ثلاثاً، وذلك أدْناهُ" [وراجع رقم: 303 السابق] . 326- وروينا في "صحيح مسلم" [رقم: 485] ، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: افتقدت النبيّ -صلى الله عليه وسلم- ذاتَ ليلة، فتحسست، فإذا هو راجع، أو ساجدٌ، يقول: "سُبْحَانَكَ وبِحَمْدِكَ، لا إلهَ إِلاَّ أنْتَ". وفي رواية في مسلم [رقم: 486] : فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد، وهما منصوبتان، وهو يقول: "اللَّهمّ أعُوذُ بِرضَاكَ مِنْ سَخطِكَ، وبِمُعافاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكُ، وأعُوذُ بِكَ مِنْكَ لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نَفْسِكَ". 328- وروينا في "صحيح مسلم" [رقم: 479] ، عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "فأمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ، وأمَّا السُّجُودُ فاجْتَهِدُوا في الدُّعاءِ 1، فَقَمِنٌ أنْ يُسْتَجَابَ لكم". [مر برقم: 304] . يُقالُ: "قَمِنٌ" بفتح الميم وكسرها، ويجوز في اللغة: قمين؛ ومعناه: حقيق وجدير. __________ 1 في نسخة: "فيه بالدعاء".

329- وروينا في "صحيح مسلم" [رقم: 482] ، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "أقْرَبُ ما يَكُونُ العَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ ساجدٌ، فأكْثِرُوا الدُّعاء". [وسيرد برقم: 335] . 330- وروينا في "صحيح مسلم" [رقم: 443] ، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أيضاً، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقول في سجوده: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي ذَنْبِي كُلَّهُ، دِقَّهُ وَجِلَّهُ، وأوّلَهُ وآخِرَهُ، وَعَلانِيَتَهُ وَسِرَّه". "دِقه وجِلّه"، بكسر أولهما، ومعناه: قليله وكثيره. 331- واعلم أنه يُستحبّ أن يجمع في سجوده جميع ما ذكرناه، فإن لم يتمكن منه في وقت أتى به في أوقات، كما قدّمناه في الأبواب السابقة [رقم: 305 و316] ، وإذا اقتصر يقتصر على التسبيح مع قليل من الدعاء، ويُقدِّمُ التسبيحَ، وحكمه ما ذكرناهُ في أذكار الركوع من كراهة قراءة القرآن فيه [رقم: 307] ، وباقي الفروع [راجع الفصل رقم: 80 وما بعده] .

 86- فصل [في أيهما أفضل: القيام أم السجود؟]

332- اختلف العلماء في السجود في الصلاة والقيام، أيُّهما أفضل؟ فمذهب الشافعي ومن وافقه القيام أفضل. 333- لقول النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح في "صحيح مسلم" [رقم: 756] : "أفْضَلُ الصَّلاةِ طُولُ القنوت". ومعناه: القيام. 334- ولأن ذكر القيام هو القرآن، وذكر السجود هو التسبيح، والقرآن أفضل، فكان ما طَوَّلَ به أفضل. 335- وذهب بعض العلماء إلى أن السجود أفضل، لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدّم [برقم: 329] : "أقرب ما يكون العَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وهو ساجدًا".

336- قال الإِمام أبو عيسى الترمذي في "كتابه" [232/2] : اختلف أهل العلم في هذا، فقال بعضهم: طولُ القيام في الصلاة أفضل من كثيرة الركوع والسجد. وقال بعضهم: كثرةُ الركوع والسجود أفضلُ من طول القيام. وقال أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى: روي فيه حديثان عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولم يقض أحمد فيه بشيء. وقال إسحاق: أما بالنهار، فكثرةُ الركوع والسجود، وأما بالليل فطولُ القيام، إلا أن يكون رجلٌ له جزءٌ بالليل يأتي عليه، فكثرة الركوع والسجود في هذا أحبُّ إليّ؛ لأنه يأتي على جزئه1 وقد ربح كثرة الركوع والسجود. 337- قال الترمذي [233/2] : وإنما قال إسحاق هذا لأنه كذا وصفَ صلاة النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بالليل، ووصفَ طول القيام. وأما بالنهار، فلم يُوصف من صلاته صلى الله عليه وسلم من طول القيام ما وُصف بالليل. __________ 1 في نسخة "حزبه"؛ وأما في أصول الترمذي، فكلها: "جزئه".

 87- فصل [في أذكار سجود التلاوة]

338- إذا سجد للتلاوة استُحبّ أن يقول في سجوده ما ذكرناهُ في سجود الصلاة [الفصل رقم: 85] . 339- ويستحبّ أن يقول معهُ: اللَّهُمَّ اجْعَلْها لي عِنْدَكَ ذُخْراً، وأعْظِمْ لي بِهَا أجْراً، وَضَعْ عَنِّي بِها وِزْراً، وَتَقَبَّلْها مِنِّي كما تَقَبَّلْتَها مِنْ دَاوُدَ عَلَيْهِ السلام. [راجع الترمذي، رقم: 579 و3420؛ "التبيان"، رقم: 367] . 340- ويُستَحبّ أن يقول أيضاً: {سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً} [الإِسراء: 108] نصّ الشافعي رحمه الله على هذا الأخير

أيضًا1. [راجع "التبيان"؛ رقم: 368، حيث قال: وهذا النقل عن الشافعي غريب جدًّا] . 341- روينا في "سنن أبي داود" [رقم: 1414] ، والترمذي [رقم: 580] ، والنسائي [رقم: 1129] ، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول في سجود القرآن: "سَجَدَ وَجْهِي للَّذي خلقهُ، وَشَقَّ سمعهُ وبصرهُ، بِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ" 2. قال الترمذي: حديث صحيح؛ زاد الحاكم [220/1] : "فَتَبارَكَ اللَّهُ أحْسَنُ الخالِقِينَ" قال: وهذه الزيادة صحيحة على شرط "الصحيحين". 342- وأما قوله: "اللَّهمّ اجعلها لي عندك ذخراً ... " الخ، فرواهُ الترمذي [رقم: 579 و3424] مرفوعاً من رواية ابن عباس رضي الله عنهما بإسناد حسن. وقال الحاكم [219/1] : حديثٌ صحيح. __________ 1 قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "نتائج الأفكار" 120/2: قد سبق الشافعي إلى ذلك سعيد بن أبي عروبة، وكان أحد فقهاء البصرة، وأدرك بعض الصحابة؛ أخرجه ابن أبي شيبة من طريقه اهـ. قال محقق "نتائج الأفكار": رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" 2/ 20و21 ولكن عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة، فالذي سبق الشافعي هو قتادة لا سعيد. اهـ. ثم قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ولا يعترض بالنهي عن القراءة في السجود، لأنه يحملُ على عدم إرادة التلاة كما في الذي قبله. اهـ. 2 قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "نتائج الأفكار" 119/2: تنبيه: لم أرَ في النسخ المعتمدة من "الأذكار" في آخر الحديث: "بحوله وقوته" وهو ثابت في الكتب الثلاثة التي نسب إليها. اهـ.

 بابُ ما يقولُ في رفعِ رأسه من السجود، وفي الجلوس بين السجدتين:

343- السنّة أن يُكَبِّرَ من حين يبتدئ بالرفع، ويمدّ التكبير إلى أن يستويَ جالساً، وقد قدَّمنا بيانَ عدد التكبيرات، والخلاف في مدّها، والمدّ المبطل لها [الفصل رقم: 63] . 344- فإذا فَرغَ من التكبير، واستوى جالساً، فالسنّة أن يدعو بما رويناه في "سنن أبي داود" [رقم: 874] ، والترمذي [رقم: 262، مختصرًا] ، والنسائي [رقم: 1665] ، والبيهقي [2/122] ، "وغيرهم من حديث حذيفة"1 رضي الله عنه في حديثه المتقدم [رقم: 290] في صلاة النبيّ صلى الله عليه وسلم في الليل وقيامه الطويل بـ[سورة] البقرة والنساء وآل عمران، وركوعه نحو قيامه، وسجوده نحو ذلك، قال: وكان يقول بين السجدتين: "رَبّ اغْفِرْ لي، رَبّ اغفر لي" وجلس بقدر سجوده. 345- وربما رويناهُ في "سنن البيهقي" [122/2] ، عن ابن عباس رضي الله عنهما، في حديث مبيته عند خالته ميمونة رضي الله عنها وصلاة النبيّ صلى الله عليه وسلم في الليل، فذكره، قال: وكان إذا رفع رأسه من السجدة قال: "رَبّ اغْفِرْ لي وارْحَمْنِي واجْبُرْنِي وَارْفَعْنِي وَارْزُقْنِي وَاهْدِني". وفي رواية أبي داود [رقم: 850] : "وعافني" 2 وإسناده حسنٌ؛ والله علم.

  89- فصل [في حكم جلسة الاستراحة والتكبير معها]

346- فإذا سجد السجدة الثانية قال فيها ما ذكرناهُ في الأولى سواء [راجع رقم: 344 و345] ، فإذا رفعَ رأسه منها رفع مكبّراً، وجلس للاستراحة جلسة لطيفة بحيث تسكنُ حركتُه سكوناً بيِّناً، ثم يقوم إلى الركعة الثانية، ويمدّ التكبيرة التي رفع بها من السجود إلى أن ينتصب قائماً، ويكون المدّ بعد اللام من "الله"، هذا أصحّ الأوجه لأصحابنا، ولهم وجه أنه يرفع __________ 1 في نسخة: "وغيرها عن حذيفة". 2 قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "نتائج الأفكار" 122/2: وقول الشيخ بعد ذلكَ: وفي رواية أبي داود: "وعافني" يوهم أنه زادها، وهو كذلك، لكنه نقص ثنتين: "أجبرني وارفعني". اهـ.

بغير تكبير؛ ويجلس للاستراحة، فإذا نهض كبَّر؛ ووجه ثالث: أنه يرفع من السجود مكَبِّرًا، فإذا جلس قطع التكبير، ثم يقومُ بغير تكبير. ولا خلاف أنه لا يأتي بتكبيرتين في هذا الموضوع1، وإنما قال أصحابنا: الوجه الأوّل أصحّ، لئلا يخلو جزءٌ من الصلاة عن ذكر. 347- واعلم أن جلسة الاستراحة سنّة صحيحة ثابتةٌ في "صحيح البخاري" [رقم: 823] وغيره [مثل الترمذي، رقم: 287] من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومذهبنا استحبابها لهذه الأحاديث الصحيحة2، ثم هي مستحبّة عقيب السجدة الثانية من كل ركعةٍ يقوم عنها، ولا تستحبّ في سجود التلاوة في الصلاة؛ والله أعلم ["التبيان في آداب حملة القرآن" للنووي، رقم: 373] . __________ 1 يقع في نفسي الخلاف للرافعي، وقد قال الشيخ تاج الدين ابن الفركاح في "الإقليد" في بعض التعاليق: إنه يكبرُ تكبيرة يفرغ منها في الجلوس، ثم يبتدئ أخرى للنهوض قال: وهذا وجه غريب أنكره الرافعي، وقال: لا خلاف فيه. وقال ولده الشيخ برهان الدين في تعليقه على "التنبيه": إن هذا الوجه متجه قوي، وينبغي أن يكون هو الراجح؛ لحديث: كان يكبر في كل خفض ورفع. [الترمذي، رقم: 253؛ النسائي، رقم: 1083 و1142 و1149 و1319؛ والدارمي، رقم: 1249] . 2 في نسخة: "لهذه السنّة الصحيحة".

 بابُ أذكارِ الرَّكْعةِ الثانية:

348- اعلم أن الأذكار التي ذكرناها في الركعة الأولى يفعلها كلَّهَا في الثانية على ما ذكرناه في الأولى من الفرض والنفل وغير ذلك من الفروع المذكورة، إلا في أشياء: أحدُها: أن الركعة الأولى فيها تكبيرة الإِحرام، وهي ركن، وليس كذلك الثانية، فإنه لا يكبِّر في أوَّلها، وإنما التكبيرة التي قبلها للرفع من السجود مع أنها سنّة. الثاني: لا يُشرع دعاءُ الاستفتاح في الثانية بخلاف الأولى. الثالث: قدمنا [رقم: 259] أنه يتعوّذ في الأولى بلا خلاف، وفي الثانية خلافٌ، الأصحُّ أنه يتعوذ. الرابع: المختار أن القراءة في الثانية تكون أقلّ من الأولى، وفيه الخلاف الذي قدَّمناه؛ والله أعلم.

بابُ القُنوتِ في الصبح مدخل

  بابُ القُنوتِ في الصُّبح:

349- اعلم أن القنوتَ في صلاة الصبح سنّة، للحديث الصحيح فيه؛ عن أنس رضي الله عنهُ، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يزل يقنت في الصبح حتى فارق الدنيا. رواه الحاكم أبو عبد الله في كتاب "الأربعين" ["مجمع الزوائد"، رقم: 2835] ؛ وقال: حديث صحيح [وكذلك الخطيب البغدادي في كتابه "القنوت"؛ وعبد الرزاق في "المصنف" 110/3، رقم: 4964؛ والإِمام أحمد في "مسنده" 162/3، رقم: 12246] . 350- واعلم أن القنوت مشروع "عندنا في الصبح، وهو سنّة متأكدة"1، لو تركهُ لم تبطُل صلاتُه، لكن يسجدُ للسهو، سواءٌ تركهُ عمداً أو سهواً. وأما غير الصبح من الصلوات الخمس، فهل يقنت فيها؟ فيه ثلاثة أقوال للشافعي رحمه الله تعالى: الأصحُّ المشهورُ منها أنه إن نزل بالمسلمين نازلة قنتوا "في ذلك لجميع الصلوات"2، وإلا فلا. والثاني: يقنتون مطلقاً. والثالث: لا يقنتون مطلقاً؛ والله أعلم. 351- ويستحبُّ القنوت عندنا في النصف الأخير من شهر رمضان في الركعة الأخيرة من الوتر، ولنا وجه أن يقنت فيها في جميع شهر رمضان، ووجه ثالثٌ في جميع السنة، وهو مذهبُ أبي حنيفة؛ والمعروف من مذهبنا هو الأوّل؛ والله أعلم. __________ 1 في نسخة: "هو سنة عندنا في الصبح متأكدة". 2 سقطت من بعض النسخ.

 92- فصل [في موضع دعاء القنوت، والألفاظ المشروعة فيه]

352- اعلم أن محل القنوت عندنا في الصبح بعد الرفع من الركوع في الركعة الثانية. وقال مالك رحمه الله: يقنت قبل الركوع. قال أصحابنا: فلو قنت شافعي قبل الركوع لم يُحسبْ له على الأصحّ، ولنا وجه أنه يحسب، وعلى الأصحّ يعيده بعد الركوع ويسجد للسهو، وقيل: لا يسجد. 353- وأما لفظه، فالاختيار أن يقول فيه ما رويناه في الحديث الصحيح في "سنن أبي داود" [رقم: 1425 و1426] ، والترمذي [رقم: 464] ، والنسائي [رقم: 1745] ، وابن ماجه [رقم: 1178] ، والبيهقي [209/2] وغيرها، بالإِسناد الصحيح، عن الحسن بن عليّ رضي الله عنهما، قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلماتٍ أقولُهُنَّ في الوتر: "اللَّهُمَّ اهدني في من هديت وعافني في من عافيت، وتولني في من تَوَلَّيْتَ، وبَارِكْ لِي في ما أَعْطَيْتَ، وَقِني شَرَّ ما قَضَيْتَ، فإنَّكَ تَقْضِي وَلا يُقْضَى عَلَيْكَ، وَإِنَّهُ لا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، [ولا يعز من عاديت] 1، تَبَارَكْتَ رَبَّنا وَتَعالَيْتَ". قال الترمذي: هذا حديث حسن، قال: ولا نعرف عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في القنوت شيئاً أحسن من هذا. وفي رواية ذكرها البيهقي [209/2] ، أن محمد بن الحنفية، وهو ابن __________ 1 زيادة على الأصل من النسائي وغيره.

علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال: إن هذا الدعاء هو الدعاءُ الذي كان أبي يدعو به في صلاة الفجر في قنوته. 354- ويستحبُّ أن يقولَ عقيب هذا الدعاء: اللَّهُمَّ صلِّ على محمد وعلى آل محمد وَسَلِّم؛ فقد جاء في رواية النسائي [رقم: 1746] في هذا الحديث بإسناد حسن: "وَصَلَى اللَّهُ على النَّبِيّ". 355- قال أصحابنا: وإن قنت بما جاءَ عن عُمر بن الخطاب رضي الله عنه كان حسنًا [البيهقي 210/2 و211] وهو أنه قنت في الصبح بعد الركوع، فقال: اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُكَ، وَنَسْتَغْفِرُكَ، وَلاَ نَكْفُرُكَ، وَنُؤْمِنُ بِكَ، وَنَخْلَعُ مَنْ يَفْجُرُكَ؛ اللَّهُمَّ إيَّاكَ نعبدُ، ولَكَ نُصلي وَنَسْجُد، وَإِلَيْكَ نَسْعَى وَنحْفِدُ، نَرْجُو رَحْمَتَكَ وَنَخْشَى عَذَابَكَ، إنَّ عَذَابَكَ الْجِدَّ بالكُفَّارِ مُلْحِقٌ. اللَّهُمَّ عَذّبِ الكَفَرَةَ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ، ويُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ، وَيُقاتِلُونَ أوْلِيَاءَكَ. اللَّهُمَّ اغْفِرْ للْمُؤْمِنِينَ والمؤمنات والمسلمين والمُسْلِماتِ، وأصْلِح ذَاتَ بَيْنِهِمْ، وأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْعَلْ فِي قُلُوبِهِم الإِيمَانَ وَالحِكْمَةَ، وَثَبِّتْهُمْ على مِلَّةِ رسولِك1 صلى الله عليه وسلم، وَأَوْزِعْهُمْ أنْ يُوفُوا بِعَهْدِكَ الَّذي عاهَدْتَهُمْ عَلَيْهِ، وَانْصُرْهُمْ على عَدُّوَكَ2 وَعَدُوِّهِمْ، إِلهَ الحَقّ، وَاجْعَلْنا منهم. واعلم أن المنقول عن عمر رضي الله عنه: عذِّب الكفرة أهل الكتاب3؛ لأن قتالهم ذلك الزمان كان مع كفرة أهل الكتاب؛ وأما اليوم، فالاختيار أن يقول: عذّب الكفرة؛ فإنه أعمّ. وقوله: "نخلع" أي: نترك؛ وقوله: "يفجرك" أي: يلحد في صفاتك؛ __________ 1 في نسخ: "رسولُ الله". 2 لم ترد كلمة: "عدوك" في بعض النسخ. 3 في نسخة: "عذب كفرة أهل الكتاب".

وقوله: "نَحْفِدُ" بكسر الفاء، أي: نُسارع؛ وقوله: "الجِدّ" بكسر الجيم، أي: الحقُ؛ وقوله: "مُلْحِق" بكسر الحاء على المشهور، ويقال بفتحها، ذكره ابن قتيبة وغيرها؛ وقوله: "ذات بينهم" أي: أمورهم ومواصلاتهم؛ وقوله: "والحكمة" هي: كل ما منع من القبيح؛ وقوله: "وأوزعهم" أي: ألهمهم؛ وقوله: "واجعلنا منهم" أي: ممّن هذه صفته. 356- قال أصحابنا: يستحبّ الجمع بين قنوت عُمر رضي الله عنه وما سبق [رقم: 353] ، فإن جمع بينهما فالأصحّ تأخير قنوت عمر، وإن اقتصر، فليقتصر على الأوّل، وإنما يُستحبّ الجمع بينهما إذا كان منفرداً، أو إمامَ محصورين يرضون بالتطويل؛ والله أعلمُ. 357- واعلم أن القنوت لا يتعين فيه دعاء على المذهب المختار، فأيّ دعاء دعا به حصل القنوت، ولو قَنَتَ بآيةٍ أو آياتٍ من القرآن العزيز، وهي مشتملة على الدعاء، حصل القنوت، ولكن الأفضل ما جاءت به السنّة. وقد ذهب جماعةٌ من أصحابنا إلى أنه يتعين، ولا يجزئ غيره. 358- واعلم أنه يُستحبّ إذا كان المصلِّي إماماً أن يقول: اللَّهمّ اهدِنا؛ بلفظ الجمع، وكذلك الباقي؛ ولو قال: اهدني؛ حصل القنوت، وكان مكروهاً؛ لأنه يكره للإِمام تخصيص نفسه بالدعاء. 359- وروينا في "سنن أبي داود" [رقم: 90] ، والترمذي [رقم: 357] ، عن ثوبان رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤم عَبْدٌ قَوْماً فَيَخُصَّ نَفْسَهُ بدعوةٍ دُونَهُمْ، فإنْ فَعَلَ فَقَدْ خانهم" وقال الترمذي: حديث حسن.

 93- فصل [في حكم رَفعِ اليدين في دعاء القنوت، ومسح الوجه بهما، والجهر به]

360- اختلف أصحابُنا في رَفعِ اليدين في دعاء القنوت ومسح الوجه بهما على ثلاثة أوجه، أصحّها: أنه يستحبّ رفعهما ولا يمسح الوجه1. والثاني: يرفع ويمسحه. والثالثُ، لا يمسحُ ولا يرفع. واتفقوا على أنه لا يمسح غير الوجه من الصدر ونحوه، بل قالوا: ذلك مكروه. 361- وأما الجهرُ بالقنوت والإِسرار به، فقال أصحابنا: إن كان المصلي منفرداً أسرّ به، وإن كان إماماً جهر به على المذهب الصحيح المختار الذي ذهب إليه الأكثرون. والثاني: أنه يسرّ كسائر الدعوات في الصلاة. وأما المأموم، فإن لم يجهر الإِمام قنت سرّاً كسائر الدعوات، فإنه يوافق فيها الإمام سرّاً. وإن جهر الإِمام بالقنوت، فإن كان المأموم يسمعه أمَّن على دعائه، وشاركه في الثناء في آخره، وإن كان لا يسمعه قنت سرّاً، وقيل: يؤمِّن، وقيل: له أن يشاركه مع سماعه، والمختار الأوّل. 362- وأما غير الصبح إذا قنت فيها حيثُ نقولُ به، فإن كانت جهريّة، وهي المغرب والعشاء، فهي كالصبح على ما تقدّم، وإن كانت ظهراً أو عصراً، فقيل: يُسر فيها بالقنوت، وقيل: إنها كالصبح. 363- والحديث الصحيح في قنوت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على الذين قَتلوا القرَّاء ببئر معونة يتقضى ظاهرُه الجهرَ بالقنوت في جميع الصلوات. ففي "صحيح البخاري" [رقم: 4560] في باب تفسير قول الله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران: 128] ، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- جَهَرَ بالقنوت في قنوت النازلة؛ ["المجموع شرح المهذب" 482/3] والله أعلم. __________ 1 قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "نتائج الأفكار" 168/2: المراد بالرفع هنا بسطهما، لا الرفع الذي في الافتتاح. اهـ. ثم قال: قال البيهقي في مسح الوجه [أي: بعد القنوت] لم أرَ فيه شيئاً داخل الصلاة، وأنكره في رسالته إلى أبي محمد الجويني. اهـ.

بابُ التشهّدِ في الصلاة مدخل

  بابُ التشهّدِ في الصَّلاة

364- اعلم أن الصلاة إن كانت ركعتين فحسب، كالصبح والنوافل، فليس فيها إلا تشهّدٌ واحدٌ، وإن كانت ثلاث ركعات، أو أربعاً، ففيها تشهّدان: أوّل، وثانٍ، ويتصوّر في حقّ المسبوقِ ثلاثةٌ تشهداتٍ، ويتصورُ في حقهِ في صلاةِ المغربِ أربعةُ تشهداتٍ، مثل أن يُدركَ الإِمام بعد الركوع في الثانية، فيتابعه في التشهّد الأوّل والثاني، ولم يحصل له من الصلاة إلا ركعة، فإذا سلَّم الإِمام قام المسبوق ليأتي بالركعتين الباقيتين عليه، فيُصلي ركعة؛ ويتشهد عَقِيبَها؛ لأنها ثانيته، ثم يصلِّي الثالثة، ويتشهد عقيبها. أما إذا صلَّى نافلة، فنوى أكثر من أربع ركعاتٍ، بأن نوى مائة ركعةٍ، فالاختيارُ أن يقتصر فيها على تشهّدين، فيُصلي ما نواهُ إلا ركعتين، ويتشهد، ثم يأتي بالركعتين، ويتشهد التشهد الثاني، ويسلِّم. 365- قال جماعة من أصحابنا: لا يجوز أن يزيد على تشهدين، ولا يجوز أن يكون بين التشهد الأوّل والثاني أكثر من ركعتين، ويجوز أن يكون بينهما ركعةٌ واحدةٌ، فإن زادَ على تشهدين، أو كان بينهما أكثر من ركعتين، بطلت صلاته. 366- وقال آخرون: يجوز أن يتشهد في كل ركعةٍ، والأصحّ جوازه في كل ركعتين، لا في كل ركعة؛ والله أعلمُ. 367- واعلم أن التشهد الأخير واجب عند الشافعي وأحمد وأكثر العلماء، وسنّة عند أبي حنيفة ومالك، وأما التشهد الأوّل، فسنةٌ عند الشافعي ومالك وأبي حنيفة والأكثرين، وواجب عند أحمد، فلو تركه عند الشافعي صحَّت صلاته، ولكن يسجد للسهو، سواءٌ تركهُ عمداً أو سهواً؛ والله أعلمُ.

 95- فصل [في ألفاظ التَّشَهد]

368- وأما لفظ التشهد، فثبت فيه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ثلاثة تشهدات: أحدها: رواية ابن مسعود رضي الله عنه، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، وَالصَّلَوَاتُ الطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عِبادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله" رواه البخاري [رقم: 831] ، ومسلم [رقم: 402] في "صحيحيهما". الثاني: رواية ابن عباس رضي الله عنهما، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "التَّحِيَّاتُ المُبارَكاتُ الصَّلَواتُ الطَّيِّباتُ لِلَّهِ، السَّلامُ عَلَيْكَ أيُّهَا النبي ورحمة ُ الله وبركاته، السلام علينا وعلى عِبادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّه، وأشهد أن محمدٌ رسولُ الله" رواه مسلم [رقم: 403] في "صحيحه". الثالث: رواية أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "التَّحِيَّاتُ الطَّيِّباتُ الصَّلَوَاتُ لِلَّهِ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عِبادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّه، وأنَّ محَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ" رواه مسلم [رقم: 404] في "صحيحه". 369- وروينا في "سنن البيهقي" [144/2 و145] بإسناد جيد، عن القاسم، قال: علمتني عائشةُ رضي الله عنها، قالت: هذا تشهُّدُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّباتُ، السَّلامُ عليك أيها النبي

ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عِبادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّه، وأشهد أن محمدا عَبْدُهُ وَرَسُولُه". وفي هذا فائدة حسنة، وهي أن تشهُّدَه صلى الله عليه وسلم بلفظ تشهُّدُّنا. 370- وروينا في "موطأ مالك" [90/1] ، و"سنن البيهقي" [144/2] وغيرهما بالأسانيد الصحيحة، عن عبد الرحمن بن عبد1 القاريِّ -وهو بتشديد الياء- أنه سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو على المنبر، وهو يعلِّم الناس التشهد، يقول: "قولوا: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، الزَّاكِياتُ لِلَّهِ، الطَّيِّباتُ الصَّلَوَاتُ لِلَّهِ، السَّلامُ عَلَيْكَ أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عِبادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّه، وأشهد أنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ ورَسُولُهُ". 371- وروينا في "الموطأ" [91/1] و"سنن البيهقي" [144/2] وغيرهما أيضاً، بإسناد صحيح عن عائشة رضي الله عنها، أنها كانت تقول إذا تشهَّدتْ: "التَّحِيَّاتُ الطَّيِّباتُ الصَّلَوَاتُ الزَّاكِياتُ لِلَّهِ، أشْهَدُ أنْ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّه، وأن محمدا عبده ورسوله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عِبادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ". وفي رواية عنها في هذه الكتب: "التَّحِيَّاتُ الصَّلَوَاتُ الطَيِّباتُ الزَّاكِياتُ لِلَّهِ، أشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّه وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمدا عبده ورسوله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وَعلى عِبادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ". 372- وروينا في "الموطأ" [91/1] و"سنن البيهقي" [142/2] أيضاً، بالإِسناد الصحيح، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله __________ 1 كذا أغلب النسخ، وفي بعضها: "عمر" بدلاً من: "عبد".

عنهما، أنه كان يتشهد، فيقول: "بسم اللَّهِ، التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، الصَّلَوَاتُ لِلَّهِ الزَّاكِيات لِلَّهِ، السَّلامُ على النَّبِيّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وبركاته، السلام علينا وعلى عِبادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، شَهِدْتُ أنْ لا إلهَ إِلاَّ اللَّهُ، شَهِدْتُ أنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ"؛ والله أعلم. 373- فهذه أنواعٌ من التشهد. قال البيهقي [146/2] : والثابت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثلاثة أحاديث: حديث ابن مسعود، وابن عباس، وأبي موسى، هذا كلام البيهقي. وقال غيره: الثلاثة صحيحة، وأصحّها حديث ابن مسعود. 374- واعلم أنه يجوز التشهّد بأيّ تشهّد شاء من هذه المذكورات، هكذا نصّ عليه إمامنا الشافعي ["اختلاف الحديث" على هامش "الأم" 118/1 و119] وغيره من العلماء رضي الله عنهم. وأفضلُها عند الشافعي حديث ابن عباس، للزيادة التي فيه من لفظ: "المباركات". قال الشافعي وغيره من العلماء رحمهم الله: ولكون الأمر فيها على السعة والتخيير اختلفت ألفاظ الرواة؛ والله أعلم.

 96- فصل [في ما يجزئ في التشهد]

375- الاختيار أن يأتي بتشهد من الثلاثة الأُول بكماله، فلو حذفَ بعضَه فهل يجزئه؟ فيه تفصيل: فاعلم أن لفظ "المباركات والصلوات والطيبات والزاكيات" سنّة ليس بشرط في التشهّد، فلو حذفها كلَّها، واقتصر على قوله: "التحيات للَّه، السلام عليك أيُّها النبيّ...." إلى آخره أجزأه. وهذا لا خلاف فيه عندنا. وأما باقي الألفاظ1 من قوله: "السلام عليك أيُّها النبي ورحمة الله __________ 1 في بعضه النسخ: "وأما في الألفاظ".

وبركاته"1، إلى آخره، فواجب، لا يجوز حذف شيء منه، إلا لفظ: "ورحمة الله وبركاته"، ففيهما ثلاثة أوجه لأصحابنا، أصحها: لا يجوز حذف واحدةٍ منهما، وهذا هو الذي يقتضيه الدليل لاتفاق الأحاديث عليهما. والثاني: يجوز حذفهما. والثالث: يجوز حذف: "وبركاته" دون: "ورحمة الله". وقال أبو العباس ابن سُريْج من أصحابنا: يجوز أن يقتصر على قوله: "التحيات للَّه، سلامٌ عليك أيّها النبيّ، سلامٌ على عِبادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّه، وأنَّ محمداً رسول الله". وأما لفظ السلام، فأكثر الروايات: "السلام عليك أيُّها النبيّ" وكذا: "السلام علينا" بالألف واللام فيهما. وفي بعض الروايات: "سلامٌ" بحذفهما فيهما. قال بعض2 أصحابنا: كلاهما جائز، ولكن الأفضل: "السلام" بالألف واللام لكونه الأكثر، ولما فيه من الزيادة والاحتياط. وأما التسمية قبل التحيات فقد روينا حديث مرفوعاً في "سنن النسائي" [رقم: 1175 و1281] والبيهقي [141/2 و142] وغيرهما بإثباتها، وقد تقدم إثباتها في تشهّد ابن عمر [رقم: 372] ، لكن قال البخاري والنسائي وغيرهما من أئمة الحديث: إن زيادة التسمية غير صحيحة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم. فلهذا قال جمهور أصحابنا: لا تستحب التسمية، وقال بعض أصحابنا: تستحب، والمختار أنه لا يأتي بها. لأن جمهور الصحابة الذين رووا التشهّد لم يرووها. __________ 1 سقطت: "ورحمة الله وبركاته" من بعض النسخ. 2 سقطت كلمة: "بعض" من بعض النسخ.

 97- فصل [في حكم ترتيب ألفاظ التشهّد]

376- اعلم أن الترتيب في التشهد مستحبٌّ ليس بواجب، فلو قدم بعضه على بعض جاز على المذهب الصحيح المختار الذي قاله الجمهور، ونصَّ عليه الشافعي رحمه الله في "الأم" [118/1] ؛ وقيل: لا يجوز كألفاظ الفاتحة، ويدلّ للجواز تقديم السلام على لفظ الشهادة في بعض الروايات، وتأخيره في بعضها؛ كما قدّمناه. وأما الفاتحة، فألفاظها وترتيبها معجزٌ، فلا يجوز تغييره؛ ولا يجوز التشهّد بالعجمية لمن قدر على العربية، ومن لم يقدر يتشهد بلسانه، ويتعلم كما ذكرنا في تكبيرة الإحرام.

 98- فصل [في الإسرار في التشهد]

377- السنّة في التشهد الإسرارُ، لإِجماع المسلمين على ذلك، ويدلُّ عليه من الحديث ما رويناه في "سنن أبي داود" [رقم: 986] ، والترمذي [رقم: 291] ، والبيهقي [146/2] ؛ عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، قال: من السنة أن تخفي التشهد. قال الترمذي: حديث حسن، وقال الحاكم [230/1] : صحيح. وإذا قال الصحابي: من السنّة كذا، كان بمعنى قوله: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذا هو المذهب الصحيحُ المختارُ الذي عليه جمهورُ العلماء من الفقهاء والمحدّثين وأصحاب الأصول والمتكلمين رحمهم الله؛ فلو جهر به كره، ولم تبطل صلاته، ولا يسجد للسهو.

 بابُ الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد التشهّد:

378- اعلم أن الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- واجبةٌ عند الشافعي رحمه الله بعد التشهّد الأخير، فلو تركها فيه لم تصحّ صلاته، ولا تجب الصلاة على آل النبيّ -صلى الله عليه وسلم- فيه على المذهب الصحيح المشهور، لكن تستحبُّ. وقال بعض أصحابنا: تجب. والأفضل أن يقول: اللَّهُمَّ صلِّ على مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ

وَرَسُولِكَ النَّبِيّ الأُمِّي، وَعَلى آلِ مُحَمَّدٍ وَأزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِه، كما صَلَّيْتَ على إِبْرَاهِيمَ، وَعلى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبارِكْ على مُحَمَّدٍ النبي الأمي وعلى آلِ مُحَمَّدٍ وَأزْوَاجِهِ وَذُرّيَّتِهِ كما بارَكْتَ على إ براهيم وَعَلى آلِ إِبْرَاهِيمَ فِي العَالَمِينَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ. وروينا هذه الكيفية في "صحيح البخاري" [رقم: 6357] ، ومسلم1 [رقم: 406] ، عن كعب بن عُجْرَة، عن رسول الله -صلى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسلم- إلا بعضها، فهو صحيح من رواية غير كعب. وسيأتي تفصيله في كتاب الصلاة على محمد -صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم- إن شاء الله تعالى [رقم: 150] ؛ والله أعلم. 379- والواجب منه: "اللَّهمّ صَلِّ على النبي"، وإن شاء قال: "صلى الله على محمد"، وإن شاء قال: "صلى الله على رسوله" أو: "صلى الله على النبي". ولنا وجه أنه لا يجوز إلا قوله: "اللَّهم صلِّ على محمد". ولنا وجه أنه يجوز أن يقول: "وصلى الله على أحمد". ووجه أنه يقول: "صلَّى الله عليه"؛ والله أعلم. 380- وأما الشتهد الأوَّل، فلا تجب فيه الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- بلا خلاف، وهل تستحبّ؟ فيه قولان، أصحُّهما تستحبُّ. 381- ولا تستحبُّ الصلاة على الآل على الصحيح، وقيل: تستحبُّ؛ ولا يُستحبّ الدعاء في التشهّد الأول عندنا، بل قال أصحابنا: يُكره؛ لأنه مبني على التخفيف، بخلاف التشهد الأخير؛ والله أعلمُ. __________ 1 في نسخة: "في صحيحي البخاري ومسلم".

بابُ الدُّعَاء بعدَ التشهّدِ الأخير:

  382- اعلم أنَّ الدعاء بعد التشهّد الأخير مشروعٌ بلا خلاف

روينا في "صحيحي البخاري" [رقم: 835] ، ومسلم [رقم: 402] ، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنهُ، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- علّمهم1 التشهّد، ثم قال في آخره: "ثُمَّ يتخير منَ الدُّعَاءِ". وفي رواية البخاري: " [ثُمَّ ليخير من الدعاء] أعْجَبَهُ إلَيْهِ فَيَدعو". وفي روايات لمسلم: "ثم ليتخير [بعد] مِنَ المَسْأَلَةِ ما شاء [أو أَحَبَّ] ". 384- واعلم أن هذا الدعاء مستحبٌّ ليس بواجب، ويستحبُّ تطويلُه، إلا أن يكون إماماً، وله أن يدعوَ بما شاء من أمور الآخرة والدنيا، وله أن يدعوَ بالدعوات المأثورة، وله أن يدعو بدعوات يخترعها، والمأثورة أفضل. ثم المأثورة منها ما وردَ في هذا الموطن، ومنها ما وردَ في غيره، وأفضلُها هنا ما ورد هنا. 385- وثبت في هذا الموضع أدعية كثيرة، منها ما رويناه في صحيح البخاري [رقم: 1377] ومسلم2 [رقم: 588] ، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "إذَا فَرَغَ أحَدُكُمْ مِنَ التشهد الأخير ليعوذ بِاللَّهِ مِنْ أرْبَعٍ: مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، ومن عذاب القبر، ومن فِتْنَةِ المَحيَا وَالمَماتِ، ومن شر المسيح الدجال"، ورواه مسلم من طرق كثيرة، وفي رواية منها: "إِذَا تَشَهَّدَ أحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ، يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِني أعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ المَحيَا وَالمَماتِ، ومن شَرِّ فِتْنَة المَسِيحِ الدجال". __________ 1 في نسخة: "علمه". 2 قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "نتائج الأفكار" 216/2: تنبيه: وقع في بعض نسخ "الأذكار": روينا في صحيحي البخاري ومسلم، وفي بعضها: في صحيح مسلم؛ والسبب في ذلك أن اللفظ الذي ذكره لمسلم وحده كاللفظ الثاني؛ وأما البخاري، فأخرج أصل الحديث، لكن ليس فيه التقييد بالتشهد ولا صيغة الأمر، فحيث جمع بينهما أرادا أصل الحديث، وحيث أفراد أراد اللفظ المخصوص. وقد ذكره في "شرح المهذب" [452/3] فقال: رواه البخاري ومسلم، واللفظ له. اهـ.

386- وروينا في صحيحي البخاري [رقم: 832] ومسلم [رقم: 589] ، عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يدعو في الصلاة: "اللَّهُمَّ إني أعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَأعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ المَسيحِ الدَّجَّال، وأعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ المَحْيا والمَماتِ، اللَّهُمَّ إني أعُوذُ بِكَ من المأثمِ والمَغْرَمِ". 387- وروينا في "صحيح مسلم" [رقم: 771] ، عن علي رضي الله عنه، قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا قام إلى الصلاة يكون من آخر ما يقول بين التشهّد والتسليم: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي ما قَدَّمْتُ، وَمَا أخَّرْتُ، وَمَا أسْرَرْتُ، وَما أعْلَنْتُ، وَمَا أسرفتُ، وَمَا أنْتَ أعلمُ بِهِ مِنِّي؛ أنْتَ المقدمُ، وأنْتَ المُؤَخِّرُ، لا إِلهَ إِلاَّ أنْتَ". 388- وروينا في صحيحي البخاري [رقم: 834] ومسلم [رقم: 2705] ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، عن أبي بكر الصديق رضي الله عنهم؛ أنه قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم: علّمني دُعاءً أدعوا به في صَلاتي، قال: "قُل: اللَّهُمَّ إنِّي ظلمتُ نَفْسِي ظُلْماً كَثِيراً وَلا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أنْتَ، فاغْفِرْ لي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْني، إنَّكَ أنْتَ الغفور الرحيم". [سيرد برقم: 1982] . هكذا ضبطناه: "ظُلْمًا كَثِيرًا" بالثاء المثلثة في معظم الروايات، وفي بعض روايات مسلم: "كَبِيراً" بالباء الموحدة، وكلاهما حسن، فينبغي أن يُجمع بينهما، فيُقال: "ظُلْماً كَثِيراً كَبِيراً". 389- وقد احتجّ البخاري في "صحيحه" [رقم: 834] ، والبيهقيّ [154/2] ، وغيرهما من الأئمة؛ بهذا الحديث للدعاء في آخر الصلاة، وهو استدلال صحيح، فإن قوله: "في صلاتي" يعمّ جميعها، ومن مظانّ الدعاء في الصلاة هذا الموطن.

390- وروينا بإسناء صحيح في "سنن أبي داود" [رقم: 792 و793] ، عن أبي صالح ذكوان، عن بعض أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: قال النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لرجُل: "كَيْفَ تقولُ فِي الصَّلاةِ"؟ قال: أتشهدُ وأقولُ: اللَّهُمَّ إني أسألُكَ الجَنَّةَ، وأعوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ؛ أما إني لا أحسنُ دَنْدَنَتَكَ وَلا دَنْدَنَةَ معاذ؛ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: "حَوْلَهَا نُدَنْدِن". "الدندنة": كلامٌ لا يُفهم معناهُ؛ ومعنى: "حولها ندنان" أي: حول الجنة والنار، أو حول مسألتهما: إحداهما: سؤال طلب، والثانية: سؤال استعاذة؛ والله أعلم. 391- ومما يُسْتَحَبُّ الدعاء به في كل موطن: "اللَّهمّ إني أسألك العفو والعافية" [الترمذي، رقم: 3512؛ وسيرد برقم 2006] ، "اللَّهُمَّ إني أسألُكَ الهُدَى، والتُّقَى، وَالعَفَافَ، والغنى". [مسلم، رقم: 2721؛ الترمذي، رقم 3489؛ وسيرد برقم: 1977] والله أعلم.

 بابُ السَّلام لِلتحلُّل من الصَّلاة:

392- اعلم أن السلام للتحلّل من الصلاة ركنٌ من أركانها، وفرضٌ من فروضها، لا تصحُّ إلا به؛ هذا مذهب الشافعي ومالك وأحمد وجماهيرِ السلف والخلف، والأحاديثُ الصحيحةُ المشهورة مُصرّحة بذلك. 393- واعلم أن الأكمل في السلام أن يقول عن يمينه: "السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ"، وَعَنْ يَسارِهِ: "السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ"، ولا يُستحبّ أن يقول معه: "وبركاته" لأنه خلاف المشهور عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وإن كان قد جاء في رواية لأبي داود [رقم: 997] ، وقد قال به جماعة1 من __________ 1 في نسخة: "وقد ذكره جماعة".

أصحابنا، منهم: إمام الحرمين، وزاهر السرخسي، والرويّاني في "الحلية" ولكنه شاذ، والمشهور ما قدّمناه1؛ والله أعلمُ. 394- وسواءٌ كان المُصلي إماماً أو مأموماً أو منفرداً، في جماعة قليلة أو كثيرة، في فريضة أو نافلة، ففي كل ذلك يُسلِّم تسليمتين كما ذكرنا، ويلتفتُ بهما إلى الجانبين، والواجب تسليمة واحدةٌ، وأما الثانية فسنّة، لو تركها لم يضرّه. 395- ثم الواجب من لفظ السلام أن يقول: "السلام عليكم"، ولو قال: "سلام عليكم" لم يجزئه على الأصح؛ ولو قال: "عليكم السَّلام" أجزأه على الأصح؛ فلو قال: "السلام عليكَ"، أو "سلامي عليك" أو __________ 1 قال الحافظ ابن حجر: قد وردت عدة طرق ثبت فيها "وبركاته" بخلاف ما يوهمه كلام الشيخ؛ أنها رواية فردة. ["نتائج الأفكار" 238/2] . قال الأذرعي في "المتوسط": المختار استحبابها في التسليمتين، فقد قال في "شرح المهذب" إن حديث أبي داود [رقم: 997] إسناده صحيح. وثبت ذلك أيضًا من حديث ابن مسعود، رواه ابن ماجه في "سنته" [رقم: 914] ، وابن حبّان في "صحيحه" [رقم: 1990 و1991 و1993] . قال: والعجب من الشيخ -مع شدة ورعه- كيف يصوب تركه مع ثبوت السنة، وحكمه بصحة إسناد الحديث الأول، وزيادة الثقة مقبولة عند الفقهاء. وقد استحسنها أيضًا الدارمي في "الاستذكار" وغيره من المتقدمين، من أصحابنا، ويؤيده إثباتها في التشهد وفاقًا. واختار الشيخ تقي الدين السبكي أيضًا استحبابها في التسليمتين، وله في ذلك تأليف. وقال الكمال الدميري في "شرح المنهاج": حديث إثباتها صحيح، فلا يحسن تركها. وقال الغزي في "شرح المنهاج": ثبت في رواية أبي داود زيادة: "وبركاته: في التسليمة الأولى، فيتعين العمل بها. وقال الشيخ ولي الدين العراقي في "شرح سنن أبي داود": وقد ذلك النووي في "الخلاصة" أن حديث أبي داود إسناده صحيح، والموجود في أصولنا من سنن أبي داود ذكرها في التسليمة الأولى دون الثانية. وعن أم جماعة [كذا] إليه بذكرها في التسليمتين. ووردت أيضًا من حديث زيد بن أرقم عند الطبراني ["مجمع الزوائد" 146/2] في "الكبير".

"سلامي عليكم"، أو "سلام الله عليكم"، أو "سلامُ عليكم" بغير تنوين، أو قال: "السلام عليهم"؛ لم يجزئه شيء من هذا بلا خلاف، وتبطل صلاته إن قاله عامداً عالماً في كل ذلك، إلا في قوله: "السلام عليهم"، فإنه لا تبطل صلاته به، لأنه دعاءٌ، وإن كان ساهياً لم تبطل، ولا يحصلُ التحلّل من الصلاة، بل يحتاج إلى استئناف سلامٍ صحيح؛ ولو اقتصر الإِمام على تسليمة واحدةٍ أتى المأموم بالتسليمتين. 396- قال القاضي أبو الطيب الطبري من أصحابنا وغيره: إذا سلَّم الإمامُ فالمأمومُ بالخيار، إن شاء سلَّم في الحال، وإن شاء استدام الجلوس للدعاء، وأطال ما شاء؛ والله أعلم.

 بابُ ما يقولُه الرجلُ إذا كلمهُ إنسانٌ وهو في الصلاة:

397- وروينا في "صحيحي" البخاري [رقم: 1218] ومسلم [رقم: 421] ، عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ نابهُ شيءٌ فِي صلاتهِ فَلْيَقُلْ: سُبْحانَ اللَّهِ". 398- وفي روايةٍ في "الصحيح" [البخاري، رقم: 7190] : "إِذَا نَابَكُمْ أمْرٌ فليُسبح الرِّجالُ، ولْتُصَفِّقِ النِّساءُ". 399- وفي رواية1 [البخاري، رقم: 1204؛ مسلم، رقم: 422] : "التَّسْبِيحُ للرّجالِ وَالتَّصْفِيقُ للنساء"؛ والله أعلم. __________ 1 في بعض النسخ: "وفي رواية فيه".

 بابُ الأذكارِ بعدَ الصَّلاة:

400- أجمع العلماءُ على استحباب الذكر بعد الصلاة، وجاءت فيه أحاديث كثيرة صحيحة في أنواع منه متعدّدة، فنذكرُ أطرافاً، من أهمها: 401- روينا في "كتاب الترمذي" [رقم: 3499] ، عن أبي أمامة رضي الله عنه، قال: قيل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم: أيّ الدعاء أسمعُ؟ قال: "جوفُ اللَّيْلِ الآخِر، ودبرُ الصلواتِ المَكْتوبات" قال الترمذي: حديث حسن. 402- وروينا في "صحيح البخاري" [رقم: 842] ومسلم [رقم: 583] ، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كنتُ أعرفُ انقضاء صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالتكبير. وفي رواية مسلم: "كنّا". 403- وفي رواية في "صحيحيهما" [البخاري، رقم: 841؛ مسلم، رقم: 122/853] ، عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رفعَ الصوت بالذكر حين ينصرفُ النَّاسُ من المكتوبة كانَ على عهدِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم. وقال ابن عباس: كنتُ أعلمُ إذا انصرفوا بذلك إذا سمعتُه. 404- وروينا في "صحيح مُسلم" [رقم: 591] ، عن ثوبان رضي الله عنهُ، قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثاً، وقال: "اللَّهُمَّ أنْتَ السلامُ، وَمِنْكَ السَّلامُ، تَبارَكْتَ يا ذَا الجَلالِ وَالإِكْرامِ". قيل للأوزاعي، وهو أحد رواة هذا الحديث: كيف الاستغفار؟ قال: تقولُ: اسْتَغْفِرُ اللَّهَ، أسْتَغْفِرُ اللَّهَ. 405- وروينا في "صحيحي" البخاري [رقم: 844] ومسلم [رقم: 593] ، عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا فرغ من الصلاة وَسَلَّم قال: "لا إلهَ إِلاَّ الله وحدهُ لا شَريكَ لهُ، لهُ الملكُ، ولهُ الحمدُ، وَهُوَ على كُلّ شيءٍ قديرٌ؛ اللَّهُمَّ لا مانعَ لِمَا أعطيتَ، ولا معطي لِمَا مَنَعْتَ، وَلا يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ". 406- وروينا في "صحيح مسلم" [رقم: 594] ، عن عبد الله بن الزبير

رضي الله عنهما، أنه كان يقول في دُبُرِ كُلّ صلاة1 حين يلم: "لا إله إلا الله وحده لا شَريكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ، وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ على كُلّ شَيْءٍ قديرٌ، لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ باللَّهِ، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إيَّاهُ، لَهُ النعمةُ، ولَهُ الفضلُ، ولهُ الثناءُ الحسنُ، لا إلهَ إِلاَّ الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون". قال ابن الزبير: وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يهلّل بهنّ دُبُرِ كُلّ صَلاةٍ. 407- وروينا في "صحيحي" البخاري [رقم: 843] ومسلم [رقم: 595] ، عن أبي هريرة رضي الله عنهُ، أن فقراء المهاجرين أتوْا رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: ذهبَ أهل الدُّثُور بالدرجات العلا، والنعيم المقيم، يُصَلُّون كما نُصلِّي، ويصومون كما نصوم، ولهم فضل من أموال يحجّون بها، ويعتمرون، ويجاهدون، ويتصدّقون، فقال: "ألا أُعَلِّمُكُمْ شَيْئاً تُدْرِكُونَ بِهِ مَنْ سَبَقَكُمْ وَتَسْبِقُونَ بِهِ مَنْ بَعْدَكُِمْ، وَلاَ يَكُونُ أحَدٌ أفْضَلَ مِنْكُمْ إِلاَّ مَنْ صَنَع مِثْلَ ما صَنَعْتُمْ"؟ قالوا: بلى! يا رسول الله، قال: "تُسَبِّحُونَ وَتَحْمَدُونَ وَتُكَبِّرُونَ خَلْفَ كُلّ صلاةٍ ثَلاثاً وَثَلاثينَ". قال أبو صالح الراوي عن أبي هريرة، لما سئل عن كيفية ذكره2؟ قال: يقول: سبحان اللَّه، والحمدُ للَّه، واللَّه أكبر؛ حتى يكون منهنّ كلُّهن ثلاث وثلاثون. و"الدثور" جمع دَثْر، بفتح الدال وإسكان الثاء المثلثة، وهو: المال الكثير. 408- وروينا في "صحيح مُسلم" [رقم: 596] ، عن كعب بن عُجْرَة رضي الله عنه، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "مُعقبات لاَ يَخِيبُ قائلهن -أو __________ 1 في نسخة: "كان يقول دُبُرَ كُلّ صَلاةٍ". 1 في نسخة: "كيفية ذكرها".

فاعِلُهُن- دُبُرَ كُلّ صَلاةٍ مَكْتُوبَةٍ: ثَلاثاً وَثَلاثِينَ تَسْبِيحَةً، وَثَلاثاً وَثَلاثِينَ تَحْمِيدَةً، وأرْبعاً وَثَلاثِينَ تَكْبِيرةً". 409- وروينا في "صحيح مسلم" [رقم: 595] ، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ سَبَّحَ اللَّهَ في دُبُرِ كُلّ صَلاةٍ ثَلاثاً وَثَلاثِينَ، وَحَمِدَ اللَّهَ ثَلاثاً وَثَلاثينَ، وكَبَّرَ اللَّهَ ثَلاثاً وَثَلاثِينَ، وَقالَ تَمامَ المائة: لا إله إلا الله وحدهُ لا شَريكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ، وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ على كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، غُفِرَتْ خطاياه وإن كانت مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ". 410- وروينا في "صحيح البخاري" [رقم: 6374] ، في أوائل كتاب الجهاد، عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يتعوّذ دُبُرَ الصلاة بهؤلاء الكلماتِ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الجُبْنِ، وَأعُوذُ بِكَ أنْ أُرَدَّ إلى أَرْذَلِ العمُرِ، وأعُوذُ بِكَ مِنْ فتْنَةِ الدُّنْيا، وأعُوذُ بِكَ منْ عَذَابِ القَبْرِ". 411- وروينا في "سنن أبي داود" [رقم: 5065] والترمذي [رقم: 3407] والنسائي [رقم: 1348] ، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "خصلتان -أوْ خَلَّتانِ- لا يُحافِظُ عَلَيْهِمَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ إلاَّ دَخَلَ الجَنَّةَ، هُمَا يَسِيرٌ، وَمَنْ يَعْمَلُ بِهِمَا قَلِيلٌ: يُسَبِّحُ اللَّهُ تَعالى دُبُرَ كُلّ صلاةٍ عَشْراً، ويحمدُ عَشْراً، ويكبرُ عَشْراً، فذلك خمسون ومائة باللسان، وألف وخمس مائة في الميزان. وَيُكَبِّرُ أرْبَعاً وَثَلاثِينَ إذَا أخَذَ مَضْجَعَةُ، وَيحْمَدُ ثَلاثاً وَثَلاثينَ، وَيُسَبِّحُ ثَلاثاً وَثَلاثينَ، فذلك مائة باللِّسانِ، وألفٌ بالميزَانِ"، قال: فلقد رأيتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يعقدها بيده، قالوا: يا رسول الله! كيف هما يسير، ومن يعمل بهما قليل؟ قال: "يأتِي أحدكم -يعيني الشيطان- في مَنامِهِ فَيُنَوِّمُهُ قَبْلَ أنْ يقول، ويأتِيهِ في صَلاتِهِ فيذكره حاجته 1 قبل أن __________ 1 في نسخة "حاجة".

يَقُولَهَا" إسناده صحيح، إلا أن فيه عطاء بن السائب، وفيه اختلاف بسب اختلاطه1؛ وقد أشار أيوبُ السختياني إلى صحة حديثه هذا. 412- وروينا في "سنن أبي داود" [رقم: 1523] والترمذي [رقم: 2903] والنسائي [رقم: 1336] وغيرهم، عن عقبة بن عامر رضي الله عنه، قال: أمرني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن أقرأ بالمعوذتين في دُبُر كُل صلاةٍ2. ["التبيان في آداب حملة القرآن"، رقم: 461] . وفي رواية أبي داود [والنسائي] : المعوذات، فينبغي أن يقرأ [سورة] {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} و [سورة] {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} ، و [سورة] {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} 3. __________ 1 قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "نتائج الأفكار" 282/2: وقل الشيخ: إن عطاء بن سائب مختلف فيه من أجل اختلاطه، لا أثر لذلك؛ لأن شعبة والثوري وحمادَ بن زيد سمعُوا منه قبل اختلاطه، وقد اتفقوا على أن الثقة إذا تميز ما حدث به قبل اختلاطه مما بعده قبل، وهذا من ذلك. وأيد ذلك ما ذكره الشيخ عن أيوب. اهـ. 2 في نسخة: "أن أقرأ بالمعوّذتين دُبُرِ كُلّ صَلاةٍ". 3 روي الطبراني رحمه الله في كتابه "الدعاء"، رقم: 674 عن علي كرم الله وجهه ورضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قَرأ آية الكرسي في دُبر الصلاة المكتوبة كان في ذمة الله حتى الصلاة الأخرى". قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "نتائج الأفكار" 296/2 بعد أن أورد الحديث السابق: تنبيه: ذكر الشيخ في شرح "المهذب" [468/3] : إن الطبراني روي في معجمه أحاديث في فضل آية الكرسي عقب الصلاة، ولكنها ضعيفة. كذا أطلق، وحديث الذي قدمته صحيح أو حسن. اهـ. وحديث أبي أمامة هو ما رواه الطبراني في "الكبير" رقم: 7532، عن أبي مامة الباهلي رضي الله عنه، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "من قرأ آية الكرسي"، وزاد محمد بن إبراهيم في روايته: و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} " ثم اتفقوا: "دبر كل صلاةٍ مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت". ورواه الطبراني في "الدعاء" رقم: 675؛ قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: هذا حديث حسن غريب، أخرجه النسائي في "الكبرى" عن الحسين بن بشر. اهـ. رواه النسائي في "عمل اليوم والليلة" رقم: 100، وابن السني في "عمل اليوم والليلة" رقم: 124 راجع "نتائج الأفكار" 294/2 و296.

413- وروينا بإسناء صحيح في "سنن أبي داود" [رقم: 1522] والنسائي [رقم: 1303] ، عن معاذ رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخذ بيده وقال: "يا مُعَاذُ! وَاللَّهِ إني لأُحِبُّكَ" ثم قال1: "أُوصِيكَ يا مُعاذُ، لا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلّ صَلاةٍ تقولُ: اللَّهُمَّ أعِنِّي على ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وحسن عبادتك" 2. [سيرد برقم: 1559] . 414- وروينا في كتاب ابن السني [رقم: 110] ، عن أنس رضي الله عنه، قال: كان رسول الله -صلى الله وسلم- إذا قَضى صلاتَه مسحَ جبهتَه بيده اليمنى، ثم قال: "أشهدُ أنْ لا إلهَ إِلاَّ اللَّهُ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ، اللَّهُمَّ أذْهِبْ عَنِّي الهَمَّ والحزنَ". 415- وروينا فيه [رقم: 114] ، عن أبي أمامة رضي الله عنهُ، قال: ما دنوتُ من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في دُبُر صلاة مكتوبة، ولا تطوُّع إلا سمعتُه يقولُ: "اللَّهمّ اغْفِرْ لي ذُنُوبي وَخَطايايَ كُلَّها، اللَّهُمَّ انْعِشْنِي 3، واجْبُرْنِي، وَاهْدِنِي لِصَالِح الأعْمالِ وَالأخْلاقِ، إنَّهُ لاَ يَهْدِي لِصَالِحها، وَلاَ يَصْرِفُ سَيِّئَها إِلاَّ أنت". 416- وروينا فيه [رقم: 117] ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كن إذا فرغ من صلاته، لا أدري قبل أن يسلِّم أو بعد أن يسلِّم، يقول: "سُبْحانَ ربِّكَ رَبِّ العزةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلامٌ على المُرْسَلِينَ، والحمدُ لله رب العالمين". __________ 1 في بعض النسخ: "فقال" بدلاً من: "ثم قال". 2 هَذَا الحديث من الأحاديث المسلسلة بالمحبة. 3 في نسخ عديدة: "ابعثني"؛ وراجعت الكثير من الأصول، ووجدت المناوي في "فيض القدير شرح الجامع الصغير: قد شرحه بقوله: اللهم انعشني، أي: ارفعني وقوّ جأشي، وفي "الصحاح": نعشه الله: رفعه، وبابه قطع، ولا يقال: أنعشه. قال الزمخشري: من المجاز: نعشه فانتعش: إذا تداركه من ورطه ... إلخ.

417- وروينا فيه [رقم: 119] ، عن أنس رضي الله عنه، قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول إذا انصرف من الصلاة: "اللَّهُمَّ اجْعَلْ خَيْرَ عُمُرِي آخِرَهُ، وَخَيْرَ عَمَلِي خَواتِمَهُ، وَاجْعَلْ خَيْرَ أَيَّامي يَوْمَ ألْقاكَ". 418- وروينا فيه [رقم: 109] ، عن أبي بكرة رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقول في دُبر الصلاة: "اللَّهُمَّ إني أعُوذُ بِكَ مِنَ الكُفْرِ وَالفَقْرِ وَعَذَابِ القَبْرِ". 419- وروينا فيه [رقم: 111] بإسناء ضعيف، عن فَضَالة بن عُبيد رضي الله عنه، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "إذَا صَلَّى أحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأ بِتَحْمِيدِ اللَّهِ تَعالى، وَالثَّناء عَلَيْهِ، ثُمَّ يُصَلِّي على النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم يدعو بما شاء" 1؛ والله أعلمُ. __________ 1 قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "نتائج الأفكار" 213/2: وقد ذكره المصنف في شرح "المهذب" [446/3] ، وقال: رواه أبو داود [رقم: 1481] ، والترمذي [رقم: 4377] ،والنسائي [1284] ، وابن حبّان [رقم: 1960] ، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، وقال الحاكم [230/1] : صحيح على شرط مسلم. انتهى. فكأنه لم يستحضر ذلك هنا. اهـ.

 بابُ الحثِّ على ذكرِ اللَّه تعالى بعدَ صَلاةِ الصُّبح:

420- اعلم أن أشرفَ أوقات الذكر في النهار الذكرُ بعد صلاة الصبح. 421- روينا عن أنس رضي الله عنه في كتاب الترمذي [رقم: 586] وغيره، قال: قال رسولُ اللَّه -صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى الفَجْرِ في جماعةٍ، ثُمَّ قَعَدَ يذكرُ اللَّهَ تَعالى حتَّى تَطْلُعَ الشَمْسُ، ثُمَّ صَلَّى ركعتين، كانت له كأجْرِ حَجَّةٍ وعمرةٍ تامةٍ تامةٍ تامةٍ". قال الترمذي: حديث حسن. 422- وروينا في كتاب الترمذي [رقم: 3470] وغيره، عن أبي ذرّ رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ قالَ فِي دُبُر صَلاةِ الصُّبْحِ وَهُوَ ثانٍ رِجْلَيهِ قَبْلَ أنْ يَتَكَلَّمَ: لا إِلهَ إِلاَّ الله وحده لا شَريكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ، وَلَهُ

الحمدُ، يُحيي ويميتُ، وَهُوَ على كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، عَشْرَ مرَّاتٍ، كُتِبَ لَهُ عَشْرُ حَسَناتٍ، ومُحِيَ عَنْهُ عَشْرُ سَيِّئاتٍ، وَرُفِعَ لَهُ عَشْرُ دَرَجاتٍ، وكانَ يَوْمَهُ ذلكَ فِي حِرْزٍ مِنْ كُلّ مَكْرُوهٍ وَحُرِسَ مِنَ الشَّيْطانِ، ولَمْ يَنْبَغِ لِذَنْبٍ أنْ يُدْرِكَهُ في ذلكَ اليَوْمِ إِلاَّ الشِّرْكَ باللَّهِ تَعالى"، قال الترمذي: هذا حديث حسن، وفي بعض النسخ: صحيح1. 423- وروينا في "سنن أبي داود" [رقم: 5079] ، عن مسلم بن الحارث التميمي الصحابي رضي الله عنه، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه أسرّ إليه، فقال: "إذَا انْصَرَفْتَ مِنْ صَلاةِ المغرب فقال: اللَّهُمَّ أجِرْنِي مِنَ النَّارِ سَبْعَ مَرَّاتٍ، فإنَّكَ إذَا قُلْتَ ذلكَ ثُمَّ مُتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ كُتِبَ لَكَ جِوَارٌ مِنْها، وإذَا صَلَّيْتَ الصُّبْحَ فَقُلْ كذَلِكَ، فإنَّكَ إنْ مُتَّ مِنْ يومك كتب له جوارٌ مِنْها". 424- وروينا في "مسند الإِمام أحمد" [294/6] و"سنن ابن ماجه" [رقم: 925] وكتاب ابن السني [رقم: 108] ، عن أُمّ سلمة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا صلى الصبح قال: "اللَّهُمَّ إني أسألُكَ عِلْماً نافِعاً، وعَمَلاً مُتَقَبَّلاً، وَرِزْقاً طَيِّباً". 425- وروينا فيه [ابن السني، رقم: 115] ، عن صُهيب رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يحرّك شفتيه بعد صلاة الفجر بشيء، فقلتُ: يا رسولَ الله! ما هذا الذي تقول؟ قال: "اللَّهُمَّ بِكَ أحاولُ، وَبِكَ أُصَاوِلُ، وَبِكَ أُقاتل". 426- والأحاديثُ بمعنى ما ذكرته كثيرةٌ، وسيأتي في الباب الآتي من بيان الأذكار التي تقال في أوّل النهار ما تقرّ به العيون إن شاء الله تعالى. 427- وروينا عن أبي محمد البغوي في "شرح السنّة" [222/3] قال: قال علقمة بن قيس: بلغنا أن الأرض تعجّ إلى الله تعالى من نومة العالِم بعد صلاة الصبح؛ والله أعلم. __________ 1 قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "نتائج الأفكار" 322/2: وهي رواية أبي يعلى السنجي عن المحبوبي، وهي غلط؛ لأن سنده مضطرب، وشهر بن حوشب [أحد رواته] مختلف في توثيقه. اهـ.

 كتاب أذكار اليوم والليلة

 بابُ ما يُقالُ عند الصَّباحِ وعندَ المساءِ:

428- اعلم أن هذا البابَ واسعٌ جداً ليس في الكتاب بابٌ أوسعَ منه، وأنا أذكرُ إن شاء الله تعالى فيه جملاً من مختصراته، فمن وُفِّق للعمل بكلّها فهي نعمة وفضل من الله تعالى عليه، وطوبى له؛ ومن عجز عن جميعها فليقتصرْ من مختصراتها على ما شاء، ولو كان ذكراً واحداً. 429- والأصلُ في هذا الباب من القرآن العزيز قولُ الله سبحانه وتعالى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} [سورة طه: 131] وقال تعالى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ} [غافر: 55] وقال تعالى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} [الأعراف: 205] قال أهل اللغة: "الآصال" جمع أصيل، وهو: ما بين العصر والمغرب. وقال تعالى: {وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الأنعام: 52] . قال أهل اللغة: "العشيّ": ما بين زوال الشمس وغروبها. وقال تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ، رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} [النور: 36، 37] . وقال تعالى: {إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ} [سورة ص: 18] . 430- وروينا في "صحيح البخاري" [رقم: 6323] ، عن شداد بن

أوس رضي الله عنه، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "سَيِّدُ الاسْتِغْفَارِ: اللَّهُمَّ أنْتَ رَبّي، لا إِلهَ إِلاَّ أنْتَ، خَلَقْتَنِي وأنا عَبْدُكَ، وأنا على عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ ما اسْتَطَعْتُ، أبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وأبوء [لك] بِذَنْبي، فاغْفِرْ لي، فإنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أنْتَ، أعوذُ بِكَ مِنْ شَرّ مَا صنعتُ؛ إذا قال ذلك حين يُمسي فمات داخل الجنة -أو كانَ من أهل الجنة- وإذا قال حين يُصبح فمات من يؤمه ... مثلهُ" معنى "أبوء": أقر وأعترف [وسيأتي برقم: 2044] . 431- وروينا في "صحيح مسلم" [رقم: 2691] ، عن أبي هريرة رضي الله عنهُ، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قالَ حِينَ يُصْبحُ، وَحِينَ يُمْسِي: سُبْحانَ الله وبحمده، مائة مَرَّةٍ، لَمْ يأْتِ أحَدٌ يَوْمَ القِيامَةِ بأفْضَلَ مِمَّا جاءَ بِهِ، إِلاَّ أحَدٌ قالَ مثْلَ ما قالَ، أوْ زَادَ عَلَيْهِ". وفي رواية أبي داود [رقم: 5091] : "سُبْحانَ اللَّهِ العَظيمِ وبِحَمْدِهِ". 432- وروينا في "سنن أبي داود" [رقم: 5082] والترمذي [رقم: 3575] والنسائي [رقم: 5428] وغيرها، بالأسانيد الصحيحة، عن عبد الله بن خُبيب -بضم الخاء المعجمة- رضي الله عنه، قال: خرجنا في ليلة مطر، وظلمةٍ شديدةٍ، نطلب النبيّ -صلى الله عليه وسلم- ليُصلي لنا، فأدركناهُ، فقال: "قُل"، فلم أقل شيئاً، ثم قال: "قُل"، فلم أقل شيئاً، ثم قال: "قُل"، فقلتُ: يا رسول الله! ما أقولُ؟ قال: " [قُل:] قُل هُو اللَّهُ أحَدٌ وَالمُعَوِّذَتَيْنِ حِينَ تُمْسِي، وَحِينَ تُصْبِحُ، ثَلاثَ مَرَّاتٍ تَكْفِيكَ مِنْ كلِّ شيءٍ". قال الترمذي: حديث حسن صحيح. 433- وروينا في "سنن أبي داود" [رقم: 5068] والترمذي [رقم 3388] ، وابن ماجه [رقم: 3868] وغيرها، بالأسانيد الصحيحة، عن أبي هريرة رضي الله عنهُ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يقولُ إذا أصبح: "اللَّهُمَّ بِكَ أصْبَحْنا، وَبِكَ أمْسَيْنا، وَبِكَ نَحْيا وَبِكَ نَمُوتُ، وَإِلَيْكَ النُّشُورُ". وإذا أمسى

قال: "اللَّهُمَّ بِكَ أمسينا وبك أصحبنا، وَبِكَ نَحْيا، وَبِكَ نَمُوتُ، وَإِلَيْكَ النُّشُورُ" قال الترمذي: حديث حسن. 434- وروينا في "صحيح مسلم" [رقم: 2718] ، عن أبي هريرة رضي الله عنهُ، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا كان في سفر، وأسحر، يقول: "سَمَّعَ سامعٌ بِحَمْدِ اللَّهِ، وَحُسْنِ بَلائِهِ عَلَيْنا، رَبَّنا صَاحِبْنا، وأفْضِلْ عَلَيْنا، عائدًا باللَّهِ منَ النَّارِ". قال القاضي عياضٌ، وصاحبُ "المطالع" وغيرهما: "سمع الله" بفتح الميم المشدّدة، ومعناهُ: بلّغ سامعٌ قولي هذا لغيره، تنبيهاً على الذكر في السحَر، والدعاءِ في ذلك الوقت؛ وضبطهُ الخطابي ومغيره "سَمِعَ" بكسر الميم المخففة؛ قال الإِمام أبو سليمان الخطابي [323/5] : "سَمِعَ سامعٌ" معناهُ: شهدَ شاهدٌ. وحقيقته:" ليسمعِ السامعُ، وليشهد الشاهد على حَمْدنا الله تعالى على نعمته، وحسن بلائه. 435- وروينا في "صحيح مسلم" [رقم: 2723] ، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا أمسى قال: "أمْسَيْنا، وأمْسَى المُلْكُ لِلَّهِ، والحَمْدُ لِلَّهِ، لا إله إلا الله وحدهُ لا شَرِيكَ لَهُ" قال الراوي: أراهُ قال فيهنٌ: "لهُ المُلْكُ، وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ على كُلّ شَيْءٍ قديرٌ، رَبّ أسألُكَ خَيْرَ ما فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ وَخَيْرَ مَا بَعْدَها، وأعُوذ بِكَ مِنْ شَرّ ما في هَذِهِ اللَّيْلَةِ وَشَرّ مَا بَعْدَهَا، رَبّ أَعُوذُ بِكَ مِنَ الكَسَل، وَالهَرَمِ، وَسُوءِ الكِبَرِ، رَبّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابٍ في النَّارِ، وَعَذَابٍ في القَبْرِ". وَإذَا أصْبَحَ قالَ ذلكَ أيْضاً: "أصْبَحْنا وأصْبَحَ المُلْكُ لِلَّهِ". 436- وروينا في "صحيح مسلم" [رقم: 2709] ، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله! ما لقيتُ من عقرب لدغتني البارحة! قال: "أما لَوْ قُلْتَ حِينَ أمسيت: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق؛ لم تضرك". [و] ذكره مسلم [رقم:

2708] متصلاً بحديثٍ لخولة بنتِ حكيم رضي الله عنها هكذا. ورويناه في كتاب ابن السني [رقم: 533] ، وقال فيه: "أعُوذُ بِكَلِماتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرّ ما خَلَقَ ثَلاثاً لَمْ يضره شيء" [راجع رقم: 511 و512] . 437- وروينا بالإِسناد الصحيح في "سنن أبي داود" [رقم: 5067] والترمذي [رقم: 3392] ، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال: يا رسول الله! مُرْني بكلمات أقولهنّ إذا أصبحتُ، وإذا أمسيت؛ فقال: "قُل اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ، عالِمَ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، رَبَّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكَهُ، أشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلاَّ أنْتَ، أعوذ بك من شر نفسي وشر الشَّيْطانِ وَشِرْكِهِ" قالَ: "قُلْها إذَا أصْبَحْتَ، وَإذَا أمْسَيْتَ، وَإذَا أخَذْتَ مَضْجَعَكَ" قال الترمذي: حديث حسن صحيح. 438- وروينا نحوه في "سنن أبي داود" [رقم: 5083] ، من رواية أبي مالك الأشعري -رضي الله عنهم- أنهم قالوا: يا رسول الله! علِّمنا كلمة نقولها إذا أصبحنا وإذا أمسينا واضطجعنا، فذكرهُ، وزاد فيه بعد قوله: "وَشِرْكِهِ": "وأنْ نَقْتَرِفَ سُوءاً عَلى أنْفُسِنا، أوْ نجرُّه إلى مُسْلِمٍ". قوله صلى الله عليه وسلم: "وشركه" رُوي على وجهين، أظهرهما، وأشهرهما بكسر الشين مع إسكان الراء، من الإِشراك، أي: ما يدعو إليه، ويوسوس به من الإِشراك بالله تعالى. والثاني: "شَرَكه" بفتح الشين والراء؛ أي: حبائله ومصايده، واحدُها "شَرَكة" بفتح الشين والراء وآخره هاء. 439- وروينا في "سنن أبي داود" [رقم: 5088] والترمذي [رقم: 3388] ، عن عثمان بن عفان رضي الله عنه، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ عَبْدٍ يَقُولُ في صَباحِ كُلّ يَوْمٍ وَمَساءِ كُلّ لَيْلَةٍ: باسْمِ اللَّهِ الَّذي لاَ يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الأرْضِ وَلا في السَّماءِ، وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيم، ثَلاثَ مَرَّاتٍ لَمْ

يَضُرَّه شيءٌ". قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، هذا لفظ الترمذي. وفي رواية أبي داود: "لَم تُصِبْهُ فَجْأةُ 1 بلاء [حتى يُمسي] ". 440- وروينا في كتاب الترمذي [رقم: 3389] ، عن ثوبان رضي الله عنهُ، قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قالَ حِينَ يُمْسِي: رَضِيتُ بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد -صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- نَبِيَّاً؛ كانَ حَقّاً على الله تعالى أنْ يُرضيه". في إسناده سعيد بن المزبان أبو سعد البقال -بالباء- الكوفيّ مولى حذيفة بن اليمان، وهو ضعيف باتفاق الحفاظ، وقد قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب2 من هذا الوجه؛ فلعله صحّ عنده من طريق آخر. وقد رواه أبو داود [رقم: 5072] ، والنسائي [رقم: 4 في "عمل اليوم والليلة"] ، بأسانيد جيدة، عن رجلٌ خدمَ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بلفظه، ثبت أصل الحديث؛ وللَّه الحمد. وقد رواه الحا كم أبو عبد الله في "المستدرك على الصحيحين" [518/1] وقال: حديث صحيح الإسناد. ووقع في رواية أبي داود وغيره: "وبمحمدٍ رسولاً" وفي رواية الترمذي: "نبيّاً" فيستحبُّ أن يجمع الإنسان بينهما، فيقول: "نبيّاً ورسولاً" ولو اقتصر على أحدهما كان عاملًا بالحديث. __________ 1 قال ابن علاّن رحمه الله: هو بضم الفاء ممدود، كما في أصل مصحح، وقبل: بفتح الفاء وإسكان الجيم، وكذا هو مضبوط في أصل معتمد مقابل على نسخة ابن العطار ... إلخ. 2 قال الحفاظ ابن حجر رحمه الله، في "نتائج الأفكار" 371/2: ووقع في كلام الشيخ أنه قال: حسن صحيح غريب، ولم أر لفظة "صحيح" في كتاب الترمذي، لا بخط الكروخي الذي اشتهرت روايته من طريقه، ولا بخط الحافظ أبي علي الصدفي من طريق أبي على السنجي، ولا غيرهما من النسخ، ولا في الأطراف؛ فكأن الشيخ رآه في نسخة ليست معتمدة. اهـ.

441- وروينا في "سنن أبي داود" [رقم: 5078] ، بإسناد جيد لم يضعفهُ، عن أنس رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ قالَ حينَ يُصْبحُ أوْ يُمْسِي: اللَّهُمَّ إِنِّي أصْبَحْتُ أُشْهِدُكَ، وأُشْهِدُ حَمَلَةَ عَرْشِكَ، وَمَلائِكَتَكَ، وَجَمِيعَ خَلْقِكَ؛ أنك أنتَ الله الذي لا إِلهَ إِلاَّ أنْتَ، وأنَّ مُحَمَّداً عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ؛ أعْتَقَ اللَّهُ ربعهُ مِنَ النَّارِ، فَمَنْ قَالَهَا مَرَّتَيْنِ أعْتَقَ اللَّهُ نصْفَهُ مِنَ النَّار، وَمَنْ قَالَها ثَلاثاً أَعْتَقَ اللَّهُ تَعالى ثَلاثَةَ أرْبَاعِهِ، فإنْ قالَهَا أَرْبَعاً أعْتَقَه اللَّهُ تَعالى مِنَ النَّارِ". وروينا في "سنن أبي داود" [رقم: 5073] ، بإسناد جيد1 لم يضعفه، عن عبيد الله بن غنَّام -بالغين المعجمة، والنون المشددة- البياضي الصحابي رضي الله عنه، أن رسول الله عليه وعلى آله وسلم قال: "مَنْ قال حين يصبح: اللَّهُمَّ ما أصْبَحَ بِي مِنْ نِعْمَةٍ، فَمِنْكَ وَحْدَكَ، لا شريك لك، فلك الحَمْدُ، وَلَكَ الشُّكْرُ؛ فَقَدْ أدَّى شُكْرَ يَوْمِهِ، وَمَنْ قَالَ مِثْلَ ذلكَ حِينَ يُمْسِي فَقَد أدَّى شُكْرَ لَيلَتِهِ". 443- وروينا بالأسانيد الصحيحة في "سنن أبي داود" [رقم: 5074] والنسائي [في "الكبرى" كما في "تحفة الأشراف"، رقم: 6673] وابن ماجه [رقم: 3871] ، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: لم يكن النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَدَعُ هؤلاء الدعوات حين يُمسي وحين يُصبح: "اللَّهُمَّ إني أسألُكَ العافِيَةَ فِي الدُّنْيا والآخِرَةِ، اللَّهُمَّ إني أسألُكَ العَفْوَ وَالعَافِيَةَ في دِيني وَدُنْيَايَ، وأهْلِي ومَالِي؛ اللَّهُمََّ استر عوارتي، وآمِنْ رَوْعاتِي؛ اللَّهُمَّ احْفَظْنِي مِنْ بَيْن يَدَيَّ، ومِنْ خَلْفِي، وَعَنْ يَمِينِي، وَعَنْ شِمالِي، وَمِنْ فَوْقِي، وأعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أنْ أُغتال مِنْ تَحْتِي". قال وكيع: يعني الخسف. قال الحاكم أبو عبد الله [1/ 517] : هذا حديث صحيح الإِسناد. __________ 1 سقت كلمة: "جيد" من بعض النسخ.

444- وروينا في "سنن أبي داود" [رقم: 5052] والنسائي [في "الكبرى" كما في "تحفة الأشراف"، رقم: 10038 و10252] وغيرهما، بالإِسناد الصحيح، عن عليّ رضي الله عنه، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يقول عند مضجعه: "اللَّهُمَّ إني أعوذ بوجهك الكَرِيمِ، وَبِكَلِماتِكَ التَّامَّةِ، مِنْ شَر ما أنت آخذ بناصيته؛ اللهم أنت تكشف المَغْرَمَ والمَأثمَ، اللَّهُمَّ لا يُهْزَمُ جُنْدُكَ، وَلا يُخْلَفُ وَعْدُكَ، ولا ينفع ذا الجد منك الجد، سبحانك وبحمدك". [سيرد برقم: 502] . 445- وروينا في "سنن أبي داود" [رقم: 5077] ، وابن ماجه [رقم: 3867] ، بأسانيد جيدة، عن أبي عياش، بالشين المعجمة، رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ قالَ إذَا أصْبَحَ: لا إلهَ إلا الله وحده لا شَريكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ على كُلّ شَيْءٍ قديرٌ؛ كانَ لَهُ عِدْلُ رَقَبَةٍ مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ صلى الله عليه وسلم، وكُتِبَ لَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ، وَحُطَّ عَنْهُ عَشْرُ سَيِّئاتٍ، وَرُفِعَ لَهُ عَشْرُ دَرَجاتٍ، وكانَ فِي حِرْزٍ مِنَ الشَّيْطانِ حتى يُمْسِيَ، وَإنْ قَالَهَا إِذَا أمْسَى كانَ له مِثْلُ ذلكَ حتَّى يُصْبحَ". 446- وروينا في "سنن أبي داود" [رقم: 5084] ، بإسناد لم يضعفه1، عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذَا أصْبَحَ أحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ: أَصْبَحْنَا وأصْبَحَ المُلْكُ لِلَّهِ رَبّ العالمين؛ اللهم إني أسألُكَ خَيْرَ هَذَا اليَوْمِ فَتْحَهُ ونصرهُ وَنُورَهُ وَبَرَكَتَهُ وَهُدَاهُ، وأعُوذُ بِكَ مِنْ شَر ما فِيهِ وَشَرِّ ما بَعْدَهُ، ثُمَّ إذا أمْسَى فَلْيَقُلْ مِثْلَ ذلكَ". 447- وروينا في "سنن أبي داود" [رقم: 5090] ، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة أنه قال لأبيه: يا أبتِ! إني أسمعك تدعو كلّ __________ 1 قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "نتائج الأفكار" 389/3: وقول الشيخ: إن أبا داود لم يضعفه، كأنه يريد عقب تخريجه في السنن، وإلا فقد ضعفه خارجها.

غداة: "اللَّهُمَّ عافِني فِي بَدَني، اللَّهُمَّ عافِنِي في سَمْعِي، اللَّهُمَّ عافِني في بَصَري، اللَّهُمَّ إني أعُوذُ بِكَ مِنَ الكُفْرِ وَالفَقْرِ، اللَّهُمَّ إني أعُوذَ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبرِ، لا إِلهَ إِلاَّ أنْتَ"، تُعيدها حين تصبح ثلاثاً، وثلاثاً حين تُمسي، فقال: إني سمعتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يدعو بهنّ، فأنا أُحبّ أن أستن بسنّته. 448- وروينا في "سنن أبي داود" [رقم: 5076] ، عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "مَنْ قالَ حِينَ يُصْبحُ: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ} [الروم: 17 - 19] ، فقد أدرك ما فاتَهُ فِي يَوْمِهِ ذلكَ، وَمَنْ قالَهُنَّ حِينَ يُمْسِي أَدْرَكَ ما فَاتَهُ في لَيْلَتِهِ" لم يُضَعِّفه أبو داود، وقد ضعفه البخاري في "تاريخه الكبير" [460/3] ، وفي كتابه "كتاب الضعفاء" [130] . 449- وروينا في "سنن أبي داود" [رقم: 5075] ، عن بعض بنات النبيّ -صلى الله عليه وسلم- ورضي عنهنّ، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يعلمُها، فيقول: "قُولي حينَ تُصْبحينَ: سُبْحانَ اللَّه وبحمدهِ، لا قُوَّةَ إِلاَّ باللَّهِ، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، أعلم أنَّ الله على كل شيء قديرٌ، وأن الله قد أحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً؛ فإنَّهُ مَنْ قالَهُنَّ حِينَ يُصبح حُفِظَ حتَّى يُمْسِيَ، ومن قالهن حين يمسي حفظ حتَّى يُصْبحَ". 450- وروينا في "سنن أبي داود" [رقم: 1555] ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنهُ، قال: دخلَ رسولُ اللَّه -صلى الله عليه وسلم- ذاتَ يوم المسجد، فإذا هو برجلٍ من الأنصار يُقالُ لهُ: أبو أمامةَ، فقالَ لهُ: "يا أبا أُمامَةَ! مالي أرَاكَ جالِساً في المجسد فِي غَيْرِ وَقْتِ الصلاة"؟ 1. قال: هموم لزمتني وديون، يا __________ 1 في بعض النسخ: "صلاة".

رَسُولِ الله! قال: "أفَلا أُعَلِّمُكَ كَلاماً إذَا قُلْتَهُ أذْهَبَ اللَّهُ هَمَّكَ، وقضى عَنْكَ دَيْنَكَ"؟ قلتُ: بلى، يا رسول الله! قال: "قُل إذَا أصْبَحْتَ وَإذَا أمْسَيْتَ: اللَّهُمَّ إِني أعُوذُ بِكَ مِنَ الهَمّ والحُزن، وأعُوذُ بِكَ مِنَ العَجْزِ والكَسَلِ، وأعوذُ بِكَ مِنَ الجُبْنِ والبُخلِ، وأعوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ وَقَهْرِ الرّجالِ" قال: ففعلتُ ذلك، فأذهبَ الله تعالى همّي وغمّي، وقضى عني ديني. 451- وروينا في كتاب ابن السني [رقم: 33] ، بإسناد صحيح، عن عبد الرحمن بن أبزى رضي الله عنه، قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أصبح قال: "أصْبَحْنَا على فِطْرَةِ الإِسْلامِ وكَلِمَةِ الإِخْلاصِ ودين نبيّنا محمّدٌ -صلى الله عليه وسلم- وعلى 1 ملة أبينا إِبْرَاهِيمَ -صلى الله عليه وسلم- حَنِيفاً مُسْلِماً ومَا أنا مِنَ المُشْرِكِينَ". قلتُ: كذا وقع في كتابه: "ودين نبيّنا محمّدٌ -صلى الله عليه وسلم" وهو غير ممتنع، ولعلَّه صلى الله عليه وسلم قال ذلك جهراً ليسمعَه غيره فيتعلمه؛ والله أعلم. 452- وروينا في كتاب ابن السني [رقم: 38] ، عن عبد الله بن أوفى رضي الله عنهما، قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أصبح قال: "أصْبَحْنا وأصْبَحَ المُلْكُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلُّ، وَالحَمْدُ لِلَّهِ، وَالكِبْرِياءُ وَالعَظَمَةُ لِلَّهِ، وَالخَلْقُ وَالأمْرُ وَاللَّيْلُ والنهارُ وَما سَكَنَ فِيهما لِلَّهِ تَعالى؛ اللَّهُمَّ اجْعَلْ أَوَّلَ هَذَا النَّهارِ صَلاحاً، وأوسطهُ نَجاحاً، وآخرهُ فَلاحاً، يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ". 453- وروينا في كتابي الترمذي [رقم: 2922] وابن السني [رقم: 79] بإسناد فيه ضعفٌ، عن مَعقل بن يسار رضي الله عنه، عن النبي -صلى الله عليه وسلم: "من قال حِينَ يُصْبِحُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ: أعُوذُ باللَّهِ السَّمِيع العَلِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ؛ وَقَرَأَ ثَلاثَ آياتٍ مِنْ سُورَةِ الحَشْرِ، وَكَّلَ اللَّهُ تَعالى به سبعين ألف __________ 1 "على" غير موجودة في بعض النسخ. 2 في بعض النسخ: "متبع".

مَلَكٍ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ حَتَّى يُمْسِيَ، وَإنْ ماتَ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ ماتَ شَهِيداً، وَمَنْ قَالَهَا حِينَ يُمسي كانَ بِتلْكَ المنزلة". [والآيات هي: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ، هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ، هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} "سورة الحشر: 22 - 24"] . 454- وروينا في كتاب ابن السني [رقم: 76] ، عن محمد بن إبراهيم، عن أبيه رضي الله عنه، قال: وجّهَنَا رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- في سرية، فأمَرَنَا أن نقرأ إذا أمسينا وأصبحنا: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً} [المؤمنون: 115] فقرأنا، فغنمنا1، وسلمنا. 455- وروينا فيه [رقم: 39] ، عن أنس رضي الله عنهُ، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يدعو بهذه الدعوة إذا أصبح وإذا أمسى: "اللَّهُمَّ إني أسألُكَ منْ فَجْأةِ الخَيْرِ، وأعُوذُ بِكَ مِنْ فَجأةِ الشَّرّ" 2. 456- وروينا فيه [رقم: 48] ، عن أنس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لفاطمة رضي الله عنها: "ما يَمْنَعُكِ أنْ تَسْمَعِي ما أُوصِيكِ بِهِ؟ تَقُولِينَ إذَا أصْبَحْتِ وَإذَا أمْسَيْتِ: يا حيُّ يَا قَيُّومُ! بِكَ أستغيثُ، فأصْلِحْ لي شأنِي كُلَّهُ وَلاَ تَكِلْني إلى نفسي طرفة عين". 457- وروينا فيه [رقم: 50] بإسناد ضعيف، عن ابن عباس __________ 1 كذا أغلب النسخ، ووجدت في بعضها: "فقمنا". 2 قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في "نتائج الأفكار" 410/2: تنبيه: وقع هذا الحديث في أكثر النسخ سابقًا على الذي قبله، وفي بعضها كما أمليته. اهـ.

رضي الله عنهما، أن رجلاً شكا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه تُصيبُه الآفاتُ، فقال له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "قُلْ إذَا أصْبَحْتَ: باسمِ اللَّهِ على نَفْسِي وأهْلي ومَالي، فإنَّهُ لا يَذْهَبُ لَكَ شَيْءٌ" فقالهنّ الرجل، فهذبت عنه الآفاتُ. 458- وروينا في "سنن ابن ماجه" [رقم: 925] وكتاب ابن السني [رقم: 53] ، عن أُمّ سلمة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أصبح قال: "اللَّهُمَّ إني أسألُكَ عِلْماً نافعاً، وَرِزْقاً طَيِّباً، وَعَمَلاً مُتَقَبَّلاً". 459- وروينا في كتاب ابن السني [رقم: 54] ، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قال إذَا أصْبَحَ: اللَّهُمَّ إني أصْبَحُتُ منْكَ في نِعْمَةٍ وَعافِيَةٍ وَسَتْرٍ، فأتِمَّ نِعْمَتَكَ عَليَّ وَعَافِيَتَكَ وَسَتْرَكَ فِي الدُّنْيا والآخِرَةِ؛ ثَلاثَ مراتٍ إِذَا أصْبَحَ، وَإِذَا أَمْسَى، كان حَقّاً على اللَّهِ تَعالى أنْ يُتِمَّ عَلَيْهِ [نعمته] ". 460- وروينا في كتابي الترمذي [رقم: 3569] وابن السني [رقم: 61] ، عن الزبير بن العوّام رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "ما مِنْ صَباحٍ يُصْبِحُ العِبادُ إِلاَّ منادٍ يُنادِي: سُبْحانَ المَلكِ القُدُّوس". وفي رواية ابن السني: "إلاَّ صَرَخَ صَارِخٌ: أيُّها الخلائقُ! سَبِّحوا المَلكَ القُدُّوسَ". 461- وروينا في كتاب ابن السني [رقم: 42] ، عن بريدة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قالَ إذَا أصْبَحَ وَإِذَا أمْسَى: رَبِّيَ اللَّهُ، توكلت على اللَّهُ 1، لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ، عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ، وَهُوَ رَبّ العَرْشِ العَظِيمِ، لا إله إلا الله __________ 1 في نسخ: "توكلت عليه".

العَلِيُّ العَظِيمُ، ما شاءَ اللَّهُ كانَ، وما لم يشأ لم يكن، أعلم أنَّ الله على كل شيء قدير، وأن الله قد أحاط بكل شيءٍ عِلْماً؛ ثُمَّ مَاتَ، دَخَلَ الجَنَّة". 462- وروينا في كتاب ابن السني [رقم: 64] ، عن أنس رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أيَعْجِزُ أحَدُكُمْ أنْ يَكُونَ كأبِي ضَمْضَمٍ"؟ قالُوا: وَمَنْ أبُو ضَمْضَمٍ، يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قالَ: "كَانَ إِذَا أصْبَحَ قالَ: اللَّهُمَّ إِني قَدْ وَهَبْتُ نَفْسِي وَعِرْضِي لَكَ؛ فَلا يَشْتُمُ مَنْ شَتَمَهُ، وَلاَ يَظْلِمُ مَنْ ظَلَمَهُ، وَلا يَضْرِبُ من ضربه" 1 [سيرد برقم: 1758] . 463- وروينا فيه [رقم: 70] ، عن أبي الدرداء رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَن قالَ فِي كُلّ يَوْمٍ حِينَ يُصْبحُ وَحِينَ يُمْسِي: حَسْبِيَ اللَّهُ، لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ، عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ، وَهُوَ رَبّ العَرْشِ العَظِيمِ؛ سَبْعَ مَرَّاتٍ، كَفَاهُ اللَّهُ تَعالى ما أهمَّهُ مِنْ أمْرِ الدُّنْيا والآخِرَةِ". 464- وروينا في كتابي الترمذي [رقم: 2879] وابن السني [رقم: 75] ، بإسناد ضعيف، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قَرأ: {حم} المؤمن، إلى: {إِلَيْهِ الْمَصِيرُ} [سورة غافر: 1- 3] ، وآيةَ الكُرْسِيّ [سورة البقرة: 255] حِينَ يُصْبحُ حُفِظَ بِهِمَا حتَّى يُمْسِي، وَمَنْ قَرأهُما حِينَ يُمْسِي حُفِظَ بِهِما حَتَّى يُصْبحَ". فهذه جملةٌ من الأحاديثِ التي قصدنا ذكرَها، وفيها كفايةٌ لمن وفّقه الله تعالى، نسألُ اللَّه العظيم التوفيقَ للعمل بها، وسائر وجوه الخير. __________ 1 قال الحافظ: في بعض طرقه: "إنه كان مثلكم ... " وزعم ابن عبد البرّ أنه صحابي، وذكره في "الاستيعاب".

465- وروينا في كتاب ابن السني [رقم: 56] ، عن طلق بن حبيب، قال: جاء رجلٌ إلى أبي الدرداء، فقال: يا أبا الدرداء! قد اخترق بيتُك، فقال: ما احترق، لم يكن الله عز وجل ليفعل ذلك، لكلماتٍ سمعتهنّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، من قالها أوّل نهاره لم تصبْه مصيبةٌ حتى يُمسي، ومَنْ قالها آخرَ النهار لم تصبْه مصيبةٌ حتى يُصبحَ: "اللَّهُمََّ أنْتَ رَبّي، لا إِلهَ إِلاََّ أَنْتَ، عَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وأنْتَ رَبّ العَرْشِ العَظِيمِ، ما شاءَ اللَّهُ كان، وما لم يشأ لم يكن، لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ باللَّهِ العَلِيّ العَظِيمِ، أعْلَمُ أنَّ اللَّهَ عَلى كل شيء قديرٌ، وأن الله قد أحَاطَ بِكُلِّ شيءٍ عِلْماً؛ اللَّهُمَّ إِني أعوذُ بِكَ مِنْ شَرّ نَفْسِي، وَمِنْ شَرّ كُلّ دابةٍ أنْتَ آخِذٌ بِناصِيَتها، إنَّ رَبِّي على صراطٍ مُسْتَقِيمٍ". 466- ورواه من طريق آخر [رقم: 57] ، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، لم يقل عن أبي الدرداء؛ وفيه: أنه تكرّر مجيء الرجل إليه يقولُ: أدرِك دارَك، فقد احترقتْ. وهو يقول: ما احترقتْ، لأني سمعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: "مَن قال حين يُصبح هذه الكلمات" وذكر هذه الكلمات "لم يُصبه في نفسه، ولا أهله، ولا ماله شيء يكرهه"، وقد قلتها اليوم، ثم قال: انهضوا بنا! فقام، وقاموا معه، فانتهوا إلى داره، وقد احترق ما حولها، ولم يصبها شيء.

 بابُ ما يُقالُ في صَبيحةِ الجمعة:

467- اعلم أن كلَّ ما يُقال في غير يوم الجمعة يقال فيه، ويزداد استحبابُ كثرة الذكر فيه على غيره، ويزداد كثرةُ الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم. 468- وروينا في كتاب ابن السني [رقم: 82] ، عن أنسٍ رضي الله

عنه، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ قال صبيحة 1 يوم الجمعة قبل صلاة الغَدَاةِ: أسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الحَيَّ القَيُّومَ، وأتوب إليه، ثَلاثَ مَرَّاتٍ، غَفَرَ اللَّهُ ذُنُوبَهُ 2 وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البحر" [مر برقم: 227؛ وسيرد برقم: 890] . 469- ويُستحبّ الإكثارُ من الدعاء في جميع يوم الجمعة، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، رَجاءَ مصادفة ساعة الإِجابة، فقد اختُلف فيها على أقوال كثيرةٍ، فقيل: هي بعد طلوع الفجر، وقبل طلوع الشمس، وقيل: بعد طلوع الشمس، وقيل: بعد الزوال، وقيل: بعد العصر، وقيل: غير ذلك3. والصحيحُ، بل الصوابُ الذي لا يجوز غيرُه4 ما ثبت فيه "صحيح مسلم" [رقم: 853] ، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنها ما بينَ جلوس الإِمام على المنبر إلى أن يُسَلِّم من الصلاة. __________ 1 في نسخة: "في صبيحة". 2 في نسخة: "غفر الله له ذنوبه". 3 قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "نتائج الأفكار" 429/2: القولان الأولان لا أصل لهما ثابت، والقولان الآخران هما أصح ما وردَ في ذلك، ووصف الشيخ الأقوال بأنها كثيرة جمع منها ابن القيم في "الهدي النبوي" أحد عشر قولاً، واجتمع لي منها نحو الأربعين، لكن بعضها يمكن تداخله، وقد بينتها في "فتح الباري" ناسبًا كل قولٍ لقائله مع بيان الكتاب الذي ذكر فيه مبينًا لحاله. اهـ. 4 قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "نتائج الأفكار" 431/2: ومقتضى تعبير الشيخ بالصواب أن جميع ما ورد بخلاف ذلك خطأ، وفيه نظر، فإن بعضه صحيح أيضًا. وقد ذكر البيهقي في "فضائل الأوقات" أن مسلمًا رجح ما في حديث أبي موسى، ووافقه البيهقي ["السنن الكبرى" 250/3] وطائفة. ورجح آخرون ما في حديث عبد الله بن سلام، منهم أحمد وإسحاق كما نقله الترمذي عنهما، ونقل أيضًا عن أحمد قال: أكثر الأحاديث على أنها بعد العصر، قال: وترجى بعد الزوال. [الترمذي 361/2] . وفي هذا الكلام: إشارة إلى الجمع، وهو أولى من الترجيح فضلًا عن التخطئة. اهـ.

 بابُ ما يَقولُ إذا طلعتِ الشَّمس:

470- روينا في كتاب ابن السني [رقم: 146] بإسناد ضعيف، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا طلعت الشمس قال: "الحمدُ لِلَّهِ الَّذي جَلَّلَنا اليَوْمَ عافِيَتَهُ، وَجاءَ بالشَمْسِ مِنْ مَطْلَعِها؛ اللَّهُمَّ أصْبَحْتُ أشْهَدُ لَكَ بِما شَهِدْتَ بِهِ لِنَفْسِكَ، وَشَهِدَتْ بِهِ مَلائِكَتُكَ، وحَمَلَةُ عَرْشِكَ، وَجَمِيعُ خَلْقِكَ إنَّكَ أنتَ اللَّهُ، لا إِلهَ إِلاَّ أنْتَ القائِمُ بالقِسْطِ، لا إِلهَ إِلاَّ أنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ، اكْتُبْ شَهادَتي بَعْدَ شَهادَةِ مَلائِكَتِكَ، وأُولِي العِلْمِ؛ اللَّهُمَّ أنْتَ السَّلامُ، وَمِنْكَ السَّلامُ، وَإِلَيْكَ السَّلامُ، أسألُكَ يا ذَا الجَلالِ والإِكْرَامِ أنْ تَسْتَجِيبَ لَنا دَعْوَتَنَا، وأنْ تُعْطِيَنَا رَغْبَتَنا، وأنْ تُغْنِينَا عَمَّنْ أغنينته عَنَّا مِنْ خَلْقِكَ؛ اللَّهُمَّ أصْلِحْ لي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أمْرِي، وأصْلِحْ لي دُنْيايَ الَّتِي فِيها مَعِيشَتِي، وأصْلِحْ لي آخِرَتِي الَّتِي إلَيْها مُنْقَلَبِي". 471- وروينا في كتاب ابن السني [رقم: 147] أيضًا، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، موقوفاً عليه، أنه جعلَ من يَرْقبُ له طلوع الشمس، فلما أخبره بطلوعها قال: "الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لَنَا هَذَا اليَوْمَ، وأقالَنا فِيهِ من1 عثراتنا". __________ 1 في نسخة بإسقاط: "من".

باب ما يقول إذا استقلت 1 الشَّمس: 472- روينا في كتاب ابن السني [رقم: 148] ، عن عمرو بن عبسة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "ما تستقلُ الشمسُ فَيَبْقَى شَيْءٌ مِنْ خلقِ اللهِ تَعَالى إِلاَّ سَبَّحَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وحمدهُ إِلاَّ ما كانَ من الشيطان، وأعتى بَنِي آدَمَ" فَسألْتُ عن أعتي بَنِي آدَمَ؟ فَقالَ: "شرارُ الخلق". __________ 1 أي: ارتفعت. وفي مطبوع "عمل اليوم والليلة" لابن السني: "استعلت".

 بابُ ما يقولُ بعدَ زَوَال الشَّمسِ إلى العصر:

473- قد تقدم ما يقولُه إذا لبس ثوبه [رقم: 20] ، وإذا خرجَ مِنْ بَيْتِهِ [رقم: 25] ، وإذا دخلَ الخلاءَ [رقم: 28] ، وإذا خرج منهُ [رقم: 31] ، وإذا توضأ [الأرقام: 32-36] ، وإذا قصدَ المسجدَ [رقم: 39] ، وإذا وصلَ بابَه [رقم: 40] ، وإذا صارَ فيه [رقم: 41] ، وإذا سمع المؤذِّن والمقيم [رقم: 53] ، وما بين الأذان والإقامة [الأرقام: 54 - 57] ، وما يقولُه إذا أرادَ القيام للصلاة [رقم: 58] ، وما يقولُه في الصلاة من أوّلها إلى آخرها [الأرقام: 60 - 102] ، وما يقوله بعدها [رقم: 103] ، وهذا كلُّه يشتركُ فيه جميعُ الصلوات. 474- ويستحبّ الإِكثار من الأذكار وغيرها من العبادات عقبَ الزوال، لما روينا في كتاب الترمذي [رقم: 478] ، عن عبد الله بن السائب رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُصلِّي أربعاً بعد أن تزول الشمس قبل الظهر، وقال: "إنَّها ساعةٌ تُفْتَحُ فِيها أبْوَابُ السَّماءِ، فأُحِبُّ أنْ يَصْعَدَ لي فِيها عَمَلٌ صَالِحٌ" قال الترمذي: حديث حسن. 475- ويُستحبّ كثرةُ الأذكار بعد وظيفة الظهر، لعموم قول الله تعال: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ} [غافر: 55] . 476- قال أهل اللغة: "العشيُّ": من زوال الشمس إلى غروبها. قال الإِمام أبو منصور الأزهري: العشيّ عند العرب: ما بين أن تزولَ الشمس إلى أن تغرب.

 بابُ ما يقولُه بعدَ العصرِ إلى غُروبِ الشَّمس:

477- قد تقدم ما يقولُه بعدَ الظهر والعصر كذلك، ويُستحبُّ الإِكثارُ من الأذكار في العصر استحباباً متأكداً، فإنها الصلاة الوسطى على قول جماعات من السلف والخلف، وكذلك تُستحبُّ زيادةُ الاعتناء بالأذكار في الصبح. فهاتان الصلاتان أصحُّ ما قيل في الصلاة الوسطى. 478- ويُستحبُّ الإِكثارُ من الأذكار بعد العصر، وآخر النهار أكثر، قال الله تعالى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} [سورة طه: 130] وقال الله تعالى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ} [سورة غافر: 55] وقال الله تعالى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} [سورة الأعراف: 204] وقال تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} [النور: 36، 37] وقد تقدم أن الآصال: ما بين العصر والمغرب. 479- وروينا في كتاب ابن السني [رقم: 675] بإسناد ضعيف، عن أنس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لأَنْ أَجْلِسَ مَعَ قَوْمٍ يَذْكُرُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ صَلاةِ العَصْرِ إلى أنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ، أحَبَّ إِليَّ مِنْ أَنْ أعْتِقَ ثَمَانِيَةً من ولد إسماعيل". والله أعلم.

 بابُ ما يقولهُ إذا سمعَ أذانَ المغرب:

480- روينا في "سُنن أبي داود" [رقم: 530] ، والترمذي [رقم: 3589] ، عن أُمّ سلمة رضي الله عنها، قالت: علَّمني رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم، أن أقول عند أذان المغرب: "اللَّهُمَّ هَذَا إقْبالُ لَيْلِكَ، وَإِدْبَارُ نَهارِكَ، وأصْوَاتُ دُعاتِكَ، فاغفر لي".

 باب ما يقولُ بعدَ صَلاةِ المغرب:

481- قد تقدم قريباً أنه يقول عقيب كل الصلوات الأذكارَ المتقدمة، ويُستحبّ أن يزيدَ، فيقول بعد أن يصلّي سنّة المغرب ما رويناه في كتاب ابن السني [رقم: 663] ، عن أُمّ سلمة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاة المغرب يدخل فيصلي ركعتين، ثم يقول فيما يدعو: "يا مُقَلِّبَ القُلُوبِ ثَبِّتْ قُلُوبَنا على دينك" [سيرد برقم: 2002] . 482- وروينا في كتاب الترمذي [رقم: 3534] ، عن عمارة بن شبيب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قالَ لا إِلهَ إلا الله وحده لا شَريكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحمدُ، يُحْيِي ويميتُ، وَهُوَ على كُلّ شَيْءٍ قديرٌ؛ عَشْرَ مَرَّاتٍ على أثَرِ المَغْرِبِ، بَعَثَ اللَّهُ تَعالى لَهُ مسلحة يتكفلونه مِنَ الشَّيْطانِ حَتَّى يُصْبحَ، وَكَتَبَ اللَّهُ تَعالى لَهُ بِها عَشْرَ حَسَناتٍ مُوجِبات، وَمَحَا عَنْهُ عَشْرَ سَيِّئاتٍ مُوبِقاتٍ، وكانَتْ لَهُ بِعِدْلِ عَشْرِ رِقابٍ مُؤْمناتٍ"، قال الترمذي: [هذا حديثٌ حسنٌ، و] لا نعرفُ لعمارة بن شبيب سماعا من النبي صلى الله عليه وسلم. 483- قلتُ: وقد رواه النسائي في كتاب "عمل اليوم والليلة" من طريقين: أحدهما: [رقم: 577] هكذا، والثاني: [رقم: 578] عن عمارة، عن رجل من الأنصار. قال الحافظ أبو القاسم ابن عساكر: هذا الثاني هو الصواب. 484- قلتُ قوله: "مَسلحة" بفتح الميم، وإسكان السين المهملة، وفتح اللام، وبالحاء المهملة، وهم: الحرس.

 بابُ ما يقرؤُه في صَلاةِ الوترِ وما يقوله بعدها:

485- والسنة لمن أوترَ بثلاث ركعات أن يقرأ في الأولى بعد [سورة] الفاتحة: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} وفي الثانية [سورة] : {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} وفي الثالثة [سورة] : {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} والمُعَوَّذَتَيْنِ، فإن نسي [سورة] : {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} في الأولى، أتى بها مع [سورة] : {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} في الثانية، وكذا إن نسيَ في الثانية [سورة] : {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} أتى بها في الثالثة مع [سورة] : {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} والمعوّذتين. 486- وروينا في "سنن أبي داود" [رقم: 1423] ، النسائي [رقم: 729 في "عمل اليوم والليلة"] ، وغيرهما، بالإِسناد الصحيح، عن أُبيّ بن كعب رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا سلَّم من الوتر قال: "سُبْحانَ المَلِكِ القُدُّوسِ". وفي رواية النسائي، وابن السني [رقم: 711] : "سُبْحانَ المَلِكِ القُدُّوسِ" ثلاثَ مرّاتٍ. 487- وروينا في "سنن أبي داود" [رقم: 1427] ، والترمذي [رقم: 3566] والنسائي [رقم: 1747] ، عن عليّ رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول في آخر وتره: "اللَّهُمَّ إني أَعُوذُ بك بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وأعُوذُ بِمُعافاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكُ، وأعُوذُ بِكَ مِنْكَ، لا أُحْصِي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نَفْسِك". قال الترمذي: حديث حسن.

 بابُ ما يقولُ إذا أرادَ النومَ، واضطجعَ على فراشِه:

488- قال الله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ، الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ، رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا

سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ، رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ} [آل عمران: 190-194] . 489- وروينا في "صحيح البخاري" رحمه الله [رقم: 6324 و6325] ، من رواية حذيفة وأبي ذرّ رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه، قال: "باسمك اللهم أحيا وأموت" [مر برقم: 106] . 490- ورويناه في "صحيح مسلم" [رقم: 2711] ، من رواية البراء بن عازب رضي الله عنهما. 491- وروينا في "صحيحي" البخاري [رقم: 6318] ومسلم [رقم: 2727] ، عن عليّ رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال له ولفاطمة رضي الله عنهما: "إذَا أوَيْتُما إلى فِرَاشِكُما، أوْ إذَا أخَذْتُما مَضَاجِعَكُما، فَكَبِّرَا ثَلاثاً وَثَلاثِينَ، وَسَبِّحا ثَلاثاً وثَلاثِينَ، وَاحْمَدَا ثَلاَثاً وَثَلاثِينَ". وفي رواية: "التَّسْبِيحُ أرْبَعاً وَثِلاثِينَ". وَفي رواية: "التَّكْبيرُ أرْبعاً وَثَلاثِينَ". قالَ عليّ: فما تركته منذ سمعتُه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قيل لهُ: ولا ليلة صفين؟ قال: ولا ليلة صفّين. 492- وروينا في "صحيحي" البخاري [رقم: 6320] ، ومسلم [رقم: 2714] ، عن أبي هريرة رضي الله عنهُ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذَا أوَى أحَدُكُمْ إلى فِرَاشِهِ فَلْيَنْفُضْ فِرَاشَهُ بِدَاخلَةِ إِزَارِهِ، فإنَّهُ لا يَدْرِي ما خَلَفَه عَلَيْهِ، ثُمَّ يَقُولُ: باسْمِكَ رَبي وَضَعْتُ جَنْبِي، وَبِكَ أرفعه، إن أمسكت نَفْسِي فارْحَمْها، وَإِنْ أرْسَلْتَها فاحْفَظْها بما تَحْفَظُ بِهِ عِبادَكَ الصالحين". وفي رواية: "ينفضه ثلاثة مرات". [داخلة الإزار: طرف الثوب، وراجع رقم: 532 التالي] .

493- وروينا في "الصحيحين" [البخاري، رقم: 6319؛ ومسلم، رقم: 2192] ، عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان إذا أخذ مضجعه نفث في يديه، وقرأ بالمعوّذات، ومسح بهما جسده. 493- وفي "الصحيحين" [البخاري، رقم: 5017؛ ومسلم، رقم: 2192] عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفّيه، ثم نفث فيهما، وقرأ فيهما [سورة] {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} و [سورة] {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} و [سورة] {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} ، ثُم مسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه، ووجهه، وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاثَ مرّاتٍ. 495- قال أهل اللغة: النفث: نفخ لطيفٌ بلا ريقٍ. [" التبيان في آداب حملة القرآن" للنووي، رقم: 445 و464] . 496- وروينا في "الصحيحين" [البخاري، رقم: 5009؛ ومسلم، رقم: 808] عن أبي مسعود الأنصاري البدري: عقبة بن عمرو رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الآيَتانِ في آخِرِ سُورَةِ البَقَرَةِ مَنْ قَرأهُما1 في ليلةٍ كَفَتاهُ"، [وهما قوله سبحانه وتعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ، لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} ، "التبيان" للنووي، رقم: 462؛ وسيرد برقم 1966] . __________ 1 في نسخة: "قرأ بهما".

497- اختلف العلماء في معنى "كفتاهُ" فقيل: كفتاه من الآفات في كل ليلته، وقيل: كفتاه من قيام ليلته. قُلت: ويجوز أن يُراد الأمران1. 498- وروينا في "الصحيحين" [البخاري، رقم: 6313 و6315؛ ومسلم، 2710] عن البراء بن عازب رضي الله عنهما، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أتَيْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأَ وُضُوءَكَ لِلصَّلاةِ، ثُمَّ اضْطَجِعْ على شِقِكَ الأيْمَنِ، وقُل: اللَّهُمَّ أسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أمْرِي إِلَيْكَ، وَألجأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَغْبَةَ وَرَهْبَةً إِلَيْكَ، لا ملجأ وَلا مَنْجَى مِنْكَ إِلاَّ إِليْكَ، آمَنْتُ بِكِتابِكَ الَّذي أنْزَلْتَ، وَنَبِيِّكَ الَّذي أَرْسَلْتَ؛ فإنْ مِتَّ مِتَّ على الفِطْرَةِ، واجْعَلْهُنَّ آخِرَ ما تَقُولُ". هذا لفظ إحدى روايات البخاري، __________ 1 قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله في "فتح الباري" عند الحديث رقم 5009: قوله: "كفتاه" أي: أجزأنا عنه من قيام الليل بالقرآن، وقيل: أجزأتا عنه عن قراءة القرآن مطلقًا، سوءًا كان داخل الصلاة أم خارجها، وقيل: معناه أجزأتاه فيما يتعلق بالاعتقاد لما اشتملتا عليه من الإيمان والأعمال إجمالًا، وقيل: معناه: كفتاه كل سوء، وقيل: كفتاه شر الشيطان، وقيل دفعتا عنه شر الإنس والجن، وقيل: معناه: كفتاه ما حصل له بسببهما من الثواب عن طلب شيء آخر، وكأنهما اختصتا بذلك لما تضمنتاه من الثناء على الصحابة بجميل انقيادهم إلى الله وابتهالهم ورجوعهم إليه وما حصل لهم من الإجابة إلى مطلوبهم، وذكر الكرماني عن النووي أنه قال: كفتاه عن قراءة سورة الكهف وآية الكرسي، كذا نقل عنه جازمًا به، ولم يقل ذلك النووي، وإنما قال ما نصه: قيل: معناه كفتاه من قيام الليل، وقيل: من الشيطان، وقيل: من الآفات، ويحتمل من الجميع. وهذا آخر كلامه. وكأن سبب الوهم أن عند النووي عقب هذا باب فضل سورة الكهف وآية الكرسي، فلعل النسخة التي وقعت للكرماني سقط منها لفظ "باب" وصحفت "فضل" فصارت: "وقيل،" واقتصر النووي في "الأذكار" على الأول والثالث نقلاً، ثم قال: قلت: ويجوز أن يراد الأولان. انتهى. وعلى هذا فأقول: يجوز أن يراد جميع ما تقدم؛ والله أعلم. والوجه الأول ورد صريحًا من طريق عاصم، عن علقمة، عن أبي مسعود رفعهُ: "إن الله كتب كتابًا وأنزل منه آيتين ختم بهما سورة البقرة، لا يقرآن في دار فيقربهما الشيطان ثلاث ليالٍ" أخرجه الحاكم [562/1، رقم: 2065] وصححه، وفي حديث معاذ لما أمسك الجني وآية ذلك "لا يقرأ أحد منكم خاتمة سورة البقرة فيدخل أحدٌ منا بيته تلك الليلةٌ" أخرجه الحاكم أيضًا [563/1، رقم: 2068] .

وباقي رواياته وروايات مسلم مقاربة لَهَا. 499- وروينا في "صحيح البخاري" [رقم: 2311] ، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: وكَّلني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان، فأتاني آتٍ، فجعل يحثو على الطعام؛ وذكر الحديث، وقال في آخره: إذا أويتَ إلى فراشِكَ فاقرأ آيةَ الكرسي، فإنه لن يزالَ معكَ من الله تعالى حافظٌ، ولا يقرُبك شيطانٌ حتى تُصْبِحَ؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ، ذَاكَ شَيطانٌ". أخرجهُ البُخاري في "صحيحه"، فقال: وقال عثمانُ بن الهيثم: حدّثنا عوفٌ، عن محمدِ بن سيرين، عن أبي هريرة؛ وهذا مُتصلٌ، فإن عُثمان بن الهيثمِ أحدِ شيوخِ البخاري الذين روى عنهم في "صحيحه". وأما قول أبي عبد الله الحميدي في "الجمع بين الصحيحين": إن البخاري أخرجه تعليقاً، فغير مقبولٍ؛ فإن المذهب الصحيح المختار عند العلماء، والذي عليه المحقّقون؛ أن قول البخاري وغيره: "وقال فلانٌ" محمولٌ على سماعه منه، واتصاله إذا لم يكن مدلِّساً، وكان قد لقيَه، وهذا من ذلك. وإنما المعلَّقُ ما أسقط البخاري منه شيخه أو أكثر بأن يقول في مثل هذا الحديث: وقال عوف، أو: قال محمد بن سيرين، أو: أبو هريرة؛ والله أعلم1. 500- وروينا في "سنن أبي داود" [رقم: 5045] ، عن حفصة أُمّ المؤمنين رضي الله عنها، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أرادَ أن يرقدَ وضعَ يدَه اليمنى __________ 1 قال الحافظ ابن حجر في "نتائج الأفكار" 47/3: والذي ذكره الشيخ [النووي] عن الحميدي ونازعه فيه لم ينفرد به الحميدي، بل تبع فيه الإسماعيلي والدراقطني والحاكم وأبا نعيم وغيرهم، وهو الذي عليه كل المتأخرين من الحفاظ، كالضياء المقدسي، وابن القطان، وابن دقيق العيد والمزي. وقد قال الخطيب في "الكفاية" [صفحة: 289] : لفظه "قال" لا تحملُ على السماع إلا ممن عرف من عادته أنه يقولها إلا في موضوع السماع، والله أعلم. اهـ.

تحتَ خَدِّهِ، ثم يَقَول: "اللَّهُمَّ قِني عَذَابَكَ يَوْمَ تَبْعَثُ عِبادَكَ" ثَلاثَ مَرَّاتٍ. ورواه الترمذي [رقم: 3398] من رواية حذيفة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: حديث حسن صحيح1. ورواه أيضاً [رقم: 3399، ومسلم، رقم: 709] من رواية البراء بن عازب، ولم يذكر فيها ثلاثَ مرّاتٍ. 501- وروينا في "صحيح مسلم" [رقم: 2713] ، و"سنن أبي داود" [رقم: 5051] ، والترمذي [رقم: 3400] ، والنسائي [في "عمل اليوم والليلة" رقم: 790] ، وابن ماجه [رقم: 2873] ، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقولُ إذا أوى إلى فراشه: "اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَوَاتِ، وَرَبَّ الأرْضِ، وَرَبََّ العَرْشِ العَظِيمِ، رَبَّنا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ، فالِقَ الحَبّ والنوى، منزل التوارة وَالإِنجِيلِ وَالقُرآنِ، أعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّ كُلّ ذِي شَرٍّ أنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ، أنْتَ الأوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وأنْتَ الآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ، وأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ، وأنْتَ الباطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ، اقْضِ عنا الدَّيْنَ، وأغْنِني مِنَ الفَقْرِ". وفي رواية أبي داود: "اقْضِ عَنِّي الدَّيْنَ، وأغْنِني مِنَ الفَقرِ". 502- وروينا -بالإِسناد الصحيح- في "سنن أبي داود" [رقم: 5052] والنسائي [في "الكبرى" كما في "تحفة الأشراف"، رقم: 10252] عن عليّ رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول عند مضجعه: "اللَّهُمَّ إني أعُوذُ بِوَجْهِكَ الكَرِيمِ، وَكَلِماتِكَ التَّامَّة، من شر ما أنت آخذ بناصيته، اللَّهُمّ أنْتَ تَكْشِفُ المَغْرَمَ والمَأثمَ، اللَّهُمَّ لا يُهْزَمُ جُنْدُكَ، وَلا يُخْلَفُ وَعْدُكَ، ولا ينفع ذا الجد منك الجد، سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وبِحَمْدِكَ" [مر برقم: 444] . 503- وروينا في "صحيح مسلم" [رقم: 2715] ، و"سنن أبي داود" __________ 1 وفي نسخة: "حديث صحيح حسن".

[رقم: 5053] والترمذي [رقم: 3396] ، عن أنس رضي الله عنهُ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه قال: "الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي أطْعَمَنا وَسَقَانا وكَفانا وآوَانا، فَكَمْ مِمَّنْ لا كافِيَ لَهُ وَلا مُؤْوِيَ" قال الترمذي: حديث حسن صحيح. 504- وروينا - بالإِسناد الحسن - في "سنن أبي داود" [رقم: 5054] ، عن أبي الأزهر، -ويقالُ: أبو زهير- الأنماري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أخذ مضجعه من الليل قال: "باسْمِ اللَّهِ وَضَعْتُ جَنْبِي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي ذنبي، وأخسئ شَيْطانِي، وَفُكَّ رِهانِي، وَاجْعَلْنِي فِي النَّدِيّ الأعْلَى". النديّ: بفتح النون، وكسر الدال، وتشديد الياء. وروينا عن الإِمام أبي سليمان أحمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب الخطابي رحمه الله في تفسير هذا الحديث ["معالم السنن" 144/4] قال: النديّ: القوم المجتمعون في مجلس، ومثله النادي، وجمعه أندية. قال: يريدُ بالنديّ الأعلى: الملأ الأعلى من المَلائِكَةُ. 505- وروينا في "سنن أبي داود" [رقم: 5055] والترمذي [رقم: 3403] ، عن نوفل الأشجعي رضي الله عنهُ، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقْرأ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ثُمَّ نَمْ على خاتِمَتِها، فإنَّها بَرَاءَةٌ مِنَ الشِّرْكِ". 506- وفي "مسند أبي يعلى الموصلي، ["مجمع الزوائد" 121/10] عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " ألا أدُلُّكُمْ على كَلِمَةٍ تُنَجِّيكُمْ من الإشراك بالله عز وجل؟ تقرءون {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} عِنْدَ مَنَامِكُمْ".

507- وروينا في "سنن أبي داود" [رقم: 5057] ، والترمذي [رقم: 3406] ، عن عرباض بن ساريةَ رضي الله عنه، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ المسبحات قبل أن يرقد. قال الترمذي: حديث حسن. [والمسبحاتُ، هي السورُ التي تفتتح بقوله تعالى: {فَسَبِّحْ} أو {وَيُسَبِّحُونَهُ} وهي: الحديد، والحشر، والصف، والجمعة، والتغابن، والأعلى] . 508- وروينا عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- لا ينامُ حتى يقرأ بني إسرائيل [أي: سورة الإسراء] ، والزمر. قال الترمذي [رقم: 2920] : حديثٌ حسنٌ ["التبيان" رقم: 470] . 509- وروينا بالإِسناد الصحيح في "سنن أبي داود" [رقم: 5058] ، عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقولُ إذا أخذ مضجعه: "الحمدُ لِلَّهِ الَّذي كفاني وآوَانِي وأطْعَمَنِي وَسَقَانِي، وَالَّذِي مَنَّ عَليَّ فأفْضَلَ، وَالَّذي أعطانِي فأجْزَل؛ الحمدُ لِلَّهِ على كُلّ حالٍ؛ اللَّهُمَّ رَبَّ كُلِّ شَيْءٍ ومليكهُ، وَإِلهَ كُلِّ شَيْءٍ، أعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ". 510- وروينا في "كتاب الترمذي" [رقم: 3397] ، عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ قَالَ حِينَ يَأوِي إلى فِرَاشِهِ: أسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الحَيَّ القَيُّومَ وأتوب إليه، ثلاث مرات، غَفَرَ اللَّهُ تَعالى لَهُ ذنوبه، وإن كانت مثل زبد البحر، وَإِنْ كانَتْ عَدَدَ النُّجُومِ، وَإِنْ كانَتْ عَدَدَ رَمْلِ عالجٍ، وَإِنْ كانَتْ عَدَدَ أيَّامِ الدُّنْيَا". 511- وروينا في "سنن أبي داود" [رقم: 3898] وغيره، بإسناد صحيح، عن رجل من أسلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: كنتُ جالساً عند

رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فجاء رجلٌ من أصحابه، فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم! لُدِغْتُ الليلةَ فلم أنم حتى أصبحتُ، قال: "مَاذَا"؟ قال: عقربٌ، قال: "أما إنَّكَ لَوْ قُلْتَ حِينَ أمْسَيْتَ: أعُوذُ بكلمات الله التامات من شر ما خَلَقَ، لَمْ يَضُرَّكَ شَيْءٌ إنْ شاءَ الله تعالى". 512- وروينا أيضاً في "سنن أبي داود" [رقم: 3899] وغيره من رواية أبي هريرة رضي الله عنه، وقد تقدم [رقم: 436] روايتنا له عن "صحيح مسلم" [رقم: 2709] في باب: ما يقالُ عند الصباح والمساء. 513- وروينا في "كتاب ابن السني" [رقم: 723] ، عن أنس رضي الله عنه، أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أُوصِي رجلاً إذا أخذ مضجعه أن يقرأ سورة الحشر، وقال: "إنْ مِتَّ مِتَّ شَهِيداً"، أو قال: "مِنْ أهْلِ الجَنَّةَ". 514- وروينا في "صحيح مسلم" [رقم: 2712] ، عن ابن عمر رضي الله عنهما، أنه أمر رجلاً إذا أخذ مضجعه أن يقول: "اللَّهُمَّ أنْتَ خَلَقْتَ نَفْسِي، وأنْتَ تَتَوَفَّاها، لَكَ مَمَاتُها وَمَحْياها، إنْ أحْيَيْتَها فاحْفَظْها، وَإنْ أمَتَّها فاغْفِرْ لَهَا؛ اللَّهُمَّ إنِّي أسألُكَ العافِيَةَ". قال ابن عمر: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. 515- وروينا في "سنن أبي داود" [رقم: 5067] ، والترمذي [رقم: 3392] ، وغيرهما، بالأسانيد الصحيحة؛ حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي قدَّمناه في 105 - باب: ما يقول عند الصباح والمساء [رقم: 437] في قصة أبي بكر الصديق رضي الله عنه: "اللَّهُمَّ فاطِرَ السَّمَوَاتِ والأرْضِ، عالِمَ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، رَبَّ كُلِّ شَيْءٍ ومليكه، أشْهَدُ أنْ لا إِلهَ إِلاَّ أنْتَ، أعوذ بك من شر نفسي، وَشَرّ الشَّيْطانِ وَشِرْكِهِ، قُلْها إذَا أَصْبَحْتَ وَإذَا أَمْسَيْتَ وَإذَا اضْطَجَعْتَ".

516- وروينا في "كتاب الترمذي" [رقم: 3407] ، وابن السني [رقم: 751] ، عن شداد بن أوسٍ رضي الله عنهُ، قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم: "ما مِنْ مُسْلِمٍ يأوي إلى فِرَاشِهِ، فَيَقْرأُ سُورَةً مِنْ كِتابِ اللَّهِ تَعالى حِينَ يأخذُ مضجعهُ إِلاَّ وَكَّلَ اللَّهُ عز وجل بِهِ مَلَكاً لا يَدَعُ شَيْئاً يَقْرَبُهُ يُؤْذِيهِ حتَّى يَهُبَّ من نومه مَتَى هَبَّ" إسناده ضعيف. ومعنى هبّ: انتبه وقام. 517- وروينا في "كتاب ابن السني" [رقم: 750] ، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنَّ الرَّجُلَ إذَا أوَى إلى فِرَاشِهِ ابْتَدَرَهُ مَلَكٌ وشيطانٌ، فَقَالَ المَلَكُ: اللَّهُمَّ اخْتِمْ بِخَيْرٍ، وقال الشيطان: اللهم اخْتِمْ بِشَرّ؛ فإنْ ذَكَرَ اللَّهَ تَعالى، ثُمَّ نامَ، باتَ المَلَكُ يَكْلَؤهُ". 518- وروينا فيه [رقم: 719] ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يقولُ إذا اضجع للنوم: "اللَّهُمَّ باسْمِكَ رَبي، وَضَعْتُ جَنْبِي، فاغْفِرْ لي ذَنْبِي". 519- وروينا فيه [رقم: 724] ، عن أبي أمامة رضي الله عنهُ، قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقولُ: "مَنْ أوَى إلى فِرَاشِهِ طاهِراً، وَذَكَرَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى يُدْرِكَهُ النُّعاسُ، لَمْ ينقلب 1 ساعَةً مِنَ اللَّيْلِ يَسألُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِيها خَيْراً مِنْ خَيْر الدُّنْيا والآخرَةِ إِلاَّ أعْطاهُ إيَّاهُ". 520- وروينا فيه [رقم: 739] ، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أوى فراشه، قال: "اللَّهُمَّ متعني 2 بِسَمْعِي وَبَصَرِي، وَاجْعَلْهُما الوَارِثَ مِنِّي، وَانْصُرْنِي على عَدُوِّي، وَأرِنِي منه ثَأْرِي، اللَّهُمَّ إني أعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ، وَمِنَ الجُوعِ فإنَّهُ بِئْسَ الضجيع". __________ 1 في بعض النسخ: "يتقلب". 2 في بعض النسخ: "أَمْتِعْنِي".

قال العلماء: معنى "اجعلهما الوارث مني" أي: أبقهما صحيحين سليمين إلى أن أموت، وقيل: "المرادُ بقاؤهما وقوتهما عند الكِبَر وضعف الأعضاء وباقي الحواس، أي: اجعلهما وارثيْ قوّة باقي الأعضاء، والباقِيَيْن بعدها؛ وقيل: المرادُ بالسمع: وعي ما يسمعُ والعملُ به، وبالبصر: الاعتبار بما يرى. وروي: "وَاجْعَلْهُ الوَارِثَ مِنِّي" فَرَدَّ الهاء إلى الإِمتاع، فوحَّدَه. 521- وروينا فيه [رقم: 741] ، عن عائشة -رضي الله عنها- أيضاً، قالت: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، منذ صحبته ينامُ حتى فارقَ الدنيا، حتى يتعوّذ من الجبن والكسل والسآمة والبخلِ وسوءِ الكِبَر وسوء المنظر في الأهل والمال، وعذاب القبر، ومن الشيطان وشَرَكِه. 522- وروينا فيه [رقم: 748] ، عن عائشة [رضي الله عنها أيضاً] ، أنها كانتْ إذا أرادتْ النومَ تَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أسألُكَ رُؤْيا صَالِحَةً صَادِقَة غَيْرَ كاذبةِ، نافِعَةً غَيْرَ ضارةٍ. وكانتْ إذا قالت هذا قد عرفُوا أنها غيرُ متكلمةٍ بشيءٍ حتى تُصبح، أو تستيقظَ من الليل. 523- وروى الإِمام الحافظ أبو بكر بن أبي داود [في كتاب "شريعة القارئ" كما نقله ابن علان 170/3] بإسناده عن علي رضي الله عنهُ: قال: ما كنتُ أرى أحداً يعقلُ ينامُ قبل أن يقرأ الآيات الثلاث الأواخر من سورة البقرة. إسنادهُ صحيحٌ على شرط البخاري ومسلمٍ. ["التبيان" للنووي، رقم: 466] . 524- وروي1 أيضاً عن عليّ رضي الله عنهُ: ما أرى أحداً يعقلُ، دخلَ في الإِسلام، ينامُ حتى يقرأ آيةَ الكرسي [سورة البقرة: 255] ["التبيان" للنووي، رقم: 462 و465] . __________ 1 جاء الضبط في بعض النسخ: "ورُوي"؛ فليحرر.

525- وعن إبراهيم النخعي، قال: كانوا يُعلّمونهم إذا أووا إلى فراشهم أن يقرءوا المعوذتين. [سورة الفلق، وسورة الناس] ، ["التبيان"، رقم: 469] . وفي رواية: كانوا يستحبون أن يقرءوا هؤلاء السور في كلّ ليلة ثلاثَ مرات: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} والمعوّذتين [سورة الفلق، وسورة الناس] . إسناده صحيح على شرط مسلم ["التبيان"، رقم: 468] . واعلم أن الأحاديث والآثار في هذا الباب كثيرةٌ، وفيما ذكرناهُ كفاية لمن وُفِّق للعمل به، وإنما حذفنا ما زاد عليه خوفاً من الملل على طالبه، والله أعلم؛ ثم الأولى أن يأتيَ الإِنسانُ بجميع المذكور في هذا الباب، فإن لم يتمكن اقتصرَ على ما يقدرُ عليه من أهمه.

 بابُ كراهةِ النوْم مِن غيرِ ذِكْرِ اللَّه تَعالى:

526- روينا في "سنن أبي داود " [رقم: 5059] ، بإسناد جيد، عن أبي هريرة رضي الله عنهُ، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ قَعَدَ مَقْعَداً لَمْ يَذْكُر اللَّهَ تَعَالى فِيهِ كانَتْ عَلَيْهِ مِنَ اللَّهِ تِرَةٌ، وَمَنْ اضْطَجَعَ مَضْجَعاً لا يَذْكُرُ اللَّهَ تَعالى فِيهِ كانَتْ عَلَيْهِ مِنَ اللَّهِ تَعالى تِرَةٌ" [وسيرد برقم: 1546] . قلت: "الترة" بكسر التاء المثناة فوق وتخفيف الراء، ومعناهُ: نقص، وقيل: تبعة.

بابُ ما يقول إذا استيقظَ في الليل، وأرادَ النَّومَ بعدَه: 527- اعلم أن المستيقظ بالليل على ضربين: أحدهُما من لا ينام بعدَه، وقد قدَّمنا في أوّل الكتاب أذكارَه [الأرقام: 105 - 111] . والثاني من يُريد النوم بعدَه؛ فهذا يُستحبّ له أن يذكرَ الله تعالى إلى أن يغلبه النوم، وجاء فيه أذكار كثيرةٌ، فمن ذلك ما تقدم في الضرب الأوّل. 528- ومن ذلك ما رويناه في "صحيح البخاري" [رقم: 1154] ، عن عُبادة بن الصامت -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ تَعارَّ من اللَّيلِ فَقالَ: لا إِلهَ إِلاََّ اللَّهُ وحدهُ لا شَريكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ، وَلَهُ الحمد، وَهُوَ على كُلّ شيء قدير، والحمدُ لِلَّهِ، وَسُبْحانَ اللَّهِ، وَلا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَاللَّهُ أكْبَرُ، وَلا حَوْلَ ولا قوة إلا بالله"، ثم قال: "اللَّهُمَّ اغْفرْ لي، أوْ دَعا، اسْتُجِيبَ لَهُ، فإنْ تَوَضَّأ قُبِلَتْ صَلاتُهُ". هكذا ضبطناه في أصل سماعنا المحقق، وفي النسخ المعتمدة من البخاري، وسقط قول: "ولا إِله إلاّ الله" قبل: "والله أكبر" في كثير من النسخ، ولم يذكره الحميدي أيضاً في "الجمع بين الصحيحين" وثبت هذا اللفظ في رواية الترمذي [رقم: 3414] وغيره، وسقط في رواية أبي داود [رقم: 5060] . وقوله: "اغفر لي، أو دعا" هو شك من الوليد بن مسلم أحد الرواة، وهو شيخ شيوخ البخاري وأبي داود والترمذي وغيرهم في هذا الحديث. وقوله صلى الله عليه وسلم: "تعارّ" هو بتشديد الراء، ومعناه: استيقظ. 529- وروينا في "سنن أبي داود"، بإسناد لم يضعفه [رقم: 5061] ، عن عائشة -رضي الله عنها- أيضاً، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا استيقظ من الليل قالَ: "لا إِلهَ إِلاَّ أنْتَ، سُبْحانَكَ؛ اللَّهُمَّ أسْتَغْفِرُكَ لِذَنْبِي، وأسألُكَ رَحْمَتَكَ؛ اللَّهُمَّ زدني علما، ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني، وهب لِي مِنْ لَدُنْكَ رحمة، إنك أنت الوهاب". [مر برقم: 111] . 530- وروينا في "كتاب ابن السني" [رقم: 762] ، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان -تعني رسول الله صلى الله عليه وسلم- إذا تعارّ من الليل قالَ: "لا

إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ الوَاحِدُ القَهَّارُ، رَبُّ السَّمَوَاتِ والأرْضِ وَما بَيْنَهُما العَزِيزُ الغَفَّارُ". 531- وروينا فيه [رقم: 758] ، بإسناد ضعيف، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إذا رَدَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إلى العَبْدِ المُسْلِمِ نَفْسَهُ مِنَ اللَّيْلِ، فَسَبََّحَهُ وَاسْتَغْفَرَهُ ودعاهُ، تَقَبَّلَ مِنْهُ". 532- وروينا في "كتاب الترمذي" [رقم: 3401] وابن ماجه [رقم: 3874] ، وابن السني [رقم: 770] ، بإسناد جيد، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "إذا قام أحَدُكُمْ عَنْ فِرَاشِهِ مِنَ اللَّيْلِ ثم عادَ إِلَيْهِ، فَلْيَنْفُضْهُ بِصَنِفَةِ إِزَارِهِ ثَلاث مَرَّاتٍ، فإنَّهُ لا يَدْرِي ما خَلَفَهُ عَلَيْهِ، فإذَا اضْطَجَعَ فَلْيَقُلْ: باسْمِكَ اللَّهُمَّ وَضَعْتُ جَنْبِي، وَبِكَ أرفعهُ، إن أمسكت نَفْسِي فارْحَمْها، وَإِنْ رَدَدْتَها فاحْفَظْها بِما تَحْفَظُ بِهِ عِبادَكَ الصَّالِحين". قال الترمذي: حديث حسن. قال أهل اللغة: "صَنِفة الإِزار" بكسر النون: جانبه الذي لا هدب فيه، وقيل: جانبه، أيّ جانب كان. [راجع رقم: 492 السابق] . 533- وروينا في "موطأ الإِمام مالك رحمه الله" [219/1] في باب الدعاء، آخر كتاب الصلاة؛ عن مالك، أنه بلغه عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- أنه كان يقوم من جوف الليل، فيقول: نامَتِ العُيُونُ، وَغارَتِ النُّجُومُ، وأنْتَ حَيٌّ قَيُوم. قلتُ: معنى "غارت": غربت.

 بابُ ما يقولُ إذا قلقَ في فراشِه فلم ينمْ:

534- روينا في "كتاب ابني السني" [رقم: 754] ، عن زيد بن ثابت -رضي الله عنه- قال: شكوتُ إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أرَقاً أصابني، فقال: "قُل: اللَّهُمَّ غارَتِ النجومُ، وَهَدأتِ العيونُ، وأنْتَ حَيُّ قيومٌ، لا تَأخُذُكَ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ، يا حيُّ يا قيوم، أهدئ لَيْلي، وأنِمْ عَيْنِي"، فقلتُها، فأذهب اللَّه عزّ وجلّ عني ما كنتُ أجدُ. 535- وروينا فيه [رقم: 755] ، عن محمد بن يحيى بن حَبَّان -بفتح الحاء وبالباء الموحدة- أن خالد بن الوليد رضي الله عنه أصابَه أرقٌ، فشكا ذلك إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فأمره أن يتعوّذ عند منامه بكلماتِ اللَّه التَّامَّات من غضبه، ومن شرّ عباده، ومن همزات الشياطين وأن يحضرون. هذا حديث مرسلٌ، محمد بن يحيى تابعي. قال أهل اللغة: "الأرقُ" هو: السهر. 536- وروينا في "كتاب الترمذي" [رقم: 3523] ، بإسناد ضعيفٍ، وضعَّفه الترمذي، عن بُريدة -رضي الله عنه- قال: شكا خالد بن الوليد -رضي الله عنه- إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله! ما أنامُ الليل من الأرق؛ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: "إذَا أوَيْتَ إلى فِرَاشِكَ، فَقُلْ: اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَما أظَلَّتْ، وَرَبَّ الأَرضينَ وَمَا أقَلَّتْ، وَرَبَّ الشَّياطِينِ وَمَا أضَلَّتْ، كُنْ لي جاراً من شر خَلْقِكَ كُلِّهِمْ جَمِيعاً أنْ يَفْرطَ عليّ أحد منهم، وأن يَبْغي عليَّ؛ عَزَّ جارُكَ، وَجَلَّ ثَناؤُكَ، وَلا إِلهَ غَيْرُكَ، وَلا إِلهَ إِلاَّ أنْتَ". __________ 1 قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى في "نتائج الأفكار" 3/ 111: هذا مرسل الإسناد، أخرجه ابن السني، عن علي بن محمد، عن محمد بن أحمد بن النضر، عن مسدد، عن سفيان بن عيينة؛ فوقع لنا عاليًا بدرجتين. وأيوب بن موسى ثقة من رجال الصحيحين، لكن خالفه يحيى بن سعيد الأنصاري؛ فرواه عن محمد بن يحيى، لكن جعل القصة للوليد بن الوليد، وهو أخو خالد بن الوليد. اهـ. ثم قال عن الرواية التي فيها ذكر الوليد بن الوليد: وهذا مرسل صحيح الإِسناد، أخرجه البغوي في "معجم الصحابة" من رواية أبي شهاب عن يحيى بن سعيد. وأخرجه الإمام أحمد في "مسنده" [75/4 و6/6] عن محمد بن جعفر، عن شعبة، عن يحيى؛ لكن قال في روايته: عن الوليد بن الوليد. وهكذا وقع عند البغوي من وجه آخر عن أبي شهاب، ولم يخرج السند بذلك من الانقطاع، فإن محمد بن يحيى من صغار التابعين، وجلّ روايته عن التابعين، والوليد بن الوليد مات في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- وهذا الذكر قد جاء في قصة أخرى لخالد بن الوليد كما سيأتي قريبًا [راجع رقم: 693 التالي] ، فيحتمل أن يكون وقع لكل من خالد والوليد وإن اتحد الدعاء المذكور؛ والله أعلم. اهـ.

 بابُ ما يقولُ إذا كانَ يفزعُ في منامه:

537- روينا في "سنن أبي داود" [رقم: 3893] ، والترمذي [رقم: 3528] ، وابن السني [رقم: 753] ، وغيرها؛ عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يعلمهم من الفزع كلمات: "أعوذُ بِكَلِماتِ اللَّهِ التَّامَّةِ من غضبه، وشر عباده، ومن همزات الشياطين، وأن يحضرون". قال [أبو داود] : وكان عبد الله بن عمرو يعلمهن من عقل من بنيه، ومن لم يعقل كتبه فعلَّقه عليه. قال الترمذي: حديث حسنٌ. 538- وفي رواية ابن السني [رقم: 753] : جاء رجلٌ إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فشكا أنه يفزعُ في منامه، فقالَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم: "إذَا أوَيْتَ إلى فِرَاشِكَ فَقُلْ: أعوذُ بِكَلِماتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ غضبه، ومن شر عباده، ومن همزات الشَّياطِينِ وأنْ يَحْضرُونِ"، فقالها، فذهب عنه. [وراجع الباب 162 التالي] .

 بابُ ما يقولُ إذا رَأى في منامِه ما يُحِبُّ أو يَكرهُ:

539- روينا في "صحيح البخاري" [رقم: 6985] ، عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إذَا رَأى أحَدُكُمْ رُؤْيا يُحِبُّها، فإنَّمَا هِيَ مِنَ اللَّهِ تَعالى، فَلْيَحْمَدِ اللَّه تَعالى عَلَيْها، وَلْيُحَدّثْ بِها". وفي رواية: "فَلا يُحَدِّثْ بِها إِلاَّ مَنْ يُحِبُّ" - "وَإذَا رأى غَيْرَ ذلكَ مِمَّا يَكْرَهُ، فإنَّمَا هِيَ مِنَ الشَّيْطانِ، فَلْيَسْتَعِذْ مِنْ شَرِّها، وَلا يَذْكُرْها لأحَدٍ، فإنها لا تَضُّرُّهُ". 540- وروينا في "صحيحي البخاري" [رقم: 5747] ومسلمٍ [رقم:

2261] ، عن أبي قتادةٍ -رضي الله عنهُ- قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم: "الرُّؤْيا الصَّالِحَةُ" - وفي رواية: "الرُّؤْيا الحسنةُ" - "مِنَ اللَّهِ، والحلمُ مِنَ الشَّيْطانِ، فَمَنْ رأى شَيْئاً يَكْرَهُهُ فَلْيَنْفُثْ عَنْ يَسارِهِ 1 ثَلاثاً، وَلْيَتَعَوَّذْ مِنَ الشَّيْطان، فإنَّهَا لا تَضُرُّهُ". وفي رواية: "فَلْيَبْصُقْ" بدل: "فلينفثْ"، والظاهر أن المراد النفث، وهو: نفخٌ لطيفٌ لا ريق معهُ. 541- وروينا في "صحيح مسلم" [رقم: 2262] ، عن جابر رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "إِذَا رأى أحَدُكُمُ الرُّؤيا يَكْرَهُها فَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسارِهِ ثَلاثاً، وَلْيَسْتَعِذْ باللَّه مِنَ الشَّيْطانِ ثَلاثاً، وَلْيَتَحَوَّلْ عَنْ جَنْبِهِ الذي كان عليه". 542- وروى الترمذي [رقم: 2292] ، من رواية أبي هريرة مرفوعاً: "إذَا رأى أحَدُكُمْ رُؤْيا يَكْرهَها فَلا يُحَدِّثْ بها أحَداً، وَلْيَقُمْ فَلْيُصَلِّ". 543- وروينا في "كتاب ابن السني" [رقم: 775] ، وقال فيه: "إذَا رَأى أحَدُكُمْ رُؤْيا يَكْرَهُها فَلْيَتْفُلْ عن يَسَارِهِ ثَلاث مراتٍ، ثُمَّ ليَقُلِ: اللَّهمَّ إني أعُوذُ بِكَ مِنْ عَمَل الشَّيْطانِ، وَسَيِّئاتِ الأحْلامِ؛ فإنَّهَا لاَ تَكُونُ شَيْئاً". __________ 1 في نسخة: "شماله".

بابُ ما يقولُ إذا قُصَّتْ عليه رُؤيا: 544- روينا في "كتاب ابن السني " [رقم: 778] ، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لمن قال لهُ: رأيت رؤيا، قال: "خَيْراً رَأيْتَ، وخَيْراً يَكُونُ". 545- وفي رواية [رقم: 777] : "خبر تلقاهُ، وشرٌ توقاهُ، خيرٌ لنا، وشرٌ على أعْدَائِنا، والحَمْدُ لِلَّهِ رَبّ العالَمِينَ". والله أعلم.

بابُ الحَثّ على الدًّعاء والاستغفارِ في النصفِ الثاني من الليل كلِّ ليلة: 546- روينا في "صحيحي البخاري" [رقم: 7494] ومسلم [رقم: 758] ، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ينزلُ رَبُّنا كُلَّ ليلةٍ إلى السماء الدنياء حِينَ يَبْقَى ثلثُ اللَّيْل الآخرُ، فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فأسْتَجِيبَ لَهُ؟ مَنْ يَسْألُني فأُعْطِيَهُ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُني فَأَغْفِر لَهُ"؟. وفي رواية لمسلم [رقم: 169/758] : "ينزلُ اللَّهُ سبحانهُ وَتَعالى إلى السَّماءِ الدُّنْيا كُلَّ ليلةٍ حِينَ يَمْضِي ثلثُ اللَّيْلِ الأوَّلُ، فيقولُ: أنا الملكُ، أنا الملكُ، مَنْ ذَا الَّذي يَدْعُونِي فَأسْتَجِيبَ لَهُ؟ مَنْ ذَا الَّذي يَسألُنِي فأُعْطِيَهُ؟ مَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَغْفِرُنِي فأغْفِرَ لَهُ؟ فَلا يَزَالُ كَذَلِكَ حتَّى يُضِيءَ الفَجْرُ". وفي رواية [رقم: 171/758] : "إِذَا مَضَى شطرُ اللَّيْلِ أوْ ثُلثُاه". 547- وروينا في "سنن أبي داود" [رقم: 875] والترمذي [رقم: 3574] ، عن عمرو بن عبسة -رضي الله عنه- أنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "أقْرَبُ ما يَكُونُ الرَّبُّ مِنَ العَبْدِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ الآخر، فإن اسْتَطَعْتَ أنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَذْكُرُ اللَّهَ تَعالى فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فَكُنْ". قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ صحيح.

 بابُ الدُّعاءِ في جَميع ساعاتِ الليل كلِّه رجاءَ أن يُصادف ساعةَ الإِجابة:

548- روينا في "صحيح مسلم" [رقم: 757] ، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقولُ: "إِنَّ في اللَّيْلِ لَساعَةً لا يُوافِقُها رجلٌ مسلمٌ يسألُ الله تعالى خيرًا مِنْ أمْرِ الدُنيا والآخِرَةِ إلاَّ أعْطاهُ اللَّهُ إياهُ، وَذلكَ كل ليلة".

 بابُ أسماء الله الحسنى:

قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الأعراف: 180] . 549- وعن أبي هريرة -رضي الله عنهُ- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنَّ لِلَّهِ تَعالى تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْماً، مائة إِلاَّ وَاحِداً، مَنْ أحْصَاها دَخَلَ الجَنَّةَ، إنه وترٌ يحبُ الوتر. هُوَ اللَّهُ الَّذي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ، الرَّحْمَنُ، الرَّحِيمُ، المَلِكُ، القُدُّوسُ، السلامُ، المؤمنُ، المهيمنُ، العَزِيزُ، الجَبَّارُ، المُتَكَبِّرُ، الخالِقُ، البارئ، المُصَوّرُ، الغفارُ، القهارُ، الوهابُ، الرزاقُ، الفتاحُ، العليمُ، القابضُ، الباسطُ، الخافضُ، الرافعُ، المُعِزُّ، المذلُ، السميعُ، البَصِيرُ، الحكمُ، العدلُ، اللطيفُ، الخبيرُ، الحليمُ، العظيمُ، الغفورُ، الشكورُ، العليُ، الكبيرُ، الحفيظُ، المغيثُ، الحَسِيبُ، الجليلُ، الكريمُ، الرقيبُ، المجيبُ، الواسعُ، الحكيمُ، الودودُ، المجيدُ، الباعثُ، الشهيدُ، الحقُ، الوكيلُ، القويُ، المتينُ، الوَليُّ، الحميدُ، المحصي، المبدئُ، المعيدُ، المُحْيِي، المميتُ، الحيُ، القَيُّومُ، الوَاجِدُ، الماجدُ، الواحدُ، الصمدُ، القادرُ، المقتدرُ، المقدمُ، المؤخرُ، الأولُ، الآخرُ، الظاهرُ، الباطنُ، الوَالي، المتعالِ، البَرُّ، التوابُ، المنتقمُ، العفوُ، الرؤوفُ، مالكُ الملكِ، ذُو الجلالِ وَالإِكْرَامِ، المقسطُ، الجامعُ، الغَنِيُّ، المُغْنِي، المانعُ، الضَّار، النافعُ، النورُ، الهَادِي، البديعُ، الباقِي، الوَارِثُ، الرشيدُ، الصَّبُورُ". هذا حديث [رواهُ] البخاري [رقم: 6410] ، ومسلم [رقم: 2677] إلى قوله: "يحبّ الوتر"، وما بعده حديثٌ حسنٌ، رواهُ الترمذي [رقم: 3507] وغيره [كابن ماجه، رقم: 3861] . قوله: "المغيثُ"، رُوي بدلهُ: "المقيتُ" بالقاف والمثناةِ، وروي:

"القريبُ" بدل: "الرقيب"، وروي: "المبين" بالموحدة بدل: "المتين" بالمثناة فوق، والمشهور: "المتين". ومعنى "أحصاها": حفظها، هكذا فسره البخاري والأكثرون، ويؤيده أن في رواية في "الصحيح" [عند مسلم، رقم: 5677] : "مَنْ حَفِظَهَا دَخَلَ الجَنَّةَ". وقيل: معناه من عرف معانيها، وآمن بها، وقيل: معناه: من أطاقها1 يُحسن الرعاية لها، وتخلَّق بما يمكنه من العمل بمعانيها؛ والله أعلم2. __________ 1 في نسخة: "أحصاها". 2 كنت طبعت كتاب "المقصد الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى" لحجة الإسلام أبي حامد محمد بن محمد الغزالي، ومختصر له ليوسف بن إسماعيل النبهاني، اسمه "مختصر المقصد الأسني"؛ وكلاهما من منشروات الجفان والجابي للطباعة والنشر، لماسول، قبرص؛ فراجعهما فإنهما مفيدان.

كتاب تلاوة القرآن تلاوة القرآن فصل في المحافظة على قراءة القرآن

  كتاب تلاوة القرآن:

[تلاوة القرآن] : 550- اعلم أن تلاوة القرآن هي أفضل الأذكار، والمطلوب القراءة بالتدبر، وللقراءة آدابٌ ومقاصد، وقد جمعت قبل هذا فيها كتاباُ1 مختصرًا مشتملاً على نفائس من آداب القرّاء والقراءة، وصفاتها، وما يتعلق بها، لا ينبغي لحامل القرآن أن يخفى عليه مثله، وأنا أشيرُ في هذا الكتاب إلى مقاصدَ من ذلك مختصرة، وقد دللتُ من أراد ذلك، وإيضاحه على مظنته، وبالله التوفيق.

  125- فضل [في المحافظة على قراءة القرآن] :

551- ينبغي أن يحافظ على تلاوته ليلاً ونهاراً، سَفَرًا وحَضَرًا، وقد كانت للسلف رضي الله عنهم عاداتٌ مختلفةٌ في القدر الذي يختمون فيه، فكان جماعةٌ منهم يختمون في كل شهرين ختمة، وآخرون في كل شهر ختمة، وآخرون في كل عشر ليال ختمة، وآخرون في كل ثماني ليالي ختمة، وآخرون في كل سبع ليالٍ ختمة، وهذا فعل الأكثرين من السلف، وآخرون في كل ستّ ليالٍ، وآخرون في خمس، وآخرون في أربع، __________ 1 هو "التبيان في آداب حملة القرآن"، وقد حققته وطبعته لدى الجفان ولجابي للطباعة والنشر، ليماوسل، قبرص؛ وكذلك مختصره الذي اختصره الإمام النووي نفسه رحمه الله تعالى.

وكثيرون في كل ثلاث ختمة1، وكان كثيرون يختمون في كل يوم وليلة ختمة، وختم جماعةٌ في كل يوم وليلةٍ ختمتين، وآخرون في كل يوم وليلةٍ ثلاث ختماتٍ، وختمُ بعضهم في اليوم والليلة ثماني ختماتٍ: أربعاً في الليل، وأربعاً في النهار. ["التبيان" للنووي، رقم: 99] . 552- وممّن ختم أربعاً في الليل وأربعاً في النهار السيدُ الجليلُ [أبو علي الحسنُ بن أحمد] ابن الكاتب الصوفي -رضي الله عنهُ- وهذا أكثرُ ما بلغنا في اليوم والليلة. ["التبيان" للنووي، رقم: 104] . 553- وروى السيد الجليل أحمد [بن إبراهيم] الدورقي -بإسناده- عن منصور بن زاذان من عباد التابعين -رضي الله عنه- أنه كان يختم القرآن فيما بين الظهر والعصر، ويختمه أيضاً فيما بين المغرب والعشاء، ويختمه فيما بين المغرب والعشاء في رمضان ختمتين وشيئاً، وكان يؤخر العشاء في رمضان إلى أن يمضي ربع الليل ["حلية الأولياء" 57/3 و58؛ "مختصر قيام الليل" صفحة: 158؛ "التبيان" للنووي، رقم: 105] . 554- وروى ابن أبي داود بإسناده الصحيح، أنّ مجاهداً رحمه الله، كان يختم القرآن في رمضان فيما بين المغرب والعشاء [في كل ليلة من رمضان] ["التبيان" للنووي، رقم: 106] . 555- وأما الذين ختموا القرآن في ركعة فلا يُحصون لكثرتهم، __________ 1 قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في "نتائج الأفكار" 153/3: تنبيه: لم يذكر الشيخ من كان يقرؤه في ليلتين، وقد عقد له ابن أبي داود بابًا. اهـ. ثم أورد أن الأسود بن يزيد النخعي وسعيد بن جبير وعطاء بن السائب أنهم كانوا يختمون القرآن في كل ليلتين.

فمنهم عثمان بن عفان، وتميم الدّاري، وسعيد بن جبير رضي الله عنهم ["التبيان" للنووي، رقم: 109] . 556- والمختارُ أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص، فمن كان يظهر له بدقيق الفكر لطائف ومعارف فليقتصر على قدر يحصلُ له معهُ كمالُ فهم ما يقرأ، وكذا من كان مشغولاً بنشر العلم، أو فصل الحكومات بين المسلمين، أو غير ذلك من مهمات الدين والمصالح العامَّة للمسلمين، فليقتصر على قدرٍ لا يحصلُ بسببه إخلالٌ بما هو مرصدٌ لهُ، ولا فوات1 كماله، ومن لم يكون من هؤلاء المذكورين فليستكثْر ما أمكنه من غير خروج إلى حدّ الملل، أو الهذرمة2 في القراءة ["التبيان" للنووي، رقم: 111] . 557- وقد كره جماعةٌ من المتقدمين الختم في يوم وليلة، ويدلّ عليه ما رويناهُ بالأسانيد الصحيحة في "سنن أبي داود" [رقم: 1394] ، والترمذي [رقم: 2949] والنسائي [في "الكبرى" كما في "التحفة"، رقم: 8950] وغيرها [ابن ماجه، رقم: 1347] عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم: "لاَ يَفْقَهُ مَنْ قَرأ القُرآنَ فِي أقَلّ مِنْ ثَلاثٍ" ["التبيان" للنووي، رقم: 112] . 558- وأما وقتُ الابتداء والختم فهو إلى خيرة القارئ، فإن كان ممّن يختمُ في الأسبوع مرّة، فقد كان عثمانُ رضي الله عنه يبتدئ ليلة الجمعة، ويختم ليلة الخميس ["التبيان" للنووي، رقم: 113] . 559- وقال الإِمام أبو حامد الغزالي3 في "الإحياء" [276/1] : الأفضل __________ 1 في نسخة: "فوت". 2 قال المؤلف في شرح "الهذرمة" في "التبيان" رقم: 84: الهذرمة، بالذات المعجمة: سرعة الكلام الخفي. اهـ. 3 قال المؤلف في ضبط كلمة "الغزالي" في "التبيان" رقم: 85: الغزالي، هو: محمد بن محمد بن أحمد، وهكذا يقال بتشديد الزاي، وقد رُوي عنه أنه أنكر هذا، وقال: إنما أنا الغزالي بتخفيف الزاي، منسوب إلى قرية من قرى طوس يقال له: غزالة. اهـ.

أن يختم ختمة بالليل وأخرى بالنهار، ويجعل ختمة النهار يوم الاثنين في ركعتي الفجر أو بعدهما، ويجعل ختمة الليل ليلة الجمعة في ركعتي المغرب أو بعدهما، ليستقبل أوّل النهار وآخره ["التبيان" للنووي، رقم: 114] . 560- وروى ابن أبي داود، عن عمرو بن مرة التابع الجليل رضي الله عنه، قال: كانوا يحبّون أن يختم القرآن من أوّل الليل، أو من أول النهار، ["التبيان" للنووي، رقم: 115] . 561- وعن طلحة بن مصرف1 التابعي الجليل الإِمام، قال: من ختم القرآن أية ساعةٍ كانت من النهار صلّتْ عليه الملائكةُ حتى يمسي، وأية ساعةٍ كانت من الليل صلَّت عليه الملائكةُ حتى يُصبح. وعن مجاهد نحوه. ["التبيان" للنووي، رقم: 116] . 562- وروينا في "مسند" الإِمام المجمع على حفظه وجلالته وإتقانه وبراعته: أبي محمد الدارمي رحمهُ الله [470/2] ، عن سعد ابن أبي وقاص رضي الله عنه، قال: إذا وافق ختم القرآن أول الليل صلّت عليه الملائكة حتى يصبح، وإن وافق ختمه آخر الليل صلّت عليه الملائكة حتى يُمسي. قال الدارمي: هذا حسنٌ عن سعدٍ. ["التبيان" للنووي، رقم: 117] . __________ 1 قال المؤلف في "التبيان" الرقم: 86: طلحة بن مصرف، بضم الميم وفتح الصاد وكسر الراء، وقيل: يجوز فتح الراء وليس بشيء. اهـ.

 126- فصل في الأوقات المختارة للقراءة:

563- اعلم أن أفضل القراءة ما كَانَ في الصلاة، ومذهب الشافعي وآخرين رحمهم الله: أن تطويلَ القيام في الصلاة بالقراءة أفضلُ من تطويل السجود وغيره. 564- وأما القراءةُ في غير الصلاة، فأفضلُها قراءة الليل، والنصف الأخير من أفضل من الأوّل، والقراءةُ بين المغرب والعشاء محبوبة. 565- وأما قراءةُ النهار، فأفضلُها ما كان بعد صلاة الصبح، ولا كراهةَ في القراءة في وقت من الأوقات، ولا في أوقات النهي عن الصلاة. 566- وأما ما حكاهُ ابن أبي داود رحمه الله، عن مُعان بن رفاعة، رحمهُ الله، عن مشيخةٍ1 أنهم كرهوا القراءة بعدَ العصر، وقالوا: إنها دراسة يهود، فغير مقبول، ولا أصل له. 567- ويختارُ من الأيام: الجمعة، والاثنين، والخميس، ويوم عَرَفَة؛ ومن الأعشار: العشر الأوّل من ذي الحجة، والعشر الأخير من شهر رمضان؛ ومن الشهور: رمضان. __________ 1 في نسخة: "مشيخته".

 127- فصل في آداب الختم وما يتعلق به:

568- قد تقدَّم أن الختم للقارئ وحدَه يُستحب أن يكون في صلاة. 569- وأما من يختم في غير صلاةٍ، كالجماعةِ الذين يختمون مجتمعين، فيُستحبّ أن يكون ختمُهم في أوّل الليل، أو أوّل النهار، كما تقدم ["التبيان" للنووي، رقم: 385] . 570- ويُستحبّ صيامُ يومِ الختم إلا أن يُصادف يوماً نهى الشرعُ عن صيامه. وقد صحّ عن طلحة بن مصرّف، والمسيّب بن رافع، وحبيب بن أبي ثابت التابعيّينَ الكوفيّينَ -رحمهم الله أجمعين- أنهم كانوا يُصبحون صيامًا في اليوم الذي كانوا يختمون فيه ["التبيان" للنووي، رقم: 387] .

571- ويُستحبّ حضورُ مجلس الختم لمن يقرأ ولمن لا يُحسن القراءة. 572- فقد روينا في "الصحيحين" [البخاري، رقم: 324؛ ومسلم، رقم: 890] : أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمر الْحُيَّضْ بالخروج يومَ العيد، فيشهدْنَ الخيرَ، ودعوةَ المسلمين ["التبيان" للنووي، رقم: 388] . 573- وروينا في "مسند الدارمي" [468/2] ، عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه كان يجعل رجلاً يراقبُ رجلاً يقرأ القرآن، فإذا أراد أن يختمَ أعلم ابنَ عباس رضي الله عنهما، فيشهد ذلك ["التبيان" للنووي، رقم: 389] . 574- وروى ابن أبي داود بإسنادين صحيحين، عن قَتادَة التابعيّ الجليل الإِمام صاحب أنس رضي الله عنه، قال: كان أنسُ بنُ مالكٍ رضي الله عنه إذا ختم القرآن جمع أهلهُ ودعا [الدارمي، 469/2؛ و"حلية الأولياء" 260/7؛ "التبيان" للنووي، رقم: 390] . 575- وروَى بأسانيد صحيحة، عن الحكم بن عُتَيْبَةَ -بالتاء المثناة فوق، ثم المثناة تحت، ثم الباء الموحدة- التابعي الجليل الإِمام قال: أرسل إليّ مجاهد وعبدةُ ابن أبي لُبابة، فقالا: إنا أرسلنا إليك لأنّا أردنا أن نختم القرآن، والدعاءُ يستجابُ عند ختم القرآن [ورواه الدارمي، رقم: 3485؛ وابن الضريس في "فضائل القرآن" 49؛ "التبيان" للنووي، رقم: 391] . وفي بعض رواياته الصحيحة: أنه كان يقالُ: إن الرحمة تنزلُ عند خاتمةِ القرآن ["التبيان" للنووي، رقم: 392] . 576- وروى بإسناده الصحيح، عن مُجاهد، قال: كانوا يجتمعون عند ختم القرآن ويقولون: إن الرحمة تنزل عند ختم القرآن ["نتائج الأفكار" 173/3؛ "التبيان" للنووي، رقم: 393] .

 128- فصل [في استحباب الدعاء بعد ختم القرآن]

577- ويستحب الدعاءُ عقيب1 الختم استحباباً متأكداً تأكيدًا شديداً لما قدّمناه ["التبيان" للنووي، رقم: 494] . 578- وروينا في "مسند الدارمي" [470/2] ، عن حُميد الأعرج رحمه الله، قال: مَن قرأ القرآن، ثم دعا؛ أمَّنَ على دعائه أربعةُ آلاف مَلَك ["التبيان" للنووي، رقم: 395] . 579- وينبغي أن يُلحّ في الدعاء؛ وأن يدعوَ بالأمور المهمة، والكلمات الجامعة، وأن يكون معظم ذلك، أو كله في أمور الآخرة، وأمور المسلمين، وصلاح سلطانهم، وسائر ولاة أمورهم، وفي توفيقهم للطاعات، وعِصمتهم من المخالفات، وتعاونهم على البرّ والتقوى، وقيامهم بالحقّ، واجتماعهم عليه، وظهورهم على أعداء الدين، وسائر المخالفين ["التبيان" للنووي، رقم: 396] . وقد أشرت إلى أحرف من ذلك من كتاب " [التبيان في] آداب [حملة] القرآن"2 [رقم: 397 - 410] وذكرتُ فيه دعوات وجيزة، من أرادها نقلَهَا منه. 580- وإذا فرغ من الختمة، فالمستحبّ أن يشرع في أخرى متصلاً بالختم، فقد استحبّه السَّلفُ، واحتجّوا فيه بحديث أنس رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "خَيْرُ الأعْمالِ الحَلُّ وَالرِّحْلَةُ" قيل: وما هما؟ قال: "افْتِتاحُ القرآن وختمه" ["التبيان" للنووي، رقم: 411] . [وروى الطبراني في "المعجم الكبير" [رقم: 12783] ، وعنه أبو نُعيم في "حلية الأولياء" 260/2؛ عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رجل: يا رسول الله! أي العمل أفضلُ؟ قال: "عليك بالحال المرتحل" قال: وما الحال المرتحل؟ قال: "صاحب القرآن يضرب من أوله إلى آخره، ثم يضربُ من آخره إلى أوله، كلما حل ارتحل"] . __________ 1 في نسخة: "عند". 2 في الأصل: "كتاب آداب القرّاء".

 129- فصل في مَنْ نامَ عَنْ حزبه ووظيفته المعتادة:

581- روينا في "صحيح مسلم" [رقم: 747] ، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "مَنْ نامَ عَنْ حِزْبِهِ مِنَ اللَّيْلِ، أوْ عَنْ شَيْءٍ منه، فقرأه ما بَيْنَ صَلاةِ الفَجْرِ وصلاة الظهر، كتب له كأنما قرأه من الليل" ["التبيان" للنووي، رقم: 135] .

 130- فصل في الأمر بتعهد القرآن، والتحذير من تعريضه للنسيان:

582- روينا في "صحيحي" البخاري [رقم: 5033] ، ومسلم [رقم: 791] ؛ عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنهُ- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "تَعَاهَدُوا هَذَا القُرآنَ، فَوَالَّذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ تَفَلُّتاً مِنَ الإِبِلِ في عُقُلها" ["التبيان" للنووي، رقم: 131] . 583- وروينا في "صحيحيهما" [البخاري، رقم: 5031؛ ومسلم، رقم: 789] ، عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِنَّمَا مَثَلُ صاحِبِ القُرآنِ كَمَثَلِ الإِبلِ المُعقَّلَةِ، إِنْ عاهَدَ عَلَيْها أمْسَكَها، وَإِنْ أطْلَقَها ذهبت" ["التبيان" للنووي، رقم: 132] . 584- وروينا في كتاب أبي داود [رقم: 461] ، والترمذي [رقم:

2916] ، عن أنس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عُرضت عَلَيَّ أجورُ أُمتي، حتَّى القذاةُ يخرجُها الرجلُ مِن المَسْجِدِ، وَعُرِضَتْ عَلَيَّ ذنوبُ أُمَّتِي، فَلَمْ أَرَ ذَْنباً أعْظَمَ مِنْ سُورَةٍ مِنَ القُرآنِ، أوْ آيَةٍ أُوتِيهَا رَجُلٌ ثُمَّ نَسِيَها" تكلم الترمذي فيه ["التبيان" للنووي، رقم: 133] . 585- وروينا في "سنن أبي داود" [رقم: 1474] ، و"مسند الدارمي" [437/2، رقم: 3343] ، عن سعد بن عبادة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "مَنْ قَرأ القُرآنَ ثُمَّ نَسِيَهُ لَقِيَ اللَّهَ تَعَالى يَوْمَ القِيامَةِ أجذم" ["التبيان" للنووي، رقم: 134] .

 131- فصل في مسائل وآداب ينبغي للقارئ الاعتناء بها:

586- وهي كثيرةٌ جداً، نذكرُ منها أطرافاً محذوفة الأدلة لشهرتها، وخوف الإِطالة المملّة بسببها. 587- فأوّل ما يُؤمر به الإِخلاص في قراءته، وأن يُريدَ بها وجه اللَّهَ سبحانه وتعالى، وأن لا يقصدَ بها توصلاً إلى شيء سوى ذلك، وأن يتأدَّبَ مع القرآن، ويستحضرَ في ذهنه أنه يناجي اللَّهَ سبحانه وتعالى، ويتلو كتابه، فيقرأ على حالِ مَن يرى الله تعالى، فإنه إن لم يره فإن اللَّه تعالى يراه ["التبيان" للنووي، رقم: 138] .

 132- فصل [في أحكام السواك]

588- وينبغي إذا أراد القراءة أن ينظّفَ فمهُ بالسِّواك وغيره، والاختيار في السواك أن يكونَ بعود الأراك، ويجوزُ بغيره من العيدان، وبالسعد1، والأشنان2، والخرقة الخشنة، وغير ذلك مما ينظف. وفي حصوله بالأصبع الخشنة ثلاثة أوجه لأصحاب الشافعي رحمه الله: أشهرُها عندهم: لا يحصل، والثاني: يحصلُ، والثالث: يحصل إن لم يجد غيرها، ولا يحصل إن وجد. ويستاك عرضاً مبتدئاً بالجانب الأيمن من فمه، وينوي به الإِتيان بالسنّة ["التبيان" للنووي، رقم: 139] . 589- قال بعض أصحابنا: يقولُ عند السواك: اللهمَّ بارك لي فيه يا أرحم الراحمين ["التبيان" للنووي، رقم: 140] . 590- ويَستاك في ظاهر الأسنان وباطنها، ويمرّ السواك على أطراف أسنانه، وكراسي أضراسه، وسقف حلقه، إمراراً لطيفاً ["التبيان" للنووي، رقم: 141] . 591- ويستاك بعود متوسط، لا شديد اليبوسة ولا شديد اللين، فإن اشتدّ يبسه ليَّنه بالماء. أما إذا كان فمه نجساً بدم أو غيره، فإنه يكره له قراءة القرآن قبل غسله، وهل يحرم؟ فيه وجهان: أصحُّهما لا يحرمُ؛ وسبقت المسألةُ أوّل الكتاب [رقم: 59؛ وراجع "التبيان" للنووي، رقم: 142] . وفي هذا الفصل بقايا تقدّم ذكرها في "الفصول" التي قدمتها في أوّل الكتاب [الفصول 8 - 12] . __________ 1 السعد، قال في "القاموس": نبات طيب معروف، فيه منفعة عجيبة في القروح التي عسر اندمالها. 2 نبات في بادية الشام، يستعملُ مطحونُ أوراقه الجافة في غسل الأيدي والشباب كالصابون، ,إذا حرق فرمادهُ مادة: القلي = ثاني كربونات الصوديوم.

 133- فصل [في آداب قراءة القرآن]

592- ينبغي للقارئ أن يكون شأنه الخشوع والتدبر والخضوع، فهذا هو المقصود المطلوب، وبه تنشرح الصدور، وتستنير القلوب، ودلائله أكثر من أن تحصر، وأشهر من أن تُذكر ["التبيان" للنووي، رقم: 171] . 593- وقد بات جماعة من السلف يتلو الواحد منهم آية واحدة ليلة كاملة، أو معظم ليلةٍ يتدبرها عند القراءة1. وصعق جماعةٌ منهم عند القراءة، ومات جماعاتٌ منهم [حال القراءة] ["التبيان" للنووي، رقم: 172] . 594- ويستحبّ البكاء والتباكي لمن لا يقدر على البكاء، فإن البكاء عند القراءة صفة العارفين، وشعارُ عِبادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، قال الله تعالى: {وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً} [الإسراء: 109] وقد ذكرتُ آثاراً كثيرة وردت في ذلك في "التبيان في آداب حملة القرآن" [الأرقام: 187 - 195] . 595- قال السيد الجليل صاحبُ الكراماتِ والمعارفِ والمواهب واللطائف إبراهيم الخواصُ رضي الله عنه دواء القلب خمسة أشياء: قراءة القرآن بالتدبر، وخلاء البطن، وقيام الليل، والتضرّع عند السحر، ومجالسة الصالحين. ["الرسالة القشيرية" ضمن ترجمة أبي إسحاق إبراهيم بن أحمد الخواص] . __________ 1 قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله في "نتائج الأفكار" 191/3: قلت: جاء ذلك عن تميم الداري وعبد الله عن مسعود، وعن أسماء وعائشة ابنتي أبي بكر الصديق رضي الله عنهم نحوه. اهـ.

 134- فصل [في فضل قراءة القرآن في المصحف]

596- قراءة القرآن في المصحف أفضل من القراءة من حفظه [راجع ما رواه الدارمي، رقم: 3354] ، هكذا قاله أصحابنا، وهو مشهورٌ عن السلف رضي الله عنهم؛ وهذا ليس على إطلاقه، بل إن كان القارئ من حفظه يحصل له من التدبر والتفكّر وجمع القلب والبصر أكثرُ مما يحصلُ له من المصحف، فالقراءة من الحفظ أفضلُ، وإن استويا فمن المصحف أفضل، وهذا مراد السلف.

 135- فصل [في أيهما أفضل: رفع الصوت بالقرآن أو خفضه]

597- جاءت آثارٌ بفضيلة رفع الصوت بالقراءة، وآثارٌ بفضيلة الإِسرار؛ قال العلماءُ: والجمع بينهما أن الإِسرار أبعد من الرياء، فهو أفضل في حقّ مَن يخاف ذلك، فإن لم يَخَفِ الرياءَ، فالجهر أفضل، بشرط ألا يؤذي غيره من مصلٍّ، أو نائم، أو غيرهما. ودليل فضيلة الجَهْر أن العمل فيه أكبرُ؛ ولأنه يتعدى نفعه إلى غيره؛ ولأنه يُوقظ قلب القارئ، ويجمع همَّه إلى الفكر، ويصرف سمعه إليه؛ ولأنه يطردُ النومَ، ويزيد في النشاط، ويُوقظ غيره من نائمٍ وغافلٍ، وينشطهُ، فمتى حضرهُ شيءٌ من هذه النيّات، فالجهرُ أفضل.

 136- فصل [في تحسين الصوت عند قراءة القرآن]

598- ويستحبّ تحسين الصوت بالقراءة وتزيينها ما لم يخرج عن حدّ القراءة بالتمطيط، فإن أفرط حتى زاد حرفاً، أو أخفى حرفاً فهو حرام ["التبيان"، رقم: 260] . 599- وأما القراءة بالألحان، فهي على ما ذكرناهُ، إن أفرط فحرامٌ، وإلا فلا؛ والأحاديث بما ذكرناهُ من تحسين الصوت كثيرةٌ مشهورةٌ في الصحيح وغيره، وقد ذكرتُ في "آداب القراءة1" قطعة منها [التبيان"، الأرقام: 261 - 268] . __________ 1 في نسخة: "آداب القراء".

 137- فصل [في كيفية التلاوة]

600- ويستحب للقارئ إذا ابتدأ من وسط السورة أن يبتدئ من أوّل الكلام المرتبط بعضه ببعض، وكذلك إذا وقفَ يقفَ على المرتبط، وعند انتهاء الكلام، ولا يتقيّدُ في الابتداء ولا في الوقف بالأجزاء والأحزاب والأعشار، فإن كثيراً منها في وسط الكلام المرتبط بالكلام، ولا يغترُّ الإِنسانُ بكثرةِ الفاعلين لهذا الذي نهينا عنه ممّن لا يُراعِي هذه الآداب، وامتثِلْ ما قاله السيد الجليل أبو عليّ الفُضَيْل بن عياض رضي الله عنه: لا تستوحشْ طرقَ الهدى لقلّة أهلها، ولا تغترّ بكثرة الهالكين. [سيرد برقم: 835 و1362] ولهذا المعنى قال العلماءُ: قراءة سورةٍ بكمالها أفضل من قراءة قدرها من سورة طويلة؛ لأنه قد يخفى الارتباط على كثير من الناس أو أكثرهم في بعض الأحوال والمواطن ["التبيان" الأرقام: 275 - 277] .

 138- فصل [في بدع القراءة]

601- ومن البدع المنكرة ما يفعلُه كثيرون من جهلة المصلّين بالناس التراويحَ من قراءة سورة الأنعام بكمالها في الركعة الأخيرة منها في الليلة السابعة، معتقدين أنها مستحبة، زاعمين أنها نزلت جملة واحدة1، فيجمعون في فعلهم هذا أنواعاً من المنكرات، منها اعتقادها مستحبة، ومنها إيهام العوّام ذلك، ومنها تطويل الركعة الثانية على الأولى، ومنها التطويل على المأمومين، ومنها هذرمة القراءة، ومنها المبالغة في تخفيف الركعات قبلها ["التبيان"، رقم: 283] . __________ 1 قال الحافظ: ورد أنها نزلت جملة واحدة في عدة أحاديث [راجع "مجمع الزوائد" 19/7 و20] . فأخرجه أبو عبيد في "فضائله" [رقم: 430] ، وابن المنذر، والطبراني [في "المعجم الكبير"، رقم: 1293] ، عن ابن عباس بسند حسن. وأخرجه الطبراني [في "المعجم الكبير"، رقم: 1293] وابن مردويه وأبو نُعيم في "الحلية" [44/3؛ عن ابن عمر] بسند ضعيف. وأخرجه ابن مردويه، عن ابن مسعود بسند ضعيف. وأخرجه الدارقطني في "الأفراد" [راجع "شعب الإيمان" 2210 و2200] ، والطبراني في "الأوسط" ["مجمع البحرين" صفحة: 292] ، وابن مردويه، عن أنس بن مالك بسند حسن. وأخرجه إسحاق بن راهويه في "مسنده"، والطبراني ["المعجم الكبير": 450/24] عن أسماء بنت يزيد بسند حسن. وأخرجه الحاكم في "المستدرك" [315/2] ، عن جابر؛ وقال: صحيح على شرط مسلم، وتعقبه الذهبي، فقال: أظن الحديث موضوعًا؛ وليس كما ظن لما قدمته من شواهده. وفي الباب غير هذا من الواهيات ضعفًا وانقطاعًا، وفيما ذكرته كفاية ولادلالة على أن لذلك أصلاً. ["نتائج الأفكار" 227/3 - 229] . قلتُ [والقول للسيوطي] : وقد استوفيت جميع ما ورد في " [الدر المنثور في] التفسير بالمأثور".

 139- فصل [في حكم تسمية السور]

602- يجوز أن يقولَ: سورة البقرة، وسورة آل عمران، وسورة النساء، وسورة العنكبوت، وكذلك الباقي، ولا كراهةَ في ذلك؛ وقال بعض السلف: يُكره ذلك1، وإنما يقالُ: السورة التي تُذكر فيها البقرة، والتي يُذكر فيها النساء، وكذلك الباقي، والصواب الأوّل، وهو قولُ جماهير علماء المسلمين من سلف الأمة وخلفها، والأحاديثُ فيه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أكثر من أن تحصر، وكذلك عن الصحابة فمن بعدهم، وكذلك لا يُكره أن يُقال: هذه قراءةُ أبي عمرو، وقراءةُ ابن كثير، وغيرهما، هذا هو المذهب الصحيحُ المختارُ الذي عليه عمل السلف والخلف من غير إنكار، وجاء عن إبر اهيم النخعي رحمه الله أنه قال: كانوا يكرهون أن يقال: سنّة فلانٍ، وقراءةُ فلانٍ؛ والصوابُ ما قدّمناه. ["التبيان" الأرقام: 434 و439 و440] . __________ 1 قال الحافظ: مستند هذا القائل وورد النهي عن ذلك في حديث: "لا تقولوا: سورة البقرة، ولا سورة آل عمران، ولا سورة النساء؛ ولكن قولوا: السورة التي يُذكر فيها البقرة، والسورة التي يُذكر فيها آل عمران، والسورة التي يُذكر فيها النساء" أخرجه الطبراني ["مجمع الزوائد" 157/7] في الأوسط من حديث أنس، والجمع بينه وبين حديث: "من قرأ الآيتين مِنْ آخِرِ سُورَةِ البقرة.." [البخاري، رقم: 5009؛ مسلم، رقم: 808] ، يمكن بأن يكون هذا البيان للجواز، وصرف النهي عن التحريم، ولا سيما إذا قلت بما قال الشيخ: إنه يعملُ في الفضائل بالحديث الضعيف. ["نتائج الأفكار" 231/3 و234] .

 140- فصل [في النهي عن قول: نسيت آية كذا]

603- يُكره أن يقول: نسيتُ آية كذا، أو سورة كذا، بل يقول أُنسيتها، أو أسقطتها ["التبيان" للنووي، رقم الفقرة: 429] . 604- روينا في "صحيحي" البخاري [رقم: 5032] ومسلم [رقم: 790] ، عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا يَقُولُ أحَدُكُمْ: نَسِيتُ آيَةَ كَذَا وَكَذَا، بَلْ هُوَ نُسِّي" ["التبيان" للنووي، رقم الفقرة: 430] . 605- وفي رواية "الصحيحين" أيضًا: "بئس ما لأحَدِهِمْ أنْ يَقُولَ: نَسِيتُ آيَةَ كَيْتَ وكيت، بَلْ هُوَ نُسِّي" ["التبيان" للنووي، رقم الفقرة: 431] . 606- وروينا في "صحيحيهما" [البخاري، رقم: 5042 ورقم: 5038؛ ومسلم، رقم: 788] ، عن عائشة رضي الله عنها، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقرأ، فقال: "رَحِمَهُ اللَّهُ، لَقَدْ أذْكَرَنِي آيَةً كُنْتُ أسْقَطْتُهَا" 1. وفي رواية في الصحيح [البخاري، رقم: 5038] : "كنت أنسيتها" ["التبيان"، رقم: 432] . __________ 1 في نسخة: "أسقطتها".

 141- فصل [في آداب التلاوة]

607- اعلم أن آداب القارئ والقراءة لا يمكنُ استقصاؤها في أقلّ من مجلدات، ولكنا أردنا الإِشارة إلى بعض مقاصدها المهمات بما ذكرناه من هذه الفصول المختصرات، وقد تقدم في الفصول السابقة في أوّل الكتاب شيءٌ من آداب الذاكر والقارئ [رقم: 79] ، وتقدم أيضاً في أذكار الصلاة جملٌ من الآداب المتعلقة بالقراءة، وقد قدّمنا الحوالة على كتاب "التبيان في آداب حملة القرآن" لمن أراد مزيداً، وبالله التوفيقُ، وهو حسبي ونِعمَ الوكيل.

 142- فصل [في أن تلاوة القرآن أفضل الأذكار]

608- اعلم أن قراءة القرآن آكد الأذكار كما قدمناه1، فينبغي المداومة عليها، فلا يُخلي عنها يوماً وليلة، ويحصل له أصلُ القراءة بقراءة الآيات القليلة. __________ 1 في نسخة: "قدمنا".

609- وقد روينا في "كتاب ابن السني" [رقم: 676] ، عن أنس رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ قَرأ في يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَمْسِينَ آيَةً لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الغافِلِينَ، ومن قرأ مائة آيَةٍ كُتِبَ مِنَ القانِتِينَ، وَمَنْ قَرأ مائتي آيَةٍ لَمْ يُحاجهِ القُرآنُ يَوْمَ القِيامَةِ، ومن قرأ خمس مائة آية كُتِبَ لَهُ قِنْطارٌ مِنَ الأجْرِ". وفي رواية [رقم: 677] : "مَنْ قَرأ أَرْبَعِينَ آيَةً" بدل: "خمسين". وفي رواية فيه [رقم: 703] : "عشرين آية". 610- وفي رواية فيه [رقم: 707] : عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قَرأ عَشْرَ آياتٍ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الغافلين". وجاء من الباب أحاديثُ كثيرةٌ بنحو هذا. 611- وروينا أحاديث كثيرة في قراءة سورة في اليوم والليلة، منها [سورة] "يس" و [سورة] {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} ، و [سورة] "الواقعة" و [سورة] "الدخان". 612- فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قَرأ "يس" فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ابْتِغاءَ وَجْهِ اللَّهِ غُفِرَ لَهُ" [ابن السني، رقم 679] . 613- وفي رواية له [ابن السني، رقم: 684] : "مَنْ قَرأ سُورَةَ "الدُّخانِ" فِي لَيْلَةٍ أصْبَحَ مَغْفُوراً لَهُ". 614- وفي رواية [لابن السني، رقم: 685] ، عن ابن مسعود رضي الله عنه، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مَنْ قَرأ سُورَةَ "الوَاقِعَةِ" فِي كُلّ ليلة لَمْ تُصِبْهُ فاقَة".

615- وعن جابر رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينامُ1 حتى يقرأ: {آلم، تَنْزِيلُ الْكِتَابِ} السجدة، و {تَبَارَكَ} الملك. 616- وعن أبي هريرة رضي الله عنه [عند ابن السني، رقم: 691] ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ قَرَأ فِي لَيْلَة: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ} كانَتْ لَهُ كَعِدْلِ نِصْفِ القرآن، ومن قرأ: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} كَانَتْ لَهُ كَعِدْل رُبْعِ القُرآنِ، وَمَنْ قَرأ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} كانَتْ لَهُ كَعِدْلِ ثُلُثِ القُرآن". 617- وفي رواية [لابن السني، رقم: 692] : "مَنْ قَرأ آيَة الكُرْسِيّ، وأوَّل {حم، تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ، غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ} [غافر: 1-3] عُصِمَ ذلكَ اليَوْمَ مِنْ كُلّ سُوءٍ". والأحاديث بنحو ما ذكرناهُ كثيرةٌ، وقد أشرنا إلى المقاصد، والله أعلم بالصواب، وله الحمد والنعمة، وبه التوفيق والعصمة. __________ 1 في نسخة: "لا ينام كل ليلة".

كتاب حمد الله تعالى حمد الله تعالى مدخل

  كتاب حمد الله تعالى:

[حَمْدِ اللَّهِ تعالى] : قال الله تعالى: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} [النمل: 59] . وقال الله تعالى: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا} [النمل: 93] . وقال تعالى: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً} [الإِسراء: 111] وقال تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7] وقال تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ} [البقرة: 152] والآيات المصرّحة بالأمر بالحمد والشكر، وبفضلهما كثيرة معروفة. 618- وروينا في "سنن أبي داود" [رقم: 4840] ، وابن ماجه [رقم: 1894] ، و"مسند أبي عوانة الإسفراييني" المخرَّج على "صحيح مسلم" رحمهم الله، [في أول صحيحه في خطبته] عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "كُلُّ أمرٍ ذِي بالٍ لا يُبْدأُ فِيه بالحَمْد لِلَّهِ فَهُوَ أقْطَعُ". وفي رواية [ابن حبان في "الموارد"، رقم: 578؛ وفي "صحيحه"، رقم: 1و 2؛ والنسائي في "عمل اليوم والليلة"، رقم: 494] : "بَحَمْدِ اللَّهِ". وفي رواية [ابن ماجه، رقم: 1894] : "بالحَمْدِ فَهُوَ أقْطَعُ".

وفي رواية [أبي داود، رقم: 4840] : "كل كلام لا يُبْدأُ فِيهِ بالحَمْد لِلَّهِ فَهُوَ أجْذَمُ". وفي رواية ["الجامع لأخلاق الراوي والسامع" للخطيب البغدادي، 1232] : "كل أمرٍ ذي بالٍ لا يُبْدأُ فِيهِ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَهوَ أقْطَعُ". روينا هذه الألفاظ كلها في "كتاب الأربعين" للحافظ عبد القادر الرهاوي، وهو حديث حسن، وقد رُوي موصولاً كما ذكرنا، ورُوي مرسلاً، ورواية الموصول جيدةُ الإِسناد، وإذا رُويَ الحديثُ موصولاً وملاسلًا فالحكم للاتصال عند جمهور العلماء؛ لأنها زيادة ثقةٍ، وهي مقبولة عند الجماهير. [سيرد برقم: 1443] . ومعنى "ذي بالٍ" أي: له حالٌ يهتمُ بهِ، ومعنى "أقطعُ" أي: ناقصٌ، قليلُ البركةِ، و"أجذمُ" بمعناهُ، وهُو بالذالِ المعجمةِ وبالجيم. 619- قال العلماء: فيُستحبّ البداءةُ بالحمدِ للَّه لكل مصنفٍ، ودارسٍ، ومدرسٍ، وخطيب، وخاطب، وبين يدي سائر الأمور المهمة. 620- قال الشافعي رحمه الله: أحبّ أن يقدّم المرء بين يدي خطبته، وكل أمرٍ طلبهُ: حمدَ الله تعالى، والثناءَ عليه سبحانهُ وتعالى، والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 144- فصل [في حمد الله في ابتداء كل أمرٍ]

621- اعلم أن الحمدَ مستحبٌّ في ابتداء كل أمرِ ذي بالٍ كما سبق. 622- ويستحبُ بعد الفراغ من الطعام والشراب، والعطاس، وعند خطبةِ المرأة -وهو طلب زواجها- وكذا عند عَقْدِ النِّكَاح، وبعد الخروج من الخلاء؛ وسيأتي بيانُ هذه المواضع في أبوابها بدلائلها، وتفريع مسائلها إن شاء الله تعالى، وقد سبق بيان ما يُقال بعد الخروج من الخلاء في بابه [رقم: 31] ، ويُستحبّ في ابتداء الكتب المصنفة كما سبق، وكذا في ابتداء دروس المدرّسين، وقراءة الطالبين، سواءٌ قرأ حديثاً، أو فقهاً، أو غيرهما، وأحسنُ العبارات في ذلك: الحمدُ لله رب العالمين.

 145- فصل [في أن الحمد ركنٌ في خطبة الجمعة]

623- حمدُ الله تعالى ركنٌ في خطبة الجمعة وغيرها، لا يصحّ شيء منها إلا به. وأقلُ الواجبِ: الحمدُ لله. والأفضلُ أن يزيد من الثناء، وتفصيلهُ معروفٌ في كُتُبِ الفقهِ، ويشترطُ كونُها بالعربية.

 146- فصل [في استحباب ختم الدعاءِ بحمدِ الله]

624- يُستحبّ أن يختم دعاءهُ بـ: الحمدُ لله ربّ العالمين، وكذلك يبتدئهُ بـ الحمدُ لله، قال الله تعالى: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [يونس: 10] . 625- وأما ابتداءُ الدُعاءِ بحمدِ الله وتمجيده، فسيأتي دليلهُ من الحديث الصحيح قريباً في كتابِ الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم [برقم: 648] إن شاء الله تعالى.

 147- فصل [في حمد الله عند حدوث النعم وزوال النقم]

626- يُستحبّ حمدُ الله تعالى عند حصول نعمةٍ، أو اندفاع مكروهٍ، سواءٌ حصل ذلك لنفسه، أو لصاحبه، أو للمسلمين. 627- روينا في "صحيح مسلم" [رقم: 168] ، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتيَ ليلة أُسري به بقدحين من خمرٍ ولبنٍ، فنظر إليهما، فأخذ اللبن، فقال له جبريلُ: "الحمد لله الذي هداك للفطرة، لو أخذت الخمر غَوَت أُمتك".

 148- فصل [في حمد الله عند موت قريب]

628- روينا في "كتاب الترمذي" [رقم: 1021] وغيره، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنهُ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا مات ولدُ العبدِ قالَ الله تعالى لملائكته: قَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِي؟ فيقولون: نعم! فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم! فيقولُ: فماذا قال عبدي؟ فَيَقُولُونَ: حَمِدَكَ وَاسْتَرْجَعَ، فيقولُ اللَّهُ تَعالى: ابنوا لعبدي بَيْتاً في الجَنَّةِ وسموهُ بَيْتَ الحَمْدِ"، قال الترمذي: حديث حسن. [وسيرد برقم: 759] . 629- والأحاديث في فضل الحمد كثيرةٌ مشهورةٌ، وقد سبق في أوّل الكتاب جملةٌ من الأحاديث الصحيحة في فضل: سبحانَ الله، والحمدُ لله؛ ونحو ذلك. [الباب رقم: 18] .

 149- فصل [في بيان أفضل صيغ الحمد]

630- قال المتأخرون من أصحابنا الخراسانيين: لو حلف إنسان ليحمدنّ الله تعالى بمجامع الحمد -ومنهم مَن قال: بأجلّ التحاميد- فطريقه في برَ يمينه أن يقول: الحمدُ لله حمداً يوافي نعمهُ، ويكافئ مزيدهُ. ومعنى "يُوافي نعمه" أي: يُلاقيها، فتحصل معهُ؛ و"يكافئُ" بهمزةٍ في آخره، أي: يُساوي مزيدَ نعمه، ومعناهُ: يقوم بشكرِ ما زادهُ من النِعم والإِحسان.

631- قالوا: ولو حلف ليثنينَّ على الله تعالى أحسنَ الثناء، فطريق البرّ أن يقول: لا أحُصي ثناءً عليك أنتَ كما أثنيتَ على نفسك. وزاد بعضُهم في آخره: فلك الحمد حتى ترضى. 632- وَصَوَّر أبو سعد المتولي المسألة فيمن حلف: ليثنينّ على الله تعالى بأجلّ الثناء وأعظمه، وزاد في أوّل الذكر: سبحانك. 633- وعن أبي نصر التمار، عن محمد بن النضر رحمه الله تعالى، قال: قال آدم عليه السلام: يا رَبّ! شَغَلْتَنِي بِكَسْبِ يَدِي، فَعَلِّمْنِي شَيْئاً فِيهِ مجامعُ الحمدِ وَالتَّسْبِيحِ، فأوحى اللَّهُ تبارك وتعالى إليه: يا آدَمُ! إذَا أصْبَحْتَ فَقُلْ ثَلاثاً، وَإذَا أمْسَيْتَ فَقُلْ ثَلاثاً: الحمدُ لِلَّهِ رَبّ العالَمِينَ حمدا يوافي نعمهُ، ويكافئُ مزيدهُ؛ فَذَلِكَ مجامعُ الحمدِ وَالتَّسْبِيحِ، والله أعلم1. __________ 1 قال ابن الصلاح في "مشكل الوسيط": هذا حديثٌ ضعيفُ منقطع الإسناد ["نتائج الأفكار" 289/3] . وقال الحافظ: رجالُ إسناده إلى محمد بن النضر ثقات، لكن محمد النضرب لم يكن صاحب حديث، ولم يجئ عنه شيء مسند. وقد روى عنه من كلامه جماعة، منهم: عبد الله بن المبارك، وعبد الرحمن بن مهدي، ويحيى بن عبدُ الملك بن أبي غنية، وأبو أسامة حماد بن أسامة، وقال: كان [من] أعبدِ أهل الكوفة. وأبو نصر التمار راوي هذا الأثر عنه، واسمُه عبدُ الملك بن عبد العزيز، ووهم من ز عم أنه داود بن صالح، ذاك شيخ قديمٌ مديني. وروى محمد بن النضر هذا، عن الأوزاعي، حديثين موقوفين بغير سندٍ من الأوزاعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ويُستفاد من هذا معرفة طبقته، وأن شيوخهُ من أتباع التابعين، ولعله بلغه هذا الأثر عن بعض الإسرائيليات. ["نتائج الأفكار" 289/3] .

 كتاب الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم:

[الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم] : قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56] . والأحاديث في فضلها والأمر بها أكثرُ من أن تُحصر، ولكن نُشيرُ إلى أحرفٍ من ذلك تنبيهاً على ما سواها، وتبرّكاً للكتاب بذكرها. 634- روينا في "صحيح مسلم" [رقم: 384] ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "مَنْ صَلَّى عَليَّ صَلاةً صَلَّى الله عليه بها عشرًا". [راجع رقم: 214 السابق] . 635- وروينا في "صحيح مسلم" [رقم: 408] أيضاً، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ صَلَّى عَليَّ واحدةً صلى الله عليه عَشْراً". 636- وروينا في "كتاب الترمذي" [رقم: 484] ، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أوْلى النَّاسِ بي يَوْمَ القِيامَةَ أَكْثَرُهُمْ عَليَّ صَلاةً" قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ. قال الترمذي، وفي الباب عن عبد الرحمن بن عوفٍ، وعامرِ بن ربيعة، وعمارٍ، وأبي طلحة، وأنسٍ، وأُبيّ بن كعبٍ رضي الله عنهم.

637- وروينا في "سنن أبي داود" [رقم: 1047] ، والنسائي [رقم: 1047] ، والنسائي [رقم: 1374] ، وابن ماجه [رقم: 1085 ورقم: 1636] بالأسانيد الصحيحة1، عن أوس بن أوس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن مِنْ أفْضَلِ أيَّامِكُمْ يوم الجمعة، فأكثروا عَليَّ مِنَ الصَّلاةِ فِيهِ، فإنَّ صَلاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَليَّ"، فقالوا: يا رسول الله! وكيف تعرضُ صلاتُنا عليك، وقد أرَمْتَ؟ -قال: يقولُ: بليت- قال: "إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ على الأرض أجْسادَ الأنْبِياءِ". قلتُ: "أرَمْتَ" بفتح الراء وإسكان الميم، وفتح التاء المخففة. قال الخطابي [في "معالم السنن" 635/1] : أصلهُ: أرممت، أي: صرت رميمًا، فحذفوا إحدى الميمين، وهي لغةٌ لبعض العرب، كما قالوا: ظلتُ أفعلُ كذا، أي: ظللتُ، في نظائر لذلك. وقال غيرهُ: إنما هو أرَمَّتْ، بفتح الراء والميم المشددة وإسكان التاء، أي: أرمَّت العظامُ، وقيل فيه أقوالٌ أُخر؛ والله أعلم. 638- وروينا في "سنن أبي داود" [رقم: 2042] في آخر كتاب الحجّ، في باب زيارة القبور، بالإِسناد الصحيح، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيداً، وَصَلُّوا عليَّ، فإنَّ صَلاتَكُمْ تَبْلُغُنِي حَيْثُ كُنْتُمْ". 639- وروينا فيه [رقم: 2041] أيضاً بإسناد صحيح، عن أبي هريرة أيضاً، أن رسو الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من أحدٍ يُسلمُ علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام". __________ 1 قال الحافظ: في قوله: بالأسانيد الصحيحة نظر؛ لأنه يوهم أن للحديث في السنن الثلاثة طرقًا إلى أوس بن أوس، وليس كذلك؛ فإن مداره عندهم وعند غيرهم على حسين بن علي الجعفي، تفرد به عن شيخه، وكذا من فوقه، عن من فوقه، وكأنه قصد بالأسانيد شيوخهم خاصة [وراجع "جلاء الأفهام" لابن قيم الجوزية، الصفحة: 80 وما بعدها] .

151- بابُ أمرِ مَنْ ذُكِرَ عندَه النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالصَّلاة عليه والتسليم صلى الله عليه وسلم: 640- روينا في "كتاب الترمذي" [رقم: 3545] ، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسوُ الله صلى الله عليه وسلم: "رَغِمَ أنْفُ رجلٍ ذكرتُ عندهُ فَلَمْ يصلِّ عَليَّ" قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ. 641- وروينا في "كتاب ابن السني" [رقم: 382] بإسناد جيد، عن أنس رضي الله عنهُ، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ ذكرتُ عندهُ، فليصلُ عَليَّ، فإنَّهُ مَنْ صَلَّى عَليَّ مَرَّةً، صَلَّى اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- عَلَيْهِ عَشْراً". 642- وروينا فيه [رقم: 383] بإسناد ضعيف، عن جابر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَليَّ فَقَدْ شَقِيَ". 643- وروينا في "كتاب الترمذي" [رقم: 3546] ، عن علي رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "البخيلُ مَنْ ذكرتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يصلِّ عَليَّ". قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ [غريبٌ] ، ورويناه في كتاب النسائي ["عمل اليوم والليلة" رقم: 55 ورقم: 56] من رواية الحسين بن عليّ رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال الإمام أبو عيسى الترمذي عند هذا الحديث: يروى عن بعض أهل العلم قال: إذا صلى الرجلُ على النبي صلى الله عليه وسلم مرّة في المجلس أجزأ عنه ما كَانَ في ذلك المجلس.

بابُ صفةِ الصَّلاة على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم مدخل

  152- بابُ صفةِ الصَّلاة على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم

644- قد قدّمنا في كتاب أذكار الصلاة صفة الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يتعلَّقُ بها، وبيان أكملها وأقلها. [الأرقام: 378 - 381] وأمَّا ما قالهُ بعضُ أصحابنا، وابن أبي زيد المالكي [كما في "الثمر الداني" صفحة: 121] من استحباب زيادةٍ على ذلك، وهي: وَارْحَمْ مُحَمَّداً، وآلَ محمدٍ. فهذا بدعةٌ لا أصل لها. وقد بالغ الإمامُ أبو بكر بن العربي المالكي في كتابه "شرح الترمذي" [271/2 - 272] في إنكار ذلك، وتخطئة ابن أبي زيد في ذلك، وتجهيل فاعله، قال: لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم علَّمنا كيفيةَ الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، فالزيادة على ذلك استقصار لقوله، واستدراك عليه صلى الله عليه وسلم؛ وبالله التوفيق1. __________ 1 هذه مسألة مهمة، وتكلم الناسُ فيها، وأنا أسوق كلامهم فيها ليستفاد. قال الإمام أبو الخطاب أبو دحية في كتاب "التنوير في كلام السراج المنير"، قالوا: إذا ذكر رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أحدٌ من أمته انبغى له أنّ يُصلِّيَ عليه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى عَليَّ مَرَّةً صلى اللهُ عليه عشرًا" [مسلم، رقم: 408] ، ولا يجوز أن يترتحم عليه؛ لأنه لم يقل: من ترحم عليّ، ولا من دعا لي؛ وإن كانت الصلاة بمعنى الرحمة؛ فكأنه خص بها اللفظ تعظيمًا له. قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب: 56] ، ولم يقل: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يترحمون على النبي، وإن كان المعنى واحدًا. وقال الرافعي في "الشرح الكبير": قال الصيدلاني: ومن الناس من يزيد: وَارْحَمْ مُحَمَّداً وآلَ محمدٍ كما رحمت على إبراهيم، وربما يقولون: كما ترحمت على إبراهيم. قال: وهذا لم يرد في الخبر، وهو غير فصيح، فإنه لا يقالُ: رحمت عليه، وإنما يقالُ: رحمته. وأما الترحم، ففيه معنى التكلف والتصنع، فلا يحسن إطلاقه في حق الله تعالى. ونقل الأذرعي في "التوسط" مثل ذلك عن القفال والروياني، وقال الزركشي في "الخادم"، قال النووي في "شرح مسلم": المختار أنه لا يذكر الرحمة؛ لأنهُ عليه الصلاة والسلام علمهم الصلاة بدونها، وإن كان الدعاء الرحمة، فلا تفردُ بالذكر، وكذا قال القاضي عياضُ وغيره. =

.................................. __________ وممّن نصّ على إطلاق منع الرحمة في حق النبي صلى الله عليه وسلم على الانفراد الحافظ أبو عمر ابن عبد البر، وأبو القاسم الأنصاري شارح "الإرشاد" والقاضي عياش في "الإكمال" ونقله عن الجمهور. وقال الحافظ زين الدين أبو الفضل العراقي في "شرح الترمذي": اختلف في جواز ذلك أو مشروعيته، فمنع أبو عمر بن عبد البر الدعاء له بالرحمة والمغفرة، وذهب أبو محمد بن أبي زيد من المالكية إلى استحباب الإتيان في الصلاة عليه بالترحم. وكذلك اختلف أصحابُ الشافعي أيضًا في ذلك؛ فحكى الرافعي عن أبي بكر الصيدلاني.. وذكر ما تقدم. ثم قال: وقوله: إنه لم يرد في الخبر، ليس بجيد، فقد ورد، لكنه لم يصح، ويجوز أن يقال في الضعيف ورد. وهو ما رواه الإمام أحمد في "المسند" [353/5] من رواية أبي داود الأعمى، عن بريدة، قال: قلنا: يا رسول الله! قد علمنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟ قال: "قولوا: اللهم اجعل صلواتك ورحماتك وبركاتك على محمدٍ وعلى آل محمد، كما جعلتها على إبراهيم إنك حميدٌ مجيدٌ". وأبو داود الأعمى اسمه نفيع ضعيف جدًّا، رافضي، متهم بوضع الحديث. وروى التيمي في مسلسلاته، والقاضي عياض في "الشفا" من طريق حرب بن الحسن الطحان، عن يحيى بن المساور، عن عمرو بن خالد، عن زيد بن علي بن الحسين، عن أبيه، عن جده، عن علي بن أبي طالب، قال: عدهن في يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "عدهن في يدي جبريل، وقال: هكذا نزلت من عند رب العزة: اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيدُ، اللهم وترحم على محمدٍ وعلى آل محمد، كما ترحمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيدُ، اللهم وتحنن على محمدٍ وعلى آل محمد، كما تحننت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، اللهم وسلم على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما سلمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيدٌ". قال العراقي: وعمرو ويحيى كل منهما غير ثقةٍ، والإسنادُ ضعيف جدًّا، عمرو بن خالد الكوفي كذاب وضاع، ويحيى بن المساور كذبه الأزدي أيضًا، وحرب بن الحسن الطحان أورده الأزدي في الضعفاء، قال: وليس حديثه بذاك. ثم قال العراقي: وفي إنكار جواز الدعاء له بالرحمة نظر، فقد ثبت في التشهد: "السلام عليك أيها النبي ورحمة الله ... "، ففي هذا الدعاء له بالرحمة. وقد ثبت في الصحيح، في قصة الأعرابي: "اللهم ارحمني ومحمدًا" [البخاري: رقم: 220] . ومن أنكر الإتيان بهذا اللفظ في التشهد فليس مدركه في ذلك أن الدعاء به له ممتنع؛ فقد قال ابن العربي =

................................... __________ = عَقِبَهُ: ويجوز أن يترحم عليه في كل وقت، وإنما مدركه أن هذا باب اتباع وتعبد، فيقتصر فيه على المنصوص، وتكون الزيادة فيه بدعة؛ لأنه إحداث عبادة في محل مخصوص لم يرد بها نص، وابن أبي زيد لم يقل هذا من عند نفسه من غير دليل ورد بجانبه، وإنما قاله اتباعًا لأحاديث وردت فيه، وإن كانت لم تصح، فلعل ابن أبي زيد رأى هذا من فضائل الأعمال التي يُتساهلُ فيها في الحديث الضعيف، لاندراجه في العمومات، ويكون صح عنده بعضها. فقد روي الحاكم في "مستدركه" [269/1] وصححه، عن ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا تشهد أحدكم في الصلاة، فليقل: اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد، وارحم محمدًا وآل محمد، كما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم، إنك حميدٌ مجيدٌ". فهذا أصح ما ورد في ذكر الرحمة في التشهد. وقد قال القاضي عياضُ في "الشفاء": ذهب أبو عمر بن عبد البر وغيره إلى أنه لا يدعى له بالرحمة، وإنما يدعى له بالصلاة والبركة التي تختص به، ويدعى لغيره بالرحمة والمغفرة. ثم نقل عن بكر القشيري قال: الصلاة من الله تعالى لمن دون النبي صلى الله عليه وسلم رحمة، وله تشريف وزيادة مكرمة، فإذا عرفنا الخلاف في ذلك، فسواءٌ فسرنا الصلاة من الله بالرحمة أو المغفرة أو الثناء عليه عند الملائكة، أو التعظيم أو التشريف وزيادة المكرمة؛ لو أتينا عقب التشهد في الصلاة بأحد هذه الألفاظ لم يتم مقامُ الصلاة ولم يسقط بذلك فرضها، ولا حصلت سنتها عند من يراها سنة للتعبد بهذا اللفظ دون غيره من الألفاظ، وباب العبادات يُتلقى من الشارع على حسب ما ورد من غير رواية بالمعنى ولا زيادة ولا نقص، وهذا مدرك ابن العربي وغيره في إنكار لفظ الرحمة في هذا المحل الخاص، مع نقل ابن العربي عن علمائهم؛ أن الصلاة من الله الرحمة؛ فإن أتى بلفظ الرحمة بدل الصلاة فهذا يمنع اتفاقًا عند القائل به، ولعله أرجح لضعف الأحاديث في ذلك. وقال الشيخ بدر الدين ابن الدماميني في كتاب "حُسن الاقتصاص فيما يتعلق بالاختصاص": ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه لا يدعى له بالرحمة، وإنما يدعى له بالصلاة والبركة التي يختص بها، ويدعى لغيره بالرحمة والمغفرة؛ كذا قال ابن عبد البر وعد ذلك من خصائصه. قال: وقد رويت الصلاةُ على النبي صلى الله عليه وسلم من طرق متواترة بألفاظ متقاربة، وليس في شيء منها "وارحم محمدًا وآل محمد" وإنما فيها لفظ الصلاة والبركة لا غير، ولا أحب لأحد أن يقول: وارحم محمدًا. والصلاة وإن كانت من الله الرحمة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم خص بهذا اللفظ. قال ابن الدماميني: وقد ذكر ابن أبي زيد في "رسالته" في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم ارحم محمدًا وآل محمد" وحجتهُ ما ثبت في التشهد: "السلام عليك أيها النبي =

.................................... __________ = ورحمة الله وبركاته" فلا معنى لإنكار الدعاء له بالرحمة بعد تعليمه إيّانا الدعاء بها له. قال الحافظ ابن حجر في "أماليه": قد سبق إلى إنكار ذلك من الفقهاء الشافعية: الصيدلاني، وحكاهُ عند الرافعي ولم يتعقبه. ومن المحدثين المالكية أبو عمر بن عبد البر في "الاستذكار" وليس يجيد منهم، فإنها وردت من حديث أبي هريرة، ومن حديث ابن مسعود، ومن حديث ابن عباس، ومن حديث بريدة: فحديث أبي هريرة أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" [رقم: 641] بسند عنه صلى الله عليه وسلم، قال: "من قال: اللهم صل على محمدٍ وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وترحم على محمد وعلى آل محمد، كما ترحمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، شهدت له يوم القيامة بالشهادة، وشفعت له". وحديث ابن عباس أخرجهُ أبو جعفر الطبري بسند ضعيف عنه، قال: قالوا: يا رسول الله! قد علمنا السلام عليك، فيكف الصلاة عليك؟ قال: "قولوا: اللهم صل على محمدٍ وعلى آل محمدٍ كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيدًا". وحديث ابن مسعود وبريدة مرا. وروى أبو بكر بن أبي عاصم بسند ضعيف؛ عن أبي هريرة قال: يا رسول الله! أمرنا الله بالصلاة، فكيف الصلاة عليك؟ قال: "قولوا: اللهم صل على محمدٍ وعلى آل محمدٍ؛ كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم، وارحم محمدًا وآل محمدٍ كما رحمت على إبراهيم وآل إبراهيم، والسلامُ كما قد علمتُم". وروي ابن ماجه [رقم: 906] وغيرُه، بسندٍ حسن؛ عن ابن مسعودٍ، قال: إذا صليتم على النبي صلى الله عليه وسلم فأحسنوا الصلاة عليه، فإنكم لا تدرون لعل ذلك يعرضُ عليه. قالوا له: فعلمنا. قال: قولوا: اللهم اجعل فضائل صلواتك ورحمتك وبركاتك على سيد المرسلين ... الحديث. ورواه بعضهم عن ابن مسعود مرفوعًا. وروى أبو القاسم البغوي في "فوائده" عن ثوير مولى بني هاشم، قال: قلت لابن عمر: كيف الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: اللهم اجعل ... فذكر نحوه. فهذه الأحاديث يشد بعضها بعضًا، وأقواها أولها، ويدل مجموعها على أن للزيادة أصلاً. وأما حديثُ علي: "عدهن في يدي" فاعتقادي أنه موضوع. انتهى كلام الحافظ ابن حجر. وأقول: الذي دلت عليه هذه الأحاديثُ جوازُ الدعاء له بالرحمة على سبيل التبعية لذكر الصلاة والسلام، كما في سلام التشهد على وجه الإطناب والحكاية، وأما على وجه الإفراد، كأن يُقال: النبي رحمهُ الله! فلا شك في منعه، وهو خلاف الأدب، وخلاف المأمور به عند ذكره من الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، ولا ورد ما يدل عليه البتة، ورب شيء يجوز تبعًا ولا يجوز استقلالًا، ونظيرهُ هنا الصلاة على غير الأنبياء؛ فإنها تجوز على وجه التبعية لهم، وتمتنع على وجه الاستقلال؛ والله أعلم.

 153- فصل [في الجمع بين الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم]

645- إذا صَلَّى على النبي صلى الله عليه وسلم، فليجمعْ بين الصلاةٍ والتسليم، ولا يقتصرْ على أحدهما، فلا يقل: "صلّى الله عليه" فقط، ولا "عليه السلام" فقط.

 154- فصل [في رَفْعِ الصَّوْتِ بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم]

646- يُستحب لقارئ الحديث وغيره ممّن في معناهُ، إذا ذُكر رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، أن يرفَعَ صوتهُ بالصلاة عليه والتسليم، ولا يبالغ في الرفع مبالغة فاحشة. وممّن نصّ على رفع الصوت: الإمامُ الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي وآخرون، وقد نقلتُه إلى علوم الحديث ["تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي"، 136/2] . 647- وقد نصَّ العلماء من أصحابنا وغيرهم أنه1 يُستحبّ أن يرفع صوته بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في التلبية؛ "الأم" للشافعي 157/2] والله أعلمُ. __________ 1 في نسخة: "على أنهُ".

بابُ استفتاحِ الدُّعاء بالحمدِ لله تعالى والصَّلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: 648- روينا في "سنن أبي داود" [رقم: 1481] ، والترمذي [رقم: 3476 ورقم: 3477] ، والنسائي [رقم: 1284] ، عن فَضَالة بن عُبيد رضي الله عنه، قال: سمع رسولُ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم رجلاً يدعو في صلاته لم يمجّدِ الله تعالى، ولم يصلِّ على النبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "عَجِلَ هَذَا" ثم دعاهُ فقال لهُ، أو لغيره: "إذَا صَلَّى أحَدُكُمْ فَلْيَبْدأ بِتَمْجِيدِ رَبِّهِ سُبْحانَهُ، وَالثَّناءِ عَلَيْهِ، ثُمَّ يُصَلِّي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يَدْعُو بَعْدُ بِمَا شاءَ". قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ صحيح. وروينا في "كتاب الترمذي" [رقم: 486] ، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: إن الدعاء موقوف بين السماء والأرض، لا يصعدُ منه شيءٌ حتى تُصلي على نبيّك صلى الله عليه وسلم. 650- قلتُ: أجمع العلماءُ على استحباب ابتداءِ الدعاِ بالحمد لله تعالى، والثناء عليه، ثم الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك يختم الدعاء بهما؛ والآثارُ في هذا الباب كثيرٌ معروفة. [راجع رقم: 648 السابق] .

 بابُ الصَّلاة على الأنبياءِ وآلهم تبعاً لهم صلى الله عليهم وسلم مدخل بابُ الصَّلاة على الأنبياءِ وآلهم تبعاً لهم صلى الله عليهم وسلم

651- أجمعوا على الصلاة على نبيّنا محمّدٌ صلى الله عليه وسلم، وكذلك أجمع من يُعتّد به على جوازها واستحبابها على سائر الأنبياء والملائكة استقلالاً. وأما غيرُ الأنبياء، فالجمهور على أنه لا يُصلّى عليهم ابتداء، فلا يقالُ: أبو بكر صلى الله عليه وسلم. واختُلف في هذا المنع، فقال بعض أصحابنا: هو حرامٌ، وقال أكثرهم: مكروهٌ كراهةَ تنزيهٍ، وذهب كثيرٌ منهم إلى أنهُ خلافُ الأوْلَى، وليس مكروهاً، والصحيحُ الذي عليه الأكثرون أنه مكروهٌ كراهةَ تنزيه؛ لأنه شعارُ أهل البدع، وقد نُهينا عن شعارهم. والمكروهُ هو ما ورد فيه نهيٌ مقصود. 652- قال أصحابنا: والمعتمدُ في ذلك أن الصَّلاةَ صارتْ مخصوصةً في لسان السلف بالأنبياء صلواتُ الله وسلامُه عليهم، كما أن قولنا: عزَّ

وَجَلّ، مخصوصٌ بالله سبحانهُ وتعالى، فكما لا يقالُ: محمدٌ عز وجل -وإن كان عزيزاً جليلاً- لا يقالُ: أبو بكرٍ أو عليّ صلى الله عليه وسلم وإن كان معناهُ صحيحاً. 653- واتفقوا على جواز جعل غير الأنبياء تبعاً لهم في الصلاة، فيقالُ: اللَّهمّ صلّ على مُحمدٍ، وعلى آل محمدٍ، وأصحابه، وأزواجه، وذرِّيته، وأتباعه، للأحاديث الصحيحة في ذلك؛ وقد أُمرنا به في التشهد، ولم يزل السلفُ عليه خارج الصلاة أيضاً. 654- وأما السلامُ، فقال الشيخ أبو محمدٍ [عبد الله بن يوسف] الجويني [والدُ إمام الحرمين] من أصحابنا: هُو في معنى الصلاة، [فإن الله تعالى قرن بينهما] فلا يُستعملُ في الغائب، فلا يُفردُ به [غائبٌ] غير الأنبياء، فلا يقالُ: [أبو بكر وعمرُ و] عليّ عليه السلامُ؛ [, إنما يقول ذلك خطابًا للأحياء والأموات] وسواءٌ في هذا الأحياءُ والأمواتُ. وأما الحاضر، فيُخاطب به، فيقال: سلامٌ عليكَ أو: سلامٌ عليكم، [أو عليك] أو: السَّلام عليكَ أو عليكم؛ وهذا مجمع عليه. وسيأتي إيضاحه في أبوابه إن شاء الله تعالى1. __________ 1 الإضافات المحصورة بين معقوفين من "شرح صحيح مسلم" للنووي.

 157- فصل [في الترضي على الصحابة والترحم على التابعين]

655- يُسْتَحَبُّ الترضّي والترحّم على الصحابة والتابعين فمن بعدهم من العلماء والعبَّاد وسائر الأخيار، فيقال: رضي الله عنه، أو رحمهُ الله، ونحو ذلك. وأما ما قالهُ بعضُ العلماء: إن قوله رضي الله عنه مخصوص بالصحابة، ويقالُ في غيرهم: رحمهُ الله فقط؛ فليس كما قال، ولا يوافق عليه، بل الصحيحُ الذي عليه الجمهورُ استحبابهُ، ودلائله أكثر من أن تُحصر. فإن كان المذكور صحابياً ابن صحابي: قال: قال ابن عمر رضي الله عنهما، وكذا ابن عباس، وابن الزبير، وابن جعفر، وأُسامة بن زيد، ونحوهم، لتشمله وأباه جميعاً.

 158- فصل [في حكم الصلاة على لقمان ومريم]

656- فإن قيل: إذا ذكر لقمان ومريم، هل يُصلّي عليهما كالأنبياء، أم يترضّى كالصحابة والأولياء، أم يقول: عليهما السلام؟ فالجواب: أن الجماهير من العلماء على أنهما ليسا نَبِيَّيْنِ، وقد شذَّ من قال: نبيّان، ولا التفات إليه، ولا تعريج عليه -وقد أوضحتُ ذلك في كتاب: "تهذيب الأسماء واللغات" فإذا عُرف ذلك، فقد قال بعضُ العلماء كلاماً يُفهم منه أنه يقول: قال لقمانُ، أو مريم صلَّى الله عليه الأنبياء وعليه، أو وعليها وسلم، قال: لأنهما يرتفعان من حال من يقالُ: رضي الله عنه، لما في القرآن مما يرفعهما: والذي أراهُ أن هذا لا بأس به، وأن الأرجح أن يُقال: رضي الله عنهُ، أو عنها؛ لأن هذا مرتبة غير الأنبياء، ولم يثبتْ كونهما نبيّين. وقد نقل إمام الحرمين إجماع العلماءُ على أن مريم ليست نبيّة -ذكره في "الإرشاد" [صفحة: 269]- ولو قال: عليه السلامُ، أو: عليها، فالظاهرُ أنه لا بأس به؛ والله أعلم.

كتاب الأذكار والدعوات للأمور العارضات الأذكار والدعوات للأمور العارضات

  كتاب الأذكار والدعوات للأمور العارضات

[الأذكار والدعوات للأمور العراضات] : 657- اعلم أنَّ ما ذكرته في الأبواب السابقة يتكرّرُ في كل يوم وليلة على حسب ما تقدَّم وتبين. وأما ما أذكرهُ الآن فهي أفكارٌ ودعواتٌ تكونُ في أوقاتٍ، لأسباب عارضاتٍ، فلهذا لا يُلتزم فيها ترتيب.

 بابُ دُعاءِ الاسْتِخَارة:

658- روينا في "صحيح البخاري" [رقم: 6382] ، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كالسورة من القرآن، يقول: "إذَا هَمَّ أحَدُكُمْ بالأمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الفَرِيضَةِ، ثُمَّ لِيَقُلِ: اللَّهُمَّ إنِّي أسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وأسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأسألُكَ مِنْ فَضْلِكَ العَظِيمِ، فإنَّكَ تَقْدِرُ ولا أقدرُ، وَتَعْلَمُ وَلا أعلمُ، وأنْتَ علامُ الغُيُوبِ، اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنَّ هَذَا الأمْرَ خيرٌ لي فِي ديني ومعاشي وعاقبة أمْرِي -أو قال: عاجلِ أمْرِي وآجِلِهِ- فاقْدُرْهُ لِي، وَيَسِّرْهُ لي، ثُم بارِكْ لي فِيهِ، وَإنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنَّ هَذَا الأمْرَ شَرٌّ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري -أو قال: عاجِلِ أمْرِي وآجِلِهِ- فاصْرِفْهُ عني واصرفني عنه، وَاقْدُرْ لِيَ الخَيْرَ حَيْثُ كانَ، ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ"، قال: ويُسمِّي حاجَتَهُ.

659- قال العلماءُ: تستحبّ الاستخارة بالصلاة والدعاء المذكور، وتكون الصلاة ركعتين من النافلة، والظاهر أنها تحصل بركعتين من السنن الرواتب، وبتحية المسجد وغيرها من النوافل1؛ ويقرأ في الركعة الأولى بعد الفاتحة [سورة] {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ،وفي الثانية [سورة] {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} 2 ولو تعذرت عليه الصلاة استخار بالدعاء. __________ 1 قال الحافظ زين الدين العراقي في "شرح سنن الترمذي": هكذا أطلق النووي حصولها من غير تقييد بكونه ينوي بتلك الركعتين الاستخارة بعدها "أم لا"، وفيه نظرٌ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم إنما أمرهُ بذلك بعد حُصول الهم بالأمر، فإذا صلى راتبةً أو تحيةَ المسجد، ثم هم بأمر بعد الصلاة أو في أثناء الصلاة، فالظاهر أنه لا يحصلُ بذلك الإتيانُ بالصلاةِ المسنونة عند الاستخارة، "نعم إن كان هم بالأمر قبل الشروع في السنة الراتبة أو تحية المسجد، ثم صلاها من غير نية الاستخارة"، وبدا لهُ بعد الصلاة الإتيان بدُعاء الاستخارة، فالظاهر حصول ذلك، وقد يُقالُ: إن لم ينو بالركعتين الاستخارة بعدها لم يحصل سنتها بذلك، فإن نواهما معًا: التحية والاستخارة حصلتا؛ لأن التحية تحصلُ بشغل التبعية ولو بفريضة. وإن نوى بالراتبة سنة الصلاة وسنة الاستخارة فيحتمل حصولهما، ويحتمل ألا يحصلا "للتنزيل، ويحتمل أن يحصل" له ما قوي الحاملُ عليه في الإتيان شك من نية الصلاة أو الاستخارة. 2 قال العراقي: سبقه إلى ذلك الغزالي كما ذكره في "الإحياء"، ولم أجد في شيء من طرق أحاديث الاستخارة تعيين ما يقرأ فيهما، ولكنه مناسبٌ؛ لأنهما حوتا الإخلاص فيناسب الإتيان بهما في صلاةٍ المرادُ منها إخلاصُ الرغبة وصدق التفويض وإظهار العجز بالتبري من العلم والقدرة والحول والقوة. وإن قرأ بعد الفاتحة ما يُناسبُ الاستخارة فحسنٌ؛ كقولة تعالى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} الآية [القصص: 68] ، وقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} الآية [الأحزاب: 36] . وقال الحافظ ابن حجر: قرأت في كتاب جمعه الحافظ أبو المحاسن عبد الرزاق الطبسي فيما يقرأ في الصلوات؛ أن الإمام أبا عثمان [إسماعيل بن عبد الرحمن] الصابوني ذكر في أماليه، عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين، عن أبيه زين العابدين؛ أنه كان يقرأ في ركعتي الاستخارة بصورة الرحمن وسورة الحشر. قال الصابوني: وأنا أقرأ فيهما: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} في الأولى؛ لأن فيها: {وَنُيَسِرُكَ لِلْيُسْرَى} ، وفي الثانية: =

660- ويستحبّ افتتاح الدعاء المذكور وختمه بالحمد لله والصلاة والتسليم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إن الاستخارة مستحبّة في جميع الأمور كما صرَّح به نصُّ هذا الحديث الصحيح، وإذا استخار مضى بعدها لما ينشرحُ له صدره1، والله أعلم. 661- وروينا في كتاب الترمذي [رقم: 3516]- إبسناد ضعيف، ضعَّفه الترمذي وغيرهُ -عن أبي بكر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد الأمر قال: "اللَّهُمَّ خِرْ لي وَاخْتَرْ لي". 662- وروينا في "كتاب ابن السني" [رقم: 603] ، عن أنس رضي الله عنهُ، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "يا أنسُ! إذَا هَمَمْتَ بأمرٍ فاسْتَخِرْ رَبَّكَ فيهِ، سَبْعَ مراتٍ، ثُمَّ انْظُرْ إلى الَّذي سَبَقَ إلى قَلْبِكَ، فإنَّ الخَيْرَ فِيهِ" إسنادهُ غريبٌ، فيه مَنْ لا أعرفهم2. والله أعلم. __________ = {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} لأن فيها: {وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى} . [وقال ابن علان في "الفتوحات الربانية" 355/3: ولم يذكرا مناسبة لما كان يقرأ به زين العابدين منهما. ثم قال: قال الحافظ: ويجوز أن يكون لحظه في الأولى قوله: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} وفي الثانية الأسماء الحسنى التي في آخرها ليدعو بها في الأمر الذي يريده، والعلم عند الله. اهـ.] قال الطبسي: وحكى شيخنا طريف بن محمد الجبري، عن بعض السلف أنه كان يقرأ في الأولى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} إلى قوله: {وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص: 68] ، وفي الثانية: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ} إلى قوله: {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُورًا} [الأحزاب: 36] . 1 قال العراقي: كأنه أخذهُ من حديث أنس الذي ذكرهُ بعده، وهو حديث ضعيفٌ جدًّا، فلا حجة فيه، وقد خالفه الشيخ عز الدين بن عبد السلام فقال: إنه يفعلُ بعد الاستخارة ما أراد، وإن ما يقع بعد الاستخارة فهو الخيرة. وقد يستدل لما قاله الشيخ عز الدين بما في حديث ابن مسعود عند الطبراني، فإنه قال بعد ذكر دعاء الاستخارة: ثم يعزم، أي: يعزم على ما استخار عليه. وهو حديث ضعيف إلا أن راويه ضعيف لم يتهم بالوضع، فهو أصلح من راوي حديث أنس. قال: وإذا قلنا بما ذكره النووي من أنه يفعل بعد الاستخارة ما ينشرح له، فلا ينبغي أن يعتمد على انشراح كأن له فيه هوى قبل الاستخارة، بل ينبغي للمستخير ترك ااختياره رأسًا، وإلا فلا يكون مستخيرًا، بل يكون مستخيرًا لهواه، ويكون غير صادقٍ في طلب الخيرة، وفي التبري من العلم والقدرة وإثباتهما لله تعالى، فإذا صدق في ذلك تبرأ من الحول والقوة، ومن اتباع هواه، ومن اختياره لنفسه، ولذلك وقع في آخر حديث أبي سعيد بعد دُعاء الاستخارة: "لا حول ولا قوة إلا بالله" وهو حديثٌ صحيحٌ، فمن لم يكن حاله في الاستخارة ترك هواه واختياره لنفسه لم يكن مستخيرًا لله، بل هو تابعٌ لهواه. 2 قال العراقي: وهم معروفون، لكن فيهم من هو معروف بالضعف الشديد، وهو إبراهيم بن البراء، فقد ذكره في الضعفاء ابن عدي [254/1] وابن حبان [في "المجروحين" 117/1] وغيرهم، وقالوا: إنه كان يحدثُ بالأباطيل عن الثقات. زاد ابن حبان: لا يحل ذكره إلا سبيل القدح فيه. قال الحافظ ابن حجر: والراوي عنه في هذا السند عبيد الله بن الموصل الحميري، لم أقف له على ترجمة، والراوي عن عبيد الله: أبو العباس بن قتيبة؛ اسمه محمد بن الحسن، وهو ابن أخي بكار بن قتيبة قاضي مصر، وكان ثقة، أكثر عنه ابن حبان في صحيحه.

أبواب الأذكار التي تُقال في أوقات الشِّدَّة وعلى العَاهات: 161- بابُ دعاءِ الكَرْبِ والدعاءُ عندَ الأمورِ المهمّة: 663- روينا في صحيحي البخاري [رقم: 6345] ومسلم [رقم: 2730] ، عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقولُ عند الكرب: "لاَ إله إلا الله العظيم الحليمُ، لا إله إلا اللَّه رَبّ العَرْشِ العظيم، لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الأرْضِ رَبُّ العَرْشِ الكَرِيمُ". وفي رواية لمسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا حَزَبَه أمرٌ قال ذلك. قوله: "حزبهُ أمرٌ" أي: نزل به أمر مهم، أو أصابه غمّ. 664- وروينا في "كتاب الترمذي" [رقم: 3524] ، عن أنس رضي الله عنه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم. أنه كان إذا كربه أمرٌ قال: "يا حيُّ يا قَيُّومُ، بِرَحْمَتِكَ أستغيثُ". قال الحاكم [509/1] : هذا حديثُ صحيحُ الإِسناد.

665- وروينا في [رقم: 3436] : عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أهمّه الأمر رفع رأسَه إلى السماء، فقال: "سُبْحانَ الله العَظِيمِ" وإذا اجتهد في الدعاء، قال: "يا حيُّ يا قَيُّومُ". 666- وروينا في صحيحي البخاري [رقم: 6389] ومسلم [رقم: 2690] ، عن أنس رضي الله عنهُ، قال: كان أكثرُ دُعاءِ النبيّ صلى الله عليه وسلم: "اللَّهُمَّ [ربنا] آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ". زاد مُسلم في روايته، قال: وكان أنسُ إذا أرادَ أن يدعوَ بدعوةٍ دعا بها، فإذا أرادَ أن يدعوَ بدعاءٍ دعا بها فيه. 667- وروينا في "سنن النسائي" [بل في "عمل اليوم والليلة"، رقم: 630 ورقم: 631] و"كتاب ابن السني" [رقم: 343] ، عن عبد الله بن جعفر، عن عليّ رضي الله عنهم، قال: لَقَّنني رسول الله صلى الله عليه وسلم هؤلاء الكلمات، وأمرني إن نزل بي كرب، أو شدّة أن أقولها: "لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ الكَرِيمُ العَظِيمُ، سبحانهُ تَبارَكَ اللَّه رَبّ العَرْشِ العَظِيمِ، الحمدُ لِلَّهِ رَبّ العالَمِينَ". وكان عبد الله بن جعفر يلقنها، وينفثُ بها على الموعوك، ويعلِّمها المغتربة من بناته. قلت: الموعوك: المحموم، وقيل: هو الذي أصابه مغثُ الحمى. والمغتربة من النساء: التي تُزوَّج إلى غير أقاربها. 668- وروينا في "سنن أبي داود" [رقم: 5090] ، عن أبي بكرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "دَعَوَاتُ المَكْرُوب: اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أرْجُو، فَلا تَكِلْنِي إلى نَفْسي طَرْفَةَ عَيْنٍ، وأصْلِحْ لي شَأنِي كُلَّهُ، لا إِلهَ إِلاَّ أنْتَ".

669- وروينا في "سنن أبي داود" [رقم: 1535] ، وابن ماجه [رقم: 3882] ، عن أسماء بنت عُمَيْس رضي الله عنها، قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أُعَلِّمُكَ كَلِماتٍ تَقُولِيْنَهُنَّ عِنْدَ الكَرْبِ -أو: في الكرب: اللَّهُ اللَّهُ رَبي، لا أُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً". 670- وروينا في كتاب ابن السني [رقم: 346] ، عن أبي قتادة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قَرأ آيَة الكُرْسِيِّ، وَخَوَاتِيمَ سُورَةِ البَقَرَةِ عِنْدَ الكَرْبِ؛ أغاثَهُ الله عز وجل". 671- وروينا فيه [رقم: 345] ، عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إِني لأَعْلَمُ كَلِمَةً لا يَقُولُهَا مَكْرُوبٌ إِلاَّ فرج الله عَنْهُ: كَلِمَةَ أخي يُونُسَ صَلَّى الله عليه وسلَّمَ {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 87] ". 672- ورواهُ الترمذي [رقم: 3505، والحاكم 583/2] من سعد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دعوةُ ذِي النُّونِ إذْ دَعا ربهُ وَهُوَ في بَطْنِ الحُوتِ: لا إِلهَ إلا أنت سحبانك إنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، لَمْ يَدْعُ بِها رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْء قَطُّ إِلاَّ استجاب الله له". [سيرد برقم: 2005] .

 162- بابُ ما يقولُه إذا راعهُ شيءٌ أو فَزِعَ:

673- وروينا في "كتاب ابن السني" [رقم: 337] ، عن ثوبانَ رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا راعَه شيءٌ، قال: "هُوَ اللَّهُ، الله ربي لا شريك له" [ورواه النسائي، رقم: 657] . 674- وروينا في "سنن أبي داود" [رقم: 3893] ، والترمذي [رقم: 3528] ، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم من الفزع كلمات: "أعوذ بِكَلِماتِ اللَّهِ التَّامَّةِ من غضبه وشر عباده، ومن همزات الشَّيَاطِينِ، وأنْ يَحْضُرُونِ". وكان عبد الله بن عمرو يعلمهن من عقل من بنيه، ومن لم يعقل كتبه فعلقه عليه. قال الترمذي: حديث حسن [راجع الباب 118 السابق] .

163- بابُ ما يَقُولُ إذا أصابهُ همٌّ أو حَزَن: 675- روينا في "كتاب ابن السني" [رقم: 341] ، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنهُ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أصَابَهُ هَمٌّ أوْ حَزَنٌ فَلْيَدْعُ بِهَذِهِ الكَلِماتِ، يَقُولُ: اللَّهُمَّ أَنَا عَبْدُكَ، وَابْنُ عَبدِكَ، وابْنُ أَمَتِكَ، فِي قَبْضَتِكَ، ناصِيَتِي بِيَدِكَ، ماضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عدلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أسألُكَ بِكُلّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أوْ أنْزَلْتَهُ فِي كِتابِكَ، أوْ عَلَّمْتَه أحَداً مِنْ خَلْقِكَ، أوِ اسْتَأثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الغَيْبِ عِنْدَكَ، أنْ تجعل القرآن العظيم نُورَ صَدْرِي، وَرَبِيعَ قَلْبِي، وَجلاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمّي" فقال رجلٌ من القوم: يا رسول الله! إن المغبونَ لمن غبن في هؤلاء الكلمات؛ فقال: "أجَلْ، فَقُولُوهُنَّ وَعَلِّمُوهُنَّ، فإنَّهُ مَنْ قَالَهُنَّ الْتِماسَ ما فِيهِنَّ أذْهَبَ اللَّهُ تَعالى حُزنهُ، وأطالَ فرحهُ"؛ والله أعلمُ.

 164- بابُ ما يقولهُ إذا وقعَ في هلكةٍ:

676- روينا في "كتاب ابن السني" [رقم: 338] ، عن علي رضي الله عنهُ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: "يا عَلِيُّ! ألا أُعَلِّمُكَ كلماتٍ، إِذَا وَقَعْتَ فِي وَرْطَةٍ قُلْتَها"؟ قلتُ: بلى! جعلني الله فداك؛ قال: " إذَا وَقَعْتَ فِي وَرْطَةٍ فَقُلْ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَلا حَوْلَ ولا قوة إلا بالله العلي العظيم: فإنَّ اللَّهَ تَعالى يَصْرِفُ بها ما شاءَ مِنْ أنْوَاعِ البَلاءِ". قلت: "الورطةُ" بفتح الواو وإسكان الراء، وهي: الهلاكُ؛ واللهُ أعلمُ.

 165- بابُ ما يقولُ إذا خافَ قوماً:

677- روينا بالإِسناد الصحيح في "سنن أبي داود" [رقم: 1537] والنسائي [في "السنن الكبرى"، "تحفة الأشراف"، رقم: 9128، وفي "عمل اليوم والليلة"، رقم: 601] ؛ عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خاف قوما قال: "اللهم إنا نجعلك في نحورهم، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شروروهم" [وسيرد برقم: 1084 و1151] .

 166- بابُ ما يقولُ إذا خافَ سُلْطاناً:

678- روينا في "كتاب ابن السني" [رقم: 347] ، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذَا خِفْتَ سُلْطاناً أوْ غَيْرَهُ، فَقُلْ: لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ الحليمُ الكَرِيمُ، سُبْحانَ اللَّهِ رَبّ السَّمَوَاتِ السبع ورب العرش العظيم، لا إله إِلاَّ أنْتَ، عَزَّ جارُكَ، وَجَلَّ ثَناؤُكَ". [وسيرد برقم: 1088 و1098] . 679- ويستحبُّ أن يقول ما قدَّمناه في الباب السابق [برقم: 165] من حديث أبي موسى [رقم: 677] .

 167- بابُ ما يَقولُ إذا نظرَ إلى عدوّه:

680- روينا في "كتاب ابن السني" [رقم: 336] ، عن أنس رضي الله عنهُ، قال: كنا مع النبيّ صلى الله عليه وسلم في غزوةٍ، فلقي العدو، فسمعته يقولُ: "يا مالك يوم الدين، إياك أعبدُ، وإيَّاكَ أسْتَعِينُ" فلقد رأيتُ الرجالَ تصرع، تضربها الملائكةُ من بين أيديها ومن خلفها. [سيرد برقم: 1087] . 681- ويُستحبُّ ما قدَّمناه في الباب السابق [رقم: 165] من حديث أبي موسى [برقم: 677] .

 168- باب ما يقول إذا عرضَ له شيطانٌ أو خافهُ:

682- قال الله تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [فصلت: 200] . وقال تعالى: {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَاباً مَسْتُوراً} [الإِسراء: 45] ، فينبغي أن يتعوّذ، ثم يقرأ من القرآن ما تيسَّر. 683- وروينا في صحيح مسلم [رقم: 542] ، عن أبي الدرداء رضي الله عنهُ، قال: قام رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُصلِّي، فسمعناهُ يقولُ: "أعوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ"، ثم قال: "ألْعَنُك بِلَعْنَةِ اللَّهِ" ثَلاثاً، وبسطَ يدهُ كأنَّه يتناول شيئاً، فلما فرغَ من الصلاة، قلنا: يا رسول الله! سمعناك تقول في الصلاةِ شيئاً لم نسمعْكَ تقولهُ قبلَ ذلك، ورأيناكَ بسطتَ يدَكَ، قال: "إنَّ عَدُوَّ اللَّهِ إِبْلِيسَ جاءَ بِشِهابٍ مِنْ نارٍ ليجعلهُ في وَجْهِي، فقلتُ: أعوذُ باللَّهِ مِنْكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قلتُ: أعلنك بلعنة الله التامة، فاسْتأخَرَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ أرَدْتُ أنْ آخذهُ، وَاللَّهِ لَوْلا دعوةُ أخي سُلَيْمانَ لأصْبَحَ مُوثَقاً تَلْعَبُ بِهِ ولدانُ أهلِ المَدِينَةِ". 684- قلت: وينبغي أن يُؤَذَّن أذان الصلاة. 685- فقد روينا في صحيح البخاري، رقم: 608 وصحيح مسلم رقم: 389، عن سهيل ابن أبي صالح أنه قال: أرسلني أبي إلى بني حارثة، ومعي غلامٌ لنا، أو صاحبٌ لنا، فناداهُ منادٍ من حائطٍ باسمه، وأشرف الذي معي على الحائط، فلم يرَ شيئاً، فذكرتُ ذلك لأبي، فقال: لو شعرتُ أنك تَلقى هذا لم أرسلك، ولكن إذا سمعت صوتاً فنادِ بالصلاة، فإني سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يحدثُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إنَّ الشَّيْطانَ إذَا نُودِيَ بالصلاة أدبر [وله حصاص] ".

 169- بابُ ما يَقُولُ إذا غلبَه أمرٌ:

686- روينا في صحيح مسلم [رقم: 2664] ، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المُؤْمِنُ القَوِيُّ خيرٌ وأحبُ إلى اللَّهِ تَعالى مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وفي كُلٍّ خيرٌ، احْرِصْ على ما يَنْفَعُكَ، واسْتَعِنْ بالله ولا تعجزْ 1، وإنْ أصابَكَ شيءٌ فَلاَ تقُل: لَوْ أَني فعلتُ كانَ كَذَا وَكَذَا، ولكن قُل: قَدَّرَ اللَّهُ وَما شاء فَعَلَ، فإنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطانِ". 687- وروينا في "سنن أبي داود" [رقم: 3627] ، عن عوف بن مالك رضي الله عنهُ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بين رجلين، فقال المقضيّ عليه لمّا أدبر: حَسْبِيَ اللَّهُ ونِعمَ الوَكِيلُ؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ تَعالى يلومُ على العَجْزِ، وَلَكِنْ عَلَيْكَ بالكَيْسِ، فإذَا غَلَبَكَ أمْرٌ فَقُلْ: حَسْبِيَ اللَّهُ ونِعمَ الوَكِيلُ". قلت: "الكَيْس" بفتح الكاف، وإسكان الياء؛ ويطلقُ على معانٍ، منها: الرفق، فمعناهُ، والله أعلم: عليك بالعمل في رفقٍ بحيثُ تُطيق الدوام عليه. __________ 1 في بعض النسخ من "الأذكار": "ولا تعجزن".

 170- بابُ ما يقولُ إذا استصعبَ عليه أمرٌ:

688- رَوَينا في كتاب ابن السني [رقم: 353] ، عن أنس رضي الله عنهُ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اللَّهُمَّ لا سَهْلَ إِلاَّ ما جَعَلْتَهُ سَهْلاً وأنْتَ تَجْعَلُ الحَزْنَ إذَا شِئْتَ سَهْلاً". قُلتُ: "الحزنُ" بفتح الحاء المهملة وإسكان الزاي، وهو: غليظ الأرض، وخشنها.

 171- بابُ ما يقولُ إذا تَعَسَّرَتْ عليه معيشتُه:

689- روينا في كتاب ابن السني [رقم: 352] ، عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما يمْنَعُ أحَدَكُمْ إذَا عَسُرَ عَلَيْهِ أمْرُ مَعِيشَتِهِ أنْ يَقُولَ إذَا خَرَجَ مِنْ بيته: باسمِ اللَّهِ على نَفْسِي ومَالي ودِينِي، اللَّهُمَّ رضني بقضائي، وباركْ لي فِيما قُدر لي حتَّى لا أُحِبَّ تَعْجِيلَ ما أخَّرْتَ، ولا تأخيرَ ما عَجَّلْتَ".

 172- بابُ ما يقولُه لدفعِ الآفَاتِ:

690- روينا في كتاب ابن السني [رقم: 359] ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أنْعَمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ على عَبْدٍ نِعْمَةً في أهْلٍ ومالٍ وَوَلَدٍ فَقالَ: ما شاءَ اللَّهُ، لا قُوَّةَ إِلاَّ باللَّهِ، فَيَرَى فِيها آفَةً دونَ الموت". والله أعلمُ.

 173- بابُ ما يقولُه إذا أصابتهُ نكبةٌ قليلةٌ أو كثيرة:

قال الله تعالى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ، الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: 155-157] . 691- وروينا في كتاب ابن السني [رقم: 354] ، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لِيَسْتَرْجِعْ أحَدُكُمْ فِي كُلِّ شَيْءٍ حتَّى فِي شِسْعِ نَعْلِهِ، فإنَّها مِنَ المَصَائِبِ". قلتُ: "الشسعُ" بكسر الشين المعجمة، ثم بإسكان السين المهملة، وهُو: أحد سيورِ النعلِ التي تشدُ إلى زمامها.

 174- بابُ ما يقولُه إذا كان عليه دينٌ عَجَزَ عنه:

692- روينا في "كتاب الترمذي" [رقم: 3563] ، عن عليّ رضي الله عنه، أن مُكاتباً1 جاءه، فقال: إني عجزتُ عن كتابتي، فأعنِّي؛ قال: ألا أُعلّمُك كلماتٍ عَلمنيهنّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، لو كانَ عَليكَ مثلُ جبل [صِيْرٍ] دَيْناً أداهُ عنك؟ قال: قُل: "اللَّهُمَّ اكْفِني بِحَلالِكَ عَنْ حَرَامِكَ، وَأغْنِني بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِواكَ" قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ [غريبٌ] . [سيرد برقم: 1999] . وقد قدَّمنا في 105 - باب ما يُقال عند الصباح والمساء [برقم: 150/ 450] حديث أبي داود [رقم: 1555] ، عن أبي سعيد الخدري في قصة الرجل الصحابي الذي يُقال له: أبو أمامة، وقوله: هموم لزمتني وديوان. والله أعلم. __________ 1 الكاتب: السيد، والمكاتب: العبد.

 175- باب ما يقوله من بُلي بالوَحْشة:

693- روينا في كتاب ابن السني [رقم: 643] ، عن الوليد بن الوليد رضي الله عنه، أنه قال: يا رسول الله! إني أجدُ وحشةً؛ قال: "إذَا أخَذْتَ مَضْجَعَكَ فَقُلْ: أعُوذُ بِكَلِماتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ غَضَبِهِ وَعِقابِهِ وَشَرِّ عِبَادِهِ، ومن هَمَزَاتِ الشَّياطِينِ وأنْ يَحْضُرُونِ، فإنَّها لا تَضُرُّكَ، أوْ لا تَقْرَبُكَ". 694- وروينا فيه [رقم: 644] ، عن البراء بن عازب رضي الله عنهما، قال: أتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم رجلٌ يشكو إليه الوحشة، فقال: "أكْثِرْ مِنْ أنْ تَقُولَ: سُبْحانَ المَلِكِ القُدُّوسِ، ربِّ المَلائِكَةِ والرُّوحِ، جَلَّلْتَ السموات والأرض بالعِزَّةِ والجبَرُوتِ"، فقالها الرجلُ، فذهبتْ عنه الوحشة. والله أعلم.

 176- بابُ ما يقولُه مَنْ بُلي بالوَسْوَسَة:

695- قال الله تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [فصلت: 36] فأحسنُ ما يقالُ ما أدَّبَنا اللَّهُ تَعالى به، وأمرَنا بقوله. 696- وروينا في "صحيحي" البخاري [رقم: 3276] ، ومسلم [رقم: 134] ، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يأتِي الشَّيْطانُ أحَدَكُمْ، فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ كَذَا؟ مَنْ خَلَقَ كَذَا؟ حتَّى يَقُولَ: مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ؟ فإذَا بَلَغَ ذَلِكَ فَلْيَسْتَعِذْ بالله، وَلْيَنْتَهِ". وفي رواية في الصحيح مسلم [رقم: 134] : " لا يَزالُ النَّاسُ يَتَساءلُونَ حتَّى يُقالَ هَذَا: خَلَقَ اللَّهُ الخَلْقَ، فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ؟ فَمَنْ وَجَدَ مِنْ ذلكَ شَيْئاً فَلْيَقُلْ: آمَنْتُ باللَّهِ وَرُسُلِهِ". 697- وروينا في ابن السني [رقم: 631] ، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ وَجَدَ مِنْ هَذَا الوَسْوَاسِ فَلْيَقُلْ: آمَنَّا باللَّهِ وَبِرُسُلِهِ ثَلاثاً، فإنَّ ذلكَ يَذْهَبُ عَنْهُ". 698- وروينا في صحيح مسلم [رقم: 2203] ، عن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه، قال: قلت: يا رسول الله! إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يَلْبِسُهَا عليّ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ذلكَ شيطانٌ يُقالُ لهُ: خِنْزَبٌ، فإذَا أحْسَسْتَهُ فَتَعَوَّذْ بالله منه، واتفل على يَسارِكَ ثَلاثاً" ففعلتُ ذلك، فأذهبهُ الله تعالى عني. قلتُ: "خِنْزب" بخاء معجمة، ثم نون ساكنة، ثم زايٌ مفتوحةٌ، ثم باءٌ موحدةٌ؛ واختلف العلماءُ في ضبط الخاء منهُ، فمنهم من فتحها، ومنهم

من كَسَرَها، وهذان مشهوران، ومنهم من ضمَّها؛ حكاهُ ابنُ الأثير في "نهاية الغريب" [2/ 83] والمعروف الفتح والكسرُ. 699- وروينا في سنن أبي داود [رقم: 5110] بإسناد جيد، عن أبي زُمَيْل، قال: قلتُ لابن عباس: ما شيء أجده في صدري؟ قال: ما هو؟ قلت: والله لا أتكلم به؛ فقال لي: أشيءٌ من شكّ؟ وضحك، وقال: ما نجا منهُ أحدٌ، حتى أنزل الله تعالى: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ} [يونس: 94] فقال لي: إذا وجدت في نفسك شيئاً فقُل: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الحديد: 3] . 700- وروينا بإسنادنا الصحيح في "رسالة" الأستاذ أبي القاسم القُشيري رحمه الله، عن أحمد بن عطاء الروذباري السيد الجليل رضي الله عنه ["شرح الرسالة" 16/2] ، قال: كان لي استقصاءٌ في أمر الطهارة، وضاق صدري ليلة لكثرة ما صببتُ من الماء ولم يسكنْ قلبي، فقلت: يا ربّ! عفوك عفوك؛ فسمعتُ هاتفاً يقولُ: العفو في العلم، فزال عني ذلك. وقال بعض العلماء: يستحبّ قول: "لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ" لمن ابتلي بالوسوسة في الوضوء، أو في الصلاة، أو شبههما، فإن الشيطان إذا سمع الذكر خنس، أي: تأخر وبعد؛ و"لا إِله إِلاَّ اللَّه" رأسُ الذكر، ولذلك اختار السادة الأجلةُ من صفوة هذه الأمة، أهل تربية السالكين وتأديب المريدين، قول: "لا إِله إِلاَّ الله" لأهل الخلوة، وأمروهم بالمداومة عليها، وقالوا: أنفعُ علاج في دفع الوسوسة الإِقبال على ذكر الله تعالى، والإِكثار منه. وقال السيد الجليل أحمد بن أبي الحواري -بفتح الراء وكسرها: شكوتُ إلى أبي سليمان الدارني الوسواس: فقال: إذا أردت أن ينقطع عنك، فأيّ وقت أحْسَسْتَ به فافرح، فإنك إذا فرحتَ به انقطع عنك؛ لأنه ليس شيءٌ أبغض إلى الشيطان من سرور المؤمن؛ وإن اغتممت زادك. قلتُ: وهذا مما يُؤيد ما قاله بعض الأئمة: إن الوسواس إنما يُبتلى به من كمل إيمانهُ، فإن اللصّ لا يقصد بيتًا خربًا.

باب ما يقرأ على المعتوه والملدوع

  177- بابُ ما يقرأُ على المَعْتُوهِ والمَلْدُوغ:

701- روينا في "صحيحي" البخاري [رقم: 5749] ومسلم [رقم: 2201] ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنهُ، قال: انطلق نفرٌ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفرةٍ سافروها، حتى نزلوا على حيٍّ من أحياء العرب، فاستضافُوهم، فأبوا أن يُضيِّفوهم، فلُدغ سيِّدُ ذلك الحيّ، فسعَوْا له بكل شيء، لا ينفعُه شيءٌ، فقال بعضُهم: لو أتيتم هؤلاء الرَّهَطَ الذين نزلوا، لعلَّهم أن يكونَ عندهم بعضُ شيءٍ، فأتوهُم، فقالوا: يا أيُّها الرَّهط! إنَّ سيدنا لُدغ، وسعينا له بكل شيء، لا ينفعه شيءٌ، فهل عندَ أحدٍ منكم من شيءٍ؟ قال بعضُهم: إني والله لأَرْقي، ولكنْ، والله لقد استضفناكم فلم تضيِّفونا، فما أنا براقٍ لكم حتى تجعلوا لنا جُعلاً، فصالحُوهم على قطيع من الغنم، فانطلقَ يتفلُ عليه ويقرأُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، فكأنما نَشِطَ من عقال، ناطلق يمشي وما به قَلَبَة، فأوفوهم جُعْلَهم الذي صالحوهم عليه، وقال بعضُهم: اقسموا؛ فقال الذي رَقَى: لا تفعلوا حتى نأتيَ النبيّ صلى الله عليه وسلم، فنذكرَ له الذي كان، فننظر الذي يأمرنا؛ فقدموا على النبي صلى الله عليه وسلم، فذكروا له، فقال: "وَما يُدْرِيكَ أنها رُقْيَةٌ"؟ ثم قال: "قَدْ أصَبْتُمُ، اقْسِمُوا، وَاضْرِبُوا لي مَعَكُم سَهماً" وضحك النبيّ صلى الله عليه وسلم. هذا لفظ رواية البخاري، وهي أتمّ الروايات. وفي رواية: فجعل يقرأُ أُمّ الكتاب، ويجمعُ بزاقهُ ويتفلُ، فبرأ الرجلُ. وفي روايةٍ: فأمر له بثلاثين شاة.

قلت: قوله: وما به قلبةٌ وهي بتفح القاف واللام والباء الموحدة، أي: وجع. التبيان، [رقم: 473] . 702- وروينا في كتاب ابن السني [رقم: 637] ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن رجل، عن أبيه، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إن أخي به وجعٌ، فقال: "وَما وَجَعُ أخِيكَ"؟ قال: به لممٌ، قال: "فابْعَث بِهِ إليَّ" فجاء، فجلس بين يديه، فقرأ عليه النبي صلى الله عليه وسلم فاتحة الكتاب وأربع آياتٍ من أوّل سورة البقرة وآيتين من وسطها: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ، إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [البقرة: 163، 164] حتى فرغَ من الآية، وآية الكرسي، وثلاث آيات مِنْ آخِرِ سُورَةِ البقرة، وآية من أوّل سورة آل عمران و {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ} إلى آخر الآية [آل عمران: 18] ، وآية من سورة الأعراف: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ} [الأعراف: 54] ، وآية من سورة المؤمنين: {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون: 116] ، وآية من سورة الجنّ: {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَداً} [الجن: 3] ، وعشر آيات من سورة الصّافّات من أوّلها، وثلاثاً مِنْ آخِرِ سُورَةِ الحشر، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} والمعوّذتين. قلت: قال أهل اللغة: اللمم: طرف من الجنون يلمّ بالإِنسان ويعتريه.

703- وروينا في سنن أبي داود [رقم: 3896] بإسناد صحيح، عن خارجة بن الصلت، عن عمّه، قال: أتيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فأسلمت، ثم رجعتُ، فمررتُ على قوم عندهم رجلٌ مجنونٌ موثقٌ بالحديد، فقال أهلهُ: إنا قد حُدِّثنا أن صاحبَك هذا قد جاء بخير، فهل عندك شيءٌ تُداويه؟ فرقيته بفاتحة الكتاب، فبرأ، فأعطوني مائة شاة، فأتيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فأخبرتُه، فقال: "هَلْ إِلاَّ هَذَا"؟ -وفي رواية: "هَلْ قُلْتَ غَيْرَ هَذَا"؟ - قلتُ: لا، قال: "خُذْها، فَلَعَمرِي لَمَنْ أكَلَ بِرُقْيَةِ باطلٍ، لقد أكلت برقية حَقٍّ". 704- وروينا في كتاب ابن السني [رقم: 635] بلفظٍ آخر، وهي روايةٌ أخرى لأبي داود [رقم: 3897] ، قال فيها عن خارجة، عن عمّه، قال: أقبلنا من عند النبي صلى الله عليه وسلم، فأتينا على حيّ من العرب، فقالوا: عندكم دواءٌ؟ فإن عندنا معتوهاً في القيود؛ فجاءوا بالمعتوه في القيود، فقرأتُ عليه فاتحةَ الكتاب ثلاثةَ أيامٍ غدْوةً وعشيّةً أجمع بزاقي ثم أتفلُ، فكأنما نَشِطَ من عِقال، فأعطوني جُعْلاً، فقلتُ: لا، فقالوا: سلِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فسألته، فقال: "كُلْ، فَلَعَمْرِي مَنْ أكَلَ بِرُقْيَةِ باطلٍ، لَقَدْ أكَلْتَ بِرُقْيَةِ حَقٍّ". قلت: هذا العمّ اسمه علاقة بن صحارٍ، وقيل: اسمه عبد الله. 705- وروينا في كتاب ابن السني [رقم: 636] ، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أنه قرأ في أُذن مبتلى فأفاق، فقال له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَا قَرأتَ في أُذُنِهِ"؟ قال: قرأت: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً} [المؤمنون: 115] حتى فرغَ من آخر السورة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَوْ أنَّ رَجُلاً مُوقِناً قَرأ بِها على جَبَلٍ لَزَالَ".

باب ما يعود به الصِّبْيَانُ وغيرُهم

  178- بابُ ما يُعَوَّذُ به الصِّبْيَانُ وغيرُهم:

706- روينا في صحيح البخاري [رقم: 3371] رحمه الله، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعوِّذ الحسن والحسين: "أعيذُكُما بكلماتِ اللَّهِ التَّامَّةِ، مِنْ كُلِّ شيطانٍ وهامةٍ، وَمِنْ كُلّ عَيْنٍ لامَّةٍ" ويقولُ: "إنَّ أباكُما كان يُعَوِّذُ بِها إسْماعِيلَ وَإسْحاقَ" صلى الله عليهم أجمعين وسلم [وسيرد برقم: 1633] . قلتُ: قال العلماء: الهامَّة بتشديد الميم، وهي: كلّ ذات سمّ يقتلُ، كالحيّة وغيرها، والجمعُ الهوامّ، قالوا: وقد يقع الهوامّ على ما يدبّ من الحيوان، وإن لم يقتل، كالحشرات. ومنه حديث كعب بن عجرة رضي الله عن البخاري، [رقم: 4190؛ مسلم، رقم: 1201] : "أيؤذيك هوام رأس"؟ أي: القمل. وأما العين اللامة فهي بتشديد الميم، وهي: التي تُصيب ما نظرت إليه بسوء.

 179- بابُ ما يقالُ على الخُرَّاجِ والبَثَرَةِ ونحوهما:

707- في الباب حديث عائشة الآتي قريبًا [رقم: 711] في باب [رقم: 183 ما يقوله المريض ويقرأ عَلَيْهِ. 708- وروينا في كتاب ابن السنيّ [رقم: 640] ، عن بعض أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم، قلت: دخل عليَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وقد خرجَ في أصبعي بثرة، فقال: "عِنْدَكِ ذَرِيرَةٌ" فوضعها عليها، وقال: "قُولي: اللَّهُم مُصَغِّرَ الكَبِيرِ، وَمُكَبِّرَ الصَّغِيرِ، صَغِّرْ ما بِي" فطفئت. قلتُ: البثرة بفتح الباء الموحدة، وإسكان الثاء المثلثة وبفتحها

أيضاً، لغتان؛ وهو: خُرَّاجٌ صغارٌ، ويقالُ: بَثِر وجهه، وبثر1، بكسر الثاء وفتحها وضمّها، ثلاث لغات. وأما الذَّريرة فهي: فتات قَصَبٍ من قصب الطبيب يُجاء به من الهند. __________ 1 بثر: علو وزن فعل؛ على صيغة الفعل الذي لم يسم فاعله مثل: ذُهل - وهرع.

 كتاب أذكار المرض والموت وما يتعلق بهما:

  بابُ اسْتحبابِ الإِكْثارِ من ذِكْرِ الموْت:

709- روينا بالأسانيد الصحيحة في كتاب الترمذي [رقم: 3308] ، وكتاب النسائي [رقم: 1824] ، وكتاب ابن ماجه [رقم: 4258] ، وغيرها؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "أكثروا ذكر هادم اللَّذَّاتِ" يعني: الموت، قال الترمذي، حديثٌ حسن.

 بابُ اسْتحبابِ سؤالِ أهلِ المريضِ وأقَاربهِ عنه وجواب المسئول:

710- روينا في صحيح البخاري [رقم: 6266] ، عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، خرجَ من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجعهِ الذي تُوفي فيه، فقال الناسُ: يا أبا حسنٍ! كيف أصبحَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم؟ قال: أصبحَ بِحَمْدِ الله تعالى بارئًا.

 بابُ ما يَقولُه المريضُ، ويقالُ عندَه، ويُقرأ عليه، وسؤالُه عن حالِه:

711- روينا في صحيحي البخاري [رقم: 5017] ومسلم [رقم: 2192] ، عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه جمع كفّيه ثم نفث فيهما، فقرأ فيهما: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ، و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} ، و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} ، ثم يمسحُ بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه ووجهه، وما أقبل من جسده، يفعلُ ذلك ثلاثَ مرّاتٍ، قالت عائشة: فلما اشتكى، كان يأمرني أن أفعل ذلك به. [راجع التبيان للنووي، الفقرات رقم: 444-449] . وفي رواية في الصحيح البخاري، [رقم: 5751] ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينفث على نفسه في المرض الذي تُوفي فيه بالمعوّذات، قالت عائشة: فلما تقل كنت أنفس عليه بهن، وأمس بيد نفسه لبركتها. وفي رواية البخاري، [رقم: 5016] ، ومسلم، [رقم: 2192] : كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوّذات وينفثُ. قيل للزهري، أحد رواة هذا الحديث: كيف ينفث؟ فقال: كان ينفثُ على يديه ثم يمسحُ بهما وجهَه. [راجع التبيان، رقم: 448] . 712- قلت: وفي الباب الأحاديث [رقم: 701-705] التي تقدمت في 177 - باب ما يُقرأ على المعتوه، وهو قراءة الفاتحة وغيرها. 713- وروينا في "صحيحي" البخاري [رقم: 5745] ومسلم [رقم: 2194] ، و"سنن أبي داود" [رقم: 3895] وغيرها، عن عائشة رضي الله عنها؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى الإِنسان الشيء منه، أو كانت به قرحةٌ، أو جرحٌ، قال النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بأصبعهِ هكذا، ووضع سفيان بن عيينة الراوي

سبّابته بالأرض، ثم رفعها، وقال: "باسم اللَّهِ، تُرْبَةُ أرْضِنا، بِرِيقَةِ بَعْضِنا، يُشْفَى بِهِ سَقِيمُنا، بإذْنِ رَبِّنا". وفي رواية [البخاري، رقم: 5746] : "تُرْبَةُ أرْضِنا وَرِيقَةُ بَعْضِنا". قلتُ: قال العلماء: معنى: بريقة بعضنا، أي: ببُصاقه، والمراد: بصاقُ بني آدم. قال ابن فارس [في "المجمل" صفحة: 410] : الريقُ: ريق الإِنسان وغيره، وقد يؤنث، فيقالُ: ريقةُ. وقال الجوهري في صِحاحه [4/ 1488] : الريقة أخصّ من الريق. 714- وروينا في صحيحهما [البخاري، رقم: 5743؛ ومسلم، رقم: 2191] عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُعَوِّذُ بعضَ أهله، يمسَحُ بيده اليمنى ويقول: "اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ أذْهِبِ البأسَ، اشْفِ أنْتَ الشَّافِي، لا شِفاءَ إِلاَّ شِفاؤُكَ شِفاءً لا يُغادِرُ سَقَماً". قُلتُ: معنى لا يغادر أي: لا يترك. والبأس: الشدّة والمرض. 716- وروينا في "صحيح مسلم" [رقم: 2202] رحمه الله، عن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه، أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعاً يجده في جسده، فقال له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ضَعْ يَدَكَ على الَّذِي يألمُ مِنْ

جسدك، وقل: باسم اللَّهِ، ثَلاثاً: وَقُلْ سَبْعَ مَرَّاتٍ: أعُوذُ بِعِزَّةِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرّ ما أجِدُ وأُحاذِرُ". 717- وروينا في صحيح مسلم [رقم: 1628] ، عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، قال: عادني النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "اللَّهُمَّ اشْفِ سَعْداً، اللَّهُمَّ اشْفِ سَعْداً، اللَّهُمَّ اشْفِ سَعْداً". 718- وروينا في سنن أبي داود [رقم: 3106] ، والترمذي [رقم: 2083] بالإِسناد الصحيح، عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "مَنْ عادَ مَرِيضاً لَمْ يحضُر أجلهُ، فَقالَ عندهُ سَبْعَ مراتٍ: أسالُ اللَّهَ العَظِيمَ رَبّ العَرْشِ العَظِيمِ أنْ يَشْفِيكَ، إلاَّ عافاهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعالى مِن ذلِك المَرَضِ". قال الترمذي: حديث حسن. وقال الحاكم أبو عبد الله في كتابه المستدرك على الصحيحين [1/ 342] : هذا حديث صحيح على شرط البخاري. قلت: يَشفيك بفتح أوله. 719- وروينا في سنن أبي داود [رقم: 3107] ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا جاءَ الرجلُ يعودُ مَرِيضاً فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ اشْفِ عَبْدَكَ يَنْكأ لَكَ عَدُوّاً، أوْ يَمْشي لَكَ إلى صلاةٍ" لم يُضَعِّفه أبو داود. قلتُ: يَنكأ بفتح أوله وهمز آخره، ومعناه: يؤلمه ويوجعه. 720- وروينا في "كتاب الترمذي [رقم: 3564] ، عن علي رضي الله عنه: قال: كنتُ شاكياً، فمرَّ بي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وأنا أقول: اللَّهمّ إن كان أجلي قد حضرَ فأرحني، وإنْ كانَ متأخرًا فارفعه عني، وإن كان بلاءً فصبِّرني؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كَيْفَ قُلت"؟ فأعاد عليه ما قالهُ،

فضربه برجله، وقال: "اللَّهُمَّ عافِهِ، أو اشْفِهِ" -شك شعبة- قال: فما اشتكيتُ وجعي بعدُ. قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. 721- وروينا في كتابي الترمذي [رقم: 3430] وابن ماجه [رقم: 3794] ، عن أبي سعيد الخدري، وأبي هريرة رضي الله عنهما، أنهما شهدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مَن قَالَ: لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَاللَّهُ أكْبَرُ؛ صدَّقه رَبُّهُ، فَقالَ: لا إِلهَ إِلاَّ أنا، وأنا أكْبَرُ؛ وَإذَا قالَ: لا إِلهَ إِلاَّ الله وحده لا شريك له، قال: يقولُ: لا إِله إِلاَّ أنا وَحْدِي لا شَرِيكَ لي. وَإذَا قالَ: لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، قالَ: لا إِلهَ إِلاَّ أنا لي المُلْكُ ولِي الحمد؛ وَإذَا قالَ: لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ، ولا حول ولا قوة إلا بالله، قالَ: لا إِلهَ إِلاَّ أنا، وَلا وحول وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِي" وكان يقولُ: "مَنْ قالَهَا في مَرَضِهِ ثُمَّ مَات لَمْ تَطْعَمْهُ النَّارُ" قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ. 722- وروينا في صحيح مسلم [رقم: 2186] وكتب الترمذي [رقم: 972] والنسائي [في عمل اليوم والليلة، رقم 3523] ، بالأسانيد الصحيحة، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا مُحَمَّدُ اشْتَكَيْتَ؟ قال: "نَعَمْ" قال: "باسم اللَّهِ أَرْقِيكَ، مِنْ كُلّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ، مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ أو عَيْنٍ حاسِدٍ، اللَّهُ يَشْفِيكَ، باسم اللَّهِ أرْقِيكَ". قال الترمذي: حديث حسن صحيح. 723- وروينا في صحيح البخاري [رقم: 5656] ، عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على أعرابيّ يعودهُ، قال: وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا دخل على مَن يعُودُه قال: "لا بأسَ، طهورٌ إنْ شاءَ اللَّهُ". 742- وروينا في كتاب ابن السني [رقم: 540] ، عن أنس رضي الله عنه: أن رسول الله عليه وسلم دخلَ على أعرابيّ يعودُه وهو محموم، فقال: "كَفَّارَةٌ وَطَهُورٌ".

725- وروينا في "كتابي1 الترمذي" [رقم: 2731] وابن السني [رقم: 541] ، عن أبي أمامة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "تمَامُ عِيادَةِ المَرِيضِ أنْ يَضَعَ أحَدُكُمْ يَدَهُ على جَبْهَتِهِ، أوْ على يَدِهِ فَيَسألَهُ كَيْفَ هُوَ". هذا لفظ الترمذي. وفي رواية ابن السني [رقم: 541] : "مِنْ تَمَامِ العِيادَة أنْ تَضَعَ يَدَكَ على المَرِيضِ: فَتَقُولَ: كَيْفَ أَصْبَحْتَ؟ أوْ كَيْفَ أَمْسَيْتَ"؟. قال الترمذي: ليس إسناده بالقويّ2. 726- وروينا في كتاب ابن السني [رقم: 553] ، عن سلمان رضي الله عنه، قال: عادني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأنا مريض، فقال: "يا سَلْمانُ! شَفَى اللَّهُ سَقَمَكَ، وَغَفَرَ ذَنْبَكَ، وَعافاكَ فِي دِيْنِكَ وَجِسْمِكَ إلى مُدَّةِ أجَلِكَ". 727- وروينا فيه [رقم: 558] ، عن عثمان بن عفان رضي الله عنه، قال: مرضت، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوذني، فعوذتي يوماً، فقال: "بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، أُعِيذُكَ بالله الأَحَدِ الصَّمَدِ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلمْ يُولَدْ، ولَمْ يَكُنْ لَهُ كفوًا أحدًا، مِنْ شَرّ ما تَجِدُ"، فلما استقلَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً قال: "يا عُثْمَانُ! تَعَوَّذْ بِها، فَمَا تَعَوَّذْتُمْ بِمِثْلِها". __________ 1 في نسخة: "كتاب" 2 في بعض النسخ: "ليس إسناده بذاك".

 بابُ استحباب وصيّة أهلِ المريضِ وَمَنْ يَخدمه بالإِحسانِ إِليه واحتمالِه والصبرِ على ما يَشُقُّ من أمْرِه وكذلك الوصيّة بمن قَرُبَ سببُ موته بحدٍّ أو قَصَاصٍ أو غيرهما:

728- وروينا في صحيح مسلم [رقم: 1696] ، عن عمران بن الحصين رضي الله عنهما، أن امرأةً من جهينة أتت النبيّ صلى الله عليه وسلم، وهي حبلى من الزنا، فقالت: يا رسول الله! أصبتُ حَدّاً، فأقمْه عليَّ؛ فدعا نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم وليَّها، فقال: "أحْسِنْ إِلَيْها، فإذَا وَضَعَتْ حملها، فأتني بِهَا"، ففعلَ، فأمرَ بها النبيُّ صلى الله عليه وسلم فشُدَّتْ عليها ثيابُها، ثم أمرَ بها فرُجمت، ثم صلَّى عليها.

 بابُ ما يقولُه مَنْ به صُداعٌ أو حُمَّى أو غيرهما من الأَوْجَاع:

729- روينا في كتاب ابن السني [رقم: 571] ، عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلِّمهم من الأوجاع كلِّها، ومن الحمّى أن يقول: "باسم اللَّهِ الكَبِيرِ، نعوذُ باللَّهِ العَظِيمِ منْ شَرّ عرقٍ نعارٍ، وَمنْ شَرّ حَرّ النَّارِ". 730- وينبغي أن يَقرأ على نفسه سورة الفاتحة وسورة: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} والمعوّذتين، وينفث في يديه كما سبق بيانه [رقم: 711] وراجع [رقم: 667] وأن يدعو بدعاء الكربِ الذي قدمناهُ، [برقم: 663] وما بعده؛ والله أعلمُ. الزنا، فقالت: يا رسول الله! أصبتُ حَدّاً، فأقمْه عليَّ؛ فدعا نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم وليَّها، فقال: "أحْسِنْ إِلَيْها، فإذَا وَضَعَتْ حملها، فأتني بِهَا"، ففعلَ، فأمرَ بها النبيُّ صلى الله عليه وسلم فشُدَّتْ عليها ثيابُها، ثم أمرَ بها فرُجمت، ثم صلَّى عليها.

  باب جواز قَوْل المريض: أنا شديدُ الوجَع، أو مَوْعوكٌ، أو وَارأسَاهُ، ونحو ذلك؛ وبيانُ أنه لا كراهة على ذلك إذا لم يكن شيءٌ من ذلك على سبل التَّسَخُّطِ وإظهارِ الجَزَعِ:

731- وروينا في صحيحي البخاري [رقم: 5647] ومسلم [رقم: 2571] ، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: دخلتُ على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يُوعَكُ، فمسسْتُه، فقلت: إنك لتُوعك وعكاً شديداً، قال: "أجل! إني أوعك كما يُوعك رَجُلانِ منكم" [رياض الصالحين، رقم: 38] . 732- وروينا في "صحيحيهما" [البخاري، رقم 5668؛ ومسلم، رقم: 1628] ، عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، قال: جاءني

رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودُني من وَجَعٍ اشتدّ بي، فقلتُ: بلغ بي ما ترى وأنا ذو مالٍ ولا يرثني إلا ابنتي؛ وذكرَ الحديث. 733- وروينا في "صحيح البخاري" [رقم: 7217] ، عن القاسم بن محمد، قال: قالت عائشة رضي الله عنها: وارأساه! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "بل أنا وارأساهُ" وذكر الحديث، هذا الحديث بهذا اللفظ مرسل1. __________ 1 قال الحافظ ابن حجر: يريدُ أن القاسم ساق قصةً ما أدركها، ولا قال: إن عائشة أخبرته بها، لكن اعتمد البخاري على شهرةِ القاسم لصحبته عمّته، وكثرة روايته عنها، وهي التي تولت تربيته "بعد موت أبيه" حتى ماتت. وقد قال ابن عبد البرّ: العبرة باللقاء والمجالسة وعدم التدليس، لا بالألفاظ، يعني في الاتصال. ["الفتوحات الربانية" 78/4] .

بابُ كراهية تمنِّي الموت لضُرٍّ نزلَ بالإِنسان وجوازُه إذا خاف فتنةً في دينهِ: 734- روينا في صحيحي البخاري [رقم: 5671] ومسلم [رقم: 2680] ، عن أنس رضي الله عنه، قال: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "لا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ المَوْتَ مِنْ ضرٌ أصابهُ، فإنْ كانَ لا بُدَّ فاعِلاً فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ! أحْيِني ما كانَتِ الحَياةُ خَيْراً لي، وَتَوَفَّنِي إذَا كَانَتِ الوفاةُ خَيْراً لِي". 735- قال العلماء من أصحابنا وغيرهم: هذا إذا تمنى لضرّ ونحوه، فإن تمنى الموت خوفاً على دينه لفساد الزمن ونحو ذلك لم يكره.

 بابُ استحبابِ دُعاء الإِنسانِ بأنْ يكونَ موتهُ في البلدِ الشريف:

736- روينا في "صحيح البخاري" [رقم: 1890] ، عَنْ أمِّ المؤمنين حفصة بنت عمر رضي الله عنهما، قالت: قال عمرُ رضي الله عنهُ: اللَّهمّ ارزقني شهادة في سبيلك، واجعلْ موتي في بلدِ رسولِك صلى الله عليه وسلم، فقلتُ: أنَّى يكونُ هذا؟ قال: يأتيني الله به إذا شاء.

 بابُ استحباب تَطْييبِ نفس المريضِ:

737- روينا في "كتاب الترمذي" [رقم: 2087] وابن ماجه [رقم: 1438] بإسناد ضعيف، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنهُ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا دخلتُم على مريضٍ فنفسُوا لهُ فِي أجلهِ، فإنَّ ذلكَ لا يردُ شَيْئاً، وَيُطَيِّبُ نفسهُ". 738- ويغني عنه حديثُ ابن عباسٍ رضي الله عنهما السابق [برقم: 723] : في 183 - باب ما يُقال للمريض: "لا بأسَ، طهورٌ إنْ شاءَ اللَّهُ" عند البخاري، [رقم: 5656] .

  باب الثاء على المريضِ بمحَاسِن أعمالِه ونحوها إذا رأى منه خوفاً ليذهبَ خوفُه ويُحَسِّن ظنَّه بربهِ سبحانَه وتعَالى:

739- روينا في صحيح البخاري [رقم: 3692] ، عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنهما، أنه قال لعمرَ بن الخطاب رضي الله عنه حين طُعن، وكأنه يُجزِّعه: يا أميرَ المؤمنين! ولا كلّ ذلك، قد صحبتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحسنتَ صحبتَه، ثم فارقَكَ وهو عنك راضٍ، ثُم صحبتَ أبا بكرٍ، فأحسنتَ صحبتَه، ثم فارقَكَ وهو عنك راضٍ، ثم صحبتَ المسلمين فأحسنتَ صحبتهم، ولئن فارقتهم لتفارقنَّهم وهم عنك راضون. وذكر تمام الحديث. وقال عمر رضي الله عنه: ذلك مَنٌّ مِن1 الله تعالى. __________ 1 وردت في بعض النسخ: "مِنْ مَنِّ الله".

740- وروينا في صحيح مسلم [رقم: 121] ، عن ابن شُماسة -بضم الشين وفتحها- قال: حضرنا عمرو بن العاص رضي الله عنهُ وهو في سِياقة الموت، فبكى طويلاً، وحوّل وجههُ إلى الجدارِ، فجعل ابنهُ يقولُ: يا أبتاه! أما بَشَّرَكَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بكذا؟ أما بشِّرك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بكذا؟ فأقبلَ بوجهه، فقال: إنَّ أفضلَ ما نُعِدُّ شهادةُ أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسولُ الله، ثم ذكرَ تمامَ الحديث. 741- وروينا في "صحيح البخاري" [رقم: 3771] ، عن القاسم بن محمد بن أبي بكر رضي الله عنهم، أن عائشة رضي الله عنها اشتكت، فجاء ابن عباس رضي الله عنهما، فقال: يا أُمّ المؤمنين! تقدَمين على فَرْطِ صدقٍ: رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكرٍ رضيَ الله عنهُ. ورواه البخاري [رقم: 4753] أيضاً من رواية ابن أبي مليكةَ، أن ابن عباس استأذن على عائشة رضي الله عنها قبل موتها وهي مغلوبة، قالت: أخشى أن يثني عليّ، فقيل لها: ابن عَمَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم من وجوه المسلمين، قالت: ائذنوا له، قال: كيف تجدينك؟ قالت: بخير إن اتقيتُ، قال: فأنتِ بخيرٍ إن شاءَ اللهُ: زوجةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم ينكح بِكراً غيرك، ونزلَ عذرُك من السماء.

 بابُ ما جَاءَ في تَشْهيةِ المريضِ:

742- روينا في "كتابي" ابن ماجه [رقم: 3441] وابن السني [رقم: 545] بإسناد ضعيف، عن أنس رضي الله عنهُ، قال: دخل النبيّ صلى الله عليه وسلم على رجلٍ يعودهُ، فقال: "هَلْ تَشْتَهِي شيئاً؟ تشتهي كَعْكاً؟ " قال: نعم؛ فطلبهُ له. 743- وروينا في كتابي الترمذي [رقم: 2040] وابن ماجه [رقم: 3444] ، عن عقبة بن عامر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تُكْرِهُوا مَرْضَاكُمْ على الطَّعامِ والشَّرابِ، فإنَّ اللَّهَ يُطْعِمُهُمْ وَيَسْقِيهِمْ" قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ

 بابُ طلبِ العُوَّادِ الدعاءَ مِنَ المريضِ:

744- روينا في سُنن ابن ماجه [رقم: 1441] وكتاب ابن السني [رقم: 562] بإسناد صحيح أو حسن، عن ميمون بن مهران، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهُ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذَا دَخَلْتَ على مَرِيضٍ فَمُرْهُ فَلْيَدْعُ لَكَ، فإنَّ دعاءهُ كَدُعاءِ المَلائِكَةِ". لكن ميمون بن مهران لم يدرك عمر1. __________ 1 قال الحافظ ابن حجر: فلا يكون صحيحًا، ولو اعتضد لكان حسنًا، لكن لم نجد له شاهدًا يصلحُ للاعتبار، فقد جاءَ من حديث أنس، ومن حديث أبي أمامة، ومن حديث جابر، وفي سند كل منهم من نسب إلى الكذب. قال: ثم وجدت في سند ميمون علة خفية تمنع من الحكم بصحته وحسنه؛ وذلك أن ابن ماجه أخرجه عن جعفر بن مسافر، وهو شيخ وسط، قال فيه أبو حاتم: شيخ، وقال النسائي: صالح. وقال ابن حبان في "الثقات": يخطئ؛ رواه عن كثير بن هشام، وهو ثقة من رجال مسلم. عن جعفر بن برقان -بضم الموحدة- وهو من رجال مسلم أيضًا، لكنه مختلف فيه، والراجح أنه ضعيف في الزهري خاصة، وهذا من حديثه عن غير الزهري وهو ميمون بن مهران. وأخرجه ابن السني من طريق الحسن بن عرفة، وهو أقوى من جعفر بن مسافر، عن كثير بن هشام، فأدخل بين كثير وجعفر بن برقان: عيسى بن إبراهيم الهاشمي، وهو ضعيف جدًّا، نسبوه إلى الوضع، فهذه علةٌ قادحة تمنع من الحكم بصحته لو كان متصلًا، وكذا بحسنه.

  باب وعظم المريضِ بعدَ عافيتِه وتذكيره الوفاءَ بما عاهدَ اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ من التوبة وغيرِها:

قال الله تعالى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} [الإِسراء: 34] وقال تعالى: {وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا} الآية [البقرة: 177] والآياتُ في الباب كثيرةٌ معروفةٌ. 745- وروينا في كتاب ابن السني [رقم: 563] ، عن خوّات بن جُبير رضي الله عنه، قال: مرضتُ، فعادَني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "صَحَّ الجِسْمُ يا خَوَّاتُ" قلت: وجسمُك يا رسول الله! قال: "فَفِ الله بِمَا وعدته" قلت: ما وعدتُ الله عَزّ وجلَّ شيئاً، قال: "بَلى، إنَّهُ مَا مِنْ عَبْدٍ يَمْرَضُ إِلاَّ أحْدَثَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَيْراً، فَفِ الله بما وعدته".

 بابُ ما يقولُه من أَيِسَ من حَياتِه:

746- روينا في كتاب الترمذي [رقم: 978] و"سنن ابن ماجه" [رقم: 1623] ، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، وهو بالموت، وعندهُ قدحٌ فيه ماءٌ، وهو يدخلُ يدهُ في الدقحِ، ثم يمسحُ وجههُ بالماءِ، ثم يقولُ: "اللَّهُمَّ أعِنِّي على غمراتِ الموتِ، وسكراتِ الموتِ". 747- وروينا في صحيحي البخاري [رقم: 4440] ومسلم [رقم: 2444] ، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وهو مستندٌ إلَيَّ يقولُ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي، وَارْحَمْنِي، وألحِقْني بالرَّفِيقِ الأعْلَى". 748- ويستحبّ أن يكثرَ من القرآن والأذكار، ويكرهُ له الجزعُ، وسوءُ الخلُق، والشتمُ، والمخاصمةُ، والمنازعةُ في غير الأمور الدينية. ويُستحبّ أن يكونَ شاكراً لله تعالى بقلبه ولسانه، ويستحضر في ذهنه أن هذا آخرُ أوقاتِه من الدنيا، فيجتهدُ على ختمها بخير، ويبادر إلى أداء الحقوق إلى أهلها، من ردّ المظالم والودائع والعواري، واستحلال أهله: من

زوجته، ووالديه، وأولاده، وغلمانه، وجيرانه، وأصدقائه، وكل من كانت بينه وبينه معاملةٌ، أو مصاحبةٌ، أو تعلقٌ في شيءٍ. وينبغي أن يُوصي بأمورِ أولادِه، إن لم يكن لهم جدٌّ يَصلحُ للولاية، ويُوصي بما لا يتمكن من فعله في الحال: من قضاء بعض الديون، ونحو ذلك. وأن يكون حسنَ الظنّ بالله سبحانه وتعالى أنه يرحمهُ، ويستحضر في ذهنه أن حقيرٌ في مخلوقات الله تعالى، وأنْ الله تعالى غنّي عن عذابه، وعن طاعته، وأنه عبدُه، ولا يطلبُ العفوَ والإحسان والصفح والامتنان إلا منه. ويستحبّ أن يكون مُتعاهداً نفسه بقراءة آياتٍ من القرآن العزيز في الرجاء، ويقرؤُها بصوتٍ رقيق، أو يقرؤُها له غيره وهو يستمع. وكذلك يستقرئ أحاديث الرجاء، وحكاياتِ الصالحين وآثارَهم عند الموت، وأن يكونَ خيرهُ مُتزايداً، ويُحافظ على الصلوات واجتناب النجاسات وغير ذلك من وظائف الدين، ويصبر على مشقة ذلك؛ وليحذرْ من التساهلُ في ذلك، فإن من أقبح القبائح أن يكونَ آخِرُ عهده من الدنيا التي هي مزرعة الآخرة التفريط فيما وجب عليه، أو ندب إليه. وينبغي له ألا يقبل قول من يخذله عن شيء مما ذكرناهُ، فإن هذا مما يُبتلى به، وفاعلُ ذلك هو الصديق الجاهل، العدوّ الخفيّ، فلا يقبل تخذيله، وليجتهد في ختم عمره بأكمل الأحوال. ويستحبّ أن يوصي أهله وأصحابهُ بالصبر عليه في مرضه، واحتمال ما يصدر منه، ويوصيهم أيضاً بالصبر على مصيبتهم به، ويجتهد في وصيتهم بترك البكاء عليه، ويقول لهم: صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الميتُ يعذبُ ببكاءِ أهله عليه" [البخاري، رقم: 1286؛ مسلم، رقم: 927] فإيَّاكم -يا أحبائي- وَالسَّعيَ في أسباب عذابي، ويُوصيهم بالرفق بمن يخلفه

من طفل وغلام وجارية ونحوهم، ويوصيهم بالإِحسان إلى أصدقائه، ويعلّمهم أنه صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهُ قال: "إِنَّ مِنْ أبَرّ البِرّ أنْ يَصِلَ الرَّجُلُ أهْلَ وُدِّ أبيه" [مسلم، رقم: 2552؛ الترمذي، رقم: 1903] وصحّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكرمُ صواحبات خديجة رضي الله عنها بعد وفاتها [راجع البخاري، رقم: 3816؛ وكذلك مسلم، رقم: 2435] . ويستحب له استحباباً مؤكداً1 أن يوصيهم باجتناب ما جرت العادة به من البدع في الجنائز، ويؤكد العهد بذلك. ويُوصيهم بتعاهده بالدعاء، وألا ينسوه لطول الأمد. ويُستحبّ له أن يقولَ لهم في وقت بعد وقتٍ: متى رأيتم مني تقصيراً في شيء فنبّهوني2 عليه برفقٍ، وأدّوا إلَيَّ النصيحة في ذاك، فإني معرّض للغفلة والكسل والإِهمال. فإذا قصَّرْتُ فنشِّطوني، وعاونوني على أُهبة سفري هذا البعيد. دلائل ما ذكرته في هذا الباب معروفة مشهورة، حذفتها اختصاراً، فإنها تحتمل كراريس. وإذا حَضَرَهُ النَّزع3، فليكثرْ من قول: لا إله إلا الله، ليكون آخرَ كلامِه. 749- فقد روينا في الحديث المشهور في "سنن أبي داود" [رقم: 3116] وغيره، عن معاذ بن جبل رضي الله عنهُ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كَان آخِرَ كَلامِه: لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ، دَخَلَ الجَنَّةَ". قال الحاكم أبو عبد الله في كتابه "المستدرك على الصحيحين" [1/ 351] : هذا حديثٌ صحيحُ الإسناد. __________ 1 في نسخة: "متأكدًا". 2 في نسخة: "تنهوني؟ " 3 في نسخة: "حَضَرَ النَّزْعَ".

750- وروينا في "صحيح مسلم" [رقم: 916] ، و"سنن أبي داود" [رقم: 117] والترمذي [رقم: 976] ، والنسائي [رقم: 1826] وغيرها؛ عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنهُ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَقِّنُوا مَوْتاكُمْ: لا إِلهَ إِلاَّ الله"، قال الترمذي: هذا حديثٌ حسن صحيحٌ. ورويناه في "صحيح مسلم" [رقم: 917] أيضاً، من رواية أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. 751- قال العلماءُ: فإن لم يقل هو: "لا إِله إِلاَّ الله" لقَّنَهُ مَنْ حضرَه، ويلقنه برفقٍ مخافةَ أن يضجرَ فيردها، وإذا قالها مرّة لا يُعيدها عليه إلا أن يتكلم بكلامٍ آخر. قال أصحابُنا: ويستحبّ أن يكون الملقن غير متّهم1، لئلا يُحرج الميتَ، ويتهمهُ. واعلم أن جماعة من أصحابنا قالوا: نُلَقِّنُ، ونقولُ: لا إِله إلاَّ الله محمدٌ رسولُ الله. واقتصر الجمهور على قول: لا إِله إِلاَّ الله؛ وقد بسطتُ ذلك بدلائله وبيان قائليه في كتاب الجنائز من "شرح المهذب" [5/ 101] . __________ 1 في نسخة: "وارث متهم".

 بابُ ما يقولُه بعد تَغميضِ الميّت:

752- روينا في "صحيح مسلم" [رقم: 920] ، عن أُمّ سلمة، واسمها هند، رضي الله عنها، قالت: دخلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على أبي سلمة وقد شَقَّ بصرُه، فأغمضَه، ثم قال: "إن الرُّوحَ إذَا قُبِضَ تَبعَهُ البَصَرُ"، فَضجّ ناسٌ من أهلِه، فقال: "لا تَدْعُوا على أنْفُسكُمْ إِلاَّ بِخَيْرٍ، فإنَّ المَلائِكَةَ يُؤمِّنُونَ على ما تَقُولُونَ" ثم قال: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لأَبِي سَلَمَة، وَارْفَعْ درجتهُ في المَهْدِيَّينَ، وَاخْلُفْهُ في عَقِبِهِ في الغَابِرِينَ، وَاغْفِرْ لَنا

وَلَهُ يا رَبَّ العالَمِينَ، وَافْسحْ لَهُ فِي قَبْرِهِ، وَنَوِّرْ لَهُ فِيهِ". قلتُ: قولها: "شقَّ بصرُه" وهو بفتح الشين، وبصرُه برفع الراء، فاعل شقّ، هكذا الرواية فيه باتفاق الحفاظ وأهل الضبط. قال صاحب "الأفعال" [أبو عثمان سعيد بن محمد المعافري السرقسطي 2/ 364] : يُقال شقّ بصرُ الميت و [ولا يقال] شقّ الميتُ بصرَه: إذا شخص. 753- وروينا في "سنن البيهقي" [3/ 385] بإسناد صحيح، عن بكر بن عبد الله التابعي الجليل: إذا أغمضتَ الميّتَ فقل: بِاسْمِ اللَّهِ، وَعَلى ملّةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم؛ وإذا حملته فقل: بِاسْمِ الله؛ ثم سبِّحْ ما دمتَ تحملُه.

 بابُ ما يُقالُ عندَ الميّت:

754- روينا في "صحيح مسلم" [رقم: 919] ، عن أُمّ سلمة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذَا حَضَرْتُمُ المَرِيضَ أَوِ المَيِّتَ، فَقُولُوا خَيْراً، فإنَّ المَلائكَةَ يُؤَمِّنُونَ على ما تَقُولُونَ". قالت: فلما مات أبو سلمة أتيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقلتُ: يا رسولَ الله! إن أبا سلمةَ قد ماتَ، قال: "قُولي: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي وَلَهُ، وَأعْقِبْنِي مِنْهُ عُقْبَى حَسَنَةً"، فقلتُ: فأعقبني الله مَن هو خيرٌ لي منهُ: محمداً صلى الله عليه وسلم. قُلتُ: هكذا وقع في "صحيح مسلم"، وفي الترمذي [رقم: 977] : "إذَا حَضَرْتُمُ المَرِيضَ، أوِ المَيِّتَ" على الشكّ. وروينا في "سنن أبي داود" [رقم: 3115] وغيره [ابن ماجه، رقم: 1447 و1598] : "الميّتَ" من غير شك. 755- وروينا في "سنن أبي داود" [رقم: 1321] وابن ماجه [رقم: 1448] عن معقل بن يسار الصحابي رضي الله عنه، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "اقرءوا {يس} على مَوْتاكُمْ". قلتُ: إسناده ضعيف، فيه مجهولان، لكن لم يُضَعِّفه أبو داود [التبيان للنووي، رقم: 477] . 756- وروى ابن أبي داود، عن مُجالد، عن الشعبيّ، قال: كانت الأنصارُ إذا حضروا قرءوا عند الميت سورة البقرة. مُجالد ضعيف؛ والله أعلم ["التبيان" للنووي، رقم: 478] .

 بابُ ما يقولُه مَنْ مَاتَ له ميّت:

757- روينا في "صحيح مسلم" [رقم: 4918] ، عن أُمّ سلمة رضي الله عنها، قالت: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مَا مِنْ عَبْدٍ تُصيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ: إنّا لِلَّهِ وإنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، اللَّهُمَّ أجُرْنِي فِي مُصِيبَتي، وأخْلِفْ لي خَيْراً مِنْها؛ إلاَّ أَجَرَهُ اللَّهُ تَعالى في مُصِيبَتِهِ، وأخْلَفَ لَهُ خَيْراً مِنْها". قالت: فلما توفي أبو سلمة، قلتُ كما أمرني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فأخلف الله تعالى لي خيراً منهُ: رسولَ الله صلى الله عليه وسلم. 758- وروينا في "سنن أبي داود" [رقم: 3119] ، عن أُمّ سلمة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا أصَابَ أحَدَكُمْ مُصِيبَةٌ فليقل: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 156] اللَّهُمَّ عِنْدَكَ أحْتَسِبُ مُصِيبَتِي، فأْجُرْنِي فِيها، وأبْدِلْنِي بِها خَيْراً مِنها". 759- وروينا في "كتاب الترمذي" [رقم: 1021] وغيره، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا مات وَلَدُ العَبْدِ قالَ الله تعالى لملائكته: قَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِي؟ فيقولون: نعم! فيقول: قبتضم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم! فيقول: فماذا قالَ عَبْدِي؟ فَيَقُولُونَ: حَمِدَكَ وَاسْتَرْجَعَ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعالى: ابْنُوا لعبدي بَيْتاً في الجَنَّةِ، وسموه بيت الحَمْدِ". قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ. [مر برقم: 628] . 760- وفي معنى هذا ما رويناه في "صحيح البخاري" [رقم: 6424] ، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يَقُولُ اللَّهُ تَعالى: ما لِعَبْدِي المُؤْمِنِ عِنْدِي جزاءٌ إِذَا قَبَضْتُ صَفِيَّهُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيا، ثُمَّ احْتَسَبَهُ، إلا الجنة". والله أعلم.

 بابُ ما يقولُه مَنْ بَلَغَهُ مَوْتُ صَاحِبِهِ:

761- روينا في "كتاب ابن السني" [رقم: 566] ، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المَوْتُ فَزَعٌ، فإذَا بَلَغَ أحَدَكُمْ وَفاةُ أخِيهِ، فَلْيَقُلْ: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 156] ، {وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ} [الزخرف: 14] ، اللَّهُمَّ اكْتُبْهُ عِنْدَكَ من الْمُحْسِنِينَ، وَاجْعَلْ كِتابَهُ فِي عِلِّيِّينَ، وَاخْلُفْهُ فِي أَهْلِهِ فِي الغابِرِينَ، وَلا تَحْرِمْنا أجره، ولا تفتنا بعده".

 بابُ ما يقولُه إذا بلَغه موتُ عدوِّ الإِسلام:

762- روينا في "كتاب ابن السني" [رقم: 567] ، عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: أتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلتُ: يا رسولَ الله! قد قتلَ الله عزّ وجلّ أبا جهلٍ، فقال: "الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَصَرَ عبده، وأعز دينه".

 بابُ تحريمِ النياحَةِ على الميِّتِ والدُّعَاءِ بدعوَى الجاهليّة:

763- أجمعت الأمّةُ على تحريم النياحة، والدعاء بدعوى الجاهلية، والدعاء بالويل والثبور عند المصيبة. 764- روينا في "صحيحي" البخاري [رقم: 1294] ومسلم [رقم: 103] ، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَيْسَ مِنّا مَنْ لَطَمَ الخُدُودَ، وَشَقَّ الجُيُوبَ، وَدَعا بِدَعْوَى الجاهِلِيَّةِ". وفي رواية لمسلم: "أوْ دَعا" "أوْ شَقَّ" بـ"أو". 765- وروينا في "صحيحيهما" [البخاري، رقم: 1296؛ ومسلم رقم: 104] ، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، برىءَ من الصَّالقةِ، والحَالقةِ، والشاقة. ["رياض الصالحين"، رقم 1659] . قلتُ: الصالقة: التي ترفع صوتها بالنياحة، والندب، والحالقة: التي تخلق شعرها عند المصيبة، والشَّاقةُ: التي تشقُّ ثيابَها عند المصيبة؛ وكل هذا حرامٌ باتفاق العلماء، وكذلك يحرم نشرُ الشعر، ولطم الخدود، وخمش الوجه، والدعاء بالويل. [راجع رقم: 1583 اللاحق] . 766- وروينا في "صحيحيهما" [البخاري، رقم: 1306؛ ومسلم، رقم: 936] عن أُمّ عطيةَ [نسيبة] رضي الله عنها، قالت: أخذَ علينا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في البيعة ألا ننوح. [رياض الصالحين، رقم: 1661] . وروينا في "صحيح مسلم" [رقم: 67] ، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اثْنَتانِ فِي النَّاسِ هُمَا بِهِمْ كُفْرٌ: الطَّعْنُ في النَّسَبِ، وَالنِّياحَةُ على الميت". ["رياض الصالحين"، رقم: 1667؛ وسيرد برقم: 1761] . 768- وروينا في "سنن أبي داود" [رقم: 3128] ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم النائحة والمستمعة. 769- واعلم أن النياحة: رفع الصوت بالندب، والندب: تعديد النادبة بصوتها محاسن الميت، وقيل: هو البكاء عليه مع تعديد محاسنه.

قال أصحابنا: ويحرم رفع الصوت بإفراط في البكاء. 770- وأما البكاء على الميت من غير ندب ولا نياحةٍ فليس بحرام. فقد روينا في "صحيحي" البخاري [رقم: 1304] ، ومسلم [رقم: 924] ، عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد سعد بن عبادة، ومعه عبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن مسعودٍ، فبكى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأى القومُ بكاءَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بكَوْا، فقال: "ألا تَسْمَعُونَ؟ إنَّ اللَّهَ لا يُعذب بِدَمْعِ العَيْنِ ولا بِحُزْنِ القَلْبِ، وَلَكِنْ يُعَذّبُ بِهَذَا أَوْ يَرْحَمُ" وأشار إلى لسانه صلى الله عليه وسلم. 771- وروينا في صحيحيهما [البخاري، رقم 1284؛ ومسلم، رقم: 923] ، عن أسامة بن زيدٍ رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رُفِعَ إليه ابنُ ابنته وهو في الموت، ففاضت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له سعد: ما هذا يا رسول الله؟ قال: "هَذِهِ رحمةٌ جَعَلَها اللَّهُ تَعالى في قُلوبِ عِبَادِهِ، وإنمَا يَرْحَمُ اللَّهُ تَعالى مِنْ عِبادِهِ الرُّحَماءَ". قلتُ: "الرحماء" رُوي بالنصب والرفع، فالنصبُ على أنه مفعول يرحم، والرفعُ على أنه خبر "إنّ"، وتكون "ما" بمعنى "الذي". 772- وروينا في "صحيح البخاري" [رقم: 1303] ، عن أنس رضي الله عنهُ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على ابنه إبراهيم رضي الله عنه، وهو يجود بنفسه، فجعلتْ عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان، فقال له عبد الرحمن بن عوف: وأنت يا رسولَ الله؟ فقال: "يا ابن عَوْفٍ! إِنَها رَحْمَةٌ" ثم أتبعها بأخرى، فقال: "إنَّ العَيْنَ تَدْمَعُ، وَالقَلْبَ يَحْزَنُ، وَلاَ نَقُولُ إِلاَّ ما يُرضي رَبَّنا، وَإنَّا بِفِرَاقِكَ يا إبراهيم لمحزونون" [وروى مسلم، رقم: 2315، بعضه] .

والأحاديث بنحو ما ذكرته كثيرة مشهورة. 773- وأما الأحاديث الصحيحة أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه، فليست على ظاهرها وإطلاقها، بل هي مُئَوَّلَةٌ. واختلف العلماء في تأويلها على أقوال: أظهرها -والله أعلم- أنها محمولة على أن يكون له سبب في البكاء، إما بأن يكون أوصاهم به، أو غير ذلك، وقد جمعت كل ذلك، أو معظمه في كتاب الجنائز من "شرح المهذب" [6/ 277] ؛ والله أعلمُ. 774- قال أصحابنا: ويجوز البكاء قبل الموت، وبعده، ولكن قبله أولى للحديث الصحيح: "فإذَا وَجَبَتْ فلا تَبكِيَنَّ باكية" [مالك رقم، 552؛ أبو داود، رقم: 3111؛ النسائي، رقم: 1846؛ ابن ماجه، رقم: 2803] وقد نصّ الشافعي -رحمه الله- والأصحاب على أنه يُكره البكاءُ بعد الموت كراهة تنزيه، ولا يحزمُ، وتأوّلوا حديث: "فَلاَ تَبْكينَّ بَاكِيَةٌ" على الكراهة [انظر الأم 1/ 279، 280] .

  بابُ التَّعْزِيَة:

775- روينا في "كتاب الترمذي" [رقم: 1073] ، و"السنن الكبرى" للبيهقي 4/ 59، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "مَنْ عَزَّى مُصَاباً فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ". وإسناده ضعيف. 776- وروينا في "كتاب الترمذي" [رقم: 1076] أيضاً، عن أبي برزة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "مَنْ عَزَّى ثَكْلَى كُسِيَ بُرْداً في الجَنَّةِ". قال الترمذي: ليس إسناده بالقويّ. 777- وروينا في "سنن أبي داود" [رقم: 3123] والنسائي [رقم: 1880] ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، حديثاً طويلاً فيه

أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة رضي الله عنها: "ما أخْرَجَكِ يَا فاطِمَةُ مِنْ بَيْتكِ"؟ قالَت: أتيتُ أهلَ هذا الميت؛ فترحمتُ إليهم ميّتهم، أو عزَّيْتُهم به. 778- وروينا في سنن ابن ماجه [رقم: 1601] والبيهقي [4/ 459] بإسناد حسن، عن عمرو بن حزم رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "ما مِنْ مُؤْمِنٍ يُعَزِّي أخاهُ بِمُصِيْبَتِهِ إِلاَّ كَساهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ حُلَلِ الكَرَامَةِ يَوْمَ القِيامَةِ". 779- واعلم أن التعزية هي: التصبير، وذكرُ ما يسلّي صاحب الميت، ويخفّف حزنه، ويهوّن مصيبته؛ وهي مستحبة؛ فإنها مشتملة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي داخلة أيضاً في قول الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2] وهذا من أحسن ما يُستدلّ به في التعزية. 780- وثبت في الصحيح [عند مسلم، رقم 2699] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "وَاللَّهُ فِي عَوْنِ العَبْدِ ما كانَ العَبْدُ في عَوْن أخيه". 781- واعلم أن التعزية مستحبّة قبل الدفن وبعده، قال أصحابنا: يدخل وقت التعزية من حين يموتُ، ويبقى إلى ثلاثة أيام بعد الدفن. والثلاثة على التقريب لا على التحديد، كذا قال الشيخ أبو محمد الجويني من أصحابنا. قال أصحابنا: وتُكره التعزية بعد ثلاثة أيام؛ لأن التعزية لتسكين قلب المُصاب، والغالب سكون قلبه بعد الثلاثة، فلا يجدّد له الحزن، هكذا قال الجماهير من أصحابنا. وقال أبو العباس ابن القاص من أصحابنا: لا بأس بالتعزية بعد

الثلاثة، بل يبقى أبداً، وإن طال الزمان؛ وحكى هذا أيضاً إمام الحرمين عن بعض أصحابنا، والمختار أنها لا تفعل بعد ثلاثة أيام إلا في صورتين استثناهما أصحابنا أو جماعة منهم، وهما: إذا كان المعزِّي، أو صاحب المصيبة غائباً حال الدفن، واتفق رجوعه بعد الثلاثة. قال أصحابنا: التعزية بعد الدفن أفضلُ منها قبلهُ؛ لأن أهل الميت مشغولون بتجهيزه، ولأن وحشتهم بعد دفنه لفراقه أكثر، هذا إذا لم يرَ منهم جزعاً شديداً، فإن رآهُ قدّم التعزية ليسكِّنهم؛ والله تعالى أعلم.

 202- فصل في تعميم التعزية:

782- ويستحبّ أن يعمَّ بالتعزية جميعَ أهل الميت وأقاربه الكبار والصغار والرجال والنساء، إلا أن تكون امرأةً شابّةً، فلا يعزّيها إلا محارمُها، وقال أصحابنا: وتعزيةُ الصلحاء، والضعفاء على احتمال المصيبة، والصبيان آكد.

 203- فصل في الجلوس للتعزية:

783- قال الشافعي وأصحابنا رحمهم الله: يكرهُ الجلوس للتعزية، قالوا: يعني بالجلوس: أن يجتمعَ أهلُ الميت في بيت ليقصدَهم مَن أراد التعزية، بل ينبغي أن ينصرفوا في حوائجهم، ولا فرقَ بين الرجال والنساء في كراهة الجلوس لها؛ صرَّحَ به [الحسين بن إسماعيل] المحاملي، ونقله عن نصّ الشافعي رضي الله عنه، وهذه كراهةُ تنزيه إذا لم يكن معها مُحدَثٌ آخر، فإن ضُمَّ إليها أمرٌ آخر من البدع المحرمة، كما هو الغالب منها في العادة، كان ذلك حراماً من قبائح المحرمات، فإنه محدثٌ. 784- وثبت في الحديث الصحيح: [مسلم، رقم: 867؛ النسائي، رقم: 1578؛ أبو داود، رقم: 2954 و2956؛ ابن ماجه، رقم: 45 و2416؛ وعند ابن حبان، رقم: 5] : "إن كل محدثةٍ بدعةٌ، وكلّ بدعةٍ ضلالته". ["الأربعون النووية" الحديث، رقم: 28، وسيرد برقم: 2085] .

 204- فصل [في ألفاظ التعزية]

785- وأما لفظ التعزية فلا حجرَ فيه، فبأيّ لفظ عزَّاه حصلت. واستحبَّ أصحابُنا أن يقول في تعزية المسلم بالمسلم: أعْظَمَ اللَّهُ أجْرَكَ، وأحْسَنَ عَزَاءَكَ، وَغَفَرَ لمَيِّتِكَ, وفي تعزية المسلم بالكافر: أعظم الله أجرَك. وأحسن عزاءَك. وفي الكافر بالمسلم: أَحسن الله عزاءك، وغفر لميّتك. وفي الكافر بالكافر: أخلف الله عليك. 786- وأحسن ما يُعزَّى به: ما روينا في "صحيحي" البخاري [رقم: 1284] ومسلم [رقم: 923] ، عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما، قال: أرسلتْ إحدى بنات النبيِّ صلى الله عليه وسلم إليه تدعوه وتخبره أنّ صبياً لها أو ابناً في الموت، فقال للرسول: "ارْجعْ إلَيْها فأخْبرْها أنَّ لِلَّهِ تَعالى ما أخَذَ، وَلَهُ ما أعْطَى، وكُلُّ شيءٍ عِنْدَهُ بأجَلٍ مُسَمَّى؛ فمُرْها فَلْتَصْبرْ، وَلْتَحْتَسبْ" وذكر تمام الحديث. 787- قلتُ: فهذا الحديثُ من أعظم قواعدِ الإسلامِ المشتملة على مهماتٍ كثيرةٍ من أول الدين وفروعه، والآداب والصبر على النوازل كلِّها، والهموم والأسقام وغير ذلك من الأعراض؛ ومعنى "إنَّ لِلَّهِ تَعالى ما أخذ": أن العالم كله ملكٌ للهِ تعالى، فلم يأخُذ ما هو لكم، بل أخذ ما هو له عندكم في معنى العارية؛ ومعنى "وله ما أعطى": أن ما وهبه لكم ليس خارجاً عن ملكه، بل هو له سبحانهُ، يفعل فيه ما يشاء، "وكل شيءٍ عندهُ بأجلٍ مسمّى" فلا

تجزعوا، فإن من قبضه قد انقضى أجَله المسمَّى، فمحالٌ تأخرهُ، أو تقدمه عنه، فإذا علمتُم هذا كله فاصبروا واحتسبوا ما نزل بكم، والله أعلم. 788- وروينا في "كتاب النسائي" [رقم: 1870 و2088] ، بإسناد حسن، عن معاوية بن قرّة بن إياس، عن أبيه رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم فقدَ بعضَ أصحابه، فسأل عنه، فقالوا: يا رسول الله! بُنَيُّهُ الذي رأيته هلك؛ فلقيهُ النبيّ صلى الله عليه وسلم، فسأله عن بنيّه، فأخبره أنه هلك، فعزاهُ عليه، ثم قال: "يا فُلانُ! أيُّما كانَ أحَبَّ إلَيْكَ؟ أَنْ تَمتَّع بِهِ عُمُرَكَ، أوْ لا تَأتِي غَداً باباً مِنْ أبْوَابِ الجَنَّةِ إِلاَّ وَجَدْتَهُ قَدْ سَبَقَكَ إِلَيْهِ يَفْتَحُهُ لَكَ"؟، قال: يا نبيّ الله! بل يسبقني إلى الجنة، فيفتحها لي، لهو أحبّ إليّ، قال: "فَذَلِكَ لَكَ". 789- وروى البيهقي بإسناده، في مناقب الشافعي [2/ 90 و91] ، أن الشافعي بلغه أن عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله، مات له ابن فجَزعَ عليه عبد الرحمن جزعاً شديداً، فبعثَ إليه الشافعي رحمه الله: يا أخي! عزِّ نفسك بما تَعَزَّى به غيرُك، واستقبحْ من فعلك ما تستقبحُه من فعل غيرك. واعلم أن أمضَّ المصائب فقدُ سرورٍ، وحرمانُ أجر، فكيف إذا اجتمعا مع اكتِساب وزر؟ فتناول حظَّكَ يا أخي إذا قرب منك قبل أن تطلبَه وقد نأى عنك، ألهمك اللَّهُ عند المصائب صبراً، وأحرزَ لنا ولك بالصبر أجراً؛ وكتب إليه [من البسيط] : إنّي مُعَزِّيكَ لا أني على ثِقَةٍ ... مِنَ الخُلُودِ وَلَكِنْ سُنَّةُ الدّينِ فَمَا المُعَزَّى بباقٍ بَعْدَ مَيِّتِهِ ... وَلا المُعَزِّي وَلَوْ عاشا إلى حِينِ 790- وكتبَ رجلٌ إلى بعض إخوانه يعزُّيه بابنه: أما بعدُ، فإنَّ الولدَ على والده ما عاش حزنٌ وفتنةٌ، فإذ قدّمه فصلاةٌ ورحمةٌ، فلا تجزعْ على ما فاتك من حزنه وفتنته، ولا تضيّع ما عوّضك الله عز وجل من صلاته ورحمته.

791- وقال موسى بن المهدي لإِبراهيم بن سالم، وعزَّاه بابنه: أسَرَّك وهو بليّة وفتنةٌ، وأحزنَك وهو صلوات ورحمة؟! يعني بالأول قوله تعالى: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} [التغابن: 15] وبالثاني قوله تعالى: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} [البقرة: 157] عن "برد الأكباد عن فقد الأولاد" لابن ناصر الدين الدمشقي. 792- وعزَّى رجل رجلاً، فقال: عليك بتقوى الله والصبر، فبه يأخذ المحتسب، وإليه يرجع الجازع. 793- وعزَّى رجلٌ رجلاً، فقال: إن من كان لك في الآخرة أجراً، خيرٌ ممّن كان لك في الدنيا سروراً. 794- وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أنه دفن ابناً لهُ، وضحك عند قبرهِ، فقيلَ لهُ: أتضحك عند القبر؟ قال: أردت أن أرغم أنف الشيطان. 795- وعن ابن جُرَيْجٍ رحمه الله، قال: من لم يتعزّ عند مصيبته بالأجر والاحتساب، سَلاَ كما تَسْلُو البهائم. 796- وعن حميدٍ الأعرج، قال: رأيت سعيدَ بن جُبير رحمه الله يقول في ابنه، ونظر إليه: إني لأعلم خير خلةٍ فيك، قيل: ما هي؟ قال: يموت، فأحتسبه. 797- وعن الحسن البصري رحمه الله، أن رجلاً جَزِع على ولده، وشكا ذلك إليه؛ فقال الحسن: كان ابنك يغيب عنك؟ قال: نعم، كانت غيبته أكثر من حضوره، قال: فاتركه غائباً، فإنه لم يغبْ عنك غيبة الأجْرُ لك فيها أعظم من هذه، قال: يا أبا سعيد! هوَّنت عنّي وجْدي على ابني. ["التعازي والمراثي" للمبرد، صفحة: 198] .

798- وعن ميمون بن مهران، قال: عزَّى رجل عمرَ بن عبد العزيز رضي الله عنهُ على ابنه عبد الملك رضي الله عنه، فقال عمر: الأمر الذي نزل بعبد الملك أمرٌ كنّا نعرفهُ، فلما وقع لم ننكره. 799- وعن بشر بن عبد الله قال: قام عمرُ بن عبد العزيز على قبر ابنه عبد الملك، فقال: رحمك الله يا بني، فقد كنت سارًّا مولدًا، وبارًّا ناشئًا، وما أحبّ أني دعوتك فأجبتني. 800- وعن مسلمة، قال: لما ماتَ عبدُ الملك بن عمر، كشفَ أبوه عن وجهه، وقال: رحمك الله يا بني! فقد سررت بك يوم بُشِّرْتُ بك، ولقد عُمِّرت مسروراً بك، وما أتت عليّ ساعةٌ أنا فيها أسرُ من ساعتي هذه، أما والله إن كنتَ لتدعو أباك إلى الجنة. 801- قال أبو الحسن المدائني: دخل عمرُ بنُ عبد العزيز على ابنه في وجعه، فقال: يا بني! كيف تجدك؟ قال: أجدني في الحقّ؟ قال: يا بنيّ! لأن تكون في ميزاني أحَبَّ إلَيّ مِنْ أن أكون في ميزانك، فقال: يا أبتِ! لأن يكون ما تُحبُّ أحَبَّ إِليَّ مِنْ أن يكون ما أحب. 802- وعن جُويرية بن أسماء، عن عمّه، أن إخوة ثلاثة شهدوا يوم تُسْتَرَ، فاسْتشهدوا، فخرجتْ أُمُّهم يومًا إلى السوق لبعض شأنها، فتلقاها رجلٌ حضرَ تُسْتَرَ، فعرفتْه، فسألته عن أمور بَنِيها، فقال: اسْتُشهدوا؛ فقالت: مُقبلين أو مُدبرين؟ قال: مُقبلين؛ قالت: الحمدُ لله، نالوا الفوزَ، وحاطوا الذِّمار، بنفسي هم وأبي وأمي. قلت: "الذِّمار" بكسر الذال المعجمة، وهم: أهل الرجل وغيرهم مما يحقّ عليه أن يحميهُ، وقولها: "حاطوا"، أي: حفِظوا ورعوا. 803- ومات ابن الإِمام الشافعي رضي الله عنهُ، فأنشد من الطويل:

وما الدّهرُ إِلاّ هكذا فاصْطبرْ لهُ ... رزِيَّةُ مالٍ، أو فراقُ حبيبِ1 804- قال أبو الحسن المدائني: مات الحسنُ والدُ عُبيد الله بن الحسنِ، وعبيدُ الله يومئذٍ قاضي البصرةٍ وأميرُها، فكثر من يعزّيه، فذكروا ما يتبيّنُ به جزعُ الرجل من صبره، فأجمعوا على أنه إذا ترك شيئاً كان يصنعه فقد جزع. قلت: والآثارُ في هذا الباب كثيرةٌ، وإ نما ذكرتُ هذه الأحرف لئلا يخلو هذا الكتابُ من الإِشارة إلى طرفٍ من ذلك، والله أعلم. __________ 1 في نسخة زيادةٌ، وهي بيت آخر بعد هذا البيت كما في "الفتوحات الربانية" 151/4: وقد فارق الناس الأحبة قبلنا ... وأغيا دواءُ الموت كل طبيب وفي "برد الأكباد" لابن ناصر الدين الدمشقي، بيت آخر، صفحة: 110: وإن امرأ قد جرب الدهر لم يخف ... تقلب عصريه لغير لبيب

205- فصل في الإِشارة إلى بعض ما جرى من الطاعون في الإِسلام: والمقصود بذكره هنا التصبّر، والتحمل على التأسي بغيره، وأن مصيبة الإنسانية قليلة بالنسبة إلى ما جرى قبله على غيره. 805- قال أبو الحسن المدائني: كانت الطواعين المشهورة العظام في الإِسلام خمسة: طاعون شيرويه بالمدائن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة ستّ من الهجرة، ثم طاعونُ عمواس في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان بالشام، مات فيه خمسةٌ وعشرون ألفاً، ثم طاعونُ الجارف في زمن ابن الزبير في شوّال سنة تسع وستين، مات في ثلاثة أيام في كلّ يوم سبعون ألفاً، مات فيه لأنس بن مالك رضي الله عنه ثلاثة وثمانون ابناً، وقيل: ثلاثة وسبعون ابناً، ومات لعبد الرحمن بن أبي بكرة أربعون ابناً، ثم طاعون الفتيات في شوّال سنة سبع وثمانين، ثم طاعون في سنة إحدى

وثلاثين ومائة في رجب، واشتدّ في رمضان، وكان يُحصى في سكة المِربد في كل يوم ألف جنازة، ثم خفّ في شوّال. وكان بالكوفة طاعون سنة خمسين، وفيه توفي المغيرة بن شعبة؛ هذا آخر كلام المدائني [راجع شرح صحيح مسلم للنووي، شرح مقدمة مسلم 105/1] . 806- وذكر ابن قُتيبة في كتابه "المعارف" [صفحة: 601 و 602] عن الأصمعي في عدد الطواعين نحو هذا، وفيه زيادة ونقص. قال: وسمي طاعون الفتيات؛ لأنه بدأ في العذارى [والجواري] بالبصرة، وواسط، والشام، والكوفة، ويقال له: طاعون الأشراف لِما مات فيه من الأشراف. قال: ولم يقع بالمدينة، ولا مكة طاعون قطّ [راجع "شرح صحيح مسلم" للنووي، شرح مقدمة مسلم 1/ 105] . وهذا الباب واسع، وفيما ذكرته تنبيهٌ على ما تركته، وقد ذكرتُ هذا الفصل بأبسط من هذا في أو "شرح صحيح مسلم" رحمه الله [1/ 105] ، وبالله التوفيق.

 بابُ جَواز إعلامِ أصحاب الميّتِ وقرابتِه بموتِه وكراهةِ النَّعي:

827- روينا في "كتاب الترمذي" [رقم: 986] ، وابن ماجه [رقم: 1476] ، عن حذيفة رضي الله عنهُ، قال: إذا مِتُّ فلا تُؤذنوا بي أحداً، إني أخافُ أن يكون نعياً، فإني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن النعي. قال الترمذي: حديث حسن [صحيح] . 808- وروينا في "كتاب الترمذي" [رقم: 984] ، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "إيَّاكُمْ وَالنَّعْيَ، فإنَّ النَّعْيَ مِنْ عَمَلِ الجاهِلِيَّةِ".

وفي رواية [رقم: 985] عن عبد الله ولم يرفعه، قال الترمذي: هذا أصحّ من المرفوع، وضعَّف الترمذي الروايتين. 809- وروينا في "الصحيحين" [البخاري، رقم: 1333؛ ومسلم، رقم: 951] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، نعى النجاشي إلى أصحابه. 810- وروينا في "الصحيحين" [البخاري، رقم: 1333؛ ومسلم، رقم: 956] أن النبي صلى الله عليه وسم قال في ميت دفنوه بالليل ولم يعلم به: "أفلا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي بِهِ"؟. 811- قال العلماء المحققون والأكثرون من أصحابنا وغيرهم: يُستحبّ إعلامُ أهل الميت وقرابته وأصدقائه لهذين الحديثين. قالوا. والنعي المنهي عنهُ إنما هو نعي الجاهلية، وكانت عاداتهم إذا مات منهم شريفٌ بعثوا راكباً إلى القبائل يقولُ: نعايا فلانٍ، أو يا نعايا العرب! أي: هلكت العرب بمهلك فلان، ويكون مع النعي ضجيج وبكاءٌ. وذكر الإمام الماوردي صاحب الحاوي من أصحابنا، وجهين لأصحابنا في استحباب الإِيذان بالميت، وإشاعة موته بالنداء والإِعلام، فاستحبّ ذلك بعضهُم للميت الغريب والقريب، لما فيه من كثرة المصلّين عليه والدّاعين له. وقال بعضُهم: يُستحبّ ذلك للغريب، ولا يُستحبّ لغيره. قلتُ: والمختارُ استحبابه مطلقاً إذا كان مجرد إعلام.

 بابُ ما يُقالُ في حَالِ غَسل الميّتِ وتَكفِينه:

812- يُستحبّ الإِكثارُ من ذكر الله تعالى والدعاء للميت في حال غسله وتكفينه. قال أصحابنا: وإذا رأى الغاسلُ من الميّت ما يُعجبه: من استنارة وجهه، وطبيب ريحه، ونحو ذلك، استُحبَّ له أن يحدّثَ الناسَ بذلك، وإذا رأى ما يَكره من سوادِ وجهه، ونتن رائحته، وتغيّر عضوٍ، وانقلاب صورة، ونحو ذلك، حرّم عليه أن يحدّث أحداً به، واحتجوا. 813- بما رويناه في سنن أبي داود [رقم: 4900] والترمذي [رقم: 1019] ، عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اذْكُرُوا مَحَاسِنَ مَوْتاكُمْ، وكُفُّوا عَنْ مَساوِيهِمْ". ضعفه الترمذي [وسيرد برقم: 871] . 814- وروينا في "السنن الكبير" [3/ 395] للبيهقي، عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسم قال: "مَنْ غَسَّلَ مَيِّتاً، فَكَتَمَ عَلَيْهِ، غَفَرَ اللَّهُ لَهُ أرْبَعِينَ مَرَّةً". ورواه الحاكم أبو عبد الله في "المستدرك على الصحيحين" [1/ 354 و362] وقال: حديثٌ صحيح على شرط مسلم. 815- ثم إن جماهير أصحابنا أطلقوا المسألة كما ذكرته. وقال أبو الخير [يحيى بن سالم] اليمني [العمراني] صاحب "البيان" منهم: لو كان الميت مبتدعاً مظهراً للبدعة، ورأى الغاسلُ منه ما يكره، فالذي يقتضيه القياسُ أن يتحدّث به في الناس، ليكونَ ذلك زجراً للناس عن البدعة ["البيان" 3/ 38] .

 بابُ أَذْكَارِ الصَّلاة على الميّت:

816- اعلم أن الصلاة على الميت فرض كفاية، وكذلك غسله وتكفينه ودفنه، وهذا كلُّه مجمع عليه. وفيما يسقط به فرض الصلاة أربعة أوجه: أصحّها عند أكثر أصحابنا يسقط بصلاة رجل واحدٍ. والثاني: يُشترط اثنان. والثالث: ثلاثة. والرابع: أربعةٌ؛ سواءٌ صلُّوا جماعةٌ، أو فُرادى. 817- وأما كيفية هذه الصلاة، فهي: أن يكبرَ أربعَ تكبيرات، ولا بُدَّ منها، فإن أخلَّ بواحدة لم تصحّ صلاتهُ، وإن زاد خامسة ففي بطلان صلاته

وجهان لأصحابنا: الأصحّ لا تبطلُ، ولو كان مأموماً فكبَّر إمامهُ خامسة، فإن قلنا: إن الخامسة تبطل الصلاة فارقه المأموم، كما لو قام إلى ركعة خامسةٍ، وإن قلنا بالأصحّ: أنها لا تبطل لم يفارقه، ولا يتابعه على الصحيح المشهور، وفيه وجه ضعيف لبعض أصحابنا أنه يتابعه، فإذا قلنا بالمذهب الصحيح: أنه لا يتابعه، فهل ينتظره ليسلّم معه، أم يسلّم في الحال؟ فيه وجهان: الأصحّ ينتظره، وقد أوضحتُ هذا كلَّه بشرحه ودلائله في "شرح المهذّب" [5/ 186] . ويستحبّ أن يرفعَ اليد مع كل تكبيرة. وأما صفة التكبير، وما يستحبّ فيه وما يبطله وغير ذلك من فروعه فعلى ما قدمته في باب صفة الصلاة وأذكرها. 818- وأما الأذكارُ التي تقالُ في صلاةِ الجنازة بين التكبيرات، فيقرأ بعد التكبيرة الأولى الفاتحة، وبعد الثانية يُصلِّي على النبي صلى الله عليه وسلم، وبعد الثالثة يدعو للميت، والواجب منه ما يقع عليه اسم الدعاء، وأما الرابعة فلا يجب بعدها ذكرٌ أصلاً، ولكن يُستحبّ ما سأذكره إن شاء الله تعالى. 819- واختلف أصحابنا في استحباب التعوّذ، ودعاء الافتتاح عُقيب التكبيرة الأولى قبل الفاتحة، وفي قراءة السورة بعد الفاتحة، على ثلاثة أوجه: أحدها يُستحبّ التعوّذ دون الافتتاح والسورة. واتفقوا على أنه يُستحبّ التأمين عقيب الفاتحة. 820- وروينا في "صحيح البخاري" [رقم: 1335] ، عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه صلى على جنازةٍ، فقرأ فاتحة الكتاب، وقال: "لتعلموا أنها سنّة"، وقوله: "سنّة"، في معنى قول الصحابي: من السنة كذا. 821- وكذا جاء في "سنن أبي داود" [رقم: 3198] ، قال: "إنها من

السنّة" فيكون مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما تقرّر وعُرف في كتب الحديث والأصول. 822- قال أصحابنا: والسنّة في قراءتها الإسرارُ دون الجهر، سواءٌ صُلِّيت ليلاً أو نهاراً، هذا هو المذهب الصحيح المشهور الذي قاله جماهير أصحابنا. وقال جماعةٌ منهم: إن كانت الصلاة في النهار أسرّ، وإن كانت في الليل جهر. وأما التكبيرة الثانية فأقل الواجب عقبيها أن يقول: اللهم صل على محمدٍ، ويُستحبّ أن يقول: وعلى آلِ محمدٍ، ولا يجبُ ذلك عند جماهير أصحابنا. وقال بعض أصحابنا: يجب، وهو شاذّ ضعيفٌ؛ ويُستحبّ أن يدعوَ فيها للمؤمنين والمؤمنات إن اتسع الوقت لهُ، نصّ عليه الشافعي [في "الأم" 1/ 271] ، واتفق عليها الأصحاب، ونقل المزني في "المختصر" [صفحة: 38] عن الشافعي: إنه يُستحبّ أيضاً أن يحمد الله عزّ وجلّ، فقال باستحبابه جماعات من الأصحاب، وأنكره جمهورهم، فإذا قلنا باستحبابه بدأ بالحمد لله تعالى، ثم بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو للمؤمنين والمؤمنات؛ فلو خالف هذا الترتيب جاز، وكان تاركاً للأفضل. وجاءت أحاديث بالصَّلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، رويناها في "سنن البيهقي" [4/ 40] ، ولكني قصدتُ اختصار1 هذا الباب، إذ موضعُ بسطه كتب الفقه، وقد أوضحته في "شرح المهذب" [5/ 193] . وأما التكبيرة الثالثة فيجب فيها الدعاءُ للميت، وأقلهُ ما ينطلق عليه الاسم، كقولك: رحمه الله، أو: غفر الله له، أو: اللهمَّ اغفرْ له، أو: ارحمهُ، أو: الطفْ به، ونحو ذلك. __________ 1 في نسخة: "اقتصار".

وأما المستحبّ فجاءت فيه أحاديث وآثارك فأما الأحاديث فأصحّها: 823- ما رويناه في "صحيح مسلم" [رقم: 963] ، عن عوف بن مالك رضي الله عنه، قال: صلّى رسول الله صلى الله عليه وسلم على جنازةٍ، فحفظت من دعائه وهو يقول: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لهُ، وارحمهُ، وعافهِ، واعفُ عنهُ، وأكْرِمْ نزله، ووسغ مُدْخَلَهُ، وَاغْسِلْهُ بالمَاءِ والثَّلْجِ وَالبَرَدِ، ونَقِّهِ منَ الخَطايا كما نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الأبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ، وأبْدِلْهُ دَاراً خَيْراً مِنْ دَارِهِ، وَأهْلاً خَيْراً مِنْ أهْلِهِ، وَزَوْجاً خَيْراً مِنْ زَوْجِهِ، وأدْخِلْهُ الجَنَّةَ، وأعِذْهُ مِنْ عذابِ القبرِ، ومن عَذَابِ النَّارِ"، حتى تمنيت أن أكون أنا ذلك الميت. وفي رواية لمسلم [رقم: 86/963] : $"وقه فتنة القبر، وَعَذَابِ القَبْرِ". 824- وروينا في "سنن أبي داود" [رقم: 3201] ، والترمذي [رقم: 10234] ، والبيهقي [4/ 41] ؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه صلّى على جنازةٍ فقال: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنا وَمَيِّتِنا، وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرنا، وَذَكَرِنا وأُنْثانا، وشَاهِدِنا وغائِبِنا، اللَّهُمَّ مَنْ أحْيَيْتَه مِنَّا فأحْيِهِ على الإِسْلامِ، وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ على الإِيمان؛ اللَّهُمَّ لا تحرمنا أجرهُ، ولا تفتنا بعده" قال الحاكم أبو عبد الله [1/ 358] : هذا حديثُ صحيحٌ على شرط البخاري ومسلم. [وسيرد برقم: 866] . ورويناه في "سنن البيهقي" [4/ 41] وغيره من رواية أبي قتادة. ورويناه في "كتاب الترمذي" من رواية أبي إبراهيم الأشهليّ، عن أبيه؛ وأبوه صحابي، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال الترمذي: قال محمد بن إسماعيل - يعني: البخاري: أصحُّ الروايات في حديث: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنا وَمَيِّتِنا" رواية أبي إبراهيم الأشهلي، عن أبيه. قال البخاري: وأصحُّ شيء في الباب

حديثُ عوف بن مالك. ووقع في رواية أبي داود [رقم: 3201] : "فأحْيِهِ على الإِيمَانِ، وتوفه على الإِسْلامِ" والمشهور في معظم كتب الحديث: "فأحْيِهِ على الإِسْلامِ، وَتَوَفَّهُ على الإِيمَانِ" كما قدمناهُ. 825- وروينا في "سنن أبي داود" [رقم: 3199] وابن ماجه [رقم: 1497] ، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: "إذا صَلَّيْتُمْ على المَيِّتِ فأخْلِصُوا لَهُ الدُّعاءَ". 826- وروينا في سنن أبي داود [رقم: 3200] ، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، في الصلاة على الجنازة: "اللَّهُمَّ أنْتَ رَبُّهَا، وأنْتَ خَلَقْتَها، وأنْتَ هَدَيْتَهَا للإِسْلام، وأنْتَ قَبَضْتَ رُوحَها، وأنْتَ أعْلَمُ بِسِرّها وعلانيتها، جئناك شُفَعاءَ، فاغْفِرْ لَهُ". 827- وروينا في سنن أبي داود [رقم: 3202] وابن ماجه [رقم: 1499] ، عن واثلةَ بن الأسقع رضي الله عنه، قال: صلى بنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على رجل من المسلمين، فسمعته يقول: "اللَّهُمَّ! إنَّ فلان بن فلانةٍ فِي ذِمَّتِكَ، وحبل جوارك، فَقِهِ فِتْنَةَ القَبْر وَعَذَاب النَّارِ، وأنْتَ أهْلُ الوَفاءِ وَالحَمْدِ؛ اللَّهُمَّ فاغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ، إنَّكَ أنْتَ الغَفُورُ الرحيم". 828- واختبار الإِمام الشافعي رحمه الله دعاءً التقطه من مجموعة هذه الأحاديث وغيرها1، فقال: يقول: "اللَّهُمَّ هذا عبدك وابن عبدك، خرج من __________ 1 قال الحافظ ابن حجر: أكثره من غيرها، وبعضه موقوف على صحابي أو تابعي، وبعضه ما رأيته منقولًا. فقوله: "اللهم إن هذا عبدك وابن عبدك" وقع في أثر عن إبراهيم النخعي، عند سعيد بن منصور. وفي حديث يزيد بن ركانة عند الطبراني: "اللهم عَبدِكَ وابْنُ أمَتِكَ" وفي حديث الحارث عنده: "اللهم عبدك فلان". =

رَوْحِ الدُّنْيا وَسَعَتِها، ومَحْبُوبُهُ وأحِبَّاؤُهُ فيها، إلى ظُلْمَةِ القَبْرِ ومَا هُوَ لاقيهِ، وكان يَشْهَدُ أنْ لا إِلهَ إِلاَّ أنْتَ، وأنَّ مُحَمَّداً عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ، وأنْتَ أعْلَمُ به؛ اللهم نَزَلَ بِكَ وأنْتَ خيرٌ مَنْزُولٍ به، وأصْبَحَ فَقيراً إلى رَحْمَتِكَ وأنْتَ غَنِيٌّ عَنْ عَذَابِهِ، وَقَدْ جِئْنَاكَ رَاغِبِينَ إليك، شُفَعَاءَ لَهُ؛ اللَّهُمَّ إنْ كَانَ مُحْسِناً فَزِدْ في إِحْسَانِهِ، وَإِنْ كَانَ مُسِيئاً فَتَجاوَزْ عَنْهُ، وَلَقِّه بِرَحْمَتِكَ رِضَاكَ، وَقِهِ فِتْنَةَ القَبْرِ وَعَذَابَهُ، وافسخ لَهُ في قَبْرِهِ، وَجافِ الأرْضَ عَنْ جَنْبَيْهِ، وَلَقِّهِ بِرَحْمَتِكَ __________ = وقوله: "خَرَجَ مِنْ رَوْحِ الدنيا" إلى قوله "لاقيه" لم أره منقولًا، وفي أثرٍ عن عمر عند ابن أبي شيبة ["المصنف" 3/ 292] : "تخلى من الدنيا وتركها لأهلها". وقوله: "كان يشهد" إلى قوله: "أعلم به" وقع في حديث أبي هريرة موقوفًا عند مالك؛ ومرفوعًا عند أبي يعلى وابن حبّان في "صحيحه"، ووقع في حديث الحارث: "لا نعلم إلا خيرًا، وأنْتَ أعْلَمُ بِهِ". وقوله: "اللَّهُمَّ إنَّهُ نَزَلَ بِكَ، وأنْتَ خَيْرُ منزول به" لم أره منقولاً في دعاء الجنازة، بل في القول عند التدلية. [راجع رقم: 839 التالي] . وقوله: "أصبح فقيرًا" إلى قوله: "عذابه" وقع في حديث يزيد بن ركانة نحوه: "احتاج إلى رحمتك" والباقي سواء. وفي أثر عمر: "افتقر إليك وأنت مستغن عنه". وقوله: "وقد جئناك راغبين إليك، شفعاء له" بعضه في حديث واثلة عند أبي داود [رقم: 3202] وابن ماجه [رقم: 1499] . وقوله: "إن كان محسنًا" إلى قوله: "فتجاوز عنه" وقع في حديث أبي هريرة مرفوعًا وموقوفًا، وفي حديث يزيد بن ركانة. وقوله: "ولقه برحمتك رضاك: لم أره منقولاً في دعاء الجنازة، ولا في القول عند التدلية أيضًا. وقوله: "وقه فتنة القبر وعذابه" وقع في حديث عوف بن مالك عند مسلم [رقم: 963] . وقوله: "وافسح له في قبره" إلى قوله: "جنبيه" لم أره منقولاً بهذا اللفظ. وفي أثر مجاهد عند عبد الرزاق "المصنف" [3/ 490] : ووسع عن جسده الأرض؛ ثم وجدت عن أنس أنه دفن ابنًا له فقال: اللهم جاف الأرض عن جسده، وافتح أبواب السماء لروحه. أخرجه الطبراني. وفي مسند الحارث من وجهٍ آخر عن أنسٍ: اللهم جاف الأرض عن جنبيه، ووسع عليه حفرته. وقوله: "ولقه برحمتك" لم أره منقولاً. [راجع "الفتوحات الربانية" 4/ 177] .

الأمْنَ مِنْ عَذَابِكَ حتَّى تَبْعَثَهُ إلى جَنَّتِكَ، يا أرْحَمَ الرَّاحِمِينَ". هذا نصّ الشافعي في "مختصر المزني" [1/ 183] رحمهما الله. 829- قال أصحابنا: فإن كان الميتُ طفلاً دعا لأبوبه، فقال: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ لَهُما فَرَطاً، واجْعَلْهُ لَهُما سَلَفاً، واجْعَلْهُ لَهُما ذُخْراً، وَثَقِّلْ بِهِ مَوَازِينَهُما، وأفرغ الصَّبْرَ على قُلوبِهِما، وَلا تَفْتِنْهُما بعدهُ، وَلا تَحْرِمْهُما أجْرَهُ. هذا لفظ ما ذكره أبو عبد الله أحمد بن سليمان البصري الزبيري من أصحابنا في كتابه الكافي، وقاله الباقون بمعناه، وبنحوه قالوا. ويقول معهُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنا وَمَيِّتِنا،.... إلى آخره. قال الزبيري: فإن كانتْ امرأةً، قال: اللَّهُمَّ هَذِهِ أَمَتُكَ، ... ثم ينسقُ الكلام؛ والله أعلمُ. 830- وأما التكبيرة الرابعة، فلا يجبُ بعدها ذكرٌ بالاتفاق، ولكن يُستحبّ أن يقول ما نصّ عليه الشافعي رحمه الله في "كتاب البويطي"، قال: يقول في الرابعة: اللَّهُمَّ لاَ تَحْرِمْنا أجرهُ، وَلا تَفْتِنّا بَعْدَهُ. قال أبو عليّ ابن أبي هريرة من أصحابنا: كان المتقدمون يقولون في الرابعة: رَبَّنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عَذَابَ النَّارِ. قال: وليس ذلك بمحكيّ عن الشافعي، فإنه فعله كان حسناً. قُلتُ: يكفي في حسنه ما قد قدّمناه في حديث أنس في باب دعاء الكرب [برقم: 666] ؛ والله أعلم. 831- قلتُ: ويُحتجّ للدعاء في الرابعة بما رويناه في السنن الكبير [4/ 42] للبيهقي، عن عبد الله ابن أبي أوفى رضي الله عنهما، أنه كبّر على جنازة ابنة له أربع تكبيراتٍ، فقام بعد الرابعة كقدرِ ما بين التكبيرتين،

يستغفر لها ويدعو، ثم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع هكذا. وفي رواية: كبَّرَ أربعاً، فمكثَ ساعةً حتى ظننا أنه سيكبّر خمساً، ثم سلَّم عن يمينه وعن شماله، فلما انصرف، قلنا له: ما هذا؟ فقال: إني لا أزيدكم على ما رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يصنع، أو قال: هكذا صنعَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم. قال الحاكم أبو عبد الله [1/ 360] : هذا حديثٌ صحيحٌ. 209- فصل في حكم السلام في صلاة الجنازة وحكم المسبوق: 832- وإذا فرغَ من التكبيرات وأذكارها، سلَّمَ تسليمتين كسائر الصلوات، لما ذكرناه من حديث عبد الله بن أبي أوفى، وحكمُ السلام على ما ذكرناه في التسليم في سائر الصلوات، [الباب، رقم: 101] ، هذا هو المذهب الصحيح المختار، ولنا فيه هنا خلافٌ ضعيفٌ تركته لعدم الحاجة إليه في هذا الكتاب. 833- ولو جاء مسبوقٌ، فأدرك الإِمامَ في بعض الصلاة، أحرمَ معه في الحال، وقرأ الفاتحة، ثم ما بعدها على ترتيب نفسه، ولا يُوافق الإِمام فيما يقرؤه، فإن كبَّرَ، ثم كبَّرَ الإِمامُ التكبيرة الأخرى قبل أن يتمكن المأموم من الذكر، سقطَ عنه كما تسقط القراءةُ عن المسبوق في سائر الصلوات؛ وإذا سلَّمَ الإِمامُ، وقد بقي على المسبوق في الجنازة بعضُ التكبيرات لزمه أن يأتي بها مع أذكرها على الترتيب، هذا هو المذهبُ الصحيح المشهور عندنا. ولنا قولٌ ضعيفٌ: إنه يأتي بالتكبيرات البقايات متواليات بغير ذكرٍ؛ والله أعلم.

 بابُ ما يقولُه الماشي مع الجَنَازة:

834- يُستحبّ له أن يكون مشتغلاً بذكر الله تعالى، والفكر فيما يلقاهُ الميتُ، وما يكونُ مصيرهُ، وحاصلُ ما كان فيه، وأن هذا آخرُ الدنيا، ومصيرُ أهلها؛ وليحذرْ كلَّ الحذرِ من الحديث بما لا فائدةَ فيه، فإن هذا وقتُ فِكر وذكر يقبح فيه الغفلةُ واللهو والاشتغال بالحديث الفارغ، فإن الكلامَ بما لا فائدة فيه منهيٌّ عنهُ في جميع الأحوال، فكيف في هذا الحال. 835- واعلم أن الصوابَ المختارَ ما كان عليه السلفُ رضي الله عنهم: السكوتُ في حال السير مع الجنازة، فلا يُرفع صوتٌ بقراءة، ولا ذكر، ولا غير ذلك، والحكمة فيه ظاهرة؛ وهي أنهُ أسكنُ لخاطره، وأجمعُ لفكره فيما يتعلق بالجنازة، وهو المطلوبُ في هذا الحال. فهذا هو الحقّ، ولا تغترَّنَّ بكثرة من يُخالفه، فقد قال أبو عليّ الفُضَيْل بن عِياض رضي الله عنه ما معناه: الزمْ طرقَ الهدَى، ولا يضرُّكَ قلّةُ السالكين، وإياك وطريق الضلالة، ولا تغترَّ بكثرة الهالكين [مر برقم: 600، وسيرد برقم: 1362] . وقد روينا في سنن البيهقي [4/ 74] ما يقتضي ما قلته. 836- وأما ما يفعله الجهلةُ من القراءة على الجنازة بدمشق وغيرها من القراءة بالتمطيط، وإخراج الكلام عن موضوعه، فحرام بإجماع العلماء، وقد أوضحت قبحه، وغلظ تحريمه، وفسق من تمكّن من إنكاره فلم ينكره في كتاب "آداب القرّاء" ["التبيان"، رقم: 264] والله المستعان، وبه التوفيق.

 بابُ ما يقولُه مَنْ مرَّتْ به جنازة أو رآها:

837- يُستحبّ أن يقول: سُبْحانَ الحَيِّ الَّذي لاَ يَمُوتُ. وقال القاضي الإمام أبو المحاسن الروياني من أصحابنا في كتابه "البحر": يُستحبّ أن يدعوَ ويقول: لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ الحَيُّ الَّذي لاَ يَمُوتُ، فيستحبّ أن يدعوَ لها، ويثني عليها بالخير إن كانت أهلاً للثناء، ولا يجازفُ في ثنائه.

 بابُ ما يقولُه مَن يُدْخِلْ الميّتَ قبرَه:

838- روينا في سنن أبي داود [رقم: 3213] ، والترمذي [رقم: 1046] ، والبيهقي [4/ 55] وغيرها، عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا وضع الميت في القبر، قال: "بِاسْمِ اللَّهِ، وَعَلى سُنَّة رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم". قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ. قال الشافعي والأصحاب رحمهم الله: يُستحب أن يدعو للميت مع هذا. ["الأم" 1/ 246] . 839- ومن أحسن الدعاء ما نصّ عليه الشافعي رحمه الله في "مختصر المزني" [1/ 185] ، قال: يقول الذين يدخلونه القبر: [بِاسْمِ اللَّهِ، وَعَلى ملّةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم] ، اللهم سلمه1 إليك الأشِحاء من ولده وأهله وَقَرابَتِهِ وَإِخْوَانِهِ، وَفَارَقَ مَنْ كَانَ يُحِبُّ قُرْبَهُ، وَخَرَجَ مِنْ سَعَةِ الدُّنْيا وَالحَياةِ إلى ظُلْمَةِ القَبْرِ وَضِيقِهِ، وَنَزَلَ بِكَ وأنْتَ خيرُ مَنْزُولٍ بِهِ، إنْ عاقَبْتَهُ فبذنبه2، وإنْ عَفَوتَ عَنْهُ فأنْتَ أهْلُ العَفْوِ، أنْتَ غَنِيٌّ عَنْ عَذَابِهِ، وَهُوَ فَقِيرٌ إلى رَحْمَتِكَ، اللَّهُمَّ اشكر حسناته، واغفر سيئاته3، وأعذهُ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَاجْمَعْ لَهُ بِرَحْمَتِكَ الأمْنَ منْ عَذَابِكَ، واكْفِهِ كل هولٍ دُونَ الجَنَّةِ، اللَّهُمَّ اخْلُفْهُ فِي تَرِكَتِهِ فِي الغابِرِينَ، وَارْفَعْهُ فِي عِلِّيِّينَ، وَعْدْ عَلَيْهِ بِفَضْلِ رَحْمَتِكَ، يا أرْحَمَ الراحمين. ["البيان" 3/ 105] . __________ 1 في نسخة: "أسلمه". 2 في نسخة: "فبذنب". 3 في نسخة: "اللَّهُمَّ اشْكُرْ حَسَنَتَهُ، واغفر سيئته".

 بابُ ما يقولُه بعدَ الدَّفْن:

840- السُّنَّة لمن كان على القبر أن يحثي في القبر ثلاث حثيات بيديه جميعاً من قِبل رأسه. قال جماعةٌ من أصحابنا: يُستحبّ أن يقول في الحثية الأولى: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ} ، وفي الثانية: {وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ} ، وفي الثالثة: {وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [سورة طه: 56] . 841- ويُستحبّ أن يقعد عنده بعد الفراغ ساعة قدر ما يُنحر جزور ويقسم لحمها [مسلم، رقم: 121] ، ويشتغل القاعدون بتلاوة القرآن، والدعاء للميت، والوعظ، وحكايات أهل الخير، وأحوال الصالحين. 842- روينا في "صحيحي" البخاري [رقم: 1362] ، ومسلم [رقم: 2647] ؛ عن علي رضي الله عنه، قال: كنّا في جنازة في بقيع الغرقد، فأتانا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فقعدَ وقعدنا حولَه، ومعه مخصرةٌ، فنكسَ، وجعلَ ينكتُ بمحصرته، ثم قال: "ما مِنْكُمْ مِنْ أحدٍ إِلاَّ قَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ، وَمَقْعَدُهُ مِنَ الجَنَّةِ" فقالوا: يا رسول الله! أفلا نتكلُ على كتابنا؟ فقال: "اعلموا! فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ". وذكر تمام الحديث. 843- وروينا في "صحيح مسلم" [رقم: 121] ، عن عمرو بن العاص رضي الله عنه، قال: إذا دفنتموني أقيموا حول قبري قدر ما تنحر جزور، ويقسم لحمها حتى أستأنسَ بكم، وأنظر ماذا أراجع به رسُل ربي. 844- وروينا في "سنن أبي داود" [رقم: 3221] والبيهقي [4/ 56] ، بإسناد حسنٍ، عن عثمان رضي الله عنه، قال: كان النبي إذا فرغَ من دفن الميت وقفَ عليه، فقال: "اسْتَغْفِرُوا لأَخِيكُمْ، وَسَلُوا لَهُ التَّثْبِيتَ، فإنَّهُ الآنَ يُسْألُ". 845- قال الشافعي والأصحاب: يُستحب أن يقرؤوا عنده شيئاً من القرآن، قالوا: فإن ختموا القرآن كلَّه كان حسناً. ["الجموع" 5/ 294؛ وفيه

أن هذا قول الأصحاب، وفي رياض الصالحين، رقم: 947 أن هذا قول الشافعي] . 846- وروينا في "سنن البيهقي" [4/ 56] بإسناد حسن، أن ابن عمر استحبَّ أن يقرأ على القبر بعد الدفن أوّل سورة البقرة وخاتمتها.

  214- فصل [في تلقين الميت]

847- وأما تلقينُ الميّت بعد الدفن، فقد قال جماعة كثيرون من أصحابنا استحبابه، وممّن نصَّ على استحبابه: القاضي حسين في "تعليقه"، وصاحبه أبو سعد المتولي في كتابه التتمة، والشيخ الإِمام الزاهد أبو الفتح، نصر بن إبراهيم بن نصر المقدسي، والإِمام أبو القاسم الرافعي وغيرهم، ونقله القضاي حسين عن الأصحاب. وأما لفظه، فقال الشيخ نصر: إذا فرغ من دفنه يقف عند رأسه، ويقولُ: يا فلانُ بن فلانٍ، اذكر العهد الذي خرجتَ عليه من الدنيا: شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن الساعة آتيةٌ لا ريب فيها، وأن الله يبعث مَن في القبور، قُل: رضيتُ بالله ربّاً، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيّاً، وبالكعبة قبلة، وبالقرآن إماماً، وبالمسلمين إخواناً، ربّي الله لا إِلهَ إِلا هو، وهو رَبّ العَرْشِ العَظِيمِ. هذا لفظ الشيخ نصر المقدسي في كتابه "التهذيب" ولفظ الباقين بنحوه، وفي لفظ بعضهم نقص عنه، ثم منهم مَن يقول: يا عبد الله ابن أمة الله، ومنهم مَن يقول: يا عبد الله ابن حوّاء، ومنهم من يقول: يا فلان -باسمه- ابن أمة الله، أو يا فلانُ ابن حوّاء، وكله بمعنى. 848- وسُئل الشَّيخ الإِمام أبو عمرو ابن الصلاح رحمه الله، عن هذا التلقين، فقال في "فتاويه" [1/ 261] : التلقين هو الذي نختاره، ونعمل به، وذكره جماعة من أصحابنا الخراسانيين، قال: وقد روينا فيه حديثاً من حديث أبي أمامة

ليس بالقائم إسناده1، ولكن اعتضد بشواهد، وبعمل أهل الشام به قديماً. قال: وأما تلقين الطفل الرضيع فما له مُستند يعتمدُ، ولا نراهُ، والله أعلمُ. قلتُ: الصوابُ أنه لا يلقنُ الصغيرُ مُطلقًا، سواءٌ كانَ رضيعاً، أو أكبر منه ما لم يبلغ ويَصِر مكلفاً؛ والله أعلم. __________ 1 أخرجه الطبراني في "الكبير" 8/ 298 وفي الدعاء "1214"، وإسناده ضعيف جداً، فيه محمد بن إبراهيم بن العلاء، وهو منكر الحديث، وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" 3/ 45: في إسناده جماعة لم أعرفهم، وقال ابن القيم في "زاد المعاد": فهذا حديث لا يصح رفعه. ولفظ الحديث: عن أبي أمامة، قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مات أحد من إخوانكم، فسويتم التراب على قبره، فليقم أحدكم على رأس قبره، ثم ليقل: يا فلان ابن فلانة، فإنه يسمعه ولا يجيب، ثم يقول: يا فلان ابن فلانة، فإنه يستوي قاعدًا، ثم يقول: يا فلان ابن فلانة، فإنه يقول: أرشد رحمك الله، ولكن لا تشعرون فليقل: اذكر ما خرجت عليه من الدنيا: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله، وأنك رضيت بالله ربًا وبالإسلام دينًا، وبمحمد نبيًّا، وبالقرآن إمامًا؛ فإن منكرًا ونكيرًا يأخذ كل واحد منهما بيد صاحبه، ويقول: انطلق، ما نقعد عند من قد لقن حجته؛ فيكون الله عز وجل حجيجه دونهما؛ فقال رجل: يا رسول الله! فإن لم يعرف أمه؟ قال: "ينسبه إلى حواء عليها السلام، يا فلان ابن حواء".

  بابُ وصيّةِ الميّتِ أنّ يُصلي عليه إنسانٌ بعينه أو أن يُدفن على صفةٍ مخصوصةٍ وفي مَوْضعٍ مَخصوص، وكذلك الكفنُ وغيرُه من أمورِه التي تُفعل والتي لا تُفعل:

849- روينا في "صحيح البخاري" [رقم: 1387] ، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: دخلت على أبي بكر رضي الله عنه -يعني: وهو مريض- فقال: في كم كفّنتم النبيّ صلى الله عليه وسلم؟ فقلت: في ثلاثة أثوابٍ، قال: في أيّ يوم تُوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: يوم الاثنين، قال: فأيّ يوم هذا؟ قالت: يوم الاثنين، قال: أرجو فيما بيني وبين الليل، فنظر إلى ثوب عليه كان يمرّض فيه،

به رَدْع من زعفران، فقال: اغسلوا ثوبي هذا، وزيدوا عليه ثوبين، فكفِّنوني فيها، قلتُ: إن هذا خلقٌ، قال: إن الحيّ أحقُ بالجديد من الميت، إنما هو للمهلة؛ فلم يتوفّ حتى أمسى من ليلة الثلاثاء، ودُفن قَبْلَ أنْ يُصبحَ. قلت: قولها: "رَدْع"، بفتح الراء، وإسكان الدال، وبالعين المهملات؛ وهو: الأثر. وقوله: "للمهلة"، روي بضم الميم وفتحها وكسرها، ثلاث لغات، والهاء ساكنةٌ؛ وهو: الصديد الذي يتحلل من من بدن الميت. 850- وروينا في "صحيح البخاري" [رقم: 1392] ، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال لما جُرح: إذا أنا قُبِضتُ فاحملوني، ثم سلموا، وقولوا: يستأذنُ عمرُ، فإن أذنتْ لي -يعني عائشةَ- فأدخلوني، وإن ردّتني فردّوني إلى مقابر المُسْلِمِينَ. 851- وروينا في "صحيح مسلم" [رقم: 966] ، عن عامر بن سعد ابن أبي وقاص، قال: قال سعد: الحدوا لي لحداً، وانصبوا عليَّ اللبنَ نصباً كما صُنع برسول الله صلى الله عليه وسلم. 852- وروينا في "صحيح مسلم" [رقم: 121] ، عن عمرو بن العاص رضي الله عنه، أنه قال، وهو في سياقة الموت: إذا أنا متّ فلا تصحبني نائحةٌ، ولا نارٌ، فإذا دفنتموني فشنّوا عليَّ التراب شناً، ثم أقيموا حول قبري قدر ما تنحر جزور ويقسم لحمها حتى أستأنسَ بكم، وأنظر ماذا أراجع به رُسُل ربي. قلت: قوله: "شنوا"، روي بالسين المهملة وبالمعجمة، ومعناهُ: صبوهُ قليلاً قليلاً. وروينا في هذا المعنى حديث حذيفة المتقدم [رقم: 807] في باب جاوز إعلام أصحاب الميت بموته، وغير ذلك من الأحاديث، وفيما ذكرناه كفايةٌ، وبالله التوفيق.

853- قلتُ: وينبغي ألا يقلد الميتُ، ويتابع في كلّ ما وصَّى به، بل يعرضُ ذلك على أهل العلم، فما أباحوهُ فُعل، وما لا فلا. وأنا أذكرُ من ذلك أمثلة: 854- فإذا أوصى بأن يدفن في موضع من مقابر بلدته، وذلك الموضع معدنُ الأخيار، فينبغي أن يُحافظ على وصيته. 855- وإذا أوصى بأن يصلِّي عليه أجنبي، فهل يُقَدَّم في الصلاة على أقارب الميت؟ فيه خلافٌ للعلماء، والصحيح في مذهبنا أن القريب أولى، لكن إذا كان الموصَى له ممّن يُنسب إلى الصلاح، أو البراعة في العلم مع الصيانة والذكر الحسن، استحبّ للقريب الذي ليس هو في مثل حاله إيثاره رعاية لحقّ الميت. 856- وإذا أوصى بأن يُدفن في تابوت لم تنقذ وصيته إلا أن تكون الأرض رخوة، أو نديّة يحتاجُ فيها إليه، فتُنفذ وصيّته فيه، ويكون من رأس المال، كالكفن. 857- وإذا أوصى بأن يُنقل إلى بلد آخر لا تنفّذ وصيّته، فإن النقلّ حرامٌ على المذهب الصحيح المختار الذي قاله الأكثرون، وصرّح به المحققون، وقيل: مكروه. قال الشافعي رحمه الله: إلا أن يكون بقرب مكة، أو المدينة، أو بيت المقدس، فيُنقل إليها لبركتها. 858- وإذا أوصى بأن يُدفَن تحته مِضربة أو مخدة تحتَ رأسه، أو نحو ذلك لم تُنفذ وصيّته. 859- وكذا إذا أوصى بأن يُكفن في حرير، فإن تكفينَ الرجال في الحرير حرامٌ، وتكفينُ النساء فيه مكروهٌ وليس بحرامٍ، والخنثى في هذا كالرجل. 860- ولو أوصى بأن يُكفن فيما زاد على عدد الكفن المشروع، أو في ثوب لا يَستر البدن لا تنفذ وصيّته. 861- ولو أوصى بأن يُقرأ عند قبره، أو يُتصدّق عنه، وغير ذلك من أنواع القرب، نفذت وصيته إلا أن يقترن بها ما يمنع الشرع منها بسببه. 862- ولو أوصى بأن تُؤَخَّرَ جنازته زائداً على المشروع لم تنفذ. 863- ولو أوصى بأن يُبنى عليه في مقبرة مسبلةٍ للمسلمين لم تنفّذ وصيته، بل ذلك حرامٌ؛ والله أعلم.

 بابُ ما ينفعُ الميّتَ من قَوْل غيره:

864- أجمع العلماء على أن الدعاء للأموات ينفعهم، ويَصلُهم ثوابه. واحتجوا بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ} [الحشر: 10] وغير ذلك من الآيات المشهورة بمعناها. 865- وبالأحاديث المشهورة، كقوله صلى الله عليه وسلم: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لأهْلِ بقيع الغرقد" [أخرجه مسلم، رقم: 974، وسيرد برقم: 873] . 866- وكقوله صلى الله عليه وسلم: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لحينا وميتنا" [رواه الترمذي، رقم، 1024؛ والنسائي، رقم: 1986 ومر برقم: 824] وغير ذلك. 867- واختلف العلماء في وصول ثواب قراءة القرآن، فالمشهور من مذهب الشافعي وجماعة أنه لا يصلُ. وذهب أحمل بن حنبل وجماعةٌ من العلماء وجماعةٌ من أصحاب الشافعي إلى أنه يَصل، فالاختيار أن يقول القارئ بعد فراغه: اللهمّ أوصلْ ثوابَ ما قرأته إلى فلانٍ؛ والله أعلم. ويُستحبّ الثناء على الميت وذكر محسانه. 868- وروينا في صحيحي البخاري [رقم: 1367] ومسلم [رقم: 949] ، عن أنس رضي الله عنه، قال: مرّوا بجنازة فأثنوا عليها خيراً، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "وَجَبَتْ" ثم مرّوا بأخرى أثنوا عليها شرّاً، فقال: "وَجَبَتْ"،

فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ما وجبت؟ قال: "هَذَا أثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرَاً فَوَجَبَتْ لَهُ الجَنَّةُ، وَهَذَا أثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرّاً فَوَجَبَتْ لَهُ النَّارُ؛ أنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّه في الأرْضِ". 869- وروينا في "صحيح البخاري" [رقم: 1368] ، عن أبي الأسود، قال: قدمتُ المدينةَ، فجلستُ إلى عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه، فمرّتْ بهم جنازةٌ، فأُثني على صاحبها خيرًا، فقال عمرُ: وجبتْ؛ ثم مُرّ بأخرى، فأُثني على صاحبها خيرًا، فقال عمرُ: وجبتْ؛ ثم مُرّ بالثالثة، فأُثني على صاحبها شرًّا، فقالَ عمرُ: وجبتْ. قال أبو الأسود: فقلت: وما وجبت يا أميرَ المؤمنين؟ قال: قلتُ كما قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "أيُّمَا مسلمٌ شَهِدَ لَهُ أَرْبَعَةٌ بِخَيْرٍ أدْخَلَهُ اللَّهُ الجَنَّةَ"، فقلنا: وثلاثة؟ قال: "وَثَلاَثَةٌ"، فقلنا: واثنان، قال: "وَاثْنانِ" ثم لم نسأله عن الواحد. والأحاديث بنحو ما ذكرنا كثيرةٌ؛ والله أعلمُ.

 بابُ النهي عن سب الأموات بغير حق ومصلحة شرعية:

870- روينا في "صحيح البخاري" [رقم: 1393] ، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تَسُبُّوا الأمْوَاتَ فإنَّهُمْ قَدْ أفْضَوْا إلى ما قَدَّمُوا". 871- وروينا في سنن أبي داود [رقم: 4900] ، والترمذي [رقم: 1019] بإسناد ضعيف ضعَّفه الترمذي، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اذكروا محاسن موتاكم، وكفوا عن مساويهم". [مر برقم: 813] .

872- قلتُ: قال العلماءُ: يَحرم سبُّ الميت المسلمَ الذي ليس معلناً بفسقه. وأما الكافرُ، والمُعلِنُ بفسقه من المسلمين، ففيه خلاف للسلف، وجاءت فيه نصوص متقابلة، وحاصلُه أنه ثبت في النهي عن سبّ الأموات ما ذكرناهُ في هذا الباب. وجاء في الترخيص في سبّ الأشرار أشياء كثيرةٌ، منها: ما قصَّه الله تعالى علينا في كتابه العزيز، وأمرنا بتلاوته وإشاعة قراءته؛ ومنها: أحاديثُ كثيرة في الصحيح، كالحديث الذي ذكر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عمروَ بن لحيّ [البخاري، رقم: 4624؛ مسلم، رقم: 2856] وقصة أبي رِغال، [أبو داود، رقم: 3088، وراجع رقم: 1528 التالي] والذي كان يسرقُ الحاجَّ بمحجنه1، وقصة ابن جُدْعان [مسلم، رقم: 214] وغيرهم، ومنها الحديث الصحيح الذي قدّمناه [رقم: 868] لَمَّا مرّت جنازة فأثنوا عليها شرّاً، فلم ينكر عليهم النبيّ صلى الله عليه وسلم، بل قال: "وجبتْ". واختلف العلماءُ في الجمع بين هذه النصوص على أقوال: أصحُّها وأظهرُها أن أمواتَ الكفاء يجوز ذكر مساويهم؛ وأما أمواتُ المسلمين المعلنين بفسق، أو بدعةٍ، أو نحوهما، فيجوز ذكرُهم بذلك إذا كان فيه مصلحة لحاجة إليه للتحذير من حالهم، والتنفيذ من قبول ما قالوه، والاقتداء بهم فيما فعلوه، وإن لم تكن حاجةٌ لم يجزْ؛ وعلى هذا التفصيل تُنَزَّلُ هذه النصوص، وقد أجمعَ العلماءُ على جرح المجروح من الرواة، والله أعلمُ. __________ 1 قال الحافظ ابن حجر: كذا وقع في عدة نسخ من "الأذكار" [أي: دون حرف واو بين "رغال" و"الذي"] ؛ ولم أرَ في شيء من الروايات وصف أبي رغال بذلك، ولعلها كانت "والذي" فسقطت واو العطف، فأما قصة أبي رغال، وهو بكسر الراء وتخفيف الغين المعجمة وآخره لام؛ فأخرج أحمد ["المسند" 3/ 296] عن جابر قال: لما مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجر قال: "لا تسألوا الآيات، فقد سألها قوم صالح، فكانت -يعني: الناقة- ترد من هذا الفج وتصدر من هذا الفج، فعتوا عن أمر ربهم، فعقورها، فأخذتهم صيحة، أهمد الله بها من كان تحت أديم السماء منهم، إلا رجلًا واحدًا كان في الحرم، فلما خرج منه أصابه ما أصاب قومه"، قالوا: من هو يا رسول الله؟ قال: "أبو رغال". وأما قصة الذي كان يسرق الحاج بمحجنه، فأخرجها مسلم [رقم: 10/ 904] من حديث جابر في صلاة الكسوف، ولفظه: "حتى رأيت فيها صاحب المحجن، كان يسرق الحاج بمحجنه، فإذا فطن له، قال: إنما تعلق بمحجني، وإذا غفل عنه ذهب به". ["الفتوحات الربانية" 4/ 215] .

 بابُ ما يقولُه زائرُ القبور:

873- روينا في "صحيح مسلم" [رقم: 974] ، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كلّمَا كان ليلتُها من رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرجُ من آخر الليل إلى البقيع، فيقول: "السَّلامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنينَ، وَأتاكُمْ ما تُوعدُون، غَداً مُؤَجَّلُونَ، وَإنَّا إنْ شاءَ اللَّهُ بِكُمْ لاحقُونَ؛ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لأهْلِ بَقِيعِ الغَرْقَدِ". [مر برقم: 865] . 874- وروينا في "صحيح مسلم" [رقم: 974] ، عن عائشة رضي الله عنها أيضاً، أنها قالت: كيف أقولُ يا رسولَ الله؟ -تعني: في زيارة القبور- قال: "قُولي: السَّلامُ على أهْلِ الدّيارِ مِنَ المُؤْمنينَ وَالمُسْلمينَ، وَيَرْحَمُ اللَّهُ المستقدمين منّا والمستأخرين، إنا إن شاء الله بكم لاحقون". 875- وروينا بالأسانيد الصحيحة في "سنن أبي داود" [رقم: 3237] ، والنسائي [رقم: 2037] ، وابن ماجه [رقم: 4306] ؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم خرج إلى المقبرة، فقال: "السلامُ عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون".

876- وروينا في "كتاب الترمذي" [رقم: 1053] ، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبور المدينة1، فأقبلَ عليهم بوجهه، فقال: "السَّلامُ عَلَيْكُمْ يا أهْلَ القُبُورِ، يَغْفِرُ اللَّهُ لَنا وَلَكُمْ، أنْتُمْ سَلَفُنا وَنَحْنُ بالأثَرِ" قال الترمذي: حديثٌ حسن. 877- وروينا في "صحيح مسلم" رحمه الله [رقم: 975] ، عن بريدة رضي الله عنه، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلِّمهم إذا خرجوا إلى المقابر أن يقول قائلهم: "السَّلامُ عَلَيْكُمْ أهْلَ الدّيارِ مِنَ المؤْمِنِينَ، وإنَّا إنْ شاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَلاحِقُونَ، أسألُ اللَّهُ لَنَا ولَكُمُ العافيَةَ". 878- ورويناه في "كتاب النسائي" [رقم: 2040] وابن ماجه [رقم: 1547] هكذا، وزاد بعد قوله: "للاحقون": "أنْتُمْ لَنَا فَرَطٌ، وَنَحْنُ لَكُمْ تَبَعٌ". 879- وروينا في "كتاب ابن السني" [رقم: 596] ، عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي البقيعَ، فقال: "السَّلامُ عَلَيْكُمْ دار قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، أنْتُمْ لَنا فَرَطٌ، وإنَّا بِكُمْ لاحِقُونَ، اللَّهُمَّ لا تَحْرِمْنا أجْرَهُمْ، وَلا تُضِلَّنا بَعْدَهُمْ". 880- ويُستحب للزائر الإِكثار من قراءة القرآن والذكر والدعاء لأهل تلك المقبرة وسائر الموتى والمسلمين أجميع. 881- ويُستحبّ الإِكثار من الزيارة، وأن يكثرَ الوقوفَ عند قبور أهل الخير والفضل. __________ 1 في نسخة: "بقبور المدينة".

  219- بابُ نهي الزائر مَنْ رآه يبكي جزعاً عند قبر وأمرِه إِيَّاه بالصبرِ ونهيِهِ أيضاً عن غير ذلك مما نهى الشرعُ عنه:

882- روينا في صحيحي البخاري [رقم: 1252] ومسلم [رقم: 826] ، عن أنس رضي الله عنه، قال: مرّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بامرأةٍ تبكي عند قبرٍ، فقال: "اتَّقي اللَّهَ وَاصْبِرِي". 883- وروينا في سنن أبي داود [رقم: 3230] ، والنسائي [رقم: 2048] ، وابن ماجه [رقم: 1568] بإسناد حسن، عن بَشير بن معبد المعروف بابن الخَصَاصِيَة رضي الله عنه، قال: بينما أنا أُماشي النبيَّ صلى الله عليه وسلم نظرَ، فإذا رجلٌ يمشي بين القبور عليه نعلان، فقال: "يا صَاحِبَ السِّبْتِيَّتَيْنِ! ألْقِ سِبْتِيَّتَيْكَ" وذكر تمام الحديث [راجع رقم: 814؛ وسيرد رقم 1493] . قلت: السِّبتية: النعل التي لا شعرَ عليها، وهي بكسر السين المهملة وإسكان الباء الموحدة. 884- وقد أجمعت الأمة على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ودلائله في الكتاب والسنّة مشهورةٌ؛ والله أعلمُ.

  220- باب بالبكاء والخوف عند المرور بقبول الظالمين وبمصارعهم، وإظهار الافتقار إلى الله تعالى والتحذير من الغفلة عن ذلك:

885- روينا في "صحيح البخاري" [رقم: 433] ؛ ومسلم، [رقم: 2980] ، عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه يعني: لما وصلوا الْحِجر: ديارَ ثمود: "لا تَدْخُلُوا على هَؤُلاءِ المُعَذَّبينَ إِلاَّ أنْ تَكُونُوا باكِينَ، فإنْ لَمْ تَكُونُوا باكينَ فَلا تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ، لا يُصيبكم ما أصابهم".

 كتاب الأذكار في صلوات مخصوصة:

  بابُ الأذكارِ المستحبّةِ يومَ الجمعة وليلتها والدُّعاء:

886- يُستحبّ أن يُكثر في يومها وليلتها من قراءة القرآن، والأذكار والدعوات، والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقرأ سورة الكهف في يومها. قال الشافعي رحمه الله في كتاب "الأُم" [1/ 208] : وأستحبُّ قراءتَها أيضاً في ليلة الجمعة. ["التبيان"، رقم: 458 و459] . 887- روينا في صحيحي البخاري [رقم: 935] ومسلم [رقم: 852] ، عن أبي هريرة رضي الله عنهُ، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذكرَ يومَ الجمعة، فقال: "فيهِ ساعةٌ لا يُوافقها عَبْدٌ مسلمٌ، وَهُوَ قائمٌ يُصلي، فيسألُ اللَّهَ تَعالى شَيْئاً إِلاَّ أعطاهُ إيَّاهُ". وأشار بيده يُقللها. قُلتُ: اختلفَ العلماءُ من السلف والخلف في هذه الساعة على أقوال كثيرة منتشرة غاية الانتشار، وقد جمعتُ الأقوالَ المذكورةَ فيها كلها في "شرح المهذّب" [4/ 42] وبيّنتُ قائلها، وأن كثيراً من الصحابة على أنها بعد العصر. والمراد بقائمٍ يُصلي: من ينتظرُ الصلاة فإنه في صلاةٍ، وأصحّ ما جاء فيها:

888- ما رويناه في "صحيح مسلم" [رقم: 853] ، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، أنه قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "هيَ ما بَيْنَ أنْ يَجْلِس الإِمامُ إلى أن تُقْضَى الصَّلاةَ" يعني: يجلسُ على المنبر. 889- أما قراءةُ سورة الكهف، والصلاةُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فجاءتْ فيهما أحاديث مشهورةٌ تركتُ نقلَها لطول الكتاب، لكونها مشهورة، وقد سبق جملةٌ منها في بابها [الأرقام: 467 و469 و637، وراجع "التبيان"، الأرقام: 458-460] . 890- وروينا في "كتاب ابن السني" [رقم: 82] ، عن أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "من قال صبيحة يوم الجمعة قبل صَلاةِ الغَدَاةِ: أسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الحَيَّ القَيُّومَ وأتوب إِلَيْهِ؛ ثَلاثَ مراتٍ، غَفَرَ اللَّهُ لَهُ ذُنُوبَهُ وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ". [مر برقم: 227 و468] . 891- وروينا فيه [رقم: 376] ، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد يومَ الجمعة أخذ بعضادتي الباب، ثم قال: "اللَّهُمَّ اجْعَلْني أوْجَهَ مَنْ تَوَجَّهَ إلَيْكَ، وأقْرَبَ مَنْ تَقَرَّبَ إِلَيْكَ، وأفْضَلَ مَنْ سألَكَ وَرَغِبَ إِلَيْكَ". 892- قلتُ: يُستحب لنا نحن أن نقول: اجْعَلْني مِنْ أوْجَهِ مَنْ تَوَجَّهَ إِلَيْكَ، وَمِنْ أقْرَبِ، وَمِنْ أَفْضَلِ، فنزيد لفظة "مِن". 893- وأما القراءة المستحبة في صلاة الجمعة، وفي صلاة الصبح يوم الجمعة، فتقدّم بيانها في باب أذكار الصلاة [رقم: 60 وما بعده] . 894- وروينا في كتاب ابن السني [رقم: 377] ، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قَرأ بَعْدَ صَلاةِ الجُمُعَةِ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [سورة الإخلاص] و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ

الْفَلَقِ} [سورة الفَلَقِ] و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [سورة النَّاسِ] سَبْعَ مَرَّاتٍ، أعاده اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِها مِنَ السُّوءِ إلى الجُمُعَةِ الأُخْرَى".

  223- فصل [الإكثار من الذكرُ بعد صلاة الجمعة]

895- يُستحبّ الإِكثارُ من ذكر الله تعالى بعد صلاة الجمعة: قال الله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الجمعة: 10] .

  بابُ الأذْكَارِ المشروعةِ في العِيدين:

896- اعلم أنه يُستحبّ إحياء ليلتي العيدين بذكر الله تعالى والصلاة وغيرهما من الطاعات للحديث الوارد في ذلك: 897- "مَنْ أَحْيا لَيْلَتي العِيدِ لَمْ يَمُتْ قَلْبُهُ يَوْمَ تَمُوتُ القُلُوبُ". 898- ورُوي: "مَنْ قَامَ لَيْلَتي العيدين محتسبًا لله1 لَمْ يَمُتْ قَلْبُهُ حينَ تَمُوتُ القُلُوبُ". هكذا جاء في رواية الشافعي ["الأم" 1/ 231] وابن ماجه [رقم: 1782] وهو حديثٌ ضعيفُ، رويناهُ من رواية أبي أمامة مرفوعاً وموقوفاً، وكلاهما ضعيفُ، لكن أحاديثَ الفضائل يُتسامح فيها كما قدمناه في أول الكتاب. [رقم: 27] . 899- واختلف العلماءُ في القدر الذي يَحصل به الإِحياءُ، فالأظهرُ أنه لا يحصل إلا بمعظم الليل، وقيل: يَحصل بساعة. __________ 1 في نسخة: "لله محتسبًا".

 225- فصل [استحباب التكبير ليلتي العيدين]

900- ويستحبّ التكبير ليلتي العيدين، ويُستحبّ في عيد الفطر من غروب الشمس إلى أن يُحرم الإِمام بصلاة العيد، ويُستحبّ ذلك خلفَ الصلواتِ وغيرها من الأحوال. ويُكثر منه عند ازدحام الناس، ويُكَبِّر ماشياً وجالساً ومضطجعاً، وفي طريقه، وفي المسجد، وعلى فراشه. وأما عيدُ الأضحى، فيُكَبِّر فيه من بعد صلاة الصبح مِنْ يَوْمِ عَرَفة إلى أن يصليَ العصر من آخر أيام التشريق، ويكبرُ خلفَ هذه العَصْرِ، ثم يقطع، هذا هو الأصحّ الذي عليه العمل، وفيه خلافٌ مشهورٌ في مذهبنا ولغيرنا، ولكن الصحيح ما ذكرناهُ، وقد جاء فيه أحاديث رويناها في "سنن البيهقي" [3/ 278-280] ، وقد أوضحتُ ذلك كلَّه من حيث الحديث، ونقل المذهب في "شرح المهذّب" [3/ 45-48] ، وذكرتُ جميعَ الفروع المتعلقة به، وأنا أشيرُ هنا إلى مقاصده مختصرة. 901- قال أصحابنا: لفظ التكبير أن يقول: الله أكبر، اللَّهُ أكْبَرُ، اللَّهُ أكْبَرُ، هكذا ثلاثاً متواليات: ويكرّر هذا على حسب إرادته. قال الشافعي والأصحاب: فإن زادَ، فقال: اللَّهُ أكْبَرُ كَبِيراً، وَالحَمْدُ لِلَّه كَثِيراً، وَسُبْحانَ اللَّهِ بُكْرَةً وأصِيلاً، لا إِلهَ إلا الله، ولا نعبدُ إلا إياه، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ، صَدَقَ وعدهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأحْزَابَ وَحْدَهُ، لا إله إلا الله والله أكبر؛ كانَ حَسَناً. 902- وقال جماعة من أصحابنا: لا بأسَ أن يقول ما اعتاده الناسُ، وهو: اللَّهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، لا إله إلا الله، والله أكبر اللَّهُ أكْبَرُ، ولِلَّهِ الحمدُ.

 226- فصل مواضع التكبير:

903- اعلم أن التكبير مشروعٌ بعد كلّ صلاة تُصلَّى في أيام التكبير، سواءٌ كانت فريضة، أو نافلة، أو صلاة جنازةٍ، وسواءٌ كانت الفريضةُ مؤدّاة، أو مقضية، أو منذورة، وفي بعض هذا خلافٌ ليس هذا موضع بسطه، ولكن الصحيح ما ذكرته، وعليه الفتوى، وبه العمل؛ ولو كبَّرَ الإِمامُ على خلاف اعتقاد المأموم بأن كان يَرى الإِمامُ التكبيرَ يوم عرفة، أو أيام التشريق، والمأموم لا يراهُ، أو عكسَه، فهل يتابعه، أو يعمل باعتقاد نفسه؟ فيه وجهان لأصحابنا: الأصحُّ يَعمل باعتقاد نفسه؛ لأن القدوة انقطعتْ بالسلام من الصلاة بخلاف ما إذا كبَّر في صلاة العيد زيادة على ما يراهُ المأمومُ، فإنه يُتابعهُ من أجل القُدوة.

 227- فصل التكبير في صلاة العيد:

904- والسُّنّة أن يُكبر في صلاة العيد قبل القراءة تكبيراتٍ زوائد، فيُكَبِّر في الركعة الأولى سبعَ تكبيرات سوى تكبيرة الافتتاح، وفي الثانية خمسَ تكبيرات سوى تكبيرة الرفع من السجود، ويكونُ التكبيرُ في الأولى بعد دعاء الاستفتاح وقبل التعوّذ، وفي الثانية قبل التعوّذ: ويستحبّ أن يقولَ بين كل تكبيرتين: سُبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر؛ هكذا قال جمهور أصحابنا. وقال بعض أصحابنا: يقول: لا إِله إلا الله وحده لا شَريكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ بِيَدِهِ الخَيْرُ، وَهُوَ على كُلّ شَيْءٍ قَديرٌ. 905- وقال أبو نصرٍ ابن الصباغ وغيره من أصحابنا: إن قال ما اعتاده الناسُ فحسنٌ، وهو: اللَّهُ أكْبَرُ كَبِيراً، والحمدُ لِلَّه كَثِيراً، وسبحان الله وبحمده بُكْرَةً وأصِيلاً. وكل هذا على التوسعة، ولا حَجْرَ في شيء منه،

ولو ترك جميع هذا الذكر، وترك التكبيرات السبع والخمس، صحَّتْ صلاته، ولا يسجد للسهو، ولكن فاتته الفضيلة؛ ولو نسي التكبيرات حتى افتتح القراءة لم يرجع إلى التكبيرات على القول الصحيح. وللشافعي قول ضعفٌ: أنه يرجعُ إليها. 906- وأما الخطبتان في صلاة العيد، فيُستحبّ أن يُكَبِّرَ في افتتاح الأولى تسعاً، وفي الثانية سبعاً. 907- وأما القراءة في صلاة العيد، فقد تقدَّم بيانُ ما يُستحبّ أن يقرأ فيها في باب صفة أذكار الصلاة، وهو أنه يقرأ في الأولى بعد الفاتحة سورة {ق} ، وفي الثانية {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} [أي: سورة القمر] ؛ وإن شاء في الأولى {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [أي: سورة الأعلى] ، وفي الثانية سورة: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [أي: سورة الغاشِيَةِ] .

  باب الذكر في العَشْر الأوّلِ من ذي الحِجّة:

908- قال الله تعالى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} الآية [الحج: 28] . قال ابن عباس والشافعي والجمهور: هي أيامُ العشر. 909- واعلم أنه يُستحبّ الإِكثار من الأذكار في هذا العشر زيادةً على غيره، ويُستحب من ذلك في يوم عَرَفة أكثر من باقي العشر. 910- روينا في "صحيح البخاري" [رقم: 969] ، عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "ما العَمَلُ في أيَّامٍ أفْضَلَ مِنْها في هَذِهِ"، قالوا: وَلا الجهادُ فِي سَبيل الله؟ قال: "وَلا الجِهادُ، إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ يُخاطرُ بنَفْسِهِ وَمالِه، فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ". هذا لفظ رواية البخاري، وهو صحيح.

وفي رواية الترمذي [رقم: 757] : "ما مِنْ أيَّامٍ العَمَلُ الصَّالِحُ فِيهنَّ أحَبُّ إلى الله تعالى مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ العَشْرِ" وفي رواية أبي داود [رقم: 2438] : "مثل هذه"، إلا أنه قال: "مِنْ هَذِهِ الأيَّام" يعني: العشر. 911- ورويناه في "مسند" الإِمام أبي محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي [2/ 25] بإسناد الصحيحين، قال فيه: "ما العَمَلُ فِي أيَّامٍ أفْضَلَ مِنَ العَمَلِ في أيام عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ"، قيل: ولا الجهاد؟ وذكر تمامه، وفي رواية [2/ 26] : "عَشْرِ الأضْحَى". 912- وروينا في كتاب الترمذي [رقم: 3585] ، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، قال: "خَيْرُ الدُّعاءِ دُعاء يوم عرفة، وخيرُ ما قلتُ أنا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لا إِلهَ إِلاَّ الله وحده لا شَريكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ على كُلّ شَيْءٍ قديرٌ". ضعَّفَ الترمذي إسنادَه. 913- ورويناه في "موطأ" الإِمام مالك [رقم: 500 و955] بإسناد مرسل، وبنقصان في لفظه، ولفظه: "أفْضَلُ الدُّعاءِ دعاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وأفْضَلُ ما قُلْتُ أنا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لا إله إلا الله وحده لا شَرِيكَ لَهُ". 914- وبلغنا عن سالم بن عبد الله بن عمر رضي الله عنهم، أنه رأى سائلاً يسألُ الناسَ يوم عَرَفَةَ، فقال: يا عاجزُ! في هذا اليوم يُسألُ غيرُ الله عز وجل!؟ 915- وقال البخاري في "صحيحه" [تعليقًا في 13 كتاب العيدين: باب رقم: 12] : كان عمرُ رضي الله عنه يكبرُ في قُبَّتِهِ بمنى، فيسمعه أهلُ المسجد، فيُكبِّرون ويُكَبِّر أهلُ الأسواق حتى ترتجّ مِنىً تكبيراً. 916- قال البخاري [في 13 كتاب العيدين: باب رقم: 11] : وكان ابن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهم يَخرجان إلى السوق في أيام العشر يُكَبِّران، ويُكَبِّر الناسُ بتكبيرهما.

 بابُ الأَذْكارِ المشروعةِ في الكُسُوف:

917- اعلم أنه يُسنُّ في كسوف الشمس والقمر الإكثار من ذكر الله تعالى، ومن الدعاء. وتُسَنّ الصلاةُ لهُ بإجماع المسلمين. 918- روينا في "صحيحي" البخاري، [رقم: 1044] ، ومسلم [رقم: 901، 902، 903] ؛ عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ آيَتانِ مِنْ آياتِ اللَّهِ، لا يُخْسَفَانِ لِمَوْتِ أحَدٍ وَلا لِحياتِهِ، فإذَا رأيْتُمْ ذلكَ، فادْعُوا اللَّهَ تَعالى، وكَبِّرُوا، وَتَصَدَّقُوا". وفي بعض الروايات في صحيحيهما: "فإذَا رأيْتُم ذلكَ فاذْكُرُوا اللَّهَ تَعالى". وكذلك رويناه [البخاري، رقم، 1052؛ مسلم، رقم: 907] من رواية ابن عباس. 919- ورويناه في صحيحيهما [البخاري، رقم: 1059؛ ومسلم، رقم: 912] من رواية أبي موسى الأشعري، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "فإذّا رأيْتُمْ شَيْئاً مِنْ ذلك فافْزَعُوا إلى ذكر الله ودعائه واستغفاره". 920- وَرَويناه في صحيحيهما [عند البخاري، رقم: 1060؛ ومسلم، رقم: 915] من رواية المغيرة بن شعبة: "فإذَا رأيْتُموها فادْعُوا اللَّهَ وَصَلُّوا".

وكذلك رواه البخاري [رقم: 1040] من رواية أبي بكرة أيضاً؛ والله أعلمُ. 921- وفي صحيح مسلم [رقم: 913] ، من رواية عبد الرحمن بن سمرة، قال: أتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم وقد كُسفت الشمسُ، وهو قائمٌ في الصلاة رافعٌ يديه، فجعلَ يُسَبِّحُ ويُهَلِّلُ ويُكَبِّر ويحمَد ويدعو حتى حُسِرَ عنها، فلما حُسر عنها قرأ سورتين، وصلَّى ركعتين. قُلت: "حُر" بضم الحاء، وكسر السين المهملتين، أي: كشف وجلي.

  230- فصلُ [تطويل القراءة في صلاة الكسوف]

ويُستحبّ إطالة القراءة في صلاة الكسوف، فيقرأ في القومة الأولى نحو سورة البقرة، وفي الثانية نحو مائتي آية، وفي الثالثة نحو مائة وخمسين آية، وفي الرابعة نحو مائة آية، ويسبحُ في الركوع الأوّل بقدر مائة آية، وفي الثاني سبعين، وفي الثالث كذلك، وفي الرابع خمسين؛ ويُطوِّل السجود كنحو الركوع، والسجدة الأولى نحو الركوع الأول، والثانية نحو الركوع الثاني، هذا هو الصحيح. وفيه خلافٌ معروفٌ للعلماء، ولا تَشُكَّنَّ فيما ذكرته من استحباب تطويل السجود، لكن المشهور في أكثر كتب أصحابنا أنه لا يُطوَّل، فإن ذلك السجود غلط وضعيف، بل الصواب تطويله، وقد ثبت ذلك في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من طرق كثيرةٍ، وقد أوضحته بدلائله وشواهده في "شرح المهذب" [4/ 51-55] وأشرتُ هنا إلى ما ذكرت لئلا تغترّ بخلافه. وقد نصّ الشافعي رحمه الله في مواضع على استحباب تطويله [انظر "الأم" 1/ 245] ؛ والله أعلمُ.

923- قال أصحابنا: ولا يُطَوِّلُ الجلوسَ بين السجدتين، بل يأتي به على العادة في غيرها، وهذا الذي قالوه فيه نظرٌ، فقد ثبت في حديثٍ صحيح إطالتهُ، وقد ذكرتُ ذلك واضحاً في "شرح المهذب" [4/ 51-55] فالاختيار استحباب إطالته، ولا يُطَوِّلُ الاعتدالَ عن الركوع الثاني، ولا التشهّد وجلوسه؛ والله أعلمُ. 924- ولو ترك هذا التطويل كلهُ، واقتصر على الفاتحة صحَّت صلاتهُ، ويُستحبّ أن يقول في كل رفع من الركوع: سمع الله لمن حمدهُ، ربّنا لك الحمد؛ فقد روينا ذلك في الصحيح [البخاري، رقم: 1065] . ويُسنّ الجهر بالقراءة في كسوف القمر، ويُستحبّ الإِسرار في كسوف الشمس، ثم بعد الصلاة يخطب خطبتين يُخوِّفهم فيهما بالله تعالى، ويَحثّهم على طاعة الله تعالى، وعلى الصدقة والإِعتاق، فقد صحّ ذلك في الأحاديث المشهورة، ويَحثّهم أيضاً على شكرِ نعمِ الله تعالى، ويحذّرهم الغفلة والاغترار؛ والله أعلمُ. 925- روينافي "صحيح البخاري" [رقم: 1054] وغيره، عن أسماء رضي الله عنها، قالت: لقد أمرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بالعَتَاقة في كسوف الشمس، والله أعلمُ.

 231- بابُ الأذْكَار في الاسْتسقَاءِ:

926- يُستحب الإكثارُ فيه من الدعاء والذكر والاستغفار بخضوع وتذلل، والدعوات المذكورة فيه مشهورةٌ، منها: اللَّهُمَّ اسْقِنا غَيْثاً مُغِيثاً هَنِيئاً مَرِيئاً1 غدقًا مجللاً سحًا عامّاً طَبَقاً دَائِماً؛ اللَّهُمَّ على الظِّرَابِ ومنابت __________ 1 في نسخة: "مريعًا"، أي: خصيبًا نافعًا. وفي نسخة: "مُربِعًا" من قولهم: ارتبع البعير وتربع، إذا أكل الربيع. وفي نسخة: "مُرتعًا" من ارتع الغيث: أنبت ما ترتع فيه الماشية.

الشَّجَرِ، وَبُطُونِ الأوْدِيَةِ؛ اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَغْفِرُكَ إِنَّكَ كُنْتَ غَفّاراً، فأرْسلِ السَّماءَ عَلَيْنا مِدْرَاراً؛ اللَّهُمَّ اسْقِنا الغيث ولا تجعلنا مِنَ القَانِطِينَ؛ اللَّهُمَّ أنْبِتْ لَنا الزَّرْعَ، وَأدِرَّ لَنا الضَّرْعَ، وَاسْقِنا مِنْ بَرَكاتِ السَّماءِ، وأنْبِتْ لَنا مِنْ بَرَكاتِ الأرْضِ؛ اللَّهُمَّ ارْفَعْ عَنَّا الجَهْدَ وَالجُوعَ والعُرْيَ، واكْشِفْ عَنَّا مِنَ البَلاءِ ما لا يَكْشِفُهُ غَيْرُكَ. 927- ويُستحبّ إذا كان فيهم رجلٌ مشهورٌ بالصلاح أن يستسقوا به، فيقولوا: اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَسْقِي وَنَتَشَفَّعُ إِلَيْكَ بعبدك فُلانٍ. 928- وروينا في "صحيح البخاري" [رقم: 1010] ، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا قُحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب، فقال: اللَّهمّ إنّا كنّا نتوسلُ إليك بنبيّنا صلى الله عليه وسلم فتسقينا، وإنّا نتوسلُ إليك بعمّ نبيّنا صلى الله عليه وسلم، فاسقنا؛ فيُسقون. 929- وجاء الاستسقاء بأهل الصلاح عن معاوية وغيره. 930- والمستحبّ أن يقرأُ في صلاة الاستسقاء ما يقرأ في صلاة العيد، وقد بيناه [راجع رقم: 907 و272] ؛ ويكبرُ في افتتاح الأولى سبع تكبيرات، وفي الثانية خمسَ تكبيرات كصلاة العيد، وكل الفروع والمسائل التي ذكرتها في تكبيرات العيد السبع والخمس يجيءُ مثلها هنا، ثم يخطبُ خطبتين يكثرُ فيهما من الاستغفار والدعاء. 931- وروينا في "سنن أبي داود" [رقم: 1169] بإسناد صحيح على شرط مسلم، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: أَتَتِ النبيّ صلى الله عليه وسلم بَوَاكٍ، فقال: "اللَّهُمَّ اسْقِنا غيثًا مغيثًا مريئًا مريعًا نافعاً غَيْرَ ضارٌ، عاجِلاً غَيْرَ آجِلٍ"؛ فأطْبَقَتْ علَيْهِمُ السَّماءُ. 932- وروينا فيه [رقم: 1176] بإسناد صحيح، عن عمرو بن شعيب،

عن أبيه، عن جده رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استسقى قال: "اللَّهُمَّ اسْقِ عِبادَكَ وَبَهَائِمَكَ، وَانْشُرْ رَحْمَتَكَ، وأحْيِ بَلَدَكَ المَيِّتَ". 933- وروينا في فيه [رقم: 1176] بإسناد صحيح، قال أبو داود في آخره: هذا إسنادٌ جيدٌ؛ عن عائشة رضي الله عنها، قالت: شكا الناسُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوطَ المطر، فأمر بمنبر، فوضع له في المصلى، ووعد الناسَ يوماً يخرجون فيه، فخرجَ رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم حين بَدَا حاجبُ الشمس، فقعدَ على المنبر صلى الله عليه وسلم، فكبَّرَ وحَمِد الله عز وجل، ثم قال: "إنَّكُمْ شَكَوْتُمْ جَدْبَ دِيارِكُمْ، وَاسْتِئْخارَ المَطَرِ عَنْ إبَّانِ زَمانِه عَنْكُمْ، وَقَدْ أمَرَكُمُ اللَّهُ سبحانه وتعالى أنْ تَدْعُوهُ، وَوَعَدَكُمْ أنْ يَسْتَجِيبَ لَكُمْ"، ثم قال: "الحَمْدُ لِلَّهِ رَبّ العَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مالِكِ يَوْمِ الدَّينِ، لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ، اللَّهُمَّ أنْتَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْت الغَنِيُّ، وَنَحْنُ الفُقَراءُ، أنْزِلْ عَلَيْنا الغَيْثَ، وَاجْعَلْ ما أنْزَلْتَ لَنا قُوَّةً وَبَلاغاً إلى حِينٍ". ثم رفع يديه، فلم يزل في الرفع حتى بدا بياضُ إبطيه؛ ثم حوّل إلى الناس ظهرَه، وقَلبَ، أو حَوّل رداءَه، وهو رافعٌ يديه، ثم أقبلَ على الناس، ونزلَ فصلى ركعتين، فأنشأ اللَّه عزّ وجلّ سحابة، فرعدت وبرقت، ثم أمطرت بإذن الله. تعالى، فلم يأتِ مسجدَه حتى سالت السيولُ، فلما رأى سرعتَهم إلى الكِنِّ ضحك صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه، فقال: "أشْهَدُ أنَّ اللَّهُ على كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وأنّي عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ". قلتُ: "إبّان الشيء": وقته، وهو بكسر الهمزة وتشديد الباء الموحدة. و"قحوط المطر" بضم القاف والحاء: احتباسه. والجدب بإسكان الدال المهملة: ضد الخصب. وقوله: ثم أمطرت هكذا هو بالألف، وهما لغتان: مطرت، وأمطرت، ولا التفات إلى مَن قال: لا يُقال: أمطر،

بالألف إلا في العذاب. وقوله: "بدتْ نواجذه" أي: ظهرت أنيابه، وهي بالذال المعجمة. واعلم أن في هذا الحديث التصريح بأن الخطبة قبل الصلاة، وكذلك هو مصرّح به في صحيحي البخاري ومسلم، وهذا محمولٌ على الجواز، والمشهور في كتب الفقه لأصحابنا وغيرهم أنه يُستحبّ تقديمُ الصلاة على الخطبة لأحاديث أُخر، أن رسو الله صلى الله عليه وسلم قدَّمَ الصلاةَ على الخطبة؛ والله أعلمُ. 935- ويُستحبّ الجمع في الدعاء بين الجهر والإِسرار، ورفع الأيدي فيه رفعاً بليغاً. 936- قال الشافعي رحمه الله في "الأُم" [1/ 250-251] : وليكن من دعائهم: اللَّهُمَّ أمَرْتَنا بِدُعائِكَ، وَوَعَدْتَنا إِجابَتَكَ، وَقَدْ دَعَوْناكَ كما أمَرْتَنا، فأجِبْنا كما وَعَدْتَنا؛ اللَّهُمَّ امْنُنْ عَلَيْنا بِمَغْفِرَةِ ما قارَفْنا، وإِجابَتِكَ في سُقْيانا وَسَعَةِ رِزْقِنا؛ ويدعو للمؤمنين والمؤمنات، ويُصلِّي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويقرأ آيةً، أو آيتين ويقولُ الإمامُ: أستغفرُ الله لي ولكم. وينبغي أن يدعوَ بدعاءِ الكرب [المتقدم بالباب رقم: 161] ، وبالدعاء الآخر: "اللَّهُمَّ [ربنا] آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار" وغير ذلك من الدعوات التي ذكرناها في الأحاديث الصحيحة. 937- قال الشافعي في "الأم" [1/ 250] : يخطبُ الإِمامُ في الاستسقاء خطبتين كما يخطبُ في صلاةِ العيد، يكبرُ الله تعالى فيهما، ويحمدهُ، ويُصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويكثرُ فيهما الاستغفار حتى يكون أكثر كلامه، ويقول كثيراً: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} [سورة نوح: 10] . 938- ثم رُوي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن استسقى، فكان أكثر دعائه الاستغفار. 939- قال الشافعي [في "الأمّ" 1/ 250، 251] : ويكون أكثر دعائه الاستغفار، يبدأ به دعاءَه، ويفصلُ به بين كلامه، ويختم به، ويكون هو أكثر كلامه حتى ينقطع الكلام، ويحثّ الناس على التوبة والطاعة والتقرّب إلى الله تعالى.

 بابُ ما يقولُه إذا هَاجَتِ الرِّيح:

940- روينا في "صحيح مسلم" [رقم: 899] ، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا عصفت الريح قال: "اللَّهُمَّ إِني أسألُكَ خَيْرَها وَخَيْرَ ما فِيها، وَخَيْرَ ما أُرْسِلَتْ بِهِ، وأعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّها وَشَرّ ما فيها، وَشَرّ ما أُرسِلَتْ بِهِ". 941- وروينا في "سنن أبي داود" [رقم: 5097] ، وابن ماجه [رقم: 3737] ؛ بإسناد حسن، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الرِّيحُ مِنْ رَوْحِ اللِّهِ تَعالى، تأتي بالرَّحْمَةِ، وَتأتِي بالعَذَابِ، فإذا رأيْتُمُوها فَلا تَسُبُّوها، وسلوا خَيْرَها، وَاسْتَعِيذُوا باللَّهِ مِنْ شَرّها". قلتُ: قوله صلى الله عليه وسلم: "مِنْ رَوْحِ الله" هو بفتح الراء، قال العلماءُ: أي: من رحمة الله بعباده. 942- وروينا في "سنن أبي داود" [رقم: 5099] ، والنسائي في الكبرى كما في تحفة الأشراف، [رقم: 16146] ، وابن ماجه [رقم: 3889] ؛ عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى ناشئاً في

أفُق السماء، تركَ العملَ، وإن كان في صلاة، ثم يقول: " اللَّهُمَّ إني أعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّها" فإن مُطِرَ قال: "اللَّهُمَّ صيِّبًا هَنِيئاً". قلتُ: ناشئاً بهمز آخره، أي: سحاباً لم يتكامل اجتماعه. والصيِّب بكسر الياء المثناة تحت المشددة، وهو: المطرُ الكثيرُ، وقيل: المطرُ الذي يجري ماؤه، وهو منصوب بفعل محذوف، أي: أسألك صيّباً، أو اجعله صيّباً. 943- وروينا في "كتاب الترمذي" [رقم: 2252] وغيره، عن أُبيّ بن كعب رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تَسُبُّوا الرّيحَ، فإنْ رأيْتُمْ ما تَكْرَهُونَ فَقُولوا: اللَّهُمَّ إنَّا نَسألُكَ مِنْ خَيْرِ هَذِهِ الرّيحِ وخَيْرِ ما فِيها، وَخَيْرِ ما أُمرت بِهِ؛ وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّ هَذِهِ الرّيحِ، وَشَرّ ما فِيهَا، وَشَرّ ما أُمِرَتْ بِهِ". قال الترمذي: حديث حسن صحيح، قال: وفي الباب عن عائشة رضي الله عنها، وأبي هريرة، وعثمان ابن أبي العاص، وأنسٍ، وابن عباسٍ، وجابر. 944- وروينا بالإِسناد الصحيح في "كتاب ابن السني" [رقم: 300] ، عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه، قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتدّتِ الريحُ يقولُ: "اللَّهُمَّ لَقْحاً لا عَقِيماً". قلتُ: لَقْحَاً أي: حاملاً للماء، كاللقحة من الإِبل. والعقيم: التي لا ماء فيها، كالعقيم من الحيوان، لا ولد فيها. 945- وروينا فيه [رقم: 285] ، عن أنس بن مالك، وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم؛ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "إذا وقعتْ كبيرةٌ، أو

هاجتْ ريحٌ عظيمةٌ، فعليكم بالتكبير، فإنه يجلو العَجَاجَ الأسْوَدَ". 946- وروى الإِمام الشافعيُّ رحمه الله في كتابه "الأُمّ" [1/ 253] بإسناده، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: ما هبَّت الريح إلاّ جثا النبي صلى الله عليه وسلم على ركبتيه، وقال: "اللَّهُمَّ اجْعَلْها رَحْمَةً وَلا تَجْعَلْها عَذَاباً، اللَّهُمَّ اجْعَلْها رِياحاً، وَلا تَجْعَلْها رِيحاً". 947- قال ابن عباس: والله إن تفسير ذلك في كتاب الله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا} [القمر: 19] و {أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ} [الذاريات: 41] وقال تعالى: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ} [الحجر: 22] وقال سبحانه: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ} [الروم: 46] . 948- وذكر الشافعي رحمه الله [في "الأم" 1/ 253] حديثاً منقطعاً عن رجل، أنه شكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم الفقرَ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَعَلَّكَ تَسُبُّ الرّيحَ". 949- قال الشافعي رحمه الله [في "الأُم" 1/ 253] : لا ينبغي لأحدٍ أن يسبَّ الرياحَ، فإنها خلقٌ لله تعالى ميطعٌ، وجندٌ من أجنادهِ، يجعلُها رحمةً ونقمةً إذا شاء.

 بابُ ما يقولُ إذا انقضّ الكَوْكَب:

950- روينا في "كتاب ابن السني" [رقم: 658] ، عن ابن مسعود رضي الله عنهُ، قال: أمرنا ألا نُتبع أبصارَنا الكوكبَ إذا انقضّ، وأن نقولَ عند ذلك: ما شَاءَ اللَّهُ، لا قُوَّةَ إِلاَّ بالله؛ والله أعلمُ.

 بابُ تركِ الإِشارةِ والنَّظرِ إلى الكَوْكَبِ والبَرْق:

فيه الحديث المتقدم [رقم: 950] في الباب قبلَه: 951- وروى الشافعي رحمه الله في "الأم" [1/ 253] بإسناده، عن من لا يتّهم، عن عروة بن الزبير رضي الله عنهما، قال: إذا رأى أحدكم البرق أو الودق فلا يُشِرْ إليه، وليصفْ ولينعتْ ["المراسيل" لأبي داود، [رقم: 529، وسنن البيهقي 3/ 362] . قال الشافعي: ولم تزل العرب تكرهه.

 بابُ ما يقولُ إذا سمعَ الرَّعْدَ:

952- روينا في كتاب الترمذي [رقم: 3450] بإسناد ضعيف، عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سمع صوتَ الرعد والصَّواعق قال: "اللَّهُمَّ لا تَقْتُلْنا بِغَضَبِكَ، ولا تُهْلِكْنا بِعَذَابِكَ، وَعافِنا قَبْلَ ذلكَ". 953- وروينا بالإِسناد الصحيح في "الموطأ" [2/ 992] ، عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما، أنه كان إذا سمع الرعدَ تركَ الحديثَ وقال: "سُبْحانَ الَّذي يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ، وَالمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ". 954- وروى الإِمام الشافعي رحمه الله [في "الأُمّ" 1/ 253] بإسناده الصحيح، عن طاوس الإِمام التابعي الجليل رضي الله عنه، أنه كان يقول إذا سمع الرعد: سبحانَ مَنْ سَبَّحَتْ له. قال الشافعي: كأنه يذهب إلى قول الله تعالى: {وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ} [الرعد: 13] . 955- وذكروا عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كنّا مع عمر رضي الله عنه في سفر، فأصابنا رعدٌ وبرقٌ وبردٌ، فقال لنا كعبُ: مَن قال حين يسمع الرعد: سُبْحَانَ مَنْ يسبحُ الرعدُ بحمدهِ، وَالمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ؛ ثلاثاً، عُوفي مِنْ ذلكَ الرعد، فقلنا فعوفينا ["الدعاء" للطبراني، رقم: 985] .

 بابُ ما يقولُ إذا نزلَ المطرُ:

956- روينا في "صحيح البخاري" رقم: 1032، عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى المطر، قال: "اللَّهُمَّ صيبًا نافعًا". ورويناهُ في سنن ابن ماجه [راجع رقم: 3889 و3890، وقال فيه: "اللهم صيبًانافعًا" مرّتين، أو ثلاثاً. 957- وروى الشافعي رحمه الله في "الأُمّ" [1/ 223-224] بإسناده حديثاً مرسلاً، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "اطْلُبُوا اسْتِجابَةَ الدعاء عند التقاء الجيوش، وإقامة الصلاة، ونزول الغيث". [مر برقم: 230؛ وسيرد برقم: 1088] . قال الشافعي: وقد حفظتُ عن غير واحدٍ طَلبَ الإِجابة عند نزول الغيث وإقامة الصلاة.

 بابُ ما يقولهُ بعدَ نزولِ المطر:

958- روينا في "صحيح البخاري" [رقم: 846] ، ومسلم [رقم: 71] ؛ عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنهُ، قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاةَ الصبح بالحديبية في إثر سماءٍ كانتْ من الليل، فلما انصرفَ، أقبلَ على الناس، فقال: "هَلْ تَدْرُونَ ماذَا قالَ رَبُّكُمْ"؟ قالوا: اللَّهُ ورسولُه أعلم، قال: "قالَ: أَصْبَحَ مِنْ عِبادِي مُؤْمِنٌ بِي وكافرٌ، فأمَّا مَنْ قالَ: مُطِرْنا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ، فَذَلِكَ مؤمنٌ بِي كافرٌ بالكَوْكَبِ؛ وأمَّا مَنْ قال: مُطرنا بنوْء كَذَا

وكَذّا؛ فَذَلِكَ كافرٌ بِي مؤمنٌ بالكَوْكَبِ". [راجع رقم: 1809] . قلت: الحديبية معرفة، وهي بئر قريبة من مكة دون مرحلة، ويجوز فيها تخفيف الياء الثانية وتشديدها، والتخفيف هو الصحيح المختار، وهو قول الشافعي وأهل اللغة، والتشديد قول ابن وهب، وأكثر المحدثين. و"السماء" هنا: المطر. و"إثر" بكسر الهمزة، وإسكان التاء، ويقال فتحهما، لُغتان. قال العلماء: إن قال مسلمٌ: مُطرنا بنوءِ كذا، مريداً أن النوءَ هُو الموجدُ والفاعل المحدثُ للمطر، صارَ كفارًا مرتدّاً بلا شكّ. وإن قالهُ مُريدًا أنه علامةٌ لنزول المطر، فينزل المطر عند هذه العلامة، ونزوله بفعل الله تعالى وخلقه سبحانه لم يكفر. واختلفوا في كراهته؛ والمختارُ أنه مكروهٌ، لأنه من ألفاظ الكفّار، وهذا ظاهرُ الحديثِ، ونصَّ عليه الشافعي رحمه الله في "الأمّ" [1/ 252] وغيره؛ والله أعلم. ويُستحبّ أن يشكر الله سبحانه وتعالى على هذه النعمة، أعني: نُزول المطر.

 بابُ ما يقولُه إذا نزلَ المطرُ وخِيفَ منه الضَّرَر:

959- روينا في صحيحي البخاري [رقم: 1013] ، ومسلم [رقم: 897] ؛ عن أنس رضي الله عنهُ، قال: دخل رجلٌ المسجدَ يوم جمعةٍ، ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم قائمٌ يخطبُ، فقال: يا رسُول الله! هلكتِ الموالُ وانقطعت السبل، فادع الله يغيثنا1، فرفعَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يديْهِ، ثم قال: "اللَّهُمَّ أغِثْنا، اللَّهُمَّ أغِثْنا، اللَّهُمَّ أغِثْنا"؛ قال أنس: واللهُ ما نرى في السماء من سحابٍ __________ 1 وردت في بعض النسخ: يُغثنا؛ جواب الطلب بالجزم وهو أفصح لغة.

ولا قزعةٍ، وما بيننا وبين سلع -يعني: الجبل المعروف بقرب المدينة- من بيتٍ ولا دارٍ، فطلعتْ من ورائه سحابةٌ مثل الترسِ، فلما توسطت السماءَ انتشرتْ، ثم أمطرت، فلا والله ما رأينا الشمس سَبْتَاً، ثم دخلَ رجلٌ من ذلك الباب في الجمعة المقبلة، ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم قائمٌ يخطبُ، فقال: يا رسول الله! هلكتِ الأموالُ، وانقطعتِ السبلُ، فادع الله يمكسها عنّا؛ فرفعَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يديه، ثم قال: "اللَّهُمَّ حَوَالَيْنا ولاَ عَلَيْنا، اللَّهُمَّ على الآكام والظارب وبطون الأودية ومَنَابِتِ الشَجَرِ"، فانقلعتْ، وخرجنا نمشي في الشمس. هذا حديثٌ لفظه فيهما، إلا أن في رواية البخاري: "اللَّهُمَّ اسْقِنا". بدل: "أغِثْنا". وما أكثر فوائده؛ وبالله التوفيق.

 بابُ أذكارِ صَلاة التَّراويْح:

960- اعلم أن صلاة التراويح سُنّة باتفاق العلماء، وهي عشرون ركعة، يسلمُ من كل ركعتين، وصفةُ نفس الصلاةِ كصفة باقي الصلوات على ما تقدم بيانهُ، ويَجيء فيها جميعُ الأذكار المتقدمة: كدعاء الافتتاح، وإستكمال الأذكار الباقية، واستيفاء التشهد، والدعاء بعده، وغير ذلك مما تقدم، وهذا وإن كان ظاهراً معروفاً، فإنما نبَّهتُ عليه لتساهل أكثر الناس فيه، وحذفهم أكثر الأذكار؛ والصوابُ ما سبق. 961- وأما القراءةُ، فالمختارُ الذي قالهُ الأكثرون، وأطبقَ الناسُ على العمل به، أن تقرأ الختمةُ بكمالها في التراويح جميع الشهر، فيقرأ في كل ليلة نحو جزء من ثلاثين جزءاً. ويُستحبّ أن يرتل القراءة، ويبيِّنها، وليحذرْ من التطويل عليهم بقراءة أكثر من جزءٍ، وليحذرْ كلَّ الحذرِ مما اعتاده جهلةُ أئمة كثير من المساجد من قراءة سورة الأنعام بكمالها في الركعة الأخيرة في الليلة السابعة من شهر رمضان، زاعمين أنها نزلتْ جملةً، وهذه بدعة قبيحة، وجهالة ظاهرةٌ مشتملةٌ على مفاسد كثيرةٍ، سبق بيانها [رقم: 601] ، وقد أوضحتها في كتاب "التبيان في آداب حملة القرآن" [رقم: 283] ؛ وبالله التوفيق.

 بابُ أذكارِ صَلاةِ الحَاجة:

962- روينا في "كتاب الترمذي" [رقم: 479] ، وابن ماجه [رقم: 1384] ؛ عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ إلى اللَّهِ تَعالى، أوْ إلى أحدٍ مِن بَني آدَمَ فَلْيَتَوَضَّأ، وليُحسن الوُضُوءِ، ثُمَّ ليُصَلّ رَكْعَتَيْنِ، ثمَّ لِيُثْنِ على الله عَزَّ وَجَلَّ، وَلْيُصَلّ على النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ ليَقُلْ: لا إِلهَ إِلاَّ الله الحَلِيمُ الكَرِيمُ، سُبْحانَ اللَّه رَبّ العَرْشِ العظيم، الحمدُ لله رب العالمين، أسألُكَ مُوجِباتِ رَحْمَتِكَ، وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ، وَالغَنِيمَةَ مِنْ كُلّ بِرّ، وَالسَّلامَةَ مِنْ كُلّ إثْمٍ، لا تَدَعْ لِي ذَنْباً إِلاَّ غفرتهُ، وَلا هَمَّاً إِلاَّ فرجتهُ، وَلا حاجَةً هِيَ لَكَ رِضاً إِلاَّ قَضَيْتَها يا أرْحَمَ الرَّاحِمِينَ". قال الترمذي: في إسناده مقالٌ. 963- قُلتُ: ويستحبُ أن يدعوَ بدُعاء الكرب، وهُو: "اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار" لما قدمناه [برقم: 666] عن الصحيحين فيهما. 964- وروينا في "كتاب الترمذي" [رقم: 3573] ، وابن ماجه [رقم: 1385] ؛ عن عثمان بن حُنَيْف رضي الله عنهُ، أن رجلاً ضريرَ البصر أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ادعُ اللَّهَ تعالى أن يعافيني، قال: "إنْ شِئْتَ دَعَوْتُ، وَإِنْ شِئْتَ صَبرْتَ، فَهُوَ خيرٌ لَكَ"، قال: فادعهُ؛ فأمرهُ أن يتوضأَ فيُحسنَ وضوءهُ، ويدعوَ بهذا الدعاء: "اللَّهُمَّ إني أسألُكَ وأتوجهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ محمدٍ نَبِيّ الرَّحْمَةِ صلى الله عليه وسلم، يا مُحَمَّدُ! إني تَوَجَّهْتُ بكَ إلى رَبّي في حاجَتِي هَذِهِ لِتُقْضَى لي: اللَّهُمَّ فشعفه فِيّ". قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

 بابُ أَذْكَار صَلاةِ التَّسبيحِ

965- روينا في "كتاب الترمذي" [رقم: 2/ 348] ، عنهُ، قال: وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم غيرُ حديثٍ في صلاة التسبيح، ولا يصح منه كبير شيءٍ، قال: وقد رأى ابنُ المبارك وغيرُ واحدٍ من أهل العلم صلاة التسبيح، وذكروا الفضل فيه. 966- قال الترمذي [2/ 348، 349] : حدّثنا أحمد بن عبدة، قال: __________ 1 قال الإسنوي في "المهمات": اختلف كلام النووي في استحباب صلاة التسبيح، وفي صحة الحديث الوارد فيها، فقال في "شرح المهذب" [3/ 504] : قال القاضي حسين وصاحبا "التهذيب" و"التتمة" والروياني: يستحب؛ للحديث الوارد فيها، وفي هذا الاستحباب نظر؛ لأن حديثها ضعيف، وفيها تغيير لنظم الصلاة المعروف، فينبغي ألا يُفعل لغير حديث صحيحُ، وليس حديثها بثابت. وذكر في "التحقيق" مثلهُ، فقال: وحديثها ضعيف. وخالف في تهذيب "الأسماء واللغات" [3/ 144] فقال: وأما صلاة التسبيح المعروفة؛ فسميت بذلك لكثرة التسبيح فيها، بخلاف العادة وغيرها، وقد جاء فيها حديث حسن في كتاب الترمذي وغيره. وذكرها المحاملي وصاحب "التتمة" وغيرهما من أصحابنا. وهي سنة حسنة. هذا لفظه. وقال ابن الصلاح: إنها سنة، وإن حديثها حسنٌ، وله طرق يعضدُ بعضها بعضًا، فيعمل به سيما في العبادات. انتهى ما في "المهمات". وكما اختلف فيها كلام النووي، كذلك اختلف فيها كلام الحافظ ابن حجر، فحسن حديثها في كتاب "الخصال المكفرة" [الصفحة: 42] ، وفي أماليه ذكر طرفه في تسعة مجالس، وأفردها تصنيفًا، وضعفه في تخريج أحاديث الرافعي [2/ 7] . والواجب لهذا الاختلاف ما أشار إليه الحافظ الذهبي، حيث قال في "الموقظة" [صفحة: 28] : الحسنُ ما قصر سندُه قليلًا عن رتبةِ الصحيح، ثم لا تطمع أن للحسن قاعدة تندرج كل الأحاديث الحسان فيها، فأنا على بأس من ذلك، فكم من حديث قد تردد فيه الحفاظ على هو حسنٌ أو ضعيف أو صحيح؟ والحافظ الواحد يتغير اجتهاده في الحديث الواحد، فيومًا يصفه بالصحة، ويومًا يصفه بالحسن، ويومًا يصفه بالضعف، وهذا حقٌ، فإن الحديث الحسن يستضعفه الحفاظ عن أن يرقوه إلى رتبة الصحيح، فبهذا الاعتبار فيه ضعف، ولو ارتقى عن ذلك وصح لصح باتفاق.

حديثنا أبو وهب، قال: سألتُ عبد الله بن المبارك عن الصلاة التي يسبّح فيها، قال: يكبرُ، ثم يقولُ: سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وبِحَمْدِكَ، تبارك اسمك وتعالى جدك وَلا إِلهَ غَيْرُكَ؛ ثم يقولُ خمس عشرة مرّة: سُبحانَ الله والحمدُ لِلَّهِ ولا إله إلا الله والله أكبرُ، ثم يتعوذُ، ويقرأُ: بسم الله الرحمن الرحيم؛ وفاتحة الكتاب، وسورة؛ ثم يقول عشر مرات: سُبْحانَ اللَّهِ، والحَمْدُ لِلَّهِ، ولا إله إلا الله، والله أكبر؛ ثم يركع، فيقولها عشراً؛ ثم يرفع رأسه، فيقولها عشراً؛ ثم يسجدُ، فيقولها عشراً؛ ثم يرفع رأسه، فيقولها عشراً؛ ثم يسجدُ السجدة الثانية، فيقولها عشراً، يُصلي أربع ركعات على هذا، فذلك خمس وسبعون تسبيحة في كل ركعة يبدأ بخمس عشرة تسبيحة، ثم يقرأ ثم يسبّح عشراً؛ فإن صلى ليلاً فأحبّ إليّ أن يسلّم في ركعتين؛ وإن صلّى نهاراً، فإن شاء سلّم، وإن شاء لم يسلم ["المستدرك للحاكم" 3/ 30] . وفي رواية فيه [1/ 349] ، عن عبد الله بن المبارك، أنه قال: يبدأ في الركوع بسبحان ربي العظيم، وفي السجود بسبحان ربي الأعلى ثلاثاً، ثم يُسبِّح التسبيحات. وقيل لابن المبارك فيه أيضًا [2/ 350] : إن سها في هذه الصلاة، هل يُسبِّح في سجدتي السهو عشراً عشراً؟ قال: لا، إنما هي ثلاث مائة تسبيحة. 967- وروينا في "كتاب الترمذي" [رقم: 82] وابن ماجه [رقم: 1386] ؛ عن أبي رافع رضي الله عنهُ، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم للعباس: "يا عَمُّ! ألا أصلُك، ألا أحبُوك، ألا أنفعُك"؟ قال: بلى! يا رسول الله، قال: "يا عَمّ؟! صَلّ أرْبَعَ رَكعَاتٍ، تَقْرأُ فِي كُلّ رَكْعَةٍ بِفاتِحَةِ القُرآنِ وَسُورَةٍ، فإذَا انْقَضَتِ القِرَاءةُ فَقُلِ: اللَّهُ أكبرُ، والحمدُ لِلَّهِ، وسبحانَ اللَّهِ، وَلا إِلهَ إِلاَّ اللَّهِ؛ خَمْسَ عَشْرَةَ مَرَّةً قَبْلَ أنْ تَرْكَعَ، ثُمَّ ارْكَعْ، فَقُلْها عَشْراً، ثُمَّ افرع رأسَكَ، فَقُلْها

عَشْراً، ثُمَّ اسْجُدْ، فَقلْها عَشْراً، ثُمَّ ارْفَعْ رأسَكَ، فَقُلْها عَشْراً، ثُمَّ اسْجُدْ الثانية فقلها عشرا، ثم ارْفَعْ رأسَكَ، فَقُلْها عَشْراً قَبْلَ أنْ تَقُومَ، فَتِلْكَ خَمْسٌ وَسَبْعُونَ فِي كُلّ ركعة، وهي ثلاث مائة في أرْبَعِ رَكَعاتٍ، فَلَوْ كانَتْ ذُنُوبُكَ مِثْلَ رَمْلِ عالِجٍ غَفَرَهَا اللَّهُ تَعالى لَكَ"، قال: يا رَسولَ الله! مَن يستطيع أن يقولها في كل يوم؟ قال: "إنْ لَمْ تَسْتَطِعْ أنْ تَقُولَهَا في كل يومٍ فَقُلْها فِي جمعةٍ، فإنْ لَمْ تَسْتَطِعْ أن تقولها في كل جمعةٍ، فَقُلْها فِي كل شهرٍ"، فلم يزل يقولُ له حتى قال: "قُلْها في سَنَةٍ". قال الترمذي: هذا حديثٌ غريبٌ. 968- قلتُ: قال الإمامُ أبُو بكرٍ بنُ العربي في كتابه "الأحوذيّ في شرح الترمذي" [رقم: 2/ 266، 267] : حديثُ أبي رافع هذا ضعيف ليس له أصل في الصحة، ولا في الحسن، قال: وإنما ذكره الترمذي لينبّه عليه لئلا يغترّ به. قال: وقول ابِن المبارك ليس بحجةٍ؛ هذا كلامُ أبي بكر بن العربي. وقال العُقَيْلي: ليس في صلاة التسبيح وطرقها، ثم ضعَّفها كلَّها، وبيّن ضعفَها؛ ذكرهُ في كتابهِ في "الموضوعات"1 [1/ 143] . __________ 1 قلت رد الأئمةُ والحفاظ على ابن الجوزي في ذلك، وقد سقت كلامهم في كتاب "اللآلئ الموضوعة في الأحاديث المصنوعة". قال الحافظ ابن حجر في كتاب "الخصال المكفرة" [الصفحة: 43] : قد أساء ابن الجوزي بذكره إياه في الموضوعات. وقال في "أماليه": وردت صلاةُ التسبيح من حديث عبد الله بن عباس، وأخيه الفضل، وأبيهما العباس، وعبد الله بن عمرو، وأبي رافع، وعلى بن أبي طالب، وأخيه جعفر، وابنه عبد الله بن جعفر، وأم سلمة، والأنصاري غير مسمى. وقد صححه ابن خزيمة، والحاكم، وابن منده وألف فيه كتابًا، والآجري، والخطيب، وأبو سعيد السمعاني، وأبو موسى المديني، والديلمي، وأبو الحسن ابن المفضل، وابن الصلاح، والمنذري، والنووي في "تهذيب الأسماء واللغات" والسبكي، وآخرون. وقال الرزكشي في "تخريج أحاديث الرافعي": غلِطَ ابن الجوزي بلا شك في إخراج حديثُ صلاة التسبيح في الموضوعات، وهو صحيح وليس بضعيف، فضلًا عن أن يكون موضوعًا، وابن الجوزي يتساهل في الحكم بالوضع. وصححه أيضًا الحافظ صلاح الدين العلائي، والشيخ سراج الدين البلقيني في "التدريب". وأفردتُ فيه تأليفًا سميتهُ: "التصحيح في صلاة التسبيح".

969- وبلغنا عن الإِمام الحافظ أبي الحسن الدارقطني رحمه الله، أنه قال: أصحُّ شيء في فضائل السور فضل سورة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ؛ وأصحّ شيء في فضائل الصلوات فضل صلاة التسبيح. وقد ذكرتُ هذا الكلامَ مسنداً في كتاب طبقات الفقهاء في ترجمة أبي الحسن علي بن عمر الدارقطني [ترجمة رقم: 240، الصفحات: 616، 619] ، ولم يُذكر فيها شيء عن صلاة التسبيح في النسخة المطبوعة، ولا يلزمُ من هذه العبارة أن يكونَ حديثُ صلاةِ التسبيح صحيحاً، فإنهم يقولون: هذا أصحُّ ما جاء في الباب، وإن كان ضعيفاً؛ ومرادهُم: أرجحُه وأقلهُ ضعفاً. قلتُ: وقد نصَّ جماعةٌ من أئمة أصحابنا على استحباب صلاة التسبيح هذه، منهم أبو محمد البغوي [في شرح السنّة 4/ 158] وأبو المحاسن الروياني1. قال الروياني في كتابه البحر في آخر كتاب الجنائز منه: اعلم أن صلاة التسبيح مُرَغَّب فيها، يُستحبّ أن يعتادها في كل حين، ولا يتغافل عنها، قال: هكذا قال عبد الله بن المبارك، وجماعة من العلماء. قال: وقيل لعبد الله بن المبارك: إن سهَا في صلاة التسبيح أيسبحُ في سجدتي السهو __________ 1 وقد ألف علماء آخرون غير ابن حجر العسقلاني رحمه الله والسيوطي رحمه الله وغير الذين ذُكروا، في صلاة التسبيح، مثل: ابن ناصر الدين الدمشقي في كتابه: "الترجيح لحديث صلاة التسبيح" طبع في دار البشائر الإسلامة، بيروت عام 1985؛ وابن طولون الدمشقي الصالحي في كتابه: "الترشيح لبيان صلاة التسبيح" طبع ببيروت في دار الكتب العلمية، عام 1995.

عشراً عشراً؟ قال: لا، وإنما هي ثلاث مائة تسبيحة؛ وإنما ذكرتُ هذا الكلام في سجود السهو، وإن كان قد تقدم لفائدة لطيفة، وهي أن مثل هذا الإِمام إذا حكى هذا، ولم ينكرهُ أشعر بذلك بأنه يوافقه، فيكثر القائل بهذا الحكم، وهذا الروياني من فضلاء أصحابنا المطّلعين؛ والله أعلم.

 كتاب أذكار الزكاة

 بابُ الأذكارِ المتعلّقةِ بالزَّكَاة:

قال الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 103] . 970- وروينا في "صحيحي البخاري" [رقم: 1497] ، ومسلم [رقم: 1078] ؛ عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا أتاهُ قومٌ بصدقةٍ، قال: "اللَّهُمَّ صَلّ عَلَيْهِمْ" فأتاهُ أبو أوفى بصدقته1، فقال: "اللهم صلى على آلِ أبي أوْفَى". 971- قال الشافعي [في "الأم" 2/ 60] والأصحاب رحمهم الله: الاختيارُ أن يقول آخذ الزكاة لدافعها: آجَرَكَ اللَّهُ فِيما أعطيت، وجعلها لَكَ طَهُوراً، وَبَارَكَ لَكَ فِيما أَبْقَيْتَ. وهذا الدعاء مستحبّ لقابض الزكاة، سواءٌ كان الساعي أو الفقراء، وليس الدعاءُ بواجب على المشهور من مذهبنا ومذهب غيرنا. وقال بعض أصحابنا: إنه واجب لقول الشافعي [2/ 60] : فحقّ على الوالي أن يدعوَ له، ودليلُه ظاهر الأمر في الآية. __________ 1 في نسخة: "بصدقة".

972- قال العلماءُ: ولا يُستحبّ أن يقولَ في الدّعاء: اللَّهُمّ صلي على فلانٍ، والمراد بقوله تعالى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 103] أي: ادْع لهم، وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم: "اللَّهُمَّ صَلّ عليهم" فقاله: لكون لفظ الصلاة مختصّاً به، فله أن يُخاطب به مَنْ يشاءُ، بخلافنا نحن. 973- قالوا: وكما لا يقالُ: مُحمدٌ عز وجل، وإن كان عزيزا جليلا، فكذا لا يقالُ: أبو بكر أو عليّ صلى الله عليه وسلم، بل يُقال: عليّ رضي الله عنه، أو رضوان الله عليه، وشبه ذلك، فلو قال: صلى الله عليه وسلم، فالصحيح الذي عليه جمهور أصحابنا أنه مكروه كراهة تنزيه، وقال بعضهم: هو خلافُ الأولى، ولا يقالُ: مكروهٌ. وقال بعضهم: لا يجوزُ، وظاهرةُ التحريمُ، ولا ينبغي أيضاً في غيرِ الأنبياءِ أن يُقالُ: عليه السلامُ، أو نحو ذلكَ، إلا إذا كان خطاباً أو جواباً، فإن الابتداءَ بالسلام سنةٌ، وردهُ واجبٌ، ثم هذا كلهُ في الصلاةِ والسلام على غير الأنبياء مقصوداً. أما إذا جُعل تبعاً، فإنه جائزٌ بلا خلافٍ، فيقالُ: اللهم صلى على محمدٍ، وعلى آله، وأصحابه، وأزواجه، وذرّيته، وأتباعه؛ لأن السَّلفَ لم يمتنعوا من هذا، بل قد أُمرنا به في التشهد وغيره، بخلاف الصلاة عليه منفرداً، وقد قدَّمْتُ ذكرَ هذا الفصل مبوسطًا في كتاب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم [الأرقام: 651، 656] .

 243- فصل [حكم النية عند إخراج الزكاة]

974- اعلم أن نيّة الزكاة واجبةٌ، ونيّتها تكون بالقلب كغيرها من العبادات، ويستحبّ أن يضمّ إليه التلفظ باللسان كما في غيرها من العبادات، فإن اقتصر على لفظ اللسان دون النيّة بالقلب، ففي صحته خلافٌ؛ الأصحّ أنه لا يصحّ، ولا يجب على دافع الزكاة إذا نوى أن يقول مع ذلك: هذه زكاةٌ، بل يكفيه الدفع إلى مَن كان من أهلها، ولو تلفظ بذلك لم يضرهُ؛ والله أعلم.

 244- فصل [الدعاء عند إخراج الزكاة]

975- يُستحبّ لمن دفع زكاةً أو صدقةً أو نذراً أو كفّارةً ونحوَ ذلك أن يقول: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: 127] ، فقد أخبرَ الله سبحانهُ وتعالى بذلك عن إبراهيم وإسماعيل صلى الله عليهما وسلم، وعن امرأة عمران. وهو قولها: {إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [آل عمران: 35] .

 كتاب أذكار الصّيام:

  بابُ ما يقوله إذا رأى الهلالَ، وما يقولُ إذا رأى القمرَ:

976- روينا في "مسند الدارمي" [2/ 4] ، و"كتاب الترمذي" [رقم: 3451] ، عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنهُ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى الهلال، قال: "اللَّهُمَّ أهلهُ عَلَيْنا باليمنِ وَالإِيمانِ، وَالسَّلامَةِ وَالإِسْلامِ، رَبِّي وربك الله [هلالُ رشدٍ وخيرٍ] ". قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ. 977- وروينا في "مسند الدارمي" [2/ 3، 4] ، عن ابن عمر رضي الله عنهما: قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى الهلال قال: "اللَّهُ أكْبَرُ، اللَّهُمَّ أهلهُ عَلَيْنا بالأمْنِ والإِيْمَانِ، والسَّلامَةِ والإِسلامِ، وَالتَّوْفِيقِ لما يحب ربنا ويرضى، رَبُّنا وَرَبُّكَ اللَّهُ". 978- وروينا في سنن أبي داود [رقم: 5092] ، في كتاب الأدب، عن قتادة، أنه بلغه أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى الهلال قال: "هِلالٌ خَيْرٍ ورشدٍ، هلالُ خيرٍ ورشدٍ، هلالُ خيرٍ ورشدٍ، آمنتُ بالله الَّذي خَلَقَكَ" ثَلاث مراتٍ، ثم يقول: "الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي ذَهَبَ بِشَهْرِ كَذَا، وجَاءَ بِشَهْرِ كَذَا". وفي رواية عن قتادة [رقم: 5093] ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى

الهلال صرف وجهَه عنه، هكذا رواهما أبو دواد مُرسَلَين. وفي بعض نسخ أبي داود، قال أبو داود: ليس في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثٌ مسندٌ صحيحٌ. 979- ورويناهُ في "كتاب ابن السني" [رقم: 647] ، عن أبي سعيدٍ الخدري رضي اللهُ عنهُ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأما رؤيةُ القمرِ فروينا في "كتاب ابن السني" [رقم: 653] ، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: أخذ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بيدي، فإذا القمر حين طلع، فقال: "تَعَوَّذِي بالله مِنْ شَرّ هَذَا الغاسقِ إذَا وَقَبَ". 980- وروينا في "حلية الأولياء" [6/ 269] بإسناد فيه ضعفٌ، عن زيادٍ النميري، عن أنس رضي الله عنهُ، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل رجب قال: "اللَّهُمَّ بارِكْ لَنا في رَجَبَ وَشَعْبَانَ، وَبَلِّغْنا رَمَضَانَ". ورويناه أيضاً في "كتاب ابن السني" [رقم: 664] بزيادة. والله أعلم.

 بابُ الأذكارِ المستحبّة في الصَّوْم:

981- يُستحبُّ أن يجمعَ في نيّة الصوم بين القلب واللسان، كما قلنا في غيره من العبادات، فإن اقتصر على القلب كفاهُ، وإن اقتصرَ على اللسان لم يجزئه بلا خلاف. 982- والسُّنّة إذا شتمَه غيرُه، أو تَسَافَه عليه في حال صومه، أن يقول: إني صائمٌ، إني صائمٌ؛ مرتين أو أكثر. 983- روينا في "صحيحي" البخاري [رقم: 1894] ، ومسلم [رقم: 1151] ؛ عن أبي هريرة رضي الله عنهُ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الصِّيَامُ

جنةٌ، فإذَا صامَ أحَدُكُمْ فَلا يَرْفُثْ، ولا يجهل، وَإِنِ امْرُؤٌ قاتَلَهُ أو شاتَمَهُ، فَلْيَقُلْ: إني صَائِمٌ، إني صَائِمٌ؛ مَرَّتَيْن". قلتُ: قيل: إنه يقول بلسانه، ويُسمع الذي شاتمه، لعلّه ينزجر، وقيل: يقوله بقلبه لينكفّ عن المسافهة، ويحافظ على صيانة صومه، والأوّل أظهر. ومعنى شاتمه: شتمه متعرضاً لمشاتمته؛ والله أعلم. 984- وروينا في كتابي الترمذي [رقم:] 592 وابن ماجه [رقم: 1752] ، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثَلاَثَةٌ لاَ تُرَدُّ دَعْوَتُهُم: الصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ، وَالإِمامُ العادِلُ، وَدَعْوَةُ المَظْلُومِ"، قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ. قلتُ: هكذا الرواية "حتى" بالتاء المثناة فوق. والله أعلم1. __________ 1 قال الحافظ ابن حجر: كأنه يريدُ الإشارة إلى أنها وردت بلفظ "حين" بدل "حتى" وهو كذلك عند الطبراني [راجع "الجامع الصغير" رقم: 3520 وشرحه "فيض القدير". ["الفتوحات الربانية" 4/ 338] .

 بابُ ما يقولُ عندَ الإِفْطَار:

985- روينا في "سنن أبي داود" [رقم: 2357] ، والنسائي في اليوم والليلة، [رقم: 299] ؛ عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أفطر قال: "ذَهَبَ الظَّمأُ، وابْتَلَّتِ العُرُوقُ، وَثَبَتَ الأجْرُ إِنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى". قلت: الظمأ مهموز الآخر مقصور، وهو: العطش. قال الله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ} [التوبة: 120] ، وإنما ذكرت هذا وإن كان ظاهراً، لأني رأيتُ مَن اشتبه عليه، فتوهمه ممدوداً.

986- وروينا في "سنن أبي داود" [رقم: 2358] ، عن معاذ بن زهرةَ، أنهُ بلغهُ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أفطر قال: "اللَّهُمَّ لَكَ صُمْتُ، وَعَلى رِزْقِكَ أفْطَرْتُ" هكذا رواه مرسَلاً. 987- وروينا في "كتاب ابن السني" [رقم: 470] ، عن معاذ بن زهرة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أفطر، قال: "الحمدُ لِلَّهِ الَّذي أعانَنِي فصمتُ، وَرَزَقَنِي فأفطرت". 988- ورويناه في "كتاب ابن السني" [رقم: 481] ، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أفطر قال: "اللَّهُمَّ لَكَ صُمْنا، وَعلى رِزْقِكَ أَفْطَرْنا، فَتَقَبَّلْ مِنَّا، إنَّكَ أنْتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ". 989- وروينا في كتابَيْ ابن ماجه [رقم: 1753] وابن السني [رقم: 482] ، عن عبد الله بن أبي مليكة، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "إنَّ للصَّائِمِ عِنْدَ فِطْرِهِ لَدَعْوَةً ما تُرَدُّ". 990- قال ابن أبي مُليكة: سمعتُ عبد الله بن عمرو إذا أفطرَ يقول: اللَّهُمَّ إني أسألُكَ بِرَحْمَتِكَ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْء أنْ تَغْفِرَ لي.

 بابُ ما يَقُولُ إذا أفطرَ عندَ قوم:

991- روينا في "سنن أبي داود" [رقم: 3854] وغيره، بالإِسناد الصحيح؛ عن أنس رضي الله عنهُ، أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء إلى سعد بن عبادة، فجاء بخير وزبيب1، فأكل، ثم قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "أفْطَرَ عِنْدَكُمُ الصَّائِمُونَ، وأكَلَ طَعَامَكُمُ الأبْرَارُ، وَصَلَّتْ عليكم الملائكة". [وسيرد برقم: 1207] . 992- وروينا في "كتاب ابن السني" [رقم: 483] ، عن أنس رضي الله عنهُ، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أفطر عند قومٍ دعا لهم، فقال: "أفْطَرَ عِنْدَكُمُ الصَّائِمُونَ" إلى آخره. __________ 1 جاءت بعض الروايات: "بخز وزيت" قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "وما أظن الزيت إلا تصحيفًا عن الزبيب". "الفتوحات الربانية" 4/ 343.

  بابُ ما يَدعُو به إذا صَادَفَ ليلةَ القَدْر:

993- روينا بالأسانيد الصحيحة في كتب الترمذي [رقم: 3513] ، والنسائي [رقم: 872] ، في اليوم والليلة وابن ماجه [رقم: 3850] وغيرها، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قلتُ يا رسول اللَّه! إن علمتُ ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال: "قُولي: اللَّهُمَّ إنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ العَفْوَ فاعْفُ عَنِّي". قال الترمذي، حديث حسن صحيح. 994- قال أصحابَنا رحمهم الله: يُستحبّ أن يُكثِر فيها من هذا الدعاء، ويُستحبّ قراءةُ القرآن، وسائر الأذكار والدعوات المستحبة في المواطن الشريفة، وقد سبقَ بيانها مجموعةً ومفرّقةً. 995- قال الشافعي رحمه الله: أستحبّ أن يكون اجتهادُه في يومها كاجتهاده في ليلتها. هذا نصّه. 996- ويستحبّ أن يُكثرَ فيها من الدعوات بمهمات المسلمين، فهذا شعارُ الصالحين، ودأب عباد الله العارفين؛ وبالله التوفيق.

 باب الأَذْكَارِ في الاعْتِكَاف:

997- يُستحبّ أن يُكثر فيه من تلاوة القرآن، وغيرِه من الأذكار.

 كتاب أذكار الحجّ

[أذكارِ الحجّ] : 998- اعلم أن أذكار الحجّ ودعواته كثيرةٌ لا تنحصر، ولكن نُشير إلى المهمّ من مقاصدها. والأذكارُ التي فيها على ضربين: أذكار في سفره، وأذكارٌ في نفس الحجّ. فأما التي في سفره، فنؤخرها لنذكرَها في أذكار الأسفار إن شاء الله تعالى. [الكتاب رقم: 286؛ والأرقام: 1102، 1167] . وأما التي في نفس الحج فنذكرُها على ترتيب عمل الحجّ إن شاء اللهُ تعالى، وأحذفُ الأدلة والأحاديث في أكثرها خوفاً من طولِ الكتابِ، وحصول السآمة على مُطالِعِهِ، فإن هذا البابَ طويلٌ جداً، فلهذا أسلكُ فيه طريق الاختصار، إن شاء الله تعالى. 999- فأول ذلك: إذا أراد الإِحرام اغتسل وتوضأ ولبس إزاره ورداءه، وقد قدمنا ما يقوله المتوضئ [الأرقام: 152، 168] والمغتسل [رقم: 169] ، وما يقولُه إذا لبس الثوب [الأرقام: 112، 117] ، ثم يُصلِّي ركعتين، وتقدمت أذكار الصلاة [الأبواب ذات الأرقام: 60، 113] ، ويُستحبّ أن يقرأ في الركعة الأولى بعد الفاتحة [سورة] {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} وفي الثانية [سورة] {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ، فإذا فَرغَ من الصلاة

استحبّ أن يدعوَ بما شاء، وتقدَّم ذكرُ جُملٍ من الدعواتِ والأذكار خلفَ الصلوات [الأرقام: 400، 427] ، فإذا أراد الإِحرام نواه بقلبه. ويُستحبُّ أن يساعدَ بلسانه قلبهُ، فيقولُ: نويتُ الحجَّ، وأحرمتُ به لله عز وجل، لبّيك اللَّهمَّ لبّيك.... إلى آخر التلبية. والواجب نيّة القلب، واللفظ سنّة، فلو اقتصرَ على القلب أجزأه، ولو اقتصر على اللسان لم يجزئه. 1000- قال الإِمام أبو الفتح سُليم بن أيوب الرازي: لو قال -يعني بعد هذا: اللَّهمّ لك أحرم نفسي وشعري وبشري ولحمي ودمي؛ كان حسناً. 1001- وقال غيره: يقولُ أيضًا: لبيكَ اللَّهمّ لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك، إن الحمد والنعمة لك والمُلْك، لا شريك لك؛ هذه تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم. 1002- ويُستحبّ أن يقولَ في أوّل تلبية يلبّيها: لبّيك اللَّهمّ بحجة، إن كان أحرم بحجة؛ أو لبّيك بعمرةٍ، إن كان أحرم بها؛ ولا يُعيد ذكرَ الحجّ والعمرة فيما يأتي بعد ذلك من التلبية على المذهب الصحيح المختار. 1003- واعلم أن التلبيةَ سنَّة، لو تركها صحّ حجّه وعمرتُه، ولا شيء عليه، لكن فاتته الفضيلةُ العظيمة، والاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا هو الصحيح من مذهبنا ومذهب جماهير العلماء، وقد أوجبها بعضُ أصحابنا، واشترطَها لصحة الحجّ بعضُهم. والصوابُ الأوّل، لكنْ تُستحبّ المحافظة عليها للاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، وللخروج من الخلاف؛ واللَّهُ أعلم. 1004- وإذا أحرمَ عن غيره، قال: نويتُ الحجَّ وأحرمتُ به لله تعالى عن فلان، لبّيك اللَّهمّ عن فلانٍ؛ إلى آخر ما يقوله مَن يحرمُ عن نفسه.

 253- فصل [من أحكام التلبية]

1005- ويُستحبّ أن يصلِّي على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد التلبية، وأن يدعوَ لنفسه ولمن أراد بأمور الآخرة والدنيا، ويسألُ الله تعالى رضوانَه والجنّة، ويستعيذُ به من النار، ويُستحبّ الإكثارُ من التلبية، ويستحبّ ذلك في كلّ حالٍ: قائِماً، وقاعداً، وماشياً، وراكباً، ومضطجعاً، ونازلاً، وسائراً، ومُحْدِثاً، وجنُبًا، وحائضاً، وعند تجدّد الأحوال، وتغايرها زماناً ومكاناً وغير ذلك، كإقبال الليل والنهار، وعند الأسحار، واجتماع الرِّفاق، وعند القيام والقعود، والصعود، والهبوط، والركوب والنزول، وأدبار الصَّلواتِ، وفي المساجد كُلها؛ والأصحُّ أنه لا يُلبّي في حال الطواف والسعي؛ لأن لهما أذكاراً مخصوصة، ويُستحبّ أن يرفعَ صوتَه بالتلبية بحيث لا يشقّ عليه، وليس للمرأة رفع الصوت؛ لأن صوتَها يخافُ الافتتانُ به. ويُستحبّ أن يُكرِّر التلبية كل مرةٍ ثلاث مراتٍ فأكثر، ويأتي بها متوالية لا يقطعها بكلامٍ ولا غيره. وإن سلَّم عليه إنسانٌ ردّ السلام، ويكرهُ السلام عليه في هذه الحالة، وإذا رأى شَيْئاً فأعجبهُ قال: لبّيك إن العيشَ عيشُ الآخرة؛ اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم. 1006- واعلم أن التلبية لا تزالُ مستحبةً حتى يرميَ جمرةَ العقبةِ يومَ النحر، أو يطوفَ طوافَ الإفاضةِ إن قدَّمهُ عليها، فإذا بدأ بواحدٍ منهما قطعَ التلبية مع أول شروعه فيه واشتغلَ بالتكبير. قال الإِمام الشافعي رحمه الله: ويُلبّي المعتمرُ حتى يَستلم الركن.

 254- فصل [ما يقول إذا وصل إلى حرم مكة]

1007- إذا وصل المحرمُ إلى حرم مكة -زاده الله شرفاً- أستحبَّ له أن يقولَ: اللَّهُمَّ هَذَا حرمُك وأمْنُكَ فحرِّمني على النارِ، وأمنِّي مِن عَذَابِكَ يَومَ تَبْعَثُ عِبادَكَ، وَاجْعَلْنِي مِن أولِيائِك وَأهْلِ طَاعَتِكَ؛ ويدعُو بما أحب.

 255- فصل [ما يقولُ إذا وقعَ بصرهُ على الكعبة]

1008- فإذا دخل مكة، ووقع بصرهُ على الكعبة، ووصلَ المسجدَ؛ استحبّ له أن يرفع يديه ويدعو؛ فقد جاء أنه يُستجاب دعاءُ المسلمِ عندَ رؤيته الكعبة1، ويقول: اللَّهُمَّ زِدْ هَذَا البَيْتَ تَشْريفاً وَتَعْظِيماً وَتَكْرِيماً وَمَهَابَةً، وَزِدْ مِن شَرَّفَهُ وكرمه وعظمه مِمَّنْ حَجَّه أو اعْتَمَرَه تَشْرِيفاً وَتَكْرِيماً وَتَعْظِيماً وَبِرّاً. 1009- ويقولُ: اللَّهُمَّ أنْتَ السلامُ، وَمِنْكَ السلامُ، حَيِّنا رَبَّنا بالسَّلامِ؛ ثم يدعو بما شاء من خيراتِ الآخرة والدنيا، ويقولُ عند دُخُولِ المسجدِ ما قدمناهُ في أول الكتاب [الباب رقم: 40] في جميع المساجد. __________ 1 ذكره صاحب "المهذب" من حديث أبي أُمامة، فلم يذكر المصنف في شرحه من خرجه، بل قال: حديثٌ غريبٌ غيرُ ثابت، وهو مخرج من "المعجم الكبير" للطبراني ["مجمع الزوائد" 10/ 155] . ["الفتوحات الربانية" 4/ 359] .

 256- فصل في أذكار الطواف:

1010- يُستحبّ أن يقول عند استلام الحجر الأسود أولاً، وعند ابتداء الطواف أيضًا: "باسم اللَّهِ، واللهُ أكْبَرُ؛ اللَّهُمَّ إيمَاناً بِكَ، وَتَصدِيقاً بِكِتابِكَ، وَوَفاءً بِعَهْدِكَ، وَاتِّباعاً لِسُنَّةِ نَبِيِّكَ صلى الله عليه وسلم". ويُستحبّ أن يكرِّر هذا الذكر عند محاذاة الحجر الأسود في كل طوفةٍ. 1011- ويقولُ في رملهِ في الأشواطِ الثلاثةِ: اللَّهُمَّ اجعلهُ حَجّاً مَبْرُوراً، وذنْباً مَغْفُوراً، وَسَعْياً مَشْكُوراً. 1012- ويقولُ في الأربعة الباقية من أشواطِ الطواف: اللَّهُمَّ اغْفِر وَارْحَمْ وَاعْفُ عَمَّا تَعْلَمْ، إنَّكَ أنْتَ الأعَزُّ الأكْرَم؛ اللَّهُمَّ رَبَّنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عَذَابَ النَّارِ.

1013- قال الشافعي رحمهُ الله: أحبُّ ما يُقال في الطواف: "اللَّهُمَّ رَبَّنا آتِنا في الدُّنْيا حَسَنَةً، ... " إلى آخره. 1014- قال: وأُحِبُّ أن يُقال في كله ويُستحبّ أن يدعوَ فيما بين طوافه طوفاته بما أحبّ من دين ودُنيا، لنفسه ولغيره ولو دعا واحدٌ وأمن على دُعائه جماعةٌ فحسنٌ ["الإيجاز في المناسك" للمؤلف صفحة: 45] . 1015- وحُكي عن الحسن البصري رحمه الله، أن الدعاء يُستجاب هناك في خمسة عشر موضعاً: في الطواف، وعند الملتزم، وتحت الميزاب، وفي البيت، وعند زمزم، وعلى الصفا، والمروة، وفي المسعى، وخلف المقام، وفي عرفات، وفي المزدلفة، وفي منى، وعند الجمرات الثلاث؛ فمحروم مَن لا يَجتهد في الدعاء فيها1 ["الإيجاز في المناسك" للمؤلف صفحة: 76] . 1016- ومذهب الشافعي وجماهيرُ أصحابه أن يُستحبّ قراءةُ القرآن في الطواف؛ لأنه موضعُ ذكرٍ، وأفضلُ الذكرِ قراءةُ القرآن. واختار أبو عبد الله الحليمي من كبار أصحاب الشافعي أنه لا يُستحبّ قراءةُ القرآن فيه؛ لأنه لو كانت القراءةُ أفضل من الذكر لما عدل النبي صلى الله عليه وسلم عنها، ولو فعل لنقل كما نقل الذكر؛ والصحيحُ هو الأول. 1017- قال أصحابنا: وقراءة القرآن في الطواف أفضلُ من الدعوات غير المأثورة، وأما المأثورةُ فهي أفضل من القراءة على __________ 1 للشيخ محمد سعيد بن عثمان بن محمد شطا المكي رحمه الله، إمام المقام الشافعي والخطيب بالمسجد الحرم، أحد علماء القرن الرابع عشر الهجري، رسالة في "مواطن إجابة الدعاء بمكة المكرمة" تسمى: "مجموع الذخائر المكية في أشرف البقاع الحرمية المدخرة في الكعبة المشرفة لإجابة الأدعية المسنونة المختصة فيها كما وردت الأحاديث في فضلها" حققها الدكتور عبد الله نذير أحمد، ونشرتها دار البشائر الإسلامية ببيروت سنة 1419 هـ = 1998م.

الصحيح1، وقيل: القراءة أفضل منها. 1018- قال الشيخ أبو محمدٍ الجويني رحمه الله: يُستحبّ أن يقرأ في أيام الموسم ختمةً في طوافه، فيعظم أجرها؛ واللهُ أعلمُ. 1019- ويُستحبّ إذا فرغَ من الطواف ومن صلاة ركعتي الطواف أن يدعوَ بما أحبّ، ومن الدعاء المنقول فيه2: اللَّهُمَّ أَنَا عبدُك وَابْنُ عبدكَ، أتيتُك بذُنُوب كثيرةٍ، وأعْمالٍ سَيِّئَةٍ، وَهَذَا مَقَامُ العائِذِ بِكَ مِنَ النَّارِ، فاغْفِرْ لي، إنَّكَ أنْتَ الغَفُورُ الرحيم. __________ 1 قال الحافظ ابن حجر: المأثور يشمل المرفوع والموقوف على الصحابة والتابعين. 2 ذكر في شرح المهذب أن صاحب الحاوي قال: روي عن جابر مرفوعًا. قال الحافظ ابن حجر: ولم أظفر بسنده إلى الآن، وقد ذكره إبراهيم ابن إسحاق الحربي ولم يسق سنده. ["الفتوحات الربانية" 4/ 390] .

 257- فصل في الدعاء في الملتزم:

1020- وهو ما بين [باب] الكعبة والحجر الأسود، وقد قدمنا [رقم: 1015] أنه يُستجاب فيه الدعاء. 1021- ومن الدعوات المأثورة1: اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ حَمْداً يُوَافِي نعمك، ويكافئ مَزِيدَكَ، أحْمَدُكَ بِجَمِيعِ مَحَامِدِكَ ما علمتُ مِنْهَا وَمَا لَمْ أَعْلَمْ على جَمِيعِ نِعَمِكَ ما عَلِمْتُ مِنْها وَمَا لَمْ أَعْلَمْ، وَعَلى كُلّ حالٍ؛ اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ على محمدٍ وَعَلى آلِ محمدٍ؛ اللَّهُمَّ أعِذنِي مِنَ الشيطانِ الرَّجِيمِ، وأَعِذْني مِنْ كُلِّ سوءٍ، وقَنِّعْنِّي بِمَا رَزَقْتَنِي، وَبَارِكْ لِي فِيهِ؛ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ أَكْرَمِ وَفْدِكَ عَلَيْكَ، وألْزِمْنِي سَبِيلَ الاسْتِقَامَةِ حتَّى ألْقاكَ يا رب العالمين. ثم يدعو بما أحب. __________ 1 قال الحافظ ابن حجر: لم أقف له على أضل. ["الفتوحات الربانية" 4/ 391] .

258- فصل في الدعاء في الحِجْر: 1022- بكسر الحاء وإسكان الجيم، وهو محسوب من البيت. قد قدمنا [رقم: 1015] أنه يُستجاب الدعاءُ فيه. 1023- ومن الدعاء المأثورة فيه1: يا رَبّ أتَيْتُكَ مِنْ شُقَّةٍ بَعِيدَةٍ مُؤَمِّلاً مَعْرُوفَكَ، فَأنِلْنِي مَعْرُوفاً مِنْ مَعْرُوفِكَ تُغْنِينِي بِهِ عَنْ مَعْرُوفِ مَنْ سِوَاكَ، يا مَعْرُوفاً بالمعروف. __________ 1 قال الحافظ ابن حجر: روينا الأثر المذكور في المنتظم لابن الجوزي، وفي مثير العزم له، بسند ضعيف، عن ملكية بنت المنكدر، أخت محمد بن المنكدر أحد أئمة التابعين. ["الفتوحات الربانية" 4/ 391] .

 259- فصل في الدعاء في البيت:

1024- قد قدّمنا [رقم: 1015] أنه يُستجاب الدعاءُ فيه. 1025- وروينا في "كتاب النسائي" [رقم: 2914] ، عن أسامة بن زيدٍ رضي اللهُ عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخلَ البيتَ أتى ما استقبلَ من دُبر الكعبة، فوضعَ وجهَه وخدّه عليه، وحمِدَ اللَّهَ تَعالى، وأثنى عليه، وسألَه واستغفرَه، ثم انصرفَ إلى كلِّ ركنٍ من أركانِ الكعبةِ، فاستقبلَه بالتكبير والتهليل والتسبيح والثناء على الله عز وجل والمسألة والاستغفار، ثم خرجَ.

 260- فصل في أذكار السعي:

1026- قد تقدم [رقم: 1015] أنه يستجابُ الدعاءُ فيه، والسنةُ أن يُطيل القيام على الصفا، ويستقبل الكعبة، فيُكبّر ويدعو، فيقول: اللَّهُ أكبرُ، اللَّهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، وللهِ الحمدُ، لا إِله إلا الله اللَّهُ أكْبَرُ على ما هَدَانا، والحمدُ لِلَّه على ما أولانا، لا إِلهَ إلا الله وحده لا شَريكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ، وَلَهُ الحَمْدُ،

يُحْيِي ويميتُ، بِيَدِهِ الخيرُ، وَهُوَ على كُلّ شَيْءٍ قديرٌ، لا إِلهَ إِلاَّ الله وحده لا شريك له، أنجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عبدهُ، وهزمَ الأحزابَ وحدهُ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَلا نعبد إلا إياه، مُخلصين له الدين ولو كره الكافرون. ثم يدعو بما أحب من أمر الدين والدنيا، وحسنٌ أن يقول: اللَّهُمَّ إِنَّكَ قُلت: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60] وَإِنَّكَ لا تُخْلِفُ المِيعادَ، وإنِّي أسألُكَ كما هَدَيْتِني لِلإِسْلامِ ألا تنتزعه مِنِّي حتَّى تَتَوَفَّاني وأنَا مسلمٌ. ثم يدعو بخيرات الدنيا والآخرة؛ ويكرّر هذا الذكر والدعاء ثلاثَ مراتٍ، ولا يُلبّي ["الإيجاز في المناسك" للمؤلف، صفحة: 49] . وإذا وصل إلى المروة رَقَى عليها، وقال الأذكار والدعواتِ التي قالها على الصفا. 1027- وروينا عن ابن عمر رضي الله عنهما، أنه كان يقول على الصفا: اللهم اعصمنا بدينك، وطواعيتك، وطواعية رسولِك صلى الله عليه وسلم، وجنبنا حُدُودك؛ اللَّهُمَّ اجْعَلْنا نُحبك، ونُحِبُّ مَلائِكَتَكَ وأنْبِياءَكَ وَرُسُلَكَ، وَنُحِبُّ عِبادَكَ الصَّالِحِينَ؛ اللَّهُمَّ يَسِّرْنا لليُسْرَى، وَجَنِّبْنا العُسْرَى، واغْفِرْ لَنا في الآخِرَةِ والأولى، وَاجْعَلْنا مِنْ أئمَّةِ المُتَّقِينَ. ويقولُ في ذهابه ورجوعه بين الصفا والمروة: رَبّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَتجاوَزْ عَمَّا تَعْلَمُ، إنَّكَ أنْتَ الأعَزُّ الأكْرَمُ، اللَّهُمَّ آتِنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار ["الإيجاز في المناسك"، صحفة، 44] . 1028- ومن الأدعية المختارة في السعي، وفي كل مكان: "اللَّهُمَّ يا مُقلبَ القلوبِ ثَبِّت قَلْبي على دينك". 1029- اللَّهُمَّ إني أسألُكَ مُوجِباتِ رَحْمَتِكَ، وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ،

وَالسَّلامَةَ، مِنْ كُلّ إثْمٍ، وَالغَنِيمَةَ مِنْ كُلّ بِرٍّ، وَالفَوْزَ بالجَنَّةِ، وَالنَّجاةَ من النار" [تقدم برقم: 962 نحوه، وسيأتي برقم 2012] . 1030- "اللَّهُمَّ إني أسألُكَ الهُدَى، والتُّقَى، وَالعَفَافَ، والغنى" [تقدم برقم: 391، وسيأتي برقم: 1977] . 1031- "اللَّهُمَّ أعِنِّي على ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عبادتك" [تقدم برقم: 413، وسيأتي برقم: 1560] . 1032- "اللَّهُمَّ إني أسألُكَ مِنَ الخَيْرِ كُلِّهِ، عاجله وآجله، ما علمتُ منهُ وما لَمْ أعْلَمُ؛ وأعوذُ بِكَ مِنَ الشَّرّ كُلِّهِ ما علمتُ منهُ وَمَا لَمْ أعْلَمْ؛ وأسألُكَ الجَنَّةَ، وَما قرَّب إِلَيْها مِنْ قولٍ أوْ عملٍ، وأعوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ، وَمَا قَرَّبَ إِلَيْها مِنْ قولٍ أو عمل" [وسيأتي برقم: 2011] . 1033- ولو قرأ القرآن كان أفضل [راجع "الإيجاز في المناسك"، [صفحة: 46] . 1034- وينبغي أن يجمع بين هذه الأذكار والدعوات والقرآن، فإن أراد الاقتصار أتى بالمهم.

261- فصل في الأذكار التي يقولها في خروجه 1 من مكة إلى عرفات: 1035- يُستحبّ إذَا خَرَجَ مِنْ مكة متوجهاً إلى مِنىً أن يقول: اللَّهُمَّ إيَّاكَ أرْجُو، وَلَكَ أدْعُو، فَبَلِّغْنِي صَالِحَ أمَلِي، واغْفِرْ لِي ذُنُوبِي، وَامْنُنْ عَليَّ بِما مَنَنْتَ بِهِ على أهْلِ طاعَتِكَ، إنَّكَ على كل شيءٍ قدير2. 1036- وإذا سار من مِنىً إلى عَرَفَةَ استُحِبَّ أن يقول: اللَّهُمَّ إلَيْكَ تَوَجَّهتُ، وَوَجْهَكَ الكَرِيمَ أردتُ، فاجْعَلْ ذَنْبِي مَغْفُوراً، وَحَجِّي مَبْرُوراً، وارْحَمْنِي وَلاَ تُخَيِّبْني، إنَّكَ على كل شيء قدير. 1037- ويُلَبِّي ويقرأ القرآن، ويكثرُ من سائر الأذكار والدعوات، ومن قوله: اللَّهُمَّ آتِنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار. __________ 1 في نسخة: "عند خروجه". 2 قال الحافظ ابن حجر: لم أره مرفوعاً، ووجدتهُ في كتاب "المناسك" للحافظ أبي إسحاق الحربي، لكنه لم ينسبه لغيره. ["الفتوحات الربانية" 4/ 405] .

 262- فصل في الأذكار والدعوات المستحبّات بعرفات:

1038- قد قدَّمنا في أذكار العيد حديث النبي صلى الله عليه وسلم [برقم: 912] : "خَيْرُ الدُّعاءِ دعاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وخيرُ ما قُلْتُ أنا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لا إله إلا الله وحده لا شَريكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ على كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" فيُستحبّ الإِكثارُ من هذا الذكر والدعاء، ويَجتهدُ في ذلك، فهذا اليوم أفضلُ أيام السنة للدعاء، وهو معظمُ الحج ومقصودُه والمعوّل عليه، فينبغي أن يستفرغَ الإنسانُ وسعهُ في الذكر والدعاءِ وفي قراءةِ القرآنِ، وأن يدعوَ بأنواع الأدعية، ويأتي بأنواع الأذكار، ويدعو لنفسه، ويذكر في كلّ مكانٍ، ويدعو مُنفردًا، ومع جماعةِ، ويدعو لنفسه ووالديه وأقاربه ومشايخه وأصحابه وأصدقائه وأحبابه، وسائر مَن أحسن إليه وجميع المسلمين؛ وليحذرْ كلَّ الحذرِ من التقصير في ذلك كله، فإن هذا اليوم لا يمكن تداركه، بخلاف غيره، ولا يتكلَّفُ السجعَ في الدعاء، فإنّه يشغلُ القلبَ، ويُذهبُ الانكسار والخضوعَ والافتقار والمسكنة والذلّة والخشوع، ولا بأس بأن يدعو بدعواتٍ محفوظة معه له أو غيره مسجوعةٍ، إذا لم يشتغل بتكلّف ترتيبها ومراعاة إعرابها. والسُّنّة أن يخفضَ صوتَه بالدعاء، ويُكثر من الاستغفار والتلفّظ بالتوبة من جميع المخالفات مع الاعتقاد بالقلب، ويلحّ في الدعاء ويكرّره؛ ولا يستبطئ الإِجابة، ويفتح دعاءهُ ويختمه بالحمد لله تعالى والثناء عليه

سبحانه وتعالى، والصلاة والتسليم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليختمهُ بذلك، وليحرص على أن يكون مستقبلَ الكعبة وعلى طهارةٍ. 1039- وروينا في "كتاب الترمذي" [رقم: 3520] ، عن علي رضي الله عنهُ، قال: أكثرُ دُعاء النبيّ صلى الله عليه وسلم يوم عَرَفة في الموقف: "اللَّهُمَّ لَكَ الحمدُ كالذي نقولُ1، وخيراً مما نقولُ، اللَّهُمَّ لَكَ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ ومماتي وإليك مآبي وَلَكَ رَبِّ تُرَاثي، اللَّهُمَّ إني أعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَوَسْوَسَةِ الصَّدْرِ، وَشَتاتِ الأمْرِ، اللَّهُمَّ إِني أعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّ ما تجيءُ بهِ الرّيحُ". 1040- ويُستحبّ الإِكثار من التلبية فيما بين ذلك، ومن الصَّلاة والسلامُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن يكثرَ من البكاء مع الذكر والدعاء، فهنالك تُسكبُ العَبَرات، وتستقالُ العثراتُ، وترتجى الطلباتُ، وإنه لموقفٌ عظيم، ومجمعٌ جليلٌ، يجتمعُ فيه خيارُ عِبادِ اللهِ الصالحينَ المخلصينَ، وهو أعظمُ مجامعِ الدنيا. 1041- ومن الأدعية المختارة: اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار. [تقدم برقم: 666] ، [وسيرد برقم: 1360، 1976] . اللَّهُمَّ إنِّي ظلمتُ نَفْسِي ظُلْماً كَثِيراً، وإنَّه لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أنْتَ، فاغْفِرْ لي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْني إنَّكَ أنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ. [تقدم برقم: 388] . اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي مَغْفِرَةً تُصْلِحْ بِها شأني فِي الدَّارَيْنِ، وارحمني رحمة أسعدُ بِهَا في الدَّارَيْنِ؛ وَتُبْ عليَّ تَوْبَةً نصُوحًا لا أنكُثها أبَداً، وألْزِمْنِي سبيل الاسْتِقَامَةِ لا أَزيغُ عَنْها أبَداً2. اللَّهُمَّ انْقُلْنِي مِنْ ذُلِّ المَعْصِيَةِ إلى عِزَّ الطَّاعَةِ، وأغْنِنِي بحَلالِكَ عَنْ حَرَامِكَ، وَبِطاعَتِكَ عَنْ مَعْصِيَتِكَ، وَبِفَضْلِكَ عمن سواك. [راجع رقم: 692] . وَنَوِّرْ قَلْبِي وَقَبْرِي، وأعِذْنِي مِنَ الشَّرَّ كُلِّهِ، واجمع له الخير كلهُ. __________ 1 في نسخة: "تقول". 2 قال الحافظ: لم أقف عليه مُسندًا. ["الفتوحات الربانية" 5/ 8] .

  263- فصل في الأذكار المستحبّة في الإِفاضة من عَرَفَة إلى مزدلقة:

1042- قد تقدم أنه يُستحبّ الإكثارُ من التلبية في كل مواطنٍ، وهذا من آكدها. ويكثرُ من قراءة القرآنِ ومن الدعاء، ويُستحبّ أن يقول: لا إله إلا الله، والله أكبر. ويكررُ ذلك، ويقولُ: إِلَيْكَ اللَّهُمَّ أرْغَبُ، وإيَّاكَ أرْجُو، فَتَقَبَّلْ نسُكي، وَوَفِّقْنِي وارْزُقْنِي فيهِ مِنَ الخَيْرِ أكْثَرَ ما أطْلُبُ، وَلا تُخَيِّبْني، إنَّكَ أنْتَ اللَّهُ الجَوَادُ الكَرِيمُ. 1043- وهذه الليلة هي ليلةٌ العيد، وقد تقدَّمَ في أذكار العيد [الباب رقم: 24] بيان فضل إحيائها بالذكر والصلاة، وقد انضمّ إلى شرف الليلة شرفُ المكان، وكونهُ في الحرمِ والإحرامِ، ومجموع الحجيج، وعقيب هذه العبادة العظيمة، وتلك الدعوات الكريمة في ذلك الموطن الشريف.

 264- فصل في الأذكار المستحبة في المزدلفة والمشعر الحرام:

1044- قال الله تعالى: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ} [البقرة: 198] . فيُستحبّ الإِكثارُ من الدعاء في المزدلفة في ليلته، ومن الأذكار والتلبية وقراءة القرآن فإنها ليلة عظيمة. كما قدَّمناه في الفصل الذي قبل هذا. 1045- ومن الدعاء المذكور فِيهَا: اللَّهُمَّ إني أسألُكَ أنْ تَرْزُقَنِي في

هَذَا المَكانِ جَوامِعَ الخَيْرِ كُلِّهِ، وأنْ تُصْلِحَ شأنِي كُلَّهُ، وأنْ تَصْرِفَ عَنِّي الشَّرَّ كُلَّهُ، فإنَّه لاَ يَفْعَلُ ذلكَ غَيْرُكَ، وَلاَ يجودُ بِهِ إِلاَّ أنْتَ. 1046- وإذا صلَّى الصبحَ في هذا اليوم صلاَّها في أوّل وقتها وبالغَ في تبكيرها ثم يسيرُ إلى المشعر الحرام، وهو جبل صغير في آخر المزدلفة يُسمَّى: قُزَح، بضم القاف وفتح الزاي، فإن أمكنهُ صعودًا صعدهُ، وإلا وقف تحتَه مستقبلَ الكعبة، فيحمدُ الله تعالى، ويُكبِّره ويُهلِّله ويُوحِّده ويُسبِّحه، ويُكثر من التلبية والدعاء. 1047- ويُستحبّ أن يقولَ1: اللَّهُمَّ كما وَقَفْتَنا فِيهِ، وأرَيْتَنا إياهُ، فَوَفِّقْنا لذِكْرِكَ كما هَدَيْتَنا، وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمنَا كما وَعَدْتَنا بِقَوْلِكَ، وَقَوْلُكَ الحَقّ: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 198، 199] ويُكثر من قوله: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 201] . 1048- ويُستحبّ أن يقول: اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْد كُلُّهُ، وَلَكَ الكَمالُ كُلُّهُ، ولك الجَلالُ كُلُّهُ، ولك التقديس كُلُّهُ؛ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي جَميعَ ما أسْلَفْتُهُ، وَاعْصِمْنِي فِيما بَقِيَ، وَارْزُقْني عَمَلاً صَالِحاً تَرْضَى بِهِ عنِّي يا ذَا الفضل العظيم. 1049- اللهمإني أسْتَشْفِعُ إِلَيْكَ بخواصٍّ عِبَادِكَ، وأتَوَسَّلُ بِكَ إِلَيْكَ، أسألُكَ أنْ تَرْزُقَنِي جَوَامِعَ الخَيْرِ كُلِّهِ، وأن تَمُنَّ عَليَّ بِمَا مَنَنْتَ بِهِ عَلى أوْلِيائِكَ، وأنْ تُصْلحَ حالي في الآخِرَةِ وَالدُّنْيا يا أرْحَمَ الرَّاحِمِينَ2. __________ 1 قال الحافظ: لم أره مأثورًا. ["الفتوحات الربانية" 5/ 14] . 2 قال الحافظ: لم أره مأثورًا. ["الفتوحات الربانية" 5/ 17] .

 265- فصل في الأذكار المستحبّة في الدفع من المشعر الحرام إلى منى:

1050- إذا أسفر الفجرُ انصرفَ من المشعر الحرام متوجهاً إلى مِنىً، وشعارهُ التلبيةُ والأذكارُ والدعاءُ والإِكثارُ من ذلك كلّه، وليحرصْ على التلبية، فهذا آخر زمنها، وربما لا يقدرُ له في عمره تلبية بعدها.

266- فصل في الأذكار المستحبة بمِنى يَوْمَ النحر: 1051- إذا انصرفَ من المشعر الحرام، ووصلَ مِنىً يُستحبّ أن يقول: الحمدُ لِلَّهِ الَّذي بَلَّغَنِيها سالِماً مُعافَىً؛ اللَّهُمَّ هَذِهِ مِنَى قَدْ أتيتُها وأنا عبدُك وفي قَبْضَتِكَ، أسألُكَ أنْ تَمُنَّ عَليَّ بِمَا مَنَنْتَ به على أوليائِكَ؛ اللَّهُمَّ إني أعُوذُ بِكَ مِنْ الحِرْمانِ وَالمُصِيبَةِ في دِينِي، يا أرحم الراحمين1. 1052- فإذا شرعَ في رمي جمرة العَقَبة قطعَ التلبية مع أوّل حصاةٍ، واشتغلَ بالتكبير، فيُكبِّر مع كل حصاةٍ، ولا يُسنُّ الوقوف عندها للدعاء، وإذا كان معهُ هَدْي فنحرهُ أو ذبحه، استحبّ أن يقول عند الذبح أو النحر: بِسْمِ اللَّهِ واللَّهُ أكبرُ؛ اللَّهُمَّ صَلِّ على محمدٍ وعلى آلِه وسَلّم؛ اللَّهُمَّ مِنْكَ وَإِلَيْكَ، تَقَبَّلْ مِنِّي؛ أو تَقَبَّلْ مِنْ فلانٍ إن كان يذبحه عن غيره. 1053- وإذا حلَقَ رأسه بعد الذبح، فقد استحبّ بعض علمائنا أن __________ 1 قال الحافظ ابن حجر: لم أره مأثوراً. ["الفتوحات الربانية" 5/ 19] .

يمسك ناصيتهُ بيده حالة الحلق، ويُكبر ثلاثاً، ثم يقول1: الحَمْدُ لله على ما هَدَانا، والحَمْدُ لِلَّهِ على ما أنْعَمَ بِهِ عَلَيْنا؛ اللَّهُمَّ هَذِهِ نَاصِيَتي فَتَقَبَّلْ مِنِّي وَاغْفِرْ لي ذُنُوبي؛ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي وللْمُحَلِّقِينَ والمُقَصِّرِينَ، يا وَاسِعَ المَغْفِرَةِ، آمِين. 1054- وإذا فرغ من الحلق كبَّر وقال2: الحمدُ لِلَّهِ الذي قَضَى عَنَّا نُسكنا؛ اللَّهُمَّ زِدْنا إيمَاناً وَيَقِيناً وَتَوْفِيقاً وَعَوناً، وَاغْفِرْ لَنَا ولآبائِنا وأُمهاتنا وجميع المسملين أجمعين. __________ 1 قال الحافظ: لم أقف عليه مأثورًا. [وآخره، أي: "اغفر للمحلقين والمقصرين" متفق عليه: البخاري، رقم: 1727؛ مسلم، رقم: 1301] ["الفتوحات الربانية" 6/ 24] . 2 قال الحافظ: لم أقف عليه أيضًا. وقد ذكر الشيخ في "شرح المهذب" 8/ 150، عن الماوردي أنه قال: في الحلق أربع سنن، منها أن يكبر عند الفراغ. قال الشيخ: هذا غريب. وهذه العبارة يستعملها فيما لا يجده. ["الفتوحات الربانية" 6/ 24] .

267- فصل في الأذكار المستحبة بمِنىً في أيام التشريق: 1055- روينا في "صحيح مسلم" [رقم: 1141] ، عن نبيشة الخير الهذليِّ الصحابي رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيَّامُ التَّشْرِيقِ أيَّامُ أكْلٍ وَشُرْبٍ وَذْكْرِ اللَّهِ تَعالى" فيُستحبّ الإِكثار من الأذكار، وأفضلُها قراءةُ القرآن. 1056- والسنّة أن يقف في أيام الرمي كل يوم عند الجمرة الأولى إذا رماها، ويستقبل الكعبة، ويحمَد الله تعالى، ويُكبِّر، ويُهلِّلُ، ويُسبِّح، ويدعو مع حضور القلب وخشوع الجوارح، ويَمكثُ كذلك قدرَ قراءة سورة البقرة، ويفعلُ في الجمرة الثانية وهي الوسطى كذلك، ولا يقفُ عند الثالثة، وهي جمرة العقبة.

 268- فصل [الإكثار من الذكر بعد الفراغ من الحج]

1057- وإذا نفرَ من مِنىً فقد انقضى حجُّه، ولم يبقَ ذكرٌ يتعلقُ بالحجّ، لكنهُ مسافرٌ، فيُستحبُ له التكبيرُ والتهليلُ والتحميدُ والتمجيدُ وغير ذلك من الأذكار المستحبة للمُسافرين. وسيأتي بيانُها إن شاء الله تعالى [الأرقام: 1102 - 1167] . 1058- وإذا دخل مكة، وأراد الاعتمار، فعل في عمرته من الأذكار ما يأتي به في الحجّ من الأمور المشتركة بين الحجّ والعمرة، وهي الإحرام والطواف والسعي والذبحُ والحلقُ؛ والله أعلمُ.

 269- فصل فيما يقوله إذا شرب ماء زمزم

1059- رَوينا عن جابر رضي الله عنهُ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَاءُ زمْزَمَ لِما شرب له"، [أخرجه أحمد 3/ 357، وابن ماجه، رقم: 3062] وهذا مما عَمِلَ العلماءُ والأخيارُ به، فشربوهُ لمطالبَ لهم جليلةٍ فنالوها1. 1060- قال العلماء: فيُستحبّ لمن شربَه للمغفرة، أو للشفاء من مرضٍ ونحو ذلك أن يقول عند شربه: اللَّهُمَّ إنَّهُ بَلَغَنِي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ماءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ"، اللَّهُمَّ وإني أشْرَبُهُ لِتَغْفِرَ لي وَلِتَفْعَلَ بي كَذَا وكَذَا، فاغْفِرْ لي، أوِ افْعَلْ. أو: اللَّهُمَّ إني أشربهُ مُسْتَشْفِياً بِهِ فَاشْفِني؛ ونحو هذا؛ والله أعلم. __________ 1 للحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله "جزء فيه الجواب عن حال الحديث المشهور: "ماء زمزم لما شرب له" نشره سائد بكداش ضمن كتابه: "فضل ماء زمزم وذكر تاريخه وأسمائه وخصائصه وبركاته ونية شربه والاستشفاء به وجملة من الأشعار في مدحه" طبعه لدى دار البشائر الإسلامية ببيروت، الطبعة الثالثة، 1416 هجرية.

 270- فصل في أذكار الوداع

1061- وإذا أراد الخروج من مكة إلى وطنه طافَ للوَدَاع، ثم أتى المتلزم فالتزمه، ثم قال1: اللَّهُمَّ، البَيْتُ بَيْتُك، وَالعَبْدُ عَبْدُكَ وَابْنُ أمَتِكَ، حَمَلْتَنِي على ما سَخَّرْتَ لي مِنْ خَلْقِكَ، حتَّى سَيَّرْتَني فِي بِلادِكَ، وَبَلَّغْتَنِي بِنِعْمَتِكَ حتَّى أعَنْتَنِي بِنِعْمَتِكَ حتَّى أعَنْتَنِي على قَضَاءِ مَناسِكِكَ، فإنْ كُنْتَ رَضِيتَ عَنِّي فازْدَدْ عني رِضاً، وَإِلاَّ فَمِنَ الآنَ قَبْلَ أنْ يَنأى عَنْ بَيْتِكَ دَارِي، هَذَا أوَانُ انْصِرَافي، إنْ أذِنْتَ لي غَيْرَ مُسْتَبْدِلٍ بك ولا بيتك، وَلا رَاغِبٍ عَنْكَ وَلا عَنْ بَيْتِكَ، اللَّهُمَّ فأصْحِبْنِي العافِيَةَ في بَدَنِي، وَالعِصْمَةَ في دِينِي، وأحْسِنْ مُنقلبي، وَارْزُقْنِي طاعَتَكَ ما أبْقَيْتَنِي، واجْمَعْ لي خَيْرَي الآخِرةِ والدُّنْيا، إنَّكَ على كُلّ شيءٍ قديرٌ. ويفتتحُ هذا الدعاءَ ويختمه بالثناء على الله سبحانه وتعالى، والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تقدم في غيره من الدعوات. 1062- وإن كانت امرأة حائضاً استحبّ لها أن تقف على باب المسجد، وتدعو بهذا الدعاءِ، ثم تنصرف؛ واللهُ أعلمُ. __________ 1 قال البيهقي ["السنن الكبرى" 5/ 164] : هذا الدعاءُ من كلام الشافعي، وهو حسن. قال الحافظ: وجدته بمعناه من كلام بعض مَن روى عنه الشافعي، وهو عبد الرزاق، وأخرجه الطبراني في "الدعاء" عن إسحاق بن إبراهيم، عنه. ثم وجدته مرويًّا عن بعض مشايخ شيخ الشافعي منقولًا عن من قبله، أخرجه أبو نُعيم الحربي، عن سليمان بن داود، قال: كنتُ عندَ جعفر -يعني: الصادق- فقال لهُ رجلٌ: ماذا كان يُدعى به عند وداع البيت؟ فقال جعفر: لا أدري. فقال عبدُ الله -يعني: الرجل المذكور- كان -يعني: أحدهم- إذا ودع البيت قام بين الباب والحجر ثم قال: اللَّهُمَّ إن هذا عبدُ ... فذكره. ["الفتوحات الربانية" / 29و30] .

 271- فصل في زيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأذكارها

1063- اعلم أنَّه ينبغي لكل من حجّ أن يتوجه إلى زيارة رسول الله صلى الله عليه وسلم، سواء كان ذلك طريقهُ أو لم يكن، فإن زيارته صلى الله عليه وسلم من أهمّ القربات، وأربح المساعي، وأفضل الطلبات، فإذا توجَّه للزيارة أكثرَ من الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم في طريقه. فإذا وقعَ بصرهُ على أشجار المدينة

وحَرَمِهَا وما يَعرفُ بها، زاد من الصلاة والتسليم عليه صلى الله عليه وسلم، وسألَ الله تعالى أن ينفعَه بزيارته صلى الله عليه وسلم، وأن يُسعدَه بها في الدارين. وليقلْ: اللَّهُمَّ افْتَحْ لي أبْوَابَ رَحْمَتِكَ، وَارْزُقْنِي في زيارة قبل نَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم ما رزقْتَهُ أوْلِياءَكَ وأهْلَ طَاعَتِكَ، واغْفِرْ لي وارْحمنِي يا خَيْرَ مسئولٍ. 1064- وإذا أراد دخول المسجدَ استحبّ له أن يقولَ ما يقوله عند دخول باقي المساجد، وقد قدّمناه في أول الكتاب الباب [رقم: 40] فإذا صلّى تحية المسجد أتى القبر الكريم، فاستقبله، واستدبر القبلة على نحو أذرع من جدار القبر، وسلَّم مقتصداً لا يرفع صوته، فيقول: السَّلامُ عَلَيْكَ يَا حَبِيبَ اللَّهِ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَا سَيِّدِ المُرْسَلِينَ، وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ، السَّلامُ عَلَيْكَ وَعلى آلِكَ وأصْحابِكَ وأهْلِ بَيْتِكَ، وَعَلى النَّبيِّينَ وَسائِرِ الصَّالِحِينَ، أشْهَدُ أنَّكَ بَلَّغْتَ الرِّسالَةَ، وأدَّيْتَ الأمانَةَ، وَنَصَحْتَ الأُمَّةَ، فَجَزَاكَ اللَّهُ عَنَّا أفْضَلَ مَا جَزَى رَسُولاً عن أمته. 1065- وإن كان قد أوصاه أحدٌ بالسَّلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: السلامُ عليكَ يا رسولَ الله من فلان بن فلانٍ، ثم يتأخرُ قدر ذراع إلى جهة يمينه، فيُسلِّم على أبي بكر، ثم يتأخرُ ذراعاً آخرَ للسلام على عُمر رضي الله عنهما، ثم يرجعُ إلى موقفه الأوّل قُبالة وجهِ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيتوسلُ به في حقّ نفسه، ويتشفعُ به إلى ربه سبحانه وتعالى، ويدعو لنفسه ولوالديه وأصحابه وأحبابه ومَن أحسنَ إليه وسائر المسلمين، وأن يَجتهدَ في إكثار الدعاء، ويغتنم هذا الموقف الشريف، ويحمد الله سبحانه وتعالى ويُسبِّحه ويكبِّره ويُهلِّله ويُصلِّي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويكبر من كل ذلك، ثم يأتي الروضةَ بين القبر والمنبر، فيُكثر من الدعاء فيها.

1066- فقد رَوَيْنَا في "صحيحي" البخاري [رقم: 1196] ، ومسلم [رقم: 1391] ؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "ما بَيْنَ قبري وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِياضِ الجَنَّةِ" 1. 1067- وإذا أراد الخروج من المدينة والسفرَ استحبّ أن يُودِّع المسجد بركعتين، ويدعو بما أحبّ، ثم يأتي القبر، فيُسلم كما سلَّم أوّلاً، ويُعيد الدعاء، ويُودّع النبيّ صلى الله عليه وسلم ويقول: اللَّهُمَّ لا تَجْعَلْ هَذَا آخِرَ العَهْدِ بِحَرَمِ رَسُولِكَ، وَيَسِّرْ لي العَوْدَ إِلى الحَرَمَيْنِ سَبِيلاً سَهْلَةً بِمَنِّكَ وَفَضْلِكَ، وَارْزقْنِي العَفْوَ والعَافِيةَ في الدين والدنيا والآخِرَةِ، وَرُدَّنا سالِمِينَ غانِمِينَ إلى أوْطانِنا آمِنِينَ. 1068- فهذا آخرُ ما وفّقني الله بجمعه من أذكار الحجّ، وهي وإن كان فيها بعض الطول بالنسبة إلى هذا الكتاب، فهي مختصرة بالنسبة إلى ما نحفظه فيه، والله الكريم نسألُ أن يوفِّقنا لطاعته، وأن يجمعَ بيننا وبين إخواننا في دار كرامته. وقد أوضحت في "كتاب المناسك"2 ما يتعلَّق بهذه الأذكار من التتمّات والفروع الزائدات، والله أعلم بالصواب، وله الحمدُ والنعمةُ، والتوفيق والعصمةُ. __________ 1 قال الحافظ: لم يخرِّجاه لا عن أبي هريرة ولا عن غيره إلا بلفظ: "بيتي" بدل: قبري"، وأخرجه البيهقي بلفظ: "قبري". ["الفتوحات الربانية" 5/ 36، 37] . 2 للإمام النووي رحمه الله ستة كتب في مناسك الحج كما ذكر تلميذُه علاء الدين ابن العطار، يعرف منها: "الإيضاح"، و"الإيجاز" وثالث خاص بالنسوان؛ أما الثلاثة الباقية فلم يعينها باسم من ترجم للنووي رحمه الله، وإن ذكروها. كنت طبعت عام 1998م كتاب "الإيحاز في مناسك الحج والعمرة" وصدر عن الجفان والجابي للطباعة والنشر، ليماسول، قبرص؛ وطبعت دار البشائر الإسلامية ببيروت "الإيضاح في مناسك الحج والعمرة" مع شرح للشيخ عبد الفتاح رواه المكي.

1069- وعن العتبي، قال: كنتُ جالساً عندَ قبر النبيّ صلى الله عليه وسلم، فجاء أعرابيٌّ، فقال: السلام عليك يا رسول الله! سمعتُ الله تعالى يقولُ: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً} [النساء: 64] وقد جئتُك مستغفراً من ذنبي، مُستشفعًا بك إلى ربي؛ ثُم أنشدَ يقُولُ من البسيط: يا خيرَ مَنْ دُفنتْ بالقاع أعظُمُه ... فطابَ من طيبهنَّ القاعُ والأكمُ نفسي الفداءُ لقبرٍ أنتَ ساكنهُ ... فيه العفافُ وفيه الجودُ والكرَمُ1 قال: ثم انصرفَ، فحملتني عيناي، فرأيت النبيَّ صلى الله عليه وسلم في النوم، فقال لي: "يا عُتبي! الحقِ الأعرابيَّ، فبشِّره بأن الله تعالى قد غفر له". والله عز وجل أعلمُ. __________ 1 قال ابن علاّن رحمه الله في "الفتوحات الربانية" 5/ 40: ويوجد في بعض النسخ زيادة بعد البيتين بيت ثالث، وهو كذلك في نسخة العلوي: أنت الشفيع الذي ترجى شفاعته ... عند الصراط إذا ما زَلّت القدم

  كتاب أذكار الجهاد:

272-[أذكار الجهاد] : 1070- أما أذكارُ سفره ورجوعه فسيأتي في كتاب أذكار السفر إن شاء الله تعالى كتاب [رقم: 286] ، وأما ما يختصّ به، فنذكر منه ما حضرَ الآن مختصراً. بابُ استحباب سؤال الشهادة: 1071- روينا في "صحيحي" البخاري [رقم: 2788 و 2789] ، ومسلم [رقم: 1912] ؛ عن أنسٍ رضي اللهُ عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخلَ على أُمّ حرامٍ، فنام، ثم استيقظ وهو يضحك، فقالت: وما يُضحكك يا رسول الله؟ قال: "ناسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَليَّ غُزَاةً في سَبيلِ الله، يَرْكَبُونَ ثَبَجَ هَذَا البَحْرِ، مُلوكًا على الأسِرَّةِ، أوْ مِثْلَ الملُوك"، فقالت: يا رسولَ الله! ادْعُ الله أن يجعلني منهم؛ فدعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم. قُلتُ: "ثبج البحر" بفتح الثاء المثلثة وبعدها باء موحدة مفتوحة أيضاً، ثم جيم، أي: ظهره؛ و"أم حَرَامٍ" بالراء. 1072- وروينا في "سنن أبي داود" [رقم: 2541] ، والترمذي [رقم: 1654] ، والنسائي [رقم: 3141] ، وابن ماجه [رقم: 2792] ؛ عن مُعاذ

رضي الله عنه، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: "من سأل الله تعالى القَتْلَ مِنْ نَفْسِهِ صَادِقاً، ثمَّ ماتَ، أوْ قُتِلَ، فإنَّ له أجر شهيدًا". قال الترمذي: حديث حسن صحيح. 1073- وروينا في "صحيح مسلم" [رقم: 1908] ، عن أنس رضي الله عنهُ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ طَلَبَ الشَّهادَةَ صَادِقاً أُعطيها وَلَوْ لَمْ تُصِبْهُ". 1074- وروينا في "صحيح مسلم" [رقم: 1909] أيضاً، عن سهل بن حُنيف رضي الله عنهُ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ سألَ اللَّهَ تَعالى الشَّهادَة بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ اللَّهُ تَعالى مَنازِلَ الشُّهَدَاءِ، وَإنْ ماتَ على فراشه".

274- باب حثّ الإِمام أمير السرية على تقوى الله تعالى وتعليمه إيّاه ما يحتاج إليه من أمر قتال عدوّه ومصالحتهم وغير ذلك: 1075- روينا في "صحيح مسلم" [رقم: 1731] ، عن بريدة رضي الله عنهُ، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمّرَ أميراً على جيشٍ أو سريةٍ، أوصاهُ في خاصّتِه بتقوى الله تعالى، وَمن معه من المسلمين خيراً، ثم قال: "اغزوا باسْمِ الله في سَبِيلِ اللَّهِ، قاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بالله، اغْزُوا وَلا تَغُلُّوا، ولا تَغْدِرُوا، وَلا تُمَثِّلوا، وَلا تَقْتُلُوا وَلِيداً، وَإذا لقِيتَ عَدُوَّكَ مِنَ المُشْرِكِينَ فادْعُهُمْ إلى ثلاثِ خِصالٍ"، وذكر الحديث بطوله.

  275- باب بيان أن النسة للإِمام وأمير السرية إذا أراد غزوة أن يورّي بغيرها:

1076- روينا في "صحيحي" البخاري [رقم: 4418] ، ومسلم [رقم: 2769] ؛ عن كعب بن مالك رضي الله عنهُ، قال: لم يكن رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يريدُ غزوةً إلاّ وَرَّى بغيرها.

276- بابُ الدعاء لمن يُقاتل أو يعملُ على ما يُعينُ على القتال في وجهه، وذكر ما يُنشطهم ويحرِّضُهم على القتال: قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ} [سورة الأنفال: 65] وقال تعالى: {حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 84] . 1077- وروينا في "صحيحي" البخاري [رقم: 4099] ، ومسلم [رقم: 1805] ؛ عن أنس رضي الله عنهُ، قال: خرجَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى الخندق فإذا المهاجرون والأنصار يحفرون في غداةٍ باردةٍ، فلما رأى ما بهم من النَّصَب والجوع، قال: "اللَّهُمَّ إنَّ العَيْشَ عَيْشُ الآخِرَةِ، فاغْفِرْ للأنصار والمهاجرة".

 277- بابُ الدعاء والتضرّع والتكبير عند القتال واستنجاز الله تعالى ما وعد من نصر المؤمنين:

1078- قال الله عزوجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَراً وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} [الأنفال: 45 - 47] . قال بعضُ العلماء: هذه الآية الكريمة أجمع شيء جاء في آداب القتال. 1079- وروينا في "صحيحي" البخاري [رقم: 3953] ، ومسلم [رقم: 1763] ؛ عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو في

قُبّته: "اللَّهُمَّ إني أنْشُدُكَ عَهْدَكَ وَوَعْدَكَ، اللَّهُمَّ إنْ شِئْتَ لَمْ تُعْبَدْ بَعْدَ اليَوْمِ"، فأخذ أبو بكر رضي الله عنه بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: حَسْبُكَ، يا رسول الله! فقد أَلْحَحْتَ على ربِّك؛ فخرج وهو يقول: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} [القمر: 45، 46] . وفي رواية: "كان ذلك يوم بدر" هذا لفظ رواية البخاري. وأما لفظ مسلم، فقال: استقبل نبيّ الله صلى الله عليه وسلم القبلة، ثم مَدََّ يديه، فجعل يهتفُ بربه عز وجل يقول: "اللَّهُمَّ أنْجِزْ لي ما وَعَدْتَنِي، اللهم آتني ما وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ إنْ تَهْلِكْ هَذِهِ العِصابَةُ مِنْ أهْلِ الإِسْلامِ لا تُعْبَدْ فِي الأرْضِ"، فما زال يهتف بربه مادّاً يديه حتى سقطَ رداؤُه. قلتُ: "يهتفُ" بفتح أوله وكسر ثالثه، ومعناهُ: يرفعُ صوتهُ بالدعاء. 1080- وروينا في صحيحيهما البخاري، [رقم: 2818] ؛ ومسلم [رقم: 1742] ، عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أيامه التي لقي فيها العدو، انتظر حتى مالتِ الشمسُ، ثم قامَ في الناس، فقال: "أيُّها النَّاسُ! لا تَتَمَنَّوْا لقاء العدو، وَسَلُوا اللَّهَ العافِيَةَ، فإذَا لَقيتُموهُم فاصْبِرُوا، واعْلَمُوا أنَّ الجَنَّةَ تَحْتَ ظِلالِ السُّيُوفِ" ثم قال: "اللَّهُمَّ! مُنْزِلَ الكِتَابِ، ومُجْرِيَ السَّحابِ، وَهازِم الأحْزَابِ، اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ". وفي رواية: "اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الكتابِ، سَرِيعَ الحِسابِ، اهْزِمِ الأحْزَابَ؛ اللَّهُمَّ! اهْزِمْهُمْ وَزَلْزِلْهُمْ". 1081- وروينا في صحيحيهما البخاري، [رقم: 371] ؛ ومسلم، [رقم:

1365] ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: صبَّحَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم خيبرَ، فلما رأوْه قالوا: مُحمدٌ والخميسُ؛ فلجؤوا إلى الحصن، فرفعَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يديه فقال: "اللَّهُ أكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إنَّا إذَا نَزَلْنا بِساحَةِ قَوْمٍ فَساءَ صَباحُ المُنْذَرِينَ". 1082- وروينا بالإِسناد الصحيح في "سنن أبي داود" [رقم: 2540] ، عن سهل بن سعد رضي الله عنهُ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثنتان لا تردان -أوْ قَلَّما تُرَدَّانِ: الدعاءُ عِنْدَ النِّدَاءِ، وَعِنْدَ البأْسِ حِينَ يُلْحِمُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً" [تقدم برقم: 225] . قُلتُ: في بعض النسخ المعتمدة يلحم بالحاء، وفي بعضها بالجيم، وكلاهما ظاهر. 1083- وروينا في "سنن أبي داود" [رقم: 2632] ، والترمذي [رقم: 3584] ، والنسائي في الكبرى كما في التحفة، [رقم: 1327] ؛ وفي عمل اليوم والليلة، [رقم: 604] ؛ عن أنس رضي الله عنهُ، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غزا قال: "اللَّهُمَّ أنْتَ عَضُدِي وَنَصيرِي، بِكَ أحُولُ، وَبِكَ أصُولُ، وَبِكَ أُقاتل". قال الترمذي: حديث حسن. قلتُ: معنى "عَضُدِي": عوني. قال الخطابي [3/ 96] : معنى "أحول": أحتالُ. قال: وفيه وجه آخر، وهو أن يكون معناه: المنع والدفع من قولك: حال بين الشيئين: إذا منع أحدهما من الآخر، فمعناهُ: لا أمنعُ ولا أدفعُ إلا بك. 1084- وروينا بالإِسناد الصحيح في "سنن أبي داود" [رقم: 1537] ، والنسائي [في "الكبرى" كما في "التحفة"، رقم: 1928؛ و"عمل اليوم والليلة"، رقم: 601] ؛ عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خاف قوما قال: "اللهم إنا نجعلك في نحورهم، وَنَعُوذُ

بِكَ مِنْ شُرُورِهِمْ". [مر برقم: 677، وسيرد برقم: 1151] . 1085- وروينا في كتاب الترمذي [رقم: 3580] ، عن عمارة بن زَعْكَرَةَ رضي الله عنه، قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنَّ اللَّهَ تَعالى يقولُ: إنَّ عَبْدِي كُلَّ عَبْدِي، الَّذي يَذْكُرُنِي وَهُوَ ملاقٍ قرنهُ" يعني: عند القتال: قال الترمذي: ليس بإسناده بالقويّ. قلتُ: "زَعْكَرة" بفتح الزاي والكاف وإسكان العين المهملة بينهما. 1086- وروينا في "كتاب ابن السني" [رقم: 673] ، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين1: "لا تَتَمَّنَّوْا لِقَاءَ العَدُوّ، فإنَّكُمْ لا تدرون ما تبتلون بِهِ مِنْهُمْ، فإذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَقُولُوا: اللَّهُمَّ أنْتَ رَبُّنا وَرَبُّهُمْ، وَقُلُوبُنا وَقُلُوبُهُمْ بِيَدِكَ، وإنَّمَا يَغْلِبُهُمْ أنْتَ". 1087- وروينا في الحديث الذي [قدمناه برقم: 680] عن كتاب ابن السني [رقم: 336] ، عن أنس2 رضي الله عنه، قال: كنا مع النبيّ صلى الله عليه وسلم غزوةٍ، فلقي العدو، فسمعته يقولُ: "يا مالِكَ يَوْمِ الدّينِ، إيَّاك أعبدُ، وإيَّاكَ أسْتَعِينُ"، فلقد رأيتُ الرجالَ تُصرع، تضربُها الملائكةُ من بين أيدها ومن خلفها. 1088- وَرَوَى الإِمام الشافعي رحمه الله في "الأُم" [1/ 223] بإسناد مُرسل، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "اطلبوا استجابة الدعاء عند التقاء الجيوش، وإقامة الصلاة، ونزول الغيث" [راجع رقم: 230، 957] . قلت: ويستحبّ استحباباً متأكداً أن يقرأ ما تيسر له من القرآن، وأن __________ 1 قال الحافظ: كذا وقع في النسخة يوم حُنين بالمهملة المضمومة والنون، وهو تصحيف قديم، وإنما هو خبير. ["الفتوحات الربانية" 5/ 63] . 2 قال الحافظ: فيه وهم، وذلك أنه من رواية أنس، عن أبي طلحة، عند ابن السني وغيره، فكأن ذكر أبي طلحة سقط من نسخة الشيخ. ["الفتوحات الربانية" 5/ 63] .

يقُول دُعاء الكَرْب الذي قدَّمنا ذكرهُ [برقم: 663 وما بعده] وأنه في "الصحيحين" البخاري، [رقم: 6345؛ ومسلم، رقم: 2730] : "لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إِلهَ إِلاَّ اللَّه رَبّ العَرْشِ العظيم، لا إله إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الأرْضِ، وَرَبُّ العَرْشِ الكَرِيمِ". [وسيرد برقم: 1098] . ويقول ما قدَّمناه [برقم: 678] هناك في الحديث الآخَر: "لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ الحَلِيمُ الكَرِيمُ، سُبْحانَ الله رب السموات السبع ورب العرش العظيم، لا إِلهَ إِلاَّ أنْتَ، عَزَّ جارُكَ وَجَلَّ ثَناؤُكَ". ويقول ما قدمناهُ [برقم: 687] في الحديث الآخر: "حسبي اللَّهُ ونِعمَ الوَكِيلُ". ويقول: لا حَوْلَ وَلا قوةإلا بالله، العزيز الحكيم، [راجع رقم: 90 السابق] ما شَاءَ اللَّهُ، لا قُوَّةَ إِلاَّ بالله، اعْتَصَمْنا بالله، اسْتَعَنَّا بالله، تَوَكَّلْنا على الله. ويقولُ: حَصَّنْتَنا كُلَّنا أجْمَعِينَ بالحَيّ القَيُّومِ الَّذي لا يَمُوتُ أَبَدَاً، وَدَفَعْتَ عَنَّا السوءَ بِلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ باللَّهِ العَليّ العَظيمِ. ويقول: يا قَدِيمَ الإِحْسانِ، يا مَنْ إحْسانُهُ فَوْقَ كُلّ إِحْسان، يا مالِكَ الدُّنْيا والآخِرَةِ، يا حَيّ يا قيومُ، يا ذَا الجَلالِ والإِكْرَامِ، يا مَنْ لا يعجزهُ شيءٌ، وَلا يتعاظمه شيءٌ، انْصُرْنا على أعْدَائنا هَؤُلاءِ وَغَيْرِهِمْ، وأظْهِرْنا عَلَيْهِمْ فِي عافِيَةٍ وسلامةٍ عامةٍ عاجلاً. فكلُّ هذه المذكوراتِ جاء فيها حثٌّ أكيدٌ، وهي مُجربةٌ؛ واللهُ أعلمُ.

 بابُ النّهي عن رفعِ الصَّوْتِ عِندَ القِتال لغير حاجةٍ:

1089- روينا في سنن أبي داود رقم: 2656، عن قيس بن عُبادٍ التابعي رحمه الله، وهو بضم العين وتخفيف الباء؛ قال: كانَ أصحابُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم يَكرهون الصوْتَ عندَ القتال.

بابُ قولِ الرجلِ في حَال القتالِ: أنا فلانٌ! لإِرعابِ عدُوهِ: 1090- رَوَينَا في "صحيحي" البخاري [رقم: 4315] ، ومسلم [رقم: 1776؛ وسيرد برقم: 1093] ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في يوم حنين [من مجزوء الرجز] : "أنا النَّبِي لا كذب، أنا ابنُ عبد المطلب". 1091- روينا في "صحيحيهما" البخاري، [رقم: 4196؛ ومسلم، رقم: 1802] ، عن سلمة بن الأكوع، أن عليّاً رضيَ اللهُ عنهما لما بارز مرحباً الخيبري، قال عليّ رضي الله عنهُ [من مشطور الرجز] : أنا الذي سَمَّتْنِ أُمِّي حَيْدَرَه 1092- وروينا في "صحيحيهما" [البخاري، رقم: 3041؛ ومسلم، رقم: 1806] ، عن سلمة أيضاً، أنه قال في حال قتاله الذي أغاروا على اللقاح [من مجزوء الرجز] : إني أنا ابنُ الأكوع ... واليومُ يومُ الرُّضَّع

 بابُ استحبابِ الرَّجَزِ حالَ المبارزة:

فيه الأحاديث المتقدمةُ في الباب الذي قبل هذا. 1093- وَرُوِّينا في صحيحي البخاري، [رقم: 4317] ، ومسلمٍ [رقم: 1776] ؛ عن البراء بن عازب رضي الله عنهما، أنه قال له رجلٌ: أفررتم يوم حُنين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال البراء: لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفرّ، لقد رأيته وهو على بغلته البيضاء، وإن أبا سفيان بن الحارث آخذ بلجامها، والنبيّ صلى الله عليه وسلم يقول مَنْ مجزوء الرجز: "أنا النَّبِي لا كذب، أنا ابن عَبْد المُطَّلِبْ". وفي رواية: فنزلَ ودعا واستنصر. [مر برقم: 1090] . 1094- وَرُوِّينا في "صحيحيهما" [البخاري، رقم: 1406؛ ومسلم، رقم: 1803] ، عن البراء أيضاً، قال: رأيتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم ينقلُ معنا التراب يومَ الأحزاب، وقد وارى الترابُ بياضَ بطنه، وهو يقول [من الرجز] : "اللَّهُمَّ لَوْلا أنْتَ ما اهْتَدَيْنا، وَلا تَصَدََّقْنا وَلا صَلَّيْنا، فأنزلن سَكِينَةً عَلَيْنا، وَثَبِّتِ الأقْدَام إنْ لاقَيْنا، إنَّ الأُلى قَدْ بَغَوْا عَلَيْنا، إذَا أرَادُوا فِتْنَةً أبَيْنا". 1095- وَرَوَينا في "صحيح البخاري" [رقم: 4100] ، عن أنس رضي الله عنه، قال: جعل المهاجرون والأنصار يحفرون الخندق، وينقلون التراب على مُتُونهم -أي: ظهورهم- وهم يقولون من الرجز: نَحْنُ الَّذِينَ بايَعُوا مُحَمَّداً ... على الإِسْلام ما بَقِينا أبَداً وفي رواية [رقم: 4099] : [نَحْنُ الَّذِينَ بايَعُوا مُحمدًا] ... على الجِهادِ ما بَقِينا أبَداً والنبيّ صلى الله عليه وسلم يجيبهم: "اللَّهُمَّ إنَّهُ لا خَيْرَ إِلاَّ خَيْرُ الآخِرَةِ، فَبارِكْ في الأنْصَارِ والمهاجرة". __________ 1 في نسخة: "في حال".

 باب استحباب إظهار الصَّبرِ والقوّة لمن جُرِحَ، واستبشاره بما حصل له من الجرح في سبيل الله، وبما يصير إليه من الشهادة، وإظهار السرور بذلك، وأنَّه لا ضير علينا في ذلك، بل هذا هو مطلوبُنا، وهو نهايةُ أملِنا، وغايةُ سؤلِنا:

قال الله تعالى: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ، فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ، يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ، الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ، الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [آل عمران: 169 - 174] . 1096- وروينا في صحيحي البخاري [رقم: 4092] ، ومسلم [رقم: 677] ؛ عن أنس رضي الله عنه، في حديث القرّاء -أهل بئر مَعُونة- الذين غدرتِ الكفّارُ بهم، فقتلوهم: أن رجلاً من الكفار طعنَ خالَ أنس، وهو حرامُ بن مِلحان، فأنفذه، فقال حَرام: الله أكبر، فُزْتُ وربّ الكعبة. وسقط. وفي رواية مسلم": "الله أكبرُ". قلتُ: "حَرَام" بفتح الحاء والراء.

 بابُ ما يقولُ إذا ظَهَر المسلمون وغلبُوا عدوَّهم:

1097- ينبغي أن يُكثرَ عند ذلك من شكر الله تعالى، والثناء عليه، والاعتراف بأن ذلك من فضله لا بحولنا وقوتنا، وأن النصرَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تعالى، وليحذروا من الإِعجاب بالكثرة، فإِنه يخافُ منها التعجيزُ، كما قال الله تعالى: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} [التوبة: 25] .

باب ما يقول إذا رأى هزيمةً في المسلمين والعياذُ بالله الكريم: 1098- يُستحبّ إذا رأى ذلك أن يفزعَ إلى ذكر الله تعالى، واستغفاره ودعائه، واستنجاز1 ما وعدَ المؤمنين من نصرهم، وإظهار دينه، وأن يدعوَ بدعاء الكرْب المتقدم [رقم: 663] : "لا إله إلا الله العظيم الحليمُ، لا إِلهَ إِلاَّ اللَّه رَبّ العَرْشِ العظيم، لا إله إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ السموات ورب الأرض رب العرش الكريم". [مر برقم: 678 و1088] . 1099- ويُستحبّ أن يدعوَ بغيره من الدعوات المذكورة المتقدمة، والتي ستأتي في مواطن الخوف والهلكة. وقد قدّمنا في باب الرجز [رقم: 280] الذي قبل هذا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى هزيمة المسلمين، نزل واستنصر ودعا، وكان عاقبة ذلك النصر: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] . 1100- وَرَوَينا في "صحيح البخاري" [رقم: 4048] ، عن أنس رضي الله عنهُ، قال: لما كان يومُ أحدٍ، وانكشف المسلمون، قال عمِّي أنس بن النضر: اللَّهُمّ إني أعتذرُ إليكَ مما صَنَعَ هؤلاء -يعني: أصحابهُ- وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء -يعني: المشركين- ثم تقدََّم، فقاتلَ حتى استُشهد، فوجدنَا به بضعاً وثمانينَ ضربةً بالسيف، أو طعنةً برمح، أو رمية بسهم. __________ 1 في نسخة: "واستنجازه".

 بابُ ثناءِ الإِمام على من ظَهَرَتْ منه براعةٌ في القتال:

1101- روينا في صحيحي البخاري [رقم: 3041 و4194] ، ومسلمٍ [رقم: 1806] ؛ عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنهُ، في حديثه الطويل في قصة إغارة الكفار على سرح المدينة، وأخذهم اللقاح، وذهاب سلمة وأبي قتادة في أثرهم، فذكرَ الحديثَ إلى أن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: $"كانَ خَيْرَ فُرْسانِنا اليَوْمَ أبُو قَتادَةَ، وَخَيْرَ رجالتنا سلمة".

بابُ ما يقولُه إذا رجع مِن الغَزْو: فيه أحاديثُ ستأتي إن شاء الله تعالى في: كتابِ أذْكَارِ المُسَافر [رقم: 286] ؛ وبالله التوفيق.

 كتاب أذكار المسافر:

286-[أذكار المسافر] : 1102- اعلم أن الأذكار التي تُستحبُّ للحاضر في الليل والنهار، واختلاف الأحوال وغير ذلك مما تقدم تُستحبّ للمسافر أيضاً، ويَزيدُ المسافرُ بأذكارٍ، فهي المقصودةُ بهذا الباب، وهي كثيرةٌ منتشرةٌ جداً، وأنا اختصرُ مقاصدها إن شاء الله تعالى، وأبوبُ لها أبواباً تناسبها، مستعينًا بالله تعالى، متوكلاً عليه.

 بابُ الاستخارة والاستشارة:

1103- اعلم أنه يُستحب لمن خطرَ بباله السفرُ أن يُشاورَ فيه مَن يعلمُ من حاله النصيحة، والشفقة، والخبرة، ويثقُ بدينه ومعرفته، قال الله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران: 159] . ودلائلُه كثيرةٌ، وإذا شاورَ، وظهرَ أنه مصلحةٌ، استخارَ الله سبحانه وتعالى في ذلك، فصلَّى ركعتين من غير الفريضة، ودعا بدُعاء الاستخارة الذي قدمناه [برقم: 658] في بابه، ودليلُ الاستخارة الحديثُ المتقدِّم عن "صحيح البخاري" [رقم: 6382] ، وقد قدَّمنا هناك آداب هذا الدعاء، وصفة هذه الصلاة؛ والله أعلمُ.

 بابُ أذكارِه بعدَ استقرارِ عزمِه على السَّفر:

1104- فإذا استقرَّ عزمُه على السفر، فليجتهدْ في تحصيل أمور، منها: أن يوصي بما يحتاجُ إلى الوصية به، وليُشهدْ على وصيته، ويستحلّ كلَّ من بينه وبينه معاملة في شيء أو مصاحبة، ويسترضي والديه وشيوخه، ومن يُندب إلى برّه واستعطافه، ويتوبُ إلى الله تعالى، ويستغفره من جميع الذنوب والمخالفات، وليطلبْ من الله تعالى المعونةَ على سفره، وليجتهدْ على تعلّم ما يحتاج إليه في سفره. 1105- فإن كان غازياً تَعَلَّمَ ما يَحتاج إليه الغازي من أمور القتال والدعوات وأمور الغنائم، وتعظيم تحريم الهزيمة في القتال، وغير ذلك. 1106- وإن كان حاجّاً أو معتمراً تعلَّمَ مناسكَ الحجّ، أو استصحبَ معه كتاباً بذلك، ولو تعلَّمها واستصحبَ كتاباً كان أفضل، وكذلك الغازي وغيره، ويُستحبّ أن يستصحبَ كتاباً فيه ما يحتاج إليه. 1107- وإن كان تاجراً تعلَّم ما يحتاج إليه من أمور البيوع: ما يصحّ منها، وما يَبطل، وما يحلّ وما يَحرم، وما يستحب، وما يكره، وما يباح، وما يَرجحُ على غيره. 1108- وإن كان متعبِّداً سائحاً معتزلاً للناس، تعلَّم ما يحتاج إليه في أمور دينه، فهذا أهمّ ما ينبغي له أن يطلبه. 1109- وإن كان ممّن يتصيد تعلَّم ما يحتاج إليه أهلُ الصيد، وما يحلّ من الحيوان وما يَحرمُ، وما يحلُّ به الصيد وما يَحرم، وما يشترط ذكاتُه، وما يكفي فيه قتل الكلب أو السهم، وغير ذلك. 1110- وإن كان راعياً تعلَّم ما يحتاجُ إليه مما قدَّمناه في حقّ غيره ممّن يعتزل الناس، وتعلَّم ما يحتاج إليه من الرفقِ بالدّوابّ، وطلب النصيحة لها ولأهلها، والاعتناء بحفظها والتيقّظِ لذلك، واستأذنَ أهلَها في ذبح ما

يحتاجُ إلى ذبحه في بعض الأوقات لعارضٍ، وغير ذلك. 1111- وإن كان رسولاً من سلطانٍ إلى سلطانٍ، أو نحوهُ، اهتمَّ بتعلّم ما يحتاج إليه من آداب مخاطبات الكبار، وجوابات ما يَعرض في المحاولات، وما يحلُّ له من الضيافات والهدايا، وما لا يَحلّ، وما يَجب عليه من مراعاة النصيحة وإظهار ما يُبطنه، وعدم الغشّ والخِداع والنفاق والحذر من التسبّب إلى مقدمات الغدر، أو غيره مما يحرم، وغير ذلك. 1112- وإن كن وكيلاً أو عاملاً في قراضٍ أو نحوه تعلَّم ما يَحتاج إليه مما يجوزُ أن يشتريه وما لا يجوز، وما يَجوز أن يبيعَ به وما لا يجوز، وما يجوز التصرّف فيه وما لا يجوزُ، وما يُشترط الإشهادُ فيه وما يجبُ، وما لا يشترط فيه ولا يجب، وما يجوز له من الأسفار وما لا يجوز. 1113- وعلى جميع المذكورين أن يتعلَّم مَن أراد منهم ركوبَ البحر الحالَ التي يجوزُ فيها ركوبُ البحر، والحال التي لا يجوز. 1114- وهذا كلُّه مذكورٌ في كتب الفقه لا يليقُ بهذا الكتاب استقصاؤه، وإنما غرضي هنا بيانُ الأذكار خاصة، وهذا التعلّم المذكور من جملةِ الأذكار كما قدَّمْته في أول هذا الكتاب [راجع مثلاً رقم: 36] ، وأسألُ الله التوفيقَ، وخاتمة الخير، لي ولأحبابي والمسلمين أجمعين.

 بابُ أذكارِه عندَ إرادتِه الخروجَ من بيتِه:

1115- يُستحبّ له عند إرادتِه الخروجَ أن يصلِّي ركعتين لحديث الْمُقَطَّم بن المقدام الصحابي رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما خَلَّفَ أحَدٌ عِنْدَ أَهْلِهِ أفْضَلَ من ركعتين يَرْكَعُهُما عنْدَهُمْ حينَ يريدُ سَفَراً". رواه الطبراني1 ["كنز العمال"، رقم:1753] . 1116- قال بعض أصحابنا: يُستحبّ أن يقرأ في الأولى منهما بعد الفاتحة [سورة] {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ، وفي الثانية [سورة] {قُلْ هُوَ اللَّهُ __________ 1 قال الحافظ في "الأمالي": في هذا الموضع مؤاخذات: أحدها: قوله: "المقطم" هكذا بخط المصنف بعد الميم قاف ثم طاء مهملة، وهو سهوٌ نشأ عن تصحيف، وإنما هو "المُطْعِم" بسكون الطاء وكسر العين المهملتين. ثانيها: قوله: "الصحابي" وإنما هو الصنعاني، بنون ساكنة بعد الصاد، ثم عين مهملة وبعد الألف نون، نسبة إلى صنعاء دمشق، وقيل: صنعاء اليمن. كان منها ثم تحوّل إلى الشام، وكان في عصر التابعين، ولم يثبت له سماعٌ من صحابي، بل أرسل عن بعضهم، وجلّ روايته عن التابعين؛ كمجاهد والحسن. وقد جمع الطبراني الموصولة في ترجمته في مسند الشاميين، وقال في أكثرها: المطعم بن المقدام الصنعاني كما ضبطته. ثالثها: قوله: رواه الطبراني؛ يتبادر منه مع قوله "الصحابي" أن المراد "المعجم الكبير" الذي هو مسند الصحابة، وليس هذا الحديث فيه؛ بل هو في كتاب "المناسك" للطبراني. وأخرجه ابن عساكر في ترجمة المطعم بن المقدام الصنعاني من تاريخه الكبير، فذكر حاله ومشايخه والرواة عنه، وتاريخ وفاته، ومن وثقه، وأثنى عليه، وأسند جملة من أحاديثه، منها هذا الحديث بعينه، وسنده معضل أو مرسل إن ثبت له سماعٌ عن صحابي. وقد نبه على ما ذكرنا من التصحيف وعلق المحدث الواعظ زين الدين القرشي الدمشقي فيما قرأتهُ بخطه في هامش "تخريج أحاديث الإحياء" لشيخنا العراقي، وأقره على ذلك. وبلغني عن الحافظ زين الدين ابن رجب البغدادي نزيل دمشق أنه نبه على ذلك أيضًا. وقال الحافظ في "الإصابة" [3/ 529، 530] : المقطم بن المقدام ... هكذا أورده الشيخ محيي الدين النووي في كتاب: "الأذكار" له، ووقفت على ذلك في عدة نسخ، حتى في النسخة التي بخطه مضبوطًا بضم الميم وفتح القاف وتشديد الطاء المهملة، وقد تعقبه الحافظ زين الدين ابن رجب الحنبلي، فقرأت بخطه ما نصه: هكذا قرأت بخط النووي، وقد وقع له فيه تصحيف عجيب؛ لأن الذي في "المناسك" للطبراني، عن المطعم بن المقدام الصنعاني، فجعل المطعم المقطم، والصنعاني الصحابي. والمطعم بن المقدام من أتباع التابعين. روى عن مجاهد، وسعيد بن جبير، ونحوهما، مشهور، أرسل هذا الحديث، فهو معضل، فقد رواه أبو بكر ابن أبي شيبة في "مصنفه" عن عيسى بن يونس، عن الأوزاعي، عن المطعم بن المقدام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكره. ومن هذا الوجه أخرجه الطبراني. والأمر كما قال ابن رجب

أَحَدٌ} . وقال بعضهم: يَقرأ في الأولى بعد الفاتحة [سورة] {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} وفي الثانية [سورة] {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} فإذَا سلَّم قَرأ آيَة الكُرْسِيِّ1 [البقرة: 255] فقد جاء أن مَنْ قَرأ آيَة الكرسي قبلَ خروجهِ من منزلِه لم يصبْه شيءٌ يكرهُه حتى يرجع2. 1117- ويُستحبّ أن يقرأ سورة {لِإِيلافِ قُرَيْشٍ} ، فقد قال الإِمام السيد الجليل أبو الحسن علي بن عمر الحزبي القزويني، الفقيه الشافعي، صاحب الكرامات الظاهرة، والأحوال الباهرة، والمعارف المتظاهرة: إنها أمانٌ من كل سوء. 1118- قال أبو طاهر أبن جحشويه: أردتُ سفراً، وكنتُ خائفاً منه، فدخلتُ إلى القزويني أسألُه الدعاءَ، فقال لي ابتداءً من قِبَل نفسه: مَن أرادَ سفراً ففزِعَ من عدوّ أو وحش، فليقرأ: {لِإِيلافِ قُرَيْشٍ} فإنها أمانٌ من كلّ سوء، فقرأتُها، فلم يعرض لي عارضٌ حتى الآن. 1119- ويستحبّ إذا فرغ من هذه القراءة أن يدعو بإِخلاص ورقّة. ومن أحسن ما يقولُ: اللَّهُمَّ بِكَ أسْتَعِينُ، وَعَلَيْكَ أتَوَكَّلُ؛ اللَّهُمَّ ذَلِّلْ لي صعُوبَةَ أمْرِي، وَسَهِّلْ عَليَّ مَشَقَّةَ سَفَرِي، وَارْزُقْنِي مِنَ الخَيْرِ أكْثَرَ مِمَّا أطْلُبُ، وَاصْرِفْ عَنِّي كُلَّ شَرٍّ؛ رَبّ اشْرَحْ لي صَدْرِي، وَيَسِّرْ لِي أمْرِي؛ اللَّهُمَّ إني أسْتَحْفِظُكَ وأسْتَوْدِعُكَ نَفْسِي وَدِينِي وأهْلِي وأقارِبي وكُلَّ ما أنْعَمْتَ __________ 1 قال الحافظ: روى الحاكم في "تاريخ نيسابور" عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما استخلف عبد في أهله من خليفة أحب إلى الله من أربع ركعات يصليهن في بيته إذا شد عليه ثياب سفره، يقرأ في كل واحدة بفاتحة الكتاب وقل هو الله أحد ... " الحديث. قال: وكأن الشيخ ما وقف على هذا الحديث، فقاسه على ركعتي الفجر. 2 قال الحافظ: لم أجده بهذا اللفظ.

عَلَيَّ وَعَليْهِمْ بِهِ مِنْ آخِرَةٍ وَدُنْيا، فاحْفَظْنَا أجمعَينَ مِنْ كُلّ سوءٍ يا كَرِيمُ. 1120- ويفتتح دعاءهُ ويختمهُ بالتحميدِ للهِ تعالى، والصَّلاة والسلامُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم. 1121- وإذا نهضَ من جلوسه فليقلْ ما رويناه [في كتاب ابن السني، رقم: 496] ، عن أنس رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرد سفراً إلا قال حين ينهض من جلوسه: "اللَّهُمَّ إِلَيْكَ تَوَجَّهْتُ، وَبِكَ اعْتَصَمْتُ؛ اللَّهُمَّ اكفني ما أهمني وَمَا لا أَهْتَمُّ لَهُ؛ اللَّهُمَّ زَوِّدْنِي التَّقْوَى، وَاغْفِرْ لي ذَنْبِي وَوَجِّهْنِي لِلْخَيْرِ أينما توجهت"؛ والله أعلم.

 بابُ أذْكَارِه إذا خَرَجَ:

1122- قد تقدَّمَ في أول الكتاب ما يقولُه الخارجُ من بيته [الباب رقم: 25] ، وهو مُستحبٌّ للمسافر، ويُستحبُّ له الإِكثار منه، ويُستحبّ أن يودّع أهله وأقاربَه وأصحابَه وجيرانه، ويسألهم الدعاء لهُ، ويدعو هو لَهُمْ. 1123- وروينا في "مسند الإِمام أحمد بن حنبل" [2/ 87] وغيره، عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله، أنه قال: "إنَّ الله تَعالى إذا اسْتُودِعَ شَيْئاً حَفِظَهُ". 1124- وَرَوَينا في كتاب ابن السني [رقم: 506] وغيره، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "مَنْ أَرَادَ أنْ يُسافر فَلْيَقُلْ لِمَنْ يُخلف: أسْتَوْدِعُكُمُ اللَّهَ الَّذي لا تَضِيعُ وَدَائِعُهُ". 1125- وروينا عن أبي هريرة رضي الله عنه أيضاً، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "إذا أرَاد أحَدُكُم سَفَراً فَلْيُوَدّعْ إخْوَانَهُ، فإنَّ اللَّهَ تَعالى جاعِلٌ فِي دعائهم خيرًا"، ["المعجم الأوسط" للطبراني، رقم: 2863] .

1126- والسنَّة أن يقول له مَن يودّعه ما رَوَينَاه في "سنن أبي داود" [رقم: 2600] ، عن قزعة، قال: قال لي ابن عمر رضي الله عنهما: تعال أودعك كماودعني رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أسْتَوْدِعُ اللَّهَ دِينَكَ، وأمانَتَكَ، وَخَوَاتِيمَ عَمَلِكَ". [وسيرد برقم: 1128] . قال الإِمام الخطابي [3/ 76] : الأمانة ها هنا: أهله ومن يخلفه، ومالُه الذي يودعه ويستحفظه عند أمينه. قال: وذكر الدِّين هنا؛ لأن السفر مَظِنة المشقة، فربما كان سبباً لإِهمال بعض أمور الدين. قلتُ: قزعة بفتح القاف وبفتح الزاي وإسكانها. 1127- وَرَوَينَاه في كتاب الترمذي [رقم: 3442] أيضاً، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم إذا ودَّع رجلاً أخذ بيده، فلا يدعها حتى يكون الرجل هو الذي يدع يدُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقولُ: "أستودعُ اللَّهَ دِينَكَ وأمانَتَكَ وآخِرَ عَمَلِكَ". 1128- ورويناهُ أيضاً في كتاب الترمذي [رقم: 3443] ، عن سالم، أن ابن عمر كان يقولُ للرجل إذا أراد سفراً: ادْنُ مني حتى أُودّعك كما كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يودّعنا، فيقول: "أسْتَوْدِعُ اللَّهَ دِينَكَ وأمانَتَكَ وَخَوَاتِيمَ عَمَلِكَ". قال الترمذي: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. [ورد برقم: 1126] . 1129- وروينا في "سنن أبي داود" [رقم: 2601] وغيره، بالإِسناد الصحيح، عن عبد الله بن يزيد الخَطْمِيّ الصحابي رضي الله عنه، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يودّع الجيش قال: "أسْتَوْدِعُ اللَّهَ دِينَكُمْ وأمانَتَكُمْ وَخَوَاتِيمَ أعْمالِكُمْ". 1130- وَرَوَينا في كتاب الترمذي [رقم: 3444] ، عن أنسٍ رضي الله عنه، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! إني أريدُ سفراً، فزوّدني؛ فقال: "زَوّدَكَ اللَّهُ التَّقْوَى"، قال: زِدني، قال: "وَغَفَرَ ذَنْبَكَ"، قال: زدني، قال: "وَيَسَّرَ لَكَ الخَيْرَ حَيْثُما كُنت". قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ.

 بابُ اسْتحبابِ طَلبهِ الوصيّةَ من أهلِ الخير:

1131- وَرَوَينا في "كتاب الترمذي" [رقم: 3445] ، وابن ماجه [رقم: 2771] ؛ عن أبي هريرة رضي الله عنهُ، أن رجلا قال: يا رسول الله! إني أريدُ أنْ أسافرَ فأوصني، قال: "عليك بتقوى الله تَعالى، وَالتَّكْبِيرِ على كُلّ شَرَفٍ" فلما وَلَّى الرجلُ قال: "اللَّهُمَّ اطْوِ لَهُ البَعِيدَ، وهَوِّنْ عَلَيْهِ السَّفَرَ". قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ. [سيرد برقم: 1143] .

 بابُ استحباب وصيةِ المقيمِ المسافرَ بالدعاء له في مواطن الخير ولو كان المقيم أفضل من المسافر:

1132- روينا في "سنن أبي داود" [رقم: 1498] ، والترمذي [رقم: 3562] وغيرهما؛ عن عمرَ بن الخطاب رضي الله عنهُ، قال: استأذنتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم في العمرة، فأذِنَ لي، وقال: "لا تَنْسَنا يا أُخَيَّ مِن دُعائِكَ"، فقال: كلمة ما يسرُّني أنَّ لي بها الدنيا. وفي رواية: قال: "أشْرِكْنا يا أخِي في دُعائِكَ"، قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ [وسيرد برقم: 2037] .

 بابُ ما يقولهُ إذا ركبَ دابّتَه:

قال الله تعالى: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ، لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ، وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ} [الزخرف: 12 - 14] . 1133- وروينا في كُتُب أبي داود [رقم: 2602] ، والترمذي [رقم: 3446] ، والنسائي في ["عمل اليوم والليلة"، رقم: 502] ؛ بالأسانيد الصحيحة، عن عليّ بن ربيعة، قال: شهدتُ عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه أُتي بدابّة1 ليركَبها، فلما وضعََ رجلهُ في الرِّكاب، قالَ: "بِسْمِ الله"، فلما استوى على ظهرها، قال: الحمدُ لِلَّهِ الَّذي سَخَّرَ لَنا هَذَا وما كنا له مقرنين، وإنا إلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ ثم قال: الحمدُ لِلَّهِ، ثلاثَ مرّاتٍ ثم قال: اللَّهُ أكْبَرُ، ثلاثَ مرّاتٍ، ثم قال: سُبْحانَك إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فاغْفِرْ لي، إنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أنْتَ ثم ضَحِكَ، فقيل: يا أميرَ المؤمنين! من أيّ شيءٍ ضحكت؟ قال: رأيتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم فعلَ مثلَ ما فعلتُ، ثم ضَحِكَ فقلتُ: يا رسولَ الله! من أيّ شيء ضحكت؟ قال: "إنَّ رَبَّكَ سُبْحَانَهُ وتعالى يعحب مِنْ عَبْدِهِ إذَا قالَ: اغْفِرْ لي ذُنُوبي، يَعْلَمُ أنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ غَيْرِي"، هذا لفظ رواية أبي داود. قال الترمذي: حديث حسنٌ، وفي بعض النسخ: حسن صحيح. 1134- وروينا في "صحيح مسلم" [رقم: 1342] ، في كتاب المناسك، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استوى على بعيره خارجاً إلى سفر كبَّر ثلاثاً، ثم قال: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ} [الزخرف: 13، 14] . __________ 1 في نسخة: "بدابته".

"اللَّهُمَّ إنَّا نَسألُكَ فِي سفَرِنَا هَذَا البِرَّ وَالتَّقْوَى، وَمِنْ العَمَلِ ما تَرْضَى! اللهم هون عَلَيْنا سَفَرَنَا هَذَا، وَاطْوِ عَنّا بُعْدَهُ؛ اللَّهُمَّ أنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ، وَالخَلِيفَةُ في الأهل؛ اللهم إني أعوذ بك مِنْ وَعْثاءِ السَّفَرِ، وكآبَةِ المَنْظَرِ، وَسُوءِ المُنْقَلَبِ في المَالِ والأهْلِ" وإذا رَجع قالهنّ، وزاد فيهنّ: "آيِبُونَ تائبُونَ عابدُونَ، لرَبِّنَا حامِدُون"، هذا لفظ رواية مسلم. زاد أبو داود في روايته [رقم: 2599] : وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم وجيوشه إذا علوا الثنايا كبروا، وإذا هبطوا سبَّحوا. وروينا معناهُ من رواية جماعةٍ من الصحابة أيضًا مرفوعًا. معنى مقرنين: مطيقين. رياض الصَّالِحِينَ. 1135- وروينا في "صحيح مسلم" [رقم: 1434] ، عن عبد الله بن سرجس رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر يتعوّذ من وَعْثَاءِ السفر، وكآبة المنقلب، والحَوْرِ بعد الكَوْن، ودعوة المَظْلُومِ، وَمِنْ سُوءِ المَنْظَرِ فِي الأهْلِ والمال. 1136- وَرَوَينَا في "كتاب الترمذي" [رقم: 3439] ، وكتاب النسائي [رقم: 5500] ، وكتاب ابن ماجه [رقم: 3888] ؛ بالأسانيد الصحيحة، عن عبد الله بن سرجس رضي الله عنه، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سافر يقول: "اللَّهُمَّ أنْتَ الصَّاحِبُ فِي السفر، والخليفة في الأهْلِ؛ اللَّهُمَّ إني أعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثاءِ السَّفَرِ، وكآبَةِ المُنْقَلَبِ، وَمِنَ الحَوْرِ بَعْدَ الكَوْنِ، وَمِنْ دَعْوَةِ المَظْلُومِ، وَمِنْ سُوءِ المَنْظَرِ فِي الأهْلِ وَالمَالِ". قال الترمذي: حديثٌ حسن صحيح.

قال: ويروى: "الحور بعد الكوْر" أيضاً: يعني: يُروى الكون بالنون، والكور بالراء. قال الترمذي: وكلاهما له وجه، قال: يُقالُ هو الرجوع من الإِيمان إلى الكفر، أو من الطاعة إلى المعصية. إنما يعني الرجوع من شيء إلى شيء من الشرّ؛ هذا كلامُ الترمذي، وكذا قال غيره من العلماء: معناهُ بالراء والنون جميعاً: الرجوع من الاستقامة، أو الزيادة إلى النقص. قالوا: وَرِواية الراء مأخوذةٌ من تكوير العمامة، وهو لَفُّها وجمعها، ورواية النون، مأخوذة من الكون، مصدر كان يكون كوناً: إذا وُجد واستقرّ. قلت: ورواية النون أكثر، وهي التي في أكثر أصل صحيح مسلم بل هي المشهورة فيها. و"الوعثاء" بفتح الواو وإسكان العين وبالثاء المثلثة وبالمدّ، هي: الشدّة. و"الكآبة" بفتح الكاف وبالمدّ، هو: تغيُّر النفس من حزنٍ ونحوه. و"المنقلب": المرجع.

 بابُ ما يَقولُ إذا رَكِبَ سفينةً:

قال الله تعالى: {وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا} [هود: 41] وقال الله تعالى: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ} [الزخرف: 12] الآيتين. 1137- وروينا في "كتاب ابن السني" [رقم: 501] ، عن الحسين بن عليّ رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمانٌ لأُمتي مِنَ الغَرَقِ إذَا رَكِبُوا أنْ يَقُولُوا: {بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [هود: 41] . {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} " "الآية" [الزمر: 67] . هكذا هو في النسخ: "إذا ركبوا" لم يقل: في السفينة1. __________ 1 قال الحافظ: أخرجه ابن مردويه في التفسير، وقال فيه: "إذَا ركب السفينة". وعند الطبراني في إحدى الروايتين: "إذا ركبوا السفينة" وفي الأخرى: "إذا ركبوا الفلك". فكأن الشيخ أراد كتاب ابن السني [بل في مطبوعة ابن السني: "إذا ركبوا السفينة" فليحرر] . ["الفتوحات الربانية" 5/ 137] .

 بابُ استحبابَ الدعاءِ في السفر:

1138- رَوَينا في كتب أبي داود [رقم: 1536] ، والترمذي [رقم: 448] ، وابن ماجه [رقم: 3862] ؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثَ دَعَوَاتٍ مُسْتَجاباتٌ لا شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ المَظْلُومِ، وَدَعْوَةُ المُسافِرِ، وَدَعْوَةُ الوَالِدِ على وَلَدِهِ"، قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ؛ وليس في رواية أبي داود: "على ولده".

 باب تكبير المسافر إذا صَعِدَ الثَّنايا وشبهها، وتسبيحه إذا هَبَطَ الأودية ونحوها، [والنهي عن المبالغة برفع الصَّوْتِ بالتكبير ونحوه]

1139- رَوَيْنَا في "صحيح البخاري" [رقم: 2993] ، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهُ، قال: كنّا إذا صَعِدْنَا كَبَّرْنَا، وإذا نزلنا سَبَّحنا. 1140- وَرَوَيْنَا في "سنن أبي داود" [رقم: 2599] ، في الحديث الصحيح الذي قدمناه [برقم: 1134] في 293 -باب ما يقولُ إذا ركبَ دابّته، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم وجيوشه إذا علوا الثنايا كبَّروا، وإذا هَبَطوا سبَّحُوا.

1141- وروينا في صحيحي البخاري [رقم: 6385] ، ومسلم [رقم: 1344] ؛ عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قَفَل من الحجّ، أو العمرة -قال الراوي: ولا أعلمهُ إلا قال: الغزو- كلما أوفى على ثنيةٍ أو فَدْفَدٍ كبَّرَ ثلاثاً، ثم قال: "لا إله إلا الله وحده لا شَريكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ، وَلَهُ الحمدُ، وَهُوَ عَلَى كُلّ شَيْءٍ قديرٌ، آيِبُونَ تائبون عابِدُونَ ساجِدُونَ لِرَبِّنا حامِدُونَ، صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عبدهُ، وَهَزَمَ الأحْزَابَ وَحْدَهُ". هذا لفظ رواية البخاري، ورواية مسلم مثلهُ، إلا أنه ليس فيها: "ولا أعلمه إلا قال: الغزو" وفيها: إذا قفل من الجيوش والسرايا، أو الحجّ، أو العمرة. قلت: قوله: "أوفى" أي: ارتفع. وقوله: "فَدْفَد" هو بفتح الفاءين بينهما دال مهمة ساكنةٌ وآخرهُ دالٌ أخرى، وهو: الغليظ المرتفع من الأرض؛ وقيل: الفلاة التي لا شيء فيها؛ وقيل: غليظ الأرض ذات الحصى؛ وقيل: الجلد من الأرض في ارتفاع. 1142- وروينا في "صحيحيهما" [البخاري، رقم: 6384؛ ومسلم رقم: 2704] ، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنهُ، قال: كنّا نسير مع النبيّ صلى الله عليه وسلم، فكنّا إذا أشرفنا على وادٍ هلَّلنا وكبَّرْنا، وارتفعتْ أصواتُنا، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "يا أيُّهَا النَّاسُ! ارْبَعُوا على أنْفُسِكُمْ، فإنَّكُمْ لا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلا غائِباً، إنَّهُ مَعَكُمْ، إنَّه سَمِيعٌ قَرِيبٌ". قلتُ: "اربَعُوا" بفتح الباء الموحدة، معناه: ارفقوا بأنفسكم. 1143- وَرَوَيْنَا في كتاب الترمذي [رقم: 3445] الحديث المتقدم في: 291- باب استحباب طلبه الوصية [برقم: 1131] ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "عَلَيْكَ بِتَقْوَى الله تَعالى، وَالتَّكْبِيرِ على كُلِّ شرفٍ". 1144- وَرَوَينا في كتاب ابن السني [رقم: 523] ، عن أنس رضي الله عنه، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا علا شرفاً من الأرض قال: "اللَّهُمَّ لكَ الشَّرَفُ على كُلِّ شرفٍ، وَلَكَ الحمدُ على كل حالٍ".

 بابُ النّهي عن المبالغةِ في رَفْعِ الصَّوْتِ بالتكبير ونحوه:

1145- فيه حديثُ أبي موسى في الباب المتقدم [رقم: 1142] [البخاري، رقم: 6384؛ ومسلم، رقم: 2704] ، والله أعلم. باب استحباب الحُدَاء للسرعة في السَّير وتنشيط النفوش وترويحها وتسهيل السَّير عليها: فيه أحاديث كثيرةٌ مشهورةٌ.

 بابُ ما يقولُ إذا انفلتت دابّتُهُ:

1146- رَوَيْنَا في "كتاب ابن السني" [رقم: 509] ، عن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنهُ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "إذَا انْفَلَتَتْ دابَّةُ أحَدِكُمْ بأرضٍ فلاةٍ فليُنادِ: يا عِبادَ الله! احْبِسُوا، يا عِبادَ اللَّهِ! احبسوا؛ فإن الله عَزَّ وَجَلَّ في الأرْضِ حاصِراً سَيَحْبِسُهُ". 1147- قلتُ: حكى لي بعض شيوخنا الكبار في العلم أنه انفلتت له دابّة أظنُّها بغلة، وكان يَعرفُ هذا الحديث، فقاله: فحبسَها الله عليهم في الحال؛ وكنتُ أنا مرّةً مع جماعة فانفلتت منها بهيمةٌ، وعجزوا عنها، فقلته، فوقفت في الحال بغيرِ سببٍ سوى هذا الكلام.

 بابُ ما يقولُهُ على الدَّابّةِ الصَّعْبَةِ:

1148- رَوَيْنَا في "كتاب ابن السني" [رقم: 511] ، عن السيد الجليل المجمع على جلالته وحفظه وديانته وورعه ونزاهته وبراعته أبي عبد الله يُونس بن عُبيد بن دينار البصري التابعي المشهور رحمه الله، قال: ليس رجلٌ يكونُ على دابةٍ صعبةٍ، فيقولُ في أُذُنِها: {أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} [آل عمران: 83] إلا وقفت بإذن الله تعالى.

 بابُ ما يقولُه إذا رأَى قريةً يريد دخولها أو لا يريده:

1149- روينا في "سنن النسائي" [بل في "عمل اليوم والليلة"، رقم: 544] ، و"كتاب ابن السني" [رقم: 525] ؛ عن صُهيب رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرَ قريةً يريدُ دخولَها إلا قال حين يَراهَا: "اللَّهُمَّ رَبَّ السمَوَاتِ السَّبْعِ وَما أظْلَلْنَ، وَالأَرْضيِن السَّبْعِ وَما أقْلَلْنَ، وَرَبَّ الشَّياطينِ وَمَا أضْلَلْنَ، وَرَبَّ الرّياحِ وَمَا ذَرَيْنَ، أسألُكَ خَيْرَ هَذِهِ القَرْيَةِ، وَخَيْرَ أهْلِها وَخَيْرَ ما فِيها، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّها وَشَرّ أهْلها وَشَرّ ما فِيها". 1150- وَرَوَيْنَا في "كتاب ابن السني" [رقم: 528] ، عن عائشةَ رضي الله تعالى عنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أشرفَ على أرضٍ يريدُ دخولَها قال: "اللَّهُمَّ إني أسألُكَ مِنْ خَيْرِ هَذِهِ، وَخَيْرِ ما جَمَعْتَ فِيها؛ وأعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّها وَشَرّ ما جَمَعْتَ فِيها؛ اللَّهُمَّ ارْزُقْنا حَيَاها، وَأَعِذْنا مِنْ وَبَاها وَحَبِّبْنا إلى أهْلِهَا، وَحَبِّبْ صَالِحي أهْلِها إلينا".

 بابُ ما يَدعُو به إذا خافَ ناساً أو غيرَهم:

1151- رَوَيْنَا في "سنن أبي داود" [رقم: 1537] ، والنسائي [في "السنن الكبرى" كما في تحفة الأشراف، رقم: 9128، وفي "عمل اليوم والليلة"، رقم: 601] بالإِسناد الصحيح، ما قدَّمناه من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه [رقم: 677، 1084] ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خاف قوما قال: "اللهم! إنا نجعلك في نحورهم، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شُرُورِهِمْ". ويُستحبّ أن يدعوَ معه بدعاءِ الكرب [المتقدم برقم: 663] وغيره مما ذكرناه معه.

 بَابُ مَا يَقُولُ الْمُسَافِرُ إذا تَغَوَّلَت الغِيلانُ:

1152- رَوَيْنَا في "كتاب ابن السني" [رقم: 524] ، عن جابر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذَا تَغَوَّلَتْ لَكُمُ الغِيلان، فَنادُوا بالأذَانِ". قلت: و"الغيلان": جنسٌ من الجنّ والشياطين، وهم سحرتُهم. ومعنى تغوّلت: تلوّنت في صور،؛ والمرادُ: ادفعوا شرّها بالأذان، فإنه الشيطان إذا سمع الأذان أدبر. 1153- وقد قدَّمنا ما يشبُه هذا في باب ما يقول إذا عرضَ له شيطان [الباب رقم: 168] في أوّل كتاب الأذكار والدعوات للأمور العارضات، وذكرنا أنه ينبغي أن يشتغلَ بقراءة القرآن للآيات المذكورة في ذلك.

 بابُ ما يَقولُ إذا نزلَ مَنزلاً:

1154- رَوَيْنَا في "صحيح مسلم" [رقم: 2708] ، و"موطأ مالك" [2/ 978] ، و"كتاب الترمذي" [رقم: 3437] ، وغيرها؛ عن خولةَ بنتِ حكيم رضي الله عنها، قالت: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من نَزَلَ مَنْزلاً ثُمَّ قالَ: أعُوذُ بِكَلِماتِ الله التامات من شر ما خلق، لَم يَضُرُّهُ شَيْءٌ حَتى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذلكَ". 1155- وَرَوَيْنَا في "سنن أبي داود" [رقم: 2603] وغيره، عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافَرَ فأقبلَ الليلُ، قال: "يَا أرْضُ! رَبِّي وَرَبُّكِ اللَّهُ، أعُوذُ باللَّهِ مِنْ شَرِّكِ، وَشَرّ ما فِيكِ، وَشَرّ ما خُلق فِيكِ، وَشَرّ ما يَدبُّ عَلَيْكِ، أعُوذُ بِكَ مِنْ أسدٍ وأسْوَدَ، وَمِنَ الحَيَّةِ وَالعَقْرَبِ، وَمِنْ ساكِنِ البَلَدِ، وَمِنْ وَالِدٍ وَما وَلَدَ". قال الخطابي [3/ 78] : قوله: "ساكن البلد" هم: الجنّ الذين هم سكان الأرض، والبلد من الأرض: ما كان مأوى الحيوان وإن لم يكن في بناءٌ ومنازلُ. قال: ويُحتمل أن يكون المرادُ بـ "الوالد": إبليس، وما ولده: الشياطين؛ هذا كلام الخطابي. والأسود: الشخص، فكل شخصٍ يُسمى: أسود.

 بابُ ما يقولُ إذا رَجَعَ مِن سَفرِهِ:

1156- السُّنَّة أن يقول ما قدّمناه في حديث ابن عمر عند أبي داود، [رقم: 2599] المذكور قريباً في تكبير المسافر إذا صعد الثنايا [برقم: 11140] . 1157- وَرَوَيْنَا في "صحيح مسلم" [رقم: 1345] ، عن أنس رضي الله عنه، قال: أقبلنا مع النبيّ صلى الله عليه وسلم أنا وأبو طلحة، وصفيّة رديفته على ناقته، حتى إذا كنّا بظهر المدينة، قال: "آيِبُونَ تائِبُونَ عابِدُون لِرَبِّنا حامِدُونَ"، فلم يزلْ يقولُ ذلك حتى قدمنا المدينة.

بابُ ما يقولُه المسافرُ بعدَ صلاةِ الصُّبْح: 1158- اعلم أن المسافر يستحبّ له أن يقول ما يقوله غيرهُ بعد صلاة الصبح، وقد تقدم بيانهُ [الأرقام: 420 - 427] . 1159- ويستحب له معه ما رَوَيْنَاه في كتاب ابن السني [رقم: 516] ، عن أبي برزة رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الصبح -قال الراوي: لا أعلمُ إلا أنه قال في سفرٍ- رفع صوته حتى يسمع أصحابه: "اللَّهُمَّ أصْلِحْ لي ديني الذي جعتله عِصْمَةَ أمْرِي؛ اللَّهُمَّ أصْلِحْ لي دُنْيَايَ الَّتِي جَعَلْتَ فِيها مَعاشِي"، ثلاثَ مرّات؛ "اللَّهُمَّ أصْلِحْ لي آخِرَتِي التي جَعَلْتَ إِلَيْها مَرْجِعي"، ثلاث مرات؛ "اللَّهُمَّ أعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سُخْطِكَ؛ اللَّهُمَّ أعُوذُ بِكَ مِنْكَ"، ثَلاثَ مَرَّاتٍ؛ "لا مانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، ولا معطي لِمَا مَنَعْتَ، وَلا ينفع ذا الجد منك الجد".

 باب ما يقول إذا رَأَى بلدتَه:

1160- المستحبُّ أن يقولَ ما قدَّمناه في حديث أنس في الباب الذي قبل هذا [رقم: 1157] ، وأن يقولَ ما قدَّمناهُ في: 301 -باب: ما يقول إذا رأى قرية [رقم: 1149، 1150] . 1161- وأن يقول: "اللَّهُمَّ اجْعَلْ لَنا بِهَا قرارًا، ورزقًاحسنًا" 2. والله أعلم. __________ 1 في نسخة: "بلدًا". 2 قال الحافظ: لم يذكر مَن خرَّجه، وقد أخرجه النسائي في الكبير [في "تحفة الأشراف" لم ينسبه "الكبرى"، راجع رقم 2189، وهو في "عمل اليوم والليلة" رقم: 553] . والطبراني [في "الدعاء" رقم: 837] من حيث أبي هريرة وقال: حديث حسن. ["الفتوحات الربانية" 5/ 171] .

 بابُ ما يقولُ إذا قَدِمَ من سفرهِ فدخل بيتَه:

1162- رَوَيْنَا في "كتاب ابن السني" [رقم: 536] ، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رجع من سفره، فدخلَ على أهله، قال: " تَوْبًا، تَوْبًا، أوْباً، لا يُغادِرُ حَوْبًا". قلت: "تَوْبًا تَوْبًا": سؤال للتوبة، وهو منصوب إما على تقدير: تب علينا توبًا، وإما على تقدير: نسألك توباً توباً. و"أوبًا" بمعناه، من آب: إذا رجع. ومعنى: "لا يغادر": لا يترك. و"حوبًا" معناهُ: إثماً، وهو: يفتح الحاء وضمّها لغتان؛ والله أعلم.

 بابُ ما يُقال لمن يَقْدَمُ من سفرٍ:

1163- يُسْتَحَبُّ أن يُقال: الحَمْد لِلَّهِ الَّذِي سَلَّمك، أوِ الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَمَعَ الشَّمْل بِكَ، أو نحو ذلك، قال الله تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7] وفيه أيضاً حديث عائشة رضي الله عنها المذكور في الباب بعده [رقم: 1164] .

 بابُ ما يقالُ لمن يَقْدَمُ من غزو:

1164- رَوَيْنَا في "كتاب ابن السني" [رقم: 537] ، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزو، فلما دخل استقبلتُه، فأخذتُ بيده، فقلت: الحمدُ لِلَّهِ الَّذي نَصَرَكَ وأعَزَّكَ وأكْرَمَكَ.

 بابُ ما يُقال لمن يَقْدَمُ من حَجّ وما يقولُه:

1165- رَوَيْنَا في "كتاب ابن السني" [رقم: 538] ، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: جاءَ غلامٌ إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقال: إني أريدُ الحجّ، فمشى معه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "يا غلامُ! زَوّدَكَ اللَّهُ التَّقْوَى، وَوَجَّهَكَ في الخَيْرِ، وَكَفَاكَ الْهَمّ"، فلما رجع الغلامُ سلَّم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "يا غُلامُ! قَبِلَ اللَّهُ حَجَّكَ، وَغَفَرَ ذَنْبَكَ، وأخْلَفَ نَفَقَتَكَ".

1166- وَرَوَيْنَا في "سنن البيهقي" 5/ 261] ، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْحاجّ وَلِمَنِ اسْتَغْفَرَ لَهُ الحاج". قال الحاكم 1/ 441] : هو صحيحٌ على شرط مسلمٍ. 1167-[هذا، ويستحب للقادم من السفر الابتداء بالمسجد الذي في جواره، ويركع فيه ركعتين؛ راجع البخاري، رقم: 3088؛ ومسلم، رقم 2769] .

 كتاب أذكار الأكل والشّرب

  بابُ ما يقولُ إذا قُرِّب إليه طَعَامُه:

1168- رَوَيْنَا في "كتاب ابن السني" [رقم: 459] ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، أنه كان يقولُ في الطعام إذا قُرِّبَ إليه: "اللَّهُمَّ بارِكْ لَنا فِيما رَزَقْتَنا، وَقِنا عَذَابَ النَّارِ، باسْمِ الله". __________ 1 في نسخة: "كتاب أذكار الأكل والشارب".

بابُ استحباب قول صاحب الطعام لِضِيْفَانِه عندَ تقديم الطَّعام: كُلوا، أو ما في مَعناه: 1169- اعلم أنه يُستحبّ لصاحِب الطعام أن يقولَ لضيفه عند تقديم الطعام: بسم الله، أو: كُلوا، أو: الصَّلاة، أو: نحو ذلك من العبارات المصرِّحة بالإِذن في الشروع في الأكل، ولا يجب هذا القول، بل يكفي تقديمُ الطعام إليهم، ولهم الأكل بمجرّد ذلك من غير اشتراط لفظ، وقال بعض أصحابنا: لا بدّ من لفظ، والصوابُ الأوّل، وما ورد في الأحاديث الصحيحة من لفظ الإِذن في ذلك محمول على الاستحباب.

 باب التسمية عند الأكلِ والشُّربِ:

1170- رَوَيْنَا في صحيحي البخاري [رقم: 5376] ، ومسلم [رقم: 2022] ؛ عن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنهما، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ وكل مما يليك". 1171- وَرَوَيْنَا في "سنن أبي داود" [رقم: 3767] والترمذي [رقم: 1858] ، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذَا أكَلَ أحَدُكُمْ فَلْيَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ تَعالى في أوَّلِهِ، فإنْ نَسِيَ أنْ يَذْكُر اسْمَ اللَّهِ تَعالى في أوله فليقل: بسم اللَّهِ أوَّلَهُ وآخِرَهُ". قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. 1172- وَرَوَيْنَا في "صحيح مسلم" [رقم: 2018] ، عن جابر رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ، فَذَكَرَ اللَّهَ تَعالى عِنْدَ دُخُولِهِ، وَعِنْدَ طَعامِهِ، قالَ الشِّيْطانُ [لأصحابه] : لا مَبِيتَ لَكُمْ وَلا عَشاءَ؛ وَإذا دَخَلَ فَلَمْ يَذْكُرِ اسم اللَّهَ تَعالى عنْدَ دُخُولِه، قالَ الشيطانُ: أدْرَكْتُمُ المَبِيتَ؛ وَإذا لَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ تَعالى عِنْدَ طَعامِهِ، قالَ: أدْرَكْتُمُ المَبِيتَ والعشاء". [ومر برقم: 133] . 1173- وَرَوَيْنَا في "صحيح مسلم" [رقم: 2040] أيضاً، في حديث أنس المشتمل على معجزةٍ ظاهرةٍ من معجزاتِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، لمَّا دعاهُ أبو طلحةَ وأُمُّ سُليم للطعام، قال: ثم قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ"، فأذن لهم، فدخلُوا، فقالوا النبيّ صلى الله عليه وسلم: "كُلُوا وسَمُّوا اللَّهَ تَعالى"، فأكلُوا حتى فعلَ ذلك بثمانين رجلاً. 1174- وَرَوَيْنَا في "صحيح مسلم" [رقم: 201] أيضاً، عن حذيفة رضي الله عنهُ، قال: كنّا إذا حضرْنَا مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم طعاماً، لم نضعْ أيدينا حتى يبدأ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فيضعُ يدَه، وإنّا حضرنا معه مرّة طعاماً، فجاءت جارية كأنها تدفعُ، فذهبتْ لتضعَ يدَها في الطعام، فأخذَ

رسول الله صلى الله عليه وسلم يدها؛ ثم جاءَ أعرابيٌّ كأنما يَدْفَعُ، فأخذَ بيدِه، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الشَّيْطانَ يَسْتَحِلُّ الطَّعامَ ألا يُذْكَرَ اسْمُ الله عَلَيْه، وأنَّهُ جاءَ بهَذِهِ الجارِيَةِ لِيَسْتَحِلَّ بِهَا، فأخَذْتُ بِيَدِها، فجاء بهذا الأعْرابِيّ لِيَسْتَحِلَّ بِهِ، فأخَذْتُ بِيَدِهِ، وَالَّذي نَفْسِي بِيَدِه إنَّ يَدَهُ في يَدِي مَعَ يَدِهِما"، ثم ذكر اسم الله تعالى، وأكل. 1175- وَرَوَيْنَا في "سنن أبي داود" [رقم: 3768] ، والنسائي [في "عمل اليوم والليلة"، [رقم: 282] ؛ عن أميّة بن مَخْشِيٍّ الصحابي رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا، ورجلٌ يأكلُ، فلم يُسمّ حتى لم يبقَ من طعامه إلا لقمة، فلما رفعها إلى فِيه، قال: بسم الله أوّله وآخرُه؛ فضحكَ النبيّ صلى الله عليه وسلم، ثم قال: "ما زَالَ الشَّيْطانُ يأكُلُ مَعَهُ، فَلَمَّا ذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ اسْتَقَاءَ ما في بَطْنِهِ". قلتُ: مَخْشِيّ بفتح الميم وإسكان الخاء وكسر الشين المعجمتين وتشديد الياء؛ وهذا الحديثُ محمول على أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يعلمْ تركَه التسمية إلا في آخر أمره، إذ لو علم ذلك لم يسكتْ عن أمره بالتسمية. 1176- وَرَوَيْنَا في "كتاب الترمذي" [رقم: 1858] ، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكلُ طعاماً في ستة من أصحابه، فجاء أعرابيٌّ فأكلَه بلقمتين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما إنَّهُ لَوْ سَمَّى لَكَفاكُمْ" قال الترمذي: حديثٌ حسن صحيح. 1177- وَرَوَيْنَا [في "كتاب ابن السني"، رقم: 462] عن جابر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "مَنْ نَسِيَ أنْ يُسَمِّيَ على طَعامِهِ، فَلْيَقْرأ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} إذَا فَرَغَ". 1178- قُلتُ: أجمع العلماءُ على استحباب التسمية على الطعام في

أوّلِه، فإن تركَ في أوله عامداً أو ناسياً أو مُكرهاً أو عاجزاً لعارض آخر، ثم تمكن في أثناء أكلِه، استحبّ أن يسمّي للحديث المتقدم [رقم: 1171] ويقول: باسم الله أوله وآخره، كما جاء في الحديث [رقم: 1175] ، والتسميةُ في شرب الماء واللبن والعسل والمرق وسائر المشروبات كالتسمية في الطعام في جميع ما ذكرناه. 1179- قال العلماء من أصحابنا وغيرهم: ويُستحبُّ أن يجهرَ بالتسمية ليكونَ فيه تنبيهٌ لغيره على التسمية، وليُقتدى به في ذلك؛ والله أعلم.

  316- فصل [في أحكام التسمية عند الأكلِ والشرب]

1180- من أهمّ ما ينبغي أن يعرف صفة التسمية، وقدر المجزئ منها، فاعلم أن الأفضل أن يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، فإن قالَ: بِسْمِ الله؛ كفاه وحصلت السنة، وسواء في هذا الجُنب والحائض وغيرهما، وينبغي أن يسمي كل واحد من الآكلين، فلو سمى واحدٌ منهم أجزأ عن الباقين، نصّ عليه الشافعي رضي الله عنه، وقد ذكرته عن جماعة في كتاب "الطبقات"1 في ترجمة الشافعي رحمه الله، وهو شبيه برد السلام، وتشميت العاطس، فإنه يجزئ فيه قول أحد الجماعة. __________ 1 لم أجده في النسخة المطبوعة، في دار البشائر الإسلامية، بتحقيق: محيي الدين علي نجيب، عام 1992م.

بابُ لا يعيبُ الطعامَ والشرابَ: 1181- رَوَيْنَا في صحيحي البخاري [رقم: 5409] ، ومسلم [رقم: 2064] ، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: ما عابَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم طعاماً قطّ، إن اشتهاهُ أكلهُ، وإن كرههُ تركهُ. وفي رواية لمسلم: وإن لم يشتهه سكت. 1182- وَرَوَيْنَا في "سنن أبي داود" [رقم: 3784] ، والترمذي [رقم 565] ، وابن ماجه [رقم: 2830] ؛ عن هُلْبٍ الصحابي رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسأله رجل، فقال: إن من الطعام طعاماً أتحرّجُ منه، فقال: "لا يتحلَّجَنَّ في صَدْرِكَ شَيْءٌ ضَارَعْتَ بِهِ النَّصْرانِيَّةَ". قلتُ: "هُلْب" بضمّ الهاء وإسكان اللام وبالباء الموحدة،. وقوله: "يَتَحَلَّجَنَّ"، هو بالحاء المهملة قبل اللام والجيم بعدها، هكذا ضبطه الهروي والخطابي والجماهير من الأئمة، وكذا ضبطناه في أصول سماعنا "سنن أبي داود" وغيره بالحاء المهملة، وذكره أبو السعادات ابن الأثير ["النهاية" 1/ 433] بالمهملة أيضاً، ثم قال: ويُروى بالخاء المعجمة، وهما بمعنى واحد. قال الخطابي [4/ 148] : معناه: لا يقعن في نفسك ريبة منه. قال: وأصله من الحلج، وهو: الحركة والاضطرابُ، ومنهُ: حلجُ القطنِ. قال: ومعنى "ضارعتَ النصرانية" أي: قاربتها في الشبه، فالمضارعة: المقارنة في الشبه.

بابُ جواز قوله: لا أشتهي هذا الطعام أو ما اعتدت أكله، أو نحو ذلك، إذا دعت إليه الحَاجة: 1183- رَوَيْنَا في صحيحي البخاري [رقم: 5391] ، ومسلم [رقم: 1945] ؛ عن خالد بن الوليد رضي الله عنه، في حديث الضَّبِّ لما قدَّموه مشوياً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأهوى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بيده إليه، فقالوا: هو الضَّبُّ يا سول الله! فرفعَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يدَه، فقال خالدٌ: أحرامٌ الضبُ يا رسول الله؟ قال: "لا، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِأرْضِ قَوْمي، فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ".

 بابُ مَدحِ الآكلِ الطعامَ الذي يأكلُ منهُ:

1184- رَوَيْنَا في "صحيح مسلم" [رقم: 2052] ، عن جابر رضي الله عنه، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم سألَ أهلَه الأُدْمَ، فقالوا: ما عندنا إلاَّ خَلّ؛ فدعا به، فجعلَ يأكلُ منهُ ويقول: "نِعْمَ الأدْمُ الخَلُّ، نِعْمَ الأُدْمُ الخل".

 بابُ ما يقولُه من حَضَرَ الطعامُ وهو صائمٌ إذا لم يُفطر:

1185- رَوَيْنَا في "صحيح مسلم" [رقم: 1431، ورقم: 1432] ، عن أبي هريرة رضي الله عنهُ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ فليُجب: فإنْ كانَ صَائِماً فليُصلِّ، وَإنْ كَانَ مُفْطِراً فَلْيَطْعَم". قال العلماء: معنى فليصل أي: فليدع، [ومعنى فليطعم: فليأكل. "رياض الصالحين" رقم: 738] . 1186- وَرَوَيْنَا في "كتاب ابن السني" [رقم: 490] وغيره، قال فيه: "فإنْ كانَ مُفْطِراً فَلْيَأكُلْ، وَإنْ كَانَ صَائِماً دَعا لَهُ بالبركة".

  بابُ ما يقولُه مَن دُعِي لطعامٍ إذا تَبِعَه غيرُه:

1187- رَوَيْنَا في صحيحي البخاري [رقم: 5434] ، ومسلم [رقم: 2036] واللفظ له؛ عن أبي مسعودٍ الأنصاري رضي الله عنه، قال: دعا رجلٌ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لطعامٍ صنعَه له خامسَ خمسةٍ، فتبعهُم رجلٌ، فلما بلغَ البابَ، قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ هَذَا اتَّبَعَنا، فإنْ شِئْتَ أَنْ تأذَنَ لَهُ، وَإِنْ شِئْتَ رَجَعَ"، قال: بل آذنُ له يا رسولَ الله.

  بابُ وَعْظِهِ وتأديبِهِ مَنْ يُسيءُ في أكله:

1188- رَوَيْنَا في صحيحي البخاري [رقم: 5376] ومسلم [رقم: 2022] ؛ عن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنهما، قال: كنتُ غلاماً في حجرِ رسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فكانتْ يدي تطيشُ في الصحفةِ، فقال لي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "يا غُلام! سَمّ الله تعالى، وكُل بِيَمينِكَ، وكُلْ مِمَّا يَلِيكَ". وفي رِوَاية في الصحيح، قال: أكلتُ يوماً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعلتُ آكلُ من نواحي الصحفة، فقال لي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "كُلْ مِمَّا يَلِيكَ". قُلت: قولهُ: "تطيشُ" بكسر الطاء وبعدها ياء مثناةٌ من تحتٍ ساكنةٌ؛ ومعناهُ: تتحركُ وتمتدُ إلى نواحي الصحفة، ولا تقتصرُ على موضعٍ واحدٍ. 1189- وَرَوَيْنَا في صحيحي البخاري [رقم: 2455] ، ومسلم [رقم: 2045] ؛ عن جبلةَ بن سحيمٍ، قال: أصابَنَا عامُ سنةٍ مع ابن الزبير، فرزقنا تمرًا، فكان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يمرّ بنا ونحن نأكلُ، ويقولُ: لا تقارِنُوا، فإن النبيَّ صلى الله عليه وسلم نهى عن الإِقران، ثم يقول: إلاَّ أنْ يَسْتأذِنَ الرجلُ أخاهُ. قلتُ: قولهُ: "لا تقارنوا" أي: لا يأكل الرجل تمرتينٍ في لقمةٍ واحدةٍ. 1190- وروينا في "صحيح مسلم" [رقم: 2021] ، عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه، أن رجلاً أكل عندَ النبيّ صلى الله عليه وسلم بشماله، فقال: "كُلْ بِيَمِينِكَ"، قال: لا أستطيع، قال: "لا اسْتَطَعْتَ"، ما منعهُ إلا الكبرُ، فما رفعها إلى فيه. [وسيرد برقم: 158] . قلتُ: هذا الرجل هو بسرُ، بضم الموحدة وبالسين المهملة، ابن راعي العَير، بالمثناة وفتح العين؛ وهو صحابي، وقد أوضحتُ حالَه وشرح هذا الحديث في شرح صحيح مسلم؛ والله أعلم.

 بابُ استحباب الكَلامِ على الطَّعام:

1191- فيه حديثُ جابر الذي قدَّمناه في باب مدح الطعام [رقم: 1184] . 1192- قال الإِمام أبو حامد الغزالي في "الإِحياء" [2/ 7] : من آداب الطعام أن يتحدَّثوا في حال أكله بالمعروف، ويتحدّثوا بحكايات الصالحين في الأطعمة وغيرها.

 بابُ ما يقولهُ ويفعلهُ من يأكلُ ولا يشبعُ:

1193- رَوَيْنَا في "سنن أبي داود" [رقم: 1764] ، وابن ماجه [رقم: 3286] ؛ عن وحشيِّ بن حرب رضي الله عنه، أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: يا رسولَ الله! إنّا نأكلُ ولا نشبعُ، قال: "فَلَعَلَّكُم تَفْتَرِقُونَ"، قالوا: نعم، قال: "فاجْتَمِعُوا على طَعامِكُمْ، واذْكُرُوا اسم الله تعالى يُبَارَكْ لَكُمْ فيه".

 بابُ ما يقولُ إذا أكلَ مع صَاحبِ عاهةٍ:

1194- رَوَيْنَا في "سنن أبي داود" [رقم: 3925] ، والترمذي [رقم: 1817] ، وابن ماجه [رقم: 3542] ؛ عن جابر رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذَ بيدِ مجذومٍ، فوضعَها معهُ في القَصعةِ، فقال: "كُلْ باسم اللَّهِ؛ ثِقَةً بِاللَّهِ، وَتَوَكُّلاً عَلَيْهِ".

  باب استحباب قول صاحب الطعام لضيقه ومَنْ في معناهُ إذا رفع يدهُ من الطعام: كُلْ، وتكريرُه ذلك عليه ما لم يتحقّقْ أنه اكتفى منه، وكذلك يفعلُ في الشرابِ والطِّيبِ ونحو ذلك:

1195- اعلم أن هذا مُستحبّ حتى يُستحبّ ذلك للرجل مع زوجته وغيرها من عيالِه، الذين يُتوهم منهم أنهم رفعوا أيديهم، ولهم حاجةٌ إلى الطعام، وإن قلَّت. 1196- ومِمّا يُستدلّ به في ذلك ما رويناهُ في "صحيح البخاري" [رقم: 6452] ، عن أبي هريرة رضي الله عنهُ، في حديثه الطويل المشتمل على معجزاتٍ ظاهرةٍ لرسول صلى الله عليه وسلم، لما اشتدّ جوعُ أبي هريرة، وقعدَ على الطريق يستقرئ مَن مَرَّ به القرآن معرّضاً بأن يُضيفه، ثم بعثه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل الصفّةِ، فجاءَ بهم، فأرْواهم أجمعينَ من قدحِ لبنٍ، وذكر الحديثَ إلى أن قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بَقِيتُ أنا وَأنْتَ" قلتُ: صَدقتَ يا رسولَ الله، قال: "اقْعُدْ فاشْرَبْ" فقعدتُ، فشربتُ، فقال: "اشْرَبْ" فَشَرِبْتُ، فما زال يَقُولُ: "اشْرَبْ" حتى قلتُ: لا، والذي بعثك الحق لا أجد له مَسْلَكاً، قال: "فأرِني" فأعطيته القدحَ، فحمد الله تعالى، وسمَّى وشرب الفضلة.

 بابُ ما يقولُ إذا فَرَغَ من الطعام:

1197- رَوَيْنَا في "صحيح البخاري" [رقم: 5458] ، عن أبي أمامة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع مائدته قال: "الحمدُ لِلَّهِ كَثِيراً طَيِّباً، مُبارَكاً فِيهِ، غَيْرَ مَكْفيٍّ، وَلا مُوَدَّعٍ، وَلا مُسْتَغْنىً عَنْهُ، رَبِّنا". وفي رواية [للبخاري، رقم: 5459] : كان إذا فَرَغَ من طعامِه، وقال مرّة: إذا رفع مائدته، قال: "الحمدُ لِلَّهِ الَّذِي كَفانا وأرْوَانا، غَيْرَ مَكْفِيّ ولا مَكْفُورٍ ". قلتُ: "مكفيّ" بفتح الميم، وتشديد الياء، هذه الرواية الصحيحة الفصيحة، ورواهُ أكثرُ الرواةِ بالهمزِ، وهو فاسدٌ من حيثُ العربية، سواءٌ كان من الكفايةِ، أو من كفأتُ الإناءَ، كما لا يُقالُ في مقروءٍ من القراءة: مقرئٌ، ولا في مرمىْ: مرمئٌ بالهمز. قال صاحب "مطالع الأنوار" في تفسير هذا الحديث: المراد بهذا المذكور كله الطعام، وإليه يعود الضمير. قال الحربيّ: فالمكفيُ: الإناءُ المقلوبُ للاستغناء عنهُ، كما قال: "غير مستغنى عنه" أو لعدمه. وقوله: "غير مكفورٍ" أي: غير مجحودةٍ نِعمَ الله سبحانهُ وتعالى فيه، بل مشكورةٌ، غير مستورٍ الاعترافُ بها، والحمدُ عليها. وذهب الخطابي [4/ 187] : إلى أن المراد بهذا الدعاء كله البارئ سبحانهُ وتعالى، وأن الضمير يعود إليه، وأن معنى قوله: "غير مكفيّ": أنه يطعمُ ولا يطعمُ، كأنهُ على هذا من الكفاية، وإلى هذا ذهب غيره في تفسير هذا الحديث، أي: إن الله تعالى مستغنٍ عن معين وظهيرٍ، قال: وقوله: "لا مودّع" أي: غيرُ متروكِ الطلبُ منهُ والرغبةُ إليه، وهو بمعنى المستغنى عنه، وينتصب ربنا على هذا بالاختصاص، أو المدح، أو بالنداء؛ كأنه قال: يا ربنا اسمع حمدنا ودعاءنا، ومن رفعهُ قطعهُ وجعلهُ خبراً، وكذا قيده الأصيلي، كأنه قال: ذلك ربنا، أو1: أنت ربنا، ويصحّ فيه الكسرُ على البدل من الاسم من قوله: "الحمد لله". __________ 1 وردت في بعض النسخ: "أي".

وذكر أبو السعادات ابن الأثير في "نهاية الغريب" [5/ 168] نحو هذا الخلاف مختصراً. وقال: من رفع ربّنا فعلى الابتداء المؤخر، أي: ربنا غير مكفيّ ولا مودع، وعلى هذا يرفع غير. قال: ويجوزُ أن يكون الكلامُ راجعاً إلى الحمد، كأنه قال: حمداً كثيراً غير مكفي ولا مودعٍ ولا مستغنى عن هذا الحمد. وقال في قوله: "ولا مودّع"، أي: غير متروك الطاعةِ؛ وقيل: هُو من الوداعِ وإليه يرجعُ؛ واللهُ أعلم. 1198- وَرَوَيْنَا في "صحيح مسلم" [رقم: 2734] ، عن أنس رضي الله عنهُ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ تعالى لَيَرْضَى عَنِ العَبْدِ يأكلُ الأكْلَةَ، فيحمدهُ عليه، ويشربُ الشَّرْبَةَ، فيحمدهُ عليها". والأكلة بفتح الهمزة، وهي الغدوة أو العشوة. "رياض الصالحين"، [رقم: 140] . 1199- وَرَوَيْنَا في "سنن أبي داود" [رقم: 3850] ، وكتابي "الجامع" [3457] ، و"الشمائل" [193] للترمذي؛ عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا فَرَغ من طعامه قال: "الحمدُ لِلَّهِ الَّذي أطْعَمَنا وَسَقَانا وَجَعَلَنا مُسْلِمِينَ". 1200- وَرَوَيْنَا في "سنن أبي داود" [رقم: 3851] ، والنسائي [في "عمل اليوم والليلة"، رقم: 385] بالإِسناد الصحيح؛ عن أبي أيوب خالد بن زيد الأنصاري رضي الله عنهُ، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أكَلَ أو شَرِبَ قال: "الحمدُ لِلَّهِ الَّذي أطْعَمَ وَسَقَى وسوغهُ وَجَعَلَ لَهُ مَخْرَجاً". 1201- وَرَوَيْنَا في "سنن أبي داود" [رقم: 4023] ، والترمذي [رقم: 3458] ، وابن ماجه [رقم: 3285] ؛ عن معاذِ بن أنسٍ رضي الله عنهُ،

قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أكَلَ طَعاماً فَقالَ: الحمدُ لِلَّهِ الَّذِي أطْعَمَنِي هَذَا وَرَزَقنيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلاَ قوةٍ؛ غُفِرَ لهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ". قال الترمذي: حديثُ حسنٌ. وقال الترمذي [رقم: 1816] : وفي الباب -يعني: باب الحمد على الطعام إذا فرغَ منه- عن عقبةَ بن عامرٍ، وأبي سعيدٍ [رقم: 1199 السابق] ، وعائشة [رقم: 1217 اللاحق] ، وأبي أيوبٍ [رقم: 1200 السابق] ، وأبي هريرة. 1202- وَرَوَيْنَا في "سنن النسائي" [في الكبرى كما في "تحفة الأشراف"، [رقم: 15620] و"كتاب ابن السني" [رقم: 467] بإسنادٍ حسنٍ؛ عن عبد الرحمن بن جبير التابعي، أنه حدثهُ رجلُ خدمَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ثماني سنين، أنه كان يسمعُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم إذا قَرَّبَ إليه طعاماً يقول: "باسم اللَّهِ" فإذا فَرغَ من طعامه، قال: "اللَّهُمَّ أطعمتَ وسقيتَ وأغنيتَ وأقنيتَ وهديتَ وأحييتَ، فَلَكَ الحمدُ على ما أعْطَيْتَ". 1203- وَرَوَيْنَا في "كتاب ابن السني" [رقم: 468] ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، أنه كان يقول في الطعام إذا فرغَ: "الحمدُ لِلَّهِ الَّذي مَنَّ عَلَيْنا وَهَدَانا، وَالَّذي أشْبَعَنا وَأرْوَانا، وَكُلُّ الإِحْسانِ آتانا". 1204- وَرَوَيْنَا في "سنن أبي داود" [رقم: 3730] ، والترمذي [رقم: 3455] ، و"كتاب ابن السني" [رقم: 475] ؛ عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذَا أكَلَ أحَدُكُمْ طَعاماً". وفي رواية ابن السني. "مَنْ أطْعَمَهُ اللَّهُ طَعاماً فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ بارِكْ لَنا فِيهِ وأطْعِمْنا خَيْراً مِنْهُ؛ وَمَنْ سَقاهُ اللَّهُ تعالى لَبَناً فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ بارِكْ لَنا فِيهِ وَزِدْنا منهُ؛ فإنَّهُ لَيْسَ شيء يجزئُ منَ الطَّعامِ وَالشَّرَابِ غَيْرَ اللَّبَنِ"، قال الترمذي: حديث حسن. 1205- وَرَوَيْنَا في "كتاب ابن السني" [رقم: 472] بإسناد ضعيف، عن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنهُ، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا شرب في الإِناء تنفَّسَ ثلاثة أنفاسٍ، يحمدُ الله تعالى في كُل نفسٍ، ويشكرهُ في آخره.

 بابُ دُعاءِ المدعوّ والضيفَ لأهلِ الطَّعامِ إذا فَرَغَ من أكلهِ:

1206- رَوَيْنَا في "صحيح مسلم" [رقم: 2042] ، عن عبد الله بن بُسْر -بضم الباء وإسكان السين المهملة- الصحابي رضي الله عنه، قال: نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي، فقرّبنا إليه طعاماً ووَطْبَةً، فأكل منها، ثم أُتيَ بتمرٍ، فكان يأكلهُ، ويُلقي النَّوَى بين أصبعين، ويجمعُ السبَّابَةَ والوُسطى -قال شعبةٌ: هو ظني، وهو فيه إن شاء الله تعالى إلقاءُ النَّوى بين الأصبعين- ثم أُتي بشرابٍ، فشربَه، ثم ناولهُ الذي عن يمينه، فقال أبي: ادع لنا، فقال: "اللَّهُمَّ بارِكْ لَهُمْ فِيما رَزَقْتَهُمْ، وَاغْفِرْ لَهُمْ وَارْحَمْهُمْ". قلتُ: الوطبة بفتح الواو، وإسكان الطاء المهملة، بعدها باءٌ موحدةٌ، وهي: قربةٌ لطيفةٌ يكون فيها اللبن. 1207- وَرَوَيْنَا في "سنن أبي داود" [رقم: 3854] وغيره، بالإِسناد الصحيح، عن أنسٍ رضي الله عنهُ، أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء إلى سعد بن عبادة رضي الله عنهُ، فجاء بخبرٍ وزبيب، فأكل، ثم قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "أفْطَرَ عِنْدَكُمُ الصَّائِمُونَ، وأكَلَ طَعَامَكُمُ الأبرارُ، وَصَلَّتْ عليكم الملائكة". [وتقدم برقم: 991] . 1208- وَرَوَيْنَا في "سنن ابن ماجه" [رقم: 1747] ، عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما، قال: أفطرَ رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم عند سعدٍ بن معاذٍ، فقال: "أفْطَرَ عندكمُ الصَّائِمُونَ "، الحديث. قلتُ: فهما قضيتان جرتا لسعدِ بن عبادةَ وسعدِ بن معاذٍ. 1209- وَرَوَيْنَا في "سنن أبي داود" [رقم: 3853] ، عن رجل؛ عن جابرٍ رضيَ الله عنهُ قال: صنعَ أبو الهيثم ابن التيهانِ للنبيّ صلى الله عليه وسلم طعاماً، فدعا النبيَّ صلى الله عليه وسلم وأصحابهُ، فلما فرغوا، قال: "أثِيبُوا أخاكُمْ" قالوا: يا رسول الله! وما إثابته؟ قال: "إنَّ الرَّجُلَ إذَا دُخل بيتهُ فأُكل طعامهُ، وشربَ شرابهُ، ثم دعي لهُ، فَذَلِكَ إثابتهُ".

 بابُ دُعاءِ الإِنسانَ لمن سقاهُ ماءً أو لبناً ونحوهُما:

1210- رَوَيْنَا في "صحيح مسلم" [رقم: 2055] ، عن المقداد رضي الله عنه، في حديثه الطويل المشهور، قال: فرفعَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم رأسَه إلى السماء، فقال: "اللَّهُمَّ أطْعِمْ مَنْ أطْعَمَنِي، وَاسْقِ مَنْ سَقانِي". 1211- وَرَوَيْنَا في "كتاب ابن السني" [رقم: 476] ، عن عمرو بن الحمقِ رضيَ الله عنهُ، أنه سقى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لَبَناً، فقال: "اللَّهُمَّ أَمْتِعْهُ بِشَبابِه"، فمرّتْ عليه ثمانُون سنةً لم يرَ شعرةً بيضاءَ. قلتُ: الحمقُ بفتح الحاء المهملة، وكسر الميم. 1212- وَرَوَيْنَا فيه [رقم: 478] عن عمرو بن أخطب -بالخاء المعجمة وفتح الطاء- رضي الله عنهُ، قال: اسْتَسْقَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فأتيتُه بماءٍ في جمجمةٍ، وفيها شعرةٌ، فأخرجتُها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللَّهُمَّ جملهُ". قال الراوي: فرأيته ابن ثلاثٍ وتسعين أسود الرأس واللحية. قلتُ: "الجُمْجُمة" بجيمين مضمومتين؛ بينهما ميمٌ ساكنةٌ، وهي: قدح من خشبٍ، وجمعها جماجم، وبه سمي: ديرُ الجماجم، وهو الذي كانت به وقعة ابن الأشعث مع الحجاج بالعراق؛ لأنه كان يعملُ فيه أقداحٌ من خشبٍ، وقيلَ: سمي به؛ لأنه بُنِي من جماجم القتلى لكثرة من قٌيل.

 بابُ دعاءِ الإِنسان وتحريضِه لمن يُضيِّفُ ضَيْفاً:

1213- رَوَيْنَا في صحيحي البخاري [رقم: 3798] ، ومسلم [رقم: 2054] ؛ عن أبي هريرة رضي الله عنهُ، قال: جاء رجلٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لضيفهُ، فلم يكنْ عندهُ ما يضيفهُ، فقال: "ألا رجلٌ يضيفُ هَذَا، رحمهُ اللَّهُ"، فقام رجلٌ من الأنصار، فانطلق به، وذكر الحديث وهو الحديث التالي، [وسيرد برقم: 1416] .

بابُ الثَّناءِ على مَنْ أكرمَ ضيفهُ: 1214- رَوَيْنَا في صحيحي البخاري [رقم: 4889] ، ومسلم [رقم: 2054] ؛ عن أبي هريرة رضي الله عنهُ، قال: جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إني مجهودٌ؛ فأرسلَ إلى بعض نسائِه، فقالتْ: والذي بعثكَ بالحقّ ما عندي إلا ماءٌ؛ ثم أرسلَ إلى أخرى، فقالت مِثْلُ ذلكَ، حتَّى قلنَ كلهنّ مثلَ ذلك، فقال: "مَنْ يُضِيفُ هَذَا اللَّيْلَةَ، رَحِمَهُ اللَّهُ"، فقام رجلٌ من الأنصار، فقال: أنا يا رَسُولَ الله! فانطلقَ به إلى رحلهِ، فقال لامرأته: هل عندكِ شيءٌ؟ قالت: لا، إلا قوتُ صبياني؛ قال: فعلِّليهم بشيء، فإذا دخلَ ضيفُنا، فأطفئي السراجَ وأريه أنَّا نأكلُ؛ فإذا أنوى ليأكلَ فقومي إلى السراج حتى تطفيئه، فقعدُوا وأكلَ الضيفُ، فلما أصبحَ غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "قَدْ عَجِبَ اللَّهُ مِنْ صُنْعِكُما بِضَيْفِكُما اللَّيْلَةَ"، فأنزل الله تعالى هذه الآية: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 19] . [وسيرد برقم: 1416] . قلتُ: وهذا محمولٌ على أن الصبيان لم يكونوا محتاجين إلى الطعام حاجة ضرورية؛ لأن العادةَ أن الصبيّ، وإن كان شبعان، يطلبُ الطعامَ إذا رأى مَن يأكلُه. ويحملُ فعلُ الرجل والمرأة على أنهما آثرا بنصيبهما ضيفهما؛ والله أعلم.

 بابُ استحباب ترحيب الإِنسان بضيفه وحمده الله تعالى على حُصُوله ضيفاً عندهُ، وسروره بذلك، وثنائه عليه لكونه جعلَه أهلاً لذلك:

1215- روينا في صحيحي البخاري [رقم: 6018، 6019] ، ومسلم [رقم: 47] من طرق كثيرة؛ عن أبي هريرة وعن أبي شُرَيْحٍ الخزاعيّ رضيَ الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ كان يؤمن باللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فليكرم ضيفه". ["متن الأربعين النووية" رقم: 15؛ وسيرد برقم: 1694 و2080] . 1216- وَرَوَيْنَا في "صحيح مسلم" [رقم: 2038] ، عن أبي هريرة رضي الله عنهُ، قال: خرجَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ذاتَ يومٍ أو ليلةٍ، فإذا هو بأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، قال: "ما أخْرَجَكُما مِنْ بيوتكوما هَذِهِ السَّاعَةَ" قالا: الجوعُ يا رسول الله؛ قال: "وأنا، وَالَّذي نَفْسِي بِيَدِهِ، لأَخْرَجَني الَّذي أخْرَجَكُما، قُومُوا" فقاموا معهُ، فأتى رجلاً من الأنصارِ، فإذا ليس هو في بيتهِ، فلما رأتهُ المرأةُ، قالتْ: مرحبَاً وأهلاً؛ فقالَ لها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أيْنَ فلانٌ"؟ قالت: ذهبَ يستعذبُ لنا من الماء؛ إذ جاء الأنصاريّ، فنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه، ثم قال: الحَمْدُ لله، ما أحدٌ اليوم أكرمُ أضيافاً منّي. وذكر تمام الحديث.

 كتاب السلام والاستئذان وتشميت العاطس وما يتعلق بها

334-[السلام والاستئذان وتشميتُ العاطس وما يتعلق بها] : 1218- قال الله سبحانه وتعالى: {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً} [النور: 61] ، وقال تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء: 86] ، وقال تعالى: {لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا} [النور: 27] ، وقال تعالى: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [النور: 59] ، وقال تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ، إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ} [الذرايات: 24، 25] . وعلم أن أصلَ السَّلامِ ثابتٌ بالكتابِ والسنةِ والإِجماع. وأما أفرادُ مسائلهِ وفروعهِ فأكثرُ من أن تُحصر، وأن أختصرُ مقاصدهُ في أبواب يسيرةٍ إن شاء الله تعالى، وبه التوفيقُ والهدايةُ والإصابةُ والرعايةُ.

باب فصل السَّلامِ والأمرِ بإفشائه ... بابُ فضلِ السَّلامِ والأمرِ بإفشائه: 1219- روينا في صحيحي البخاري [رقم: 12] ، ومسلم [رقم: 39] رضي الله عنهما؛ عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أنَّ رجلاً سألَ رسُول الله صلى الله عليه وسلم: أيُّ الإِسلام خيرٌ؟ قال: "تُطعم الطَّعامَ، وَتَقْرأُ السَّلام على مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ". 1220- وَرَوَيْنَا في "صحيحيهما" [البخاري، رقم: 3326؛ ومسلم، رقم: 2841] ، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ آدَمَ على صُورَتِهِ، طولهُ سِتُّونَ ذِرَاعاً، فَلَمَّا خَلَقَهُ قال: اذْهَبْ فَسَلِّمْ على أُولَئِكَ: نفرٍ مِنَ المَلائِكَةِ جلُوس، فاسْتَمِعْ ما يُحَيُّونَكَ، فإنَّهَا تَحِيَّتُكَ وتحيةُ ذُريتك، فقال: السلامُ عَلَيْكُمْ، فَقالُوا: السَّلامُ عَلَيْكَ ورحمةُ اللَّهُ، فزادوهُ: ورحمةُ اللَّهِ". 1221- وَرَوَيْنَا في "صحيحيهما" [البخاري، رقم: 1239؛ ومسلم، 2066] ، عن البراء بن عازب رضي الله عنهما، قال: أمرنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بسبع: بعيادةِ المريض، واتِّباعِ الجنائز، وتشميتِ العاطسِ، ونصرِ الضعيفِ، وعوْنِ المظلومِ، وإفشاءِ السَّلامِ. وإبرارِ القَسَم. هذا لفظ إحدى روايات البخاري. 1222- وَرَوَيْنَا في "صحيح مسلم" [رقم: 54] ، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تَدْخُلُوا الجَنَّةَ حتَّى تُؤْمِنُوا، وَلا تُؤْمِنُوا حتَّى تحابُّوا، أوْلا أدُلُّكُمْ على شيءٍ إِذَا فعلتموهُ تَحابَبْتُمْ؟ أفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُمْ". 1223- وَرَوَيْنَا في مسند الدارمي [2/ 275] ، وكتابي الترمذي [رقم: 2485] وابن ماجه [رقم: 3251] وغيرها بالأسانيد الجيدة؛ عن عبد الله بن سلامٍ رضي الله عنه، قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يا أيُّهَا

النَّاسُ! أفْشُوا السَّلامَ، وأطْعِمُوا الطَّعامَ، وَصِلُوا الأرْحامَ، وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيامٌ، تَدْخُلُوا الجَنَّةَ بِسَلامٍ" قال الترمذي: حديثٌ صحيح. 1224- وَرَوَيْنَا في كتابي ابن ماجه [رقم: 3693] ، وابن السني [رقم: 215؛ عن أبي أمامة رضي اللهُ عنهُ، قال: أمَرَنَا نبيُّنا صلى الله عليه وسلم أن نُفشيَ السَّلامَ. 1225- وَرَوَيْنَا في موطأ الإِمام مالكٍ رضي الله عنه [2/ 961، 962] ، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، أن الطُّفيلَ بن أُبيّ بن كعبٍ أخبرهُ، أنه كان يأتي عبدَ الله بن عُمر، فيغدو معهُ إلى السوق، قال: فإذا عدونا إلى السوق لم يمرّ بنا عبدُ الله على سقاطٍ، ولا صاحبِ بيعةٍ، ولا مسكينٍ، ولا أحدٍ إلاَّ سلَّم عليهِ؛ قال الطفيلُ: فجئتُ عبدَ الله بن عمر يوماً، فاستتبعني إلى السوق، فقلتُ لهُ: ما تصنعُ بالسوق، وأنتَ لا تقفُ على البيْعِ، ولا تسألُ عن السِّلعِ، ولا تسومُ بها، ولا تجلسُ في مجالس السوق؟ قال: وأقولُ: اجلسْ بنا ها هنا نتحدّثْ! فقال لي ابن عمرَ: يا أبا بطن! -وكان الطفيلُ ذا بطنٍ- إنما نغدو من أجل السلام، نُسَلِّم على مَن لقيناه. 1226- وَرَوَيْنَا في "صحيح البخاري" [رقم: 20] ، عنه، قال: وقال عمارٌ رضي الله عنه: ثلاثٌ من جَمعهنّ فقد جمعَ الإِيمانَ: الإنصافُ من نفسك، وبذلُ السَّلام للعالم، والإِنفاقُ من الإِقتار. وَرَوَينْاَ هذا في غير البخاري مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مجمع الزوائد [1/ 56] . قلتُ: قد جمعَ الإيمانُ في هذه الكلمات الثلاث خيراتِ الآخرة والدنيا، فإنَّ الإِنصافَ يقتضي أن يؤدّي إلى الله تعالى جميع حقوقه، وما أمرهُ به، ويجتنب جميع ما نهاهُ عنهُ، وأن يؤدّي إلى الناس جميع حقوقهم، ولا يطلب ما ليس له، وأن ينصف أيضاً نفسه، لا يوقعها في قبيح أصلاً. وأما بذلُ السلام للعالم، فمعناهُ: لجميع الناس، فيتضمن ألا يتكبر على أحدٍ، وألا يكون بينه وبين أحدٍ جفاءٌ يمتنعُ من السلامِ عليه بسببه. وأما الإنفاقُ من الإقتار، فيقتضي كمال الوثوق بالله تعالى، والتوكل عليه، والشفقة على المسلمين إلى غير ذلك؛ فنسألُ الله تعالى الكريم التوفيق لجميعه.

بابُ كيفيّة السَّلام مدخل ... بابُ كيفيّة السَّلام: 1227- اعلم أن الأفضل أن يقول المسلم: السَّلامُ عَلَيْكُمْ ورحمةُ اللَّهِ وبركاتهُ؛ فيأتي بضمير الجمع، وإن كان المسلَّم عليه واحداً، ويقولُ المجيبُ: وَعَلَيْكُمُ السَّلامُ ورحمةُ اللَّهِ وبركاتهُ؛ ويأتي بواوِ العطفِ في قولهِ: وعليكم. وممّن نصّ على أن الأفضل في المبتدئ أن يقول: "السلام عليكم ورحمةُ الله وبركاتهُ" الإمامُ أقضى القضاةِ أبو الحسن الماورديّ في كتابه "الحاوي" في كتاب السِّيَر؛ والإمامُ أبو سعدٍ المتولي من أصحابنا في كتابِ صلاة الجمعة وغيرهما. 1228- ودليله ما رويناه في مسند الدارمي [2/ 277] ، وسنن أبي داود [رقم: 5195] ، والترمذي [رقم: 2689] ؛ عن عمران بن الحصين رضي الله عنهما، قال: جاء رجلٌ إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقال: السلام عليكم؛ فزد عليه، ثم جلس، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "عشرٌ"، ثم جاء آخر، فقال: السلام عليكم ورحمة الله؛ فردّ عليه، ثم جلس، فقال: "عِشْرُونَ"، ثم جاء آخر، فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاتُه؛ فردّ عليه، فجلس، فقال: "ثلاثُون". قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ.

1229- وفي رواية لأبي داودَ [رقم: 1596] ، من روايةِ معاذِ بنِ أنسٍ رضي اللهُ عنهُ زيادة على هذا، قال: ثُمَّ أتى آخرُ، فقال: السلام عليكم ورحمةُ الله وبركاتهُ ومغفرته، فقال: "أرْبَعُونَ"، وقال: "هَكَذَا تَكُونُ الفَضَائِلُ". 1230- وَرَوَيْنَا في "كتاب ابن السني" [رقم: 234] بإسناد ضعيفٍ؛ عن أنس رضي الله عنه، قال: كان رجلٌ يمرّ بالنبيّ صلى الله عليه وسلم يَرعى دوابّ أصحابه، فيقولُ: السلامُ عَلَيْكَ يا رَسُولَ الله! فيقول له النبيّ صلى الله عليه وسلم: "وَعَلَيْكَ السَّلامُ ورحمةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ وَمَغْفِرَتُهُ وَرِضْوَانُهُ" فقيل: يا رسول الله! تُسَلِّم على هذا سلاماً ما تسلمهُ على أحدٍ من أصحابك؟ قال: "وَمَا يَمْنَعُنِي مِنْ ذلكَ، وَهُوَ يَنْصَرِفُ بأجْرِ بِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلاً؟! ". 1231- قال أصحابنا: فإن قال المبتدئ: السلام عليكم، حصل السلامُ؛ وإن قال: السلامُ عليكَ، أو سلامٌ عليكَ، حصل أيضاً. وأما الجوابُ فأقلهُ: وعليكَ السلامُ، أو وعليكم السلامُ؛ فإن حذف الواو فقال: عليكمُ السلامُ، أجزأهُ ذلك وكان جواباً، هذا هو المذهب الصحيح المشهور الذي نصّ عليه إمامنا الشافعي رحمه الله في "الأُم"، وقاله جمهور أصحابنا، وجزم أبو سعدٍ المتولّي من أصحابنا في كتابه "التتمة" بأنه لا يجزئه ولا يكون جواباً؛ وهذا ضعيف أو غلطٌ، وهو مخالفٌ للكتاب والسنّة ونصّ إمامنا الشافعي. أما الكتاب، فقال الله تعالى: {فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ} [هود: 69] وهذا وإن كان شرعاً لِما قَبْلنا، فقد جاء شرعنا بتقريره، وهو حديثُ أبي هريرة الذي قدمناهُ في جواب الملائكة آدمُ صلى الله عليه وسلم، فإن النبي صلى صلى الله عليه وسلم أخبرنا [كما تقدم برقم: 1220] : أن الله تعالى: قال: "هي تحيتك وتحية ذرّيتك" وهذه الأمة داخلة في ذرّيته؛ والله أعلمُ. واتفق أصحابنا على أنه لو قال في الجواب: عليكم، لم يكن جواباً، فلو قال: وعليكم، بالواو، فهل يكون جواباً؟ فيه وجهان لأصحابنا، ولو قال المبتدئ: سلامٌ عليكم، أو قال: السلامُ عليكم، فللمُجيب أن يقول في الصورتين: سلامٌ عليكم، وله أن يقول: السلام عليكم، قال الله تعالى: {فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ} [هود: 69] . قال الإمام أبو الحسن الواحدي من أصحابنا: أنت في تعريف السلام وتنكيره بالخيار؛ قلتُ: ولكن الألف واللام أولى.

337- فصل [استحباب تكرير السلام] : 1232- وَرَوَيْنَا في "صحيح البخاري" [رقم: 94] ، عن أنس رضي الله عنه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، أنه كان إذا تكلم بكلمةٍ أعادة ثلاثاً حتى تُفهم عنهُ، وإذا أتى على قومٍ، فسلَّم عليهم، سلم عليهم ثلاثًا [وسيرد برقم: 1667] . قلتُ: وهذا الحديث محمولٌ على ما إذا كان الجمعُ كثيراً، وسيأتي بيانُ هذه المسألة، وكلامُ الماوردي صاحب "الحاوي" فيها إن شاء الله تعالى [الباب رقم: 364] .

338- فصل [رفع الصوت بالسلام] : 1233- وأقل السَّلام الذي يصيرُ به مسلمًا مؤدّياً سنّة السلام أن يرفع صوته بحيث يُسمع المسلَّم عليه، فإن لم يسمعهُ لم يكن آتياً بالسلام، فلا يجب الردّ عليه. وأقلّ ما يسقط به فرض ردّ السلام أن يرفع صوتهُ بحيثُ يسمعهُ المسلمُ، فإن لم يسمعهُ لم يسقط عنهُ فرضُ الردّ، ذكرهما [أبو سعد] المتولي وغيره. قلتُ: والمستحبُ أن يرفع صوته رفعاً يسمعهُ به المسلَّم عليه، أو عليهم سماعاً محققاً، وإذا تشكك في أنه يسمعهم زاد في رفعه، واحتاط واستظهر، أما إذا سلَّم على أيقاظ عندهم نيامٌ، فالسنّة أن يخفضَ صوتَه بحيث يَحصل سماعُ الأيقاظ، ولا يستيقظ النيامُ. 1234- رَوَيْنَا في "صحيح مسلم" [رقم: 2055] في حديث المقداد رضي الله عنه الطويل، قال: كنّا نرفع للنبيّ صلى الله عليه وسلم نَصيبه من اللبن، فيجيء من الليل، فيسلمُ تسليماً لا يُوقظُ نائماً ويسمعُ اليقظانَ، وجعل لا يجيئني النومُ، وأما صاحباي فناما، فجاء النبيّ صلى الله عليه وسلم، فسلَّم كما كان يُسلِّم؛ والله أعلمُ.

339- فصل [في ردّ السلام على الفور] : 1235- قال الإِمام أبو محمدٍ القاضي حسينُ، والإمامُ أبو الحسن الواحدي، وغيرهما من أصحابنا: ويُشترط أن يكون الجوابُ على الفور، فإن أَخَّرهُ ثم ردّ، لم يعدّ جواباً، وكان آثماً بترك الردّ.

بابُ ما جاء في كَراهةِ الإِشارة بالسَّلام باليد ونحوها بلا لفظ: 1236- رَوَيْنَا في "كتاب الترمذي" [رقم: 2695] ، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، قال: "لَيْسَ مِنّا مَنْ تَشَبَّهَ بِغَيْرِنَا، لا تشبهوا باليهود ولا بالنَّصَارَى، فإنَّ تَسْلِيمَ اليَهُودِ الإِشارَةُ بالأصَابِعِ، وَتَسْلِيمَ النَّصَارَى الإِشارَةُ بالكَفّ" قال الترمذي: إسناده ضعيف. 1237- قلتُ: وأما الحديثُ الذي رَوَيْنَاهُ في كتاب الترمذي [رقم: 2697] ، عن أسماءَ بنتِ يزيدَ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ في المسجد يوما، وعصبة من النساء قعودٌ، فألوى1 بيده بالتسليم، قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ. فهذا محمولٌ على أنهُ صلى الله عليه وسلم جمع بين اللفظ والإِشارة، يدلُ على هذا أن أبا داود روى هذا الحديث [رقم: 5204] وقال في روايته: "فسلم علينا" [وسيرد برقم 1269] ؛ واللهُ أعلمُ.

بابُ حُكْمِ السَّلاَم مدخل ... بابُ حُكمِ السلامِ: 1238- اعلم أن ابتداء السَّلامِ سنةٌ مستحبةٌ ليس بواجبٍ، وهو سنةٌ على الكفاية، فإن كان المسلمُ جماعة، كفى عنهم تسليمُ واحدٍ منهُم، ولو سلَّموا كلهُم كان أفضل. قال الإِمام القاضي حسينُ من أئمةِ أصحابنا في كتاب السير من تعليقه: ليس لنا سنةٌ على الكفاية إلا هذا. قلتُ: وهذا الذي قالهُ القاضي من الحصر ينكرُ عليه، فإن أصحابنا رحمهمُ الله قالوا: تشميتُ العاطسِ سنةٌ على الكفاية، كما سيأتي بيانه قريباً إن شاء الله تعالى. وقال جماعةٌ من أصحابنا بل كلهم: الأُضحية سنّةٌ على الكفاية في حقّ كل أهل بيتٍ، فإذا ضحَّى واحدٌ منهم حصل الشعارُ والسنّة لجميعهم. وأما ردّ السلام، فإن كان المسلمُ عليهِ واحداً تعينَ عليهِ الردُ، وإن كانوا جماعةً كان ردُ السلام فرضُ كفايةٍ عليهم، فإن ردّ واحدٌ منهم سقطَ الحرج عن الباقين، وإن تركوه كلُّهم أثموا كلُّهم، وإن ردّوا كلُّهم فهو النهايةُ في الكمال والفضيلة، كذا قاله أصحابنا، وهو ظاهر حسنٌ، واتفق أصحابنا على أنه لو ردّ غيرُهم لم يسقط عنهم الرد، بل يجب عليهم أن يردّوا، فإن اقتصروا على ردّ ذلك الأجنبيّ أثموا. 1239- رَوَيْنَا في "سنن أبي داود" [رقم: 5210] ، عن عليّ رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "يُجزئ عَنِ الجماعةِ إذَا مَرُّوا أنْ يُسلم أحدهُم، ويجزئُ عَنِ الجلوسِ أنْ يردَّ أحدُهم". 1240- وَرَوَيْنَا في الموطأ [2/ 959] ، عن زيد بن أسلم رضي الله عنهُ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا سَلَّمَ واحدٌ مِنَ القَوْمِ أَجْزَأ عَنْهُمْ" قلت: هذا مرسلٌ صحيحُ الإسناد. __________ 1 في نسخة: "فأشار".

342- فصل [وجوب الرد على من بلغه السلام] : 1241- قال الإمامُ أبو سعدٍ المتولي وغيرهُ: إذا نادى إنسانٌ إنساناً من خلفِ سترٍ أو حائطٍ، فقالَ: السلامُ عليك يا فلانٌ، أو كتب كتاباً فيهِ: السلامُ عليكَ يا فلانٌ، أو السلامُ على فلانٍ؛ أو أرسل رسُولًا، وقال: سلّم على فلانٍ؛ فبلغهُ الكتاب أو الرسولُ، وجب عليه أن يردّ عليه السلام، وكذا ذكر الواحدي وغيرهُ أيضاً أنهُ يجبُ على المكتوبِ إليه ردّ السلامِ إذا بلغهُ السلامُ. 1242- وَرَوَيْنا في "صحيحي" [البخاري قم: 3768] ، ومسلم [رقم: 2447] ؛ عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " [يا عائشة!] هَذَا جِبْرِيلُ يَقْرأُ عَلَيْكِ السَّلامَ" قالت: قلتُ: وعليه السلام ورحمةُ الله وبركاتهُ، هكذا وقع في بعض روايات "الصحيحين": "وبركاته"، ولم يقع في بعضها، وزيادة الثقة مقبولةٌ. ووقع في "كتاب الترمذي" [رقم: 2693] : وبركاته وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. 1243- ويستحبُ أن يرسلَ بالسلامِ إلى مَن غاب عنهُ.

343- فصل [إذا بلغه سلامٌ من غائبٍ وجبَ عليهِ الردُ على الفور] : 1244- إذا بعث إنسانٌ مع إنسانٍ سلاماً، فقال الرسولُ: فلانٌ يسلّم عليك، فقد قدَّمنا أنه يجب عليه أن يردّ على الفور، ويستحبّ أن يردّ على المبلغِ أيضاً، فيقولُ: وعليك وعليه السلام. 1245- وَرَوَيْنَا في "سنن أبي داود" [رقم: 5231] ، عن غالب القطان، عن رجُلٍ، قال: حدّثني أبي، عن جدي، قال: بعثني أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ائته فأقرئه السلام، فأتيتهُ، فقلتُ: إن أبي يُقرئك السلام، فقال: "عَلَيْكَ [السَّلامُ] وَعلى أبِيكَ السَّلامُ". قلتُ: وهذا وإن كان فيه رواية عن مجهول1، فقد قدّمنا أن أحاديثَ الفضائل يُتسامح فيها عند أهل العلم كلهم. __________ 1 قال الحافظ: فيه تجوز عن الاصطلاح؛ لأن من لم يسم يقال له: مبهم، والمجهول إذا أطلق يراد من سمي ولم يروِ عنه إلا واحدٌ، ولم يعرف حاله؛ والله أعلم. ["الفتوحات الربانية" 5/ 312"] .

344- فصل [السلام على الأصم] : 1246- قال [أبو سعد] المتولي: إذا سلم على أصمّ لا يسمع، فينبغي أن يتلفظ بلفظ السلام لقدرته عليه، ويشير باليد حتى يحصل الإِفهام، ويستحقّ الجوابُ، فلو لم يجمع بينهما لا يستحقّ الجواب. قال: وكذا لو سلم عليه أصمُ، وأراد الرد فيتلفظ باللسان، ويشيرُ بالجواب ليحصل به الإِفهام، ويسقط عنه فرض الجواب. قال: ولو سلّم على أخرس، فأشار الأخرس باليد سقط عنه الفرض؛ لأن إشارتهُ قائمةٌ مقامَ العبارةِ، وكذا لو سلَّم عليه أخرسُ بالإِشارة يستحق الجواب لما ذكرنا.

345- فصل [السلام على الصبي] : 1247- قال [أبو سعدٍ] المتولي: لو سلَّم على صبيّ لا يجب عليه الجوابُ؛ لأن الصبيّ ليس من أهل الفرض، وهذا الذي قالهُ صحيحُ، لكن الأدب والمستحبّ له الجواب. قال القاضي حسين وصاحبه المتولّي: ولو سلَّم الصبي على بالغ، فهل يجب على البالغ الرد؟ فيه وجهان ينبنيان على صحة إسلامه، إن قلنا: يصحّ إسلامهُ، كان سلامهُ كسلام البالغ؛ فيجبُ جوابهُ. وإن قُلنا: لا يصحّ إسلامهُ، لم يجب ردّ السلامِ لكن يُستحبّ. قلت: الصحيحُ من الوجهين وجوب ردّ السلام لقول الله تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء: 86] ؛ وأما قولهما: إنه مبنيّ على إسلامه، فقال الشاشي: هذا بناءٌ فاسدٌ؛ وهو كما قال؛ والله أعلمُ. ولو سلم بالغٌ على جماعةٍ فيهم صبيّ، فردّ الصبيّ ولم يردّ منهم غيرهُ، فهل يسقطُ عنهم؟ فيه وجهانِ: أصحُّهما -وبه قال القاضي حسينُ، وصحابه المتولي- لا يسقط؛ لأنه ليس أهلاً للفرض، والردّ فرضٌ، فلم يسقط به، كما لا يسقطُ به الفرضُ في الصلاةِ على الجنازة، والثاني -وهو قول أبي بكر الشاشي صاحب "المستظهري" من أصحابنا- أنه يسقط، كما يصحّ أذانه للرجال، ويسقط عنهم طلبُ الأذان. قلتُ: وأما الصلاةُ على الجنازةِ فقد اختلفَ أصحابُنا في سقوطِ فرضها بصلاةِ الصبيّ على وجهينِ مشهورين: الصحيحُ منهُما عندَ الأصحابِ أنهُ يسقطُ، ونصَّ عليهِ الشافعيُ؛ واللهُ أعلمُ.

346- فصلُ [تكرار السلام في كُل لقاء] : 1248- إذا سُلِّم عليه إنسانٌ، ثم لقيهُ على قربٍ، يُسنُ لهُ أن يسلمَ عليهِ ثانياً وثالثاً وأكثر، اتَّفق عليه أصحابُنا، ويدلُ عليهِ: 1249- ما رويناهُ في صحيحي البخاري [رقم: 793] ، ومسلم [رقم: 39] ؛ عن أبي هريرة رضي الله عنهُ في حديث المسيء صلاتهُ أنهُ جاءَ، فصلَّى، ثم جاء إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، فسلَّم عليه، فردّ عليه السلام، وقال: "ارْجِعْ فصلِّ، فإنَّكَ لَمْ تصلِّ"، فرجعَ، فَصلَّى، ثم جاء فسلَّم على النبيّ صلى الله عليه وسلم، حتى فعلَ ذلك ثلاثَ مرّاتٍ. 1250- وَرَوَيْنَا في "سنن أبي داود" [رقم: 5200] ، عن أبي هريرة رضي الله عنهُ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "إِذَا لَقِيَ أحَدُكُمْ أخاهُ فَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ، فإنْ حالَتْ بَيْنَهُما شجرةٌ أوْ جدارٌ أوْ حجرٌ، ثُم لقيهُ، فليُسلم عَلَيْهِ". 1251- وَرَوَيْنَا في "كتاب ابن السني" [رقم: 244] ، عن أنس رضي الله عنهُ، قال: كانَ أصحابُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم يتماشَون، فإذا استقبلتهم شجرةٌ أو أكمةٌ، فتفرّقوا يميناً وشمالاً، ثم التقوا من ورائها، سلَّم بعضُهم على بعضٍ.

347- فصل [سلام المتلاقيين معًا] : 1252- إذا تلاقى رجلان، فسلَّم كلُّ واحدٍ منهما على صاحبه دفعة واحدة، أو أحدُهُما بعد الآخر، فقال القاضي حسين وصاحبه أبو سعدٍ المتولّي: يَصير كلُّ واحدٍ منهما مبتدئاً بالسلام، فيجب على كل واحد منهما أن يردّ السلام على صاحبهِ. وقال الشاشي: هذا فيه نظرٌ، فإن هذا اللفظ يَصلح للجواب، فإذا كان أحدهُما بعد الآخر كان جواباً، وإن كان دفعة لم يكن جواباً، وهذا الذي قال الشاشي هو الصواب.

348- فصل [حكم من قال إِذَا لَقِيَ إنسانًا: وعليكم السلام] : 1253- إذا لقي إنسان إنسانًا، فقال المبتدئ: وعليكم السلام، قال المتولي: لا يكونُ ذلك سلاماً، فلا يستحقّ جواباً؛ لأنّ هذه الصيغة لا تصلحُ للابتداء. 1254- قلتُ: أما إذا قال: عليك، أو عليكم السلام، بغير واوٍ؛ فقطع الإمامُ أبو الحسنِ الواحدي بأنه سلامٌ يتحتمُ على المخاطَب به الجوابُ، وإن كان قد قلب اللفظ المعتادَ، وهذا الذي قالهُ الواحدي هو الظاهرُ. وقد جزم أيضاً إمامُ الحرمين به، فيجبُ فيه الجوابُ؛ لأنه يُسمى سلاماً، ويحتملُ أن يُقال في كونهِ سلاماً وجهانِ، كالوجهين لأصحابنا فيما إذا قال في تحلّله من الصلاة: "عليكم السلامُ"، هل يحصلُ به التحللُ، أم لا؟ الأصحُ أنهُ يحصلُ، ويحتملُ أن يقالَ: إن هذا لا يستحقُ فيه جواباً بكل خالٍ. 1255- لِمَا رَوَيْنَاه في "سنن أبي داود" [رقم: 4084] ، والترمذي [رقم: 2721] ، وغيرهما؛ بالأسانيد الصحيحة، عن أبي جُرَيِّ الهجيميّ الصحابي رضي الله عنهُ، واسمهُ جابرُ بنُ سليم؛ وقيل: سليمُ بن جابرٍ، قال: أتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلتُ: عليك السلامُ يا رسول الله، قال: "لا تقُل عَلَيْكَ السلامُ، فإنَّ عَلَيْك السلامُ تحِيَّةُ المَوْتَى"، قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. قلتُ: ويحتملُ أن يكونَ هذا الحديثُ وردَ في بيانِ الأحسن والأكملِ، ولا يكونُ المرادُ أن هذا ليس بسلامٍ؛ واللهُ أعلمُ. وقد قال الإمامُ أبو حامد الغزالي في "الإِحياء" 2/ 205] : يُكره أن يقول ابتداء: عليكم السلام، لهذا الحديث، والمختار أنه يكرهُ الابتداء بهذه الصيغة، فإن ابتدأ وجب الجوابُ؛ لأنه سلامٌ.

349- فصل [استحباب البدء بالسلام قَبل الكلام] : 1256- السنّة أن المسلِّم يبدأ بالسلام قبل كل كلامٍ، والأحاديثُ الصحيحةُ، وعملُ سلفِ الأمةِ وخلفها على وفق ذلك مشهورةٌ، فهذا هو المعتمدُ في دليلِ الفصلِ. وأما الحاديث الذي رَوَيْنَاهُ في كتاب الترمذي [رقم: 2699] ، عن جابر رضي الله عنهُ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "السلامُ قَبْلَ الكَلامِ" فهو حديثٌ ضعيفُ، قال الترمذي: هذا حديثٌ مُنكر.

350- فصل [فضل البدء بالسلام] : 1258- الابتداءُ بالسلامِ أفضلُ. لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح عند البخاري، [رقم: 6077] ؛ ومسلم، [رقم: 2560] : "وَخَيْرُهُما الَّذي يَبْدأُ بالسلام". فينبغي لكل واحد من المتلاقيين أن يحرص على أن يبتدئ باالسلام. 1259- وَرَوَيْنَا في "سنن أبي داود" [رقم: 5197] ، بإسناد جيد، عن أبي أمامةَ رضي الله عنهُ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ أوْلَى النَّاسِ باللَّهِ مَنْ بَدأَهُمْ بالسَّلامِ". وفي رواية الترمذي [رقم: 2694] ، عن أبي أُمامة، قيل: يا رسول الله! الرجلان يلتقيان، أيّهما يبدأ بالسلام؟ قال: "أَوْلاهما باللَّهِ تَعالى"، قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ.

بابُ الأحوالِ التي يُستَحَبُّ فيها: السَّلامُ، والتي يُكرهُ فيها، والتي يُباح: 12360- اعلم أنّا مأمورون بإفشاء السلام كما قدمناهُ، ولكنه يتأكد في بعض الأحوال ويخفّ في بعضها. وينهي عنه في بعضها. 1261- فأما أحوال تأكده، واستحبابه فلا تنحصر، فإنها الأصل، فلا نتكلف التعرّض لأفرادها. واعلم أنه يدخل في ذلك السلام على الأحياء والموتى، وقد قدّمنا في كتاب أذكار الجنائز كيفية السلام على الموتى [برقم: 873 وما بعده] . 1262- وأما الأحوال التي يُكره فيها أو يجب1 أو يُباح، فهي مستثناهٌ من ذلكن فيحتاجُ إلى بيانها، فمن ذلك إذا كان المسلمُ عليه مشتغلاً بالبول أو الجماع أونحوهما، فيُكره أن يُسلَّم عليه، ولو سلَّم لا يستحقّ جواباً، ومن ذلك من كان نائماً أو ناعساً، ومن ذلك من كان مُصلياً أو مؤذناً في حال أذانه، أو إقامته الصلاةَ، أو كان في حمام، أو نحو ذلك من الأمور التي لا يُؤثر السلام عليه فيها، ومن ذلك إذا كان يأكلُ واللقمة في فمه، فإن سلَّم عليه في هذه الأحوال لم يستحقَّ جواباً، أما إذا كان على الأكل، وليست اللقمةُ في فمه، فلا بأسَ بالسلام، ويجبُ الجواب. وكذلك في حال المبايعة وسائر المعاملات يسلمن ويجب الجواب. 1263- وأما السلامُ في حال خطبة الجمعةِ، فقال أصحابُنا: يكرهُ الابتداءُ به؛ لأنهم مأمورون بالإِنصات للخطبة، فإن خالفَ وسلَّم فهل يُرَدّ عليه؟ فيه خلافٌ لأصحابنا، منهم مَن قال: لا يردُ عليهِ لتقصيره، ومنهم مَن قال: إن قُلنا: إن الإنصاتَ واجبٌ لا يردُ عليه، وإن قُلنا: إن الإِنصاتَ سنةٌ؛ رَدَّ عليه واحد من الحاضرين، ولا يردُ عليه أكثرُ من واحد على كل وجه. 1264- وأما السَّلامُ على المشتغل بقراءة القرآن، فقال الإِمامُ أبو __________ 1 في نسخة: "أو يخف" قال ابن علاّن 5/ 328: أي أصل الاستحباب، فيكون سنة ملحقة بالآداب. اهـ.

الحسن الواحدي: الأولى ترك السلام عليه لاشتغاله بالتلاوة، فإن سلَّم1 عليه كفاهُ الردّ بالإِشارة، وإن ردّ باللفظ استأنف الاستعاذة، ثم عاد إلى التلاوة؛ هذا كلامُ الواحدي، وفيه نظرٌ؛ والظاهرُ أنه يُسلمُ عليه، ويجب الرد باللفظ [راجع "التبيان في آداب حملة القرآن" رقم: 300] . 1265- أما إذا كان مشتغلاً بالدعاءِ مُستغرقًا فيه مُجمع القلب عليه، فيحتمل أن يُقال: هُو كالمشتغل بالقراءةِ على ما ذكرناه، والأظهر عندي في هذا أنه يكرهُ السلامُ عليه، لأنه يتنكد به، ويشقُ عليه أكثر من مشقة الأكل. 1266- وأما الملبِّي في الإِحرام، فيكرهُ أن يُسلَّم عليه؛ لأنه يكرهُ له قطعُ التلبية، فإن سُلِّم عليه ردَّ السلامَ باللفظ؛ نصّ عليه الشافعي وأصحابنا رحمهُم الله. 352- فصل [أحكام رد السلام] : 1267- قد تقدمت الأحوالُ التي يكرهُ فيها السلامُ [رقم: 1262] ، وذكرنا لأنه لا يستحقّ فيها جواباً، فلو أراد المسلمُ عليه أن يتبرع بردّ السلام، هل يشرعُ لهُ، أو يُستحبّ؟ فيه تفصيلٌ. فأما المشتغل بالبول ونحوه فيكرهُ له ردُّ السلام، وقد قدَّمنا هذا في أول الكتاب [رقم: 146 - 148] . وأما الأكل ونحوه، فيُستحبّ له الجواب في الموضع الذي لا يجب. وأما المصلِّي، فيحرم عليه أن يقول: وعليكم السلامُ، فإن فعلَ ذلك بطلتْ صلاتهُ إن كان عالماً بتحريمه، وإن كان جاهلاً لم تبطل على أصحّ الوجهين عندنا، وإن قال: عليه السلامُ، بلفظ الغَيبة، لم تبطُل صلاتُه؛ لأنه دُعاء ليس بخطابٍ. والمستحبُ أن يردّ عليه في الصلاةِ بالإِشارة، ولا يتلفظ بشيء، وإن ردّ بعد الفراغ من الصلاةِ باللفظ فلا بأس. وأما المؤذنُ فلا يكرهُ له ردُّ الجوابِ بلفظه المعتاد؛ لأن ذلك يسير لا يُبطل الأذانَ، ولا يُخل به. __________ 1 يجوز بالصيغتين، بالبناء للمعلول وللمجهول.

بابُ مَن يُسلَّمُ عليه ومن لا يُسلَّمُ عليه، ومَنْ يُردّ عليه ومن لا يرد عليه مدخل ... 353- بابُ مَن يُسلَّمُ عليه ومن لا يُسلَّمُ عليه، ومَنْ يُردّ عليه ومن لا يُرَدّ عليه: 1268- اعلم أنَّ الرجلَ المسلمَ الذي ليس بمشهورٍ بفسقٍ ولا بدعةٍ، يسلمُ ويسلمُ عليه، فيُسنّ له السلامُ، ويجبُ الردُ عليه. قال أصحابُنا: والمرأةُ مع المرأةِ كالرجُل مع الرجل. وأما المرأة مع الرجل؛ فقال الإمامُ أبو سعدٍ المتوليّ: إن كانت زوجته، أو جاريتهُ، أو محرمًا من محارمه، فهي معهُ كالرجل، فيستحبّ لكل واحدٍ منهما ابتداءُ الآخر بالسلام، ويجب على الآخر ردّ السلام عليه؛ وإن كانت أجنبيةً، فإن كانت جميلةً يُخاف الافتتانُ بها لم يُسَلِّم الرجل عليها، ولو سلَّمَ لم يجز لها ردّ الجوابِ، ولم تسلّم هي عليه ابتداءً، فإن سلَّمتْ لم تستحق جواباً، فإن أجابها كُره لهُ، وإن كانت عجوزاً لا يُفتتنُ بها جاز أن تسلِّم على الرجل، وعلى الرجل ردّ السلام عليها. قلتُ: وإذا كانت النساء جمعاً فيسلمُ عليهنَّ الرجلُ، أو كان الرجالُ جمعاً كثيراً فسلَّموا على المرأةِ الواحدة جازَ، إذا لم يخف عليهِ، ولا عليهنّ، ولا عليها ولا عليهم فتنةٌ. 1269- روينا في "سنن أبي داود" [رقم: 5204] ، والترمذي [رقم: 2697] ، وابن ماجه [رقم: 3701] وغيرها؛ عن أسماءَ بنت يزيدَ رضي اللهُ عنها، قالت: مرَّ علينا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في نسوةٍ، فسلَّم علينا. قال الترمذي:

حديثُ حسن مر [برقم: 1237] . وهذا الذي ذكرته لفظ رواية أبي داود. وأما رواية الترمذي [رقم: 2697] ، ففيها: عن أسماء، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ في المسجد يوما وعصبةٌ من النساءِ قعودٌ، فألوَى بيده بالتسليم. 1270- وروينا في "كتاب ابن السني" [رقم: 224] ، عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ على نسوةٍ، فسلّم عليهنّ. 1271- وروينا في "صحيح البخاري" [رقم: 6248] ، عن سهل بن سعدٍ الساعدي رضي الله عنه، قال: كانتْ فينا امرأةٌ -وفي روايةٍ: كانتْ لنا عجوزٌ- تأخذُ من أصولِ السلقِ، فتطرحهُ في القدرِ، وتكركرُ حباتٍ من شعيرٍ، فإذا صلّينا الجمعةَ، انصرفنا نسلمُ عليها، فتقدمه إلينا. قلتُ: "تكركر" معناهُ: تطحنُ. 1272- وروينا في "صحيح مسلم" [رقم: 336] ، عن أم هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنها، قالت: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم يومَ الفتح، وهو يغتسلُ، وفاطمةُ تسترهُ، فسلمتُ ... وذكرت الحديث [وسيأتي برقم: 1320] .

354- فصل [حكم بدء أهل الذمة بالسلام] : 1273- وأما أهل الذمّة، فاختلف أصحابُنا فيهم، فقطع الأكثرون بأنه لا يجوز ابتداؤهم بالسلام. وقال آخرون: ليس هو بحرامٍ، بل هو مكروه، فإن سلَّمُوا هم على مسلمٍ قال في الردّ: وعليكم، ولا يزيدُ على هذا. وحكى أقضى القضاة الماورديّ وجهاً لبعض أصحابنا، أنه يجوز ابتداؤهم بالسلام، لكنْ يقتصرُ المسلمُ على قوله: السلام عليك، ولا يذكرُه بلفظ الجمع. وحكى الماوردي وجهاً أنه يقولُ في الردّ عليهم إذا ابتدؤوا: وعليكم السلامُ، ولكن لا يقولُ: ورحمةُ الله؛ وهذان الوجهان شاذان ومردودان.

1274- روينا في "صحيح مسلم" [رقم: 2167] ، عن أبي هريرة رضي الله عنهُ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تبدؤوا اليَهُودَ وَلا النَّصَارَى بالسَّلامِ، فإذَا لقيتُمْ أحَدَهُمْ في طَريقٍ فاضْطَرُوهُ إلى أضْيَقِهِ". 1275- وَرَوَيْنَا في "صحيح البخاري" [رقم: 6258] ، ومسلم [رقم: 2163] ؛ عن أنس رضي الله عنهُ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذَا سلَّم عَلَيْكُمْ أهْلُ الكِتابِ، فَقُولُوا: وَعَلَيْكُمْ". 1276- وَرَوَيْنَا في "صحيح البخاري" [رقم: 6024] ، عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمُ اليَهُودُ، فإنَّمَا يقولُ أحدُهُم: السَّامُ 1 عَلَيْكَ، فَقُلْ: وَعَلَيْكَ". وفي المسألةِ أحاديثُ كثيرةٌ بنحوِ ما ذكرنا؛ والله أعلم. 1277- قال أبو سعدٍ المتولي: ولو سلَّم على رجلٍ ظنهُ مُسلمًا، فبانَ كافراً، يستحبُ أن يستردّ سلامهُ، فيقولُ لهُ: رُدّ عليّ سلامي؛ والغرض من ذلك أن يوحشه، ويظهرَ له أنه ليس بينهما ألفةٌ. ورُوي أن ابن عُمر رضي الله عنهُما سلَّم على رجلٍ، فقيل لهُ: إنه يهوديُ؛ فتبعهُ، وقال له: ردّ عليَّ سلامي. قلتُ: وقد رَوَيْنَا في موطأ مالك رحمه الله [2/ 960] ، أن مالكاً سُئل عمّن سلَّم على اليهوديّ، أو النصراني؛ هل يستقيلهُ ذلك؟ فقال: لا؛ فهذا مذهبهُ. واختارهُ ابن العربي المالكي. قال أبو سعدٍ: لو أراد تحية ذميّ فَعَلَهَا بغير السلامِ: بأن يقول: هداك اللهُ، أو أنعم الله صباحك. __________ 1 ومعنى السَّام: الموت.

قلتُ: هذا الذي قالهُ أبو سعدٍ لا بأس به إذا احتاج إليه، فيقول: صُبِّحْتَ بالخير، أو بالسعادة، أو بالعافية، أو صبَّحَك الله بالسرور، أو بالسعادة والنعمة، أو بالمسرّة، أو ما أشبه ذلك. وأما إذا لم يحتج إليه فالاختيارُ ألا يقول شيئاً، فإن ذلك بسطُ له، وإيناسٌ، وإظهارُ صورةِ ودّ، ونحن مأمورون بالإِغلاظ عليهم، ومنهيّون عن ودّهم فلا تظهرهُ؛ واللهُ أعلم. 355- فرع [في السلام على أخلاط من الناس] : 1278- إذا مرّ واحدٌ على جماعةٍ فيهم مُسلمُونَ، أو مسلمٌ وكفارٌ، فالسنةُ أن يُسلمَ عليهم، ويقصدَ المسلمين، أو المسلم. 1279- رَوَيْنَا في صحيحي البخاري [رقم: 6254] ، ومسلم [رقم: 1798] ؛ عن أسامة بن زيدٍ رضي اللهُ عنهُما، أن النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ على مجلسٍ فيه أخلاطٌ من المسلمينَ والمشركين عبدةِ الأوثانِ واليهود، فسلَّم عليهم النبيّ صلى الله عليه وسلم. 356- فرعُ [في حكم السلام على المشرك في الكتاب] : 1280- إذا كتب كتاباً إلى مشركٍ وكتبَ فيه سلاماً أو نحوهُ؛ فينبغي أن يكتُبَ ما رَوَيْنَاهُ في صحيحي البخاري [رقم: 7] ، ومسلم [رقم: 1773] ؛ في حديث أبي سفيان رضي الله عنهُ في قصة هرقل، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب: "من مُحمدٍ عبد الله ورسولهِ، إلى هرقلَ عظيمِ الرومِ، سلامٌ على مَن اتبع الهدى". 357- فرعٌ فيما يقولُ إذا عَادَ ذمِّيًّا: 1281- اعلم أن أصحابنا اختلفوا في عيادة الذميّ، فاستحبَّها جماعة، ومنعها جماعةٌ؛ وذكر الشاشي الاختلاف، ثم قال: الصوابُ عندي أن يُقال:

عيادةُ الكافر في الجملة جائزة، والقربةُ فيها موقوفةٌ على نوعِ حرمةٍ تقترنُ بها من جوارٍ أو قرابةٍ. 1282- قلتُ: هذا الذي ذكره الشاشيُّ حسنٌ، فقد رَوَيْنَا في صحيح البخاري [رقم: 1356] ، عن أنس رضي الله عنه، قال: كان غلامٌ يهوديٌّ يخدُم النبيَّ صلى الله عليه وسلم فمرضَ، فأتاه النبيُّ صلى الله عليه وسلم يعودهُ، فقعدَ عند رأسه، فقال له: "أسْلِمْ"، فنظر إلى أبيه وهو عندهُ، فقال: أطعْ أبا القاسم؛ فأسلم، فخرجَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم وهو يقول: "الحمدُ لِلَّهِ الَّذي أنقذهُ مِنَ النَّارِ". 1283- وَرَوَيْنَا في صحيحي البخاري [رقم: 3884] ، ومسلم [رقم: 24] ؛ عن المسيِّب بن حزنٍ والدِ سعيدِ بن الْمُسَيِّبِ رضي الله عنه، قال: لما حضرتْ أبا طالبٍ الوفاةُ، جاءهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا عَمّ! قُل لا إلهَ إِلاَّ اللَّهُ"، وذكر الحديث بطُوله. 1284- قُلتُ: فينبغي لعائدِ الذميّ أن يرغبهُ في الإِسلام، ويبينَ لهُ محاسنهُ، ويحثهُ عليهِ، ويحرضهُ على معاجلته قبل أن يصيرَ إلى حالٍ لا ينفعهُ فيها توبتهُ، وإن دعا له دعا بالهداية ونحوها.

358- فصل [السلام على المبتدع] : 1285- وأما المبتدعُ، وَمَنْ اقترف ذنباً عظيماً ولم يتُب منهُ، فينبغي ألا يسلِّم عليهم، ولا يردّ عليهم السلامُ، كذا قالهُ البخاري وغيرهُ من العلماء. 1286- واحتجّ الإمام أبو عبد الله البخاري في صحيحه في هذه المسألة بما رويناهُ في صحيحي البخاري [رقم: 4418] ، ومسلم [رقم: 2769] ؛ في قصة كعبِ بنِ مالكٍ رضي اللهُ عنهُ حينَ تخلَّف عن غزوةِ تبوكَ هو وَرَفيقان لهُ، قال: ونهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن كلامنا، قال: وكنتُ آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأُسلِّم عليه، فأقولُ: هل حرّكَ شَفتيه بردّ السلام، أم لا؟ 1287- قال البخاري: وقال عبدُ الله بن عمروٍ: لا تسلِّموا على شَرَبَة الخمر. 1288- قلتُ: فإن اضّطُر إلى السلام على الظلمة، بأن دخل عليهم، وخاف تَرَتُّب مفسدةٍ في دينه أو دنياهُ أو غيرهما إن لم يُسلم، سلّم عليهم. 1289- قال الإِمام أبو بكر ابن العربي: قال العلماءُ: يُسلمُ، وينوي أن السلام اسمُ من أسماء الله تعالى. المعنى: الله عليكم رقيب.

359- فصل [السلام على الصبيان] : 1290- وأما الصبيان، فالسنّة أن يسلِّم عليهم. 1291- روينا في صحيحي البخاري [رقم: 2647] ، ومسلم [رقم: 2168] ؛ عن أنس رضي الله عنهُ، أنه مرّ على صبيانٍ، فسلم عليهم، وقال: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يفعله. وفي رواية لمسلم، عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ على غِلمانٍ، فسلَّم عليهم. 1292- وروينا في "سنن أبي داود" [رقم: 5202] ، وغيره بإسناد الصحيحين؛ عن أنسٍ، أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على غلمانٍ يلعبُونَ، فسلَّم عليهم. ورويناهُ في "كتاب ابن السني" [رقم: 226] ، وغيره؛ قال فيه فقال: "السَّلامُ عَلَيْكُمْ يا صبيان"؛ والله أعلم.

بابٌ في آدابٍ ومسائلَ من السَّلام مدخل ... بابٌ في آدابٍ ومسائلَ من السَّلام: 1293- روينا في صحيحي البخاري [رقم: 6231] ، ومسلم [رقم: 2160] ؛ عن أبي هريرة رضي الله عنهُ، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "يُسلمُ الراكبُ على المَاشِي، وَالمَاشِي على القاعِدِ، والقليل على الكثير". وفي رواية للبخاري [رقم: 6234] : "يُسلم الصَّغيرُ على الكَبيرِ، وَالمَاشِي على القاعِدِ، والقليلُ على الكَثِيرِ". 1294- قال أصحابُنا وغيرُهم من العلماء: هذا المذكورُ هو السنةُ، فلو خالفوا، فسلَّم الماشي على الراكب، أو الجالسُ عليهما، لم يُكره، صرّح به الإمامُ أبو سعدٍ المتولي وغيرهُ، وعلى مقتضى هذا لا يكرهُ ابتداء الكثيرين بالسلام على القليل، والكبير على الصغير، ويكونُ هذا تركاً لما يستحقّه من سلامِ غيرهِ عليهِ، وهذا الأدبُ هو فيما إذا تلاقى الاثنان في طريقٍ، أما إذا وَرَدَ على قعودٍ أو قاعدٍ، فإن الواردَ يبدأُ بالسلام على كُلّ حالٍ، سواءٌ كان صغيراً، أو كبيراً، قليلاً أو كثيراً، وسمَّى أقضى القضاة الماوردي هذا الثاني سنّة، وسمّى الأوّل أدباً، وجعلَه دون السنّة في الفضيلة.

361- فصل [كراهة تخصيص طائفةٍ من الناس بالسلام] : 1295- قال المتولي: إذا لقي رجلٌ جماعةً، فأرادَ أن يخصّ طائفة منهم بالسلامِ كُرهَ؛ لأن القصد من السلام المؤانسةُ والألفةُ، وفي تخصيص البعض إيحاشٌ للباقين، وربما صار سبباً للعَداوة.

362- فصل [حكم السلام في الأماكن المزدحمة] : 1296- إذا مشى في السوق، أو الشوارع المطروقة كثيراً ونحو ذلك مما يكثرُ فيه المتلاقون، فقد ذكرَ أقضى القضاة الماورديّ أن السلام هنا إنما يكونُ لبعض الناس دونَ بعضٍ. قال: لأنه لو سلَّم على كلّ مَن لقي لتشاغل به عن كل مهمّ، ولخرج به عن العُرْف. قال: وإِنَّما يقصدُ بهذا السلامِ أحدُ أمرين: إما اكتسابُ ودّ، وإما استدفاعُ مكروه.

363- فصل [يكفي ردّ السلام على الجماعة مرة واحدة] : 1297- قال المتولّي: إذا سلَّمتْ جماعةٌ على رجُل، فقال: وعليكم السلامُ، وقصد الردّ على جميعهم سقط عنهُ فرضُ الردّ في حقّ جميعهم، كما لو صلَّى على جنائزَ دفعةً واحدةً فإنهُ يسقطُ فرضُ الصلاةِ على الجميع.

364- فصل [السلام على جماعةٍ] : 1298- قال الماوردي: إذا دخل إنسانٌ على جماعةٍ قليلة يعمُّهم سلامٌ واحدٌ، اقتصرَ على سلامٍ واحدٍ على جميعهم، وما زاد من تخصيص بعضهم فهو أدبٌ؛ ويكفي أن يردّ منهم واحدٌ، فمن زاد منهم فهو أدب. قال: فإن كان جمعاً لا ينتشرُ فيهم السلامُ الواحدُ، كالجامع، والمجلس الحفل؛ فسنةُ السلام أن يبتدئ به الداخلُ في أوّل دخوله إذا شاهدَ القومَ، ويكونُ مؤدياً سنّة السلام في حقّ جميع مَن سمعهُ، ويدخلُ في فرضِ كفاية الردّ جميعُ مَن سمعهُ؛ فإن أرادَ الجلوس فيهم سقط عنه سنّة السلام فيمن لم يسمعه من الباقين، وإن أرد أن يجلس فيمن بعدَهم ممّن لم يسمع سلامةُ المتقدّم، ففيه وجهان لأصحابنا: أحدُهما أن سنّة السلام عليهم قد حصلت بالسلام على أوائلهم؛ لأنهم جمعٌ واحدٌ، فلو أعاد السلام عليهم كان أدَباً، وعلى هذا، أيُّ أهل المسجد ردّ عليه سقط به فرضُ الكفاية عن جميعهم. والوجه الثاني: أن سنةَ السلامِ باقيةٌ لمن لم يبلغُهم سلامهُ المقتدمُ إذا أرادَ الجلوسَ فيهم، فعلى هذا لا يسقط فرض ردّ السلام المتقدم عن الأوائل بردّ الأواخر.

365- فصل [السلام عند الدخول إلى البيت] : 1299- ويستحبّ إذا دخلَ بيتَه أن يُسلِّم، وإن لم يكن فيه أحدٌ، وليقُل: السلامُ علينا وعلى عِبادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ. وقد قدمنا في أول الكتاب بيان ما يقولهُ إذا دخل بيتهُ [برقم: 135] وكذا إذا دخل مسجداً، أو بيتاً لغيره ليس فيه أحدٌ، يستحبُ أن يُسلِّم وأن يقول: السلامُ عَلَيْنا وَعلى عِبادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، السلامُ عَلَيْكُمْ أهْلَ البَيْتِ ورحمةُ اللَّهِ وبركاتهُ.

366- فصل [السلام عند مفارقة المجلس] : 1300- إذا كان جالساً مع قوم، ثم قام لُيفارقهم، فالسنّة أن يُسلِّم عليهم. 1301- فقد رَوَيْنَا في "سنن أبي داود" [رقم: 5208] ، والترمذي [رقم: 2706] ، وغيرهما، بالأسانيد الجيدة؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا انْتَهَى أحَدُكُمْ إلى المَجْلِسِ فليُسلم، فإذَا أَرَادَ أنْ يَقُومَ فليُسلم، فَلَيْسَتِ الأُولى بأحَقّ مِنَ الآخِرَةِ"، قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ. 1302- قلتُ: ظاهرُ هذا الحديث أنه يجبُ على الجماعةِ ردُ السلام على هذا الذي سلَّم عليهم وفارقهم. وقد قال الإِمامان: القاضي حسين، وصاحبه أبو سعد المتولّي: جرتْ عادةُ بعض الناس بالسلام عند مفارقة القوم، وذلك دعاءٌ يُستحب جوابهُ، ولا يجب؛ لأن التحية إنما تكون عند اللقاء لا عند الانصراف. وهذا كلامُهما، وقد أنكرهُ الإمامُ أبو بكرٍ الشاشي الأخيرُ من أصحابنا، وقال: هذا فاسدٌ؛ لأن السَّلامَ سنةٌ عند الانصراف، كما هو سنّة عند الجلوس، وفيه هذا الحديث، وهذا الذي قاله الشاشي هو الصواب.

367- فصل [حكم السَّلام على مَنْ ظنّ أنه لا يرد عليه] : 1303- إذا مرّ على واحد أو أكثر، وغلبَ على ظنه أنه إذا سلَّم لا يردّ عليه، إما لتكبرُ الممرور عليه، وإما لإِهماله المارّ أو السلام، وإما لغير ذلك، فينبغي أن يُسلم، ولا يرتكه لهذا الظنّ، فإنّ السلامَ مأمورٌ به، والذي أُمِرَ به المارّ أن يُسلّم، ولم يؤمر بأن يحصل الردّ، مع أن الممرور عليه قد يخطئ الظنّ فيه ويردّ. وأما قولُ مَن لا تحقيق عندهُ: إن سلامَ المارّ سبب لحصول الإِثم في حقّ الممرور عليه، فهو جهالة ظاهرةٌ، وغباوةٌ بيِّنة، فإن المأمورات الشرعية لا تسقط عن المأمور بها بمثل هذه الخيالات، ولو نظرنا إلى هذا الخيال الفاسد لتركنا إنكار المنكر على مَن فعله جاهلاً كونه منكراً، وغلب على ظننا أنه لا ينزجرُ بقولنا، فإن إنكارنا عليه، وتعريفنا له قبحه يكون سبباً لإِثمه إذا لم يقلع عنهُ، ولا شكّ في أنُّا لا نترك الإِنكار بمثلِ هذا، ونظائرُ هذا كثيرةٌ معروفةٌ؛ والله أعلم. 1304- ويُستحبّ لمن سلّم على إنسان، وأسمعه سلامهُ، وتوجّه عليه الردّ بشروطه فلم يرد، أن يحلِّله من ذلك، فيقول: أبرأته من حقّي في ردّ السلام، أو جعلتُه في حِلٍّ منه، ونحو ذلك، ويلفظ بهذا، فإنه يسقط به حقّ هذا الآدمي؛ والله أعلمُ. 1305- وقد روينا في "كتاب ابن السني" [رقم: 210] ، عن عبد الرحمن بن شبل الصحابي رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أجَابَ السَّلامَ فَهُوَ لهُ، وَمَنْ لَمْ يُجِبْ فَلَيْسَ منَّا". 1306- ويُستحب لمن سلَّم على إنسان، فلم يَرُدَّ عليهِ، أن يقول له بعبارةٍ لطيفةٍ: ردُّ السلامِ واجبٌ، فينبغي لك أن تردّ عليَّ ليسقطَ عنك الفرضُ؛ والله أعلم.

باب الاستئذان مدخل ... 368- باب الاستئذان: قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا} [النور: 27] ، وقال تعالى: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [النور: 59] . 1307- وروينا في صحيحي البخاري [رقم: 6245] ، ومسلم [رقم: 2154] ؛ عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنهُ، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "الاسْتِئْذَانُ ثلاثُ، فإنْ أُذِنَ لَكَ، وَإِلاَّ فارجع". [راجع رقم: 1684] . وروينا في الصحيحين أيضًا البخاري، [رقم 6245] ؛ ومسلم، [رقم: 2153] ؛ عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وغيره، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم. 1308- وروينا في صحيحيهما البخاري، [رقم: 6241] ؛ ومسلم، [رقم: 2156] ، عن سهل بن سعدٍ رضي الله عنهُ، قالَ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّمَا جُعِلَ الاسْتِئْذَانُ مِنْ أجْلِ البَصَرِ". 1309- وروينا الاستئذان ثلاثاً من جهات كثيرة. 1310- والسنّة أن يسلّمَ، ثُم يستأذن، فيقوم عند الباب بحيثُ

لا ينظرُ إلى مَن في داخله، ثم يقولُ: السلامُ عليكم، أأدخل؟ فإن لم يجبْه أحدٌ، قال ذلك ثانياً وثالثاً، فإن لم يجبْه أحدٌ انصرف. 1311- وروينا في "سنن أبي داود" [رقم: 5177، 5178، 5179] ، بإسناد صحيح؛ عن ربعيّ بن حِراش -بكسر الحاء المهملة، وآخرهُ شينٌ معجمةٌ- التابعي الجليل؛ قال: حدّثنا رجل من بني عامر استأذن على النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو في بيتٍ، فقال: أألجُ؟ فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لخادمه: "اخْرُجْ إلى هَذَا فَعَلِّمْهُ الاسْتِئْذَانَ، فَقُلْ لَهُ: قُل: السَّلامُ عَلَيْكُمْ، أأدْخُلُ"؟، فسمعه الرجلُ، فقال السلام عليكم، أأدخلُ؟ فأذنَ له النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فدخلَ. 1312- وروينا في "سنن أبي داود" [رقم: 5176] ، والترمذي [رقم: 2710] ، عن كَلَدَة بن الحَنْبل الصحابي رضي الله عنه؛ قال: أتيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فدخلتُ عليه ولم أسلِّم، فقالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "ارْجِعْ فَقُلْ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ، أَأَدْخُلُ"؟، قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ. قلتُ: كَلَدة، بفتح الكافِ واللام؛ والحنبلُ، بفتح الحاءِ المهملةِ، وبعدهَا نُونٌ ساكنةٌ، ثم باءٌ موحدةٌ مفتوحةٌ، ثم لامٌ. 1313- وهذا الذي ذكرناه من تقديم السلام على الاستئذان هو الصحيح. وذكر الماوردي فيه ثلاثة أوجه: أحدُها: هذا. والثاني: تقديم الاستئذان على السلام. والثالثُ، وهو اختياره: إن وقعت عين المستأذن على صاحب المنزل قبل دخوله قدَّم السلام، وإن لم تقع عليه عينه قدَّم الاستئذان. 1314- وإذا استأذن ثلاثاً فلم يُؤذن لهُ، وظنَّ أنه لم يسمع، فهل يزيدُ عليها؟ حكى الإِمام أبو بكرٍ ابن العربيّ المالكي فيه ثلاثة مذاهب: أحدُها: يعيدهُ. والثاني: لا يعيدهُ. والثالثُ: إن كان بلفظ الاستئذان المتقدم لم يعدهُ، وإن كان بغيره أعادهُ؛ قال: والأصحُّ أنه لا يعيدُه بحالٍ. وهذا الذي صحَّحه هو الذي تقتضيه السنّة؛ والله أعلم.

369- فصل [آداب الاستئذان] : 1315- وينبغي إذا استأذن على إنسان بالسلام، أو بدقّ الباب، فقيل له: مَنْ أنتَ؟ أن يقول: فلانٌ بن فلانٍ، أو فلانٌ الفلاني، أو فلانٌ المعروفُ بكذا، أو ما أشبه ذلك، بحيث يحصل التعريف التامّ به؛ ويكرهُ أن يقتصر على قوله: أنا، أو الخادمُ، أو بعض الغلمان، أو بعض المحبّين، وما أشبه ذلك. 1316- روينا في صحيحي البخاري [رقم: 2887] ، ومسلم [رقم: 162] ؛ في حديث الإِسراء المشهور، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثم صَعِدَ بي جبريلُ إلى السَّماءِ الدُّنْيا، فَاسْتَفْتَحَ، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قالَ: محمدٌ، ثُمَّ صَعِدَ بي إلى السَّماءِ الثَّانِيَةِ والثَّالِثَةِ وَسائِرِهنَّ، ويُقالُ في بابِ كُل سماءٍ: مَنْ هَذَا؟ فيقولُ: جبريلُ". 1317- وروينا في صحيحيهما البخاري، [رقم: 3674] ؛ ومسلم، [رقم: 2403] ، حديثَ أبي موسى: لما جلسَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم على بئر البستان، وجاء أبو بكر فاستأذن، فقال: "مَنْ"؟ قال: أبو بكرٍ، ثم جاء عمرُ فاستأذن، فقال: "من"؟ قال: عمرُ، ثم جاء عثمانُ كذلك. 1318- وروينا في صحيحيهما أيضاً البخاري، [رقم: 625] ؛ ومسلم، [رقم: 2155] ، عن جابر رضي الله عنهُ، قال: أتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم، فدققتُ البابَ، فقال: "مَنْ ذَا"؟ فقلتُ: أنا، فقال: "أنَا! أنَا! "، كأنه كرهها.

370- فصل [التعريف بالنفس عند الاستئذان] : 1319- ولا بأس أن يَصِف نفسهُ بما يعرفُ به إذا لم يعرفهُ المخاطبُ بغيره، وإن كان فيه صورةُ تبجيل لهُ بأن يُكَنِّي نفسهُ، أو يقول: أنا المفتي فلانٌ، أو القاضي، أو الشيخُ فلانٌ، أو ما أشبه ذلك. 1320- رَوَيْنَا في صحيحي البخاري [رقم: 280] ، ومسلم [رقم: 336] ؛ عن أم هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنها، واسمها فاختةُ على المشهور، وقيل: فاطمة، وقيل: هندُ؛ قالت: أتيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، وهو يغتسلُ، وفاطمةُ تسترهُ، فقال: "مَنْ هَذِهِ"؟ فقلتُ: أنا أم هانئ. تقدم [برقم: 1272] . 1321- وَرَوَيْنَا في صحيحيهما [البخاري، رقم 6443؛ ومسلم رقم: 94] ، عن أبي ذرّ رضي الله عنهُ، واسمهُ جندبٌ، وقيل: بُرَيْرُ بِضَمِّ الباءِ، تصغيرِ برّ؛ قال: خرجتُ ليلةً من الليالي، فإذا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يمشي وحدهُ، فجعلتُ أمشي في ظلّ القمر، فالْتَفَتَ، فرآني، فقال: "مَنْ هَذَا"؟ فقلتُ: أبو ذرّ. 1322- وَرَوَيْنَا في "صحيح مسلم" [رقم: 681] ، عن أبي قتادة الحارث بن رِبْعِيٍّ رضي الله عنه، في حديث الْمَيْضَأَةِ المشتمل على معجزات كثيرةٍ لرسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى جُمل من فنون العلوم، قال فيه أبو قتادة: فرفعَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم رأسهُ، فقال: "مَنْ هَذَا"؟ قلتُ: أبو قتادة. قلتُ: ونظائر هذا كثيرةٌ، وسبَبُه الحاجة وعدم إرادة الافتخار. 1323- وَيَقْرُب من هذا ما رَوَيْنَاه في "صحيح مسلم" [رقم: 2491] ، عن أبي هريرة، واسمه عبد الرحمن بن صخرٍ على الأصحّ، قال: قلتُ: يا رسولَ الله! ادْعُ الله أن يهديَ أُمّ أبي هريرة، وذكر الحديثَ، إلى أن قال: فرجعتُ، فقلتُ: يا رسولَ الله! قد استجاب الله دعوتك، وهدى أُمّ أبي هريرة؛ والله أعلمُ.

باب في مسائل تتفرغ على السلام مدخل ... بابُ في مسائل تَتَفَرَّعُ على السَّلام مسألة: [في تحية الخارج من الحمَّام] : 1324- قال أبو سعدٍ المتولّي: التَّحية عند الخروج من الحمّام بأن يُقال له: طابَ حَمَّامُك؛ لا أصل لها، ولكن رُوي أن عليّاً رضيَ الله عنه قال لرجُلٍ خرجَ من الحمامِ: طَهَُرْتَ، فلا نَجِسْتَ. 1325- قُلْتُ: هذا المحلُ لم يصحُّ فيهِ شيءٌ، ولو قال إنسانٌ لصاحبهِ على سبيل المودة والمؤالفة، واستجلاب الودّ: أَدَامَ الله لك النَّعِيم؛ وَنَحْوَ ذَلِكَ من الدُّعاء، فلا بأس به1. 372- مَسأَلةُ [التحية بغير لفظ: السلام عليكم] : 1326- إذا ابْتَدَأَ المارُّ الْمَرُور عليه، فقال: صَبَّحك الله بالخير، أو بالسَّعادة، أو قَوَّاك اللهُ، أو لا أوحشَ الله منك، أو غير ذلك من الألفاظ التي يستعملها الناسُ في العادة، لم يستحقَّ جواباً؛ لكن لو دعا له قباله ذلك كان حسناً، إلا أنْ يَتْرُكَ جوابهُ بالكلية زجراً له في تخلّفه وإهماله السلام، وتأديباً له ولغيره في الاعتناء بالابتداء بالسلام. __________ 1 سمعت من أهل الشام قولهم للخارج من الحمام: نعيمًا؛ أي: أدام الله لك النعيم؛ لما ذكر النووي رحمه الله؛ ويُجيب الخارجُ من الحمام: أنعم الله عليك من نعمهِ وأدخلك فسيح جنانه.

373- فصل [حُكم تقبيلِ يد الْغَيْرِ وَخَدِّه] : 1327- إذا أرادَ تقبيلَ يد غيرهِ، إن كان ذلك لزهدهِ وصلاحه، أو علمه، أو شرفه وصيانته، أو نحو ذلك من الأمور الدينية لم يُكره، بل يُستحبّ، وإن كان لغناهُ ودنياهُ وثروته وشوكته، ووجاهته عند أهل الدنيا، ونحو ذلك، فهو مكروهٌ شديدُ الكراهةِ. وقال أبو سعد المتولّي من أصحابنا: لا يجوزُ؛ فأشار إلى أنه حرامٌ. 1328- رَوَيْنَا في "سنن أبي داود" [رقم: 5225] ، عن زارع رضي الله عنهُ، وكان في وفد عبد القيس؛ قال: فجعلْنا نتبادرُ من رواحلنا، فنقبِّلُ يدَ النبيّ صلى الله عليه وسلم ورِجلهُ. قلتُ: زارع، بزايٍ في أوَّلهِ وراءٍ بعد الألفِ، على لفظِ زارعِ الحنطةِ وغيرها. 1329- وَرَوَيْنَا في "سنن أبي داود" أيضاً [رقم: 5223] ، عن ابن عمر رضي الله عنهما قصةً قال فيها: فدنونا -يعني: من النبيّ صلى الله عليه وسلم- فقَبَّلنا يده. 1330- وأما تقبيل الرجُل خدَّ ولده الصغير، وأخيه، وقبلةُ غير خدهِ من أطرافه ونحوها على وجه الشفقة والرحمة واللطف ومحبة القرابة، فسُنّةٌ. 1331- والأحاديث فيه كثيرةٌ صحيحةٌ مشهورةٌ، وسواءٌ الولد الذكر والأنثى، وكذلك قبلته ولد صديقه، وغيره من صغار الأطفال على الوجه. وأما التقبيلُ بالشهوة فحرام بالاتفاق. وسواءٌ في ذلك الولد وغيرهُ، بل النظر إليه بالشهوة حرامٌ بالاتفاق على القريب والأجنبي. 1332- وروينا في صحيحي البخاري [رقم: 5997] ، ومسلم [رقم: 2319] ؛ عن أبي هريرة رضي الله عنهُ، قال: قَبَّلَ النبيّ صلى الله عليه وسلم الحسنَ بن عليّ رضي الله عنهما، وعنده الأقرعُ بن حابس التميمي، فقال الأقرعُ: إن لي عشرةً من الولد ما قبلتُ منهم أحداً؛ فنظرَ إليه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: "مَنْ لا يَرْحَمُ لا يُرحمُ".

وروينا في صحيحيهما [البخاري، رقم: 5998؛ ومسلم، رقم: 5317] ، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قدم ناسٌ من الأعرابِ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: تُقبلُونَ صبيانَكم؟ فقالوا: نعم، قالوا: لكنَّا والله ما نُقبلُ؛ فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أَوَأَمْلك أنْ كانَ اللَّهُ تَعالى نَزَعَ مِنْكُمُ الرَّحْمَةَ"؟، هذا لفظ إحدى الروايات، وهو مروي بألفاظ. 1334- وَرَوَيْنَا في "صحيح البخاري" [تعليقًا في 78 كتاب الأدب، 18 باب رحمة الولد وتقبيله] وغيره، عن أنسٍ رضي الله عنهُ، قال: أخذَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ابنهُ إبراهيم فَقَبَّلَهُ وشَمَّهُ. [وإبراهيم ابنه صلى الله عليه وسلم من مارية القبطية] . 1335- وَرَوَيْنَا في "سنن أبي داود" [رقم: 5222] ، عن البراء بن عازب رضي الله عنهما، قال: دخلتُ مع أبي بكر رضي الله عنه أوّلَ ما قَدِمَ المدينةَ، فإذا عائشةُ ابنته رضي الله عنها مضطجعةٌ قد أصابتها حُمَّى، فأتاها أبو بكر، فقال: كيف أنتِ يا بنيّة؟ وقبَّل خدَّها. 1336- وروينا في كُتُب الترمذي [رقم: 2733] ، والنسائي [في "السنن الكبرى" كما في "تحفة الأشراف"، رقم: 4951] ، وابن ماجه [رقم: 3705] ؛ بالأسانيد الصحيحة؛ عن صفوان بن عسالٍ الصحابيّ رضي الله عنه -وعَسَّال بفتح العين وتشديد السين المهملتين- قال: قال يهوديّ لصاحبه: اذهب بنا إلى هذا النبيّ، فأتيا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فسألاهُ عن تسعِ آياتٍ بيناتٍ، فذكرَ الحديثَ إلى قوله: فقبَّلوا يدهُ ورجلهُ، وقالا: نشهدُ أنك نبيٌّ. 1337- وَرَوَيْنَا في "سنن أبي داود" [رقم: 5221]-بالإِسناد الصحيح المليح- عن إِياس بن دغفلٍ، قال: رأيتُ أبا نضرةَ قبّلَ خدّ الحسنِ بن عليّ رضي الله عنهما.

قُلتُ: أبو نصرةَ بالنونِ والضادِ المعجمةِ، اسمهُ: المنذر بن مالكٍ بن قطعةَ، تابعي ثقةٌ، ودغفلٌ بدالٍ مهملةٍ مفتوحةٍ، ثم غينٍ معجمةٍ ساكنةٍ، ثم فاءٍ مفتوحةٍ، ثم لامٍ. 1338- وعن ابن عمر رضي الله عنهما، أنه كان يُقبّلُ ابنه سالماً، ويقول: اعجبوا من شيخ يُقَبِّلُ شيخاً. 1339- وعن سهل بن عبد الله التستري السيد الجليل أحد أفراد زهادِ الأمة، وعبّادها رضي اللهُ عنهُ، أنهُ كان يأتي أبا داودَ السجستاني ويقولُ: أخرج لي لسانكَ الذي تحدثُ به حديثَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم لأُقَبِّله؛ فيقبِّلهُ. وأفعالُ السلف في هذا الباب أكثر من أن تُحصر؛ واللهُ أعلمُ.

374- فصل [تقبيل وجه الميت وغيره] : 1340- ولا بأس بتقبيل وجه الميت الصالح للتبرّك، ولا بأس بتقبيل الرجُل وجه صاحبه إذا قَدِمَ من سفرٍ ونحوه. 1341- رَوَيْنَا في "صحيح البخاري" [رقم: 4452 ورقم: 4453] ، عن عائشة رضي الله عنها، في الحديث الطويل في وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: دخلَ أبو بكرٍ رضي الله عنهُ، فكشفَ عن وجهِ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أكبَّ عليه فقبَّلهُ، ثم بكى. 1342- وَرَوَيْنَا في "كتاب الترمذي" [رقم: 2732] ، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قدِمَ زيدُ بنُ حارثةَ المدينةَ، ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم في بيتي، فأتاه، فقرعَ البابَ، فقامَ إليه النبيّ صلى الله عليه وسلم يجرّ ثوبه، فاعتنقه وقبل. قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ.

1343- وأمَّا المعانقةُ وتقبيلُ الوجهِ لغيرِ الطفلِ ولغيرِ القادمِ من سفرٍ ونحوه فمكرُوهان، نصَّ على كراهتهما أبو محمدٍ البغويّ، وغيرهُ من أصحابنا. 1344- ويَدل على الكراهة ما رويناهُ في كتابي الترمذي [رقم: 2728] ، وابن ماجه [رقم: 3702] ، عن أنس رضي الله عنهُ، قال: قال رجلُ: يا رسول الله! الرجلُ منا يلقى أخاهُ أو صديقهُ، أينحني له؟ قال: "لا" قال: أفيلتزمهُ ويقبلهُ؟ قال: "لا" قالَ: فيأخذه بيده ويصافحُه؟ قال: "نَعَمْ". قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ. 1345- قلتُ: وهذا الذي ذكرناهُ في التقبيل والمعانقةِ، وأنه لا بأس به عند القدوم من سفرٍ ونحوهِ، ومكروهٌ كراهةَ تنزيهٍ في غيرهِ، هُو في غير الأمردِ الحسن الوجهِ؛ فأما الأمردُ الحسنُ فيحرمُ بكل حالسٍ تقبيلهُ، سواءٌ كان قدمَ مَن سفرٍ أم لا. والظاهر أن معانقته كتقبيله، أو قريبة من تقبيله، ولا فرق في هذا بين أن يكون الْمُقَبِّل والْمُقَبَّل رجلين صالحين أو فاسقين، أو أحدهما صالحاً، فالجميعُ سواءٌ، والمذهبُ الصحيح عندنا تحريم النظر إلى الأمرد الحسن ولو كان ينظرُ بغير شهوةٍ، وقد أمن الفتنة، فهو حرامٌ، كالمرأة، لكونه في معناها.

375- فصل في المصافحة: 1346- اعلم أنَّها سنّة مجمعٌ عليها عند التَّلاقي. 1347- رَوَيْنَا في "صحيح البخاري" [رقم: 6263] ، عن قتادة، قال: قلتُ لأنس رضي الله عنهُ: أكانتِ المصافحةُ في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم. 1348- وَرَوَيْنَا في صحيحي البخاري [رقم: 4418] ، ومسلم [رقم: 2769] ؛ في حديث كعبٍ بن مالكٍ رضي الله عنهُ، في قصةِ توبتهِ، قال: فقام إليّ طلحةُ بن عبيد اللهِ رضي الله عنه يهرولُ، حتى صافحني وهنّأني. 1349- وَرَوَيْنَا بالإِسناد الصحيح في "سنن أبي داود" [رقم: 5213] ، عن أنس رضي الله عنهُ، قال: لما جاءَ أهل اليمن، قال لهم رسولَ الله: "قد جاءكم أهل اليمن، وهم أول من جاء المصافحة". 1350- وَرَوَيْنَا في "سنن أبي داود" [رقم: 5212] ، والترمذي [رقم: 2727] ؛ وابن ماجه [رقم: 3703] عن البراء رضي الله عنهُ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَلْتَقِيانِ فَيتَصافَحانِ إلا غفر لهما قبل أن يتفرقا". 1351- وَرَوَيْنَا في كتابي الترمذي [رقم: 2728] ، وابن ماجه [رقم: 2703] ؛ عن أنسٍ رضي الله عنه، قال: قال رجلٌ: يا رسول الله! الرجل منا يلقى أخاهُ، أو صديقهُ؛ أينحني له؟ قال: "لا" قال: أفيلتزمهُ ويقبلهُ؟ قال: "لا" قال: فيأخذ بيده ويصافحه؟ قال: "نَعَمْ" قال الترمذي" حديثٌ حسن. وفي الباب أحاديث كثيرة. 1352- وَرَوَيْنَا في "موطأ الإِمام مالكٍ رحمهُ الله" [2/ 908] ، عن عطاء بن عبد الله الخراسانيّ، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تَصَافَحُوا يَذْهَبِ الغِلُّ، وَتَهَادَوْا تَحابُّوا وَتَذْهَبِ الشَّحْناءُ"، قلتُ: هذا حديثٌ مرسل. 1353- وعلم أن هذه المصافحة مستحبّة عند كل لقاءٍ، وأما ما اعتادهُ الناسُ من المصافحة بعد صلاتي الصبح والعصر، فلا أصلَ له في الشرع على هذا الوجه، ولكن لا بأس به، فإن أصل المصافحة سنّة، وكونهم حافَظوا عليها في بعض الأحوال، وفرّطوا فيها في كثير من الأحوال

أو أَكْثَرِهَا، لا يخرج ذلك البعض عن كونه من المصافحة التي ورد الشرعُ بأصلها. 1354- وقد ذكر الشيخ الإِمام أبو محمدٍ ابن عبد السلام رحمه الله في كتابه "القواعد" [2/ 173] أن البدع على خمسةِ أقسام: واجبةٌ، ومحرمةٌ، ومكروهةٌ، ومستحبةٌ، ومباحةٌ، قال: ومن أمثلةِ البدع المباحةِ المصافحةُ عقب الصبحِ والعصر؛ واللهُ أعلمُ. 1355- قُلتُ: وينبغي أن يحترز من مصافحة الأمرد الحسن الوجه، فإن النظرَ إليه حرامٌ كما قدَّمنا في الفصل الذي قبل هذا [رقم: 1345] ، وقد قال أصحابُنا: كُل مَن حرُم النظرُ إليه حرُم مسهُ، بل المسُ أشدّ، فإنهُ يحلّ النظرُ إلى الأجنبية إذا أراد أن يتزوّجها، وفي حال البيع والشراء، والأخذ والعطاء ونحو ذلك، ولا يجوز مسُّها في شيء من ذلك؛ والله أعلم.

376- فصل [من آداب المصافحة] : 1356- ويُستحبّ مع المصافحة البشاشة بالوجه والدعاءُ بالمغفرة وغيرها. 1357- رَوَيْنَا في "صحيح مسلم" [رقم: 2626] ، عن أبي ذرّ رضي الله عنهُ، قال: قال لي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا تَحْقِرَنَّ مِنَ المعروفِ شَيْئاً، وَلَوْ أن تلقى أخاك بوجهٍ طلقٍ"، [سيرد برقم: 1665] . 1358- وَرَوَيْنَا في "كتاب ابن السني" [رقم: 194] ، عن البراء بن عازب رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ المسلِمَيْنِ إذَا الْتَقَيا فَتَصَافَحَا، وتَكَاشَرَا بِوُدٍّ وَنَصِيحَةٍ تَنَاثَرَتْ خَطاياهُما بَينَهُما".

وفي رواية [رقم: 192] : "إذَا الْتَقَى المُسْلِمانِ فتصافحا وحمِدَ اللَّهَ تَعالى وَاسْتَغْفَرَا، غَفَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمَا". 1359- وَرَوَيْنَا فيه [رقم: 193] ، عن أنسٍ رضيَ الله عنهُ، عنِ النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "مَا مِنْ عَبْدَيْنِ متحابينِ في اللهِ تعالى يستقبلُ أحدُهُمَا صاحبهُ فيُصافحه، فيُصليان على النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إِلاَّ لَمْ يَتَفَرَّقَا حتَّى تغفر لهما ذُنُوبهُما ما تقدمَ منْها وَما تَأخَّرَ". 1360- وَرَوَيْنَا فيه [رقم: 203] ، عن أنسٍ أيضاً، قال: ما أخذ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بيدِ رجُلٍ، ففارقهُ، حتى قال: "اللَّهُمَّ آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار". [سيرد برقم: 1976] .

377- فصلُ [كراهةِ الانحناء للغير] : 1361- ويكرهُ حَنْيُ الظهرِ في كُل حالٍ لكل أحدٍ، ويدلُ عليهٍ ما قدمناهُ في الفصلين المتقدمين من حديث أنس [برقم: 1342، 1351] ، وقوله: أينحني له؟ قال: "لا" وهو حديثُ حسنٌ كما ذكرناهُ، ولم يأتِ له مُعارضٌ، فلا مصيرَ إلى مخالفته، ولا يغترّ بكثرة مَن يفعله ممّن يُنسب إلى علمٍ أو صلاح وغيرهما من خصال الفضل، فإن الاقتداء إنما يكون برسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7] ، وقال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63] . 1362- وقد قدَّمنا في كتاب الجنائز [رقم: 835] ، ومر قبله [برقم: 600] عن الفضيل بن عياضٍ رضيَ اللهُ عنهُ ما معناهُ: اتّبعْ طرقَ الهدَى، ولا يَضُرَّكَ قلةُ السالكين، وإياك وطرقَ الضلالةِ، ولا تغترَّ بكثرةِ الهالكين؛ وبالله التوفيق.

378- فَصْلُ [جواز القيام لأصحاب الفضل] : 1363- وأما إكرامُ الداخل بالقيام، فالذي نختارهُ أنه مستحبّ لمن كان فيه فضيلةٌ ظاهرةٌ من علم، أو صلاح، أو شرفٍ، أو ولايةٍ مصحوبةٍ بصيانةٍ، أو له ولادةٌ، أو رَحِمٌ مع سنّ ونحو ذلك، ويكون هذا القيام للبِرّ والإِكرام والاحترام، لا للرياء والإِعظام، وعلى هذا الذي اخترناه استمرّ عمل السلف والخلف؛ وقد جمعت في ذلك جزءاً1 جمعتُ فيه الأحاديث والآثار، وأقوال السلف، وأفعالهم الدّالة على ما ذكرته، ذكرتُ فيه ما خالفها، وأوضحتُ الجوابَ عنهُ، فمن أشكلَ عليهِ من ذلك شيءٌ ورغبَ في مُطالعةِ ذلكَ الجزءِ رجوتُ أن يزُول إشكالهُ إن شاءَ الله تعالى؛ واللهُ أعلمُ. [راجع "التبيان"، رقم: 303] . __________ 1 وقد طبع هذا الجزء في دار الفكر بدمشق بعنوان "الترخيص بالقيام لذوي الفضل والمزية مِنْ أهْلِ الإِسْلامِ" عام 1981م، بتحقيق أحمد راتب حموش. وأفضل من هذه الطبعة، ما طبعة الأستاذ كيلاني محمد خليفة، في دار البشائر الإسلامية ببيروت، بعنوان: "الترخيص في الإكرام بالقيام لذوي الفضل والمزية مِنْ أهْلِ الإِسْلامِ، على جهة البر والتوقير والاحترام، لا على جهة الرياء والإعظام عام 1988م.

379- فصلُ [زيارة الصالحين] : 1364- ويستحبّ استحباباً متأكداً زيارة الصالحين والإِخوان والجيران والأصدقاء والأقارب، وإكرامهم وبِرُّهم وصلتهم؛ وضبطُ ذلك يختلفُ باختلافِ أحوالهم ومراتبهم وفراغهم. وينبغي أن تكون زيارتهُ لهم على وجهٍ لا يكرهونهُ، وفي وقتٍ يرتضونهُ. 1365- والأحاديث والآثارُ في هذا كثيرةٌ مشهورةٌ، ومن أحسنها ما رويناه في "صحيح مسلم" [رقم: 2567] ، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أن رجلاً زارَ أخاً لهُ في قريةٍ أخرى، فأرصدَ اللَّهُ تَعالى لَهُ على مَدْرَجته مَلَكاً، فلما أتى عليه، قال: "أين تريدُ؟ قال: أريدُ أخاً لي في هذه

القرية، قال: هل لكَ عليه من نعمةِ ترُبُّها؟ قال: لا، غيرَ أني أحببتُه في الله تعالى؛ قال: "فإني رسولُ الله إليك بأن الله تعالى قد أحبَّكَ كما أحببتَه فيه". قلتُ: "مدرجتُه" بفتح الميم والراء: طريقهُ. ومعنى "تَرَبُّها" أي: تحفظها وتراعيها وتربيها كما يُربيها كما يُربِّي الرجلُ ولدهُ. 1366- وَرَوَيْنَا في كتابي الترمذي [رقم: 2008] ، وابن ماجه [رقم: 1442] ؛ عن أبي هريرة رضي الله عنهُ أيضاً، قال: قال رسُول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ عادَ مَرِيضاً، أوْ زَارَ أخاً لهُ في اللَّهِ تَعالى، ناداهُ منادٍ بأنْ طِبْتَ وَطابَ مَمْشاكَ، وَتَبَوَّأتَ مِنَ الجنة منزلًا".

380- فصل في استحباب طلب الإِنسان من صاحبه الصالح أن يزورَه، وأن يكثرَ من زيارته: 1367- رَوَيْنَا في "صحيح البخاري" [رقم: 4731] ، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم لجبريل: "ما يَمْنَعُكِ أنْ تَزُورَنا أكْثَرَ مِمَّا تَزُورُنا"؟ فنزلتْ: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا} [مريم: 65] .

بابُ تَشْمِيتِ العَاطسِ وحكم التثاؤب مدخل ... بابُ تَشْمِيتِ العَاطسِ وحُكم التَّثَاؤُب: 1368- رَوَيْنَا في "صحيح البخاري" [رقم: 6223] ، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "إنَّ اللَّهَ تَعالى يحبُ العُطاسَ، ويكرهُ التَثاؤُبَ، فإذا عَطَسَ أحدُكم، وحمدَ اللَّهَ تَعالى، كان حَقّاً على كُلّ مُسْلِمٍ سمعهُ أنْ يقُول لهُ: يرحمك الله. وأمَّا التثاؤبُ، فإنَّما هُوَ مِنَ الشَّيْطان، فإذا تَثَاءَبَ أحَدُكُمْ فَلْيَرُدَّهُ ما اسْتَطاعَ. فَإن أحدَكم إذا تَثاءَبَ ضَحِكَ مِنْهُ الشَّيْطانُ". قُلتُ: قال العلماءُ: معناهُ أن العطاسَ سببهُ محمودٌ، وهو خفّة الجسم التي تكون لقلة الأخلاط وتخفيف الغذاء، وهو أمر مندوب إليه؛ لأنه

يُضْعِفُ الشهوة ويُسَهِّلُ الطاعة، والتثاؤب بضدّ ذلك؛ والله أعلم. 1369- وَرَوَيْنَا في "صحيح البخاري" [رقم: 6224] ، عن أبي هريرة رضي الله عنه أيضاً، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، قال: "إذا عطس أحدُكم فليقُل: الحمدُ للهِ، وَلْيَقُلْ لَهُ أخوهُ أوْ صاحبهُ: يَرْحَمُكَ اللهُ، فإذَا قالَ لهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فليقُل: يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بالَكُمْ". قال العلماء: "بَالَكُم" أي: شأنكم. 1370- وَرَوَيْنَا في صحيحي البخاري [رقم: 6225] ، ومسلمٍ [رقم: 2991] ؛ عن أنسٍ رضي الله عنهُ، قال: عَطَسَ رجلانِ عند النبيّ صلى الله عليه وسلم، فشمّت أحدهُما ولم يشمتِ الآخر، فقال الذي لم يشمتهُ: عَطَسَ فلانٌ فشمتهُ، وعطستُ فلم تشمّتني؛ فقال: "هَذَا حمدَ اللَّهَ تَعالى، وَإنَّكَ لَمْ تحمدِ اللَّهَ تَعالى". 1371- وَرَوَيْنَا في صحيح مسلم [رقم: 2992] ، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنهُ، قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا عطس أحَدُكُمْ، فحمدَ اللَّهَ تَعالى فَشَمِّتُوهُ، فإنْ لَمْ يَحْمَدِ اللَّهَ فَلا تشمتوهُ". 1372- وَرَوَيْنَا في صحيحيهما [البخاري، رقم: 1239؛ ومسلم، رقم: 2066] ؛ عن البراءِ بن عازبٍ رضي اللهُ عنهُ، قالَ: أُمِرْنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بسبعٍ، ونهانا عن سبعٍ: أمَرَنا بعيادةِ المريضِ، واتباعِ الجنازة1، وتشميت العاطسِ، وإجابة الداعي وردِّ السلامِ، ونصر المظلوم، وإبرار القسم. 1372- وَرَوَيْنَا في "صحيحيهما" البخاري، [رقم: 1240] ؛ ومسلم، [رقم: 2162] ، عن أبي هريرة، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، قال: "حَقُّ المُسْلِمِ على المُسْلِمِ خَمْسٌ: رَدُّ السَّلامِ، وَعِيادَةُ المريض، واتباع الجنائزن وإجابَةُ الدَّعْوَةِ، وَتَشْمِيتُ العاطِس". وفي رواية لمسلم [رقم: 2162/ 5] : "حَقُّ المُسْلِمِ على المُسْلِمِ سِتٌّ: إذَا لقيتهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، وَإِذَا دَعَاكَ فأجِبْهُ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ، وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّه تَعالى فشمتهُ، وَإِذَا مَرِضَ فعدهُ، وَإِذَا مَاتَ فاتبعه". __________ 1 في نسخة: الجنائز".

382- فصل [يُستحبّ للعاطس أن يحمد الله] : 1374- اتفق العلماءُ على أنهُ يستحبُ للعاطسِ أن يقولَ عقبَ عطاسهِ: الحمدُ للهِ، فلو قال: الحمدُ للهِ ربّ العالمينَ كان أحسنَ، ولو قال: الحمدُ لله على كُلّ حالٍ كان أفضلَ. 1375- رَوَيْنَا في "سنن أبي داود" [رقم: 5033] ، وغيره، بإسناد صحيح؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "إذا عطس أحدُكم فليقُل: الحمدُ لِلَّهِ على كُل حالٍ، وليقُل أخوهُ أوْ صاحبهُ: يَرْحَمُكَ اللَّه، وَيَقُولُ هُو: يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ". 1376- وَرَوَيْنَا في كتاب الترمذي [رقم: 2738] ، عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رجلاً عَطَسَ إلى جنبه، فقال: الحمدُ للهِ، والسلامُ على رسُولِ الله، فقال ابن عُمر: وأنا أقولُ: الحمدُ للهِ، والسلامُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس هكذا علّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، علّمنا أن نقول: "الحمدُ لِلَّهِ على كُلّ حالٍ". 1377- قلتُ: ويستحبُ لكل مَن سمعهُ أن يقول له: يرحمك الله، أو يرحمُكمُ الله، أو رحمك اللهُ، أو رحمكم الله. ويُستحبّ للعاطس بعد ذلك أن يقول: يهديكم الله ويصلحُ بالكم، أو يغفرُ اللَّهُ لَنا ولكم.

1378- وَرَوَيْنَا في "موطأ مالك" [2/ 965] عنهُ، عن نافعٍ، عن ابن عمر رضي الله عنهما، أنهُ قال: إذا عَطَسَ أحدُكم، فقيل لهُ: يرحمُك اللهُ، يقولُ: يرحمنا الله وإياكم، ويغفرُ الله لنا ولكُم. 1379- وكل هذا سنّة ليس فيه شيءٌ واجب. قال أصحابنا: والتشميتُ وهو قولهُ: يرحمك الله، سنةٌ على الكفايةِ، لو قالهُ بعضُ الحاضرين أجزأ عنهم، ولكن الأفضل أن يقوله كلُّ واحدِ منهم لظاهرِ قولهِ صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح [عند البخاري، رقم: 6223 الذي قدمناهُ برقم: 1348] : "كان حقا على كُل مسلمٍ سمعهُ أنْ يقولَ لهُ: يرحمكَ اللَّهُ". 1380- هذا الذي ذكرناهُ من استحباب التشميت هو مذهبنا. واختلف أصحابُ مالكٍ في وجوبهِ، فقال القاضي عبد الوهاب [بن علي بن نصر الثعلبي البغدادي، أبو محمد] : هو سنةٌ، ويجزئ تشميتُ واحدٍ من الجماعة كمذهبنا، وقال [يحيى بن إبراهيم] ابن مزينٍ: يلزمُ كلُ واحدٍ منهم، واختاره ابن العربي المالكي.

383- فصل [حكم تشميت العاطس إذا لم يحمد الله] : 1381- إذا لم يحمد العاطسُ لا يشمتُ. للحديث المتقدم [برقم: 1370] . وأقلُّ الحمدِ والتشميت وجوابِه أن يرفعَ صوتَه بحيث يسمعُ صاحبهُ.

384- فصل إذا قال العاطسُ لفظاً آخرَ غير الحمد لله لم يستحقّ التشميت: 1382- رَوَيْنَا في "سنن أبي داود" [رقم: 5031] ، والترمذي [رقم: 2740] ؛ عن سالمِ بن عبيد الأشجعي الصحابي رضي الله تعالى عنه، قال: بينا نحنُ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذْ عَطَسَ رجلٌ من القومِ، فقال: السلامُ عليكم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وَعَلَيْكَ، وَعَلى أُمِّكَ"، ثم قال: "إذَا عَطَسَ أحَدُكُمْ فَلْيَحْمَدِ اللَّه تَعالى"، فذكر بعض المحامد "وَلْيَقُلْ لَهُ مَنْ عندهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، وَلْيَرُدَّ -يعني: عليهم- يَغْفِرُ اللَّهُ لَنا ولكم".

385- فصل [العطاس في الصلاة] : 1383- إذا عَطَسَ في صلاته، يُستحبّ أن يقُول: الحمدُ لله، ويسمعُ نفسَه، هذا مذهبنا. ولأصحاب مالكٍ ثلاثةُ أقوال: أحدهما: هذا، واختاره ابن العربي، والثاني: يحمدُ في نفسه، والثالث: قال سحنونٌ: لا يحمدُ جهرًا ولا سرًّا، ولا في نفسه.

386- فصل [من آداب العطاس] : 1384- السنة إذا جاه العطاسُ أن يضعَ يدهُ، أو ثوبَه، أو نحو ذلك على فمه، وأن يخفضَ صوتَه. 1385- رَوَيْنَا في "سنن أبي داود" [رقم: 5029] ، والترمذي [رقم: 2745] ؛ عن أبي هريرةُ رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عطَس وضعَ يدَه أو ثوبَه على فِيه، وخفضّ أو غضّ بها صوتهُ. شكّ الراوي: أيّ اللفظين قال. قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. 1386- وَرَوَيْنَا في "كتاب ابن السني" [رقم: 268] ، عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَكْرَهُ رَفْعَ الصَّوْتِ بالتَّثاؤُبِ والعُطاسِ". 1387- وَرَوَيْنَا فيه رقم: 264، عن أُمّ سلمة رضي الله عنها، قالت: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "التثاوب الرفيعُ وَالعَطْسَةُ الشَّدِيدَةُ من الشيطان".

387- فصل [بيان الحكم إذا تَكرّرَ العطاسُ] : 1388- إذا تَكرّرَ العُطَاسُ من إنسانٍ متتابعاً، فالسنّة أن يشمِّته لكل مرةٍ إلى أن يبلغ ثلاث مراتٍ. 1389- رَوَيْنَا في "صحيح مسلم" [رقم: 2993] ، و"سنن أبي داود" [رقم: 5037] ، والترمذي [رقم: 2743] ؛ عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنهُ، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم، وَعَطَسَ عندَه رجلٌ، فقال له: "يَرْحَمُكَ اللَّهُ" ثم عَطَسَ أخرى، فقال له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "الرجلُ مزكومٌ" هذا لفظُ رواية مسلم. وأما رواية أبي داود والترمذي فقالا: قال سلمةُ: عَطَسَ رجلُ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا شاهدٌ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "يَرْحَمُكَ اللَّهُ"، ثم عَطَسَ الثانية والثالثة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يَرْحَمُكَ اللَّهُ، هَذَا رَجُلٌ مَزْكُومٌ" قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. 1390- وأما الذي رويناهُ في "سنن أبي داود" [رقم: 5036] ، والترمذي [رقم: 2744] ؛ عن عبيد الله بن رفاعة الصحابيّ رضي الله عنهُ، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "يُشمتُ العاطسُ ثَلاثاً، فإنْ زَادَ، فإنْ شِئْتَ فشمتهُ، وَإنْ شِئْتَ فَلا" فهو حديثٌ ضعيفٌ، قال فيه الترمذي: هذا حديث غريب، وإسناده مجهول. 1391- رَوَيْنَا في كتاب ابن السني [رقم: 251] ، بإسناد فيه رجل لم أتحقق حالهُ، وباقي إسناده صحيح، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "إِذَا عَطَسَ أحدُكم فليُشمتهُ جليسهُ، وَإِنْ زَاد على ثلاثةٍ فَهُوَ مزكومٌ، وَلا يُشَمَّتُ بَعْدَ ثلاثٍ".

واختلف العلماء فيه، فقال ابن العربي المالكي: قيل: يُقالُ لهُ في الثانية: إنك مزكومٌ، وقيل: يُقالُ لهُ: في الثالثة، وقيل: في الرابعة؛ والأصحّ أنه في الثالثة. قال: والمعنى فيه: أنك لست ممّن يُشمَّت بعد هذا؛ لأن هذا الذي بك زُكامٌ ومرضٌ لا خفةُ العُطاس. فإن قيل: فإذا كان مرضاً، فكان ينبغي أن يُدعى له ويُشمّت؛ لأنه أحقُ بالدعاء من غيره؟ فالجواب: أنه يُستحبّ أن يُدعى له، لكن غير دُعاء العطاس المشروع، بل دُعاء المسلم للمسلم بالعافية والسلامة، ونحو ذلك، ولا يكون من باب التشميت.

388- فصل [يشمت العاطس من سمع حمدهُ] : 1392- إذا عَطَسَ، ولم يحمد الله تعالى. فقد قدمنا [برقم: 1370] أنه لا يُشمتُ، وكذا لو حمد الله تعالى، ولم يسمعه الإنسانُ لا يشمّته، فإن كانوا جماعة، فسمعهُ بعضُهم دون بعضٍ، فالمختارُ أنه يُشمّته من سمعه دون غيره. وحكى ابن العربي خلافاً في تشميت الذين لم يسمعوا الحمد، إذا سمعوا تشميتَ صاحبهم، فقيل، يُشمتونه؛ لأنهم عرفوا عطاسهُ وحمده بتشميت غيره، وقيل: لا، لأنهم لم يسمعوه. واعلم أنه إذا لم يحمد أصلاً يُستحبّ لمن عنده أن يذكِّره الحمد، هذا هو المختار. وقد روينا في "معالم السنن" للخطابي [4/ 141] نحوهُ، عن الإِمام الجليل إبراهيم النخعي، وهو من باب النصيحة، والأمر بالمعروف، والتعاون على البرّ والتقوى. وقال ابن العربي: لا يفعلُ هذا. وزعم أنه جهلٌ من فاعله، وأخطأ في زعمه، بل الصوابُ استحبابهُ لما ذكرناهُ؛ وبالله التوفيق.

389- فصل فيما إذا عَطَسَ يهوديٌّ: 1393- رَوَيْنَا في "سنن أبي داود" [رقم: 5038] ، والترمذي [رقم: 2739] ، وغيرهما؛ بالأسانيد الصحيحة، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنهُ، قال: كان اليهودُ يتعاطسُون عندَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، يَرْجُون أن يقولَ لهم: يرحمكمُ اللَّهُ! فيقولُ: "يَهديكُم اللَّهُ، ويصلحُ بالَكُمْ"، قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

390- فصل [العطاس عند الحديث] : 1394- رَوَيْنَا في "مسند أبي يعلى الموصلي" [رقم: 6352] ، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ حَدَّثَ حَدِيثاً فَعَطَسَ عندهُ فَهُوَ حَقُّ" كل إسناده ثقات مُتقنون إلا بقية بن الوليد فمختلف فيه، وأكثرُ الحفاظ والأئمة يحتجّون بروايته عن الشاميين، وقد روي هذا الحديث عن معاوية بن يحيى الشامي.

391- فصل [من آداب التثاؤب] : 1395- إذا تثاءب، فالسنةُ أن يردهُ ما استطاع، للحديثِ الصحيح الذي قدمناهُ [برقم: 1368] ؛ والسنةُ أن يضع يدهُ على فيه. 1396- لما رويناهُ في "صحيح مسلم" [رقم: 2995] ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إذَا تَثاءَبَ أحَدُكُمْ فليُمسك بِيَدِهِ على فَمِهِ، فإنَّ الشَّيْطانَ يَدْخُلُ". 1397- قلتُ: وسواءٌ كان التثاؤُبُ في الصلاة، أو خارجها، يُستحبُ وضعُ اليد على الفم، وإنما يكرهُ للمصلّي وضعُ يده على فمه في الصلاة، إذا لم تكن حاجةٌ، كالتثاوب وشبهه؛ والله أعلمُ.

392- بابُ المَدْحِ: 1398- اعلم أنَّ مدح الإِنسان، والثناءَ عليه بجميل صفاته، قد يكون في حضور الممدوح1، وقد يكونُ بغير حضوره، فأما الذي في غير حضورِه، فلا منعَ منه إلا أن يُجازف المادحُ، ويدخل في الكذب، فيحرُم عليه بسبب الكذب، لا لكونه مدحاً؛ ويستحبُ هذا المدحُ الذي لا كذبَ فيه، إذا ترتب عليه مصلحةٌ، ولم يجرّ إلى مفسدةٍ بأن يبلغَ الممدوحَ فيفتتن به، أو غير ذلك. وأما المدحُ في وجه الممدوح، فقد جاءت فيه أحاديثُ تقتضي إباحتهُ، أو استحبابهُ، وأحاديثُ تقتضي المنعَ منهُ. قال العلماءُ: وطريقُ الجمعِ بينَ الأحاديثِ أن يُقال: إن كان الممدوحُ عندهُ كمالُ إيمانٍ، وحسنُ يقينٍ، ورياضةُ نفسٍ، ومعرفةٌ تامة، بحيث لا يفتتنُ، ولا يغترّ بذلكَ، ولا تلعبُ به نفسهُ، فليس بحرامٍ، ولا مكروهٍ، وإن خيفَ عليهِ شيءٌ من هذه الأمور كُرِهَ مدحهُ كراهةً شديدة. 1399- فمن أحاديث المنع ما رويناهُ في "صحيح مسلم" [رقم: __________ 1 في نسخة: في وجه الممدوح.

3002] ، عن المقداد رضي الله عنه، أن رجلاً جعلَ يمدحُ عثمانَ رضي الله عنهُ، فعمدَ المقدادُ، فجثا على ركبتيه، فجعلَ يحثو في وجهه الحصباءَ، فقال له عثمانُ: ما شأنُك؟ فقال: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إِذَا رأيْتُم المَدَّاحِينَ فاحْثُوا في وُجُوهِهِمْ التُّرابَ". 1400- وَرَوَيْنَا في صحيحي البخاري [رقم: 2663] ، ومسلم [رقم: 3001] ؛ عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنهُ، قال: سمع النبيُّ صلى الله عليه وسلم رجلاً يُثني على رجلٍ، ويُطريه في المدحةِ، فقال: "أَهْلَكْتُمْ أوْ قَطَعْتُمْ ظَهْرَ الرَّجُلِ". قلتُ: قولهُ: "يُطريه" بضم الياء وإسكان الطاء المهملةِ وكسر الراءِ وبعدها ياءٌ مثناةٌ تحتُ. و"الإطراءُ": المبالغة في المدحِ، ومجاوزةُ الحدّ، وقيل: هو المدح. 1401- وَرَوَيْنَا في "صحيحيهما" [البخاري، رقم: 2662؛ ومسلم، رقم: 3000] ، عن أبي بكرة رضي الله عنهُ، أن رجلاً ذُكر عندَ النبيّ صلى الله عليه وسلم، فأثنى عليه رجلٌ خيراً، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "وَيْحَكَ! قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ -يقوله مراراً- إنْ كانَ أحَدُكُمْ مادحًا أخاهُ لاَ مَحَالَةَ فَلْيَقُلْ: أحسبُ كَذَا وكَذَا إنْ كانَ يَرَى أنهُ كَذَلِكَ، وحسيبهُ اللَّهُ، وَلا يُزَكِّي على اللَّهِ أحَداً". 1402- وأما أحاديثُ الإِباحة فكثيرةٌ لا تنحصرُ، ولكن نُشيرُ إلى أطرافٍ منها، فمنها قولهُ صلى الله عليه وسلم في الحديثِ الصحيح البخاري، [رقم: 3653؛ ومسلم، رقم: 2381] لأبي بكرٍ رضي الله عنهُ: "ما ظَنُّكَ باثْنَيْنِ اللَّهُ ثالثهما"؟. 1403- وفي الحديث الآخر [البخاري، رقم: 3665؛ ومسلم، رقم: 2382، 1027/ 86] : "لست منهم". أي: لستَ من الذين يُسبلون أزرهُم خُيلاء.

1404- وفي الحديث الآخر [البخاري، رقم: 3656، 3657] : "يا أبا بَكْرٍ! لا تَبْكِ! إنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عليَّ في صُحْبَتِهِ ومالهِ أبُو بكرٍ، وَلَوْ كنتُ مُتَّخِذاً مِنْ أُمتي خَلِيلاً لاتخذتُ أبا بكرٍ خَلِيلاً". 1405- وفي الحديث الآخر [البخاري، رقم: 3674؛ ومسلم، رقم: 3666] : "أرْجُو أنْ تَكُونَ منهم"؛ أي: من الذين يُدْعون من جميع أبواب الجنة لدخولها. 1406- وفي الحديث الآخر [عند البخاري، رقم: 3666؛ ومسلم، رقم: 2403] : "ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بالجنة". 1407- وفي الحديث الآخر [للبخاري، رقم: 3699] : "اثْبُتْ أحدُ؛ فإنَّمَا عَلَيْكَ نَبيٌّ وصديقٌ وشهيدان". 1408- وقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "دخلتُ الجَنَّةَ فَرأيْتُ قَصْراً، فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا؟ قالُوا: لِعُمَرَ؛ فأرَدْتُ أنْ أدخلهُ، فَذَكَرْتُ غَيْرَتَكَ"، فقال عمر رضي الله عنهُ: بأبي وأمي، يا رسول الله! أعليك أغارُ؟ [رواه البخاري، رقم:3679؛ ومسلم، رقم: 2395] . 1409- وفي الحديث الآخر الصحيح [البخاري، رقم: 3683؛ ومسلم، رقم: 2396] : "يا عمر! ما لَقِيَكَ الشيطانُ سَالِكاً فَجَّاً إِلاَّ سلكَ فَجّاً غَيْرَ فجك". 1410- وفي الحديث الآخر [البخاري، رقم: 3674؛ ومسلم، رقم: 2403] : "افْتَحْ لعُثمانَ وبشرهُ بالجنة". 1411- وفي الحديثِ الآخر [البخاري تعليقًا، 62 كتاب فضائل الصحابة، 9 باب مناقب علي بن أبي طالب، قال لعليّ: "أنْتَ مِنِّي، وأنا مِنْكَ".

1412- وفي الحديث الآخر [البخاري، رقم: 3706؛ ومسلم، رقم: 2404] ، قال لعليّ: "أما تَرْضَى أنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ من موسى"؟. 1413- وفي الحديث الآخر [البخاري، قم: 1149؛ ومسلم، رقم: 2458] ، قال لبلال: "سمعتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ في الجنة". 1414- وفي الحديث الآخر [لمسلم، رقم: 810] ، قال لأُبيّ بن كعب: "لِيَهْنَأْكَ العلمُ، أبا المنذر". 1415- وفي الحديث الآخر [البخاري، رقم: 3813؛ ومسلم، رقم: 2484] ، قال لعبد الله بن سلامٍ: "أنْتَ على الإِسْلامِ حتَّى تموت". [راجع رقم: 1685] . 1416- وفي الحديث الآخر [البخاري، رقم: 3798 و4889؛ مسلم، رقم: 2054] ، قال للأنصاري: "ضَحِكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، أوْ عَجِبَ مِنْ فعالكما". [مر برقم: 1213، 1214] . 1417- وفي الحديث الآخر [البخاري، رقم: 3785؛ ومسلم، رقم: 2507] ، قال للأنصاري: "أنْتُمْ مِنْ أحَبّ الناس إلي". 1418- وفي الحديث الآخر [لمسلم، رقم: 2593] ، قال لأشجّ عبد القيس: "إنَّ فيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُما اللَّهُ تَعالى ورسولهُ: الحِلْمَ والأناة". 1419- وكل هذه الحاديث التي أشرتُ إليها في الصحيح مشهورةٌ، فلهذا لم أُضفها، ونظائرُ ما ذكرناهُ من مدحه صلى الله عليه وسلم في الوجه كثيرةٌ. وأما مدحُ الصحابة والتابعين فمن بعدهم من العلماء والأئمة الذين يُقتدى بهم رضي الله عنهم أجمعين، فأكثرُ من أن تُحصر، واللهُ أعلمُ.

1420- قال أبو حامد الغزالي في آخر كتاب الزكاةِ من الإِحياء [1/ 299] : إذا تصدق إنسانٌ بصدقةٍ، فينبغي للآخذِ منهُ أن ينظُر، فإن كان الدافعُ ممّن يُحِبّ الشكر عليها، ونشرها، فينبغي للآخذ أن يخفيَها؛ لأن قضاء حقه ألا ينصرهُ على الظلم، وطلبهُ الشكر ظلمٌ؛ وإن علم من حالهِ أنه لا يحبُ الشكر، ولا يقصدهُ، فينبغي أن يشكرهُ، ويظهر صدقتهُ. 1421- وقال سفيان الثوري رحمهُ الله: مَن عرف نفسهُ لم يضرّه مدح الناس. 1422- قال أبو حامدٍ الغزالي بعد أن ذكر ما سبق في أول الباب [1/ 299] : فدقائق هذه المعاني ينبغي أن يلحظها من يُراعي قلبهُ، فإن أعمالَ الجوارح مع إهمال هذه الدقائق ضحكةٌ للشيطان، لكثرةِ التعب وقلة النفع، ومثل هذا العلم هو الذي يقال: إن تعلم مسألةٍ منه أفضلُ مِنْ عبادة سنةٍ، إذا بهذا العلم تحيا عبادة العمر، وبالجهل به تموت عبادةُ العمرِ كله وتتعطلُ؛ وبالله التوفيق.

بابُ مدح الإِنسان نفسهُ وذكر محاسنهِ: قال الله تعالى: {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} [النجم: 33] . 1423- اعلم أن ذكرَ محاسن نفسه ضربانِ: مذمومٌ، ومحبوبٌ؛ فالمذمومُ أن يذكرهُ للافتخار، وإظهار الارتفاع، والتميّز على الأقرانِ وشبه ذلك؛ والمحبوبُ أن يكونَ فيه مصلحةٌ دينيةٌ، وذلك بأن يكون آمراً بمعروفٍ، أو ناهياً عن مُنكرٍ، أو ناصحاً، أو مشيراً بمصلحة، أو معلماً، أو مؤدباً، أو واعظاً، أو مذكِّراً، أو مُصلحاً بين اثنين، أو يدفعُ عن نفسهِ شرّاً، أو نحو ذلك، فيذكرُ محاسنهُ ناوياً بذلك أن يكون هذا أقربَ إلى قَبول

قوله، واعتمادِ ما يذكرهُ، أو أن هذا الكلام الذي أقولهُ، لا تجدونهُ عند غيري، فاحتفظوا به، أو نحو ذلك، وقد جاء في هذا المعنى، ما لا يحصى من النصوص: كقول النبيّ صلى الله عليه وسلم: 1424- "أنا النَّبِي لا كَذِبْ" [البخاري، رقم: 4317] . 1425- "أنا سَيِّدُ وَلَد آدَم، أنا أوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأرض" [الترمذي، رقم: 3615] . 1426- "أنا أعلمُكم باللهِ وأتقاكم" [رواه البخاري نحوه برقم: 5063] . 1427- "إني أبيتُ عنْدَ ربي" [رواه البخاري، رقم: 1966] وأشباهه كثيرةٌ. 1428- وقال يُوسفُ صلى الله عليه وسلم: {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يوسف: 55] . 1429- وقال شعيبُ صلى الله عليه وسلم: {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} [القصص: 27] . 1430- وقال عثمانُ رضي الله عنهُ، حينَ حُصرَ، ما رويناهُ في "صحيح البخاري" [رقم: 2778] ، أنهُ قال: ألستُم تعلمُونَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ جَهّزَ جَيْشَ العُسْرَةِ فَلَهُ الجَنَّةُ"؟ فجهّزتهم. ألستم تعلمُون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ حَفَرَ بِئرَ رُومة فَلَهُ الجَنَّةُ"؟ فحفرتها. فصدقوهُ بما قال. 1431- وروينا في صحيحيهما البخاري، [رقم: 3728؛ ومسلم، رقم: 2966] ، عن سعدِ ابن أبي وقاصٍ رضي اللهُ عنهُ، أنهُ قال حين شكاهُ

أهلُ الكوفةِ إلى عمرَ بن الخطاب رضي الله عنهُ، وقالوا: لا يُحسنُ يُصلي! فقال سعدُ: والله، إنّي لأول رجل من العرب رمى بسهم في سبيل الله تعالى: ولقد كُنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر تمام الحديث. 1432- وَرَوَيْنَا في "صحيح مسلم" [رقم: 78] ، عن علي رضي الله عنه، قال: والذي فلق الحبَّة وبرأَ النسمةَ، إنه لعهدُ النبيّ صلى الله عليه وسلم إليّ أنه لا يحبني إلا مؤمنٌ، ولا يبغضني إلا منافقٌ. قُلتُ: بَرَأَ مهموز، معناه: خلق، و"النسمة": النفسُ. 1433- وَرَوَيْنَا في "صحيحيهما" [البخاري، رقم: 5002؛ ومسلم رقم: 2462] عن أبي وائلٍ، قال: خطبنا ابنُ مسعودٍ رضي الله عنهُ، فقال: والله، لقد أخذتُ من فِيّ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم بضعاً وسبعين سورة، ولقد علمَ أصحابُ رسُول الله صلى الله عليه وسلم أني مِنْ أعلمهم بكتابِ الله تعالى، وما أنا بخيرهم، ولو أعلم أن أحداً أعلمُ منّي لرحلتُ إليه. 1434- وَرَوَيْنَا في "صحيح مسلم" [رقم: 1325] ، عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه سئل عن البدنةِ إذا أزحفت، فقال: على الخبير سقطتَ -يعني نفسهُ- وذكر تمامَ الحديث. ونظائر هذا كثيرةٌ ولا تنحصرُ، وكلُّها محمولةٌ على ما ذكرنا، وبالله التوفيق.

بابٌ في مسائل تتعلقُ بما تقدَّم: مسألةٌ [في إجابة من نادى بلبيك وسعديك] : 1435- يُستحبّ إجابةُ مَن ناداك بلبّيك وسعديك، أو لبّيك وحدها. 1436- ويُستحبّ أنْ يقول لمن وَرَدَ عليه: مرحِّباً، وأن يقول لمن أحسن إليه، أو رأى منهُ فعلاً جميلاً: حفظك اللهُ، وجزاك الله خيراً، وما أشبههُ، ودلائلُ هذا من الحديثِ الصحيحِ كثيرةٌ مشهورةٌ.

395- مسألةُ [حكم التفدية] : 1437- ولا بأس بقوله للرجل الجليل في علمه1، أو صلاحه، أو نحو ذلك: جعلني الله فداكَ، أو فِداكَ أبي وأُمي، وما أشبههُ؛ ودلائل هذا من الحديث الصحيح كثيرةٌ مشهورةٌ، حذفتها اختصاراً. __________ 1 في نسخة: "عمله".

396- مسألة [في آداب كلام المرأة مع غير محارمها] : 1438- إذا احتاجتْ المرأة إلى كلام غير المحارم في بيع أو شراء، أو غير ذلك من المواضع التي يجوز لها كلامه فيها، فينبغي أن تفخِّمَ عبارتها وتغلظها، ولا تليِّنها، مخافةَ من طمعه فيها. 1439- قال الإمامُ أبو الحسن الواحديُ من أصحابنا، رحمهُ الله، في كتابه البسيط: قال أصحابنا: المرأة مندوبة إذا خاطبتِ الأجانبَ إلى الغِلْظة في المقالة؛ لأن ذلك أبعدُ من الطمعِ في الريبة، وكذلك إذا خاطبتْ مَحرماً عليها بالمصاهرةِ، ألا ترى أن الله تعالى أوصى أمهاتِ المؤمنين وهنّ محرماتٌ على التأبيد بهذه الوصية، فقال تعالى: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب: 32] . قلتُ: هذا الذي ذكره الواحديُ من تغليظِ صوتها، كذا قال أصحابنا. 1440- قال الشيخ إبراهيم المروزي من أصحابنا: طريقُها في تغليظه أن تأخذَ ظهرَ كفّها بفيها وتُجيب كذلك؛ والله أعلمُ.

1441- وهذا الذي ذكرهُ الواحديُّ من أن المحرّم بالمصاهرةِ كالأجنبي في هذا، ضعيفٌ وخلافُ المشهورِ عند أصحابنا؛ لأنهُ كالمحرمِ بالقرابةِ في جوازِ النظرِ والخلوةِ، وأما أُمَّهاتُ المؤمنين فإنهنّ أمهاتُ في تحريم نكاحهنّ ووجوبِ احترامهنَ فقط، ولهذا يحلُ نكاحُ بناتهنّ؛ والله عز وجل أعلمُ.

 كتاب أذكار النّكاح وما يتعلّق به:

398- باب ما يقوله من جاء يخطب امرأةً من أهلها لنفسه أو لغيره: 1442- يُستحبّ أن يبدأ الخاطبُ بالحمدِ لله، والثناء عليه، والصَّلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقولَ: أشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّه وحدهُ لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدهُ ورسولهُ؛ جئتكم راغباً في فتاتِكم فلانةٍ، أو في كريمتِكم فلانةٍ بنتِ فلانٍ، أو نحو ذلك. 1443- رَوَيْنَا في "سنن أبي داود" [رقم: 4840] ، وابن ماجه [رقم: 1894] ، وغيرهما؛ عن أبي هريرة رضي الله عنهُ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "كُلُّ كَلامٍ"، وفي بعض الروايات: "كُلُ أمرٍ لا يبدأُ فِيهِ بالحَمْد لِلَّهِ فَهُوَ أجْذَمُ"، وروي: "أقطعُ" وهُما بمعنى واحدٍ؛ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ1. و"أجذمُ" بالجيم والذال المعجمةِ، ومعناهُ: قليلُ البركةِ، [وتقدم برقم: 618] . 1444- وَرَوَيْنَا في "سنن أبي داود" [رقم: 1841] ، والترمذي [رقم: 1106] ؛ عن أبي هريرة رضي الله عنهُ، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "كُلُّ خطبةٍ لَيْسَ فِيها تشهدٌ، فَهِيَ كاليَدِ الجَذْماءِ"، قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ؛ واللهُ أعلمُ. __________ 1 في بعض النسخ: "هذا حديث حسن".

399- باب عرض الرجل بنتهُ وغيرها ممن إليه تزويجها على أهلِ الفضلِ والخير ليتزوجُوها: 1445- رَوَيْنَا في "صحيح البخاري" [رقم: 5122] ، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنهُ، لما تُوفي زوجُ بنتهِ حفصةَ رضي الله عنهما، قال: لقيتُ عُثمانَ، فعرضتُ عليهِ حفصةَ، فقلتُ: إن شئتَ أنكحتكَ حفصة بنتَ عُمرَ، فقالَ: سأنظرُ في أمري؛ فلبثتُ ليالي، ثم لقيني، فقالَ: قد بدا لي ألا أتزوّج يومي هذا؛ قال عمرُ، فلقيتُ أبا بكرٍ الصديقَ رضي الله عنهُ، فقلتُ: إن شئتَ أنكحتك حفصة بنت عُمرَ؛ فصمتَ أبو بكرٍ رضي الله عنهُ؛ وذكرَ تمامَ الحديث.

400- بابُ ما يقولهُ عندَ عقدِ النِّكَاح: 1446- يُستحب أن يخطبَ بينَ يدي العقدِ خطبةً تشتملُ على ما ذكرناهُ في الباب الذي قبلَ هذا، وتكونُ أطولَ من تلك، وسواءٌ خطبَ العاقدُ أو غيرُه، وأفضلُها ما رَوَيْنَاهُ في "سنن أبي داود" [رقم: 2118] ، والترمذي [رقم: 1105] ، والنسائي [رقم: 3277] ، وابن ماجه [رقم: 1892] ، وغيرها؛ بالأسانيد الصحيحة، عن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنهُ، قال: علمنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم خطبةَ الحاجةِ: "الحمدُ لِلَّهِ نستعينهُ ونستغفرهُ، وَنَعُوذُ بِهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنا، وسيئات أعمالنا1، مَنْ يهدِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لهُ، ومن يضلل __________ 1 في بعض النسخ بإسقاط: "وسيئات أعمالنا".

فَلا هادِيَ لَهُ؛ وأشْهَدُ أنْ لا إلاه إِلاَّ اللَّهُ، وأشهدُ أَنَّ مُحَمَّداً عبدهُ وَرَسُولُهُ: يا أيُّها الَّذين آمنوا اتقوا اللَّهَ {الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1] ، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102] ، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70، 71] ، هذا لفظ إحدى روايات أبي داود. وفي رواية لهُ أخرى [عند أبي داود، رقم: 2119] بعد قوله و"روسوله": "أرسلهُ بالحَقّ بَشِيراً وَنَذِيراً بَيْنَ يَدَيِ الساعةِ، مَنْ يُطع اللَّه ورسولهُ فَقَدْ رشدَ، وَمَنْ يَعْصِهِما فإنَّهُ لا يضرُ إِلاَّ نفسهُ، وَلا يضرُ اللَّهَ شَيْئاً"، قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ. 1447- قال أصحابُنا: ويُستحبُّ أن يقول مع هذا: أُزوِّجك على ما أمر الله عزوجل ورسوله به من إمساكٍ بمعروفٍ، أو تسريح بإحسان. وأقلّ هذه الخطبة: الحمدُ لِلَّهِ، والصلاةُ على رسُول الله صلى الله عليه وسلم، أُوصِي بِتَقْوَى اللَّهِ؛ والله أعلمُ. 1448- واعلم أن هذه الخطبة سنّة، لو لم يأتِ بشيء منها صحَّ النكاح باتفاق العلماء. وحُكي عن داود الظاهري رحمهُ اللهُ، أنهُ قالَ: لا يصحُ، ولكن العلماءَ المحققينَ لا يعدّون خلافَ داودَ خلافاً مُعتبرًا، ولا ينخرقُ الإجماعُ بمُخالفتهِ، والله أعلمُ. 1449- وأما الزوجُ، فالمذهب المختارُ أنه لا يخطبُ بشيءٍ، بل إذا قال له الوليّ: زوّجتك فلانة، يقولُ متصلاً به: قبلتُ تزويجها؛ وإن شاءَ قال: قبلتُ نكاحَها؛ فلو قال: الحمد لله والصلاةُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قبلتُ؛ صحَّ النكاحُ، ولم يضرّ هذا الكلام بين الإِيجاب والقبُولِ؛ لأنه فصلٌ يسيرٌ له تعلقٌ بالعقد. وقال بعضُ أصحابنا: يبطلُ بعد النكاحُ، وقال بعضهُم: لا يبطلُ، بل يُستحبّ أن يأتيَ بهِ، والصوابُ ما قدمناهُ أنهُ لا يأتي به، ولو خالفَ فأتى بهِ لا يبطلُ النكاحُ؛ والله أعلمُ.

بابُ ما يقالُ للزوج بعدَ عقدِ النِّكاح: 1450- السنّة أن يُقال لهُ: باركَ الله لك، أو باركَ الله عليك، وجمعَ بينكما في خير. 1451- ويُستحبُّ أن يُقال لكلّ واحدٍ من الزوجين: بارَك الله لكلّ واحدٍ منكُمَا في صاحبهِ، وجمعَ بينكما في خيرٍ. 1452- رَوَيْنَا في صحيحي البخاري [رقم: 5155] ، ومسلم [رقم: 1427] ؛ عن أنسٍ رضي الله عنهُ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهُ، حين أخبرهُ أنه تزوّج: "بارَكَ اللَّهُ لَكَ". 1453- وَرَوَيْنَا في الصحيح [البخاري، رقم: 6387؛ ومسلم، رقم: 715] أيضاً، أنه صلى الله عليه وسلم قال لجابر رضي الله عنه، حين أخبرهُ أنه تزوّج: "بارَكَ اللَّهُ عَلَيْكَ". 1454- وَرَوَيْنَا بالأسانيد الصحيحة في "سنن أبي داود" [رقم: 2130] ، والترمذي [رقم: 1091] ، وابن ماجه [رقم: 1905] ، وغيرها؛ عن أبي هريرة رضي الله عنهُ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رَفَّأ الإنسان إذا تزوّج، قال: "بَارَكَ اللَّهُ لك، وبارَكَ عَلَيْكَ، وَجَمَعَ بَيْنَكُما في خَيْرٍ". قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ صحيح. 402- فصل [حكم القول: بالرفاء والبنين] : 1455- ويكرهُ أن يُقالَ لهُ: بالرفاءِ والبنين، وسيأتي دليلُ كراهته إن شاء الله تعالى في كتابِ حفظ اللسان في آخر الكتاب [رقم: 1855؛ الباب، رقم: 543] . و"الرِّفاءُ" بكسر الراءِ والمد، هُوَ: الاجتماعُ.

بابُ ما يقولُ الزوجُ إذا دخلت عليهِ امرأتهُ ليلة الزِّفاف: 1456- يُستحبّ أن يُسَمِّيَ اللَّهَ تعالى ويأخذَ بناصيتهَا أولَ ما يَلقاها، ويقول: بارَك اللَّهَ لكلِّ واحدٍ منَّا في صاحبه، ويقول معهُ ما رويناهُ بالأسانيد الصحيحة في "سنن أبي داود" [رقم: 2160] ، وابن ماجه [رقم: 1918] ، وابن السني [رقم: 605] ، وغيرها؛ عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده رضي الله عنهُ، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "إِذَا تَزَوَّجَ أحدكمُ امْرأةً أوِ اشْتَرَى خَادماً فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ إِني أسألُكَ خَيْرَها وَخَيْرَ ما جَبَلْتَها عَلَيْهِ، وأعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّها وَشَرّ ما جَبَلْتَها عَلَيْهِ. وَإِذَا اشْتَرَى بَعِيراً فَلْيأْخُذْ بِذِرْوَةِ سِنَامِهِ وَلْيَقُلْ مِثْلَ ذلك" [وسيرد برقم: 1645] . وفي رواية أبي داود: "ثُمَّ ليأْخُذْ بِناصِيَتِها، وَلْيَدْعُ بالبَرَكَةِ في المرأة والخادم".

بابُ ما يُقالُ للرجلِ بعدَ دُخولِ أهلهِ عليهِ: 1457- رَوَيْنَا في "صحيح البخاري" [رقم: 4793] وغيره؛ عن أنس رضي الله عنهُ، قالَ: بنى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بزينب رضي الله عنها، فأولم بخبزٍ ولحمٍ، وذكر الحديث في صفة الوليمةِ، وكثرةِ مَن دُعيَ إليها، ثم قال: فخرجَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فانطلق إلى حجرة عائشة، فقال: "السَّلامُ عَلَيْكُمْ أهْلَ البَيْتِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ"، فقالت: وعليك السلام ورحمة اللهِ، كيفَ وجدتَ أهلك؟ باركَ اللهُ لكَ؛ فتقرَّى حُجرَ نسائه كلّهنّ، يقولُ لهنَ كما يقولُ لعائشة، ويقلن له كما قالت عائشةُ؛ والله أعلمُ.

بابُ ما يقولُه عندَ الجمَاع: 1458- رَوَيْنَا في صحيحي البخاري [رقم: 5165] ، ومسلمٍ [رقم: 1434] ؛ عن ابن عباس رضي اللهُ عنهُما، من طرقٍ كثيرةٍ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، قال: "لَوْ أنَّ أحدَكُمْ إذَا أتى أهلهُ، قال: باسم الله، اللَّهُمَّ جَنِّبْنا الشَّيْطانَ، وَجَنِّبِ الشَّيْطانَ ما رَزَقْتَنا؛ فَقُضِيَ بَيْنَهُمَا ولدٌ، لَمْ يضرهُ". وفي رواية للبخاري: "لَمْ يَضُرَّهُ شَيْطانٌ أبدًا".

بابُ ملاعبةِ الرجلِ امرأتهُ وممازحته لها ولطف عبارتِه معها: 1459- رَوَيْنَا في صحيحي البخاري [رقم: 6387] ، ومسلم [رقم: 715] ؛ عن جابر رضي الله عنهُ، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تَزَوََّجْتَ بِكْراً أَمْ ثَيِّباً"؟ قلتُ: تزوجتُ ثيباً، قال: "هَلاَّ تَزَوَّجْتَ بِكْراً تُلاعِبُها وَتُلاعِبُكَ". 1460- وَرَوَيْنَا في "كتاب الترمذي" [رقم: 2612] ، و"سنن النسائي" [في "السنن الكبرى" كما في "تحفة الأشراف"، رقم: 1695] ؛ عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قالت رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أكمَلُ المُؤْمِنِينَ إِيمانَاً أحْسَنُهُمْ خُلُقاً وألْطَفُهُمْ لأهله". والله أعلمُ.

بابُ بيان أدبِ الزَّوِجِ مع أصهاره في الكلام: 1461- اعلم أنَّهُ يُستحبّ للزوج ألا يخاطبَ أحداً من أقاربِ زوجتهِ بلفظٍ فيهِ ذكرُ جماعِ النساءِ، أو تقبيلهنّ، أو معانقتهنّ، أو غير ذلك من أنواع الاستمتاعِ بهنَ، أو ما يتضمن ذلك، أو يُستدلّ به عليه، أو يفهم منهُ. 1462- رَوَيْنَا في صحيحي البخاري [رقم: 269] ، ومسلم [رقم: 303] ؛ عن علي رضي اللهُ عنهُ، قال: كنتُ رجلاً مذَّاءً، فاستحييتُ أن أسألَ رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكنِ ابنتهِ مِنِّي، فأمرتُ المقدادَ، فسألهُ.

بابُ ما يُقال عند الولادة وتألّم المرأة بذلك ... No pages

بابُ ما يُقالُ عندَ الولادة وتألّم المرأةِ بذلك: 1463- ينبغي أن يُكثرَ من دعاءِ الكَرْب الذي قدمناهُ [برقم: 663] . 1464- وَرَوَيْنَا في "كتاب ابن السني" [رقم: 625] ، عن فاطمة رضي الله عنها، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، لَمَّا دنا ولادُها، أمرَ أُمَّ سلمة وزينبَ بنتَ جحشٍ أن يأتيا فيقرآ عندها آية الكرسي، و {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ} [الأعراف: 54] إلى آخر الآية، ويعوّذاها بالمعوذتين.

بابُ الأذانِ في أُذنِ المولُود: 1465- رَوَيْنَا في "سنن أبي داود" [رقم: 5105] ، والترمذي [رقم: 1514] وغيرهما [مثل: الحاكم في "مستدركه" 3/ 179] ؛ عن أبي رافع رضي الله عنهُ مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أذنَ في أُذُنِ الحسنِ بنِ عليّ حينَ ولدتهُ فاطمةُ بالصلاةِ، رضي الله عنهُم. قال الترمذيُ: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. 1466- قال جماعةٌ من أصحابنا، يُستحبُ أن يؤذنَ في أُذُنِهِ اليمنى، ويُقيم الصلاة في أذنهِ اليسرى.

1467- وقد رَوَيْنَا في "كتاب ابن السني" [رقم: 628] ، عن الحسين بن عليّ رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ وُلِدَ لَهُ مولدٌ، فأذَّنَ في أُذُنِهِ اليُمْنَى، وأقامَ في أُذُنِهِ اليُسْرَى، لَمْ تَضُرّهُ أمُّ الصّبْيانِ"؛ والله أعلم1. __________ 1 قال ابن قيم الجوزية في تحفة المودود في أحكام المولود صفحة: 39 وما بعدها: وسر التأذين -والله أعلمُ- أن يكون أول ما يقرعُ سمعَ الإنسان كلماتهُ المتضمنة لكبرياء الرب وعظمته، والشهادة التي أول ما يدخل بها في الإسلام، فكان ذلك كالتلقين له شعار الإسلام عند دخوله إلى الدنيا، كما يلقن كلمة التوحيد عند خروج منها، وغير مستنكر وصول أثر التأذين إلى قلبه وتأثيره به وإن لم يشعر، مع ما في ذلك من فائدة أخرى، وهي هروب الشيطان من كلمات الأذان، وهو كان يرصده حتى يولد، فيقارنه للمحنة التي قدرها الله وشاءها، فليسمع شيطانه ما يضعفه ويغيظه أول أوقات تعلقه به. وفيه معنى آخر: وهو أن تكون دعوته إلى الله، وإلى دينه الإسلام، وإلى عبادته؛ سابق على دعوة الشيطان؛ كما كانت فطرة الله التي فُطر عليها سابقة على تغيير الشيطان لها ونقله عنها، ولغير ذلك من الحكم. اهـ. وأما أم الصبيان، فقيل: مرض يلحقُ الأولاد في الصغر، وقيل: هي التابعة من الجن. قال الثعالبي: ريحٌ تعتري الصبيان، وشيءٌ يفزعُ به الصبيان. اهـ.

بابُ الدُعاءِ عندَ تَحنيكِ الطفل: 1468- رَوَيْنَا بالإِسناد الصحيح في "سنن أبي داود" [رقم: 5106] ، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُؤتى بالصبيان، فيدعو لهم، ويحنكهُم. وفي رواية: فيدعو لهم بالبركة. [التحنيك، هو: أن يمضغ التمر ونحوهُ حتى يلين، ثم يدلك به حنك المولود] . 1469- وَرَوَيْنَا في صحيحي البخاري [رقم: 5469] ، ومسلم، [رقم: 2146] ؛ عن أسماءَ بنتِ أبي بكرٍ رضيَ الله عنهُما، قالت: حملتُ

بعبد الله بن الزبير بمكة، فأتيتُ المدينةَ، فنزلتُ قُباء، فولدتُ بقباءَ، ثم أتيتُ به النَّبي صلى الله عليه وسلم، فوضعهُ في حِجره، ثم دعا بتمرةٍ، فمضغَها، ثم تفلَ في فِيه، فكانَ أوّل شيء دخل جوفَه ريقُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم حنَّكَه بالتمرة، ثم دعا له، وباركَ عَلَيْهِ. 1470- وَرَوَيْنَا في "صحيحيهما" [البخاري، رقم: 5467؛ ومسلم، رقم: 2145] ، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنهُ، قال: وُلد لي غلامٌ، فأتيتُ به النبي صلى الله عليه وسلم، فسماهُ إبراهيم، وحنَّكه بتمرةٍ، ودعا له بالبركة. وهذا لفظ البخاري ومسلم، إلا قولهُ: "ودعا له بالبركة" فإنه للبخاري خاصة؛ والله أعلمُ. __________ 1 يلاحظ هنا، أن ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم القصد منه حصول البركة من ريقُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولعل هذا خاصٌ به، وليس لغيره صلى الله عليه وسلم؛ خاصة في عصرنا ومعرفتنا بالجراثيم والعدوى. أما ريقُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيتبارك به، بل يستشفى به.

 كتاب الأسماء:

411-[الأسماء] :

 بابُ تَسْمِيةِ المَوْلُود:

1471- السُّنَّةُ أن يُسَمَّى المولودُ في اليوم السابعِ من ولادته، أو يوم الولادةِ؛ فأما استحبابهُ يومَ السابعِ، فلِمَا رويناهُ في "كتاب الترمذي" [رقم: 2832] ، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أمرَ بتسمية المولود يومَ سابعهِ، ووضعِ الأذى عنهُ، والعقِّ2. قال الترمذي: حديثٌ حسن. 1472- وَرَوَيْنَا في "سنن أبي داود" [رقم: 2837، 2838] ، والترمذي [رقم: 1522] ، وابن ماجه [رقم: 3165] ، وغيرها، بالأسانيد الصحيحة؛ عن سمرةَ بنِ جندبٍ رضيَ الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كلُ غلامٍ رهينةٌ بعقيقتهِ تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ سابِعِهِ، وَيُحلَقُ، ويُسَمَّى"، قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ صحيح. 1473- وأما [تسمية المولود] يوم الولادة، فلِما رويناه في الباب __________ 1 ألحقت بطبعتي لكتاب: "تحفة المودود بأحكام المولود" لابن قيم الجوزية، عدة ملاحق ضمت قواعد وفوائد متعلقة بتسمية المولود ومعاني الأسماء، إما من حيث الاستشقاق أو المعنى. 2 وضع الأذى عنه: حلق الشعر الذي على رأسه. العق: ذبح العقيقة، وهي الشاة المذبوحة عن المولود.

المتقدم [برقم: 1470] من حديث أبي موسى [الأشعري] . 1474- وَرَوَيْنَا في "صحيح مسلم" [رقم: 2315] ، وغيره؛ عن أنس رضي الله عنهُ، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "وُلِدَ لي اللَّيْلَةَ غلامٌ فسميتهُ باسْمِ أبي إبْرَاهِيم صلى الله عليه وسلم". 1475- وَرَوَيْنَا في صحيحي البخاري [رقم: 1301] ، ومسلم [رقم: 2144] ؛ عن أنسٍ رضي اللهُ عنهُ، قال: وُلدَ لأبي طلحةَ غلامٌ، فأتيتُ به النبيّ صلى الله عليه وسلم، فحنكهُ، وسماهُ عبد الله. 1476- وَرَوَيْنَا في "صحيحيهما" [البخاري، رقم: 6191؛ ومسلم، رقم: 2149] عن سهل بن سعدٍ الساعدي رضي الله عنهُ، قال: أتى بالمنذرِ ابن أبي أسيدٍ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وُلد، فوضعهُ النبي صلى الله عليه وسلم على فخذه، وأبو أسيدٍ جالسٌ، فَلَهِيَ النبيّ صلى الله عليه وسلم بشيءٍ بين يديه، فأمر أبو أسيدٍ بابنه فاحْتُمِل من على فخذ النبيّ صلى الله عليه وسلم، فأقلبوهُ، فاستفاقَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فقال: "أيْنَ الصَّبِيُّ"؟ فقال أبو أسيدٍ: أقلبناهُ يا رسول الله! قال: "ما اسْمُهُ"؟ قال: فلان؛ قال: "لا! وَلَكِنِ اسمهُ المنذرُ"، فسماهُ يومئذٍ المنذر. قلت: قوله: "لَهِيَ" بكسر الهاء وفتحها، لغتان، الفتح لطيئ، والكسر لباقي الغرب، وهو الفصيح المشهور، ومعناه: انصرف عنه، وقيل: اشتغل بغيره، وقيل: نسيه. وقوله: "استفاق" أي: ذكره. وقوله: "فأقبلوه" أي: رَدّوه إلى منزلهم.

 بابُ تَسْمِيةِ السَّقْط:

1477- يُستحبّ تسميتُه، فإن لم يُعلم أذكرٌ هو أو أنثى، سُمِّي باسم يَصْلحُ للذكر والأُنثى، كأسماء، وهندَ، وهُنيدة، وخارجةُ، وطلحة، وعُميرة، وزُرْعة؛ ونحو ذلك. 1478- قال الإِمام البغوي: يُستحبّ تسمة السقطِ لحديث ورد فيه [راجع رقم: 836] ، وكذا قاله غيره من أصحابه. 1479- قال أصحابُنا: ولو ماتَ المولودُ قبل تسميتهِ استُحبّ تسميتهُ؛ واللهُ عز وجل أعلمُ. __________ 1 السقط: الولد الذي تسقطهُ أمهُ قبل استكملٍ مدة حملهِ. والسين فيه مثلثةُ اللفظ، أي: بالفتح والضم والكسر.

بابُ استحباب تَحسينِ الاسم: 1480- رَوَيْنَا في "سنن أبي داود" [رقم: 4948] بالإِسناد الجيد، عن أبي الدرداء رضي الله عنهُ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّكُمْ تُدْعَوْنَ يَوْمَ القيامةِ بأسْمائكُمْ وأسماءِ آبائِكُمْ، فأحْسِنُوا أسماءكُم". والله أعلمُ.

 بابُ بيانِ أحبِّ الأسماءِ إلى الله عزَّ وجلّ:

1481- رَوَيْنَا في "صحيح مسلم" [رقم: 2132] ، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ أحَبَّ أسْمائكُمْ إلى الله عَزَّ وَجَلَّ عَبْدُ الله وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ". 1482- وَرَوَيْنَا في صحيحي [البخاري رقم: 6186، ومسلم رقم: 2133] ، عن جابرٍ رضي اللهُ عنهُ، قال: وُلدَ لرجُلٍ منّا غلامٌ، فسماهُ القاسمَ، فقُلنا: لا نكنيكَ أبا القاسم، ولا كرامةَ! فأخبرَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال: "سَمّ ابْنَكَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ". 1483- وَرَوَيْنَا في "سنن أبي داود" [رقم: 4950] ، والنسائي [رقم: 3565] وغيرهما مسند أحمد 4/ 445، عن أبي وهب الجشمي الصحابي رضي الله عنهُ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تَسَمَّوا بأسْماءِ الأنْبِياءِ، وَأحَبُّ الأسْماءِ إلى الله تَعالى: عَبْدُ الله وَعَبْدُ الرَّحْمَن، وأصْدَقُها: حارثٌ وهمامٌ، وأقبحها: حزبٌ ومرةُ".

 بابُ استحباب التهنئة وجواب المُهَنَّأ:

1484- يُستحبّ تهنئةُ المولودِ لهُ، قال أصحابنا: ويُستحبّ أن يُهَنَّأ بما جاء عن الحسن1 [البصري] رضي الله عنهُ، أنَّه علَّم إنساناً التهنئة، فقال: قُل: باركَ الله لكَ في الموهوب لك، وشكرتَ الواهبَ، وبلغَ أشدَّه2، ورُزقت برهُ. 1485- ويُسْتَحَبُّ أن يردّ على المهنئ، فيقولُ: باركَ الله لك، وبارَك عليك، أو: جزاك الله خيراً، ورزقك الله مثلهُ؛ أو: أجزلَ اللهُ ثوابَك؛ ونحو هذا. __________ 1 في أغلب الأصول: "الحسين رضي الله عنه" وهو الحسن البصري عند الطبراني وابن عساكر والسيوطي. 2 في نسخة: رشده.

بابُ النهي عن التسميةِ بالأسماءِ المَكْرُوهة: 1486- رَوَيْنَا في "صحيح مُسلم" [رقم: 2137] ، عن سَمُرة بن جندبٍ رضيَ اللهُ عنهُ، قالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا تُسَمِّيَنَّ غُلامَكَ يَسَاراً، وَلا رَباحاً، وَلا نَجاحاً، وَلا أفْلَحَ، فإنَّكَ تقولُ: أثَمَّ هُو؟ فَلا يكونُ، فتقولُ: لا! إنَّمَا هُنَّ أربعٌ فلا تزيدن عَليّ" 1. __________ 1 قال النووي رحمه الله: قال أصحابنا: تُكرهُ التسميةُ بهذه الأسماء وما في معناها، ولا تختص الكراهة بها وحدها.

1487- وَرَوَيْنَا في "سنن أبي داود" [رقم: 4960] وغيره، من روايةِ جابر، وفيه أيضاً النهي عن تسميته بركة. 1488- وَرَوَيْنَا في صحيحي البخاري [رقم: 6205] ، ومسلم [رقم: 2143] ؛ عن أبي هريرة رضي اللهُ عنهُ، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "إنَّ أخْنَعَ اسمٍ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى رجلٌ تَسَمَّى ملك الأملاك". وفي روايةٍ: "أخنى" بدلَ: "أخنع". وفي رواية لمسلم [رقم: 2143] : "أغيظُ رجلٍ عِنْدَ الله1 تعالى يَوْمَ القِيامَةِ وأخبثهُ رجلٌ كَانَ يُسمى: ملكَ الأملاكِ؛ لا ملِكَ إِلاَّ اللَّهُ". قال العلماءُ: معنى أخنعُ وأخنى: أوضع وأذلُ وأرذلُ. 1489- وجاء في الحديث الصحيح [مسلم 3/ 1688] عن سفيان بن عيينة، قال: ملك الملاكِ مثلُ شاهان شاه. [راجع الرقم: 1824 التالي] . __________ 1 في نسخة: "على الله" بدل: "عند الله".

باب ذكر الإِنسان من يتبعهُ من ولدٍ أو غُلامٍ أو متعلمٍ أو نحوهم باسمٍ قبيحٍ ليُؤدبهُ ويزجرهُ عن القبيح ويروّضَ نفسَه: 1490- رَوَيْنَا في "كتاب ابن السني" [رقم: 403] ، عن عبد الله بن بُسْرٍ المازني الصحابي رضي الله عنه، وهو بضمّ الباء الموحدةِ وإسكانِ السين المهملةِ؛ قال: بعثتني أُمي إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بقطفٍ مِن عنبٍ، فأكلتُ منهُ قبلَ أن أبلغهُ إياهُ، فلما جئتُ به أَخَذَ بأُذني، وقال: "يا غُدر! ".

1491- وَرَوَيْنَا في صحيحي البخاري [رقم: 602] ، ومسلم [رقم: 2057] ؛ عن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، في حديثه الطويل المشتمل على كرامةٍ ظاهرةٍ للصديق رضي الله عنه، ومعناهُ: أن الصديق رضي الله عنهُ ضيَّفَ جماعةً، وأجلسَهم في منزله، وانصرفَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتأخَّرَ رجوعهُ، فقال عندَ رُجوعهِ: أعشّيتمُوهم؟ قالُوا: لا! فأقبل على ابنهِ عبد الرحمنِ، فقالَ: يا غُنْثَرُ1! فَجَدَّعَ وسب [وسيرد برقم: 1798] . قلتُ: قولهُ: غُنثر بغين معجمةٍ مضمومة، ثم نونٍ ساكنةٍ، ثم ثاءٍ مثلثةٍ مفتوحةٍ ومضومةٍ، ثم راء؛ ومعناهُ: يا لئيمُ. وقولهُ: "فجدّعَ" وهوَ بالجيمِ والدالِ المهملةِ، ومعناهُ: دعا عليه بقطع الأنفِ ونحوهِ؛ والله أعلمُ. __________ 1 يا غنثرُ، كجعفر وجندب وقنفذٍ: شتمٌ، أي: يا جاهل، أو أحمق، أو ثقيل، أو سفيه، أو لئيم.

بابُ نداءِ مَنْ لا يعرفُ اسمُه: 1492- ينبغي أن يُنادى بعبارةٍ لا يتأذّى بها، ولا يكونُ فيها كذبٌ ولا ملقٌ1؛ كقولك: يا أخي! يا فقيهُ! يا فقيرُ! يا سيدي! يا هذا! يا صاحبَ الثوب الفلاني، أو النعلِ الفلاني، أو الفرسِ، أو الجملِ، أو السيف، أو الرمحِ؛ وما أشبه هذا على حسب حال المُنَادى والمُنَادِي. 1493- وقد رَوَيْنَا في "سنن أبي داود" [رقم: 3230] ، والنسائي [رقم: 2048] ، وابن ماجه [رقم: 1568] بإسنادٍ حسنٍ؛ عن بَشير بن معبدٍ المعروف بابن الخَصَاصِيَة رضي الله عنهُ، قال: بينما أنا أُماشي النبيَّ صلى الله عليه وسلم نَظَرَ، فإذا رجلٌ يمشي بينَ القبُورِ عليهِ نعلانِ، فقالَ: "يا صَاحِبَ السِّبْتِيَّتَيْنِ، وَيْحَكَ! ألقِ سِبْتِيَّتَيْكَ" وذكر تمام الحديث [راجع رقم: 883] . قلتُ: "النعالُ السبتيةُ" بكسرِ السينِ: التي لا شعرَ عليها. 1494- وَرَوَيْنَا في "كتاب ابن السني" [رقم: 401] ، عن جاريةَ الأنصاري الصحابي رضي الله عنهُ، وهو بالجيم، قال: كنتُ عندَ النبيّ صلى الله عليه وسلم، وكان إذا لم يحفظ اسم الرجلِ قال: "يابن عبد اللَّهِ"؛ واللهُ أعلمُ. __________ 1 الملق: الزيادة في التودد والتضرع والتلطف فوق ما ينبغي، والإعطاء باللسان ما ليس فيه القلب.

باب نهي الولدِ والمتعلم والتلميذ أن يُنادي أباهُ ومعلمهُ وشيخهُ باسمه: 1495- رَوَيْنَا في "كتاب ابن السني" [رقم: 397] ، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً معه غُلامٌ، فقال للغُلامِ: "مَنْ هَذَا"؟ قال: أبي، قال: "فَلا تمشِ أمامهُ، ولا تَسْتَسِبَّ لهُ، وَلا تَجْلِسْ قبلهُ، وَلا تدعهُ باسْمِهِ". قلت: معنى "لا تَسْتَسِبَّ لهُ" أي: لا تفعل فعلاً يتعرضُ فيه لأن يسبّك أبوك زجراً لك وتأديباً على فعلك القبيح. 1496- وَرَوَيْنَا فيه [رقم: 398] عن السيد الجليل العبد الصالح المتفق على صلاحه، عبيد الله بن زحرٍ، بفتح الزاي وإسكانه الحاء المهملةِ، رضي اللهُ عنهُ، قال: يقالُ: من العقوقِ أن تُسمي أباك باسمه، وأن تمشيَ أمامهُ في الطريق.

 باب استحباب تغيير الاسم إلى أحسن منه:

1497- فيه حديثُ سهلِ بن سعدٍ الساعدي [برقم: 1476] المذكور في باب تسمية المولود في قصة المنذر ابن أبي أُسَيْد. 1498- رَوَيْنَا في صحيحي البخاري [رقم: 6192] ، ومسلم [رقم: 2141] ؛ عن أبي هريرة رضي اللهُ عنهُ، أن زَيْنَبَ كان اسمُها برّةَ، فقيل: تزكَي نفسها، فسمَّاها رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب. 1499- وفي "صحيح مسلم" [رقم: 2142] ، عن زَيْنَب بنتِ أبي سلمةَ رضي اللهُ عنها، قالت: سميتُ برةً، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "سموها زينب" قالت: ودخلت عليه زينب بنت جحشٍ، واسمها برةٌ، فسمّاها زينب. 1500- وفي "صحيح مسلم" [رقم: 2140] أيضاً، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كانت جويريةُ اسمها برّة، فَحَوَّلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمَها جويرية، وكان يكرهُ أن يُقال: خَرَج من عند برّة. 1501- وَرَوَيْنَا في "صحيح البخاري" [رقم: 6190] ، عن سعيدِ بن المسيب بن حزنِ، عن أبيه، أن أباهُ جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "ما اسْمُكَ"؟ قال: حزنٌ، فقال: "أنتَ سهلٌ"، قال: لا أغيرُ اسماً سمانيهِ أبي؛ قال ابنُ المسيب: فما زالت الحزونةُ فينا بعدُ. قلتُ: "الحزونةُ": غلظُ الوجهِ، وشيءٌ من القساوة. 1502- وَرَوَيْنَا في "صحيح مسلم" [رقم: 2139] ، عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم غيَّرَ اسم عاصية، وقال: "أنت جميلة". وفي رواية لمسلم [رقم: 2139] أيضاً، أن ابنةً لعمرَ كان يقالُ لها: عاصيةُ، فسمَّاها رسول الله صلى الله عليه وسلم جميلةَ. 1503- وَرَوَيْنَا في "سنن أبي داود" [رقم: 4954] ، بإسنادٍ حسنٍ،

عن أُسامة بن أَخْدَريٍّ الصحابي رضي الله عنهُ -وأخدري بفتح الهمزةِ والدالِ المهملةِ، وإسكان الخاء المعجمة بينهما: أن لاجلاً يقالُ لهُ: أصرمُ، كان في النفرِ الذين أتوْا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فقال لهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ما اسْمُكَ"؟ قال: أصرمُ، قال: "بَلْ أنْتَ زُرعةُ". 1504- وَرَوَيْنَا في "سنن أبي داود" [رقم: 4995] ، والنسائي [رقم: 5387] ، وغيرهما؛ عن أبي شريح هانئٍ الحارثي الصحابي رضي الله عنهُ، أنهُ لما وَفَدَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قومهِ سمعهُم يكنونهُ بأبي الحكم، فدعاهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "إنَّ اللَّهَ هُو الحَكَمُ، وَإِلَيْهِ الحكمُ، فَلِمَ تُكَنَّى أبا الحَكَمِ"؟ فقال: إن قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني فحكمتُ بينهُم، فرضي كِلا الفريقين؛ فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ما أحسنَ هَذَا، فَمَا لَكَ منَ الوَلَدِ"؟ قال لي: شريحٌ، ومسلمُ، وعبدُ الله؛ قال: "فَمَنْ أكبرهُم"؟ قلتُ: شريحٌ، قال: "فأنْتَ أبُو شريحٍ". 1505- قال أبو داود [بعد الحديث رقم: 4956] : وغيّر النبيّ صلى الله عليه وسلم اسمَ العاصي، وعزيزٍ، وعتلةَ، وشيطانٍ، والحكَمِ، وغُرابٍ، وحُبابٍ، وشهاب، فسماهُ هاشِمًا، وسمّى حَرْباً سِلْماً، وسمى المضطجع المنبعث، وأرضاً يقالُ لها: عقرةٌ سمّاها: خضرةَ، وشعبُ الضلالةِ سمّاه: شِعْبَ الهدى، وبنوُ الزنية سماهُم: بني الرِّشْدَة، وسمَّى بني مُغوية: بني رِشْدَة. قال أبو داود: تركتُ أسانيدها للاختصار. قلتُ: "عتلةُ" بفتح العينِ المهملةِ وسكونِ التاءِ المثناةِ فوقُ، قاله ابن ماكُولا [في الإكمال 6/ 308] ، قال: وقال عبد الغني [الأزدي في "المؤتلف والمختلف" صفحة: 93] : عَتَلة، يعني بفتح التاء أيضاً، قال: وسماهُ النبيّ صلى الله عليه وسلم عُتبةَ، وهو عتبةُ بنُ عبدٍ السلميُ.

 بابُ جَوازِ ترخيمِ الاسمِ إذَا لم يَتَأذّ بذلك صَاحِبِهِ:

1506- رَوَيْنَا في "صحيح البخاري" [رقم: 6201، 6202] ، من طرق كثيرة؛ أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم رخَّمَ أسماءَ جماعةٍ من الصحابة، فمن ذلك قولهُ صلى الله عليه وسلم لأبي هريرةَ رضي الله عنهُ: "يا أبا هِرّ". 1507- وقوله صلى الله عليه وسلم لعائشةَ رضي الله عنها: "يا عائشُ"، ولأنجشة رضي الله ُ عنهُ: "يا أنجشُ" [عند البخاري، رقم: 6209، 6210، 6211] . 1508- وفي "كتاب ابن السني" [رقم: 413] ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأسامةَ: "يا أسيمُ". 1509- وللمقدامِ [ابن السني، رقم: 395] : "يا قُديمُ".

 بابُ النهي عن الأَلقابِ التي يَكْرَهُها صاحبُها:

قال الله تعالى: {وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ} [الحجرات: 11] . 1510- واتفق العلماءُ على تحريم تلقيب الإنسانِ بما يكرهُ، سواءٌ كان صفةً لهُ، كالأعمشِ والأجلحِ والعمى والأعرجِ والأحولِ والأبرصِ والأشج والأصفر والأحدبِ والأصمّ والأزرق والأفطس والأشترِ والأثرمِ والأقطعِ والزَّمنِ والمقعدِ والأشلّ، أو كان صفة لأبيهِ أو لأمهِ أو غير ذلك مما يكرهُ. واتفقوا على جواز ذكرهِ بذلك على جهةِ التعريف لمن لا يعرفهُ إلا بذلك. ودلائل ما ذكرتهُ كثيرةٌ مشهورةٌ حذفتها اختصاراً واستغناءً بشهرتها؛ واللهُ أعلمُ.

  باب جاوز واستحباب اللقبِ الذي يحبهُ صاحبُه:

1511- فمن ذلك أبو بكر الصديقُ رضي اللهُ عنهُ، اسمهُ عبد اللهِ بنُ عُثمانَ، لقبهُ عتيقٌ، هذا هُو الصحيحُ الذي عليهِ جماهيرُ العلماءِ من المحدِّثين وأهلِ السيرِ والتواريخ وغيرهم. وقيل: اسمهُ عتيقٌ، حكاهُ الحافظ أبو القاسم ابن عساكر في كتابه "الأطراف" والصوابُ الأول، واتفق العلماءُ على أنه لقبُ خيرٍ. 1512- واختلفوا في سب تشميته عتيقاً، فَرَوَيْنَا عن عائشة رضي الله عنها من أوجهٍ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أبُو بكرٍ عتيقُ اللَّهِ من النار" [أخرجه الترمذي، رقم: 3679] قال: فمن يومئذٍ سُمِّيَ عتيقاً. 1513- وقال مصعب بن الزبير وغيره من أهل النسب: سُمِّي عتيقاً؛ لأنه لم يكن في نسبه شيءٌ يعابُ به، وقيل غيرُ ذلك؛ واللهُ أعلمُ. 1514- ومن ذلك أبو تُرابٍ لقبُ لعليّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنهُ، وكنيتهُ أبُو الحسنِ، ثبتَ في الصحيحِ [البخاري، رقم: 6204] ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجدهُ نائماً في المسجدِ وعليهِ الترابُ، فقالَ: "قُمْ أبا ترابٍ! قُم أَبَا ترابِ! "، فلزمهُ هذا اللقب الحسن الجميل. 1515- وَرَوَيْنَا في صحيحي البخاري [رقم: 3703] ، ومسلم [رقم: 2409] ؛ عن سهل بن سعدٍ، قال سهلٌ: وكانت أحبّ أسماء عليّ إليه، وإن كان ليفرحُ أن يُدعى بها. هذا لفظ رواية البخاري. 1516- ومن ذلك ذو اليدين، واسمهُ الخرباقُ -بكسر الخاء المعجمة وبالباء الموحدةِ وآخرهُ قافٌ- كان في يديهُ طولٌ، ثبتَ في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعوهُ ذا اليدين، واسمهُ الخرباقُ، رواهُ البخاري [رقم: 6051] بهذا اللفظ في أوائل كتابِ البرّ والصلةِ.

 بابُ جوازِ الكِنى واستحباب مخاطبةِ أَهْلِ الفَضْل بها:

1517- هذا البابُ أشهرُ من أن نذكُر فيه شيئاً منقولاً، فإن دلائله يشترك فيها الخواصّ والعوامّ، والأدبُ أن يُخاطب أهلُ الفضل ومن قاربهم الكنيةِ، وكذلك إنْ كتبَ إليه رسالة، وكذا إن رَوى عنهُ روايةً، فيُقالُ: حدّثنا الشيخُ، أو الإمامُ أبو فلان، فلانُ بن فلانٍ وما أشبههُ؛ والأدبُ ألا يذكرَ الرجلُ كنيتَه في كتابه ولا في غيره، إلا أن يُعرف إلا بكنيته، أو كانت الكنية أشهرَ من اسمه. قال النحاس: إذا كانت الكنية أشهر، يُكنى على نظيره، ويُسمَّى لمن فوقهُ، ثم يلحقُ: المعروفُ أبا فلان، أبو بأبي فلانٍ؛ والله أعلمُ.

 بابُ كُنيةِ الرجلِ بِأَكبرِ أولادِه:

1518- كُنِّي نبينا صلى الله عليه وسلم أبا القاسم بابنه القاسم، وكان أكبرَ بنيه، وفي الباب حديثُ أبي شريح الذي قدمناه [برقم: 1504] في باب استحباب تغيير الاسم إلى ما هُو أحسن منهُ.

 بابُ كُنية الرجلِ الذي له أولادٌ بغيرِ أولادِه:

1519- هذا البابُ واسعُ لا يحصى مَن يتصفُ به، ولا بأس بذلك.

بابُ كُنيةِ مَنْ لم يُولَد له، وكُنية الصغيرِ: 1520- رَوَيْنَا في صحيحي البخاري [رقم: 6203] ، ومسلم [رقم: 2150؛ عن أنس رضي الله عنهُ، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسنَ الناس خلقاً، وكان لي أخٌ يقالُ لهُ: أبو عُمير -قال الراوي: أحسبه قال: فطيمٌ- وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا جاءهُ يقُولُ: "يا أبا عُميرِ! ما فعل النغير"؟، نُغرٌ كانَ يلعبُ بهِ، [وسيرد برقم: 1668] . النغرُ: طيرٌ كالعصفُور محمرُ المنقار، وأهل المدينةِ يُسمونهُ: البلبل. 1521- وَرَوَيْنَا بالأسانيد الصحيحة في "سنن أبي داود" [رقم: 4970] ، وغيره؛ عن عائشة رضي الله عنها، قالت: يا رسول الله! كلُّ صواحبي لهنّ كُنى، قال: "فاكْتَنِي بابْنِكَ عَبْدِ الله" قال الراوي: يعني: عبد الله بن الزبير، وهو ابن أختها أسماء بنتِ أبي بكرٍ، وكانت عائشةُ تُكنى أُمّ عبد الله. قلتُ: فهذا هو الصحيح المعروف. 1522- وأما ما رَوَيْنَاهُ في "كتاب ابن السني" [رقم: 419] ، عن عائشةَ رضي الله عنها، قالت: أسقطتُ من النبيّ صلى الله عليه وسلم سَقْطاً، فسماهُ عبد الله، وكنّاني بأم بعدِ الله؛ فهُوَ حديثٌ ضعيفٌ. 1523- وقد كان في الصحابة جماعاتٌ لهم كُنى قبل أن يُولد لهُم، كأبي هريرة، وأنسٍ أبي حمزةَ، وخلائق لا يُحصونَ من الصحابة والتابعين، فمن بعدهم رضي الله عنهمُ أجمعين، ولا كراهةَ في ذلك، بل هو محبوبٌ بالشرط السابق؛ والله أعلم.

 بابُ النّهي عنِ التَّكَنِّي بأبي القَاسِم:

1524- رَوَيْنَا في صحيحي البخاري [رقم: 6187، 6188] ، ومسلم [رقم: 2133، 2134] ؛ عن جماعةٍ من الصحابةِ، منهم جابرُ، وأبو هريرة رضي الله عنهُما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "سَمُّوا باسْمي، وَلا تُكَنٌّوا بِكُنْيَتِي". 1525- قلتُ: اختلفَ العلماءُ في التكنّي بأبي القاسم على ثلاثة مذاهب: فذهب الشافعي رحمه الله، ومَنْ وافقه، إلى أنه لا يَحِلُّ لأحدٍ أن يَتَكَنَّى أبا القاسم، سواءٌ كان اسمهُ محمداً أو غيرهُ، وممّن روى هذا من أصحابنا عن الشافعي الأئمةُ الحفّاظُ الثقات الأثبات الفقهاء المحدّثون: أبو بكر البيهقي ["السنن الكبرى" 9/ 308] وأبو محمدٍ البغوي في كتابه "التهذيب" في أول كتاب النكاح، وأبو القاسم ابن عساكر في "تاريخ دمشق". والمذهب الثاني: مذهب مالك رحمه الله أنه يجوز التكنّي بأبي القاسم لمن اسمه محمد ولغيره، ويجعل النهي خاصاً بحياة رسول الله صلى الله عليه وسلم. والمذهب الثالث: لا يجوز لمن اسمه محمد، ويجوز لغيره. قال الإِمام أبو القاسم الرافعي من أصحابنا: يُشبهُ أن يكون هذا الثالث أصحّ، لأن الناس لم يزالوا يكتنُون به في جميع الأعصار من غير إنكار، وهذا الذي قاله صاحبُ هذا المذهب فيه مُخالفةٌ ظاهرةٌ للحديث. وأما إطباق الناس على فعله مع أن في المتكنين به الأئمة الأعلام، وأهل الحلّ والعقدِ، والذين يُقتدى بهم في مُهمات الدين، ففيه تقوية لمذهب مالكٍ في جوازه مُطلقًا، ويكنُونَ قد فهموا من النهي الاختصاص بحياته صلى الله عليه وسلم، كما هو مشهورٌ من سبب النهي في تكنّي اليهودِ بأبي القاسمِ، ومنادتهم: يا أبا القاسمِ للإِيذاء، وهذا المعنى قد زال؛ واللهُ أعلمُ.

 باب جَوَاز تكنيةِ الكافرِ والمبتدع والفاسق إذا كان لا يُعرفُ إلا بها، أو خِيفَ من ذِكْره باسمِه فتنةٌ:

1526- قال الله تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} [المسد: 1] واسمه عبد العزّى، قيل: ذكر تكنيتهُ؛ لأنه يُعرفُ بها، وقيل: كراهةً لاسمه، حيثُ جُعلَ عبداً للصنم. 1527- وَرَوَيْنَا في صحيحي البخاري [رقم: 4566] ، ومسلم [رقم: 1798] ؛ عن أُسامة بن زيدٍ رضيَ الله عنهُما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركبَ على حمارٍ ليعُودَ سعدَ بن عبادةٍ رضي الله عنهُ، فذكر الحديث ومرور النبيّ صلى الله عليه وسلم على عبد الله بن أبي بن سلول المنافق، ثم قال: فسارَ النبيّ صلى الله عليه وسلم حتى دخلَ على سعدِ بن عبادة، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "أيْ سعدُ! ألَمْ تَسْمَعْ إلى ما قالَ أبُو حُبابٍ -يريدُ عبد اللهِ بن أُبيّ- قالَ: كَذَا وكَذَا" وذكر الحديثَ. قلتُ: تكررَ في الحديثِ تكنيةُ أبي طالبٍ، واسمهُ عبدُ منافٍ. 1528- وفي الصحيح [أبي داود، رقم: 3088] : "هَذَا قَبْرُ أبي رغال". [راجع رقم: 872] . 1529- ونظائر هذا كثيرةٌ هذا كلهُ إذاً وجدَ الشرطُ الذي ذكرناهُ في الترجمةِ، فإن لم يُوجد، لم يزد على الاسم. 1530- كَمَا رَوَيْنَاهُ في "صحيحيهما" [البخاري، رقم: 22940؛ ومسلم، رقم: 1773] ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب: "من محمدٍ عبد الله وَرَسُولِهِ إلى هِرَقْلَ"، فسماهُ باسمه، ولم يُكنهِ، ولا لقبهُ بلقبِ ملكِ الرومِ، وهو قيصرُ. 1531- ونظائرُ هذا كثيرةٌ، وقد أمرنا بالإِغلاظ عليهم، فلا ينبغي أن نُكنيهم، ولا نرققَ لهم عبارة، ولا نلين لهم قولاً، ولا نظهر لهم ودّاً، ولا مؤالفة.

 باب جواز تكنية الرجل بأبي فلانةٍ وأبي فلانٍ، والمرأة بأُمّ فلانٍ وأُمّ فلانةٍ:

1532- اعلم أن هذا كلهُ لا حجرَ فيهِ، وقد تكنَّى جماعاتٌ من أفاضل سلف الأمة من الصحابة والتابعين فمن بعدهم بأبي فلانةٍ، فمنهم عثمان بن عفانٍ رضي الله عنهُ، له ثلاثُ كُنى: أبو عمرو، وأبو عبد الله، وأبو ليلى. ومنهم أبو الدرداء، وزوجتهُ أُمّ الدرداء الكبرى صحابيةٌ، اسمُها: خيرةُ، وزوجتهُ الأخرى أُمّ الدرداءِ الصغرى، اسمها: هجيمةُ، وكانت جليلة القدرِ، فقيهة فاضلة موصوفة بالعقلِ الوافرِ، والفضل الباهر، وهي تابعية. ومنهم أبو ليلى والدُ عبد الرحمنِ ابنِ أبي ليلى، وزوجتهُ أُمّ ليلى، وأبو ليلى وزوجتهُ صحابيان. ومنهم أبو أمامةَ، وجماعاتُ من الصحابة. ومنهم أبو ريحانةَ، وأبو رمثةَ، وأبو رِيْمة، وأبو عَمْرة بشيرُ بن عمرو، وأبو فاطمة الليثي، قيل: اسمه عبد الله بن أُنيسٍ، وأبو مريم الأزدي، وأبو رُقَيَّة تميم الداري، وأبو كريمة المقدام بن معديكرب؛ وهؤلاء كلُّهم صحابةٌ. ومن التابعين أو عائشة مسروقُ بن الأجدع، وخلائق لا يُحصون. قال السمعاني في "الأنساب" [12/ 345] : سُمِّي مسروقاً؛ لأنهُ سرقهُ إنسانٌ وهو صغيرٌ، ثُم وجدَ. 1533- وقد ثَبَتَ في الأحاديث الصحيحة تكنية النبيّ صلى الله عليه وسلم أبا هريرة بأبي هريرة [البخاري، رقم: 6202] ؛ واللهُ أعلمُ بالصواب.

 كتابُ الأذكار المتفرّقة:

432-[الأذكار المتفرّقة] : 1534- اعلم أن هذا الكتاب أنثرُ فيهِ إن شاءَ اللهُ تعالى أبواباً متفرّقة من الأذكارِ والدعواتِ يعظم الانتفاعُ بها إن شاء الله تعالى، وليس لها ضابطٌ نلتزمُ ترتيبها بسببه؛ والله الموفقُ.

 بابُ استحباب حمدِ الله تعالى والثناءِ عليهِ عندَ البشارةِ بما يسرهُ:

1535- اعلمُ أنهُ يُستحبُ لمن تجدّدتْ لهُ نعمةٌ ظاهرةٌ، أو اندفعتْ عنه نقمةٌ ظاهرةٌ أن يسجد شكراً لله تعالى، وأن يحمدَ الله تعالى، أو يثني عليه بما هو أهلهُ، والأحاديث والآثارُ في هذا كثيرةٌ مشهورةٌ. 1536- رَوَيْنَا في "صحيح البخاري" [رقم: 3700] ، عن عمرو بن ميمون، في مقتل عمر بن الخطاب رضي الله عنهُ -في حديث الشورى الطويل- أن عُمرَ ري الله عنهُ أرسلَ ابنهُ عبد اللهِ إلى عائشة رضي الله عنها يستأذنُ أن يُدفنَ مع صاحبيه، فلما أقبلَ عبدُ الله، قال عُمرُ: ما لديك؟ قال: الذي تُحبُ يا أميرَ المؤمنين، أذِنَتْ؛ قال: الحمدُ للهِ، ما كان شيءٌ أهمَّ إليّ من ذلك.

 بابُ ما يقولُ إذا سمع صِياحَ الدِّيكِ ونهيقَ الحِمار ونُباحَ الكَلْبِ:

1537- رَوَيْنَا في صحيحي البخاري [رقم: 3303] ، ومسلم [رقم: 2729] ؛ عن أبي هريرةَ رضي اللهُ عنهُ، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "إذَا سَمِعْتُمْ نُهَاقَ الحَمِيرِ فَتَعَوَّذُوا بالله مِنَ الشَّيْطانِ، فإنَّهَا رأتْ شَيْطاناً؛ وَإذا سمعتُم صِياحَ الدّيَكَةِ فاسْأَلُوا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ، فإنَّها رأتْ مَلَكاً". 1538- وَرَوَيْنَا في "سنن أبي داود" [رقم: 5103] ، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذَا سَمِعْتُمُ نُباحَ الكِلابِ وَنَهِيقَ الحَمِيرِ باللَّيْلِ فَتَعَوَّذُوا باللَّهِ، فإنَّهُنَّ يَرَيْنَ ما لا تَرَوْنَ".

 بابُ ما يقولُ إذا رأى الحريق:

1539- رَوَيْنَا في "كتاب ابن السني" [رقم: 295] ، عن عمرو بن شعيبٍ، عن أبيه، عن جدهِ رضي الله عنهُ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا رأيتمُ الحَرِيقَ فَكَبِّرُوا، فَإِنَّ التَّكْبِيرَ يُطْفئُهُ". 1540- ويُستحبّ أن يدعوَ مع ذلك بدعاء الكرْب [رقم: 663] وغيره مما قدمناهُ في كتابِ الأذكارِ للأُمُورِ العارِضاتِ، وعندَ العاهاتِ والآفاتِ.

 بابُ ما يقولهُ عندَ القِيام مِنَ المجلسِ:

1541- رَوَيْنَا في "كتاب الترمذي" [رقم: 3429] وغيره، عن أبي هريرة رضي الله عنهُ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ جَلَسَ فِي مَجْلِسٍ، فَكَثُرَ فِيهِ لغطهُ، فَقالَ قَبْلَ أنْ يَقُومَ مِنْ مَجْلِسِهِ ذلكَ: سُبحانك اللَّهُمَّ وبِحَمْدِكَ، أشهدُ أنْ لا إلهَ إِلاَّ أنْتَ أسْتَغْفِرُكَ وأتوبُ إِلَيْكَ، إِلاَّ غُفِرَ لَهُ ما كَانَ في مَجْلِسِهِ ذَلكَ"، قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ صحيح.

1542- وَرَوَيْنَا في "سنن أبي داود" [رقم: 4859] وغيره، عن أبي برزةَ رضي الله عنهُ، واسمهُ نضلةُ، قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ بِأَخرةٍ إذا أراد أن يقوم من المجلس: "سُبحانك اللَّهُمَّ وبِحَمْدِكَ، أشهدُ أنْ لا إلهَ إِلاَّ أنْتَ، أسْتَغْفِرُكَ وأتُوبُ إِلَيْكَ" فقال رجلٌ: يا رسُول الله! إنك لتقولُ قولاً ما كنتَ تقولهُ فيما مضى، قال: "ذلكَ كفارةٌ لِمَا يكونُ في المَجْلِسِ". ورواه الحاكم في المستدرك [1/ 537] من رواية عائشة رضي اللهُ عنها، وقال: صحيح الإِسناد. قُلت: قوله: "بأخرةٍ" هُو بهمزةٍ مقصورةٍ مفتوُحةٍ، وبفتح الخاء؛ ومعناهُ: في آخر الأمر. 1543- وَرَوَيْنَا في "حلية الأولياء" ["كنز العمال"، رقم: 3481] ، عن علي رضي الله عنهُ، قال: مَن أحبّ أن يكتالَ بالمكيال الأوفى، فليقلْ في آخرِ مجلسه، أو حين يقومُ: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الصافات: 180 - 182].

 بابُ دُعاء الجَالسِ في جمعٍ لنفسهِ ومَنْ معهُ:

1544- رَوَيْنَا في "كتاب الترمذي" [رقم: 3502] ، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قلَّما كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يقومُ من مجلس حتى يدعوَ بهؤلاء الدعوات لأصحابه: "اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنا مِنْ خَشْيَتِكَ ما يَحُولُ بَيْنَنا وبَيْنَ مَعاصِيكَ، وَمِنْ طاعَتِكَ ما تُبَلِّغُنا بِهِ جَنَّتَكَ، وَمِنَ اليَقين ما تهونُ بِهِ عَلَيْنا مَصَائبَ الدُّنْيا، اللَّهُمَّ مَتِّعْنا بأسْماعنا وأبْصَارِنا وَقُوَّتِنا ما أحْيَيْتَنا، واجْعَلْهُ الوَارِثَ منَّا، وَاجْعَلْ ثأْرنا على مَنْ ظَلَمَنا، وانْصُرْنا على مَنْ عادَانا، وَلا تَجْعَلْ مُصِيبَتَنا في دِينِنا، وَلا تجعلِ الدُّنْيا أكْبَرَ هَمِّنا، وَلا مَبْلَغَ عِلْمِنا، وَلا تُسَلِّط عَلَيْنا مَنْ لا يَرْحمُنا"، قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ.

 بابُ كَراهةِ القِيَام مِن المجلسِ قبلَ أنْ يذكرَ الله تعالى:

1545- رَوَيْنَا -بالإِسناد الصحيح- في "سنن أبي داود" [رقم: 4855] وغيره؛ عن أبي هريرةَ رضي اللهُ عنهُ، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ قومٍ يقومونَ مِنْ مجلسٍ لا يذكرُونَ اللَّهَ تَعالى فِيهِ إِلاَّ قامُوا عَنْ مثلِ جيفةِ حمارٍ، وكانَ لَهُمْ حسرةٌ". 1546- وَرَوَيْنَا فيه [رقم: 4856] ، عن أبي هريرة رضي الله عنه أيضاً، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ قَعَدَ مَقْعَداً لَمْ يذكرِ اللَّهَ تَعَالى فِيهِ كَانَتْ عَلَيْهِ مِنَ اللَّهِ ترةٌ، وَمَنْ اضْطَجَعَ مَضْجَعاً لا يذكرُ اللَّهَ تَعالى فِيهِ كانَتْ عَلَيْهِ مِنَ الله ترةٌ" [مر برقم: 526] . قلتُ: "تِرَةٌ" بكسر التاء وتخفيف الراء، ومعناهُ: نقصٌ، وقيلَ: تبعةٌ؛ ويجوزُ أن يكونَ حسرة كما في الرواية الأخرى [أبو داود، رقم: 4855] . 1547- وَرَوَيْنَا في "كتاب الترمذي" [رقم: 3380] ، عن أبي هريرة رضي الله عنه أيضاً، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، قال: "ما جَلَس قومٌ مَجْلِساً لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ تَعالى فِيهِ، ولَمْ يُصلوا على نَبِيِّهمْ فِيهِ إِلاَّ كانَ عَلَيْهِمْ تِرَةٌ، فإنْ شاءَ عَذبهُمْ، وَإنْ شاءَ غَفَرَ لَهُم"، قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ.

 بابُ الذِّكْرِ في الطَّرِيْق:

1548- رَوَيْنَا في "كتاب ابن السني" [رقم: 178] ، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "ما مِنْ قَوْمٍ جَلَسُوا مَجْلِساً لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ إِلاَّ كانَتْ عَلَيْهِمْ تِرَةٌ، ومَا سَلَكَ رجلٌ طَرِيقاً لمْ يَذْكُرِ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِيه إِلاَّ كانَتْ عَلَيْهِ تِرَةٌ". 1549- وَرَوَيْنَا في "كتاب ابن السني" [رقم: 179] ، ودلائل النبوّة للبيهقي [5/ 246] ، عن أبي أمامةَ الباهلي رضي اللهُ عنهُ، قال: أتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم جبريلُ، وهو بتبوك، فقال: "يا محمدُ! اشْهَدْ جَنازَةَ مُعاوية بْنِ مُعاوِيَةَ المُزَنِيّ"، فخرجَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، ونزلَ جبريلُ عليه السلام في سبعين ألفاً من الملائكة، فوضعَ جناحهُ الأيمن على الجبال، فتواضعتْ، ووضع جناحهُ الأيسر على الأرضين، فتواضعت، حتى نظرَ إلى مكة والمدينة، فصلَّى عليه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وجبريلُ والملائكةُ عليهم السلام: فلما فرغ قال: "يا جبريلُ! بِمَ بَلَغَ مُعاوِيَةُ هَذِهِ المَنْزِلَةَ"؟ قال: بِقِرَاءَتِه {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} قائمًا وراكًا وماشيًا.

 بابُ ما يقُولُ إذا غَضِبَ:

قال الله تعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} [آل عمران: 134] الآيةُ، وقال تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [فصلت: 36، الأعراف: 200] . 1550- وَرَوَيْنَا في صحيحي البخاري [رقم: 614] ، ومسلم [رقم: 2609] ؛ عن أبي هريرة رضي الله عنهُ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليسَ الشديدُ بالصّرعَةِ، إنما الشديدُ الذي يملكُ نفسهُ عند الغضب". 1551- وَرَوَيْنَا في "صحيح مسلم" [رقم: 2608] ، عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما تَعُدُّونَ الصُّرَعَةَ فيكُمْ"؟ قُلنا: الذي لا تصرعهُ الرجالُ؛ قال: "لَيْسَ بذلكَ، ولكنهُ الَّذي يملكُ نفسهُ عِنْدَ الغَضَب".

قُلتُ: "الصُّرَعة" بضم الصاد وفتح الراء، وأصلهُ: الذي يَصرعُ الناسَ كثيراً، كالْهُمَزَةِ واللُمزة الذي يَهمزهم كثيراً. 1552- وَرَوَيْنَا في "سنن أبي داود" [رقم: 4777] ، والترمذي [رقم: 2021، 2495] ، وابن ماجه [رقم: 4186] ؛ عن مُعاذ بن أنس الجهني الصحابي رضي اللهُ عنهُ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ كَظَمَ غَيْظاً وَهُوَ قادرٌ على أنْ يُنفذهُ دعاهُ اللَّهُ سبحانهُ وتعالى على رءوس الخَلائِقِ يَوْمَ القيامةِ حتَّى يُخيرهُ مِنَ الحورِ العين ما شاءَ"، قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ. 1553- وَرَوَيْنَا في صحيحي البخاري [رقم: 3282] ، ومسلم [رقم: 2610] ؛ عن سليمان بن صردٍ الصحابي رضي الله عنه، قال: كنتُ جالساً مع النبيّ صلى الله عليه وسلم ورجلان يَسْتَبَّان، وأحدُهما قد احمرّ وجهُه وانتفختْ أوداجهُ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِني لأعلمُ كَلِمَةً لَوْ قالَهَا لذهبَ عنهُ ما يجدُ، لَوْ قالَ: أعوذُ بالله مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجيمِ، ذهب عَنْهُ ما يَجدُ"، فقالوا لهُ: إن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "تَعَوَّذْ باللهِ منَ الشَّيْطانِ الرَّجِيم"، فقال: وهل بي من جنونٍ؟ 1554- وَرَوَيْنَاهُ في "كتابي أبي داود" [رقم: 4780] ، والترمذي [رقم: 3452] بمعناهُ، من رواية عبد الرحمن ابن أبي ليلى؛ عن معاذِ بن جبل رضي الله عنهُ، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال الترمذي: هذا مرسلٌ؛ يعني: أن عبد الرحمن لم يُدْرك معاذاً. 1555- وَرَوَيْنَا في "كتاب ابن السني" [رقم: 457] ، عن عائشة رضي اللهُ عنها، قالت: دخلَ عليّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأنا غَضْبى، فأخذَ بطرفِ المفصلِ من أنفي، فعركهُ، ثُم قال: "يا عُوَيْشُ! قُولي: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي ذَنْبِي، وأذْهِبْ غَيْظَ قَلْبِي، وأجِرْني مِنَ الشَّيْطانِ". 1556- وَرَوَيْنَا في "سنن أبي داود" [رقم: 4784] ، عن عطيةَ بن عروةَ السعديّ الصحابي رضي الله عنهُ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الغَضَبَ مِنَ الشيطانَ، وَإِنَّ الشيطانَ خلقَ مِنَ النارِ، وإنَّمَا تُطْفأُ النارُ بالماءِ، فإذَا غَضِبَ أحدُكُم فليتوضأ".

 بابُ استحباب إعلامِ الرجُل من يحبهُ أنهُ يُحبهُ، وما يقولهُ لهُ إذا أعلمهُ:

1557- رَوَيْنَا في "سنن أبي داود" [رقم: 5124] ، والترمذي [رقم: 2392] ؛ عن المقدام بن مَعْدِيكَرِبَ رضي الله عنهُ، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "إِذَا أحَبَّ الرجلُ أخاهُ فليُخبرهُ أنهُ يُحبهُ"، قال الترمذي: حديثُ حسن صحيح. 1558- وَرَوَيْنَا في "سنن أبي داود" [رقم: 5125] ، عن أنس رضي الله عنه، أن رجلاً كان عندَ النبيّ صلى الله عليه وسلم، فمرّ رجلٌ، فقال: يا رسُولَ اللهِ! إني لأحبُ هذا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "أعْلَمْتَه"؟ قال: لا، قال: "أعلمهُ"، فلحقهُ، فقال: إني أُحبُك في الله، قال: أحبَّك الذي أحببتني لَهُ. 1559- وَرَوَيْنَا في "سنن أبي داود" [رقم: 1522] ، والنسائي [رقم: 1303] ؛ عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيده، وقال: "يا مُعَاذُ! وَاللَّهِ إِنّي لأُحبك، أُوصِيكَ يا مُعاذُ، لا تَدَعَنَّ فِي دُبُر كُلّ صلاةٍ أنْ تقُولَ: اللَّهُمَّ أعِنِّي على ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عبادتك". [مر برقم: 413] . 1560- وَرَوَيْنَا في "كتاب الترمذي" [رقم: 2393] ، عن يزيدَ بن نَعَامَة الصبي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذَا آخَى الرجلُ الرجلَ فليسألهُ عَنِ اسمهِ واسمِ أبيهِ، وَممّنْ هُوَ، فإنَّه أوصلُ لِلْمَوَدَّةِ". قال الترمذي: حديثٌ غريب، لا نعرفهُ إلا من هذا الوجه، قال: ولا نعلمُ ليزيدَ بن نعامة سماعا من النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ويُروى عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا، ولا يصحّ إسناده. قُلتُ: وقد اختُلِفَ في صحبة يزيدَ بن نعامة، فقال عبد الرحمن ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل [9/ 292] : لا صحبةَ لهُ، قال: وحكى البخاري أن له صحبة، قال: وغلط.

 بابُ ما يقولُ إذا رَأى مُبتلى بمرضٍ أو غيرهِ:

1561- رَوَيْنَا في "كتاب الترمذي" [رقم: 3432] ، عن أبي هريرة رضي الله عنهُ، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "مَنْ رأى مُبْتَلىً فَقالَ: الحمدُ لله الذي عافاني مما ابتلاك به وَفَضَّلَنِي على كثيرٍ ممن خلق تفضيلا؛ لَمْ يُصبهُ ذلكَ البَلاءُ" قال الترمذي: حديثٌ حسن1. 1562- وَرَوَيْنَا في "كتاب الترمذي" [رقم: 3431] ، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهُ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ رأى صَاحِبَ بلاءٍ، فَقالَ: الحمدُ للهِ الَّذي عافانِي مما ابتلاك به، وَفَضَّلَنِي على كثيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تَفضِيلاً، إِلاَّ عُوفي مِنْ ذلكَ البَلاءِ كائِناً ما كانَ ما عاش"، ضَعَّفَ الترمذي إسنادَه. 1563- قلتُ: قال العلماءُ من أصحابنا وغيرهم: ينبغي أن يقول هذا الذكرَ سِرّاً، بحيثُ يسمعُ نفسَه، ولا يُسمعُه المبتلى، لئلا يتألَّمَ قلبهُ بذلك إلا أن تكون بليتهُ معصيةً، فلا بأس أن يسمعهُ ذلك، إن لم يخفْ من ذلك مفسدة؛ واللهُ أعلمُ. __________ 1 في نسخ الترمذي: حديث غريب.

 باب استحباب حمد الله تعالى للمسئول عن حاله وحال محبُوبه مع جوابه إذا كان في جوابه إخبارٌ بطيبِ حالِه:

1564- رَوَيْنَا في "صحيح البخاري" [رقم: 4447] ، عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما، أن عليّاً رضيَ الله عنهُ خرجَ من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجعهِ الذي تُوفي فيه، فقال الناسُ: يا أبا حسنٍ! كيف أصبحَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: أصبحَ بحمدِ اللهِ تعالى بارئًا.

بابُ ما يقولُ إذا دخلَ السُّوقَ: 1565- رَوَيْنَا في "كتاب الترمذي" [رقم: 3428، 3429] وغيره، عن عمرَ بن الخطاب رضي الله عنهُ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ دَخَلَ السُّوقَ فَقالَ: لا إِلهَ إِلاََّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لهُ، لَهُ المُلْكُ، وَلَهُ الحَمْدُ، يُحْيِي ويُمِيتُ، وَهُوَ حَيٌّ لا يَمُوتُ، بِيَدِهِ الخَيْرُ، وهُو على كُلّ شَيْءٍ قديرٌ؛ كَتبَ اللهُ لَهُ ألْفَ ألْفِ حسنةٍ، وَمَحَا عنهُ ألْفَ ألْفِ سيئةٍ، وَرَفَعَ لَهُ ألْفَ ألْفِ دَرَجَة". رواه الحاكم أبو عبد الله في "المستدرك على الصحيحين" [1/ 538] من طرقٍ كثيرةٍ، وزادَ فيه في بعضِ طرقه: "وَبَنى لَهُ بَيْتاً في الجَنَّةِ". وفيه من الزيادة: قال الراوي: فقدمتُ خُراسان، فأتيتُ قُتيبة بن مسلمٍ، فقلتُ: أتيتكَ بهديةٍ؛ فحدّثته بالحديث، فكان قُتيبةُ بن مسلمٍ يركبُ في موكبهِ حتى يأتيَ السوقَ، فيقولُها، ثم ينصرف. ورواهُ الحاكم أيضاً [1/ 539] من رواية ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم. 1566- قال الحاكم: وفي الباب عن جابر وأبي هريرة وبُريدة الأسلمي وأنسٍ، قال: وأقربُها من شرائط هذا الكتاب حديثُ بريدةَ بغير هذا اللفظ. فرواهُ بإسناده [1/ 539] عن بُريدة، قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل السوق قال: "باسْمِ اللَّهِ؛ اللَّهُمَّ إنِّي أسألُكَ خَيْرَ هَذِهِ السوقِ وَخَيْرَ ما فِيها، وأعوذُ بِكَ مِنْ شَرّها وَشَرّ ما فِيهَا؛ اللَّهُمَّ إني أعوذُ بِكَ أنْ أُصيب فِيها يَمِيناً فاجِرَةً أوْ صَفْقَةً خاسرةً".

 بابُ استحباب قولِ الإِنسانِ لمن تزوَّجَ تزوّجاً مُستحباً أو اشترى أو فعل فِعْلاً يَستحسنُه الشرعُ: أصبتَ أو أحسنتَ ونحوه:

1567- رَوَيْنَا في "صحيح مسلم" [رقم: 1466] ، عن جابرٍ رضي الله عنه، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تَزَوَّجْتَ يا جابِرُ"؟ قلتُ: نَعم، قال: "بِكْراً أَمْ ثَيِّباً" قلتُ: ثيّباً، يا رسُول اللهِ، قال: "فهَلاّ جارِيَةً تلاعبُها وتُلاعبك"؟ أو قال: "تُضَاحِكُهَا وتُضَاحِكُكَ". قلتُ: إن عبد الله -يعني: أباهُ- تُوفي وتركَ تسعَ بناتٍ أو سبعاً، وإني كرهتُ أن أجيئهنّ بمثلهنّ، فأحببتُ أنْ أجيءَ بامرأةٍ تقومُ عليهنّ وتُصْلِحُهنّ، قال: "أصَبْتَ" وذكر الحديث.

 بابُ ما يقولُ إذ نظرَ في المرآةِ:

1568- رَوَيْنَا في "كتاب ابن السني" [رقم: 162] ، عن عليّ رضي الله عنهُ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا نظر في المرآة قال: "الحَمْد لِلَّهِ، اللَّهُمَّ كما حَسَّنْتَ خَلْقِي فَحَسّن خُلُقِي". 1569- وَرَوَيْنَاهُ فيه [رقم: 163] من رواية عباسٍ بزيادة. وَرَوَيْنَاهُ فيه [رقم: 164] من روايةِ أنسٍ، قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا نظرَ وجهَه في المرآةِ، قال: "الحمدُ للهِ الَّذي سَوَّى خَلْقي فعدلهُ، وَكَرَّمَ صُورَةَ وَجْهِي فَحَسَّنَها، وَجَعَلَني مِنَ المُسْلِمينَ".

 بابُ ما يقولُ عندَ الحِجَامَة:

1570- رَوَيْنَا في "كتاب ابن السني" [رقم: 166] ، عن علي رضي الله عنهُ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قَرأ آيَة الكُرْسِيِّ عِنْدَ الحِجامَةِ كانَتْ مَنْفَعَةَ حجامته".

 بابُ ما يَقولُ إذا طَنَّت أُذُنه:

1571- رَوَيْنَا في "كتاب ابن السني" [رقم: 165] ، عن أبي رافع رضي الله عنه، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذَا طَنَّتْ أذنُ أحَدِكُمْ فَلْيَذْكُرْنِي، وليُصل عَليَّ، ولْيَقُلْ: ذَكَرَ اللَّهُ بخيرٍ مَنْ ذكرني".

 بابُ ما يقولُه إذا خَدِرَت رجلهُ:

1572- رَوَيْنَا في "كتاب ابن السني" [رقم: 169] ، عن الهيثم بن حنش، قال: كنَّا عندَ عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، فخدِرَتْ رجلهُن فقال له رجلٌ: اذكر أحبَّ الناس إليك، فقال: يا محمدُ صلى الله عليه وسلم! فكأنما نَشِطَ من عِقَال. 1573- وَرَوَيْنَا فيه [رقم: 168] عن مجاهدٍ، قالَ: خَدِرَتْ رجلُ رجلٍ عندَ ابنِ عباسٍ، فقالَ ابنُ عباسٍ رضي اللهُ عنهُما: اذكر أحبَّ الناس إليك، فقال: محمدٌ صلى الله عليه وسلم؛ فذهبَ خَدَرُهُ. 1574- وَرَوَيْنَا فيه [صفحة: 72] عن إبراهيم بن المنذر الْحِزَامِي، أحدِ شيوخِ البخاري الذينَ روى عنهم في صحيحه؛ قال: كان أهلُ المدينةِ يعجبونَ من حُسنِ بيتِ أبي العتاهيةِ حيثُ يقُولُ: وتخدَرُ في بعضِ الأحايينِ رِجْلُهُ ... فإنْ لم يقُل: يا عُتبُ، لم يذهبِ الْخَدَر

 بابُ جَواز دُعاء الإِنسان على مَنْ ظَلَمَ المسلمين أو ظلَمه وحدَه:

1575- اعلم أن هذا الباب واسعٌ جداً، وقد تظاهرَ على جوازه نصوصُ الكتاب والسنّة، وأفعالُ سلفِ الأمةِ وخلفها، وقد أخبرَ الله سبحانهُ وتعالى في مواضع كثيرةٍ معلُومةٍ من القرآنِ عن الأنبياء صلواتُ الله وسلامهُ عليهم بدعائهم على الكفّار. 1576- رَوَيْنَا في "صحيح البخاري" [رقم: 2931] ، ومسلم [رقم: 627] ؛ عن عليّ رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال يوم الأحزاب: "مَلأَ اللَّه قُبُورَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ ناراً كما شَغَلُونا عَنِ الصَّلاةِ الوُسْطَى". 1577- وَرَوَيْنَا في الصحيحين [البخاري، رقم: 4090؛ مسلم، رقم: 675] من طرقٍ، أنه صلى الله عليه وسلم دعا على الذين قَتلوا القراءَ رضي الله عنهم، وأدامَ الدعاءَ عليهم شهراً، يقولُ: "اللَّهُمَّ الْعَنْ رِعْلاً وَذَكْوَانَ وعصية". [وسيرد برقم: 1785] . 1578- رَوَيْنَا في "صحيحيهما" [البخاري، رقم: 240؛ مسلم، رقم: 1794] ؛ عن ابن مسعودٍ رضي الله عنهُ، في حديثهِ الطويلِ في قصةَ أبي جهلٍ وأصحابهِ من قريشٍ حين وَضَعُوا سَلاَ الجزور على ظهر النبيّ صلى الله عليه وسلم، فدعا عليهم، وكان إذا دعا، دعا ثلاثاً، ثم قال: "اللَّهُمَّ عَلَيْكَ

بِقُرَيْشٍ" ثلاثَ مراتٍ، ثم قال: "اللَّهُمَّ عليكَ بأبي جهلٍ، وَعُتْبَةَ بْنِ رَبيعَةَ"، وذكر تمام السبعةِ وتمام الحديث. 1579- وَرَوَيْنَا في "صحيحيهما" [البخاري، رقم: 4560؛ مسلم، رقم: 675] ؛ عن أبي هريرة رضي الله عنهُ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يدعُو: "اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطأتَكَ على مُضر؛ اللَّهُمَّ اجْعَلْها عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنيِّ يُوسُفَ". 1580- وَرَوَيْنَا في "صحيح مسلم" [رقم: 2021] ، عن سلمة بن الأكوع رضي اللهُ عنهُ، أن رجلاً أكل بشماله عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "كُلْ بِيَمِينِكَ"، قال: لا أستطيعُ، قال: "لا اسْتَطَعْتَ" ما منعهُ إلا الكبرُ، قال: فما رفعَها إلى فِيْه. [مر برقم: 1190] . قلتُ: هذا الرجل هو بُسْر -بضم الباء وبالسين المهملة- ابن راعي العير الأشجعي، صحابي. ففيه جواز الدعاء على مَن خالف الحكم الشرعي. 1581- وَرَوَيْنَا في صحيحي البخاري [رقم: 755] ، ومسلم [رقم: 453] ؛ عن جابر بن سمرةَ قال: شكا أهلُ الكوفة سعدَ بن أبي وقاص رضي الله عنه إلى عمر رضي الله عنه، فعزلَه واستعملَ عليهم....، وذكرَ الحديثَ، إلى أن قال: أرسل معهُ عمرُ رجالاً أو رجلاً إلى الكوفة يسألُ عنه، فلم يدعْ مسجداً إلا سألَ عنه، ويُثنون معروفاً، حتى دخل مسجداً لبني عَبْسٍ، فقال رجلٌ منهم يُقال له: أُسامة بن قتادة، يُكنى أبا سعدة، فقال: أما إذ نشدتنا، فإن سعداً لا يسيرُ بالسريّة، ولا يَقسِمُ بالسويّة، ولا يَعدِلُ في القضية. قال سعد: أما والله لأدعونّ بثلاث: اللهمّ إن كان عبدُك هذا كاذباً، قام رياءً وسمعةً، فأطلْ عمرَه، وأطلْ فقرَه، وعرّضْه للفتن، فكانَ بعد ذلك يقول: شيخٌ مفتون، أصابتني دعوةُ سعدٍ.

قال عبدُ الملك بن عمير الروي عن جابر بن سَمُرةَ: فأنا رأيتُه بعدُ، قد سقطَ حاجباهُ على عينيه من الكِبَر، وإنه ليتعرضُ للجواري في الطرق فيغمزُهنّ. 1582- وَرَوَيْنَا في "صحيحيهما" [البخاري، رقم: 2452؛ مسلم، رقم: 1610] ؛ عن عروة بن الزبير، أن سعيدَ بن زيد رضي الله عنهما، خاصمتهُ أروى بنتُ أوسٍ، وقيل: أُويسُ، إلى مروان بن الحكمِ، وادعتُ أنهُ أخذ شيئاً من أرضها، فقال سعيدُ رضي الله عنهُ: أنا كنتُ آخذُ من أرضها شيئاً بعد الذي سمعتُ من رسولِ الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: ما سمعتَ من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "مَنْ أخَذَ شبْراً مِنَ الأرْضِ ظُلْماً طُوِّقهُ إلى سبع أرضين"، فقال له مروانُ: لا أسألُك بيِّنةً بعد هذا، فقال سعيدُ: اللهمّ إن كانت كاذبة فأعمِ بصرها، واقتلْها في أرضها؛ قال: فما ماتتْ حتى ذهبَ بصرُها، وبينما هي تمشي في أرضها إذ وقعتْ في حفرةٍ، فماتت.

 بابُ التَّبَرِّي مِنْ أَهلِ البدعِ والمَعاصي:

1583- رَوَيْنَا في صحيحي البخاري [رقم: 1296] ، ومسلم [رقم: 924] ؛ عن أبي بردةَ ابنِ أبي مُوسى، قال: وجع أبو مُوسى رضي الله عنهُ وجعاً، فغُشي عليهِ ورأسهُ في حجرِ امرأةٍ من أهله، فصاحت امرأةٌ من أهلهِ، فلم يستطعْ أن يرد عليها شيئاً، فلما أفاق، قال: أنا بريءٌ ممن برئ منهُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فإن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم برئ من الصالقةِ والحالقةِ والشاقةِ. [رياض الصالحين، رقم: 1659] . قلتُ: الصالقةُ: الصائحةُ بصوتٍ شديدٍ، والحالقةُ: التي تحلقُ رأسَها عند المصيبة، والشَّاقةُ: التي تشقُّ ثيابَها عند المصيبة. [راجع رقم: 765 السابق] . 1584- وَروينا في "صحيح مسلم" [رقم: 8] ، عن يحيى بن يَعمر، قال: قلتُ لابن عمر رضي الله عنهما: أبا عبد الرحمن! إنه قد ظهر قبلنا ناسٌ يقرؤون القرآن ويزعمون أن لا قَدَر، وأنّ الأمرَ أُنُفٌ؛ فقال: إذا لقيت أولئك فأخبرهم أنّي بريءٌ منهم، وأنهم براءُ مني. قلتُ: "أُنُف" بضمّ الهمزة والنون، أي: مستأنفٌ لم يتقدّم به علمٌ ولا قدرٌ، وكذب أهل الضلالة، بل سبق علم الله تعالى بجميع المخلوقات.

 بابُ ما يقولُه إذا شرعَ في إزالةِ مُنكر:

1585- رَوَيْنَا في صحيحي البخاري [رقم: 4287] ، ومسلم [رقم: 1781] ؛ عن ابن مسعودٍ رضي الله عنهُ، قال: دخل النبيّ صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح، وحول الكعبة ثلاث مائة وستون نُصُباً، فجعلَ يطعنُها بعودٍ كان في يده، ويقول: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء: 81] ، {قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ} [سبأ: 49] .

 بابُ ما يقولُ مَنْ كانَ في لسانِه فُحْشٌ:

1586- رَوَيْنَا في كِتَابَيْ ابن ماجه [رقم: 3817] ، وابن السني [رقم: 364] ؛ عن حذيفة رضي الله عنهُ، قال: شكوتُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذَرْبَ لساني، فقال: "أيْنَ أنْتَ مِنَ الاسْتِغْفارِ؟ إني لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ كُلَّ يومٍ مائَةَ مَرَّةٍ". قلتُ: "الذَرْب" بفتح الذال المعجمة والراءِ، قال أبو زيدٍ وغيره من أهل اللغة: هو فحشُ اللسان.

 بابُ ما يَقولُه إذا عَثَرَتْ دابّتُهُ:

1587- رَوَيْنَا في "سنن أبي داود" [رقم: 4982] ، عن أبي المُلَيْح التابعي المشهور، عن رجل، قال: كنتُ رديفَ النبيّ صلى الله عليه وسلم، فعثرت دابّته، فقلتُ: تَعِس الشيطان، فقال: "لا تَقُلْ: تَعِسَ الشَّيْطانُ، فإنَّكَ إذَا قُلْتَ ذلكَ تَعاظَمَ حتَّى يَكُونَ مِثْلَ البَيْتِ، ويقولُ: بِقُوَّتِي، وَلَكِنْ قُل: باسْمِ اللَّهِ، فإنَّكَ إذَا قلتَ ذلك، تَصَاغَرَ حتى يَكُونَ مِثْلَ الذُّبابِ". قلتُ: هكذا رواهُ أبو داودَ عن أبي المُلَيْح، عن رجل هو رديف النبي صلى الله عليه وسلم ورويناه في "كتاب ابن السني" [رقم: 510] ، عن أبي المُلَيْح، عن أبيه؛ وأبوه صحابي اسمه أسامةُ على الصحيح المشهور، وقيل فيه أقوال أُخرُ، وكِلا الروايتين صحيحةُ متصلةٌ؛ فإن الرجل المجهول في رواية أبي داود صحابي، والصحابةُ رضي الله عنهم كلُّهم عدولٌ لا تضرُ الجهالةُ بأعيانهم. وأما قولهُ: "تَعَس" فقيل معناهُ: هلك، وقيل: سقط، وقيل: عثر، وقيل: لزمهُ الشرّ؛ وهو بكسر العين وفتحها، والفتح أشهر، ولم يذكر الجوهري في صِحاحه [2/ 907] غيره.

  بابُ بيانِ أنه يُستحبُّ لكبير البلد إذا مات الوالي أن يخطب الناس ويسكنهم ويعظم ويأمُرهم بالصبرِ والثباتِ على ما كانوا عليه:

1588- رَوَيْنَا في الحديث الصحيح المشهور [عند البخاري، رقم: 3668] ، في خطبة أبي بكر الصديق رضي الله عنهُ، يوم وفاةِ النبيّ صلى الله عليه وسلم، وقوله رضي الله عنهُ: مَنْ كان يعبدُ محمّداً فإنَّ محمّداً قد ماتَ، ومَنْ كانَ يعبدُ الله فإنَّ اللَّه حيٌّ لا يموت. 1589- وَرَوَيْنَا في "الصحيحين" [البخاري، رقم: 58؛ ومسلم، رقم: 56] ، عن جرير بن عبد الله، أنهُ يوم ماتَ المغيرةُ بن شعبةَ، وكان أميراً على البصرة والكوفة، قام جريرٌ، فحمِد الله تعالى، وأثنى عليه، وقال: عليكم باتقاء الله وحدهُ لا شريكَ له، والوقارِ والسكينةَ حتى يأتيَكم أميرٌ، فإنما يأتيكم الآن.

 بابُ دُعاءِ الإِنسانِ لمن صَنَعَ معروفاً إليه أو إلى النَّاسِ كُلهم أو بعضِهم، والثناءِ عليه، وتحريضه على ذلك:

1590- رَوَيْنا في صحيح البخاري [رقم: 3756] ، ومسلم [رقم: 2477] ؛ عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، قال: أتى النبيُّ صلى الله عليه وسلم الخلاءَ، فوضعتُ له وَضوءاً، فلما خرج، قال: "مَنْ وَضَعَ هَذَا"؟ فأُخبر، قال: "اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ"، زاد البخاري: "فَقِّهْهُ في الدين". 1591- رَوَيْنَا في "صحيح مسلم" [681] ، عن أبي قتادة رضي الله عنهُ، في حديثه الطويل العظيم المشتمل على معجزاتٍ متعدّداتٍ لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال: فبينا رسولُ الله صلى الله عليه وسم يسيرُ حتى ابْهَارَّ الليل، وأنا إلى جنبه، فنَعَس رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فمالَ عن راحلته، فأتيتُه فدعَّمتُه من غير أن أوقظهُ، حتى اعتدل على راحلته، ثم سارَ حتى تهوَّر الليلُ مال عن راحلته، فدعَّمتُه من غير أن أوقظه حتى اعتدل على راحلته، ثم سارَ حتى إذا كان من آخر السَّحَر مالَ ميلة هي أشدّ من الميلتين الأُولَيَيْن حتى كاد ينجفلُ، فأتيتُه فدعَّمته، فرفعَ رأسَه، فقال: "مَنْ هَذَا"؟ قلتُ: أبو قتادة، قال: "مَتَى كان هَذَا مَسِيركَ مِنِّي"؟ قلتُ: ما زال هذا مسيري مند الليلة؛ قال: "حَفِظَكَ الله بِما حَفِظْتَ بِهِ نَبِيّهُ" وذكر الحديث.

قُلتُ: "ابْهَارّ" بوصلِ الهمزةِ وإسكانِ الباءِ الموحدةِ وتشديدِ الراءِ، ومعناهُ: انتصف؛ وقولُه: "تهوّرَ" أي: ذهب معظمهُ، و "انجفل" بالجيم: سقط، و"دعمتهُ": أسندته. 1592- وَرَوَيْنَا في "كتاب الترمذي" [رقم: 2035] ، عن أسامة بن زيدٍ رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "مَنْ صُنع إِلَيْه معروفٌ فَقالَ لِفاعِلِهِ: جزاك الله خيرا؛ فَقَدْ أبْلَغَ في الثناء"، قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ [وسيرد برقم: 1647، 2035] . 1593- وَرَوَيْنَا في سنن النسائي [رقم: 4683] ، وابن ماجه [رقم: 2424] ، و"كتاب ابن السني" [رقم: 278] ؛ عن عبد الله ابن أبي ربيعة الصحابي رضي الله عنه، قال: استقرضَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم منِّيَ أربعين ألفاً، فجاءهُ مالٌ، فدفعهُ إليَّ، وقال: "بارَكَ اللَّهُ لَكَ في أهْلِكَ ومَالِكَ، إنَّمَا جَزَاءُ السَّلَفِ الحمد والأداءُ" [وسيرد برقم: 1646] . 1594- وَرَوَيْنَا في صحيحي البخاري [رقم: 2356] ، ومسلمٍ [رقم: 2476] ؛ عن جرير بن عبد الله البجلي رضي اللهُ عنهُ، قال: كانَ في الجاهلية بيتٌ لخثعمَ يُقالُ لهُ: الكعبةُ اليمانيةُ، ويقالُ لهُ: ذُو الخلصةِ، فقال لي رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "هَلْ أنْتَ مُرِيحِي مِنْ ذِي الْخَلَصَةِ"؟ فنفرتُ إليه في مائةٍ وخمسين فارساً من أَحْمَس، فكسرناهُ، وقتلنَا مَن وجدنا عندهُ، فأتيناهُ، فأخبرناهُ، فدعا لنا ولأحْمَس. وفي رواية لمسلم: فَبَرَّك رسُول الله صلى الله عليه وسلم على خيلٍ أحمسَ ورجالها خمسَ مراتٍ. 1595 - وَرَوَيْنَا في "صحيح البخاري" [رقم: 1635] ، عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى زمزمَ، وهم يسقُونَ، ويعلمُون فيها، فقال: "اعْمَلُوا! فإنَّكُمْ على عملٍ صالحٍ".

 بابُ استحبابِ مُكافأةِ الْمُهدِي بالدعاءِ للِمُهدَي له إذا دَعا لهُ عندَ الهدية:

1596- رَوَيْنَا في "كتاب ابن السني" [رقم: 279] ، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: أهديتُ لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاةٌ، قال: "اقْسِمِيها" فكانت عائشةُ إذا رجعتِ الخادمُ تقولُ: ما قالُوا؟ تقولُ الخادمُ: قالوا: باركَ الله فيكم؛ فتقول عائشة: وفيهم بارك الله، نردُ عليهم مثلَ ما قالُوا، ويَبقى أجرُنا لنا.

 بابُ اسْتحبابِ اعتذارِ مَن أُهديت إليهِ هديةٌ، فردَّها لمعنى شرعي بأن يكون قاضياً، أو والياً، أو كان فيها شبهةٌ، أو كان له عذرٌ غيرُ ذلك:

1597- رَوَيْنَا في "صحيح مسلم" [رقم: 1193] ، عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن الصَّعْبَ بن جثامةَ رضي الله عنهُ، أهدى إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم حمارَ وحشي، وهو محرمٌ، فردََّه عليه، وقال: "لَوْلا أنا محرمون قبلناه مِنْكَ". قلتُ: "جَثّامة" بفتح الجيم، وتشديد الثاء المثلثة.

 بابُ ما يقولُ لمن أزالَ عنه أذىً:

1598- رَوَيْنَا في "كتاب ابن السني" [رقم: 282] ، عن سعيد بن المسيب، عن أبي أيَوبَ الأنصاري رضي الله عنهُ، أنه تناول من لحيةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أذىً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَسَحَ اللَّهُ عَنْكَ يا أبا أَيوبَ ما تَكْرَهُ". 1599- وفي رواية [رقم: 283] عن سعيد بن المسيب1، أنَّ أبا أيوب أخذ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يَكُنْ بِكَ السوءُ يا أبا أَيُّوبَ، لا يَكُنْ بِكَ السُّوءُ". 1600- وَرَوَيْنَا فيه [رقم: 284] ، عن عبد الله بن بكرٍ الباهلي، قال: أخذَ عمرُ رضي الله عنهُ، عن لحية رجلٍ أو رأسه شيئاً، فقال الرجلُ: صرفَ الله عنك السوء، فقال عمر رضي الله عنه: صُرفَ عنّا السوءُ منذ أسلمنا، ولكن إذا أُخِذَ عنك شيءٌ فقل: أَخَذَتْ يَدَاكَ خَيْرًا. __________ 1 في الأصول: "عن سعد".

بابُ ما يقولُ إذا رَأى البَاكُورة مِن الثمرِ: 1601- رَوَيْنَا في "صحيح مسلم" [رقم: 1373] ، عن أبي هريرة رضي الله عنهُ، قال: كانَ الناسُ إذا رأوْا أوّل الثمر جاؤوا به إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فإذا أخذهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قال: "اللَّهُمَّ بارِكْ لَنا في ثَمَرِنا، وبَارِكْ لَنا في مَدِينَتِنا، وبَارِكْ لَنا في صَاعِنا، وبَارِكْ لَنا في مُدّنا"، ثم يدعُو أصغرَ وليدٍ لهُ، فيُعطيه ذلك الثمرَ. وفي رواية لمسلم [رقم: 1373/ 474] أيضاً: "بَرَكَةً مع بركة" ثُم يعطيه أصغر من يَحضُره من الولدان. وفي رِوَاية الترمذي [رقم: 3454] : أصغرَ وليدٍ يراهُ. وفي رواية لابن السني [رقم: 281] ، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنهُ: رأيتُ رسُول الله صلى الله عليه وسلم، إذا أُتي بباكورةٍ وضعَها على عينيه، ثم على شفتيه، وقال: "اللَّهُمَّ كمَا أريْتَنا أوّلَهُ فأرِنا آخِرَهُ"، ثم يُعطيه مَنْ يكونَ عندهُ من الصبيان.

 بابُ استحبابِ الاقتصَادِ في الموعظة والعلم:

1602- اعلم أنه يُستحبّ لمن وعظَ جماعةً، أو ألقى عليهم عِلْماً، أن يقتصدَ في ذلك، ولا يُطوِّل تطويلاً يملهُم، لئلا يَضجروا وتذهبَ حلاوتهُ وجلالتهُ من قُلوبهم، ولئلا يَكْرَهُوا العلمَ وسماعَ الخير فيقعُوا في المحذور. 1603- رَوَيْنَا في صحيحي البخاري [رقم: 70] ، ومسلمٍ [رقم: 2821] ؛ عن شقيق بن سلمة، قال: كان ابن مسعودٍ رضي الله عنه يُذكِّرنا في كل خميسٍ، فقال لهُ رجلٌ: يا أبا عبد الرحمن! لوددتُ أنك ذكّرتَنا كل يوم. فقال: أما إنه يمنعني من ذلك أنّي أكرهُ أنْ أُمِلّكم، وإني أتخوَّلكم بالموعظة كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخوّلنا بها مخافةَ السآمة علينا. 1604- وَرَوَيْنَا في "صحيح مسلم" [رقم: 869] ، عن عمّار بن ياسر رضي الله عنهما، قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن طُولَ صَلاةِ الرَّجُلِ وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ، فأطِيلوا الصَّلاةَ، واقْصِرُوا الخُطْبَةَ". قلتُ: "مَئِنَّةٌ" بميمٍ مفتوحةٍ، ثم همزةٍ مكسورةٍ، ثم نونٍ مشددةٍ، أي: علامة دالةٌ على فقهه. 1605- وَرَوَيْنَا عن ابن شهابٍ الزهريّ رحمهُ الله، قال: إذا طالَ المجلسُ كانَ للشيطانِ فيهِ نصيبٌ [راجع "مقدمة ابن الصلاح" النوع الثامن والعشرون وكذلك ترجمة الزهري في "البداية والنهاية" وفيات سنة 124] .

 بابُ فَضْل الدِّلاَلةِ على الخير والحَثِّ عليها:

قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2] . 1606- وَرَوَيْنَا في "صحيح مسلم" [رقم: 2674] ، عن أبي هريرة رضي الله عنهُ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ دَعا إلى هُدىً كانَ لَهُ مِنَ الأجْرِ مِثْلَ أُجُورِ مَنْ تبعهُ، لا يَنْقُصُ ذلكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئاً، وَمَنْ دَعا إلى ضَلالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ مِثْلُ آثامِ مَنْ تبعهُ لا يَنْقُصُ ذلكَ مِنْ آثامهم شيئًا". [مر برقم: 3] . 1607- وَرَوَيْنَا في "صحيح مسلم" [رقم: 1893] أيضاً، عن أبي مسعودٍ الأنصاري البدريّ رضي الله عنهُ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من دَلَّ على خيرٍ فلهُ مثلُ أجرِ فاعلهِ". 1608- وَرَوَيْنَا في صحيحي البخاري [رقم: 3701] ، ومسلم [رقم: 2406] ؛ عن سهل بن سعدٍ رضي الله عنهُ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعليّ رضي الله عنهُ: "فَوَاللَّهِ لأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِداً خيرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ". 1609- وَرَوَيْنَا في "صحيح مسلم" [رقم: 2699] قوله صلى الله عليه وسلم: "وَاللَّهُ فِي عونِ العبدِ ما كانَ العبدُ في عونِ أخيهِ". [سيرد برقم: 1754] . والأحاديثُ في هذا الباب كثيرةٌ في الصحيح مشهورةٌ. [راجع رقم: 3؛ وكذلك مقدمة "رياض الصالحين"] .

 بابُ حثِّ مَنْ سُئلَ علماً لا يعلمهُ ويعلمُ أنَّ غيرَه يعرفُه على أن يدله عليه:

فيه الأحاديث الصحيحة المتقدمةُ في الباب قبلَه. 1610- وفيه [مسلم، رقم: 55] حديث: "الدين النصيحة" وهذا من النصيحة. [وسيرد برقم: 1661، 2071] . 1611- رَوَيْنَا في "صحيح مسلم" [رقم: 276] ، عن شُريحِ بن هانئ، قال: أتيتُ عائشةَ رضي الله عنها أسألُها عن المسح على الخفّين، فقالتْ: عليكَ بعليّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنهُ، فاسألهُ، فإنه كان يسافرُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألناهُ، وذكرَ الحديث.

1612- وَرَوَيْنَا في "صحيح مسلم" [رقم: 746] ، الحديث الطويل في قصة سعد بن هاشم بن عامر، لَمّا أرادَ أن يسأل عن وترِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فأتى ابنَ عباس يسألُه عن ذلك، فقال ابن عباس: ألا أدُّلُّكَ على أعلمِ أهلِ الأرض بوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: مَن؟ قال: عائشة، فَأْتِها، فاسألها. وذكرَ الحديث. 1613- وَرَوَيْنَا في "صحيح البخاري" [رقم: 5835] ، عن عمران بن حِطَّان، قال: سألتُ عائشةَ رضي الله عنها عن الحرير، فقالتْ: ائتِ ابنَ عباسٍ فاسألهُ؛ فسألتهُ، فقال: سلِ ابنَ عمر؛ فسألتُ ابنَ عُمر، فقال: أخبرني أبو حفص -يعني عُمر بن الخطاب رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّمَا يَلْبَسُ الحَرِيرَ في الدُّنْيا مَنْ لا خَلَاقَ لَهُ في الآخِرَةِ". قلتُ: "لا خلاقَ" أي: لا نصيبَ. والأحاديث الصحيحة بنحو هذا كثيرةٌ مشهورةٌ.

 بابُ ما يَقولُ مَن دُعي إلى حُكْمِ اللَّهِ تعالى:

1614- ينبغي لمن قال له غيرُه: بيني وبينَك كتاب الله، أو سُنَّة رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، أو أقوال علماء المسلمين، أو نحو ذلك، أو قال: اذهبْ معي إلى حاكم المسلمين، أو المفتي لفصلِ الخصومةِ التي بيننا، وما أشبَه ذلك؛ أن يقولَ: سمعنا وأطعنا، أو سمعاً وطاعةً، أو نعم وكرامةٌ، أو شبه ذلك؛ قال الله تعالى: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [النور: 51] . __________ 1 في بعض النسخ: "يقوله".

465- فصل [ما يقوله من وجهت إليه نصيحة] : 1615- ينبغي لمن خاصمهُ غيرهُ، أو نازعهُ في أمرٍ؛ فقال لهُ: اتّقِ اللَّهِ تَعالى، أوْ خفِ اللَّهِ تَعالى؛ أوْ راقبِ اللَّهِ تَعالى، أوْ اعلم أنَّ الله تعالى مطّلعٌ عليك، أو اعلم أنَّ ما تقولهُ يكتبُ عليكَ وتحاسبُ عليهِ، أو قال لهُ: قال الله تعالى: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا} [آل عمران: 30] أو: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} [البقرة: 281] أو نحو ذلك من الآيات وما أشبه ذلك من الألفاظ، أن يتأدَّبَ ويقول: سمعاً وطاعةً، أو أسأل الله التوفيقَ لذلك، أو أسألُ الله الكريمَ لطفهُ، ثم يتطلفُ في مخاطبةِ مَنْ قال له ذلك، وليحذرْ كلَّ الحذرِ من تساهلهِ عند ذلك في عبارته، فإن كثيراً من الناس يتكلمون عند ذلك بما لا يليقُ، وربما تكلَّم بعضُهم بما يكون كفراً. 1616- وكذلك ينبغي إذا قال له صاحبهُ: هذا الذي فعلتهُ خلاف حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أو نحو ذلك، ألا يقول: لا ألتزمُ الحديثَ، أو لا أعملُ بالحديثُ، أو نحو ذلك من العبارات المستبشعة؛ وإن كان الحديثُ متروكَ الظاهر لتخصيص، أو تأويلٍ أو نحو ذلك، بل يقولُ عند ذلك: هذا الحديثُ مخصوصٌ، أو متأولٌ، أو متروكُ الظاهرِ بالإجماعِ؛ وشبهَ ذلك.

 بابُ الإِعراض عن الجاهلين:

قال اللهُ سبحانهُ وتعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199] ، وقال تعالى: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ} [القصص: 55] ، وقال تعالى: {فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا} [النجم: 29] ،

وقال تعالى: {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} [الحجر: 85] . 1617- وَرَوَيْنَا في صحيحي البخاري [رقم: 3150] ، ومسلم [رقم: 1062] ؛ عن عبد الله بن مسعودٍ رضي اللهُ عنهُ، قال: لما كان يومُ حنينٍ، آثرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ناساً من أشرافِ العربِ في القسمة، فقال رجلٌ: والله إن هذه قسمةٌ ما عُدل فيها، وما أُريد فيها وجهُ الله تعالى، فقلتُ: والله لأخبرنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتيتهُ، فأخبرتهُ بما قال، فتغيَّرَ وجههُ حتى كان كالصرفِ، ثم قال: "فَمَنْ يعدلُ إذَا لَمْ يعدلِ اللَّهُ وَرَسُولُهُ"؟ [يصبغُ به الجلود] ، ثم قال: "يَرْحَمُ الله مُوسَى، قَدْ أُوذِيَ بأكْثَرَ مِنْ هذا فصبر"، [وسيأتي برقم: 1736] . قلتُ: "الصِّرف" بكسر الصاد المهملةِ وإسكان الراء، وهو: صبغ أحمرُ. يصبغ به الجلود. 1618- وَرَوَيْنَا في صحيح البخاري [رقم: 4642] ، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قَدِمَ عيينةُ بنُ حصنٍ بنِ حذيفة، فنزل على ابن أخيه الحرّ بن قيسِ، وكانَ من النفرِ الذين يُدنيهم عمرُ رضي اللهُ عنهُ، وكان القراءُ أصحابَ مجلسٍ عُمرَ رضيَ الله عنه ومشاورته، كُهُولاً كانوا أو شبّاناً، فقال عيينةُ لابن أخيهِ: يا ابن أخي! لك وجهٌ عند هذا الأمير، فاستأذنْ لي عليه؛ فاستأذنَ، فأذنَ له عمرُ، فلما دخلَ، قال: هي يا ابن الخطاب! فوالله ما تُعطينا الجزل، ولا تحكمُ فينا بالعدل؛ فغضبَ عمرُ رضي الله عنهُ حتى همّ أن يُوقع به، فقال لهُ الحرُ: يا أميرَ المؤمنين! إن الله تعالى قال لنبيّه صلى الله عليه وسلم: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199] وإن هذا من الجاهلين؛ والله ما جاوزَها عمرُ حين تلاها عليهِ، وكان وقَّافاً عند كتاب الله تعالى؛ [سيرد برقم: 1677] ؛ والله أعلم.

 بابُ وعظِ الإنسانِ مَنْ هُو أجلُ منه:

1619- فيه حديثُ ابن عباسٍ في قصة عمر رضي الله عنهُ في البابِ قبلهُ [رقم: 1618] . 1620- اعلم أن هذا البابَ مما تتأكدُ العنايةُ بهِ، فيجبُ على الإِنسان النصيحةُ والوعظُ والأمرُ بالمعروف والنهيُ عن المنكر لكل صغير وكبير إذا لم يغلبْ على ظنهِ ترتبُ مفسدةٍ على وعظهِ، قال الله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125] . وأما الأحاديثُ بنحو ما ذكرنا فأكثرُ من أن تُحصر. 1621- وأمَّا ما يفعلهُ كثيرٌ من الناس من إهمال ذلك في حقّ كبار المراتب، وتوهمهم أنَّ ذلك حياءٌ، فخطأٌ صريحٌ، وجهلٌ قبيحٌ، فإن ذلك ليس بحياءٍ، وإنما هو خورٌ ومهانةٌ وضعفٌ وعجزٌ، فإن "الحياءَ خير كله" [مسلم، رقم: 37] ، و "الحياء لا يأتي إلا بخير" [البخاري رقم: 6177] ؛ مسلم، [رقم: 37] ، وهذا يأتي بشرٌ، فليس بحياء، وإنما الحياءُ عند العلماء الربانيين والأئمة المحققين: خلقٌ يبعثُ على ترك القبيح، ويمنعُ من التقصير في حقّ ذي الحقّ، وهذا معنى ما رويناهُ عن الجنيدِ رضي الله عنهُ في رسالة القشيري، قال: الحياءُ: رؤيةُ الآلاء ورؤيةُ التقصيرِ، فيتولد بينهما حالةٌ تُسمَّى حياء. وقد أوضحتُ هذا مبسوطاً في أوّل "شرح صحيح مسلم" [2/ 5] ولله، الحمدُ؛ والله أعلم.

 بابُ الأمر بالوفاءِ بالعهدِ والوَعْدِ:

1622- قال الله تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ} [النحل: 91] . وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] ، وقال تعالى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} [الإسراء: 34] والآياتُ في ذلك كثيرةٌ، ومن أشدّها قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ، كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2، 3] . 1623- وَرَوَيْنَا في صحيحي البخاري [رقم: 33] ، ومسلم [رقم: 59] ؛ عن أبي هريرةَ رضي الله عنهُ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "آيَةُ المُنافِقِ ثلاثٌ: إذَا حدث كذب، وإذا وَعَدَ أخْلَفَ، وَإِذَا اؤتمن خانَ". زاد في رواية لمسلم [رقم: 59/ 109] : "وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى وَزَعَمَ أنَّهُ مُسْلِمٌ". [وسيرد برقم: 1918] . والأحاديث بهذا المعنى كثيرةٌ، وفيما ذكرناهُ كفايةٌ. 1624- وقد أجمعَ العلماءُ على أن من وعد إنسانً شيئاً ليس بمنهيّ عنهُ، فينبغي أن يفي بوعدهِ، وهل ذلك واجبٌ أم مستحبٌّ؟ فيه خلافٌ بينهم؛ ذهب الشافعيُ وأبو حنيفةَ والجمهورُ، رحمهمُ الله، إلى أنه مستحبّ، فلو تركهُ فاتهُ الفضلُ، وارتكب المكروه كراهةَ تنزيه شديدة، ولكن لا يأثم؛ وذهبَ جماعةٌ إلى أنه واجبٌ، قال الإِمامُ أبو بكرٍ ابن العربي المالكي: أَجَلُّ مَن ذهبَ إلى هذا المذهب عمرُ بن عبد العزيز، قال: وذهبتِ المالكية مذهباً ثالثاً أنه إن ارتبط الوعدُ بسببٍ، كقوله: تزوّج ولك كذا، أو احلف أنك لا تشتمني ولك كذا، أو نحو ذلك، وجب الوفاء؛ وإن كان وعداً مُطلقًا لم يجب. واستدلّ مَن لم يوجبه بأنه في معنى الهبةِ، والهبةُ لا تلزمُ إلا بالقبضِ عند الجمهورِ، وعند المالكية: تلتزم قبل القبض.

 بابُ استحبابِ دُعاءِ الإِنسان لمن عَرَضَ عليه مالهُ أو غيرهُ:

1625- رَوَيْنَا في صحيح البخاري [رقم: 3781] وغيره؛ عن أنس رضي الله عنهُ، قال: لما قدموا المدينة، نزل عبدُ الرحمن بن عوفٍ على سعدِ بن الربيع، فقال: أُقاسمك مالي، وأنزلُ لك عن إحدى امرأتيّ، قال: بارك الله لك في أهلك ومالك.

 بابُ ما يقولهُ المسلمُ للذميّ إذا فعلَ به مَعْرُوفاً:

1626- اعلم أنهُ لا يجوزُ أن يُدعى لهُ بالمغفرةِ وما أشبهها مما لا يكونُ للكفارِ، لكن يجوزُ أن يُدعى له بالهداية وصحةِ البدنِ والعافية وشبهِ ذلك. 1627- رَوَيْنَا في "كتاب ابن السني" [رقم: 290] ، عن أنس رضي الله عنهُ، قال: استسقى النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فسقاهُ يهوديٌّ، فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم: "جَمَّلَكَ اللَّهُ"، فما رأى الشيب حتى مات.

 بابُ ما يقولهُ إذا رَأى مِن نفسهِ أو ولده أو مالِه أو غير ذلكَ شيئاً فأعجبهُ، وخاف أن يُصيبهُ بعينهِ، وأنْ يتضرر بذلك:

1628- في صحيحي البخاري [رقم: 5944] ، ومسلم [رقم: 2187] ؛ عن أبي هريرةَ رضي اللهُ عنهُ، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "العينُ حَقٍّ". 1629- وَرَوَيْنَا في "صحيحيهما" [البخاري، رقم: 5739، ومسلم، رقم: 2197] ، عن أُمّ سلمةَ رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في بيتها جاريةً في وجهها سفعةٌ، فقال: "استرقُوا لَهَا، فإنَّ بِهَا النَّظرة". قلتُ: السَّفعة بفتح السين المهملة وإسكان الفاء، هي: تغيّر وصفرةٌ.

وأما النظرة فهي: العين، يقالُ: صبيّ منظور، أي: أصابته العين. 1630- وَرَوَيْنَا في "صحيح مسلم" [رقم: 2188] ، عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "العَيْنُ حَقٌ، وَلَوْ كانَ شيءٌ سابقَ القَدَرَ سبقتهُ العينُ، وإذا اسْتُغْسلْتم فاغْسِلُوا". 1631- قلتُ: قال العلماءُ: الاستغسالُ، أن يُقال للعائن، وهو الصائبُ بعينهِ الناظرُ بها بالاستحسان: اغسلْ داخلَ إِزارك مما يلي الجلد بماءٍ، ثم يُصبّ على الْمُعيَنِ، وهو المنظورُ إليهِ. وثبت عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان يؤمرُ العائنُ أن يَتوضأ، ثم يغتسل منهُ المعينُ. رواه أبو داودَ [رقم: 3880] بإسناد صحيح على شرط البخاري ومسلمٍ. 1632- وَرَوَيْنَا في "كتاب الترمذي" [رقم: 2058] ، والنسائي في "السنن الكبرى" كما في "تحفة الأشراف"، [رقم: 4327] ، وابن ماجه [رقم: 3511] ؛ عن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنهُ، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوّذُ من الجانّ وعين الإِنسان حتى نزلت المعوّذتان، فلما نزلتا أخذَ بهما، وترك سواهما. قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ. 1633- وَرَوَيْنَا في "صحيح البخاري" [رقم: 3371] حديث ابن عباس، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يعوذُ الحسن والحسين رضي الله عنهما: "أعيذُكما بكلماتِ اللَّهِ التامات، مِنْ كُلِّ شيطانٍ وهامةٍ، وَمِنْ كُلّ عينٍ لامةٍ"، ويقولُ: "إنَّ أباكُما كانَ يُعَوِّذُ بهما إسماعيلَ وإسحاق" [مر برقم: 706] . 1634- وَرَوَيْنَا في "كتاب ابن السني" [رقم: 207] ، عن سعيد بن حكيم رضي الله عنهُ، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خافَ أن يُصيب شيئاً بعينه، قال: "اللَّهُمَّ بارِكْ فِيهِ وَلا تَضُرّهُ". 1635- وَرَوَيْنَا فيه [رقم: 206] ، عن أنسٍ رضي الله عنه، أن

رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ رأى شَيْئاً فأعجبهُ، فَقالَ: ما شاءَ اللَّهُ، لا قُوَّةَ إِلاَّ باللَّهِ؛ لَمْ يضرهُ". 1636- وَرَوَيْنَا فيه [رقم: 204] ، عن سهل بن حنيفٍ رضي اللهُ عنهُ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا رأى أحدكم ما يُعجبهُ في نَفْسِهِ أوْ مالهِ فَلْيُبَرّكْ عَلَيْهِ، فإنَّ العَيْنَ حَقُّ". 1637- وَرَوَيْنَا فيه [رقم: 205] ، عن عامر بن ربيعة رضي الله عنهُ، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إذا رأى أحدكُم من نفسهِ ومالهِ وأخيهِ ما يُعجبهُ فليدعُ بالبَرَكَةِ". 1638- وذكر الإمامُ أبو محمدٍ القاضي حُسينُ من أصحابنا رحمهمُ اللهُ، في كتابهِ "التعليق في المذهب" قال: نظرَ بعضُ الأنبياء، صلواتُ الله وسلامهُ عليهم أجمعين، إلى قومهِ يوماً، فاستكثَرهم وأعجبوهُ، فماتَ منهم في ساعةٍ سبعونَ ألفاً، فأوحى الله سبحانهُ وتعالى إليه: أنَّكَ عِنْتَهُمْ، وَلَوْ أنَّكَ إذْ عِنْتَهُمْ حَصَّنْتَهُمْ لَمْ يَهْلِكُوا؛ قال: وَبأيّ شيءٍ أُحَصّنُهُمْ؟ فأوحى الله تعالى إليه: تقولُ: حَصَّنْتُكُمْ بالحَيّ القَيُّومِ الَّذي لا يموتُ أَبَدَاً، ودفعتُ عنكمُ السوءَ بِلا حولَ وَلا قوةَ إِلاَّ باللهِ العَلِيّ العَظيمِ. قال المعلقُ عن القاضي حُسينٍ: وكان من عادةِ القاضي حُسينِ رحمهُ الله إذا نظرَ إلى أصحابهِ، فأعجبهُ سمتُهم وحسنُ حالهم، حصَّنهم بهذا المذكور؛ والله أعلم.

 بابُ ما يقولُ إذا رأى ما يُحِبُّ أو ما يَكرهُ:

1639- رَوَيْنَا في "كتاب ابن ماجه" [رقم: 3803] ، وابن السني [رقم: 380] ؛ بإسناد جيد؛ عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى ما يُحِبّ، قال: "الحمدُ لِلَّهِ الَّذي بِنِعْمَتِهِ تتم الصالحت"، وإذا رأى ما يكرهُ، قال: "الحَمْدُ لِلَّهِ على كُلّ حالٍ". قال الحاكم أبو عبد الله [1/ 499] : هذا حديثٌ صحيحُ الإسناد. __________ 1 في بعض النسخ: "و" بدلاً من: "أو".

بابُ ما يَقولُ إذا نظرَ إلى السَّماء: 1640- يُستحبّ أن يقول: {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ، رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ، رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ، فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ، لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ، مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ، لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ، وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران: 191-200] ، لحديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما المخرّج في "صحيحيهما" [البخاري، رقم: 4569؛ ومسلم، رقم: 763/ 256] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك؛ وقد سبقَ بيانهُ [برقم: 136، 137] ؛ والله أعلم.

 بابُ ما يقولُ إذا تطيَّرَ بشيءٍ:

1641- رَوَيْنَا في "صحيح مسلم" [رقم: 537] ، عن معاوية بن الحكم السلميّ الصحابي رضي الله عنهُ، قال: قلتُ: يا رسول الله! منَّا رجالٌ يتطيرون، قال: "ذلكَ شَيْءٌ يَجِدُونَه في صُدُورِهِمْ، فَلا يصدَّنَّهم". 1642- وَرَوَيْنَا في "كتاب ابن السني" [رقم: 294] ، وغيره؛ عن عروة1 بن عامرٍ الجني رضي الله عنهُ، قال: سُئل النبيّ صلى الله عليه وسلم عن الطيرةِ، فقال: "أصْدَقُها الفألُ، ولا ترد 2 مُسْلِماً، وَإذَا رَأيْتُمُ مَنْ الطيرةِ شَيْئاً تكرهونهُ فَقولُوا: اللَّهُم لا يأتِي بالحَسَناتِ إِلاَّ أَنْتَ، وَلا يذهبُ بالسَّيِّئاتِ إِلاَّ أنْتَ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بالله". __________ 1 في الأصول: "عقبة". 2 في الأصول: "ولا يرد".

 بابُ ما يقولُ عندَ دُخول الحمَّام:

1643- قيل: يُستحب أن يُسمِّيَ الله تعالى، وأنْ يسألهُ الجنّةَ، ويستعيذهُ مِنَ النَّارِ. 1644- وَرَوَيْنَا في "كتاب ابن السني" [رقم: 316] ، بإسناد ضعيفٍ؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نِعْمَ البَيْتُ الحَمَّامُ يدخلهُ المُسْلِمُ، إذَا دخلهُ سألَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ الجَنَّةَ، واستعاذهُ مِنَ النار".

 باب ما يقوله إذا اشترى غُلاماً أو جَاريةً أو دابّةً، وما يقولهُ إذا قَضى دَيْناً:

1645- يُستحبّ في الأوّل أن يأخذَ بناصيته، ويقولَ: "اللَّهُمَّ إني أسألُك خيرهُ وَخَيْرَ مَا جُبِلَ عَلَيْهِ، وأعوذُ بِكَ مِنْ شرهِ وَشَرِّ ما جُبلَ عليهِ"، وقد سبق [برقم: 1456] في كتاب أذكار النكاح، الحديثُ الواردُ في نحوِ ذلكَ في "سنن أبي داود" [رقم: 2160] وغيره. 1646- ويقولُ في قضاء الدَّين: "بارَكَ الله لك في أهلك ومالك" [مر برقم: 1593] . 1647- وَ: "جزاك الله خيرا" [مر برقم: 1592؛ وسيرد برقم: 2035] . __________ 1 في نسخة: "يقول".

 بابُ ما يقولُ مَن لا يثبتُ على الخيلِ ويُدعى لهُ به:

1648- رَوَيْنَا في "صحيح البخاري" [رقم: 3036] ، ومسلمٍ [رقم: 2475] ؛ عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنهُ، قال: شكوتُ إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم أني لا أثبتُ على الخيلِ، فضربَ بيدهِ في صدري، وقال: "اللَّهُمَّ ثبتهُ، واجعلهُ هاديًا مهديًّا".

 بابُ نهيِ العالم وغيرِه أن يُحدثَ الناسَ بما لا يفهمونهُ أو يخافُ عليهم من تحريف معناهُ وحملِهِ على خلاف المراد منه:

قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} [إبراهيم: 4] . 1649- وَرَوَيْنَا في صحيحي البخاري [رقم: 705] ، ومسلم [رقم: 465] ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمعاذٍ رضي الله عنه حين طوَّل الصلاة بالجماعةِ: "أفتانٌ أنْتَ يا معاذُ"؟. 1650- وَرَوَيْنَا في "صحيح البخاري" [رقم: 127] ، عن علي رضي الله عنهُ، قال: حدّثوا الناسَ بما يَعرفون، أتحِبُّون أن يُكَذَّب اللَّهُ ورسولهُ صلى الله عليه وسلم؟.

 بابُ استنصات العالم والواعظِ حاضري مجلسِه ليتوَفَّروا على استماعِه:

1651- رَوَيْنَا في صحيحي البخاري [رقم: 4405] ، ومسلم [رقم: 65] ؛ عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه، قال: قال لي النبيّ صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: "اسْتَنْصِتِ الناسَ"، ثم قال: "لا تَرْجِعُوا بَعْدي كُفَّاراً يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقابَ بعض".

 بابُ ما يقولهُ الرجلُ المُقتدى به إذا فعل شيئاً في ظاهرهِ مخالفةٌ للصوابِ مع أنهُ صوابٌ:

1652- اعلم أنهُ يستحبُ للعالم والمعلّم والقاضي والمفتي والشيخ المربّي، وغيرهم ممّن يقتدى به ويؤخذ عنه؛ أن يجتنب الأفعالَ والأقوالَ والتصرّفات التي ظاهرها خلافُ الصوابِ، وإن كان محقّاً فيها؛ لأنهُ إذا فعلَ ذلكَ ترتَّبَ عليهِ مفاسدُ، من جملتها: توهم كثيرٍ ممّن يعلمُ ذلك منه أن هذا جائزٌ على ظاهرهِ بكُل حالٍ، وأن يبقى ذلك شرعاً، وأمراً معمولاً به أبداً، ومنها وقوعُ الناسِ فيهِ بالتنقصِ، واعتقادُهم نقصهُ، وإطلاقُ ألسنتهم بذلك؛ ومنها: أن الناس يُسيئون الظنّ به، فينفرون عنهُ، ويُنَفِّرون غيرهم عن أخذ العلم عنهُ، وتَسقط رواياتهُ وشهادتهُ، ويبطُل العملُ بفتواهُ، ويذهبُ ركونُ النفس إلى ما يقولهُ من العلوم، وهذه مفاسد ظاهرةٌ؛ فينبغي له اجتناب أفرادها،

فكيف بمجموعها؟ فإن احتاج إلى شيءٍ من ذلك، وكان محقّاً في نفس الأمر لم يظهرهُ، فإن أظهرهُ أو ظهرَ أو رأى المصلحةَ في إظهاره ليعلم جوازهُ، وحكمُ الشرع فيهِ، فينبغي أن يقولَ: هذا الذي فعلتُه ليس بحرامٍ، أو إنما1 فعلتهُ لتعلموا أنه ليس بحرامٍ إذا كان على هذا الوجهِ الذي فعلتهُ، وهو كذا وكذا، ودليلهُ كذا وكذا. 1653- رَوَيْنَا في صحيحي البخاري [رقم: 917] ، ومسلم [رقم: 544] ؛ عن سهل بن سعدٍ الساعدي رضي الله عنهُ، قال: رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قامَ على المنبرِ، فكبَّرَ وكبر الناسُ وراءهُ، فقرأ وركع، وركع الناس خلفه، ثم رفع، ثم رجع القهقرى، فسجد على الأرض، ثم عادَ إلى المنبر حتى فرغَ من صلاتِه، ثم أقبلَ على الناس، فقال: "أيُّها النَّاسُ! إنَّمَا صَنَعْتُ هَذَا لِتَأتَمُّوا بِي، وَلِتَعَلَّمُوا صَلاتي". 1654- والأحاديثُ في هذا البابِ كثيرةٌ، كحديثِ: "إنَّهَا صَفِيَّةُ" [البخاري، رقم: 2038؛ مسلم، رقم: 2175] . 1655- وفي البخاري [رقم: 1615] : أن عليّاً رضيَ الله عنهُ شربَ قائماً، وقال: رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فعلَ كما رأيتموني فعلتُ2. والأحاديثُ والآثارُ في هذا المعنى في الصحيح مشهورةٌ. __________ 1 في نسخة: "وإنما". 2 في نسخة: "كما رأيتموني أفعل".

بابُ ما يقولُه التابعُ للمتبوعِ إذا فعلَ ذلك أو نحوه: 1656- اعلم أنه يُستحبّ للتابع إذا رأى من شيخه، وغيره ممّن يُقتدى به شيئاً في ظاهرهِ مخالفةٌ للمعروف، أن يسأله عنه بنيّة الاسترشاد، فإن كان قد فعلهُ ناسياً تداركهُ، وإن كان فعلهُ عامِداً، وهو صحيحٌ في نفس الأمر، بَيّنه لهُ. 1657- فقد رَوَيْنَا في صحيحي البخاري [رقم: 139] ، ومسلم [رقم: 1280] ؛ عن أسامة بن زيدٍ رضي الله عنهما، قال: دفعَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من عرفةَ حتى إذا كان بالشِّعب، نزلَ، فَبالَ، ثم توضأ، فقلتُ: الصلاةُ يا رسول الله! فقال: "الصلاةُ أمامَكَ". قلتُ: إنما قال أسامةُ ذلك؛ لأنه ظنّ أن النبيّ صلى الله عليه وسلم نسي صلاة المغرب، وكان قد دخل وقتها، وقرُب خُروجهُ. 1658- وَرَوَيْنَا في "صحيحيهما" [البخاري، رقم: 1478؛ مسلم، رقم: 150] ؛ قولَ سعد بن أبي وقاصٍ: يا رسول الله! مالك عن فلانٍ؟ والله إني لأراهُ مؤمناً. 1659- وفي "صحيح مسلم" [رقم: 277] ، عن بريدة، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم صلَّى الصلواتِ يومَ الفتح بوضوءٍ واحدٍ، فقال عمرُ: لقد صنعتَ اليومَ شيئاً لم تكنْ تصنعه، فقال: "عَمْداً صَنَعْتُهُ يا عمرُ". ونظائر هذا كثيرٌ في الصحيح مشهورةٌ؛ والله أعلم.

 بابُ الحَثّ على المُشَاورة:

1660- قال الله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران: 159] . والأحاديثُ الصحيحةُ في ذلك كثيرةٌ مشهورةٌ. وتُغني هذه الآية الكريمة عن كلّ شيءٍ، فإنه إذا أمرَ الله سبحانهُ وتعالى في كتابه -نصًّا جليًّا- نبيهُ صلى الله عليه وسلم بالمشاورة مع أنه أكمل الخلقِ، فما الظن بغيره؟ واعلم أنه يُستحبّ لمن همّ بأمرٍ، أن يُشاورَ فيه مَن يثقُ بدينهِ وخبرتهِ وحذقهِ، ونصيحته وَوَرَعِه وشفقتيه. ويُستحبّ أن يُشاور جماعة بالصفةِ المذكورة، ويستكثر منهم، ويعرّفهم مقصودَه من ذلك الأمر، ويُبيِّن لهم ما فيه من مصلحة ومفسدةٍ إن علم شَيْئاً مِنْ ذلك، ويتأكدُ الأمرُ بالمشاورة في حقّ ولاة الأمور العامة كالسلطان والقاضي ونحوهما، والأحاديث الصحيحة في مشاورة عمر بن الخطاب رضي الله عنه أصحابَه، ورجوعِه إلى أقوالهم كثيرةٌ مشهورةٌ؛ ثم فائدةُ المشاورة القبول من المستشار إذا كان بالصفة المذكورة، ولم تظهر المفسدة فيما أشار به، وعلى المستشار بذل الوسع في النصيحة وإعمال الفكر في ذلك. 1661- فقد رَوَيْنَا في "صحيح مسلم" [رقم: 55] ، عن تميم الداري رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "الدّينُ النَّصِيحَةُ"، قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: "لِلَّهِ وكتابهِ ورسولهِ وأئمَّةِ المسلمين وعامتهم". [مر برقم: 161؛ وسيرد برقم: 2071] . 1662- وَرَوَيْنَا في "سنن أبي داود" [رقم: 5128] ، والترمذي [رقم: 2822، 2823] ، والنسائي [في "السنن الكبرى" كما في "تحفة الأشراف"، رقم: 14977] ، وابن ماجه [رقم: 3745] ؛ عن أبي هريرة رضي الله عنهُ، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "المُسْتَشارُ مؤتمن".

 بابُ الْحَثِّ على طِيْبِ الكَلاَم:

قال الله تعالى: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الحجر: 88] . 1663- وَرَوَيْنَا في "صحيح البخاري" [رقم: 6033] ، ومسلم [رقم: 1016] ؛ عن عديّ بن حاتم رضي الله عنهُ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقّ تمرةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فبكلمةٍ طيبةٍ". 1664- وَرَوَيْنَا في "صحيحيهما" [البخاري، رقم: 2989] ؛ مسلم، [رقم: 1009] ، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كُلّ سُلامَى مِنْ النَّاسِ عليهُ صدقةٌ كُلَّ يومٍ تطلعُ فِيهِ الشَّمْسُ، تعدلُ بَيْنَ الاثنينِ صدقةٌ، وتعينُ الرجلَ في دابتهِ فتحملهُ عَلَيْها، أوْ تَرْفَعُ لَهُ عَليْها متاعهُ صدقةٌ"، قال: "وَالكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صدقةٌ، وَبِكُلّ خطوةٍ تَمشِيها إلى الصَّلاةِ صدقةٌ، وتُمِيطُ الأذَى عَنِ الطريقِ صدقة". [متن الأربعين النووية رقم: 26] . قلتُ: "السُّلَامَى" بضم السين وتخفيف اللام: أحدُ مفاصلِ أعضاءِ الإنسانِ، وجمعهُ: سُلَامَيَات، بضم السينِ وفتحِ الميم وتخفيف الياءِ، وتقدم ضبطها في أوائل الكتاب [برقم: 92] . 1665- وَرَوَيْنَا في "صحيح مسلم" [رقم: 2626] ، عن أبي ذرّ رضي الله عنهُ، قال: قال لي النبيّ صلى الله عليه وسلم: "لا تَحْقِرَنَّ مِنَ المَعْرُوفِ شيئا، ولو أن تلقَى أخَاكَ بوجهٍ طلقٍ"، [مر برقم: 1357] .

 بابُ استحباب بيان الكلام وإيضاحه للمخاطب:

1666- وَرَوَيْنَا في "سنن أبي داود" [رقم: 4839] ، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان كلامُ رسول الله صلى الله عليه وسلم كلاماً فصلاً يفهمهُ كلُ مَن يسمعهُ. 1667- وَرَوَيْنَا في "صحيح البخاري" [رقم: 94] ، عن أنسٍ رضي اللهُ عنهُ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، أنه كان إذا تكلم بكلمةٍ أعادها ثلاثا حتى تُفهم عنهُ، وإذا أتى على قومٍ فَسَلَّمَ عليهم، سَلَّم عليهم ثلاثا. [مر برقم: 1232] .

بابُ الْمُزَاحِ 1: 1668- رَوَيْنَا في "صحيحي البخاري" [رقم: 6129] ، ومسلم [رقم: 2150] ؛ عن أنسٍ رضيَ الله عنهُ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقولُ لأخيه الصغير: "يا أبا عُمَيْرٍ! ما فَعَلَ النُّغَيْرُ"؟. [مر برقم: 1520] . 1669- وَرَوَيْنَا في كتابي أبي داود [رقم: 5002] ، والترمذي [رقم: 1993] ؛ عن أنس أيضاً، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم، قال لهُ: "يا ذَا الأُذُنَيْنِ". قال الترمذي: حديثٌ صحيحٌ. 1670- وَرَوَيْنَا في كتابيهما [أبو داود، رقم: 4998؛ والترمذي، رقم: 1991] ؛ عن أنسٍ أيضاً، أن رجلاً أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! احملني، فقال: "إني حاملكَ على وَلَدِ النَّاقَةِ". فقال: يا رسولَ الله! وما أصنعُ بولد الناقة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وَهَلْ تلدُ الإبلَ إِلاَّ النوقُ"؟ قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. 1671- وَرَوَيْنَا في "كتاب الترمذي" [رقم: 1990] ، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قالوا: يا رسولَ الله! إنك تداعبنا، قال: "إني لا أقولُ إِلاَّ حَقَّاً" قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ. 1672- وَرَوَيْنَا في "كتاب الترمذي" [رقم: 1995] ، عن أبي عباس __________ 1 وقد نشرتُ كتابين في المزاح، الأول: "غذاء الأرواح بالمحادثة والمزاح" لزين الدين مرعي بن يوسف الكرمي المقدسي؛ والثاني: "الْمُرَاح في الْمُزاح" لأبي البركات بدر الدين محمد بن محمد الغزي؛ وكلاهما من منشورات الجفان والجابي للطباعة والنشر، ليماسول، قبرص. وكنت قد نشرت قبلهما كتاب "شوارق الأنوار المنيفة بظهور النواجذ الشريفة" وهو جمع للأحاديث التي ورد فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه، تخريج المحدث الشيخ السيد أحمد بن محمد الصديق الغماري.

رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "لا تمارِ أخاكَ، وَلا تمازحهُ، وَلا تعدهُ مَوْعِداً فتخلفهُ". 1673- قال العلماءُ: المزاحُ المنهيُّ عنهُ، هُو الذي فيه إفراطٌ، ويُداوم عليه، فإنه يُورث الضحك وقسوةَ القلب، ويُشغل عن ذكر الله تعالى والفكر في مهمات الدين، ويؤولُ في كثيرٍ من الأوقات إلى الإِيذاء، ويُورثُ الأحقاد، ويُسقطُ المهابةَ والوقارَ. فأما ما سَلِمَ من هذه الأمور، فهو المباحُ الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعلهُ، فإنه صلى الله عليه وسلم إنما كان يفعلهُ في نادرٍ من الأحوالِ لمصلحةٍ، وتطييب نفس المخاطب ومؤانستهِ، وهذا لا منعَ منهُ قطعاً، بل هو سنةٌ مستحبةٌ إذا كان بهذهِ الصفةِ، فاعتمدْ ما نقلناهُ عن العلماء وحققناهُ في هذه الأحاديث وبيان أحكامها، فإن مما يعظمُ الاحتياجُ إليه؛ وبالله التوفيق.

 بابُ الشَّفاعَة:

1674- اعلم أنهُ تُستحبّ الشفاعةُ إلى ولاةِ الأمر وغيرهم من أصحابِ الحقوق والمستوفين لها، ما لم تكن شفاعةً في حدٍّ، أو شفاعةً في أمرٍ لا يجوزُ تركهُ، كالشفاعةِ إلى ناظرٍ على طفل أو مجنونٍ أو وقفٍ أو نحو ذلك في ترك بعض الحقوق التي في ولايته، فهذه كلُّها شفاعةٌ محرمةٌ تحرمُ على الشافع، ويحرمُ على المشفوعِ إليه قبولها، ويحرمُ على غيرهما السعي فيها إذا علمها؛ ودلائلُ جميع ما ذكرتهُ ظاهرةٌ في الكتاب والسنّة وأقوال علماء الأمة، قال الله تعالى: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا} [النساء: 85] . "المقيتُ": المقتدرُ والمقَدِّرُ، هذا قولُ أهلِ اللغةِ، وهو محكيٌّ عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما وآخرين من المفسرين. وقال آخرون منهم:

"المقيتُ": الحفيظ، وقيل: "المقيت": الذي عليه قوتُ كل دابة ورزقها، وقال الكلبي: "المقيتُ": المجازي بالحسنة والسيئة، وقيل: "المقيتُ": الشهيدُ، وهو راجعٌ إلى معنى الحفيظ، وأما الكِفْل فهو: الحظ والنصيب، وأما الشفاعة المذكورة في الآية، فالجمهور على أنها هذه الشفاعة المعروفة، وهي شفاعةُ الناس بعضهم في بعضٍ؛ وقيل: الشفاعة الحسنةُ: أن يشفع إيمانهُ بأن يُقاتل الكفار؛ والله أعلم. 1675- وَرَوَيْنَا في صحيحي البخاري [رقم: 6028] ، ومسلم [رقم: 2627] ؛ عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنهُ، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاهُ طالب حاجةٍ أقبلَ على جُلسائهِ، فقال: "اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا، وَيَقْضِي اللَّه على لسانِ نَبِيِّهِ ما أحَبَّ". وفي رواية: "ما شاءَ". وفي رواية أبي داود [رقم: 5131] : "اشْفَعُوا إِلَيَّ لِتُؤْجَرُوا، وَلْيَقْضِ اللَّهُ على لِسانِ نَبِيِّهِ ما شاءَ". وهذه الرواية توضحُ معنى روايةِ الصحيحين. 1676- وروينا في صحيح البخاري [رقم: 5283] ، عن ابن عباس رضي الله عنهما، في قصة بريرة وزوجها، قال: قال لها النبيّ صلى الله عليه وسلم: "لو راجعته"؟ 1 قالت: يا رسول الله! تأمرني؟ قال: "إنما أشْفَعُ"، قالتْ: لا حاجةَ لي فيه. 1677- وَرَوَيْنَا في "صحيح البخاري" [رقم: 4642] ، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: لما قَدِمَ المدينة عيينةُ بن حصنٍ بن حذيفة بن بدرٍ، __________ 1 في الأصول: "راجعتيه". قال الحافظ ابن حجر العسقلاني، رحمه الله، في "فتح الباري" في شرحه للحديث رقم: 5283: وقع في رواية ابن ماجه: "لو راجعتيه" بإثبات تحتانية ساكنة بعد المثناة، وهي لغة ضعيفة. اهـ.

نَزَلَ عَلَى ابن أَخِيه الْحُّرِّ بن قيس، وكانَ من النفر الذين يدنيهم عمرُ رضي الله عنهُ، فقال عيينةُ: يا ابن أخي! لك وجهٌ عندَ هذا الأمير، فاستأذنْ لي عليه؛ فاستأذنَ، فأذنَ لهُ عمرُ، فلما دخل، قال: هي يا ابن الخطاب! فوالله ما تُعطينا الجزلَ، ولا تحكمُ بيننا بالعدل؛ فغضبَ عمرُ حتى همّ أن يُوقع به، فقال الحرّ: يا أميرَ المؤمنين! إن الله عزّ وجلّ قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199] وإن هذا من الجاهلين؛ فوالله ما جاوزها عمرُ حين تلاها عليه، وكان وقَّافاً عند كتابِ الله تعالى [مر برقم: 1618] .

 بابُ استحباب التَّبْشيرِ والتَّهنئةِ:

قال الله تعالى: {فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى} [آل عمران: 39] ، وقال تعالى: {وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى} [العنكبوت: 31] وقال تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى} [هود: 69] وقال تعالى: {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ} [الصفات: 101] وقال تعالى: {قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ} [الذاريات: 28] وقال تعالى: {قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ} [الحجر: 54] وقال تعالى: {وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} [هود: 71] وقال تعالى: {إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ} [آل عمران: 45] وقال تعالى: {ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [الشورى: 23] وقال تعالى: {فَبَشِّرْ عِبَادِ، الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} [الزمر/ الآيتان: 17، 18] وقال تعالى: {وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ

الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [فصّلت: 30] وقال تعالى: {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [الحديد: 12] وقال تعالى: {يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ} [التوبة: 21] . وأما الأحاديثُ الواردة في البشارة فكثيرٌ جداً في الصحيح مشهورةٌ. 1678- فمنها حديثُ تبشيرِ خديجة رضي الله عنها ببيتٍ في الجنةِ من قصبٍ لا نصبَ فيهِ ولا صخبَ [البخاري، رقم: 3817؛ مسلم، رقم: 2433] . 1679- ومنها حديثٌ كعبِ بن مالكٍ رضي اللهُ عنهُ المخرجُ في الصحيحين [البخاري، رقم: 4418؛ مسلم، رقم: 2769] في قصة توبته، قال: سمعتُ صوتَ صارخ يقولُ بأعلى صوتهِ: يا كعبَ بن مالك! أبشر؛ فذهبَ الناسُ يبشروننا، وانطلقتُ أتأمَّم رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، يتلقاني الناسُ فوجاً فوجاً، يهنئوني بالتوبةِ، ويقولن: ليهنئك توبةُ الله تعالى عليك؛ حتى دخلتُ المسجدَ، فإذا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حولهُ الناسُ، فقام طلحةُ بن عبيد الله يُهرول حتى صافحني وهنّأني؛ وكان كعبٌ لا ينساها لطلحة؛ قال كعبُ: فلما سلَّمتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال وهو يُبْرقُ وجهُه من السرور: "أبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ ولدتك أمك".

هُرَيْرَةَ"؟ قال: يا رسول الله! لقيتني وأنا جُنُب، فكرهتُ أن أُجالسَك حتى أغتسل، فقال: "سُبْحانَ اللَّه! إنَّ المُؤْمِنَ لا يَنْجُسُ". 1681- وَرَوَيْنَا في صحيحيهما [البخاري، رقم: 314؛ مسلم، رقم: 332] ، عن عائشة رضي الله عنها، أن امرأة سألتِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن غُسلها من الحيض، فأمرَها كيف تغتسلُ، قال: "خُذي فِرْصةً مِنْ مسكٍ، فَتَطَهَّري بِهَا". قالت: كيف أتطهرُ بها؟ قال: "تَطَهرِي بِهَا" قالت: كَيْفَ؟ قال: "سبْحانَ اللَّهِ! تَطَهَّرِي" فاجتذبتُها إلَيَّ، فقلتُ: تتبعي أثرَ الدم. قلتُ: هذا لفظ إحدى روايات البخاري، وباقيها روايات مسلم بمعناهُ؛ و"الفِرصةُ" بكسر الفاء، وبالصادِ المهملةِ: القطعةُ. و"المسك" بكسر الميم، وهو: الطيب المعروفُ، وقيل: الميمُ مفتوحةٌ، والمرادُ الجلدُ، وقيل أقوالٌ كثيرةٌ، والمختارُ أنها تأخذُ قليلاً من مسكٍ فتجعلهُ في قطنةٍ، أو صوفةٍ، أو خرقةٍ، أو نحوها، فتجعلهُ في الفرجِ لتُطيِّبَ المحلّ، وتزيلَ الرائحةَ الكريهة، وقيل: إن المطلوب منه إسراعُ عُلُوق الولد، وهو ضعيف؛ والله أعلمُ. 1682- وَرَوَيْنَا في صحيح مسلم [رقم: 1675] ، عن أنسٍ رضي اللهُ عنهُ، أن أختَ الربيعة أُمّ حارثة جرحت إنساناً، فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "القِصَاصَ القِصَاصَ"، فقالت أُمّ الربيع: يا رسول الله! أيقتص من فلانةٍ؟ واللهِ لا يقتصُ منها؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "سُبْحانَ اللَّهِ! يا أُمَّ الرَبيعِ! القِصَاصُ كتابُ الله". قلتُ أصل الحديث في "الصحيحين" [البخاري، رقم: 2703] ولكن هذا المذكور لفظ مسلمٍ، وهو غرضنا هُنا. و"الربيع" بضم الراء، وفتح الباء والموحدةِ وكسر الياء المشددةِ.

1683- وَرَوَيْنَا في صحيح مسلم [رقم: 1641] ، عن عمران بن الحصين رضي الله عنهما، في حديثه الطويل في قصة المرأة التي أُسرت، فانفلتتْ، وركبتْ ناقةَ النبيّ صلى الله عليه وسلم، ونذرتْ إن نجّاها اللهُ تعالى لتنحرنها؛ فجات، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "سُبْحانَ الله! بِئْسَ ما جَزَتْهَا". 1684- وَرَوَيْنَا في صحيح مسلم [رقم: 2154] ، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنهُ، في حديث الاستئذانٍ، أنه قال لعمر رضي الله عنهُ ... الحديث، وفي آخره: يا ابْنَ الخَطابِ! لا تَكُونَنَّ عَذَاباً على أصْحابِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، قال: سبحانَ الله! إنما سمعتُ شيئاً، فأحببتُ أن أتثبت. [راجع رقم: 1307] . 1685- وروينا في "الصحيحين" [البخاري، رقم: 3813؛ مسلم، رقم: 2484] ، في حديث عبد الله بن سلامٍ الطويلِ لما قيل: إنك من أهل الجنة، قال: سُبحان الله! ما ينبغي لأحدٍ أن يقول ما لم يعلم؛ وذكر الحديث. [راجع رقم: 1415] .

 بابُ الأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عن المنكرِ:

1686- هذا البابُ أهمُّ الأبواب، أو من أهمِّها لكثرة النصوص الواردةِ فيه، لعظم موقعه وشدةِ الاهتمام به، وكثرةِ تساهُل أكثر الناس فيه؛ ولا يمكن استقصاء ما فيه هنا، لكن لا نخلّ بشيءٍ من أصولهِ، وقد صنَّف العلماءُ فيه متفرقاتٍ، وقد جمعتُ قطعةً منهُ في أوائلِ شرح "صحيح مسلم" 2/ 21] ، ونبّهت فيه على مهمات لا يُستغنى عن معرفتها، قال الله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104] ، وقال الله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} [الأعراف: 199] .

وقال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [التوبة: 71] ، وقال تعالى: {كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ} [المائدة: 79] والآيات بمعنى ما ذكرته مشهورةٌ. 1687- وروينا في "صحيح مسلم" [رقم: 49] ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنهُ، قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "مَنْ رأى مِنْكُمْ مُنْكَراً فليُغيرهُ بيدهِ، فإنْ لَم يَسْتَطِعْ فَبِلِسانِهِ، فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذلكَ أضْعَفُ الإِيمَانِ". [الأربعون النووية، الحديث رقم: 34] . 1688- وَرَوَيْنَا في "كتاب الترمذي" [رقم: 2169] ، عن حذيفة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتَأْمُرُنَّ بالمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ المُنْكَرِ، أَوْ ليُوشكن اللَّهُ تَعالى أن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقاباً منهُ، ثُمَّ تدعونهُ فَلا يُستجاب لَكُمْ" قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ. 1689- وروينا في "سنن أبي داود" [رقم: 4338] ، والترمذي [رقم: 3057] ، والنسائي ["السنن الكبرى" كما في "تحفة الأشراف"، رقم: 6615] ، وابن ماجه رقم: 4005؛ بأسانيد صحيحةٍ؛ عن أبي بكرٍ الصديق رضي الله عنهُ، قال: أيّها الناس! إنكم تقرؤون هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: 105] ، وإني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "إِنَّ النَّاسَ إذَا رأوا الظَّالِمَ فَلَمْ يأخُذُوا على يَدَيْهِ أوْشَكَ أنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بعقابٍ مِنْهُ". 1690- وَرَوَيْنَا في "سنن أبي داود" [رقم: 4344] ، والترمذي [رقم: 2174] وغيرهما، عن أبي سعيد، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، قال: "أفْضَلُ الجهادِ كَلِمَةُ

عَدْلٍ عنْدَ سُلْطَانٍ جائرٍ"، قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ. 1691- قلتُ: والأحاديثُ في الباب أشهر من أن تُذكر، وهذه الآية الكريمةُ مما يَغترّ بها كثيرٌ من الجاهلين ويحملونها على غير وجهها، بل الصواب في معناها: أنكم إذا فعلتم ما أُمرتم به فلا يضُركم ضَلالةُ مَن ضلّ. ومن جملةِ ما أُمروُا به الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والآية قريبةُ المعنى من قولهِ تعالى: {مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا البَّلَاغ} [العنكبوت: 18] . واعلم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر له شروط وصفاتٌ معروفةٌ ليس هذا موضع بسطها، وأحسنُ مظانّها "إحياءُ علوم الدين"، وقد أوضحتُ مهماتها في شرح مسلم [2/ 22] ؛ وبالله التوفيق.

 كتاب حفظ اللسان:

490-[حفظ اللسان] : 1692- قال الله تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [سورة ق: 18] وقال الله تعالى: {إِنَّ رَبَكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر: 14] وقد ذكرتُ ما يسر الله سبحانهُ وتعالى من الأذكار المستحبة ونحوها فيما سبقَ، وأردتُ أن أضمَّ إليها ما يكرهُ أو يحرمُ من الألفاظِ ليكونَ الكتابُ جامعاً لأحكامِ الألفاظ، ومُبيِّناً أقسامَها، فأذكرُ من ذلك مقاصدَ يحتاجُ إلى معرفتها كلُّ متدينٍ، وأكثرُ ما أذكرهُ معروفٌ، فلهذا أتركُ الأدلةَ في أكثرهِ، وبالله التوفيقُ.

  فصلُ حفظ اللسان عن الكلام إلا بخير:

1693- اعلم أنه ينبغي لكلّ مكلفٍ أن يحفظَ لسانهُ عن جميع الكلام إلا كلاماً تظهرُ المصلحةُ فيهِ، ومتى استوى الكلامُ وتركهُ في المصلحةِ فالسنّة الإمساكُ عنهُ، لأنهُ قد ينجرُ الكلامُ المباحُ إلى حرامٍ أو مكروهٍ، بل هذا كثيرٌ أو غالبٌ في العادةِ، والسلامةُ لا يعدلُها شيء. __________ 1 راجع "رياض الصالحين" الباب رقم: 254، صفحة 519 وما بعدها.

1694- رَوَيْنَا في صحيحي البخاري [رقم: 6475] ، ومسلمٍ [رقم: 47] ؛ عن أبي هريرةَ رضي اللهُ عنهُ، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "من كان يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ فليقُل خَيْراً أو ليصمت". [الأربعون النووية الحديث رقم: 15؛ ومر برقم: 1215، 2080] . قلتُ: فهذا الحديث المتفق على صحته نصّ صريح في أنه لا ينبغي أن يتكلم إلا إذا كان الكلام خيراً، وهو الذي ظهرت له مصلحتهُ، ومتى شكّ في ظهور المصلحة فلا يتكلمُ. وقد قال الإمامُ الشافعي رحمهُ اللهُ: إذا أراد الكلام فعليهِ أن يُفكر قبل كلامهِ، فإن ظهرتِ المصلحةُ تكلَّم، وإن شكَّ لم يتكلم حتى تظهر. 1695- وَرَوَيْنَا في صحيحيهما [البخاري، رقم: 11؛ مسلم، رقم: 42] عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنهُ، قال: قلتُ: يا رسول الله! أيُّ المسلمين أفضلُ؟ قال: "مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسانِهِ وَيَدِهِ". 1696- وَرَوَيْنَا في "صحيح البخاري" [رقم: 6474] ، عن سهل بن سعدٍ رضي اللهُ عنهُ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "مَنْ يَضْمَنْ لي ما بين لحيته وَما بينَ رِجْلَيْهِ، أضْمَنْ لَهُ الجَنَّةُ". 1697- وَرَوَيْنَا في صحيحي البخاري [رقم: 6477] ، ومسلم [رقم: 2988] ؛ عن أبي هُريرة، أنهُ سمعَ النبيّ صلى الله عليه وسلم يقولُ: "إن العَبْدَ يَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ فِيها، يزلُ بِهَا إِلَى النَّارِ أبْعَد مِمَّا بَيْنَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ". وفي رواية البخاري: "أبْعَدُ مِمَّا بَيْنَ المَشْرِقِ" مِن غيرِ ذِكْرِ المغرب. ومعنى يتبين: يتفكرُ في أنها خيرٌ أم لا. 1698- وَرَوَيْنَا في "صحيح البخاري" [رقم: 6478] ، عن أبي هريرة رضي الله عنهُ، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "إنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِنْ رضوانِ اللهِ تَعالى ما يُلْقِي لَهَا بالاً، يَرْفَعُ اللَّهُ تَعالى بها درجاتٍ، وَإنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِنْ سَخْطِ اللَّهِ تَعالى لا يُلقي لَها بالاً، يَهْوِي بِها في جَهَنَّمَ".

قلتُ: كذا في أصولِ البخاري: "يَرْفَعُ اللَّهُ بِها درجاتٍ" وهو صحيحٌ، أي: درجاتهُ، أو يكونُ تقديرهُ: يرفعهُ، ويُلقي بالقاف. 1699- وَرَوَيْنَا في "موطأ الإِمام مالك" [2/ 985] ، وكتابي الترمذي [رقم: 2319] ، وابن ماجه [رقم: 3969] ؛ عن بلال بن الحارث المزني رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ تَعالى ما كان يظنُ أنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ، يكتبُ اللَّهُ تَعالى لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إلى يَوْمِ يلقاهُ؛ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِنْ سخطِ الله تعالى ما كان يظنُ أنْ تبلغَ مَا بَلَغَتْ، يكتبُ اللهُ تَعالى لهُ بِهَا سخطهُ إلى يومِ يلقاهُ"، قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. 1700- وَرَوَيْنَا في "كتاب الترمذي" [رقم: 2410] ، والنسائي في الكبرى كما في "تحفة الأشراف"، [رقم 4478] ، وابن ماجه [رقم: 3972] ؛ عن سفيان بن عبد الله رضي الله عنهُ، قال: قلتُ: يا رسول الله! حدّثني بأمرٍ أعتصم به، قال: "قُل: رَبِّيَ اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقِمْ"، قلتُ: يا رسول الله! ما أخوفُ ما تخاف1 عليَّ؟ فأخذ بلسان نفسه، ثم قال: "هَذَا"، قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. 1701- وَرَوَيْنَا في "كتاب الترمذي" [رقم: 2411] ، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تُكْثِرُوا الكَلاَمَ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ، فإنَّ كَثْرَةَ الكَلامِ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعالى قسوةٌ للْقَلْبِ، وَإنَّ أبْعَدَ النَّاسِ مِنَ اللَّهِ تَعالى القلبُ القَاسِي". 1702- وَرَوَيْنَا فيه [رقم: 2409] عن أبي هريرةَ رضي اللهُ عنهُ، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ وقاهُ الله تَعالى شَرَّ ما بَيْنَ لَحْيَيْهِ، وَشَرَّ ما بَيْنَ رِجْلَيْهِ دَخَلَ الجَنَّةَ"، قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ [صحيح] . __________ 1 في نسخة: يخافُ.

1703- وَرَوَيْنَا فيه [رقم: 2408] ، عن عقبة بن عامر رضي الله عنهُ، قال: قلتُ: يا رسول الله! ما النجاةُ؟ قال: "أمْسِكْ 1 عَلَيْكَ لِسانَكَ، وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ، وَابْكِ على خَطِيئَتِكَ"، قال الترمذي: حديثٌ حسن. 1704- وَرَوَيْنَا فيه [رقم: 2409] ، عن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنهُ، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "إذَا أصْبَحَ ابْنُ آدَم، فإنَّ الأعْضَاءَ كُلَّها تُكَفِّر اللِّسَانَ 2، فتقولُ: اتقِ اللَّهَ فِينا، فإنما نحن بك، فإنِ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنا، وَإنِ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنا". [معنى "تكفر اللسان" أي: تذل وتخضع "رياض الصَّالِحِينَ"] . 1705- وَرَوَيْنَا في "كتاب الترمذي" [رقم: 2412] ، وابن ماجه [رقم: 3974] ؛ عن أُمِّ حبيبة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنهُ قال: "كُلُّ كلامِ ابْنِ آدَمَ عليهِ لا لهُ، إِلاَّ أمْراً بمعروفٍ، وَنَهْياً عَنْ منكرٍ، أوْ ذِكْراً لله تَعالى". 1706- وَرَوَيْنَا في كتاب الترمذي [رقم: 2616] ، عن معاذٍ رضي الله عنهُ، قال: قلتُ: يا رسول الله! أخبرني بعمل يدخلني الجنة، ويباعدني منَ النَّارِ؟ قال: "لَقَدْ سألتَ عَنْ عظيم، وإنهُ ليسيرٌ على مَنْ يسرهُ اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ: تعبدُ الله لا تُشركُ به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت [إن استطعت إليه سبيلاً] " ثم قال: "لا أدلك على أبواب الخَيْرِ؟ الصَّوْمُ جنةٌ، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرَّجُلِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ" ثم تلا: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ، فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ __________ 1 قال ابن علاّن في "الفتوحات الربانية" 6/ 354: هكذا هو في نسخ الأذكار بالسين المهملة؛ وفي المصابيح: أملك باللام، وكذا في الجامع الصغير. اهـ. 2 قال ابن علاّن في "الفتوحات الربانية" 6/ 355: كذا في نسخ الأذكار وفي الجامع الصغير بتعريف اللسان ونصبه، وفي نسخة مصححة من المشكاة: للسان بلام الجر قبل اللسان. اهـ.

مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 16، 17] ثُمَّ قال: "ألا أُخْبِرُكَ برأس الأمر وعموده وذروة سنامه"؟ قلتُ: بلى يا رسول الله! قال: "رأس الأمر الإسلام، وعمودهُ الصلاة، وذورة سنامه الجهاد" ثم قال: "ألا أُخبرك بملاكِ ذلك كله"؟ قلتُ: بلى يا رسول الله! فأخذ بلسانه، ثم قال: "كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا"، قلت: يا رسلو الله! وإنما لمؤاخذون بما تتكلم به؟ فقال: "ثَكِلَتْكَ أُمك، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ في النَّارِ على وُجُوهِهِمْ إِلاَّ حَصَائِدُ ألْسِنَتِهِمْ"؟، قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ ["الأربعون النووية" الحديث رقم: 29] . قلتُ: الذِّروة بكسر الذال المعجمةِ وضمّها، وهي: أعلاهُ. 1707- وَرَوَيْنَا في "كتاب الترمذي" [رقم: 2318] ، وابن ماجه [رقم: 3976] ؛ عن أبي هريرة، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، قال: "منْ حُسنِ إسْلامِ المرءِ تركهُ ما لا يعنيه" حديثٌ حسنٌ. [الأربعون النووية، الحديث رقم: 12، وسيرد برقم: 1905، 2067] . 1708- وَرَوَيْنَا في "كتاب الترمذي" [رقم: 2501] ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما؛ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ صَمَتَ نَجا"، إسناده ضعيفٌ، وإنما ذكرته لأبينهُ، لكونهِ مشهوراً. والأحاديث الصحيحةُ بنحوِ ما ذكرتهُ كثيرةٌ، وفيما أشرتُ به كفايةٌ لمن وفّق، وسيأتي إن شاء الله تعالى في باب الغيبة [رقم: 492] جُملٌ من ذلك؛ وبالله التوفيق. وأما الآثار عن السلف وغيرهم في هذا الباب فكثيرةٌ، ولا حاجة إليها مع ما سبق، لكن ننبهُ على عيونٍ منها: 1709- بَلَغَنَا أن قُسَّ بن ساعدة، وأكثم بن صيفي اجتمعا، فقال

أحدهما لصاحبه: كم وجدت في ابن آدم من العيوب؟ فقال: هي أكثرُ من أن تُحصى، والذي أحصيتهُ منها ثمانيةُ آلاف عيبٍ، ووجدتُ خصلةً إن استعملها سترتَ العيوبَ كلَّها، قال: ما هي؟ قال: حفظ اللسان. 1710- وَرَوَيْنَا عن أبي عليّ الفُضَيْل بن عياضٍ رضي الله عنهُ، قال: مَنْ عَدّ كلامهُ من عملهِ قلّ كلامهُ فيما لا يعنيه. 1711- وقال الإمامُ الشافعيُّ رحمهُ الله لصاحبه الرَّبِيع: يا ربيعُ! لا تتكلم فيما لا يعنيك، فإنك إذا تكلَّمتَ بالكلمةِ ملكتكَ، ولم تملكها. 1712- وَرَوَيْنَا عن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنهُ، قال: ما من شيءٍ أحق بطول السجن1 من اللسان. 1713- وقال غيرُه: مَثَلُ اللسان مَثَلُ السَّبُع، إن لم تُوثقه عَدَا عليك. 1714- وَرَوَيْنَا عن الأستاذ أبي القاسم القُشيري رحمه الله في رسالته [2/ 179] المشهورة، قال: الصمتُ سلامةٌ، وهو الأصل، والسكوتُ في وقته صفةُ الرجال، كما أن النطق في موضعه أشرفُ الخصال. قال: سمعت أبا عليّ الدقاق رضي الله عنه، يقول: مَنْ سكتَ عن الحقّ فهو شيطانُ أخرس. قال: فأما إيثارُ أصحاب المجاهدة السكوتَ، فلِمَا علموا ما في الكلام من الآفات، ثم ما فيه من حظّ النفس، وإظهار صفاتِ المدح، والميل إلى أن يتميزَ بين أشكاله بحسن النطق، وغير هذا من الآفات، وذلك نعتُ أرباب الرياضة، وهو أحدُ أركانهم في حكم المنازلة وتهذيب الخلق. ومما أنشدوه في هذا الباب من الكامل: احفظْ لسانَك أيُّها الإِنسانُ ... لا يلدغنَّك إنه ثعبان __________ 1 في النسخة: "أحق بالسجن".

كم في المقابرِ من قتيلِ لسانِه ... كانتْ تهابُ لقاءهُ الشجعان1 قال [أبو الفضل العباس بن الفرج] الرِّيَاشِيُّ رحمه الله [من الوافر] : لعمرُك إنَّ في ذنبي لَشُغْلاً ... لِنَفْسِي عن ذنوب بني أميهْ على ربِّي حِسَابُهمُ إليه ... تَنَاهَى علمُ ذلكَ لا إِلَيَّهْ وليسَ بضائري ما قَدْ أتوْهُ ... إذا ما اللَّه أصلحَ ما لديَّهْ __________ 1 ينسب هذان البيتان للإمام الشافعي رحمه الله، وقال الميداني في "مجمع الأمثال" الجزء الثاني، الباب الرابع والعشرون فيما أوله ميم بعد مثل: المكثار حاطب ليل: قال الشاعر: احفظْ لسانَك أيُّها الإنسان ... لا يقتلنك إنه ثُعبانُ كم في المقابرِ من قتيل لسانه ... كانت تخافُ لقاءه الأقرانُ

 بابُ تحريم الغِيبَةِ والنَّمِيمَة:

1715- اعلم أن هاتين الخصلتين من أقبح القبائح، وأكثرها انتشاراً في الناس، حتى ما يسلمُ منهما إلا القليلُ من الناس، فلعمومِ الحاجةِ إلى التحذير منهما بدأتُ بهما. 1716- فأمَّا الغيبة: فهي ذكرُك الإِنسانَ بما فيه مما يكرهُ، سواءٌ كان في بدنه، أو دينه، أو دنياهُ، أو نفسهِ، أو خلقهِ، أو خلُقهِ، أو ماله، أو ولدهِ، أو والدهِ، أو زوجهِ، أو خادمهِ، أو مملوكهِ، أو عمامتهِ، أو ثوبهِ، أو مشيته، وحركتهِ، وبشاشته، وخلاعته، وعبُوسه، وطلاقته، أو غير ذلك مما يتعلق به، سواءٌ ذكرتهُ بلفظك أو كتابك، أو رمزتَ، أو أشرتَ إليه بعينك، أو يدك، أو رأسك، أو نحو ذلك. أما البدن، فكقولك: أعمى أعرج، أعمشُ، أقرعُ، قصيرٌ، طويلٌ، أسودُ، أصفرُ.

وأما الدِّيْنُ، فكقولك: فاسقٌ، سارقٌ، خائنٌ، ظالمٌ، متهاونٌ بالصلاةِ، مُتساهلٌ في النجاسات، ليس بارّاً بوالده، لا يضعُ الزكاة مواضعَها، لا يجتنبُ الغيبة. وأما الدنيا: فقليلُ الأدب، يتهاونُ بالناس، لا يرى لأحد عليه حقاً، كثير الكلام، كثر الأكل أو النوم، ينامُ في غير وقته، يجلسُ في غير موضعه. وأما المتعلِّق بوالده، فكقوله: أبوه فاسق، أو هندي، أو نبطي، أو زنجي، إسكافٌ، بزار1، نحاسٌ، نجار، حداد، حائك. وأما الخلقُ، فكقوله: سيئ الخلق، متكبرٌ، مُراءٍ، عجولٌ، جبارٌ، عاجزٌ، ضعيفُ القلب، متهورٌ، عبوسٌ، خليعٌ، ونحوهُ. وأما الثوبُ: فواسع الكمّ، طويل الذيل، وسخ الثوب، ونحو ذلك. ويُقاس الباقي بما ذكرناه. وضابطُه: ذكرُه بما يكره. وقد نقل الإِمام أبو حامد الغزالي ["الإحياء" 3/ 143] إجماع المسلمين على أن الغيبة: ذكرُك غيرك بم يكرَهُ، وسيأتي الحديث الصحيح المصرِّح بذلك [رقم: 1721] . 1717- وأما النميمةُ، فهي: نقلُ كلامِ الناسِ بعضِهم إلى بعضٍ على جهةِ الإفسادِ. 1718- هذا بيانُهُما، وأما حُكمُهُما، فهُما مُحرمتانِ بإجماع المسلمين، وقد تظاهرَ على تحريمهما الدلائلُ الصريحةُ من الكتاب والسنّة وإجماع الأمة، قال الله تعالى: {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} [الحجرات: 12] ، __________ 1 في نسخة: "جزار".

وقال تعالى: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} [الهمزة: 1] ، وقال تعالى: {هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} [القلم: 11] . 1719- وَرَوَيْنَا في صحيحي البخاري [رقم: 6055] ، ومسلم [رقم: 105] ؛ عن حذيفة رضي الله عنهُ، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ نمامٌ". 1720- وَرَوَيْنَا في صحيحيهما [البخاري، رقم: 216؛ مسلم، رقم: 292] ، عن ابن عباسٍ رضي الله عنهُمَا، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ بقبرين، فقال: "إنَّهُما يُعذبان، ومَا يُعَذَّبانِ في كَبير". قال: وفي رواية البخاري: "بلى إنَّه كبيرٌ؛ أمَّا أحدهُما فَكانَ يَمْشِي بالنَّمِيمَةِ، وأما الآخَرُ فَكانَ لا يستترُ مِنْ بولهِ". قلتُ: قال العلماءُ: معنى: "وما يُعذّبان في كبير" أي: في كبيرٍ في زعمهما، أو كبيرٍ تكرهُ عليهما. 1721- وَرَوَيْنَا في "صحيح مسلم" [رقم: 2589] ، و"سنن أبي داود" [رقم: 4874] ، والترمذي [رقم: 1934] ، والنسائي [في "السنن الكبرى" كما في "تحفة الأشراف"، رقم: 13985] ؛ عن أبي هريرة رضي الله عنهُ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أتَدْرُونَ ما الغِيْبَةُ"؟ قالوا: اللَّهُ ورسولهُ أعلمُ، قال: "ذِكْرُكَ أخاكَ بِمَا يَكْرَهُ"، قيل: أفرأيتَ إنْ كانَ في أخي ما أقولُ؟ قال: "إنْ كانَ فِيهِ ما تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ ما تَقُولُ فَقَدْ بَهَتَّهُ"، قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ صحيح. 1722- وَرَوَيْنَا في صحيحي البخاري [رقم: 105] ، ومسلم [رقم: 1679] ؛ عن أبي بكرة رضي الله عنهُ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبتهِ يوم النحرِ بِمنىً في حجةِ الوادعِ: "إنَّ دماءكُم وَأمْوَالكُمْ وأعْرَاضَكُمْ حرامٌ عَلَيْكُمْ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، في شَهْرِكُمْ هَذَا، في بَلَدِكُمْ هَذَا؛ ألا هَلْ بَلَّغْتُ"؟. 1723- وَرَوَيْنَا في "سنن أبي داود" [رقم: 4875] ، والترمذي [رقم:

2502، 2503] ؛ عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قلتُ للنبيّ صلى الله عليه وسلم: حسبُك من صفيّة كذا وكذا -قال بعضُ الرواة: تعني قصيرة- فقال: "لَقَدْ قلتُ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بماءِ البحرِ لمزجتهُ"، قالت: وحكيتُ له إنساناً، فقال: "ما أحبُ أني حكيتُ إنساناً وأنَّ لي كَذَا وكَذَا"، قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. قلتُ: "مزجتهُ" أي: خالطتهُ مُخالطةً يتغيرُ بها طعمهُ أو ريحهُ لشدةِ نتنها وقبحها، وهذا الحديث من أعظم الزواجر عن الغيبة أو أعظمُها؛ وما أعلمُ شيئاً من الأحاديث يبلغُ في الذمّ لها هذا المبلغ: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3، 4] نسألُ اللَّه الكريم لطفه والعافية مِنْ كُلّ مَكْرُوهٍ. 1724- وَرَوَيْنَا في "سنن أبي داود" [رقم: 4878] ، عن أنس رضي الله عنهُ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لَمَّا عُرج بِي، مررتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ أظفارٌ مِنْ نُحاسٍ يخمشونَ وُجُوهَهُمْ وصدُورهُم، فقلتُ: مَنْ هؤُلاءِ يا جِبْرِيلُ؟ قال: هَؤُلاءِ الَّذينَ يأكُلُونَ لحومَ النَّاسِ وَيَقَعُونَ في أعْرَاضِهِمْ". 1725- وَرَوَيْنَا فيه [رقم: 4876] ، عن سعيد بن زيدٍ رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّ مِنْ أرْبَى الرّبا الاسْتِطالَةَ في عِرْضِ المُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ". 1726- وَرَوَيْنَا في "كتاب الترمذي" [رقم: 1927] ، عن أبي هريرة رضي الله عنهُ، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "المُسْلِمُ أخُو المُسْلِمِ، لا يَخونُهُ وَلا يَكْذِبُهُ وَلا يَخْذُلُهُ، كُلّ المُسْلِمِ على المُسْلِمِ حرامٌ، عرْضُهُ ومَالُهُ وَدَمُهُ، التَّقْوَى ها هنا، بحسب امرئٍ من الشر أن يحقر أخاهُ المسلم"، قال الترمذي: حديث حسن [راجع رواية البخاري، رقم 6064، 6065؛ ومسلم، رقم: 2563، 2564؛ وراجع "الأربعون النووية" الحديث رقم: 35؛ وسيرد برقم: 1765] . قلتُ: ما أعظم نفع هذا الحديث وأكثر فوائدهُ؛ وبالله التوفيقُ.

 بابُ بيانِ مُهِمَّاتٍ تتعلّقُ بحدِّ الغِيبَة:

1727- قد ذكرنا في الباب السابق [رقم: 1716] أن الغيبة: ذكرك الإِنسان بما يكرهُ، سواءٌ ذكرتهُ بلفظك، أو فِي كِتابِكَ، أوْ رمزتَ أو أشرتَ إليه بعينك، أو يدك، أو رأسك. وضابطهُ: كلّ ما أفهمت به غيرك نقصان مسلم فهو غيبة محرّمة، ومن ذلك المحاكاةُ، بأن يمشي متعارجاً أو مُطَأْطِئاً أو على غير ذلك من الهيئات، مريداً حكاية هيئة من يَتَنَقَّصُهُ بذلك، فكلُّ ذلك حرامٌ بلا خلافٍ. ومن ذلك إذا ذَكرَ مُصنفُ كتابٍ شخصاً بعينه في كتابه قائلاً: قال فلانُ كذا، مريدًا تنقصهُ والشناعةَ عليهِ، فهو حرامٌ، فإن أرادَ بيانَ غلطهِ لئلا يُقلَّدَ، أو بيانَ ضعفه في العلم لئلا يُغترّ به ويُقبل قولهُ، فهذا ليس غيبة بل نصيحة واجبةٌ يثابُ عليها إذا أرادَ ذلك، وكذا إذا قال المصنف أو غيره: قال قوم أو جماعةٌ كذا وكذا، وهذا غلطٌ أو خطأ أو جهالةٌ وغفلةٌ ونحو ذلك، فليس غيبة، إنما الغيبة ذكر إنسانٌ1 بعينه أو جماعةٍ معينين. ومن الغيبة المحرّمة قولك: فعل كذا بعضُ الناس، أو بعض الفقهاء، أو بعضُ من يَدّعي العلم، أو بعضُ المفتين، أو بعضُ مَن ينسبُ إلى الصلاحِ أو يَدّعي الزهدَ، أو بعضُ مَن مرّ بنا اليوم، أو بعضَ مَن رأيناهُ، أو نحو ذلك؛ إذا كان المخاطب يفهمه بعينه لحصول التفهيم. ومن ذلك غيبة المتفقهين والمتعبدين، فإنهم يُعرضون بالغيبة تعريضاً يفهم به كما يفهم بالصريح، فيُقال لأحدهم: كيف حال فلانٍ؟ فيقولُ: الله يُصلحنا، الله يغفر لنا، الله يُصلحه، نسأل الله العافية، نحمدُ الله الذي لم يبتلينا بالدخول على الظلمة، نعوذ بالله من الشرّ، الله يُعافينا من قلةِ الحياء، الله يتوبُ علينا؛ __________ 1 في نسخة: "الإنسان".

وما أشبه ذلك مما يُفهم منه تنقصهُ، فكل ذلك غيبة محرمةٌ؛ وكذلك إذا قال: فلانٌ يُبتلى بما ابتلينا به كلُّنا، أو مالهُ حلةٌ في هذا، كلُّنا نفعلهُ؛ وهذه أمثلةٌ، وإلا فضابط الغيبة: تفهيمك المخاطب نقص إنسان كما سبق، وكلُّ هذا معلوم من مقتضى الحديث الذي ذكرناه في الباب الذي قبل هذا [رقم: 1721] عن "صحيح مسلم" وغيره في حدّ الغيبة؛ والله أعلمُ.

  494- فصل حرمة الغيبة وحرمة سماعها:

1728- اعلم أن الغيبة كما يحرمُ على المغتابِ ذكرها، يُحرمُ على السامعِ استماعُها وإقرارُها، فيجبُ على من سمع إنساناً يبتدئُ بغيبةٍ محرمةٍ أن ينهاهُ إن لم يَخَفْ ضرراً ظاهراً، فإن خافهُ وجب عليه الإنكارُ بقلبه، ومفارقةُ ذلك المجلس إن تمكن من مفارقته، فإن قدرَ على الإِنكار بلسانه، أو على قطع الغيبة بكلامٍ آخر لزمهُ ذلك، فإن لم يفعل عصى، فإن قال بلسانه: أسكتْ، وهو يشتهي بقلبه استمرارهُ، فقال أبو حامد الغزالي ["الإحياء" 3/ 146] : ذلك نفاقٌ لا يخرجهُ عن الإِثم، ولا بدّ من كراهته بقلبهِ، ومتى اضطرّ إلى المقام في ذلك المجلس الذي فيه الغيبة وعجز عن الإِنكار، أو أنكر فلم يُقبل منهُ، ولم يمكنهُ المفارقة بطريقٍ، حرم عليه الاستماعُ والإِصغاء للغيبة، بل طريقهُ أن يذكرَ الله تعالى بلسانه وقلبه، أو بقلبه، أو يفكر في أمرٍ آخر ليشتغل عن استماعها، ولا يضرّه بعد ذلك السماعُ من غير استماع وإصغاءٍ في هذه الحالة المذكورة، فإن تمكن بعد ذلك من المفارقة، وهو مستمرّون في الغيبة ونحوها وجب عليه المفارقةُ، قال الله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آَيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: 68] . 1729- وَرَوَيْنَا في عن إبراهيم بن أدهم رضي الله عنه، أنه دُعي إلى

وليمةٍ، فحضرَ، فذكروا رجلاً لم يأتهم، فقالوا: إنه ثقيلٌ، فقال إبراهيم: أنا فعلتُ هذا بنفسي حيثُ حضرتُ موضعاً يُغتاب فيه الناس؛ فخرج ولم يأكلْ ثلاثة أيام. ["الرسالة القشيرية" 1/ 508] . 1730- ومما أنشدوه في هذا [من المتقارب] : وَسَمْعَكَ صُنْ عن سماعِ القبيحِ ... كصَوْنِ اللسانِ عن النُّطْقِ بِهْ فإنَّكَ عندَ سماعِ القبيحِ ... شريكٌ لقائِلِه فانتبِهْ

 بابُ بَيانِ ما يَدْفَعُ به الغيبةَ عن نفسِه:

1731- اعلم أن هذا الباب له أدلةٌ كثيرةٌ في الكتاب والسنّة، ولكني أقتصرُ منهُ على الإِشارة إلى أحرفٍ، فمن كان موفَّقاً انزجرَ بها، ومن لم يكن كذلك فلا ينزجرُ بمجلداتٍ. وعمدةُ البابِ أن يعرضَ على نفسهِ ما ذكرناهُ من النصوصِ في تحريمِ الغيبة، ثم يفكرُ في قولِ الله تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [سورة ق: 18] وقوله تعالى: {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} [النور: 15] وما ذكرناه [رقم: 1698] من الحديث الصحيح [البخاري، رقم: 6478] : "إنَّ الرَّجُل لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ الله تعالى، ما يُلقي لها بالا، يهوي بها في جهنم"، وغير ذلك مما قدمناهُ في بابِ حفظِ اللسانِ [رقم: 490] وبابِ الغيبة [رقم: 492] ، ويضمّ إلى ذلك قولهم: الله معي، الله شاهدٌ علي1، الله ناظرٌ إلَيّ. 1732- وعن الحسن البصري رحمهُ الله، أن رجلاً قال لهُ: إنك تغتابني، فقال: ما بلغَ قدرُك عندي أن أحكِّمَكَ في حسناتي. 1733- وَرَوَيْنَا عن ابن المبارك رحمهُ اللهُ، قال: لو كنتُ مُغتابًا أحداً لاغتبتُ والديّ، لأنهما أحقُّ بحسناتي، ["الرسالة القشيرية" 1/ 510] ؛ والله أعلمُ. __________ 1 في نسخة: "الله شاهدي".

 بابُ بَيانِ ما يُباحُ مِن الغِيبَة:

1734- اعلم أنَّ الغيبةَ، وإن كانت محرّمة، فإنها تباحُ في أحوالٍ للمصلحة. والمجوزُ لهَا غرضٌ صحيحٌ شرعيٌ لا يُمكنُ الوصولُ إليه إلا بها، وهُو أحدُ ستةِ أسبابٍ: الأولُ: التظلمُ، فيجوزُ للمظلوم أن يتظلَّم إلى السلطانِ والقاضي وغيرهما ممّن له ولايةٌ أو له قدرةٌ على إنصافهِ من ظالمهِ، فيذكرُ أن فُلانًا ظلمني، وفعل بي كذا، وأخذ لي كذا، ونحو ذلك. الثاني: الاستعانة على تغيير المنكر، وردّ العاصي إلى الصواب، فيقولُ لمن يرجو قدرته على إزالة المنكر: فُلانٌ يعملُ كذا فأزجرهُ عنهُ، ونحو ذلك؛ ويكونُ مقصودهُ التوسل1 إلى إزالة المنكرِ، فإن لم يقصد ذلك كان حراماً. الثالث: الاستفتاء، بأن يقولَ للمفتي: ظلمني أبي أو أخي أو فلانٌ بكذا، فهل له ذلك أم لا؟ وما طريقي في الخلاص منهُ وتحصيل حقّي، ودفع الظلم عني، ونحو ذلك؟ وكذلك قولهُ: زوجتي تفعلُ معي كذا، أو زوجي يفعلُ كذا، ونحو ذلك؛ فهذا جائزٌ للحاجةِ، ولكن الأحوط أن يقول: ما تقولُ في رجل كان من أمره كذا أو كذا، أو في زوج أو زوجةٍ تفعل كذا أو نحو ذلك، فإنه يحصلُ به الغرضُ من غير تعيين، ومع ذلك فالتعيينُ جائزٌ، لحديث هندٍ الذي سنذكره إن شاء الله تعالى، [برقم: 1739] وقولُها: يا رسول الله! إن أبا سفيانَ رجلٌ شحيحٌ.. الحديث، ولم ينهها رسول الله صلى الله عليه وسلم. __________ 1 كذا في بعض النسخ: "التوسل" بالسين، وفي بعضها الآخر وفي "رياض الصالحين": 526 التوصل بالصاد.

الرابع: تحذير المسلمين من الشرّ ونصيحتهم، وذلك من وجوهٍ: منها: جرحُ المجروحين من الرواةِ للحديث والشهود، وذلك جائزٌ بإجماع المسلمين، بل واجبٌ للحاجةِ. ومنها: إذا استشارك إنسانٌ في مصاهرته، أو مشاركته، أو إيداعهِ، أو الإِيداع عندهُ، أو معاملته، [أو مجاورته] أو غير ذلك؛ وجب عليك أن تذكُر له ما تعلمهُ منهُ على جهةِ النصيحةِ، فإن حصلَ الغرضُ بمجرّد قولك: لا تصلحُ لك معاملتُه، أو مصاهرتهُ، أو لا تفعلْ هذا، أو نحو ذلك؛ لم تجز الزيادةُ بذكرِ المساوئ، وإن لم يحصل الغرضُ إلا بالتصريح بعينه، فاذكره بصريحه. ومنها: إذا رأيتَ مَن يشتري عبداً معروفاً بالسرقةِ أو الزنا أو الشرب أو غيرها، فعليك أن تبيّن ذلك للمشتري إن لم يكن عالماً به، ولا يختصّ بذلك، بل كُلُ من علمَ بالسلعة المبيعةِ عيباً وجبَ عليه بيانهُ للمشتري إذا لم يعلمهُ. ومنها: إذا رأيت متفقهاً يتردَّدُ إلى مبتدعٍ، أو فاسقٍ؛ يأخذُ عنهُ العلمَ، وخفتَ أن يتضرَّرَ المتفقهُ بذلك، فعليك نصيحتهُ ببيان حالهِ، ويُشترط أن يقصدَ النصيحةَ، وهذا مما يُغلَطُ فيه، وقد يحملُ المُتكلمَ بذلك الحسدُ، أو يلبسُ الشيطانُ عليه ذلك، ويُخيل إليه أنه نصيحةٌ وشفقةٌ، فليتفطَّنْ لذلك. ومنها: أن يكون له ولايةٌ لا يقومُ بها على وجهها، إما بأن لا يكون صالحاً لها، وإما بأن يكون فاسقاً أو مغفلاً ونحو ذلك؛ فيجبُ ذكرُ ذلك لمن له عليه ولايةٌ عامةٌ ليزيلهُ ويُولِّي من يصلحُ، أو يعلمَ ذلك منهُ ليعاملهُ بمقتضى حالهِ ولا يغترّ بهِ، وأن يسعى في أن يحثهُ على الاستقامة أو يستبدل به. الخامسُ: أن يكون مُجاهرًا بفسقه أو بدعته، كالمجاهر بشرب الخمر أو مصادرة الناس وأخذ المُكس وجباية الأموال ظلماً وتولّي الأمور الباطلة،

فيجوز ذكره بما يُجاهر به ويحرمُ ذكرهُ بغيره من الغيوب، إلا أن يكون لجوازه سببٌ آخرُ مما ذكرناهُ. السادسُ: التعريفُ، فإذا كان الإِنسان معروفاً بلقبٍ، كالأعمش والأعرج والأصمّ والأعمى والأحول والأفطس وغيرهم، جاز تعريفهُ بذلك بنيّة التعريف، ويحرمُ إطلاقهُ على جهة النقص؛ ولو أمكن التعريفُ بغيرهِ كان أولى. فهذه ستة أسباب ذكرها العلماءُ مما تُباحُ بها الغيبة على ما ذكرناه [راجع "رياض الصالحين" 256 باب ما يباح من الغيبة، الصفحات: 525 - 527] . وممّن نصّ عليها هكذا الإِمام أبو حامد الغزالي في "الإِحياء" [3/ 152، 153] وآخرون من العلماء، ودلائلُها ظاهرةٌ من الأحاديث الصحيحة المشهورة، وأكثرُ هذه الأسباب مجموعٌ على جوازِ الغيبة بها. 1735- رَوَيْنَا في "صحيحي" البخاري [رقم: 6054] ، ومسلمٍ [رقم: 2591] ؛ عن عائشة رضي الله عنها، أن رجلاً استأذنَ على النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: "ائْذَنُوا لَهُ، بِئْسَ أخُو العَشيرَةِ". احتجّ به البخاري على جواز غيبة أهل الفساد وأهل الرِّيَبِ. 1736- وَرَوَيْنَا في "صحيحي" البخاري [رقم: 4336] ، ومسلم [رقم: 1062] ؛ عن ابن مسعودٍ رضي الله عنهُ، قال: قسمَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قسمةً، فقال رجلٌ من الأنصار: والله ما أرادَ محمدٌ بهذا وجهُ الله تعالى؛ فأتيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرتُه، فتغيَّرَ وجهُه، وقال: "رَحِمَ اللَّهُ مُوسَى، لَقَدْ أُوذِيَ بأكْثَرَ مِنْ هذا فصبر". [تقدم برقم: 1617] . وفي بعض رواياته: قال ابن مسعودٍ: فقلتُ: لا أرفعُ إليه بعد هذا حديثاً. قلتُ: احتجّ به البخاري في إخبار الرجل أخاهُ بما يقالُ فيه.

1737- وَرَوَيْنَا في "صحيح البخاري" [رقم: 6067] ، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَا أظُنُّ فُلاناً وَفُلاناً يَعْرِفانِ مِنْ دِينِنا شَيْئاً". قال الليث بن سعد أحد الرواة: كانا رجلين من المنافقين. 1738- وَرَوَيْنَا في "صحيحي" البخاري [رقم: 4900] ، ومسلم [رقم: 2772] ؛ عن زيد بن أرقم رضي الله عنهُ، قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفرٍ، فأصابَ الناسَ فيه شدةٌ، فقال عبدُ الله بن أُبيّ: لا تُنفقوا على من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يَنْفَضُّوا من حوله، وقال: لئن رجعنَا إلى المدينة ليُخْرِجَنَّ الأعزُّ منها الأذلَّ، فأتيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فأخبرتُه بذلك، فأرسلَ إلى عبد الله بن أُبيّ ... وذكر الحديث، فأنزل الله تعالى تصديقهُ: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ} [المنافقون: 1] . 1739- وفي الصحيح [البخاري، رقم: 5359؛ مسلم، رقم: 1714] ، حديثُ هندٍ امرأةِ أبي سفيانَ، وقولها للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أبا سفيان رجل شحيحٌ.. إلى آخره. 1740- وحديثُ فاطمةَ بنتِ قيس [مسلم، رقم: 1480] ، وقول النبيّ صلى الله عليه وسلم لها: "أما معاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ، وأمَّا أبُو جَهْمٍ فَلا يَضَع العَصَا عَنْ عاتِقِهِ". [وسيرد برقم: 1939] .

  بابُ أمرِ مَنْ سمع غيبة شيخ أو صاحبهِ أو غيرهما بردها وإبطالها:

1741- اعلم أنه ينبغي لمن سمع غِيبةَ مسلم أن يردّها ويزجرَ قائلَها، فإن لم ينزجرْ بالكلام زجرهُ بيدهِ، فإن لم يستطع باليدِ ولا باللسان، فارقَ ذلكَ المجلس، فإن سمعَ غِيبَةَ شيخه، أو غيره ممّن له عليه حقٌ، أو كانَ من أهل الفضل والصَّلاح، كان الاعتناءُ بما ذكرناهُ أكثر. 1742- رَوَيْنَا في "كتاب الترمذي" [رقم: 1931] ، عن أبي الدرداء رضي الله عنهُ، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "مَنْ رَدَّ عَنْ عِرْضِ أخيهِ رَدَّ اللَّهُ عَنْ وَجْهِهِ النَّارَ يَوْمَ القِيامَةِ" قال الترمذي: حديثٌ حسن. 1743- وَرَوَيْنَا في "صحيحي" البخاري [رقم: 425] ، ومسلمٍ [رقم: 33] ؛ في حديث عِتبان -بكسر العين على المشهور، وحكي ضمها- رضي الله عنهُ، في حديثه الطويل المشهور، قال: قام النبيّ صلى الله عليه وسلم يُصلي، فقالوا: أين مالك بن الدخمش؟ فقال رجلٌ: ذلك منافقٌ لا يحبُ اللَّهَ ورسولهُ؛ فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "لا تَقُلْ ذلكَ، ألا تراهُ قَدْ قالَ: لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ، يريدُ بِذلكَ وَجْهَ اللَّهِ"؟. 1744- وَرَوَيْنَا في "صحيح مسلم" [رقم: 1830] ، عن الحسن البصري رحمهُ الله، أن عائذ بن عمرو، وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، دخلَ على عُبيد الله بن زياد، فقال: أي بنيّ! إني سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "إنَّ شَرَّ الرِّعَاء الحطمةُ" فإيَّاكَ أنْ تَكُونَ مِنْهُمُ، فقال لهُ: اجلسْ، فإنما أنتَ من نخالةِ أصحابِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، فقال: وهل كانتْ لهم نخالةٌ؟ إنما كانت النخالةُ بعدَهم، وفي غيرِهم. 1745- وَرَوَيْنَا في "صحيحيهما" البخاري، [رقم: 4418] ؛ ومسلمٍ [رقم: 2769] ؛ عن كعب بن مالكٍ رضي الله عنهُ في حديثهِ الطويل في قصة توبته، قال: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم، وهو جالسٌ في القوم بتبوك: "ما فَعَلَ كَعْبُ بْنُ مالِكٍ"؟ فقال رجلٌ من بني سَلمة: يا رسول الله! حبسَه بُرْدَاهُ، والنظرُ في عِطفيه؛ فقال له معاذُ بن جبل رضي الله عنهُ: بئسَ ما قلتَ، واللهِ يا رسولَ الله ما علمنا عليهِ إلا خيراً؛ فسكتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قلتُ: "سلمةُ" بكسر اللام؛ وعطفاهُ: جانباهُ، وهو إشارة إلى إعجابه بنفسه. 1746- وَرَوَيْنَا في "سنن أبي داود" [رقم: 4484] ، عن جابر بن عبد الله، وأبي طلحة رضي الله عنهم، قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من امرئٍ يخذلُ امْرَأَ مُسْلِماً في موضعٍ تنتهكُ فيهِ حُرمتهُ، وَيُنْتَقَصُ فيه من عرضهِن إِلاَّ خذلهُ اللَّهُ في موطنٍ يُحبُ فيهِ نُصترهُ؛ وما من امرئٍ يَنْصُرُ مُسْلِماً في موضعٍ ينتقصُ فيهِ مِنْ عرضهِ، وينتهكُ فِيهِ مِنْ حُرمتهِ، إلا نصرهُ اللهُ في موطنٍ يحبُ نصرتهُ". 1747- وَرَوَيْنَا فيه [رقم: 4883] ، عن مُعاذ بن أنسٍ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ حَمَى مُؤْمِناً مِنْ منافقٍ -أُرَاهُ قال- بَعَثَ اللَّهُ تَعالى مَلَكاً يَحْمِي لحمهُ يَوْمَ القيامةِ مِنْ نارِ جهنم، ومن رَمَى مُسلمًا بشيءٍ يريدُ شينهُ به حبسهُ اللَّهُ على جِسْرِ جَهَنَّمَ حتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ"؛ والله أعلم.

 بابُ الغِيْبَةِ بالقَلْبِ:

1748- اعلم أن سوء الظنّ حرامٌ مثل القول؛ فكما يحرمُ أن تحدّث غيرك بمساوئ إنسانٍ، يحرمُ أن تحدّث نفسك بذلك، وتسيء الظنّ به، قال الله تعالى: {اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ} [الحجرات: 12] . 1749- وَرَوَيْنَا في "صحيحي" البخاري [رقم: 6064] ، ومسلم [رقم: 2563] ؛ عن أبي هريرة رضي الله عنهُ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فإنَّ الظَّنَّ أكْذِبُ الحَدِيثِ". 1750- والأحاديثُ بمعنى ما ذكرته كثيرةٌ، والمرادُ بذلك عقد القلب وحكمهُ على غيرك بالسوء، فأما الخواطرُ، وحديثُ النفسِ، إذا لم يستقرَّ

ويستمرّ عليه صاحبُه، فمعفوٌ عنه باتفاق العلماء، لأنه لا اختيارَ له في وقوعه، ولا طريقَ له إلا الانفكاك عنه، وهذا هو المراد بما ثبتَ. 1751- في الصحيح [البخاري، رقم: 5269؛ مسلم، رقم: 127] ؛ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "إنَّ الله تَعالى تَجَاوَزَ لأُمَّتِي ما حَدَّثَتْ بِهِ أنْفُسَها ما لَمْ تَتَكَلَّم بِهِ أوْ تَعْمَلْ". 1752- قال العلماء: المرادُ به الخواطرُ التي لا تستقرّ. قالوا: وسواءٌ كان ذلك الخاطرُ غِيبة أو كفراً أو غيرهُ؛ فمن خطرَ له الكفرُ مجرد خطرانٍ من غير تعمدٍ لتحصيلهِ، ثم صرفهُ في الحالِ، فليس بكافرٍ، ولا شيء عليه. وقد قدّمنا. في: 176- باب ما يقولُ مَنْ بُلي بالوَسْوَسَة. في الحديث الصحيح [مسلم، رقم: 132] أنهم قالوا: يا رسولَ الله! يجدُ أحدُنا ما يتعاظمُ أن يتكلمُ به [قال: "وقدْ وجدتُموه"؟ قالوا: نعم] ، قال: "ذلكََ صريحُ الإِيمَانِ"، وغير ذلك مما ذكرناهُ هناك، وما هو في معناهُ. وسببُ العفو ما ذكرناه من تعذّرٍ اجتنابه، وإنما الممكن اجتناب الاستمرار عليه، فلهذا كان الاستمرارُ وعقدُ القلبِ حراماً. ومهما عرض لك هذ الخاطرُ بالغيبةِ وغيرها من المعاصي وجبَ عليك دفعهُ بالإعراضِ عنهُ، وذكرِ التأويلاتِ الصارفة لهُ عن ظاهره. قال الإِمام أبو حامدٍ الغزالي في "الإِحياء" [3/ 150، 151] : إذا وقعَ في قلبك ظنّ السوء، فهو من وسوسة الشيطان يلقيه إليك، فينبغي أن تُكذِّبه، فإنه أفسقُ الفسّاق، وقد قال الله تعالى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: 7] فلا يجوز تصديق إبليس، فإن كان هناك قرينةٌ تدل على فسادٍ، واحتمل خلافهُ، لم تجز إساءةُ الظنّ؛ ومن علامةِ إساءة الظنّ أن يتغيَّر قلبُك معهُ عمّا كان عليهِ، فتنفرُ

منه1 وتستثقلهُ، وتفتر عن مراعاته وإكرامه والاغتمام بسيئه2، فإنَّ الشيطانَ قد يقرِّبُ إلى القلب بأدنى خيال مساوئَ الناس، ويُلقي إليه: أن هذا من فطنتك وذكائك وسرعة تنبّهك، وإن المؤمن ينظرُ بنور الله، وإنما هو على التحقيق ناظرٌ بغرور الشيطان وظلمته. وإن أخبرَكَ عدلٌ بذلك فلا تُصدِّقه ولا تكذبهُ، لئلا تُسيءَ الظنّ بأحدهما؛ ومهما خطرَ لك سوءٌ في مسلمٍ، فزِدْ في مراعاته وإكرامه، فإن ذلك يُغيظُ الشيطانَ، ويدفعهُ عنكَ، فلا يُلقي إليك مثلهُ خِيفةً من اشتغالك بالدعاءِ لهُ، ومهما عرفتَ هفوةَ مُسلم بحجةٍ لا شكّ فيها، فانصحهُ في السرّ، ولا يخدعنَّك الشيطانُ فيدعوك إلى اغتيابِه، وإذا وعظتهُ فلا تعظهُ وأنت مسرورٌ باطّلاعِك على نقصِه، فينظرُ إليك بعين التعظيم، وتنظرُ إليه بالاستصغار، ولكن اقصدْ تخليصهُ من الإِثم، وأنت حزينٌ كما تخزنُ على نفسك إذا دخلَك نقصٌ، وينبغي أن يكونَ تركهُ لذلك النقص بغير وعظك أحبّ إليك من تركهِ بوعظك. هذا كلامُ الغزالي. قلتُ: قد ذكرنا أنه يجبُ عليه إذا عرضَ له خاطرٌ بسوءِ الظن أن يقطعهُ، وهذا إذا لم تدعُ إلى الفكرِ في ذلك مصلحةٌ شرعيةٌ، فإن دعتْ جازَ الفكرُ في نقيصته، والتنقيب عنها، كما في جرح الشهود والرواة وغير ذلك مما ذكرناه في 496 - باب ما يباحُ في الغيبة. __________ 1 في نسخة: "عنه". 2 في نسخة: "بسيئته".

 بابُ كَفَّارةِ الغيْبةِ والتَّوْبَةِ منها:

1753- اعلم أن كلَّ من ارتكب معصيةً لزمهُ المبادرةُ إلى التوبة منها، والتوبةُ من حقوق الله تعالى يُشترط فيها ثلاثةُ أشياء: أن يُقلع عن المعصية في الحال، وأن يندمَ على فعلها، وأن يَعزِمَ ألاّ يعود إليها. والتوبةُ من حقوق الآدميين يُشترط فيها هذه الثلاثةُ ورابعٌ، وهو: ردّ الظلامةِ إلى صاحبها، أو طلب عفوه عنها، والإِبراء منها؛ فيجبُ على المغتاب التوبة بهذه الأمور الأربعة؛ لأن الغيبة حقّ آدمي، ولا بدّ من استحلاله مَن اغتابَه، وهل يكفيه أن يقول: قد اغتبتُك، فاجعلني في حلّ، أم لا بُدَّ أن يبيّنَ ما اغتابه به؟ فيه وجهان لأصحاب الشافعي رحمهم الله: أحدهما: يُشترط بيانُه، فإن أبرأه من غير بيانه لم يصحّ، كما لو أبرأه عن مالٍ مجهولٍ. والثاني: لا يُشترط؛ لأن هذا مما يُتسامحُ فيه، فلا يُشترط علمهُ، بخلاف المال. والأوّل أظهرُ؛ لأن الإِنسانََ قد يسمحُ بالعفو عن غيبة دونَ غِيبة؛ فإن كان صاحبُ الغيبةِ ميّتاً أو غائباً، فقد تعذّرَ تحصيلُ البراءةِ منها؛ لكن قال العلماءُ: ينبغي أن يُكثر الاستغفار له والدعاءَ، ويُكثر من الحسنات. واعلم أنه يُستحبّ لصاحب الغِيبة أن يبرئه منها، ولا يحبُ عليه ذلك؛ لأنه تبرّعٌ وإسقاطُ حقٌ، فكان إلى خِيرَته، ولكن يُستحبّ له استحباباً متأكداً الإِبراء، ليخلِّصَ أخاهُ المسلم من وبال هذه المعصية، ويفوزَ هُو بعظيم ثواب الله تعالى في العفو ومحبة الله سبحانه وتعالى، قال الله تعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134] وطريقهُ في تطيب نفسه بالعفو أن يذكِّرَ نفسَه أنَّ هَذَا الأمْرَ قد وقعَ، ولا سبيلَ إلى رفعه، فلا ينبغي أن أُفوِّتَ ثوابهُ وخلاصَ أخي المسلم، وقد قال الله تعالى: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [الشورى: 43] وقال تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199] الآية. والآياتُ بنحو ما ذكرناهُ كثيرةٌ.

1754- وفي الحديث الصحيح [مسلم، رقم: 2699] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "وَاللَّهُ فِي عونِ العَبْدِ ما كانَ العَبْدُ في عَوْن أخيه". [مر برقم: 1609] . 1755- وقد قال الشافعي رحمه الله: من استُرضِي فلم يرضَ فهو شيطانٌ. 1756- وقد أنشد المتقدمون [وينسب للإمام الشافعي رحمه الله، من الخفيف] : قيلَ لي: قد أساءَ إليك فلانٌ ... ومقامُ الفَتَى على الذُّلِّ عارُ قلتُ: قدْ جاءَنَا وأحْدَثَ عُذْراً ... ديةُ الذنبِ عِندنَا الاعْتذَارُ 1757- فهذا الذي ذكرناهُ من الحثَ على الإِبراء عن الغيبة هو الصوابُ، وأما ما جاء عن سعيد بن المسيب أنه قال: لا أُحلل مَن ظلمني؛ وعن ابن سيرين: لم أُحرّمها عليه فأُحلِّلُهَا لهُ؛ لأن الله تعالى حرّم الغيبةَ عليه، وما كنتُ لأُحَلِّلَ ما حرمهُ الله تعالى أبداً؛ فهو ضعيفُ، أو غلطٌ؛ راجع فيض القدير فإن المبرئ لا يحلِّلُ محرّماً، وإنما يُسقط حقاً ثبتَ لهُ، وقد تظاهرت نصوصُ الكتابِ والسنّة على استحباب العفو، وإسقاط الحقوق المختصّة بالمسقِط؛ أو يحملُ كلامُ ابن سيرين على أني لا أبيحُ غيبتي أبداً، وهذا صحيحٌ، فإن الإِنسانَ لو قال: أبحتُ عرضي لمن اغتابني لم يَصرْ مباحاً، بل يحرمُ على كل أحدٍ غيبتهُ كما تحرمُ غيبةُ غيرهِ. 1758- وأما الحديث [أبو داود، رقم: 4886، 4887] : "أيَعْجِزُ أحدكُم أنْ يَكُونَ كأبِي ضمضمٍ؟ كانَ إذَا خَرَجَ مِنْ بيتهِ، قالَ: إِنِّي تَصَدَّقْتُ بِعِرْضِي على الناس". [مر برقم: 462] ، فمعناهُ: لا أطلبُ مَظلمتي ممّن ظلمني لا في الدنيا ولا في الآخرة، وهذا يَنفعُ في إسقاط مظلمةٍ كانت موجودة قبل الإبراءِ. فأما ما يحدثُ بعدهُ فلا بدّ من إبراءٍ جديدٍ بعدَها؛ وبالله التوفيق.

بابٌ في النميمة: 1759- قد ذكرنا تَحْرِيمها ودلائلَها وما جاء في الوعيد عليها، وذكرنَا بيانَ حقيقتها، ولكنه مختصرٌ، ونزيدُ الآن في شرحه. قال الإِمام أبو حامد الغزالي رحمه الله ["الإحياء": 3/ 156] : النميمةُ إنما تطلقُ في الغالب على مَن يَنمُّ قولَ الغير إلى المقول فيه، كقوله: فلانٌ يقولُ فيك كذا، وليست النميمةُ مخصوصةً بذلك، بل حدّها كشفُ ما يُكرهُ كشفهُ، سواءٌ كرههُ المنقولُ عنهُ، أو المنقولُ إليه، أو ثالثٌ؛ وسواءٌ كان الكشفُ بالقولِ، أو الكتابة، أو الرمز، أو الإِيماء، أو نحوها؛ وسواءٌ كان المنقولُ من الأقوال أو الأعمال، وسواءٌ كان عيباً أو غيرهُ، فحقيقةُ النميمة إفشاءُ السرّ، وهتكُ السترِ عمّا يكرهُ كشفهُ، وينبغي للإِنسان أن يسكتَ عن كلِّ ما رآهُ من أحوالِ الناس، إلا ما في حكايتهِ فائدةٌ لمسلمٍ، أو دفعُ معصيةٍ؛ وإذا رآهُ يُخفي مالَ نفسهِ فذكرهُ، فهو نميمة، قال: وكلُ مَنْ حُمِلت إليه نميمةٌ، وقيل لهُ: قال فيك فلانٌ كذا؛ لزمهُ ستةُ أمورٍ. الأول: ألا يصدقهُ؛ لأن النَّمامَ فاسقٌ، وهو مردود الخبر. الثاني: أن ينهاهُ عن ذلك وينصحهُ ويقبّح فعلهُ. الثالث: أن يبغضَه في الله تعالى، فإنه بغيض عند الله تعالى، والبغضُ في الله تعالى واجب. الرابع: ألا يظنّ بالمنقول عنه السوء، لقول الله تعالى: {اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ} [الحجرات: 12] . الخامس: ألا يحملَك ما حُكي لك على التجسس والبحث عن تحقيق ذلك، قال الله تعالى: {وَلَا تَجَسَّسُواْ} [الحجرات: 12] .

السادس: ألا يرضى لنفسه ما نهى النمّامَ عنهُ، فلا يحكي نميمته. وقد جاء أن رجلاً ذَكَرَ لعمرَ بن عبد العزيز، رضي الله عنهُ، رجلاً بشيءٍ، فقال عمرُ: إن شئتَ نظرنَا في أمركَ، فإن كنتَ كاذباً فأنتَ من أهل هذه الآية: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] ، وإن كنتَ صادقاً فأنتَ من أهل هذه الآية: {هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} [القلم: 11] وإن شئتَ عفونا عنك؛ قال: العفو، يا أميرَ المؤمنين، لا أعودُ إليه أبداً. ورفع إنسانٌ رفعةً إلى الصاحبِ بن عبادٍ يحثهُ فيها على أخذِ مال يتيم، وكان مالاً كثيراً، فكتبَ على ظهرها: النميمية قبيحةٌ، وإن كانت صحيحةً، والميّتُ رحمه الله، واليتيمُ جبرَه الله، والمالُ ثمرهُ اللهُ، والساعي لعنهُ الله.

 بابُ النهي عن نَقْلِ الحَديثِ إلى ولاةِ الأُمور إذا لم تدعُ إليه ضرورةٌ لخوفِ مفسدةٍ ونحوِهَا:

1760- رَوَيْنَا في كتابي أبي داود [رقم: 4860] ، والترمذي [رقم: 3896] ؛ عن ابن مسعود رضي الله عنهُ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يُبَلِّغْني أحدٌ منْ أصْحابِي عَنْ أحدٍ شَيْئاً، فإني أُحِبُّ أنْ أَخْرُجَ إِلَيْكُمْ وأنا سَلِيمُ الصَّدْرِ".

 بابُ النَّهي عن الطعن في الأَنْسَابِ الثَّابتةِ في ظاهِر الشَّرْعِ:

قال الله تعالى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإِسراء: 36] 1761- وَرَوَيْنَا في "صحيح مسلم" [رقم: 67] ، عن أبي هريرة رضي الله عنهُ، قال: قال رسولُ لله صلى الله عليه وسلم: "اثْنَتانِ فِي النَّاسِ هُما بِهِمْ كفرٌ: الطعنُ في النَّسَبِ، والنياحةُ على الميت". [مر برقم: 767] ؛ والله أعلمُ.

 بابُ النّهي عن الافْتِخَار:

قال الله تعالى: {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [النجم: 33] . 1762- وَرَوَيْنَا في "صحيح مسلم" [رقم: 2865] ، و"سنن أبي داود" [رقم: 1214] وغيرهما؛ عن عياض بن حمارٍ الصحابي رضي الله عنهُ، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إن اللَّهَ تَعالى أوْحَى إلَيَّ أنْ تَوَاضَعُوا حتَّى لا يَبْغيَ أحدٌ على أحدٍ، وَلا يَفْخَرَ أحدٌ على أحدٍ".

 بابُ النهي عن إظهار الشماتة بالمسلم:

1763- رَوَيْنَا في "كتاب الترمذي" [رقم: 2506] ، عن واثلةَ بن الأسقع رضي الله عنهُ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تُظْهِرِ الشَّماتَةَ لأخِيكَ، فَيَرْحَمُهُ اللَّهُ وَيَبْتَلِيكَ". قال الترمذي: حديثٌ حسن.

 بابُ تَحريمِ احْتِقار المسلمينَ والسُّخْرِيةِ منهم:

قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [التوبة: 79] وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ} [الحجرات: 11] ، وقال تعالى:

{وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} [الهمزة: 1] . 1764- وأما الأحاديث الصحيحةُ في هذا الباب فأكثرُ من أن تُحصر، وإجماعُ الأمة منعقدٌ على تحريم ذلك؛ والله أعلمُ. 1765- وَرَوَيْنَا في "صحيح مسلم" [رقم: 2564] ، عن أبي هريرة رضي الله عنهُ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تَحاسَدُوا، وَلا تَناجَشُوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا؛ ولا يبع بعضكم على بيع بَعْضٍ، وكُونُوا عِبادَ اللَّهِ إخْواناً، المُسلِمُ أخُو المُسْلِمِ، لا يظلمهُ، وَلا يخذلهُ، وَلا يَحْقِرُهُ، التَّقْوَى ههنا -ويشيرِ إلى صدره ثلاثَ مرات- بِحَسْبِ امرئٍ من الشر أن يحقر أخاهُ المسلم، كُلُّ المُسْلِمِ على المُسْلِمِ حَرَامٌ: دمهُ ومالهُ وعرضه". ["الأربعون النووية"، رقم: 35؛ مر برقم: 1726] . قلتُ: ما أعظمَ نفع هذا الحديث، وأكثر فوائده لمن تدبره. 1766- وَرَوَيْنَا في "صحيح مسلم" [رقم: 91] عن ابن مسعودٍ رضي الله عنهُ، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "لا يدخلُ الجنة مَنْ كانَ في قَلْبِهِ مثقالُ ذرةٍ مِنْ كِبْرٍ"، فقال رجلٌ: إن الرجلَ يُحبّ أن يكون ثوبهُ حسناً ونعلهُ حسنةً، قال: "إنَّ اللَّهَ جميلٌ يحبُ الجَمالَ، الكبرُ: بطرُ الحَقِّ، وغمطُ الناسِ". قلتُ: بَطر الحقّ بفتح الباء والطاء المهملة، وهو: دفعه وإبطاله؛ وغمطٌ بفتح الغين المعجمةِ وإسكان الميم، وآخرهُ طاءٌ مهملةٌ، ويروى غمص بالصاد المهملة؛ ومعناهما واحدٌ، وهُو: الاحتقارُ.

 بابُ غِلَظِ تحريمِ شَهادةِ الزُّور:

قال الله تعالى: {وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} [الحج: 30] . وقال تعالى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإِسراء: 36] . 1767- وَرَوَيْنَا في "صحيحي" البخاري [رقم: 2654] ، ومسلم [رقم: 87] ؛ عن أبي بكرةَ نُفيعٍ بنِ الحارثِ رضيَ اللهُ عنهُ، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أُنَبِّئُكُمْ بأكْبَرِ الكَبائرِ"؟ ثلاثاً، قُلنا: بلى يا رسول الله! قال: "الإِشْرَاكُ باللَّهِ، وعقوقُ الوالِدَيْنِ" وكان متكئاً، فجلسَ، فقال: "ألا وَقَوْلُ الزورِ وشهادةُ الزُّورِ" فما زال يُكررها حتى قُلنا: ليتهُ سكت. قلتُ: والأحاديثُ في هذا الباب كثيرةٌ، وفيما ذكرته كافيةٌ، والإِجماع منعقد عليه.

 بابُ النهي عن المَنِّ بالعَطِيَّةِ ونحوِها:

قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى} [البقرة: 264] قال المفسرون: أي: لا تُبطلوا ثوابَها. 1768- وَرَوَيْنَا في "صحيح مسلم" [رقم: 106] ، عن أبي ذرّ رضي الله عنهُ، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "ثَلاثَةٌ لا يُكلمهمُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَلا ينظرُ إِلَيْهِمْ، وَلا يُزَكِّيهمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ"، قال: فقرأها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ثلاثَ مراتٍ، قال أبو ذرّ: خابُوا وخَسِروا، مَن هُم يا رسولَ الله؟ قال: "المسبلُ، والمنانُ، والمنفقُ سلعتهُ بالحلفِ الكاذبِ".

  بابُ النَّهي عن اللَّعْن:

1769- رَوَيْنَا في "صحيح البخاري" [رقم: 6044] ، ومسلم [رقم: 110] ؛ عن ثابت بن الضحَّاك رضي الله عنهُ، وكان من أصحاب الشجرة؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَعْنُ المؤمنِ كَقَتْلِهِ". 1770- وَرَوَيْنَا في "صحيح مسلم" [رقم: 2597] ، عن أبي هريرة رضي الله عنهُ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يَنْبَغِي لصديقٍ أنْ يكونَ لَعَّاناً". 1771- وَرَوَيْنَا في "صحيح مسلم" [رقم: 2598] أيضاً، عن أبي الدرداء رضي الله عنهُ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يَكُونُ اللَّعَّانُونَ شُفَعاءَ وَلا شُهَدَاءَ يَوْمَ القِيامَةِ". 1772- وَرَوَيْنَا في "سنن أبي داود" [رقم: 4906] والترمذي [رقم: 1976] ؛ عن سمرةَ بنِ جندبٍ رضي اللهُ عنهُ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تَلاعَنُوا بِلَعْنَةِ اللَّهِ، وَلا بغضبهِ، وَلا بالنَّارِ"، قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. 1773- وَرَوَيْنَا في "كتاب الترمذي" [رقم: 1977] ، عن ابن مسعود رضي الله عنهُ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَيْسَ المُؤْمِنُ بالطعانِ وَلا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء"، قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ. [سيرد برقم: 1912] . 1774- وَرَوَيْنَا في "سنن أبي داود" [رقم: 4905] ، عن أبي الدرداءِ رضي الله عنهُ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ العَبْد إذَا لعنَ شَيْئاً صَعِدَتِ اللعنةُ إلى السَّماءِ، فَتُغْلَقُ أبوابُ السَّماءِ دُونَهَا، ثمَّ تَهْبِطُ إلى الأرْضِ، فَتُغْلَقُ أبْوَابُها دُونَها، ثُمَّ تأخُذُ يَمِيناً وَشِمالاً، فإذَا لَمْ تَجِدْ مَساغاً رَجَعَتْ إلى الَّذي لُعِنَ، فإن كان أهْلاً لِذَلِكَ وَإِلاَّ رَجَعَتْ إلى قائِلِها". 1775- وَرَوَيْنَا في "كتابي" أبي داود [رقم: 4908] ، والترمذي [رقم: 1978] ؛ عن ابن عباسٍ رضي الله عنهُما، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "مَنْ لَعَنَ شيئًا ليس له بأهلٍ رجعتٍ اللَّعْنَة عَلَيْهِ". 1776- وَرَوَيْنَا في "صحيح مسلم" [رقم: 2595] ، عن عمران ابن

الحصين رضي اللهُ عنهما، قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، وامرأةٌ من الأنصارِ على ناقةٍ، فَضَجِرَتْ، فلعنتها، فسمعَها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: فقال: "خُذُوا ما عَلَيْها وَدَعُوها، فإنَّها مَلْعُونَةٌ". قال عمران: فكأني أراها الآن تمشي في الناس ما يعرضُ لها أحدٌ. قلتُ: اختلفَ العلماءُ في إسلام حصينِ والدِ عمرانَ وصحبتهِ، والصحيحُ إسلامهُ وصحبتهُ، فلهذا قلتُ: رضي الله عنهما. 1777- وَرَوَيْنَا في "صحيح مسلم" [رقم: 2596] أيضاً، عن أبي برزة رضي اللهُ عنهُ، قال: بينما جاريةٌ على ناقةٍ عليها بعضُ متاعِ القومِ، إذ بصرتْ بالنبيّ صلى الله عليه وسلم، وتضايقَ بهمُ الجبلُ، فقالت: حَلْ، اللَّهمّ العنها؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تُصَاحِبُنا ناقةٌ عَلَيْها لعنةٌ". وفي رواية: "لا تُصاحبنا راحلةٌ عَلَيْها لعنةٌ مِنَ اللَّهِ تَعالى". قلت: حَلْ بفتح الحاء المهملةِ وإسكانِ اللامِ، وهي كلمةٌ تزجرُ بها الإِبل.

 509- فصلٌ في جواز لعن أصحاب المعاصي غير المعينين والمعروفين:

1778- ثبت في الأحاديث الصحيحة المشهورةِ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لَعَنَ اللَّهُ الواصلة والمستوصلة ... " الحديث [أخرجه مسلم, رقم: 2122؛ وهو في البخاري، رقم: 5933، 5937؛ ومسلم، رقم: 2124 بلفظ: "لعن رسول الله...."] . 1779- وأنهُ قال: "لَعَنَ اللَّهُ آكِلَ الرّبا ... " الحديث [مسلم، رقم: 1597] .

1780- وأنه قال: "لَعَنَ اللَّهُ المُصَوِّرِينَ ... " [البخاري، رقم: 2686] . 1781- وأنه قال: "لَعَنَ اللَّهُ مَنْ غَيَّرَ مَنارَ الأرْضِ ... " [مسلم، رقم: 1978/ 43؛ أي: حدُودها] . 1782- وأنه قال: "لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ يسرقُ البيضة ... " [البخاري رقم: 6783؛ مسلم، رقم: 1687] . 1783- وأنه قال: "لَعَنَ اللَّهُ مَنْ لَعَن والديه" [مسلم، رقم: 1978] ، "وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ ... " [مسلم، رقم: 1978/ 44] . 1784- وأنه قال: "مَنْ أحْدَثَ فِينا حَدَثاً أوْ آوَى مُحْدِثاً فَعَلَيْهِ لعنةُ اللَّهِ والملائكة والناس أجمعين" [البخاري، رقم: 1870؛ مسلم، رقم: 1366] . 1785- وأنه قال: " اللَّهُمَّ الْعَنْ رِعْلاً وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّة، عصتِ الله ورسوله" [البخاري، رقم: 4090؛ مسلم، رقم: 675] ، وهذه ثلاثُ قبائل من العرب. [تقدم برقم: 1577] . 1786- وأنه قال: "لَعَنَ اللَّهُ اليَهُودَ حُرّمَتْ عَلَيْهِمُ الشُّحُومُ، فجمَلُوها، فباعوها"، [البخاري، رقم: 435؛ مسلم، رقم: 1582] . 1787- وأنه قال: "لَعَنَ اللَّهُ اليَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أنْبِيائِهِمْ مساجد"، [البخاري، رقم: 435؛ مسلم، رقم: 530] . 1788- وأنه قال [ابن عباس رضي الله عنهما] : "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال". [البخاري، رقم: 5885] .

وجميع هذه الألفاظ في "صحيحي" البخاري ومسلم، بعضها فيهما، وبعضها في أحدهما، وإنما أشرتُ إليها ولم أذكر طرقها للاختصار. 1789- وَرَوَيْنَا في "صحيح مسلم" [رقم: 916] ، عن جابر رضي الله عنهُ، أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى حِماراً قد وُسِمَ في وجهه، فقال: "لَعَنَ اللَّهُ الَّذي وَسَمَهُ". 1790- وفي "الصحيحين" [البخاري، رقم: 5515؛ مسلم، رقم: 1958] ، أن ابن عمر رضي اللهُ عنهما، مرَّ بفتيان من قريشٍ قد نَصبوا طيراً وهم يرمونه، فقال ابن عمر: لعن اللهُ من فعلَ هذا، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لَعَنَ اللَّهُ مَنِ اتَّخَذَ شَيْئاً فِيهِ الروحُ غَرَضاً".

 510- فصل [في تحريم لعن المسلم]

1791- اعلم أن لعن المسلم المصونِ حرامٌ بإجماع المسلمين، ويجوزُ لعنُ أصحابِ الأوصافِ المذمومةِ، كقولك: لعن الله الظالمين، لعن الله الكافرين، لعن الله اليهود والنصارى، لعن الله الفاسقين، لعن الله المصوّرين، ونحو ذلك، كما تقدم في الفصل السابق. [رقم: 509] . وأما لعن الإِنسان بعينه ممنِ اتصفَ بشيءٍ من المعاصي، كيهودي، أو نصراني، أو ظالمٍ، أو زانٍ، أو مصورٍ، أو فاسقٍ، أو سارقٍ، أو آكلِ ربا. فظواهرُ الأحاديث أنه ليس بحرام، وأشارَ الغزالي إلى تحريمه إلا في حقّ مَن عَلِمْنَا أنهُ مات على الكفر، كأبي لهبٍ، وأبي جهلٍ، وفرعونَ، وهامانَ، وأشباههم. قال: لأن اللعن هو الإبعادُ عن رحمةِ الله تعالى، وما ندري ما يختم به لهذا الفاسقِ، أو الكافر. قال: وأما الذين لعنهُم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بأعيانهم، فيجوزُ أنه صلى الله عليه وسلم عَلِمَ موتهُم على الكفرِ. قال: ويقربُ من اللعنِ الدعاءُ على الإنسانِ بالشرّ، حتى الدعاءُ على الظالمِ، كقولِ الإِنسان: لا أصحَّ الله جسمهُ، ولا سلمهُ اللهُ؛ وما جرى مجراهُ؛ وكلُّ ذلك مذمومٌ، وكذلك لعنُ جميع الحيوانات، والجماد، فكلُّه مذمومٌ.

 511- فصل [فيمن لعن ما لا يستحقُ اللعن]

1792- حكى أبو جعفرٍ النحاسُ عن بعضِ العلماءِ، أنهُ قال: إذا لعن الإِنسانُ ما لا يستحقّ اللعن، فليبادرْ بقوله: إلاّ أن يكون لا يستحقّ.

 512- فصل [في ألفاظ تنبيه المؤدب وما يشبهها]

1793- ويجوزُ للآمر بالمعروف، والناهي عن المنكر، وكلّ مؤدِّب أن يقول لمن يخاطبهُ في ذلك الأمر: ويلك! أو يا ضعيفَ الحال، أو يا قليلَ النظرِ لنفسهِ، أو يا ظالمَ نفسه، وما أشبه ذلك، بحيثُ لا يتجاوزُ إلى الكذبِ، ولا يكونُ فيه لفظُ قذفٍ صريحاً كان أو كنايةً أو تعريضاً، ولو كان صادقاً في ذلك، وإنما يجوزُ ما قدمناهُ ويكونُ الغرضُ منهُ التأديب والزجر، وليكونَ الكلامُ أوقعَ في النفس. 1794- رَوَيْنَا في صحيحي البخاري [رقم: 1689، ومسلم رقم: 1322] ؛ عن أنسٍ رضي الله عنهُ، أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يسوقُ بدنةً، فقال: "ارْكَبْها"، فقال: إنها بدنةٌ، قال: "ارْكَبْها"، قال: إنها بدنةٌ، قال في الثالثة: "ارْكَبْها وَيْلَكَ".

1795- وَرَوَيْنَا في "صحيحيهما" [البخاري، رقم: 6163؛ مسلم، رقم: 1064/ 148، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنهُ، قال: بينا نحنُ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يَقسم قَسْماً، أتاهُ ذو الخويصرة -رجلٌ من بني تميم- فقال: يا رسول الله! اعدل؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وَيْلَكَ! وَمَنْ يعدلُ إِذَا لَمْ أعْدِلْ "؟. 1796- وَرَوَيْنَا في "صحيح مسلم" [رقم: 870] ، عن عديّ بن حاتمٍ رضي الله عنه، أن رجلاً خطبَ عندَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومَنْ يعصهِمَا فقد غوى؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بِئْسَ الخَطِيبُ أنْتَ، قُل: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ ورَسُولُهُ". 1797- وَرَوَيْنَا في "صحيح مسلم" [رقم: 2195] أيضاً، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أن عبداً لحاطب رضي الله عنهُ، جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو حاطباً، فقال: يا رسولَ الله! ليدخلنّ حاطبٌ النَّارَ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كذبتَ، لا يَدْخُلُها، فإنَّهُ شَهِدَ بَدْراً وَالحُدَيْبِيَةَ". 1798- وَرَوَيْنَا في صحيحي البخاري [رقم: 602] ، ومسلم [رقم: 2057] ؛ قولَ أبي بكرٍ الصديق رضي الله عنهُ لابنه عبد الرحمن حين لم يجده عَشَّى أضيافه: يا عنثرُ، وقد تقدم بيان هذا الحديث [رقم: 1491] في كتاب الأسماء. 1799- وَرَوَيْنَا في "صحيحيهما" [البخاري، رقم: 352؛ مسلم، رقم: 766] ؛ أن جابراً صلَّى في ثوبٍ واحدٍ، وثيابهُ موضوعةٌ عندهُ، فقيل له: فعلتَ هذا؟ فقال: فعلتُ ذلك ليراني الجهالُ مثلكُم؛ وفي روايةٍ: ليراني أحمقُ مثلك.

بابُ النَّهي عن انتهارِ الفُقَراءِ والضُّعَفاءِ واليتيم والسَّائلِ ونحوهم، وإلانةُ القوْل لهم والتواضعُ معهم: قال الله تعالى: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ، وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ} [الضحى: 9، 10] ، وقال تعالى: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: 52] وقال تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ} [الكهف: 28] ، وقال تعالى: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الحجر: 88] . 1800- وَرَوَيْنَا في "صحيح مسلم" [رقم: 2504] ، عن عائذِ بن عمرو -بالذال المعجمة- الصحابي رضي الله عنه، أن أبا سفيان أتى على سلمان وصهيبٍ وبلالٍ في نفرٍ، فقالوا: ما أخذتْ سيوفُ الله من عنقِ عدوّ الله مأخذها؛ فقال أبو بكرٍ رضيَ الله عنهُ: أتقولون هذا لشيخِ قريشٍ وسيدِهم؟ فأتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فأخبرهُ، فقال: "يا أبا بكرٍ! لَعَلَّكَ أغْضَبْتَهُمْ؟ لَئِنْ كُنْتَ أغْضَبْتَهُمْ لَقَدْ أغْضَبْتَ رَبَّكَ"، فأتاهم، فقال: يا إخوتاهُ! أغضبتُكم؟ فقالوا: لا. قلتُ: قولهُ: "مأخذَها" بفتح الخاء، أي: لو تستوفِ حقها من عنقه لسوء فعاله.

  بابٌ في ألفاظٍ يُكرهُ استعمالُها:

1801- رَوَيْنَا في صحيحي البخاري [رقم: 6179] ، ومسلمٍ [رقم: 2250، 2251] ؛ عن سهل بن حنيفٍ، وعن عائشة رضي الله عنها، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، قال: "لا يَقُولَنَّ أحَدُكُمْ: خَبُثَتْ نَفْسِي، وَلَكِنْ لِيَقُلْ: لَقِسَتْ نَفْسِي". 1802- وَرَوَيْنَا في "سنن أبي داود" [رقم: 4979] ، بإسناد صحيح؛ عن عائشة رضي الله عنها، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم؛ قال: "لا يَقُولَنَّ أحَدُكُمْ: جاشَتْ نَفْسِي، وَلَكِنْ لِيَقُلْ: لَقِسَتْ نَفْسِي". قال العلماء: معنى "لَقِسَتْ" و"جَاشَتْ": غثت؛ قالوا: وإنما كُرِه "خبثت" لِلَفظ الخبث والخبيث. قال الإِمام أبو سليمان الخطابي [5/ 258] : لقست وخبثت معناهما واحدٌ، وإنما كُرِه خبثت للفظ الخبث وبشاعة الاسم منهُ، وعلمهمُ الأدب في استعمال الحسن منه وهجران القبيح، وجاشت بالجيم والشين المعجمة، ولقست بفتح اللام وكسر القاف.

 515- فصل [كراهة تسمية العنب كرماً]

1803- رَوَيْنَا في صحيحي البخاري [رقم: 6183] ، ومسلم [رقم: 2246] ؛ عن أبي هريرة رضي الله عنهُ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يَقُولُونَ: الكرمُ، إنَّمَا الكَرْمُ قَلْبُ المؤْمِنِ". وفي رواية لمسلم [رقم: 2247] : "لا تُسَمُّوا العنبَ الكَرْمَ، فإنَّ الكَرْمَ المسلمُ". وفي رواية له: "فإنَّ 1 الكَرْمَ قلبُ المُؤْمِنِ". 1804- وَرَوَيْنَا في "صحيح مسلم" [رقم: 2248] ، عن وائلَ بن حِجر رضي الله عنهُ، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "لا تَقُولُوا: الكَرْمَ، وَلَكِنْ قُولُوا: العِنَبَ والحَبَلَة". قلت: "الحَبَلة" بفتح الحاء والباء، ويُقال أيضاً: بإسكان الباء؛ قاله الجوهري 4/ 1665 وغيرُه، والمراد من هذا الحديث النهي عن تسمية العنبِ كرماً، وكانت الجاهليةُ تسمّيه: كرماً، وبعضُ الناس اليوم تُسمّيه كذلك، ونهى النبيّ صلى الله عليه وسلم عن هذه التسمية. قال الإِمام الخطابي 5/ 256 وغيره من العلماء: أشفق النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن يدعوهم حسنُ اسمها إلى شربِ الخمرِ المتخذةِ من ثمرِها، فسلبَها هذا الاسم؛ والله أعلمُ. __________ 1 في نسخة: "فإنما".

 516- فصل [في النهي عن تعييب الناس والافتخار والبغي]

1805- رَوَيْنَا في "صحيح مسلم" [رقم: 2623] ، عن أبي هريرة رضي الله عنهُ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "إِذَا قالَ الرجلُ: هَلَكَ النَّاسُ، فَهُوَ أهْلَكُهُمْ". قُلتُ: روي أهلكُهم برفع الكافِ وفتحها، والمشهور الرفع، ويُؤيِّده أنه جاء في رواية رويناها في حلية الأولياء [7/ 141] في ترجمة سفيان الثوري: "فَهُوَ مِنْ أهْلَكِهمْ". قال الإِمام الحافظ أبو عبد الله الحميدي في الجمع بين الصحيحين في الرواية الأولى، قال بعض الرواة: لا أدري هو بالنصب أم بالرفع؟ قال الحميدي: والأشهر الرفع، أي: أشدُّهم هلاكاً، قال: وذلك إذا قال ذلك على سبيل الإزراء عليهم، والاحتقار لهم، وتفضيل نفسه عليهم؛ لأنه لا يدري سرّ الله تعالى في خلقه، هكذا كان بعضُ علمائنا، يقولُ: هذا كلام الحميدي.

وقال الخطابي [5/ 260] : معناهُ: لا يزال الرجلُ يُعيبُ الناسَ ويذكرُ مساويهم، ويقول: فسدَ النَّاسُ وهلكوا ونحو ذلك، فإذا فعل ذلك فهو أهلكُهم، أي: أسوأ حالاً فيما يلحقهُ من الإِثم في عيبهم والوقيعةِ فيهم، وربما أداهُ ذلك إلى العجب بنفسه ورؤيته أنه له فضلاً عليهم، وأنه خيرٌ منهم فيهلكُ. هذا كلام الخطابي، فيما رويناهُ عنهُ في كتابه "معالم السنن". وَرَوَيْنَا في "سنن أبي داود" [رقم: 4983] رضي الله عنهُ، قال: حدّثنا القعنبي، عن مالك [2/ 948] ، عن سهلِ ابن أبي صالحٍ، عن أبيهِ، عن أبي هريرة رضي الله عنهُ، فذكر هذا الحديث، ثم قال: قال مالكُ: إذا قال ذلك تحزناً لما يرى في الناس -قال: يعني من أمرِ دينهم- فلا أرى به بأساً، وإذا قال ذلك عجباً بنفسهِ وتصاغراً للناس، فهو المكروه الذي يُنْهَى عنه. قلتُ: فهذا تفسير بإسناد في نهايةٍ من الصحةِ، وهو أحسنُ ما قيل في معناهُ وأوجزُ، ولا سيما إذا كان عن الإِمام مالكٍ رضي الله عنهُ.

 517- فصل [في النهي عن التشريك بين الله وخلقه في المشيئة]

1806- رَوَيْنَا في "سنن أبي داود" [رقم: 4980] بالإِسناد الصحيح، عن حذيفةَ رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "لا تَقُولُوا: ما شاءَ اللَّهُ وَشاءَ فلانٌ، وَلَكِنْ قولُوا: ما شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ ما شَاءَ فلانٌ". قال الخطابي [5/ 259] وغيرهُ: هذا إرشادٌ إلى الأدب، وذلك أن الواو للجمع والتشريك، وثم للعطف مع الترتيب والتراخي؛ فأرشدَهم صلى الله عليه وسلم إلى تقديم مشيئة الله تعالى على مشيئة مَن سواهُ. 1807- وجاء عن إبراهيم النخعي أنه كان يكرهُ أن يقول الرجل: أعوذ بالله وبك؛ ويجوزُ أن يقولَ: أعوذُ بالله ثم بك. 1808- قالوا: ويقولُ: لولا الله ثم فلانٌ لفعلت كذا، ولا تقل: لولا الله وفلانٌ.

 518- فصلٌ [في أن المنعم هو الله وحده]

1809- ويُكره أن يقول: "مُطرنا بنوءِ كذا" فإن قالهُ معتقداً أن الكوكب هو الفاعلُ فهو كفرٌ، وإن قالهُ معتقداً أن الله تعالى هو الفاعل، وأن النوْءَ المذكور علامةٌ لنزول المطر لم يكفر، ولكنه ارتكب مكروهاً لتلفظه بهذا اللفظ الذي كانت الجاهلية تستعملُه، مع أنه مشتركٌ بين إرادة الكفر وغيره، وقد قدَّمنا الحديث الصحيح [برقم: 958] المتعلق بهذا الفصل في باب ما يقولُ عند نزول المطر [رقم: 237] .

 519- فصل [في حكم مَن قال: إن فعلتُ كذا فأنا يهوديّ أو نصراني]

1810- يحرمُ أن يقولَ: إن فعلتُ كذا فأنا يهوديّ أو نصراني، أو بريءٌ من الإسلام ونحو ذلك، فإن قالهُ وأرادَ حقيقةَ تعليقِ خُرُوجهِ عن الإِسلام بذلك صارَ كافراً في الحالِ، وجرتْ عليه أحكامُ المرتدينَ، وإن لم يُردْ ذلك لم يكفُر، لكنِ ارتكبَ محرّماً، فيجبُ عليه التوبةُ، وهي أن يُقلع في الحالِ عن معصيته، ويندمَ على ما فعل، ويعزم على ألا يعودَ إليه أبداً، ويستغفر الله تعالى، ويَقولُ: لا إِله إلاَّ اللهُ، مُحمدٌ رسولُ الله.

 520- فصل [النهي عن قول المسلم: يا كافر]

1811- يحرم عليه تحريماً مغلّظاً أن يقولَ لمسلم: يا كافر!. 1812- رَوَيْنَا في صحيحي البخاري [رقم: 6103] ، ومسلمٍ [رقم: 60] ، عن ابن عمر رضي الله عنهُما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذَا قالَ الرَّجُلُ لأخِيهِ: يا كافِرٌ! فَقَدْ باءَ بِها أحَدُهُما، فإن كانَ كما قال، وَإِلاَّ رَجَعَتْ عَلَيْهِ". 1813- وَرَوَيْنَا في "صحيحيهما" [البخاري، رقم: 6045؛ مسلم، رقم: 61] ؛ عن أبي ذرّ رضي الله عنهُ، أنهُ سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "مَنْ دَعا رَجُلاً بالكُفْرِ" -أوْ قَالَ: "عَدُوُّ اللَّه" - "وَلَيْسَ كَذَلِكَ، إلاَّ حَارَ عَلَيهِ". هذا لفظ رواية مسلم، ولفظ البخاري بمعناه. ومعنى "حَارَ": رَجَعَ.

 521- فصل [النهي عن الدعاء بسلب الإيمان على أحدٍ]

1814- لو دعا مسلمٌ على مسلم، فقال: اللَّهمّ اسلبه الإِيمانَ! عصى بذلك، وهل يكفر الداعي بمجرد هذا الدعاء؟ فيه وجهان لأصحابنا، حكاهما القاضي حسين من أئمة أصحابنا في الفتاوى، أصحُّهما: لا يكفر، وقد يُحتجّ لهذا بقول الله تعالى إخباراً عن موسى صلى الله عليه وسلم: {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا} [يونس: 88] وفي هذا الاستدلال نظرٌ، وإن قلنا: إنَّ شرعَ من قبلنَا شرعٌ لنا.

 522- فصل [حكم من أكره على كلمةِ الكفر]

1815- لو أكْرَهَ الكفارُ مُسلمًا على كلمة الكفر، فقالها، وقلبه مطمئنّ بالإِيمان لم يكفر بنصّ القرآن لقوله تعالى: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} [النحل: 106] وإجماع المسلمين، وهل الأفضل أن يتكلَّم بها ليصونَ نفسَهُ من القتل؟ فيه خمسةُ أوجهٍ لأصحابنا: الأول: الصحيحُ أن الأفضلَ أن يصبرَ للقتل، ولا يتكلّم بالكفر، ودلائلهُ من الأحاديث الصحيحة، وفعل الصحابة رضي الله عنهم مشهورةٌ. والثاني: الأفضلُ أن يتكلَّمَ ليصونَ نفسَه من القتل. والثالث: إن كان في بقائه مصلحةٌ للمسلمين، بأن كان يرجو النكايةَ في العدوّ، أو القيام بأحكام الشرع، فالأفضلُ أن يتكلَّم بها، وإن لم يكن كذلك، فالصبرُ على القتل أفضلُ. والرابعُ: إن كان من العلماء ونحوهم ممّن يُقتدى بهم، فالأفضلُ الصبر لئلا يغترّ به العَوَامّ. والخامسُ: أنه يجبُ عليه التكلّم لقول الله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] وهذا الوجهُ ضعيفٌ جداً.

 523- فصل [حكم المكره على الإسلام]

1816- لو أَكْرَهَ المسلمُ كافراً على الإِسلام، فنطقَ بالشهادتين، فإن كان الكفار حَرْبيًّا صحّ إسلامهُ؛ لأنه إكراهٌ بحقّ؛ وإن كان ذميّاً لم يصِرْ مسلماً، لأنّا التزمنا الكفّ عنهُ، فإكراههُ بغير حق؛ وفيه قولٌ ضعيفٌ أنه يصيرُ مُسلمًا؛ لأنه أمرهُ بالحق.

 524- فصل [النطق بالشهادتين على طريق الحكاية لا يُعد إسلامًا]

1817- إذا نطقَ الكافرُ بالشهادتين بغير إكراهٍ، فإن كان على سبيل الحكايةِ، بأن قال: سمعتُ زيداً يقولُ: لا إِله إلاَّ الله محمدٌ رسولُ الله، لم يُحكم بإسلامه، وإن نطقَ بهما بعد استدعاء مُسلمٍ؛ بأن قال له مسلمٌ: قُل: لا إلهَ إلاَّ الله محمدٌ رسولُ الله، فقالهما صارَ مسلماً؛ وإن قالهما ابتداءً لا حكايةً، ولا باستدعاءٍ، فالمذهبُ الصحيحُ المشهورُ الذي عليه جمهورُ أصحابنا أنه يصيرُ مسلماً، وقيل: لا يصيرُ لاحتمال الحكاية

 525- فصل [النهي عن تسمية أحدٍ: خليفة الله]

1818- ينبغي ألا يُقال للقائم بأمرِ المسلمين: خليفة الله، بل يُقال: الخليفة، وخليفةُ رسولِ الله، وأميرُ المؤمنين. روينا في "شرح السنّة" للإِمام أبي محمدٍ البغوي رضي الله عنهُ، قال رحمهُ الله: لا بأسَ أن يُسمَّى القائمُ بأمرِ المسلمين: أمير المؤمنين، والخليفة، وإن كان مخالفاً لسيرة أئمة العدل، لقيامه بأمر المؤمنين وسمع المؤمنين له. قال: ويُسمَّى خليفة؛ لأنه خلفَ الماضي قبلَه، وقام مقامه. قال: ولا يُسمى أحدٌ خليفة الله تعالى بعد آدم وداود عليهما الصلاة والسلام. قال الله تعالى: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: 30] ، وقال تعالى: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ} [سورة ص: 26] . 1819- وعن ابن أبي مُليكة، أن رجلاً قال لأبي بكرٍ الصديق رضي الله عنهُ: يا خليفة الله! فقال: أنا خليفة محمدٍ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا راضٍ بذلك. 1820- وقال رجلُ لعمرَ بن عبد العزيز رضي الله عنه: يا خليفة الله! فقال: ويلَك! لقد تناولتَ تناولاً بعيداً، إن أُمّي سمّتني عمر، فلو دعوتني بهذا الاسم قبلتُ، ثم كبرتُ، فكُنِّيتُ أبا حفص، فلو دعوتني به قبلتُ، ثم وليتموني أمورَكم، فسميتموني أمَير المؤمنين، فلو دعوتني بذاك كفاك. 1821- وذكر الإِمام أقضى القضاة أبو الحسن الماوردي البصري الفقيه الشافعي في كتابه "الأحكام السلطانية" [صفحة: 15] أن الإِمامَ سُمِّيَ خليفةً؛ لأنه خلفَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في أُمته.

قال: فيجوز أن يُقال: الخليفة على الإِطلاق، ويجوزُ خليفة رسول الله. قال: واختلفوا في جواز قولنا: خليفة الله، فجوّزه بعضُهم لقيامه بحقوقه في خلقه، ولقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ} [فاطر: 49] ، وامتنع جمهورُ العلماءِ من ذلك، ونسبُوا قائلَه إلى الفجور. هذا كلامُ الماوردي. 1822- قُلتُ: وأولُ مَن سُمِّي أميرَ المؤمنين عمرُ بن الخطاب رضي الله عنهُ، لا خلاف في ذلك بين أهل العلم. وأما ما توهمه بعضُ الجهلة في مسيلمة فخطأٌ صريحٌ، وجهلٌ قبيحٌ، مُخالفٌ لإِجماع العلماءِ، وكُتبهم متظاهرةٌ على نقلِ الاتفاقِ على أن أوّل مَن سُمِّي أميرَ المؤمنين عمرُ بن الخطابِ رضيَ الله عنهُ. وقد ذكر الإمامُ الحافظُ أبُو عُمرَ ابنُ عبد البرّ في كتابهِ الاستيعاب في أسماءِ الصحابةِ رضي الله عنهم [2/ 466] هامش الإصابة بيان تسمية عمر بن الخطاب أمير المؤمنين أوّلاً، وبيان سبب ذلك، وأنه كان يُقال في أبي بكرٍ رضي اللهُ عنهُ: خليفةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 526- فصل [النهي عن تسمية: شاهان شاه]

1823- يحرمُ تحريماً غليظاً أن يقول للسطان وغيره من الخلق: شاهان شاه؛ لأن معناهُ: ملكُ الملوكِ، ولا يوصفُ بذلك غير الله سبحانهُ وتعالى. 1824- وَرَوَيْنَا في "صحيح البخاري" [رقم: 6205] ، ومسلم [رقم: 2143] ؛ عن أبي هريرة رضي الله عنهُ، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "إنَّ أخْنَعَ اسْمٍ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى رجلٌ تَسَمَّى مَلِكَ الأمْلاكِ"، وقد قدّمنا بيان هذا [برقم: 1488] في كتاب الأسماء. وأن سفيانَ بن عيينةَ قال: ملكُ الأملاك مثلُ شاهان شاه ["صحيح مسلم" 1688/ 3، وراجع رقم: 1489 السابق] .

 527- فصل في لفظ السَّيِّد:

1825- اعلم أن السيد يُطلق على الذي يفوق قومَه، ويرتفعُ قدرُه عليهم، ويُطلق على الزعيم والفاضل، ويطلقُ على الحليم الذي لا يستفزّه غضبُه، ويُطلق على الكريم وعلى المالكِ وعلى الزوجِ، وقد جاءت أحاديثُ كثيرةٌ بإطلاقِ سيدٍ على أهلِ الفضلِ. 1826- فمن ذلك ما رَوَيْنَاهُ في "صحيح البخاري" [رقم: 3746] ، عن أبي بكرة رضي الله عنهُ، أن النبي صلى الله عليه وسلم صَعِدَ بالحسن بن عليّ رضي الله عنهما المنبرَ، فقال: "إنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّد، وَلَعَلَّ الله تعالى أنْ يُصلح بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ المُسْلِمِينَ". 1827- وَرَوَيْنَا في صحيحي البخاري [رقم: 4121] ، ومسلم [رقم: 1768] ؛ عن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنهُ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للأنصار لما أقبل سعدُ بنُ معاذٍ رضي الله عنهُ: "قُومُوا إلى سَيِّدِكم" أو "خَيْرِكُمْ"، كذا في بعض الروايات: "سيّدكم أو خيرِكم" وفي بعضها: "سيّدكم" بغير شك. 1828- وَرَوَيْنَا في "صحيح مسلم" [رقم: 1498] ، عن أبي هريرة رضي الله عنهُ، أن سعدَ بن عبادة رضي الله عنهُ، قال: يا رسولَ الله! أرأيتَ

الرجلَ يجدُ مع امرأته رجلاً، أيقتلهُ؟ الحديثُ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "انْظُرُوا إلى ما يقولُ سَيِّدِكُم". 1829- وأما ما وردَ في النهي فما رويناه بالإِسناد الصحيح في "سنن أبي داود" [رقم: 4977] ، عن بريدة رضي الله عنهُ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تَقُولُوا لِلمُنافِقِ سيدٌ، فإنَّه إنْ يَكُ سَيِّداً فَقَدْ أسْخَطْتُمْ رَبَّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ". 1830- قلتُ: والجمعُ بين هذه الأحاديث أنه لا بأس بإطلاق فلان سيد، ويا سيدي وشبه ذلك إذا كان المسودُ فاضلاً خَيِّرًا، إما بعلم، وإما بصلاح، وإما بغير ذلك؛ وإن كان فاسقاً، أو متهماً في دينه، أو نحو ذلك كره أن يُقال لهُ: سيدٌ. وقد رَوَيْنَا عن الإِمام أبي سليمانَ الخطابي في "معالم السنن" في الجمع بينهما نحو ذلك.

 528- فصل [في أدب مخاطبة المملوك مالكهُ، والمالك مملوكه]

1831- يكرهُ أن يقول المملوك بمالكه: ربي، بل يقولُ: سيدي؛ وإن شاء قال: مولاي. ويُكره للمالك أن يقول: عبدي وأمتي؛ ولكن يقول: فتايَ وفتاتي أو غلامي. 1832- رَوَيْنَا في صحيحي البخاري [رقم: 2552] ، ومسلمٍ [رقم: 2249] ؛ عن أبي هريرة رضي الله عنهُ، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "لا يَقُلْ أحَدُكُمْ: أطْعِمْ رَبَّكَ، وَضِّئ رَبَّكَ، اسقِ رَبَّكَ، وَلْيَقُلْ: سَيِّدِيِ وَمَوْلايَ، وَلا يَقُلْ أحَدُكُمْ: عبْدِي، أمَتِي، وَلْيَقُلْ: فَتايَ وَفَتاتِي وغُلامي". وفي رواية لمسلم رقم: [2249/ 15] : "وَلا يقُل أحدكُم: رَبِّي، وليقُل: سَيِدي وَمَوْلايَ".

وفي رواية له [رقم: 2449/ 14] : "لا يَقُولَنَّ أحَدُكُمْ: عَبْدِي وَأمَتِي، فَكُلُّكُمْ عبيدُ اللَّهِ [وَلَكِنْ لِيَقُلْ: فتاي] . وَلا يَقُلِ العبدُ: ربي. ولكن ليقل: سَيِّدِي". وفي رواية له [رقم: 2449/ 13] : "لا يَقُولَنَّ أحَدُكُمْ: عَبْدِي وَأمَتي، كُلُّكُمْ عَبِيدُ اللَّهِ، وكُلُّ نِسائِكُمْ إماءُ اللَّهِ. وَلَكِنْ ليقُل: غُلامي وَجارِيَتِي وَفَتايَ وَفَتاتِي". 1833- قلتُ: قال العلماءُ: لا يطلقُ الربُّ بالألف واللام إلاّ على الله تعالى خاصة، فأما مع الإضافة، فيقال: ربّ المال، وربّ الدار، وغير ذلك. 1834- ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح [البخاري، رقم: 91؛ مسلم، رقم: 1722] في ضالّة الإِبل: "دعها حتى يلقها ربها". 1835- والحديث الصحيح [البخاري، رقم: 1412؛ مسلم بعد، رقم: 1012] : "حتَّى يُهِمَّ ربَّ المَالِ مَنْ يقبلُ صدقتهُ". 1836- وقول عمر رضي الله عنهُ في الصحيح [البخاري، رقم: 3059] : ربّ الصُّرَيْمة والغُنَيْمة. ونظائرهُ في الحديث كثيرةٌ مشهورةٌ. 1837- وأما استعمالُ حملةِ الشرعِ ذلك فأمرٌ مشهورٌ معروفٌ. قال العلماءُ: وإنما كره للمملوك أن يقول لمالكه: ربي! لأن في لفظه مشاركةٌ لله تعالى في الربوبية. وأما حديث: "حتى يَلْقاها رَبُّها" [البخاري، رقم: 91؛ مسلم، رقم: 1722] ورب الصريمة [البخاري، رقم: 3059] وما في معناهُما، فإنما استعمل لأنها غير مكلفةٍ، فهي كالدار والمالِ، ولا شك أنه لا كراهةَ في قولِ ربّ الدارِ، وربّ المالِ. وأما قول يوسف عليه السلام:

{اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} [يوسف: 42] ، فعنه جوابان: أحدهما: أنه خاطبه بما يعرفه، وجاز هذا الاستعمال للضرورة، كما قال مُوسى صلى الله عليه وسلم للسامري: {وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ} [سورة طه: 97] أي: الذي اتخذته إلهاً. والجواب الثاني: أن هذا شرعُ مَنْ قَبْلنَا، وشرعُ من قبلنا لا يكون شرعاً لنا إذا ورد شرعنا بخلافِ، وهذا لا خلاف فيه، وإنما اختلف أصحاب الأصول في شرع من قبلنا إذا لم يردْ شرعُنا بموافقته ولا مخالفته، هل يكون شرعاً لنا أم لا؟

  529- فصل [كراهة قول: مولا]

1838- قال الإمام أبو جعفرٍ النحاسُ في كتابهِ صناعة الكتاب: أما المولى فلا نعلمُ اختلافاً بين العلماءِ أنه لا ينبغي لأحدٍ أن يقول لأحدٍ من المخلوقين: مولاي. قلتُ: وقد تقدم في الفصل السابق [برقم: 1832] جوازُ إطلاق مولاي. ولا مخالفةَ بينهُ وبينَ هذا، فإن النحاس تكلمُ في المولى بالألفِ واللامِ، وكذا قال النحاسُ: يُقالُ: سيد لغير الفاسقِ، ولا يقالُ: السيد بالألف واللام لغير الله تعالى، والأظهر أنه لا بأس بقوله: المولى والسيد بالألف واللام بشرطه السابق؛ والله أعلم.

 530- فصل في النهي عن سبّ الريح:

1839- وقد تقدم الحديثان [برقم: 941، 943] في النهي عن سبّها، وبيانهما في باب ما يقولُ: إذا هَاجَتِ الرِّيح [رقم: 232] .

 531- فصل: يُكره سبّ الحمى:

1840- رَوَيْنَا في "صحيح مسلم" [رقم: 2575] ، عن جابر رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخلَ على أُمّ السائب، أو أُمّ المسيب، فقال: "ما لَكِ يا أُمّ السَّائِبِ -أو يا أُمّ المسيِّب- تُزَفْزِفِين"؟ قالت: الحمّى، لا باركَ الله فيها؛ فقال: "لا تَسُبِّي الحُمَّى، فإنَّها تُذْهِبُ خَطايا بني آدَمَ كَمَا يذهبُ الكِيرُ خَبَثَ الحَدِيدِ". قلتُ: "ترفزفين" أي: تتحركين حركة سريعة، ومعناهُ: ترتعدُ، وهُو بضم التاء وبالزاي المكرّرة، وروي أيضاً بالراء المكرّرة، والزاي أشهر؛ وممّن حكاهما ابن الأثير [2/ 243، 305] ؛ وحكى صاحبُ "المطالع" الزَّايَ، وحُكي الرَّاء مع القاف؛ والمشهور أنه بالفاء سواءٌ كان بالزاي أو بالراء.

 532- فصل في النهي عن سبّ الديك:

1841- رَوَيْنَا في "سنن أبي داود" [رقم: 5101] ، بإسنادٍ صحيح، عن زيد بن خالدٍ الجهني رضي الله عنهُ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تَسُبُّوا الدّيكَ، فإنَّهُ يُوقِظُ لِلصَّلاةِ".

  533- فصل في النهي عن الدعاء بدعوى الجاهلية، ودم استعمال ألفاظهم:

1842- رَوَيْنَا في صحيحي البخاري [رقم: 1297] ؛ ومسلم [رقم: 103] ؛ عن ابن مسعود رضي الله عنهُ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لَيْسَ مِنّا مَنْ ضَرَبَ الخُدُودَ، وَشَقَّ الجُيُوبَ، وَدَعا بِدَعْوَى الجاهِلِيَّةِ". وفي رواية: "أوْ شَقَّ ... أوْ دعا ... " بأو

 534- فصل [كراهة تسمية الْمُحَرَّم صَفَرًا]:

1843- ويُكره أن يُسمَّى المحرَّمُ صفراً؛ لأن ذلك من عادةِ الجاهلية.

 535- فصل [تحريم الدعاء بالمغفرة لغير المسلم]:

1844- يحرمُ أن يُدعى بالمغفرة ونحوها لمن مات كافراً، قال الله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [التوبة: 113] وقد جاء الحديث بمعناهُ، والمسلمون مجموعون عليه.

 536- فصل [تحريم سب المُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقّ]:

1845- يَحْرُمُ سَبّ المسلم من غير سبب شرعي يجوِّز ذلك. 1846- رَوَيْنَا في صحيحي البخاري [رقم: 7076] ، ومسلم [رقم: 64؛ عن ابن مسعود رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "سِبابُ المسلم فسوقٌ". 1847- وَرَوَيْنَا في "صحيح مسلم" [رقم: 2587] ، و"كتابي" أبي داود [رقم: 4894] ، والترمذي [رقم: 1981] ؛ عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنهُ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المُسْتَبَّانِ ما قالا، فعلى البادئ مِنْهُما ما لَمْ يَعْتَدِ المَظْلُومِ". قال الترمذي: حديثٌ حسن صحيح.

 537- فصل [كراهة استعمال الألفاظ المذمومة في مخاطبة الناس]:

1848- ومن الألفاظ المذمومةِ المستعملة في العادة قوله لمن يخاصمهُ: يا حمارُ، يا تيس، يا كلبُ، ونحو ذلك، فهذا قبيح لوجهين: أحدهما أنه كذبٌ، والآخر أنه إيذاءٌ. وهذا بخلاف قوله: يا ظالم ونحوه؛ فإن ذلك يُسامح به لضرورة المخاصمة، مع أنه يصدق غالباً، فقلّ إنسانٌ إلا وهو ظالمٌ لنفسه ولغيرها.

  538- فصل [في سبب كراهة القول: ما معي خَلْقٌ إلاّ الله]

1849- قال النحاسُ: كرهَ بعضُ العلماء أن يُقال: ما كان معي خَلْقٌ إلاّ اللَّه. قلت: سببُ الكراهة بشاعةُ اللفظ من حيثُ أن الأصل في الاستثناء أن يكونَ متصلاً، وهو هُنا محالٌ، وإنما المرادُ هنا الاستثناءُ المنقطع، تقديرُه: ولكن كان الله معي، مأخوذٌ من قوله: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد: 4] وَيَنْبغي أن يُقال بدلَ هذا: ما كان معي أحدٌ إلاَّ الله سبحانه وتعالى. قال: وكره أن يُقال: اجلس على اسم الله، وليقلْ: اجلس باسم الله.

 539- فصل [كراهة الحلف بالعبادة]

1850- حكى النحّاسُ عن بعض السلف، أنه يُكره أن يقولَ الصائمُ: وحقِّ هذا الخاتم الذي على فمي، واحتجّ له بأنه إنما يُختم على أفواه الكفار، وفي هذا الاحتجاج نظرٌ، وإنما حجتهُ أنه حلفٌ بغير الله سبحانه وتعالى، وسيأتي النهيُ عن ذلك إن شاء الله تعالى قريباً، فهذا مكروهٌ لما ذكرنا، ولما فيه من إظهار صومهِ لغيرِ حاجةٍ؛ واللهُ أعلم.

 540- فصل [كراهة ألفاظ الجاهلية]

1851- رَوَيْنَا في "سنن أبي داود" [رقم: 5227] ، عن عبد الرزاق، عن معمرٍ، عن قتادة، أو غيره؛ عن عمران بن الحصين رضي الله عنهما، قال: كنّا نقول في الجاهلية: أنعم الله بك عيناً، وأنعم صباحاً؛ فلما كان الإِسلام نُهينا عن ذلك. قال عبد الرزاق: قال معمرٌ: يُكرهُ أن يقول الرجل: أنعم الله بك عيناً، ولا بأسَ أن يقول: أنعم الله عينَك. قلتُ: هكذا رواه أبو داود عن قتادة، أو غيره؛ ومثلُ هذا الحديث قال أهل العلم: لا يحكمُ له بالصحةِ؛ لأن قتادة ثقةٌ، وغيرهُ مجهولٌ، وهو محتملٌ أن يكونَ عن المجهولِ، فلا يثبتُ به حكمٌ شرعي، ولكنِ الاحتياط للإنسانِ اجتنابُ هذا اللفظ لاحتمال صحتهِ؛ ولأن بعض العلماءِ يحتجّ بالمجهولِ؛ واللهُ أعلمُ.

 541- فصل في النهي عن أن يتناجى الرجلان إذا كان معهما ثالث وحده:

1852- رَوَيْنَا في صحيحي البخاري [رقم: 6290] ، ومسلمٍ [رقم: 21] ؛ عن ابن مسعودٍ رضي الله عنهُ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذَا كُنْتُمْ ثَلاثَة فَلا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الآخرِ حتَّى تَخْتَلِطُوا بالناسِ مِنْ أجْلِ أنَّ ذلكَ يحزنهُ". 1853- وَرَوَيْنَا في "صحيحيهما" [البخاري، رقم: 6288؛ مسلم، رقم: 2183] ، عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إِذَا كانُوا ثَلاَثَةً فَلا يَتَنَاجَى اثنانِ دونَ الثَّالِثِ". وَرَوَيْنَاهُ في "سنن أبي داود" [رقم: 4852] وزاد: قال أبو صالحٍ الراوي، عن ابن عُمر: فقلتُ لابن عمر: فأربعةٌ؟ قال: لا يضرُّك.

542- فصل في نهي المرأة أن تخبرَ زوجَها، أو غيرَه بحسنِ بدنِ امرأةٍ أخرى إذا لم تدعُ إليه حاجة شرعية من رغبة في زواجها ونحو ذلك: 1854- رَوَيْنَا في صحيحي البخاري [رقم: 5240] ، ومسلم [ليس فيه] ؛ عن ابن مسعودٍ رضي الله عنهُ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تُباشِرِ المرأةُ المَرأةَ فَتَصِفُها لزَوْجِها كأنَّهُ ينظر إليها".

 543- فصل [كراهة القول للمتزوّج: بالرِّفاءِ والبنينَ]:

1855- يُكره أن يُقال للمتزوّج: بالرفاءِ والبنينَ، [راجع رقم: 1455] وإنما يُقال له: باركَ الله لك، وباركَ عليك؛ كما ذكرناه في كتاب النكاح [برقم: 1454] . [ودليل كراهته رواهُ النسائي، رقم: 2173، 3371؛ وابن ماجه، رقم: 1906؛ والإمامُ أحمدُ في مسندهِ رقم: 1740، 15313؛ عن الحسن، قال: تزوج عقيل ابن أبي طالب امرأةً من بني جثم، فقيل لهُ: بالرَّفاء والبنين، فقال: لا تقولوا ذلك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا عن ذلك، وأمرنا أن نقول: "بارك الله لك وبارك عليك"] .

 544- فصل [كراهة موعظة الغضبان حال غضبه]:

1856- رَوَى النحاسُ، عن أبي بكر محمدِ بن يحيى -وكان أحد الفقهاء العلماء الأدباء- أنه قال: يكرهُ أن يُقال لأحدٍ عند الغضبِ: أذْكُرَ اللَّهَ تَعالى! خوفاً من أن يحملهُ الغضبُ على الكفر، وكذا لا يقالُ لهُ: صلِّ على النبيّ صلى الله عليه وسلم! خوفاً من هذا.

 545- فصل [كراهة أن يقول الإنسانُ: الله يعلمُ ما كان كذا، أو كان]:

1857- من أقبح الألفاظ المذمومة، ما يعتادهُ كثيرون من الناس إذا أرادَ أن يَحلِفَ على شيءٍ، فيتورعُ عن قوله: والله؛ كراهيةَ الحنث، أو إجلالاً لله تعالى، وتصوّناً عن الحلف، ثم يقولُُ: الله يعلم ما كان كذا، أو لقد كان كذا ونحوهُ، وهذه العبارةُ فيها خطرٌ، فإن كان صاحبُها متيقناً أن الأمر كما قال، فلا بأس بها، وإن كان تشكَّكَ في ذلك فهو من أقبح القبائح؛ لأنه تعرّضَ للكذب على الله تعالى، فإنه أخبرَ أن الله تعالى يعلمُ شيئاً لا يتقن كيف هو. وفيه دقيقة أخرى أقبحُ من هذا. وهو أنه تعرّض لوصف الله تعالى بأنه يعلمُ الأمرَ على خلاف ما هُو، وذلك لو تحقَّقَ كان كفرًا، فينبغي للإنسان اجتنابُ هذه العبارة.

 546- فصل [كراهة تعليق الدعاء على المشيئة]:

1858- ويكرهُ أن يقولَ في الدعاءِ: اللَّهم اغفر لي إن شئت، أو إن أردتَ، بل يجزمُ بالمسألة. 1859- رَوَيْنَا في صحيحي البخاري [رقم: 6339] ، ومسلم [رقم: 2679/ 9] ؛ عن أبي هريرة رضي الله عنهُ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يَقُولَنَّ أحدكمُ: اللَّهُمّ اغْفِرْ لِي إنْ شِئْتَ، اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي إنْ شِئْتَ؛ لِيَعْزِمِ المَسألةَ، فإنَّهُ لا مكرهَ لَهُ". وفي روايةٍ لمسلم [رقم: 2679/ 8] : "ولَكنْ ليَعْزِمْ وليُعظمِ الرَّغْبَةَ، فإنَّ الله لا يتعاظمهُ شيءٌ أعطاهُ". 1860- وَرَوَيْنَا في "صحيحيهما" [البخاري رقم: 6338؛ مسلم رقم: 2678] ؛ عن أنسٍ رضي الله عنهُ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذَا دَعا أحَدُكُمْ فَلْيَعْزِمِ المسألةَ، وَلا يَقُولَنَّ: اللَّهُمَّ إنْ شِئْتَ فأعْطِني، فإنَّه لا مُسْتَكْرِهَ له".

 547- فصل [حكم الحلفُ بغير أسماء الله وصفاته]:

1861- ويُكره الحلفُ بغيرِ أسماءِ اللهِ تعالى وصفاتهِ، سواءٌ في ذلك: النبيُ صلى الله عليه وسلم، والكعبةُ، والملائكة، والأمانةُ، والحياةُ، والروحُ، وغير ذلك. ومن أشدِّها كراهة: الحلف بالأمانة1. 1862- رَوَيْنَا في صحيحي البخاري [رقم: 6646] ، ومسلم [رقم: 1646] ؛ عن ابن عُمر رضي الله عنهُما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "إنَّ اللَّهَ يَنْهاكُمْ أنْ تَحْلِفُوا بأبائِكُمْ، فَمَنْ كانَ حَالِفاً فَلْيَحْلِفْ بالله أوْ لِيَصمُت". وفي رواية في الصحيح: "فمن كان حالفا لا يَحْلِفْ إِلاّ باللَّهِ أو ليسكت". وفي رواية في الصحيح: "فَمَنْ كانَ حالِفاً فَلا يَحْلِفْ إِلاّ باللَّهِ أوْ لِيَسْكُتْ". 1863- وَرَوَيْنَا في النهي عن الحلف بالأمانة تشديداً كثيراً، فمن ذلك ما روينا في "سنن أبي داود" [رقم: 3253] ، بإسناد صحيح؛ عن بُريدة رضي الله عنهُ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ حَلَفَ بالأمانَةِ فليس منا". __________ 1 والحلف بالأمانة منتشر جدًّا في عصرنا، وخاصة بدمشق، وأخص بين النساء، بل بين الفتيات والمعلمات، وغالبًا ما يسمع الدمشقيون هذا الحلف من أولادهم الذين تعلموا ذلك تقليدًا لمعلماتهم ومدرساتهم في المدارس. فليتنبه لذلك. وراجع رقم: 1863 التالي.

 548- فصل [كراهة الحلف في البيع ونحوه]:

1864- يُكره إكثارُ الحلف في البيع ونحوهِ، وإن كان صادقاً. 1865- رَوَيْنَا في "صحيح مسلم" [رقم: 1607] ، عن أبي قتادة رضي الله عنهُ، أنهُ سمع رسُول الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "إيَّاكُمْ وكثرةَ الحلفِ في البَيْعِ، فإنَّهُ يُنفق ثُمَّ يَمْحَقُ".

 549- فصل [كراهةِ تسمية قوس الله بقوس قُزَح]:

1866- يُكره أن يُقال: قوسُ قزح، لهذه التي في السماء، رَوَيْنَا في "حلية الأولياء" [2/ 309] لأبي نعيم، عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "لا تَقُولُوا: قَوْسَ قُزَحَ، فإنَّ قُزَحَ شيطانٌ، وَلَكِنْ قُولُوا: قَوْسَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فهُوَ أمانٌ لأهْلِ الأرْضِ". قلتُ: "قُزَح" بضم القاف وفتح الزاي، قال الجوهري [1/ 396] وغيره: هي غير مصروفةٍ؛ وتقولهُ العوامُ: قُدَح، بالدالِ، وهو تصحيفٌ.

 550- فصل [كراهة التحدث بالمعصية]:

1867- يكرهُ للإِنسان إذا ابتُلي بمعصيةٍ أو نحوها أن يخبرَ غيرَه بذلك، بل ينبغي أن يتوب إلى الله تعالى، فيقلعَ عنها في الحال، ويندمَ على ما فعل ويعزم ألا يعود إلى مثلها أبداً؛ فهذه الثلاثةُ هي أركان التوبة، لا تصحّ إلا باجتماعها، فإن أخبرَ بمعصيته شيخَه أو شبهَه ممّن يرجو بإخباره أن يعلمهُ مخرجاً من معصيته، أو ليعلمهُ ما يسلمُ به من الوقوع في مثلها، أو يعرفهُ السببَ الذي أوقعه فيها، أو يدعوَ له، أو نحوَ ذلك؛ فلا بأسَ به، بل هو حسنٌ، وإنما يكرهُ إذا انتفتْ هذه المصلحةُ. 1868- رَوَيْنَا في صحيحي البخاري [رقم: 6069] ، ومسلم [رقم: 2990] ؛ عن أبي هريرة رضي الله عنهُ، قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "كُلُّ أُمّتِي معافىً إلا المُجاهِرينَ، وإنَّ مِنَ المجاهرةِ أنْ يَعْمَلَ الرَّجُل باللَّيْلِ عَمَلاً، ثًمَّ يصبحُ وقد ستره اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ، فَيَقُولُ: يا فلانُ! عملتُ البارِحَةَ كَذَا وكَذَا، وَقَدْ باتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، وَيُصْبحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَلَيْهِ".

 551- فصل [تحريم الإفساد بين الأهل]:

1869- يَحْرُم على المكلّف أن يحدِّث عبدَ الإِنسان أو زوجته أو ابنهُ أو غلامَه ونحوَهم بما يُفسدهم به عليه إذا لم يكنْ ما يُحدِّثهم به أمراً بمعروفٍ أو نهياً عن منكر. قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] ، وقال تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [سورة ق: 18] . 1870- وَرَوَيْنَا في كتابي أبو داود [رقم: 2175] والنسائي [في "السنن الكبرى" كما في "تحفة الأشراف"، رقم: 14817] ؛ عن أبي هريرة رضي الله عنهُ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من خبَّبَ زوجةَ امرئٍ أوْ مملوكهُ فَلَيْسَ مِنَّا". قلتُ: "خبَّب" بخاءٍ معجمةٍ، ثم باءٍ موحدةٍ مكررةٍ، ومعناهُ: أفسدهُ وخدعهُ.

 552- فصل [يقول: أنفقت في الطاعة، ولا يقولُ: غَرِمت]:

1871- ينبغي أن يُقال في المال المخرج في طاعةِ الله تعالى: أنفقتُ وشبهُه، فيقالُ: أنفقتُ في حجتي ألفاً، وأنفقتُ في غزوتي ألفين، وكذا أنفقتُ في ضيافة ضيفاني، وفي خِتان أولادي، وفي نكاحي، وشبه ذلك؛ ولا يقولُ ما يقولهُ كثيرون من العوامّ: غرمتُ في ضيافتي، وخسرتُ في حجتي، وضيعتُ في سفري. وحاصلهُ: أن أنفقتُ وشبههُ يكونُ في الطاعاتِ، وخسرتُ وغرمتُ وضيعتُ نحوها يكونُ في المعاصي والمكروهاتِ، ولا تُستعمل في الطاعات.

 553- فصل [نهي المأموم عن إعادة تلاوة إمامه]:

1872- مما يُنهى عنه ما يقوله كثيراً من الناس في الصلاة إذا قال الإِمام: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 3] فيقولُ المأموم: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} . فهذا مما ينبغي تركه والتحذير منهُ، فقد قال صاحب "البيان" من أصحابنا ["البيان 2/ 188] : إنَّ هذا يبطلُ الصلاة إلا أن يقصد به التلاوة؛ وهذا الذي قالهُ، وإن كان فيه نظرٌ، والظاهرُ أنه لا يوافقُ عليه، فينبغي أن يتجنب، فإنه وإن لم يُبطلِ الصلاةَ، فهو مكروهٌ في هذا الموضعِ، واللهُ أعلمُ.

554- فصل [النهي عن قول: الْمُكُوسُ 1 حَقٌّ] : 1873- مما يتأكد النهيُ عنهُ والتحذيرُ منه، ما يقولهُ العوامُ وأشباهُهم في هذه المكوس التي نؤخذُ ممن يبيع أو يشتري ونحوهما، فإنهم يقولون: هذا حقّ السلطان، أو عليك حقّ السلطانِ، ونحو ذلك من العبارات المشتملة على تسميته حقاً، لازماً، ونحو ذلك؛ وهذا من أشدّ المنكرات، وأشنع المستحدثات، حتى قد قال بعضُ العلماء: من سمَّى هذا حقاً فهو كافرٌ خارجٌ عن ملّة الإِسلام؛ والصحيحُ أنه لا يكفرُ إلا إذا اعتقدهُ حقاً مع علمهِ بأنه ظلمٌ؛ فالصوابُ أن يُقالَ فيه: المكسُ، أو ضريبةُ السلطانِ أو نحوُ ذلك من العباراتِ؛ وبالله التوفيق. __________ 1 المكوس، هو: ما يأخذه العَشَّار؛ وهي التي تعرف في عصرنا في أغلب البلاد العربية بالرسوم والضرائب.

  555- فضل [كراهة السؤال بوجه الله]:

1874- يُكرهُ أن يسألُ بوجه الله تعالى غير الجنة. 1875- رَوَيْنَا في "سنن أبي داود" [رقم: 1671] ، عن جابرٍ رضي الله عنهُ، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا يسألُ بوجهِ اللهِ إلاَّ الجنة".

 556- فصل [حكم من سألَ بالله وتشفع به]:

1876- يُكْرَهُ منعُ من سألَ بالله تعالى وتشفَّع به. رَوَيْنَا في "سنن أبي داود" [رقم: 1672] ، والنسائي [رقم: 2567] بأسانيد "الصحيحين"؛ عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ اسْتَعاذَ باللَّهِ فأعِيذُوهُ، وَمَنْ سألَ باللَّهِ تَعالى فأعطوهُ، وَمَنْ دَعاكُمْ فأجِيبُوهُ، وَمَنْ صَنَعَ إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونهُ؛ فادْعُوا له 1 حتى تروا أنَّكُمْ قَدْ كافأْتُمُوهُ". [وسيرد برقم: 2036] . __________ 1 في نسخة: "تكافئونه به فادعوا الله له".

 557- فصل [كراهة قول: أطال الله بقاءك]:

1877- الأشهرُ أنهُ يكرهُ أن يقالَ: أطالَ الله بقاءَك. قال أبو جعفرٍ النحاسُ في كتابه "صناعةُ الكُتَّابِ" [صفحة: 242، 243] : كَرِهَ بعضُ العلماء قولهم: أطالَ الله بقاءك، ورخَّصَ فيه بعضُهم. 1878- قال إسماعيل بن إسحاق: أوَّلُ مَن كتب: أطالَ الله بقاءَك، الزنادقة. ["صناعة الكتاب" صفحة: 245] . 1879- وروي عن حماد بن سلمة رضي الله عنهُ، أن مُكاتبة المسلمين كانت من فلانٍ إلى فلانٍ، أما بعدُ؛ سلامٌ عليكَ، فإني أحمدُ إليكَ الذي لا إِله إِلاَّ هو، وأسألُه أن يصلِّي على محمدٍ وعلى آل محمدٍ؛ ثم أحدثتِ الزنادقةُ هذه المكاتبات التي أوّلُها: أطالَ الله بقاءك. ["صناعة الكتاب" صفحة: 245] .

 558- فصل [جواز قول: فِداكَ أبي وأُمي]:

1880- المذهبُ الصحيحُ المختارُ أنهُ لا يكرهُ قولُ الإنسانِ لغيرهِ: فداكَ أبي وأُمي، أو جعلني اللهُ فداك، وقد تظاهرتْ على جواز ذلك الأحاديث المشهورة في الصحيحين وغيرهما، وسواءٌ كانَ الأبوان مسلمين أو كافرين، وكَرِهَ ذلك بعضُ العلماء إذا كان مُسلمين. قال النحاس: وكرهَ مالكُ بن أنسٍ رحمهُ الله: جعلني الله فداك، وأجازهُ بعضهم. ["صناعة الكتاب، صفحة: 243] قال القاضي عياضٌ: ذهبَ جمهورُ العلماء إلى جواز ذلك، سواءٌ كان الْمُفَدَّى به مسلماً أو كافراً. قلتُ: وقد جاء من الأحاديث الصحيحة في جواز ذلك ما لا يُحصى، وقد نبَّهتُ على جملٍ منها في "شرح صحيح مسلم" [5/ 184] .

 559- فصل [ذم المِراء والجِدال والخُصومة]:

1881- ومما يُذمّ من الألفاظ: المراءُ والجدالُ والخصومةُ. قال الإِمام أبو حامد الغزالي [3/ 117] رحمهُ الله: المراءُ طعنُك في كلامِ الغير لإِظهار خللٍ فيه لغير غرضٍ سوى تحقيرٍ قائلهِ وإظهار مزيَّتِك عليه. قال: وأما الجدالُ، فعبارةٌ عن أمرٍ يتعلقُ بإظهار المذاهب وتقريرها. قال: وأما الخصومةُ، فلِجَاجٌ في الكلام ليستوفيَ به مقصودَه من مالٍ أو غيرهِ، وتارة يكونُ ابتداءً، وتارة يكونُ اعتراضاً؛ والمراءُ لا يكونُ إلا اعتراضاً. هذا كلام الغزالي. واعلم أن الجدال قد يكون بِحَقّ، وقد يكون بباطل، قال الله تعالى: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [العنكبوت: 46] ، وقال تعالى: {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125] ، وقال تعالى: {مَا يُجَادِلُ فِي آَيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا} [غافر: 4] فإن كان الجدالُ للوقوفِ على الحقّ وتقريرِه كان محموداً، وإن كان في مدافعةِ الحقّ، أو كان جدالاً بغير علمٍ كان مذموماً، وعلى هذا التفصيل

تنزل النصوص الواردة في إباحته وذمّه، والمجادلة والجدالُ بمعنى، وقد أوضحتُ ذلك مبسوطاً في "تهذيب الأسماء واللغات" [2/ 48] . قال بعضُهم: ما رأيتُ شيئاً أذهبَ للدين، ولا أنقص للمروءة، ولا أضيعَ للذةٍ، ولا أشعل للقلب من الخصومة. فإن قلتَ: لا بُدَّ للإنسانِ من الخصومة لاستبقاء1 حقوقه. فالجوابُ: ما أجابَ بهِ الإمامُ الغزالي أن الذمَّ المتأكدَ إنما هُوَ لمن خاصمَ بالباطلِ، أو بغير علمٍ؛ كوكيل القاضي، فإنهُ يتوكلُ في الخصومةِ قبلَ أن يعرفَ أن الحقّ في أيّ جانبِ هوَ، فيخاصمُ بغير علمٍ. ويدخلُ في الذمّ أيضاً مَن يطلبُ حَقَّه لكنهُ لا يقتصرُ على قدرِ الحاجة، بل يظهرُ اللددَ والكذبَ للإِيذاء والتسليط على خصمه، وكذلك من خَلَطَ بالخصومة كلماتٍ تُؤذي، وليس له إليها حاجةٌ في تحصيل حقه، وكذلك مَن يحملهُ على الخصومة محضُ العنادِ لقهر الخصم وكسره، فهذا هو المذموم، وأما المظلومُ الذي ينصرُ حجتهُ بطريق الشرع من غير لددٍ وإسرافٍ، وزيادةِ لجاجٍ على الحاجة من غير قصدِ عنادٍ ولا إيذاء، ففعلهُ هذا ليس حرامًا ولكن الولى تركهُ وما وجدَ إليه سبيلاً؛ لأنَّ ضبطَ اللسان في الخصومة على حدّ الاعتدالِ متعذرٌ، والخصومةُ توغرُ الصدورَ، وتهيجُ الغضبَ، وإذا هاجَ الغضبُ حصلَ الحقدُ بينهما حتى يفرح كل واحدٍ منهم بمساءةِ الآخر، ويحزنُ بمسرّته، ويُطلق اللسانَ في عرضه، فمن خاصمَ فقد تعرّضَ لهذه الآفات، وأقلُّ ما فيه اشتغالُ القلب، حتى أنه يكون في صلاته وخاطره متعلق2 المحاجة والخصومة، فلا يَبقى حالهُ على الاستقامة؛ والخصومةُ مبدأ الشرّ، __________ 1 في نسخة: "لاستيفاء". 2 في نسخة: "معلق".

وكذا الجدالُ والمراءُ. فينبغي ألا يفتحَ عليه بابَ الخصومةِ إلا لضرورةٍ لا بُدَّ منها، وعند ذلك يُحفظُ لسانهُ وقلبهُ عن آفات الخصومة. 1882- رَوَيْنَا في "كتاب الترمذي" [رقم: 1994] ، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كَفَى بك إثمًا ألا تَزَالَ مُخَاصِماً". 1883-وجاء عن عليّ رضي الله عنهُ، قال: إن للخصوماتِ قُحَمًا. ["كنز العمال"، رقم: 15333] . قلتُ: القُحَمُ بضم القاف وفتح الحاء المهملة، هي: المهالكُ.

 560- فصل [كراهة التقعر والتشدق والسجع في الكلام]:

1884- يُكره التقعيرُ في الكلام بالتشدّق، وتكلفُ السجع والفَصاحة، والتصنّع بالمقدمات التي يَعتادُها المتفاصحون، وزخارف القول؛ فكلُ ذلك من التكلُّف المذمُوم، وكذلك تكلفُ السجع، وكذلك التحريّ في دقائق الإِعراب، ووحشي اللغة في حالة مخاطبة العوامّ؛ بل ينبغي أن يقصدَ في مخاطبته لفظاً يفهمهُ صاحبهُ فهماً جليّاً، ولا يستثقلُه. 1885- روينا في كتابي أبي داود [رقم: 5005] ، والترمذي [رقم: 2853] ؛ عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ اللَّهَ يُبغضُ البَلِيغَ مِنَ الرّجالِ الَّذي يَتَخَلَّل بلسانهِ كما تَتَخَلَّلُ البَقَرَةُ". قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ. 1886- وَرَوَيْنَا في "صحيح مسلم" [رقم: 2670] ، عن ابن مسعودٍ رضي الله عنهُ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "هَلَكَ المُتَنَطِّعُونَ" قالها ثلاثًا. ["المتنطعون": المتعمقون المشددون في غير موضع التشديد "رياض الصالحين"، رقم: 144] .

قال العلماءُ: يعني بالمتنطعين: المبالغين في الأمور. 1887- وَرَوَيْنَا في "كتاب الترمذي" [رقم: 2018] ، عن جابرٍ رضي الله عنهُ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّ مِنْ أحَبِّكُمْ إِلَيَّ وأقْرَبِكُمْ مِنّي مَجْلِساً يَوْمَ القِيَامَةِ أحاسِنُكُمْ أخْلاقاً، وَإنَّ أبْغَضَكُمْ إِلَيَّ وأبْعَدَكُمْ مِنِّي يَوْمَ القِيامَةِ؛ الثَّرْثارُونَ وَالمُتَشَدّقُونَ والمتفيهقون" قالوا: يا رسول الله! قد علمنا الثرثارون والمتشدّقون، فما المتفيهقون؟ قال: "المُتَكَبِّرُون". قال الترمذي: هذا حديثٌ حسنٌ. قال: و"الثرثار" هو: الكثيرُ الكلام، والمتشدّقُ: مَن يتطاولُ على الناس في الكلام، ويبذو عليهم. 1888- واعلم أنه لا يدخلُ في الذمّ تحسين ألفاظ الخطب والمواعظ إذا لم يكن فيها إفراطٌ وإغرابٌ؛ لأن المقصودَ منها تهييج القلوبِ إلى طاعةِ الله عزّ وجلّ، ولحسن اللفظ في هذا أثرٌ ظاهرٌ.

 561- فصل [كراهة الحديث بعد العشاء إلا بخير]:

1889- ويُكره لمن صلى العشاء الآخرة أن يتحدَّثَ بالحديث المباح في غير هذا الوقت، وأعني بالمُباح الذي استوى فعلهُ وتركه. فأما الحديثُ المحرمُ في غير هذا الوقت، أو المكروه، فهو في هذا الوقت أشدّ تحريماً وكراهة. وأما الحديثُ في الخيرِ كمذاكرةِ العلمِ وحكايات الصالحين ومكارم الأخلاق، والحديثُ مع الضيف ومع طالب حاجةٍ ونحوِ ذلك، فلا كراهةَ فيه، بل هو مستحبُ؛ وقد تظاهرت الأحاديثُ الصحيحةُ به، وكذلك الحديثُ للغدرِ والأمور العارضة لا بأس به. وقد اشتهرت الأحاديثُ بكل ما

ذكرتهُ، [راجع "رياض الصالحين" الباب رقم: 334] وأنا أُشيرُ إلى بعضها مختصراً، وأرمزُ إلى كثيرٍ منها. 1890- رَوَيْنَا في صحيحي البخاري [رقم: 568] ، ومسلم [رقم: 647] ؛ عن أبي برزةَ رضي الله عنهُ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكرهُ النومَ قبل العِشاء والحديثَ بعدَها. وأما الأحاديث بالترخيص في الكلام للأمور التي قَدَّمْتُها فكثيرةٌ. 1891- فَمِن ذلك حديثُ ابن عمر في "الصحيحين" [البخاري، رقم: 564؛ مسلم، رقم: 2537] ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلَّى العشاءَ في آخر حياتهِ، فلما سلَّم قال: "أرأيْتُكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ، فإنَّ على رأسِ مائةِ سنةٍ لا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ على ظَهْرِ الأرْضِ اليَوْمَ أحدٌ". 1892- ومنها حديثُ أبي موسى الأشعري رضي الله عنهُ في "صحيحيهما" [البخاري، رقم: 567؛ مسلم، رقم: 641] ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتم بالصلاة حتى ابْهَارَّ الليلُ، ثم خرجَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فصلَّى بهم، فلما قضَى صلاتهُ، قال لمن حضرهُ: "على رِسْلِكُمْ أعلمُكُم، وأبْشِرُوا أنَّ مِنْ نعمةِ اللَّه عليكُم أنَّهُ لَيْسَ مِنَ النَّاسِ أحَدٌ يُصلي هَذِهِ السَّاعَةَ غَيْرَكُمْ"، أوْ قالَ: "ما صَلَّى أحَدٌ هَذِهِ السَّاعَةَ غَيْرَكُمْ". 1893- ومنها حديثُ أنسٍ في "صحيح البخاري" [رقم: 572] ، ومسلم، [رقم: 640] ؛ أنهمُ انتظروا النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فجاءَهم قريباً من شطر الليل، فصلَّى بهم -يعني: العشاء- قال: ثم خطبَنا، فقال: "ألا إنَّ النَّاس قَدْ صَلُّوْا ثُمَّ رَقَدُوا، وإنكم لم تَزَالُوا في صلاةٍ ما انْتَظَرْتُمُ الصَّلاةَ". 1894- ومنها حديث ابن عباس رضي الله عنهما، في مبيته في بيت خالته ميمونة، قولهُ: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلَّى العشاءَ، ثم دخلَ فحدّثَ أهلَه.

وقولهُ: "نَامَ الغليمُ" 1 [البخاري، رقم: 117؛ مسلم، رقم: 763] . 1895- ومنها حديثُ عبدِ الرحمن بن أبي بكرٍ الصديقِ رضي الله عنهما، في قصة أضيافه واحتباسه عنهم حتى صلّى العشاء، ثم جاء وكلَّمهم، وكلَّم امرأتَه وابنه، [البخاري، رقم: 602؛ مسلم، رقم: 2057] وتكرر كلامُهُم [مرّ برقم: 1491، 1798] . وهذان الحديثان في "الصحيحين"، ونظائرُ هذا كثيرةٌ لا تنحصرُ، وفيما ذكرناهُ أبلغُ كفايةٍ، ولله الحمدُ. __________ 1 في بعض النسخ: "الغليم".

 562- فصل [كراهةِ تسمية العشاء عتمة والمغرب عشاء]:

1896- يُكره أن تُسمَّى العشاء الآخرةُ العتمة. للأحاديث الصحيحة المشهورة في ذلك، ويُكره أيضاً أن تُسمَّى المغرب عشاء. 1897- رَوَيْنَا في "صحيح البخاري" [رقم: 563] ، عن عبد الله بن مُغَفّل المزني رضي الله عنهُ -وهو بالغين المعجمة- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تَغْلِبَنَّكُمُ الأعرابُ على اسمِ صَلاتِكُمُ المَغْرِبِ" قال: ويقولُ الأعرابُ: هي العشاءُ. وأما الأحاديث الواردةُ بتسمية العشاء عتمةً. 1898- كحديث [البخاري، رقم: 653؛ مسلم، رقم: 437] : "لو يَعْلَمُونَ ما في الصُّبْحِ وَالعَتَمَةِ لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْواً". 1899- فالجواب عنها من وجهين: أحدُهُما: أنها وقعتْ بياناً، لكون النهي ليس للتحريم، بل للتنزيه. والثاني: أنه خُوطب بها مَن يخافُ أنه يلتبس عليه المراد لو سمَّاها عشاءً.

1900- وأما تسمية الصبح غداةً فلا كراهة فيه على المذهبِ الصحيح، وقد كثرتِ الأحاديثُ الصحيحةُ في استعمال غداة، وذكر جماعة من أصحابنا كراهةَ ذلك، وليس بشيءٍ. 1901- ولا بأسَ بتسمية المغربِ والعشاء عشاءين، ولا بأس بقول: العشاءُ الآخرةُ. وما نُقل عن الأصمعي أنه قال: لا يُقال: العشاءُ الآخرةُ، فغلطٌ ظاهرٌ، فقد ثبت في "صحيح مسلمٍ" [رقم: 444] ، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "أيُّمَا امرأةٍ أصَابَتْ بَخُوراً فَلا تَشْهَدْ مَعَنا العِشاءَ الآخرة". وثبت من ذلك كلامُ خلائقَ لا يُحصون من الصحابة في الصحيحين وغيرهما، وقد أوضحتُ ذلك كلهُ بشواهده في تهذيب الأسماء واللغات؛ وبالله التوفيق.

 563- فصل [حرمةِ إفشاء السر]:

1902- ومما يُنهَى عنه إفشاءُ السرّ، والأحاديثُ فيه كثيرةٌ، وهو حرامٌ إذا كان فيه ضررٌ أو إيذاءٌ. 1903- رَوَيْنَا في "سنن أبي داود" [رقم: 4868] ، والترمذي [رقم: 1959] ؛ عن جابر رضي الله عنهُ، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إذَا حَدَّثَ الرَّجُلُ بالحَدِيثِ، ثُمَّ الْتَفَتَ، فَهِيَ أمانةٌ" قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ.

 564- فصل [كراهة سؤال الرجل عن سبب ضربه امرأته]:

1904- يكرهُ أن يُسألَ الرجلُ: فيم ضربَ امرأتهُ من غير حاجةٍ. قد رَوَيْنَا في أوّل هذا الكتاب في حفظ اللسان الأحاديث الصحيحة في السكوت عمّا لا تظهر فيه المصلحة. 1905- وذكرنا [رقم: 1707] الحديث الصحيح في [الترمذي، رقم: 2317] : "من حُسن إسلامِ المرءِ تركهُ ما لا يعنيهِ". ["الأربعون النووية"، الحديث رقم: 12؛ مر برقم: 1707؛ وسيرد برقم: 2067] . 1906- وَرَوَيْنَا في "سنن أبي داود" [رقم: 2147] ، والنسائي [في "السنن الكبرى" كما في "تحفة الأشراف"، رقم: 10407] وابن ماجه [رقم: 1986] ؛ عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهُ، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "لا يُسألُ الرَّجُلُ فيمَ ضرب امرأته".

 565- فصل [حكم قول الشعر]:

1907- أَمَّا الشعر، فقد رَوَيْنَا في "مسند أبي يعلى الموصلي" 8/ 4760] ، بإسناد حسنٍ؛ عن عائشة رضي الله عنها، قالت: سُئل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن الشعر، فقال: "هُوَ كلامٌ حسنهُ حسنٌ، وقبيحهُ قَبِيحٌ". 1908- قال العلماء: معناهُ: أنَّ الشعرَ كالنثر، لكن التجرّدَ له والاقتصارَ عليه مذمومٌ. وقد ثبتَت الأحاديثُ الصحيحةُ بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع الشعرَ، وأمرَ حسانَ بن ثابت بهجاء الكفّار. 1909- وثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال: "إن من الشعر حكمةً" [البخاري، رقم: 6145؛ أبو داود، رقم: 5010] . 1910- وثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال: "لأن يمتلئ جوفُ أحَدِكُمْ قَيْحاً خيرًا لَهُ منْ أنْ يمتلئ شعرًا" [البخاري، رقم: 6155؛ مسلم، رقم: 2257] وَكُلُّ ذلك على حسب ما ذكرناهُ. __________ 1 في نسخة بذاء.

 566- فصل [النهي عن الفحشُ وبذاءةُ اللسان]:

1911- ومِمَّا يُنهى عنه الفحس، وبذاءةُ1 اللسان، والأحاديثُ الصحيحة فيه كثيرةٌ معروفة. ومعناهُ: التعبيرُ عن الأمور المستقبحة بعبارة صريحة، وإن كانتْ صحيحةً، والمتكلّمُ بها صادقٌ، ويقعُ ذلك كثيراً في ألفاظ الوقاع ونحوها. وينبغي أن يستعملَ في ذلك الكنايات، ويعبّر عنها بعبارة جميلة يُفهم بها الغرضُ، وبهذا جاءَ القرآن العزيز، والسنن الصحيحة المكرمةُ، قال الله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187] وقال تعالى: {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ} [النساء: 21] وقال تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: 237] والآيات والأحاديث الصحيحةُ في ذلك كثيرةٌ. قال العلماءُ: فينبغي أن يستعملَ؛ في هذا وما أشبههُ من العبارات التي يستحيا من ذكرها بصريح اسمها؛ الكنايات المفهمة، فيكنَّى عن جماع المرأة بالإِفضاءِ والدخولِ والمعاشرةِ والوقاعِ ونحوها، ولا يُصَرِّح بالنَّيْكِ والجماع ونحوهما، وكذلك يُكنّي عن البولِ والتغوطِ: بقضاء الحاجة والذهاب إلى الخلاء، ولا يصرّحُ بالخِرَاءة والبول ونحوهما، وكذلك ذكرُ العيوب: كالبرص والبخرِ والصنانِ وغيرها، يعبرُ عنها بعباراتٍ جميلةٍ يفهمُ منها الغرضُ؛ ويلحقُ بِما ذكرناهُ من الأمثلةِ ما سواهُ. واعلم أن هذا كلهُ إذا لم تدعُ حاجةٌ إلى التصريح بصريح اسمهِ، فإن دعتْ حاجةٌ لغرضِ البيانِ والتعليم، وخِيفَ أن المخاطَب لا يفهمُ المجاز، أو يفهمُ غيرَ المرادِ؛ صرحَ حينئذٍ باسمه الصريح ليحصلَ الإِفهامُ الحقيقيُ، وعلى هذا يحملُ ما جاء في الأحاديث من التصريح بمثل هذا، فإن ذلك محمولٌ على الحاجةِ كما ذكرنا، فإن تحصيل الإفهامِ في هذا أولى من مراعاةِ مجردِ الأدبِ؛ وبالله التوفيقُ. 1912- رَوَيْنَا في "كتاب الترمذي" [رقم: 1977] ، عن عبد الله بن مسعودٍ

رضي الله عنهُ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَيْسَ المُؤْمِنُ بالطَّعَّانِ وَلا اللعان، ولا الفاحش ولا البذيء" قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ. [مر برقم: 1773] . 1913- وَرَوَيْنَا في "كتابي الترمذي" [رقم: 1974] ، وابن ماجه [رقم: 4185] ؛ عن أنس رضي الله عنهُ، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ما كان الفحشُ في شيءٍ إلاَّ شانهُ، وَما كانَ الحياءُ في شيءٍ إلاَّ زانهُ" قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ.

 567- فصل [بر الوالدين]:

1914- يحرمُ انتهارُ الوالدِ والوالدةِ وشبههما تحريماً غليظاً، قال الله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا، وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإِسراء: 23، 24] . 1915- وَرَوَيْنَا في صحيحي البخاري [رقم: 5973] ، ومسلمٍ [رقم: 90] ؛ عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مِنَ الكَبائرِ شَتْمُ الرَّجُلِ وَالِدَيْهِ"، قالوا: يا رسول الله! وهل يشتمُ الرجلُ والديه؟ قال: "نَعَمْ، يَسُبّ أبَا الرَّجُلِ فَيسبُّ أباهُ، وَيَسُبُّ أمهُ فَيَسُبُّ أُمَّهُ". 1916- رَوَيْنَا في "سنن أبي داود" [رقم: 1538] ، والترمذي [رقم: 1189] ؛ عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: كان تحتي امرأةُ، وكنتُ أحبُّها، وكان عمرُ يكرهُها، فقال لي: طلّقْها؛ فأبيتُ، فأتى عمرُ رضي الله عنهُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فذكرَ ذلك لهُ، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "طَلِّقْها". قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ صحيحُ. __________ 1 في نسخة: "باب تحريم انتهارُ الوالد والوالدة تحريمًا مغلظًا".

  بابُ النهي عن الكَذبِ وبيان أقسامهِ:

1917- قد تظاهرتْ نصوصُ الكتاب والسنّة على تحريم الكذب في الجملةِ، وهو من قبائح الذنوب، وفواحش العيوب. وإجماعُ الأمةِ منعقدٌ على تحريمهِ مع النصوص المتظاهرةِ، فلا ضرورة إلى نقل أفرادها، وإنما المهمُ بيانُ ما يُستثنى منهُ، والتنبيهُ على دقائقه. 1918- ويكفي في التنفير منهُ الحديثُ المتفقُ على صحته، وهو ما رَوَيْنَاه في "صحيحيهما" [البخاري، رقم: 33؛ مسلم، رقم: 59] ، عن أبي هريرة رضي الله عنهُ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "آيَةُ المُنافِقِ ثلاثٌ: إذا حدث كذب، وإذا وَعَدَ أخْلَفَ، وَإِذَا اؤتمن خان". [ومر برقم: 1623] . 1919- وَرَوَيْنَا في "صحيحيهما" [البخاري، رقم: 34؛ مسلم، رقم: 58] ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كانَ مُنافِقاً خالِصاً، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خصلةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خصلةٌ مِنْ نفاقٍِ حتَّى يَدَعَها: إذا اؤتمن خانَ، وَإذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عاهَدَ غدرَ، وَإِذَا خاصَمَ فَجَرَ". وفي رواية مسلمٍ: "إذا وعدَ أخلفَ" بدل: "وإذا اؤتمن خان". 1920- وأما المستثنى منهُ فقد روينا في صحيحي البخاري [رقم: 2692] ومسلم [رقم: 2605] ؛ عن أُمّ كلثوم رضي الله عنها، أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "لَيْسَ الكذابُ الَّذي يصلحُ بَيْنَ النَّاسِ فَيَنْمي خَيْراً، أوْ يَقُولُ خَيْراً". هذا القدرُ في "صحيحيهما". وزاد مسلمٌ في روايةٍ لهُ: قالتْ أُمّ كلثوم: ولم أسمعهُ يرخصُ في شيءٍ مما يقول الناسُ إلا من ثلاثٍ؛ يعني: الحرب، والإِصلاح بين الناس،

وحديث الرجل امرأته والمرأة زوجها. فهذا حديثٌ صريحٌ في إباحة بعض الكذب للمصلحة، وقد ضبط العلماءُ ما يباحُ منهُ. 1921- وأحسنُ ما رأيتهُ في ضبطهِ، ما ذكرهُ الإمامُ أو حامدٍ الغزالي رحمه الله في الإحياء [3/ 137] فقال: الكلامُ وسيلةٌ إلى المقاصد، فكلُّ مقصودٍ محمودٍ يمكنُ التوصلُ إليه بالصدق والكذب جميعاً، فالكذبُ فيه حرامٌ لعدم الحاجة إليه، وإن أمكنَ التوصل إليه بالكذب، ولم يمكن بالصدق، فالكذبُ فيه مباحٌ إن كان تحصيلُ ذلك المقصود مُباحًا، وواجبٌ إن كان المقصود واجباً؛ فإذا اختفى مسلمٌ من ظالمٍ وسألَ عنهُ، وجبَ الكذبُ بإخفائه، وكذا لو كان عندهُ أو عندَ غيره وديعةٌ، وسأل عنها ظالمٌ يُريدُ أخذَها، وجبَ عليه الكذب بإخفائها، حتى لو أخبرَه بوديعةٍ عندَه، فأخذَها الظالمُ قهراً، وجبَ ضمانُها على المُودع المُخبر، ولو استحلفهُ عليها لزمهُ أن يَحلفَ ويورِّي في يمينه، فإن حلفَ ولم يورِ حنثَ على الأصحّ، وقيل: لا يحنثُ، وكذلك لو كان مقصودُ حربٍ، أو إصلاحِ ذاتِ البين، أو استمالةُ قلبِ المجني عليهِ في العفوِ عن الجناية لا يحصل إلا بكذب، فالكذبُ ليس بحرامٍ؛ وهذا إذا لم يحصُل الغرضُ إلا بالكذب، والاحتياطُ في هذا كلهِ أن يورّي؛ ومعنى التوريةِ: أن يقصدَ بعبارته مقصوداً صحيحاً ليس هُو كاذباً بالنسبة إليه، وإن كان كاذباً في ظاهر اللفظ، ولو لم يقصد هذا بل أطلق عبارةَ الكذب فليس بحرامٍ في هذا الموضع. 1922- قال أبو حامد الغزالي: وكذلك كل ما ارتبط به غرضٌ مقصودٌ صحيح له أو لغيره، فالذي لهُ: مثلُ أن يأخذهُ ظالمٌ ويسألهُ عن مالهِ ليأخذهُ، فله أن ينكرهُ، أو يسألهُ السلطانُ عن فاحشةٍ بينهُ وبينَ الله تعالى ارتكبَها، فله أن ينكرَها، ويقولُ: ما زنيتُ، أو ما شربتُ مثلاً؛ وقد

اشتهرتِ الأحاديث بتلقينِ الذين أقرّوا بالحدودِ الرجوع عن الإِقرار؛ وأما غرضُ غيره؛ فمثل أن يُسأَلَ عن سرّ أخيه فينكرهُ ونحوُ ذلك، وينبغي أن يُقابل بين مَفسدةِ الكذب والمفسدةِ المترتبة على الصدقِ؛ فإن كانت المفسدةُ في الصدق أشدّ ضرراً فله الكذبُ، وإن كان عكسهُ، أو شكّ؛ حرمَ عليه الكذبُ؛ ومتى جازَ الكذبُ، فإن كان المبيحُ غَرَضًا يتعلّقُ بنفسه، فيستحب ألا يكذبَ، ومتى كان متعلقاً بغيرهِ لم تجزِ المسامحةُ بحقّ غيره، والحزمُ تركه في كل موضعٍ أُبيحَ إلا إذا كان واجباً. 1923- واعلم أن مذهبَ أهل السنّة أن الكذبَ هو الإِخبار عن الشيء بخلاف ما هو، سواءٌ تعمدتَ ذلك أم جهلته، لكن لا يأثمُ في الجهل، وإنما يأثمُ في العمد، ودليلُ أصحابنا تقييد النبيّ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كَذَبَ عليَّ مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبَوأ مَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ". [كما في البخاري، رقم: 1291؛ مسلم، رقم: 3] .

بابُ الحثِّ على التثّبت فيما يحكيهِ الإِنسانُ والنهي عن التحديث بكلِّ ما سمعَ إذا لم يظنّ صحته: قال الله تعالى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإِسراء: 36] وقال تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [سورة ق: 18] ، وقال تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر: 14] . 1924- وَرَوَيْنَا في "صحيح مسلم" [رقم: 5] ، عن حفص بن عاصم التابعي الجليل، عن أبي هريرة رضي الله عنهُ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كَفَى بالمرءِ كَذِباً أنْ يُحدِّثَ بكُل ما سمِع".

ورواه مُسلمٌ من طريقين: أحدهُما هكذا. والثاني: عن حفص بن عاصمٍ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مرسلاً لم يذكر أبا هريرة، فتُقدَّمُ روايةُ مَن أثبت أبا هريرة، فإن الزيادة من الثقة مقبولة، وهذا هو المذهب الصحيحُ المختارُ الذي عليه أهلُ الفقهِ والأصولِ والمحقّقون من المحدّثين، أن الحديثَ إذا رُوي من طريقين: أحدهُما مرسلٌ والآخرُ متصلٌ، قدّم المتصلُ وحكم بصحةِ الحديثِ، وجازَ الاحتاجُ به في كل شيءٍ من الأحكام وغيرها؛ والله أعلمُ. 1925- وَرَوَيْنَا في "صحيح مسلم" [رقم: 5] ، عن عُمر بن الخطاب رضي الله عنهُ، قال: بحسبِ المرءِ من الكذبِ أن يحدّثِ بكلّ ما سمعَ. وَرَوَيْنَا في "صحيح مسلم" [رقم: 5] ، عن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنهُ، مثلهُ. والأثارُ في هذا الباب كثيرةٌ 1926- وَرَوَيْنَا في "سنن أبي داود" [رقم: 4972] ، بإسناد صحيح؛ عن أبي مسعودٍ، أو حذيفةَ بن اليمان رضي الله عنهما؛ قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "بِئْسَ مطيةُ الرجلِ زَعَمُوا". قال الإِمام أبو سليمان الخطابي فيما رويناه عنهُ في "معالم السن" [5/ 254] : أصلُ هذا الحديث إنَّ الرجُل إذَا أراد الطعن في حاجةٍ، والسير إلى بلدٍ، ركب مطية وسار حتى يبلغ حاجتهُ، فشبّهَ النبيّ صلى الله عليه وسلم ما يُقدم الرجلُ أمامَ كلامهِ ويتوصل به إلى حاجته من قولهم: "زعموا" بالمطيّة، وإنما يُقالُ: زعمُوا في حديثٍ لا سند له ولا ثبت1، إنما هو شيءٌ يُحكى على سبيل البلاغ، فذمّ النبي صلى الله عليه وسلم من الحديث ما هذا سبيلهُ، وأمر بالتوثق فيما يحكيه التثبت فيه، فلا يَرويه حتى يكون مَعْزُوًّا إلى ثبتٍ. هذا كلامُ الخطابي؛ واللهُ أعلمُ. __________ 1 الثبت: الحجة، والثقة من الرجال جمعها: أثبات.

 بابُ التعريض والتورية:

1927- اعلم أن هذا الباب من أهمّ الأبوابِ، فإنهُ مما يكثرُ استعمالهُ وتعمُ به البلوى، فينبغي لنا نعتني بتحقيقه، وينبغي للواقف عليه أن يتأملَه ويعملَ بهِ، وقد قدمنا ما في الكذب من التحريم الغليظ [الباب رقم: 568] وما في إطلاق اللسان من الخطر، وهذا البابُ طريقٌ إلى السلامة من ذلك. واعلم أن التوريةَ والتعريضَ معناهُما: أن تُطلقِ لفظاً هُو ظاهرٌ في معنى، وتريدُ به معنىً آخر يتناوله ذلك اللفظ، لكنهُ خلافُ ظاهره، وهذا ضربٌ من التغرير والخداع. قال العلماءُ رحمهم الله: فإن دعتِ إلى ذلك مصلحةٌ شرعيةٌ راجحةٌ على خداعِ المخاطب، أو حاجة لا مندوحةَ عنها إلا بالكذب، فلا بأس بالتعريض، وإن لم يكن شيءٌ من ذلك فهو مكروهٌ، وليس بحرامٍ، إلا أن يُتوصَل به إلى أخذ باطلٍ، أو دفع حقٌ، فيصيرُ حينئذٍ حراماً، هذا ضابطُ الباب. فأما الآثارُ الواردةُ فيهِ، فقد جاءَ من الأثارِ ما يُبيحهُ، وما لا يبيحهُ، وهي محمولةٌ على هذا التفصيل الذي ذكرناهُ. 1928- فمما جاء في المنع: ما روينا في "سنن أبي داود" [رقم: 4971] ، بإسناد فيه ضعفٌ، لَكِنْ لم يُضَعِّفه أبو داود، فيقتضي أن يكون حسناً عندهُ كما سبق بيانه [رقم: 75] ، عن سفيان بن أسيدٍ -بفتح الهمزة- رضي الله عنهُ، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "كَبُرَتْ خِيانَةً أنْ تُحدث

أخاكَ حَدِيثاً هُوَ لَكَ بِهِ مصدقٌ، وأنت [له] بِهِ كاذبٌ ". 1929- وَرَوَيْنَا عن ابن سيرين رحمهُ اللهُ، أنه قال: الكلامُ أوسعُ من أن يكذب ظريفٌ [أخرجه ابن عدي والبيهقي كما في "الدر المنثور"، سورة التوبة/ الآية: 119. 1930- مثال التعريض المباحِ ما قالهُ النخعي رحمهُ اللهُ: إذا بَلَغَ الرجلَ عنك شيءٌ قلتَه، فقل: الله يعلمُ ما قلتُ من ذلك من شيءٍ؛ فيتوهم السامعُ النفيَ، ومقصودُك: الله يعلمُ الذي قلتهُ. 1931- وقال النخعيُّ أيضاً: لا تقُل لابنك: أشتري لك سُكَّرًا؟ بل قُل: أرأيتَ لو اشتريتُ لك سُكرًا؟ 1932- وكان النخعي إذا طلبهُ رجلٌ، قال للجارية: قُولي لهُ: اطلبهُ في المسجد. 1933- وقال غيره: خرج أبي في وقتٍ قبل هذا. 1934- وكان الشعبي يخطّ دائرة، ويقولُ للجارية: ضعي أُصبعك فيها، وقولي: ليس هو ههنا. 1935- ومثل هذا قولُ الناس في العادة لمن دعاهُ لطعامٍ: أنا على نيةٍ؛ موهماً أنه صائمٌ، ومقصودُه على نيّة ترك الأكل. 1936- ومثلهُ: أبصرتَ فُلانًا؟ فيقول: ما رأيتُه، أي: ما ضربتُ رئته، ونظائرُ هذا كثيرةٌ. 1937- ولو حلف على شيءٍ من هذا، وورَّى في يمينه لم يحنثْ، سواءٌ حلفَ بالله تعالى أو حلفَ بالطلاق أو بغيره، فلا يقعُ عليه الطلاق

ولا غيره، وهذا إذا لم يحلّفه القاضي في دعوى؛ فإن حلَّفهُ القاضي في دعوى، فالاعتبارُ بنيةِ القاضي إذا حلفهُ باللهِ تعالى، فإن حلفهُ بالطلاق، فالاعتبار بنيّة الحالف؛ لأنهُ لا يجوز للقاضي تحليفهُ بالطلاقِ، فهو كغيره من الناس؛ والله أعلمُ. 1938- قال الغزالي [3/ 140] : ومن الكذبِ المحرّم الذي يوجبُ الفسقَ، ما جرتْ به العادةُ في المبالغةِ، كقوله: قلتُ لك مائة مرة، وطلبتك مائة مرةٍ، ونحوهُ؛ فإنه لا يرادُ به تفهيمُ المرات، بل تفهيم المبالغة، فإن لم يكن طلبهُ إلا مرّة واحدة كان كاذباً، وإن طلبهُ مراتٍ لا يعتادُ مثلُها في الكثرة لم يأثم، وإن لم يبلغْ مائة مرّة، وبينهما درجات، يتعرّضُ المبالغُ للكذب فيها. 1939- قلتُ: ودليل جوازِ المبالغةِ، وأنهُ لا يعد كاذبًا ما رويناه في الصحيحين [بل في "صحيح مسلم" فقط، رقم: 1480] ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أمَّا أبُو الجَهْمِ، فَلا يضعُ العَصَا عَنْ عاتِقِهِ، وأمَّا مُعاويَةُ فَلا مال له"، [برقم: 1740] ومعلوم أنه كان له ثوبٌ يلبسهُ، وأنهُ كان يضعُ العصا في وقت النوم وغيرهِ؛ وبالله التوفيق.

 بابُ ما يقولهُ ويفعلهُ مَنْ تكلَّمَ بكلامٍ قبيح:

قال الله تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [فصّلت: 36] وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف: 201] وقال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ، أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران: 135، 136] .

1940- وَرَوَيْنَا في صحيحي البخاري [رقم: 4860] ، ومسلم [رقم: 1647] ؛ عن أبي هريرةَ رضي الله عنهُ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ حَلَفَ فَقالَ في حلفهِ باللاَّتِ والعُزَّى، فَلْيَقُلْ: لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَمَنْ قالَ لِصَاحِبِهِ: تَعالَ أُقامِرْكَ؛ فَلْيَتَصَدَّقْ". 1941- واعلم أن مَن تكلم بحرامٍ، أو فعله؛ وجب عليه المبادرة إلى التوبة، ولها ثلاثة أركانٍ: أن يقلع في الحال عن المعصية، وأن يندمَ على ما فعل، وأن يَعزِمَ ألاّ يعود إليها أبداً، فإن تعلَّق بالمعصية حق آدمي وجب عليه مع الثلاثةِ رابعٌ، وهو ردُ الظلامةِ إلى صاحبها، أو تحصيل البراءةِ منها، وقد تقدمَ بيانُ هذا. [رقم: 1753] . 1942- وإذا تابَ مِنْ ذنبٍ، فينبغي أن يتوبَ من جميع الذنوب؛ فلو اقتصرَ على التوبةِ من ذنبٍ صحَّت توبتهُ منهُ؛ وإذا تابَ من ذنبٍ توبةً صحيحةً كما ذكرنا، ثُم عادَ إِلَيْهِ في وقتٍ، أَثِمَ بالثاني، وَوَجَبَ عليهِ التوبة منهُ، ولم تبطلْ توبتهُ من الأوّل؛ هذا مذهبُ أهل السنّة خلافاً للمعتزلةِ في المسألتين؛ وبالله التوفيقُ.

  بابٌ في ألفاظٍ حُكي عن جماعةٍ من العلماءِ كراهتُها وليستْ مكروهةً:

1943- اعلم أن هذا البابَ مما تدعو الحاجةُ إليه لئلا يغترّ بقولٍ باطلٍ ويعوّل عليه. 1944- واعلم أن أحكامَ الشرع الخمسة، وهي: الإِيجابُ، والندبُ، والتحريمُ، والكراهةُ، والإباحةُ؛ لا يثبتُ شيءٌ منها إلا بدليلٍ، وأدلة الشرع معروفةٌ، فما لا دليلَ عليه لا يلتفتُ إليه، ولا يحتاجُ إلى جوابٍ؛ لأنه ليس بحجةٍ، ولا يُشتغل بجوابهِ؛ ومع هذا فقد تبرعَ العلماءُ رحمهمُ الله، في مثل هذا بذكرٍ دليلٍ على إبطالهِ، ومقصودي بهذه المقدمةِ أنّ ما ذكرتُ أن قائلاً كرههُ، ثم قلتُ: ليس مكروهاً، أو هذا باطلٌ، أو نحو ذلك، فلا حاجةً إلى دليل على إبطاله، وإن ذكرتهُ كنتُ متبرّعاً به، وإنما عقدتُ هذا الباب لأُبيِّن الخطأَ فيه من الصواب، لئلا يُغترّ بجلالةِ مَن يضافُ إليه هذا القولُ الباطل. 1945- واعلم أني لا أُسَمِّي القائلين بكراهةِ هذه الألفاظ لئلا تسقطَ جلالتُهم ويساءُ الظنّ بهم، وليس الغرض القدح فيهم، وإنما المطلوب التحذير من أقوال باطلةٍ نُقلت عنهم، سواءٌ أصحّتْ عنهم، أم لم تصحّ، فإن صحَّتْ لم تقدحْ في جلالتهم كما عرف، وقد أضيفُ بعضُها لغرضِ صحيحٍ: بأن يكونَ ما قالهُ مُحتملاً، فينظر غيري فيه، فلعلّ نظرهُ يخالفُ نظري، فيعتضدهُ نظرهُ بقولِ هذا الإمامِ السابقِ إلى هذا الحكمِ، وبالله التوفيقُ. 1946- فمن ذلك ما حكاهُ الإمامُ أبو جعفرٍ النحاسُ في كتابهِ: "شرح أسماء الله تعالى سبحانهُ" عن بعض العلماءِ أنه كره أن يُقال: تصدّق الله عليكَ، قال: لأن المتصدّقَ يرجُو الثواب. قلتُ: هذا الحكم خطأ صريحٌ، وجهلٌ قبيحٌ، والاستدلال أشدُ فساداً. 1947- وقد ثبت في "صحيح مسلم" [رقم: 686] ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال في قصرِ الصلاةِ: "صدقةٌ تَصَدَّقَ اللهُ بِهَا عَلَيْكُمْ، فاقْبَلُوا صدقتهُ".

 573- فصل صحة قول: اللَّهمّ أعتقني مِنَ النَّار:

1948- وَمَنْ ذلك ما حكاهُ النحاسُ أيضاً، عن هذا القائل المتقدم ذكرهُ، أنه كره أن يُقال: اللَّهمّ أعتقني منَ النَّارِ، قال: لأنه لا يعتقُ إلا مَن يطلب الثواب. قلتُ: وهذه الدعوى والاستدلال من أقبح الخطأ، وأرذل الجهالة بأحكام الشرع، ولو ذهبتُ أتتبعُ الأحاديثَ الصحيحة المصرِّحة بإعتاق الله تعالى مَن شاءَ من خلقهِ لطال الكتابُ طولاً مُمِلًّا. 1949- وذلك كحديث: $"مَنْ أعْتَقَ رَقَبَةً أعتقَ اللَّهُ تَعالى بكُل عضوٍ منها عضوًا مِنَ النَّارِ" [البخاري، رقم: 6715؛ مسلم، رقم: 1509] . 1950- وحديث: "ما مِنْ يَوْمٍ أكْثَرُ أنْ يُعْتِقَ اللَّهُ تَعالى فِيهِ عَبْداً مِنَ النّارِ مِنْ يومِ عَرَفة" [مسلم، رقم: 1348] .

 574- فصل [صحة قول: افعل على اسم الله]

1951- ومن ذلك قولُ بعضهم: يكرهُ أن يقولَ: افعلْ كذا على اسم الله؛ لأن اسمهُ سبحانه على كلِّ شيءٍ. قال القاضي عياضُ -رحمهُ الله- وغيرهُ: هذا القول غلط. 1952- فقد ثبتت الأحاديث الصحيحية أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لأصحابه في الأضحية: "اذْبَحُوا على اسْمِ الله" [مسلم، رقم: 1960] أي: قائلين: باسم الله.

575- فصل [صحة قول: جمعَ الله بيننا في مستقرٌ رحمتهِ، وصحة قول: ارحمنا برحمتك] : 1953- ومن ذلك ما رواهُ النحاسُ، عن أبي بكرٍ محمدِ بن يحيى -قال: وكان من الفقهاء الأدباء العُلماء، قال: لا تقُل: جمعَ اللهُ بيننا في مستقرٌ رحمتهِ، فرحمةُ اللهِ أوسعُ من أن يكونَ لها قرارٌ، قال: ولا تقُل: ارحمنا برحمتك. قُلتُ: لا نعلمُ لما قالهُ في اللفظين حجة، ولا دليلَ له فيما ذكرهُ، فإن مرادَ القائل بـ "مستقر الرحمةِ": الجنةُ، ومعناهُ: جمعَ الله بيننا في الجنة التي هي دارُ القرار، ودارُ المقامةِ، ومحل الاستقرارِ، وإنما يدخلها الداخلون برحمة اللَّهَ تَعالى، ثُمَّ من دخلَها استقرَّ فيها أبداً، وأمِنَ الحوادث والأكدار، وإنما حصل له ذلك برحمةِ الله تعالى، فكأنه يقولُ: اجمع بيننا في مستقرٍّ ننالُهُ برحمتك.

576- فصل [صحة قول: اللهمَّ أجِرْنا من النار، وصحة قول: اللهمْ ارزقنا شفاعةَ النبيّ صلى الله عليه وسلم] : 1954- روى النحاسُ عن أبي بكرِ المتقدمِ، أنه قال: لا يقُل: اللهمَّ أجِرْنا من النارِ، ولا يقُل: اللهمْ ارزقنا شفاعةَ النبي -صلى الله عليه وسلم، فإنما يشفعُ لمنِ استوجبَ النار. قلتُ: هذا خطأ فاحشٌ، وجهالةٌ بَيِّنةٌ، ولولا خوفُ الاغترار بهذا الغلط وكونه قد ذكرَ في كتبٍ مصنفةٍ لما تجاسرتُ على حكايته، فكم من حديثٍ في الصحيحِ جاء في ترغيب المؤمنين الكاملين بوعدهم شفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم. 1955- لقوله -صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قالَ مثْلَ ما يقولُ المُؤَذِّنُ حلَّت لَهُ شَفاعَتِي" [أخرج نحوه مسلم، رقم: 384] وغير ذلك. 1956- ولقد أحسن الإمامُ الحافظُ الفقيهُ أبو الفضل عياضٌ

-رحمهُ الله- في قوله: قد عُرف بالنقل المستفيض سؤالُ السلفِ الصالح -رضي الله عنهم- شفاعةَ نبيًا -صلى الله عليه وسلم، ورغبتهم فيها، قال: وعلى هذا لا يُلتفت إلى كراهةِ مَن كرهَ ذلك؛ لكونها لا تكونُ إلا للمذنبين، لأنهُ ثبتَ في الأحاديث في [صحيح مسلم رقم: 220] وغيره؛ إثباتُ الشفاعةِ لأقوامٍ في دخولهمُ الجنة بغيرِ حسابٍ، ولقومٍ في زيادةِ درجاتهم في الجَنَّةِ. قال: ثمّ كل عاقلٍ معترفٌ بالتقصير، مُحتاجٌ إلى العفوِ، مشفقٌ من كونهِ من الهالكينَ، ويلزمُ هذا القائلَ ألا يدعوَ بالمغفرةِ والرحمةِ، لأنهما لأصحاب الذنوب؛ وكلُّ هذا خلافُ ما عُرفَ من دعاءِ السلفِ والخلفِ.

577- فصل [لا أصل لإنكار قول: توكلت على ربي الرب الكريم] : 1957- ومن ذلك ما حكاهُ النحَّاسُ عن هذا المذكور، قال: لا تقُل: توكّلتُ على ربي الربّ الكريم، وقل: توكلتُ على ربي الكريم. قلتُ: لا أصلَ لما قال.

578- فصل [أن لا كراهةٌ في تسميةِ الطوافِ شوطًا] : 1958- ومن ذلك ما حُكي عن جماعة من العلماء أنهم كرهوا أن يسمَّى الطوافُ بالبيت شوطاً أو دوراً، قالوا: بل يقالُ للمرةِ الواحدةِ طوافةٌ، وللمرتين طوفتان، وللثلاث طوفاتٌ، وللسبع طوافٌ. قلتُ: وهذا الذي قالوه لا نعلمُ له أصلاً، ولعلَّهم كرهوه لكونه من ألفاظ الجاهلية، والصوابُ المختار أنه لا كراهةَ فيه. 1959- فقد روينا في صحيحي البخاري رقم: 1602، ومسلم رقم: 1266؛ عن ابن عباسٍ -رضي الله عنهما- قال: أمرهم رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- أن يرملوا ثلاثةَ أشواطٍ، ولم يمنعهُ أن يأمرهُمَ أن يرملُوا الأشواطَ كلَّها إلا الإبقاء عليهم.

 579- فصل [في حكم استعمال اسم رمضان مجردًا من كلمة شهر]

1960- ومن ذلك: صُمنا رمضانَ، وجاءَ رمضانُ، وما أشبهَ ذلك؛ إذا أُريد به الشهرُ. واختلف في كراهته؛ فقال جماعةٌ من المتقدمين: يكرهُ أن يُقالَ رمضانُ من غيرِ إضافة إلى الشهر، رُوي ذلك عن الحسنِ البصري ومجاهدٍ. قال البيهقي: الطريقُ إليهما ضعيفٌ. ومذهبُ أصحابنا أنه يكرهُ أن يقالَ: جاءَ رمضانُ، ودخلَ رمضانُ، وحضرَ رمضانُ، وما أشبه ذلك مما لا قرينة فيه تدلّ على أن المرادَ الشهرُ، ولا يكرهُ إذا ذُكر معه قرينةٌ تدلُ على الشهر، كقولهِ: صمتُ رمضانَ، وقمتُ رمضانَ، ويجبُ صومِ رمضانَ، وحضرَ رمضانُ الشهر المبارك، وشِبْهُ ذلك. هكذا قالهُ أصحابنا، ونقلهُ الإِمامان: أقضى القضاة أبو الحسنِ الماوردي في كتابهِ الحاوي، وأبو نصرٍ ابن الصباغ في كتابه الشامل عن أصحابنا، وكذا نقلهُ غيرُهما من أصحابنا عن الأصحاب مُطلقًا. 1961- واحتجُّوا بحديث رويناه في سنن البيهقي 201/4، عن أبي هريرة -رضي الله عنهُ، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "لا تَقُولُوا رَمَضَانُ، فإنَّ رَمَضَانَ اسْمٌ مِنْ أسْماءِ اللَّهِ تَعالى، وَلَكِنْ قُولُوا: شَهْرُ رَمَضَانَ". وهذا الحديثُ ضعيفٌ ضعَّفهُ البيهقيُ، والضعف عليه ظاهرٌ، ولم يذكرْ أحدٌ رمضانَ في أسماء الله تعالى مع كثرةِ مَنْ صُنِّفَ فيها. والصوابُ والله أعلمُ: ما ذهب إليه الإِمام أبو عبد الله البخاري في صحيحه 30- كتاب الصوم 5

-باب هل يقالُ رمضانُ أو شهر رمضانَ، ومن رأى كله واسعًا] ، وغير واحدٍ من العلماءِ المحققينَ أنه لا كراهةَ مطلقاً كيفما قال؛ لأن الكراهةَ لا تثبتُ إلا بالشرع، ولم يثبتُ في كراهته شيءٌ، بل ثبتَ في الأحاديث جوازُ ذلك، والأحاديث فيه من الصحيحين وغيرهما أكثر من أن تُحصر. 1962- ولو تفرَّغت لجمع ذلك رجوتُ أن يبلغ أحاديثهُ مئاتين1، لكن الغرضَ يحصلُ بحديث واحدٍ، ويكفي من ذلك كله ما رويناهُ في صحيحي البخاري رقم: 1898، ومسلم رقم: 1079؛ عن أبي هريرة -رضي الله عنهُ، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أبوابُ الجنَّةِ، وغُلِّقضتْ أبوابُ النَّارِ، وصُفِّدَتِ الشَّيَاطين". وفي بعض روايات الصحيحين في هذا الحديث: "إذَا دَخَلَ رَمَضَانُ". وفي رواية لمسلم رقم: 1079: "إذَا كانََ رَمَضَان". 1963- وفي الصحيح [البخاري 112/4] تعليقًا: "لا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ". 1964- وفي الصحيح [البخاري، رقم: 8؛ مسلم، رقم: 16؛ متن الأربعين النووية، رقم: 3] : "بُنِيَ الإسلامُ على خمسٍ" منها: "صوم رمضان" وأشباهُ هذا كثيرةٌ معروفةٌ. سيرد برقم: 2076. __________ 1 في نسخة: "مئين".

580- فصل [حكم تسمية السور] : 1965- ومن ذلك ما نُقل عن بعض المتقدمين أنه يكرهُ أن يقولَ: سورة البقرة، وسورة الدخان، والعنكبوت، والروم، والأحزاب، وشبه ذلك؛ قالوا: وإنما يقالُ: السورةُ التي يذكرُ فيها البقرةُ، والسورةُ التي يذكرُ فيها النساءُ، وشبهُ ذلك. [راجع رقم: 620 السابق، و"التبيان في آداب حَمَلة القرآن"، رقم: 434] قلتُ: وهذا خطأ مخالف للسُّنَّة. فقد ثبت في الأحاديث استعمال ذلك فيما لا يُحصى من المواضعِ؛ كقولهِ -صلى الله عليه وسلم: 1966- الآيَتانِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ البَقَرَةِ، مَنْ قَرأهُما في لَيْلَةٍ كَفَتاهُ" وهذا الحديث في الصحيحين [البخاري، رقم: 5040؛ مسلم، رقم: 807] ومرَّ برقم: 496 وأشباههُ كثيرةٌ لا تنحصر.

581- فصلُ [في صحة القولِ: يقولُ اللَّهُ تَعالى] : 1967- ومن ذلك ما جاء عن مطرفٍ -رحمهُ الله، أنه كره أن يقول: إنَّ اللَّهَ تعالى يقولُ في كتابهِ؛ قال, وإنما يقالُ: إن الله تعالى قال. كأنه كره ذلك لكونه لفظاً مضارعاً، ومقتضاهُ الحالُ، أو الاستقبالُ، وقول الله تعالى هُو كلامهُ، وهُو قديمٌ. قلتُ: وهذا ليس بمقبولٍ، وقد ثبتَ في الأحاديث الصحيحة استعمالُ ذلك من جهاتٍ كثيرةٍ، وقد نبهتُ على ذلك في شرح صحيح مسلمٍ, وفي كتاب آداب القرّاء [التبيان في آداب حملة القرآن] قال الله تعالى: {وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ} [الأحزاب: 4] . 1968-[وفي صحيح مسلمٍ رقم: 2687] ، عن أبي ذرّ، قال: قال النبيّ -صلى الله عليه وسلم: "يَقُولُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} " [الأنعام: 160] . 1969-[وفي صحيح البخاري رقم: 4554] في تفسير: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [3آل عمران: 92] ، قال أبو طلحة: يا رسول الله! إن الله تعالى يقولُ: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92] .

 كتاب جامع الدّعوات:

582- جامع الدعوات 1970- اعلم أن غرضنا بهذا الكتاب ذكرُ دعواتٍ مهمَّةٍ مستحبَّةٍ في جميع الأوقات، غير مختصّة بوقتٍ أو حال مخصوصٍ. واعلم أن هذا البابَ واسعٍ جداً، لا يمكنُ استقصاؤهُ، ولا الإِحاطة بمعشارهِ، لكني أشيرُ إلى أهمّ المهمّ من عيونه. 1971- فأولُ ذلك الدعواتُ المذكوراتُ في القرآن, التي أخبرَ الله -سبحانهُ وتعالى- بها عن الأنبياء -صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليهم، وعن الأخيار، وهي كثيرةٌ معروفةٌ؛ ومن ذلك ما صحَّ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه فعلهُ أو علمهُ غيرهُ؛ وهذا القسم كثيرٌ جداً، تقدّم جملٌ منهُ في الأبوابِ السابقةِ، وأنا أذكرُ منهُ هُنا جُملًا صحيحةً تضمَّ إلى أدعية القرآن وما سبق؛ وبالله التوفيق. 1972- روينا بالأسانيد الصحيحة، في سنن أبي داود [رقم: 1479] ، والترمذي [رقم: 2969 و3247] ، والنسائي في السنن الكبرى كما في تحفة الأشراف [رقم: 11643] ، وابن ماجه [رقم: 3828] عن النعمانِ بن بشيرٍ -رضي اللهُ عنهُما، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الدعاءُ هُوَ العبادةُ". قال الترمذي: حديث حسن صحيحٌ.

1973- وروينا في سنن أبي داود [رقم: 1482] بإسناد جيدٍ، عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يَستحبّ الجوامعَ من الدعاء، ويدعُ ما سوى ذلك. 1974- وروينا في كتاب1 الترمذي [رقم: 3370] ، وابن ماجه [رقم: 3829] ؛ عن أبي هريرة -رضي الله عنهُ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لَيْسَ شيءٌ أكرمَ على اللهِ تَعالى مِنَ الدُعاءِ". 1975- ورويناهُ في كتاب الترمذي [رقم: 3382] ، عن أبي هريرةَ, قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "مَنْ سَرَّهُ أنْ يَسْتَجِيبَ اللَّهُ تَعالى لَهُ عنْدَ الشَّدَائِدِ وَالكُرَبِ فَلْيُكْثِرِ الدعاءَ في الرَّخاءِ". 1976- وروينا في صحيحي البخاري [رقم: 6389] ، ومسلم [رقم: 2690] ؛ عن أنسٍ -رضيَ الله عنهُ- قالَ: كان أكثرُ دُعاءِ النبيّ -صلى الله عليه وسلم: "اللَّهُمَّ آتِنا في الدُّنْيا حسنة، وفي الآخرةِ حسنة، وقنا عذابَ النار ". [مرَّ برقم: 136] . زاد مسلمٌ في روايته، قال: وكان أنسٌ إذا أرادَ أن يدعوَ بدعوةٍ دعا بها، فإذا أرادَ أن يدعُو بدُعاءٍ دعا بها فيه. 1977- وروينا في [صحيح مسلم 2721] ، عن ابن مسعودٍ -رضي الله عنهُ، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقولُ: "اللهم إني أسألُكَ الهُدَى والتُّقَى والعفاف والغنى". [وتقدَّم برقم: 391] . 1978- وروينا في [صحيح مسلم 34/2697] ، عن طارق بن أشيم الأشجعي الصحابي -رضي الله عنهُ- قال: كان الرجل إذا أسلمَ علَّمهُ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- الصلاةَ، ثم أمرهُ أن يدعوَ بهذه الكلمات: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي وَارْحَمْنِي وَاهْدِني وعافني وارزقني". __________ 1 في نسخة "كتابي".

وفي روايةٍ أخرى لمسلم [رقم: 36/2697] عن طارقٍ، أنه سمع النبيّ -صلى الله عليه وسلم، وأتاهُ رجلُ، فقال: يا رسول الله! كيف أقولُ حين أسألُ ربِّي؟ قال: "قُل: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي وَارْحَمْني وَعافني وَارْزُقْني، فإنَّ هَؤُلاءِ تجمعُ لَكَ دُنياك وآخِرَتَكَ". 1979- وروينا فيه [رقم: 2654] ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "اللَّهُمَّ يا مصرِّفَ القُلُوبِ صرِّف قُلُوبَنا على طاعَتِكَ". 1980- وروينا في صحيحي البخاري [رقم: 6616] ، ومسلم [رقم: 2707] ؛ عن أبي هريرة -رضي الله عنهُ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم، قال: "تَعَوَّذُوا باللَّهِ مِنْ جهدِ البلاءِ، ودركِ الشقاءِ، وَسُوءِ القَضَاءِ، وَشَمَاتَةِ الأعْدَاءِ". وفي رواية عن سفيان، أنه قال: في الحديث ثلاثٌ، وردتُ أنا واحدة لا أدري أيتهُن ... وفي روايةٍ: قال سفيانُ: أشكُ أني زدتُ واحدة منها. 1981- وروينا في صحيحهما البخاري، [رقم: 6367] ؛ مسلم [رقم: 2706] ؛ عن أنسٍ -رضي اللهُ عنهُ، قالَ: كان رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- يقولُ: "اللَّهُمَّ إني أعوذُ بك مِنَ العجزِ وَالكَسَلِ، وَالجُبْنِ والهرمِ والبُخلِ، وأعوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وأعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ المَحيَا وَالمَماتِ". وفي رواية أخرجها البخاري، [رقم: 6367] ؛ الترمذي [رقم: 3480] : "وضَلَعُ الدَّيْنِ، وغَلَبَة الرّجالِ". قلتُ: ضَلَعُ الدَّيْن: شدتهُ وثقلُ حملهِ؛ والمحيا والممات: الحياة والموت. 1982- وروينا في صحيحيهما البخاري [رقم: 834] ؛ مسلم [رقم: 2705] ؛ عن عبد الله بن عمرو بن العاص، عن أبي بكرٍ الصديق

-رضي الله عنهم، أنهُ قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم: علّمني دُعاءً أدعُو به في صَلاتي, قال: "قُل: "اللَّهُمَّ إنِّي ظلمتُ نَفْسِي ظُلْماً كَثِيراً، وَلا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أنْتَ، فاغْفِرْ لي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْني، إنَّكَ أنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ". قلتُ: روي: كثيرًا بالمثلثة، وكبيراً بالموحَّدةِ، وقد قدّمنا بيانهُ في أذكار الصلاة [رقم:388] ، فيستحبّ أن يقول الداعي: كثيراً كبيراً يجمع بينهما، وهذا الدعاءُ وإن كان ورد في الصلاةِ، فهو حسنٌ نفيسٌ صحيحٌ، فيُستحب في كل موطنٍ؛ وقد جاء في رواية: "وفي بيتي". أي: أدعُو به في صلاتي وبيتي. 1983- وروينا في صحيحهما البخاري [رقم: 3698] ؛ مسلم [رقم: 2719] ؛ عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنهُ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم، أنه كان يدعو بهذا الدعاء: "اللَّهُمَّ اغفرْ لي خَطِيئَتي وَجَهْلي، وَإسْرَافِي في أمْرِي، وَمَا أنْتَ أعلمُ بِهِ مِنِّي؛ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي جَدّي وَهَزْلي، وَخَطَئي وَعَمْدي، وَكُلُّ ذلكَ عِنْدِي؛ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي ما قدَّمت وَمَا أخَّرتُ، وَمَا أسررتُ وَمَا أعلنتُ، وَمَا أنْتَ أعلمُ بِهِ مِنِّي، أنْتَ المقدِّم، وأنْتَ المؤخِّرُ، وأنْتَ على كلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ". 1984- وروينا في صحيح مسلم [رقم: 2716] ، عن عائشة -رضي الله عنها، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقُولُ في دُعائهِ: "اللَّهُمَّ إِني أعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّ ما عملتُ، وَمِنْ شَرّ مَا لَمْ أعْمَلْ". 1985- وروينا في صحيح مسلم [رقم: 2739] عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: كان من دُعاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "اللَّهُمَّ إني أعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نعمتكَ، وتحوّلِ عافيتكَ، وفجأةِ نقمتكَ، وجميعِ سُخْطِكَ". 1986- وروينا في صحيح مسلم [رقم: 2722] ، عن زيدِ بن

أرقم -رضي الله عنهُ، قالَ: لا أقولُ لكم إلا كماكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقولُ، كان يقول: "اللَّهُمَّ إني أعوذُ بكل مِنَ العَجْزِ والكَسَلِ، والجبن والبخل، والهرم وعذابِ القَبْرِ؛ اللَّهُمَّ آتٍ نَفْسِي تَقْوَاها، وَزَكِّها أنْتَ خيرُ مَنْ زَكَّاها، أنْتَ وَلِيُّها وَمَوْلاها؛ اللَّهُمَّ إني أعوذُ بِكَ مِنْ علمٍ لا يَنْفَعُ، وَمِنْ قَلْبٍ لا يخشعُ، وَمنْ نفسٍ لا تشبعُ، وَمِنْ دعوةٍ لا يستجابُ لَهَا". 1987- وروينا في صحيح مسلم [رقم: 2725] ، عن علي -رضي الله عنهُ، قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "قُل: اللَّهُمَّ اهْدِني وَسَدّدْنِي". وفي رواية: "اللَّهُمَّ إني أسألُك الهُدَى وَالسَّدادَ". 1988- وروينا في صحيح مسلم [رقم: 2696] ، عن سعدِ ابن أبي وقاص -رضي الله عنهُ، قال: جاءَ أَعْرَابيٌّ إلى النبيّ -صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! علِّمني كلاماً أقولهُ، قالَ: "قُل: لا إله إلا الله وحده لا شريك لَهُ، اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيراً، والحمدُ لِلَّه كَثِيراً، سبحانَ اللَّهِ رَبِّ العالَمِينَ، لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ باللَّهِ العَزِيزِ الحَكيمِ" , قال: فهؤلاء لربي، فما لي؟ قال: "قُل: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي وَارْحَمْنِي وَاهْدِني وَارْزُقْنِي وَعافني". شكَّ الراوي في: "وعافني". 1989- وروينا في صحيح مسلم [رقم: 2720] ، عن أبي هريرة -رضي الله عنهُ، قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "اللَّهُمَّ أصْلِحْ لي دِينِي الَّذِي هُوَ عصمةُ أمْرِي، وأصْلِحْ لي دُنياي الَّتِي فيها مَعاشِي، وأصْلِحْ لي آخِرَتِي الَّتي فيها مَعادي، وَاجْعَلِ الحَياةَ زيادَةً لي في كُلّ خيرٍ، وَاجْعَلِ المَوْتَ راحَةً لي مِنْ كُلّ شَرٍّ".

1990- وروينا في صحيحي البخاري [رقم: 7383] ، ومسلم [رقم: 2717] ؛ عن ابن عباس -رضي الله عنهما، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقولُ: "اللَّهُمَّ لَكَ أسلمتُ، وَبِكَ آمنتُ، وَعَلَيْكَ توكلتُ، وَإِلَيْكَ أنبتُ، وَبِكَ خاصمتُ؛ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوْذُ بعزَّتك لا إِلهَ إِلاَّ أنْتَ أنْ تُضِلَّني، أنْتَ الحيُ الَّذي لاَ يموتُ، والجنُ والإنس يموتون" [راجع رقم: 138 السابق] . 1991- وروينا في سنن أبي داود [رقم: 1493] ، والترمذي [رقم: 3475] ، والنسائي في السنن الكبرى كما في تحفة الأشراف، [رقم: 1998] ، وابن ماجه [رقم: 2857] ؛ عن بُريدة -رضي الله عنهُ، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سمع رجلاً يقولُ: اللَّهمّ إني أسألك بأني أشهدُ إنَّكَ أنتَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أنتَ الأَحَدِ الصَّمَدِ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلمْ يُولَدْ ولَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أحَدٌ، فقال: "لَقَدْ سألْتَ اللَّهَ تَعالى بالاسْمِ الَّذي إذَا سُئِلَ بِهِ أعْطَى، وَإِذَا دُعيَ بهِ أجابَ". وفي رواية: "لَقَدْ سألْتَ اللَّهَ تَعالى باسْمهِ الأعْظَمِ"، قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ. 1992- وروينا في سنن أبي داود [رقم: 1495] ، والنسائي [رقم: 1300] ؛ عن أنسٍ رضي اللهُ عنهُ: أنهُ كان مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جالساً، ورجلٌ يُصلي، ثُم دعا: اللهُم إني أسألك بأنَّ لكَ الحمدَ، لا إِله إِلاَّ أنتَ المنَّانُ بديعُ السماواتِ والأرض، يا ذَا الجَلالِ والإِكرام، يا حيُ يا قيومُ. فقال النبيّ -صلى الله عليه وسلم: "لَقَدْ دَعا اللَّهَ تَعالى باسْمهِ العَظيمِ الَّذي إذَا دُعي بهِ أجابَ، وَإِذَا سُئِلَ به أعطى". 1993- روينا في سنن أبي داود [رقم: 880] ، والترمذي [رقم: 3495] ، والنسائي [رقم: 5519] ، وابن ماجه [رقم: 3838] ؛ بالأسانيد

الصحيحة؛ عن عائشة -رضي الله عنها، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كانَ يدعو بهؤلاء الكلماتِ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذُ بِكَ مِنْ فتنةِ النَّارِ، وَعَذَابِ النَّارِ، وَمنْ شَرّ الغِنَى وَالفَقْرِ" هذا لفظ أبي داود، قال الترمذي: حديثٌ حسن صحيح. 1994- وروينا في كتاب الترمذي [رقم: 3591] ، عن زياد بن عِلاَقَة، عن عَمِّه, وهُو قطبةُ بن مالكٍ -رضيَ اللهُ عنهُ، قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقولُ: "اللهم إني أعوذُ بكَ مِنْ مُنْكَرَاتِ الأخْلاقِ وَالأعْمالِ وَالأهْوَاءِ"، قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ. 1995- وروينا في سنن أبي داود [رقم: 1551] ، والترمذي [رقم: 3492] ، والنسائي [رقم: 5455] ؛ عن شَكَل بن حُميد -رضي الله عنهُ، وهو بفتح الشين المعجمة والكاف؛ قال: قلتُ: يا رسول الله! علمني دُعاءً؛ قال: "قُل: اللَّهُمَّ إِني أعوذُ بِكَ مِنْ شَرّ سَمْعِي، وَمنْ شَرّ بَصَرِي، وَمِنْ شَرّ لِساني، وَمِنْ شَرّ قَلْبي، وَمنْ شَرّ مَنِيِّي". قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ. 1996- وروينا في كتابي أبي داود [رقم: 1554] والنسائي [رقم: 5493] ، بإسنادين صحيحين؛ عن أنسٍ -رضي الله عنهُ، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقولُ: "اللهم إني أعوذُ بِكَ مِنَ البَرَصِ والجنون والجذامِ، وسيئ الأسْقامِ". 1997- وروينا فيهما أبو داود، [رقم: 1552] , والنسائي [رقم: 5531] ؛ عن أبي اليَسَر الصحابي رضي الله عنه -وهو بفتح الياء المثناة تحت والسين المهملة، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يدعو: "اللَّهُمَّ إني أعوذُ بِكَ مِنَ الهدمِ، وأعوذُ بِكَ مِنَ التَّرَدِّي، وأعوذُ بِكَ مِنَ الغرقِ والحرقِ وَالهَرَمِ، وأعوذُ بِكَ أنْ يَتَخَبَّطَنِي الشيطانُ عِنْدَ المَوْتِ؛ وأعوذُ بِكَ أنْ أموتَ فِي سَبِيلِكَ مُدْبِراً، وأعوذُ بِكَ أنْ أموتَ لَديغاً" هذا لفظ أبي داود. وفي رواية له:" "وَالغَمّ".

1998- وروينا فيهما أبو داود [رقم: 1547] ؛ والنسائي [رقم: 5468] ، بالإِسناد الصحيح؛ عن أبي هريرة -رضي الله عنهُ- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "اللَّهُمَّ إني أعوذُ بِكَ منَ الجُوعِ فإنهُ بِئْسَ الضجيعُ، وأعوذُ بك مِنَ الخِيانَةِ فإنَّها بِئْسَتِ البطانَةُ". 1999- وروينا في كتاب الترمذي [رقم: 3563] ، عن عليّ -رضي الله عنهُ، أن مُكاتباً جاءهُ فقال: إني عجزتُ عن كتابتي فأعنِّي؛ قال: ألا أُعلمك كلماتٍ علمنيهنَّ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم، لو كانَ عَليكَ مثلُ جبلِ صِيْرٍ دَيْناً أدَّاهُ الله عنك؟ قُل: "اللَّهُمَّ اكْفِني بِحَلالِكَ عَنْ حَرَامِكَ، وَأغْنِني بِفَضْلِكَ عمَّن سِواكَ". قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ غريب. [مر برقم: 692] . 2000- وروينا فيه [رقم: 3483] ، عن عمران بن الحصين -رضي اللهُ عنهما، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- علَّمَ أباهُ حصيناً كلمتين يدعو بهما: "اللَّهُمَّ ألْهِمْنِي رُشْدِي، وَأعِذْنِي مِنْ شَرّ نَفْسِي". قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ. 2001- وروينا فيهما أبو داود، [رقم: 1546] , والنسائي [رقم: 4571] بإسنادٍ ضعيفٍ؛ عن أبي هريرةَ -رضيَ الله عنهُ، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقولُ: "اللهم إني أعوذُ بكَ منَ الشقاقِ، والنفاقِ، وسوءِ الأخْلاقِ". 2002- وروينا في كتاب الترمذي [رقم: 3522] ، عن شهرِ بن حوشبٍ، قال: قلتُ لأُمّ سلمةَ -رضيَ الله عنها: يا أُمّ المؤمنين! ما كان أكثرُ دُعاءِ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- إذا كان عندكِ؟ قالت: كان أكثرُ دعائه: "يا مُقلبَ القلوبِ ثَبِّت قَلْبي على دِينكَ". قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ. [مر برقم: 481] . 2003- وروينا في كتاب الترمذي [رقم: 3480] ، عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "اللَّهُمَّ عافني في

جَسَدِي، وَعافني في بَصَرِي، واجعلهُ الوَارِثَ مِنِّي، لا إِلهَ إِلاَّ أنْتَ الحليمُ الكريمُ، سبحانَ اللَّه رَبّ العرشِ العظيمِ، والحمدُ لِلَّهِ رَبّ العَالَمِينَ". 2004- وروينا فيه [رقم: 3490] ، عن أبي الدرداء -رضي الله عنهُ- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "كانَ مِنْ دُعاءِ دَاوُدَ -صلى الله عليه وسلم: اللَّهُمَّ إني أسألُكَ حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ، وَالعَمَلَ الَّذي يُبَلِّغُنِي حُبَّكَ؛ اللَّهُمَّ اجْعَلْ حُبَّكَ أحَبَّ إِليَّ مِنْ نَفْسِي وَأهْلِي وَمنَ المَاءِ البارِدِ". قال الترمذي: حديثٌ حسن. 2005- وروينا فيه [رقم: 3505] ، عن سعد ابن أبي وقاص -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "دعوةُ ذِي النونِ إذْ دَعا ربهُ وهو بطنِ الحوتِ: لا إِلهَ إِلاَّ أنْتَ، سُبْحانَكَ إنِّي كنتُ مِنَ الظالِمِينَ، فإنَّهُ لَمْ يدعُ بِها رجلٌ مسلمٌ فِي شيءٍ قطُ إِلاَّ اسْتَجابَ لَهُ". قال الحاكمُ أبو عبد الله [505/1] : هذا صحيح الإسناد. [مر برقم: 672] . 2006- وروينا فيه [رقم: 3512] ، وفي كتاب ابن ماجه [رقم: 3848] ؛ عن أنس -رضي الله عنهُ، أن رجلاً جاء إلى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله! أيُّ الدعاءِ أفضل؟ قال: "سَلْ رَبَّكَ العافِيَةَ وَالمُعافاةَ في الدُّنْيا والآخِرَةِ". ثم أتاه في اليوم الثاني، فقال: يا رسولَ الله! أيّ الدعاءِ أفضل؟ فقال له مِثْلُ ذلكَ، ثم أتاهُ في اليوم الثالثِ، فقال لهُ مِثْلُ ذلكَ، قال: "فإذَا أعطيتَ العافِيَةَ في الدُّنْيا، وأُعْطِيتَها في الآخرةِ؛ فَقَدْ أفْلَحْت". قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ. [مر برقم: 391] . 2007- وروينا في كتاب الترمذي [رقم: 3514] ، عن العباس بن عبد المطلب -رضي الله عنه- قال: قلتُ: يا رسول الله! علمني شيئا أسألهُ الله تعالى، قال: "سَلُوا اللهَ تعالى العافِيَةَ" فمكثتُ أياماً، ثم جئتُ فقلتُ: يا رسولَ الله! علمني شيئا أسأله الله تعالى، فقال: "يا عَبَّاسُ! يا عمَّ رَسُول اللَّهِ!

سلو اللَّهَ العافِيَةَ في الدُّنْيا والآخِرَة". قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. 2008- وروينا فيه [رقم: 3521] ، عن أبي أمامة -رضي الله عنهُ- قال: دعا رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- بدعاءٍ كثيرٍ لم نحفظ منهُ شيئًا، قُلنا: يا رسول الله! دعوتَ بدُعاءٍ كثيرٍ لم نحفظ منهُ شيئاً، فقال: "أَلاَ أدُلُّكُمْ ما يَجْمَعُ ذلكَ كُلَّهُ؟ تقولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أسألُكَ مِنْ خَيْرِ ما سألَكَ منْهُ نَبِيُّكَ محمدٌ -صلى الله عليه وسلم، ونعوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ ما اسْتَعاذَكَ مِنْهُ نَبِيُّكَ محمدٌ -صلى الله عليه وسلم، وأنْتَ المستعانُ وَعَلَيْكَ البلاغُ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ باللَّهِ". قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ. 2009- وروينا فيه [رقم: 3525] عن أنسٍ -رضي اللهُ عنهُ- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "ألِظُّوا بِياذَا الجَلالِ والإكرامِ". ورويناهُ في كتاب النسائي في السنن الكبرى كما في تحفة الأشراف [رقم: 3602] من رواية ربيعة بن عامرٍ الصحابي -رضي الله عنهُ، قال الحاكم [498/1 و499] : حديثٌ صحيحُ الإِسناد. قلتُ: ألِظُّوا -بكسر اللام وتشديد الظاء المعجمةِ- ومعناهُ: الزموا هذه الدعوة، وأكثروا منها. 2010- وروينا في سنن أبي داود [رقم: 1510] ، والترمذي [رقم: 3551] ، وابن ماجه [رقم: 3830] ؛ عن ابن عباسٍ -رضي الله عنهما- قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يدعو ويقولُ: "رَبّ أعِنِّي وَلا تُعِنْ عَليَّ، وَانْصُرْنِي وَلا تَنْصُرْ عَلَيَّ، وَامْكُرْ لي وَلا تمكر علي، واهدني ويسر هداي إلي 1، وَانْصُرْنِي على مَنْ بَغَى عَليَّ، رَبّ اجْعَلْنِي لَكَ شاكِراً، لَكَ ذَاكِراً، لَكَ رَاهِباً، لَكَ مِطْوَاعاً, إليك مخبتًا 2 أوْ مُنيباً، تَقَبَّلْ تَوْبَتِي، وَاغْسِلْ حَوْبَتي، وَأجِبْ دَعْوَتي، وَثَبِّتْ __________ 1 في نسخة: "ويسر لي هداي". 2 في نسخة: "مجيبًا".

حُجتي، واهدِ قَلْبِي، وَسَدّدْ لِساني، وَاسْلُلْ سَخِيمَةَ قَلْبِي". وفي رواية الترمذي: "أوَّاهاً مُنِيباً". قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. قلتُ: السخيمة -بفتح السين المهملةِ وكسرِ الخاءِ المعجمة- وهي: الحقدُ، وجمعُها: سخائمُ، هذا معنى السخيمة هُنا. وفي حديثٍ آخر: "مَنْ سلَّ سخيمتهُ في طريقِ المسلمين فعليهِ لعنةُ اللهِ" مجمع الزوائد [204/1] ، ومستدرك الحاكم [186/1] والمرادُ بها: الغائطُ. 2011- وروينا في مسند الإمام أحمد ابن حنبل -رحمهُ الله [137/6] ، وسنن ابن ماجه [رقم: 3846] عن عائشة -رضي الله عنها، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لها: "قُولي: اللَّهُمَّ إني أسألُكَ مِنَ الخَيْرِ كلهِ عاجلهِ وآجِلِهِ، ما علمتُ منهُ وَما لَمْ أعْلَمُ، وأعوذُ بِكَ مِنَ الشَّرّ كلهِ عاجلهِ وآجلهِ، ما علمتُ منهُ وَمَا لَمْ أعْلَمْ، وأسألُكَ الجَنَّةَ وَما قرَّبَ إِلَيْها مِنْ قولٍ أوْ عملٍ، وأعوذُ بِكَ مِنَ النارِ وَمَا قربَ إِلَيْها مِنْ قولٍ أوْ عملٍ، وأسألُكَ خَيْرَ ما سألَكَ بِهِ عبدُك ورسولكَ مُحمدٌ -صلى الله عليه وسلم، وأعوذُ بك من شر ما استعاذك مِنْهُ عبدُك وَرَسُولُكَ محمدٌ -صلى الله عليه وسلم، وأسألُكَ ما قَضَيْتَ لي مِنْ أمرٍ أنْ تَجْعَلَ عاقبتهُ رَشَداً". قال الحاكمُ أبو عبد الله [522/1] : هذا حديثٌ صحيحُ الإِسناد. 2012- ووجدتُ في المستدرك للحاكم [525/1] ، عن ابن مسعودٍ -رضي الله عنهُ- قال: كان من دعاءِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "اللَّهُمَّ إنَّا نَسألُكَ مُوجِباتِ رَحْمَتِكَ، وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ، وَالسَّلامَةَ مِنْ كُلّ إثمٍ، وَالغَنِيمَةَ مِنْ كُلّ بِرٍّ، وَالفَوْزَ بالجَنَّةِ، وَالنَّجاةَ منَ النَّارِ". قال الحاكم: حديثٌ صحيحٌ على شرطِ مسلمٍ.

2013- وفيه [543/1] ، عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: جاء رجلٌ إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: وَاذُنُوباهُ وَاذُنُوباهُ، مرّتين أو ثلاثاً، فقال له رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم: "قُل: اللَّهُمَّ مَغْفِرَتُكَ أوْسَعُ مِنْ ذُنُوبي، وَرَحْمَتُكَ أرْجَى عِنْدِي مِنْ عَمَلي"، فقالها، ثم قال: "عُد"، فعاد، ثم قال: "عُد"، فعاد، فقال: "قُم، فقد غفر الله لَكَ1". 2014- وفيه [544/1] ، عن أبي أمامةَ -رضي الله عنه، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "إنَّ لِلَّهِ تَعالى مَلَكاً مُوَكَّلاً بِمَنْ يَقُولُ: يا أرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، فَمَنْ قالها ثلاثاً، قالَ لَهُ المَلَكُ: إنَّ أرْحَمَ الرَّاحِمينَ قَدْ أقْبَلَ عَلَيْكَ فَسَلْ"؛ والله -عز وجل- أعلمُ. __________ 1 في نسخة: "فَقَدْ غُفر لَكَ".

بابٌ في آدابِ الدُعاءِ: 2015- اعلم أن المذهب المختار الذي عليهِ الفقهاء والمحدّثون وجماهيرُ العلماء من الطوائفِ كلها من السلف والخلف -رضي الله عنهم، أن الدعاء مستحبّ، قال الله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60] وقال تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف: 55] , والآيات في ذلك كثيرةٌ مشهورةٌ. وأما الأحاديث الصحيحيةُ فهي أشهرُ من أن تُشهر، وأظهر من أن تُذكر، وقد ذكرنا قريباً في الدعواتِ ما فيه أبلغ كفايةٍ، وبالله التوفيق. 2016- وروينا في رسالة الإِمام أبي القاسم القشيريّ -رضي الله عنهُ [221/3] قال: اختلفَ الناسُ في أن الأفضل الدعاء، أم السكوت والرضا؟ فمنهم من قال: الدعاءُ عبادةٌ، للحديث السابق [برقم: 1972] : "الدعاء هو

العبادةُ"، ولأن الدعاءَ هُو إظهارُ الافتقار إلى الله تعالى. وقالت طائفةٌ: السكوت والخمودُ تحتَ جريان الحكم أتمّ، والرضا بما سبقَ بهِ القدرُ أولى. وقال قومٌ: يكونُ صاحبَ دُعاءٍ بلسانه، ورضا بقلبهِ، ليأتيَ بالأمرين جميعاً. 2017- قال القشيري 221/3: والأولى أن يُقال: الأوقات مختلفةٌ، ففي بعض الأحوال الدعاء أفضلُ من السكوت، وهو الأدب؛ وفي بعض الأحوالِ السكوت أفضلُ من الدعاءِ، وهو الأدبُ؛ وإنما يُعرف ذلك بالوقت، فإذا وجدَ في قلبه إشارةً إلى الدعاء، فالدعاءُ أولى به؛ وإذا وجد إشارةً إلى السكوت، فالسكوتُ أولى به وأتمُّ. 2018- قال [الرسالة 222/3] : ويصحّ أن يُقال: ما كان للمسلمين فيه نصيبٌ، أو لله -سبحانهُ وتعالى- فيه حقّ، فالدعاءُ أولى لكونهِ عبادة، وإن كان لنفسك فيه حظّ، فالسكوتُ أتمّ. 2019- قال [الرسالة 222/3] : ومن شرائط الدعاءِ أن يكون مطعمهُ حلالاً. 2020- وكان يحيى بن معاذٍ الرازي -رضي الله عنهُ- يقولُ [الرسالة 223/3] : إليه كيف أدعوكَ وأنا عاصٍ؟ وكيف لا أدعوك وأنت كريم؟ 2021- ومن آدابه حضور القلب، وسيأتي دليلهُ إن شاء الله تعالى. 2022- وقال بعضُهم [الرسالة 225/3] : المرادُ بالدعاءِ إظهارُ الفاقةِ، وإلا فالله -سبحانهُ وتعالى- يفعلُ ما يشاءُ. 2023- وقال الإِمام أبو حامدٍ الغزالي في الإِحياء [304/1] : آدابُ الدعاءِ عشرةٌ: الأول: أن يترصَّد الأزمان الشريفة، كيوم عَرَفَة، وشهر رمضان، ويوم الجمعة، والثلث الأخير من الليل، ووقت ِ الأسحار.

الثاني: أن يغتنمَ الأحوالَ الشريفة، كحالةِ السجودِ، والتقاءِ الجيوش، ونُزولِ الغيث، وإقامة الصلاةِ وبعدَها. قلتُ: وحالة رقَّة القلب. الثالث: استقبالُ القبلةِ ورفعُ اليدين، ويمسحُ بهما وجهه في آخره. الرابع: خفضُ الصوت بين المخافتة والجهر. والخامس: ألّا يتكلَّف السجعَ. وقد فُسِّرَ به الاعتداءُ في الدعاءِ، والأولى أن يقتصر على الدعوات المأثورةِ، فما كلُ أحدٍ يحسنُ الدعاءَ، فيخافُ عليه الاعتداءُ. وقال بعضهم: ادعُ بلسانِ الذلّة والافتقار، لا بلسان الفصاحة والانطلاق، ويقالُ: إن العلماء والأبدال لا يزيدون في الدعاءِ على سبع كلماتٍ، ويشهدُ لهُ ما ذكرهُ الله -سبحانهُ وتعالى- في آخر سورة البقرة: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا} [البقرة: 286] إلى آخرها، لم يخبرِ الله سبحانه- في موضعٍ عن أدعيةِ عباده بأكثر من ذلك. قلتُ: ومثلهُ قولُ الله -سبحانهُ وتعالى- في [إبراهيم: 35] {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا....} إلى آخره. قلتُ: والمختار الذي عليه جماهيرُ العلماءِ أنه لا حجرَ في ذلك، ولا تكرهُ الزيادةُ على السبع، بل يُستحبّ الإكثارُ من الدعاءِ مُطلقًا. السادس: التضرّعُ والخشوعُ والرهبةُ، قال الله تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء: 90] وقال تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف: 55] .

السابع: أن يجزمَ بالطلب، ويُوقن بالإِجابة، ويصدقَ رجاءهُ فيها، ودلائلُه كثيرةٌ مشهورةٌ: قال سفيان بن عُيينة -رحمهُ الله: لا يمنعنّ أحدَكم من الدعاء ما يعلمُه من نفسه، فإن الله تعالى أجاب شرّ المخلوقين إبليس إذ: {قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ , قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ} [الأعراف: 14 و15] . الثامن: أن يلحَّ في الدعاءِ، ويكررهُ ثلاثًا، ولا يستبطئ الإِجابة. التاسع: أن يفتتح الدعاء بذكر الله تعالى. قلتُ: وبالصلاة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد الحمد لله تعالى والثناء عليه، ويختمهُ بذلك كله أيضاً. العاشرُ: وهو أهمّها، والأصلُ في الإِجابة، هو التوبةُ1، وردُّ المظالم، والإقبالُ على الله تعالى. 584- فصل في فوائد الدعاء: 2024- قال الغزالي في الإِحياء [328/1] : فإن قيل: فما فائدة الدعاءِ مع أن القضاءَ لا مردَّ له؟ فاعلم أن من جملةِ القضاءِ ردّ البلاء بالدعاء، فالدعاءُ سببٌ لردّ البلاءِ ووجودِ الرحمة، كما أن الترسَ سبب لدفع السلاح، والماءُ سببٌ لخروج النبات من الأرض؛ فكما أن الترسَ يدفع السهمَ فيتدافعان، فكذلك الدعاءُ والبلاء، وليس من شرط الاعتراف بالقضاء, ألا يحملَ السلاح، وقد قال الله تعالى: {وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ} [النساء: 102] فقدَّرَ الله تعالى الأمرَ، وقَدَّر سبَبه. وفيه من الفوائد ما ذكرناهُ، وهو حضور القلب والافتقار، هُما نهايةُ العبادة والمعرفة؛ والله -عز وجل- أعلم. __________ 1 في نسخة وهو التوبة.

585- بابُ دُعاء الإِنسان وتوسّله بصالحِ عملهِ إلى الله تعالى: 2025- روينا في صحيحي البخاري [رقم: 2272 و3465] ، ومسلم [رقم: 2743] ؛ حديث أصحاب الغار، عن ابن عمر -رضي اللهُ عنهما- قال: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "انْطَلَقَ ثَلاثَةُ نفرٍ مِمَّنْ كان قَبْلَكُمْ حتَّى آوَاهُمُ المَبيتُ إلى غارٍ فدخلوهُ، فانْحَدَرَتْ صخرةٌ مِنَ الجَبَلِ فَسَدَّتْ عَلَيْهِمُ الغارَ، فَقالُوا: إنَّهُ لا يُنجكم مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ إلاَّ أنْ تَدْعُوا اللَّهَ تَعالى بصَالحِ أعْمالِكُمْ. قالَ رجلٌ منهُم: اللَّهُمَّ! إنَّهُ كانَ لي أَبوانِ شَيْخانِ كَبِيرَانِ، وكُنْتُ لا أغبقُ قَبْلَهُما أهْلاً وَلا مالاً". وذكر تمام الحديث الطويل فيهم، وأنَّ كلَّ واحد منهم قال في صالح عمله: "اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ قَدْ فَعَلْتُ ذلكَ ابْتِغاءَ وَجْهِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا ما نحنُ فيه"، فانفرجت في دعوة كلِّ واحدٍ شيءٌ منها، وانفرجتْ كلُّها عقب دعوة الثالث، "فخرجوا يمشون". قلتُ: أُغبق -بضم الهمة وكسر الباءِ- أي: أسقي. 2026- وقد قال القاضي حُسينُ من أصحابنا وغيرهُ في صلاة الاستسقاء كلاماً معناهُ: أنهُ يُستحبّ لمن وقعَ في شدّة أن يدعوَ بصالح عمله، واستدلوا بهذا الحديث، وقد يُقالُ: في هذا شيءٌ؛ لأن فيه نوعاً من ترك الافتقار المطلقِ إلى الله تعالى، ومطلوبُ الدعاء الافتقارُ، ولكن ذكرَ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- هذا الحديث ثناءً عليهم، فهو دليلٌ على تصويبه -صلى الله عليه وسلم- فعلهم؛ وبالله التوفيق.

586- فصل ما جاءَ عن السلف في الدعاء: 2027- ومن أحسن ما جاءَ عن السلف في الدعاءِ، ما حُكي عن الأوزاعيّ -رحمهُ الله تعالى- قال: خرج الناسُ يستسقون، فقام فيهم بلالُ بنُ سعدِ، فحمدَ الله تعالى وأثنى عليه، ثم قال: يا معشر مَن حضر! ألستم مقرِّين بالإِساءة؟ قالوا: بلى؛ فقال: اللَّهمّ إنّا سمعناك تقولُ: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91] وقد أقررنا بالإِساءة، فهل تكونُ مغفرتك إلا لمثلنا؟ اللَّهمّ اغفرْ لنا وارحمنا واسقنا؛ فرفعَ يديهِ ورفعوا أيديهم، فسُقوا. 2028- وفي هذا المعنى أنشدوا من الطويل: أنا المُذْنبُ الخَطَّاءُ، والعفوُ واسعٌ ... ولو لم يكنْ ذنبٌ لما وقعَ العَفْوُ

بابُ رَفعِ اليدين في الدعاءِ ثم مَسْحِ الوَجْهِ بهما: 2029- روينا في كتاب الترمذي [رقم: 3386] ، عن عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى- عنه، قال: كان رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- إذا رفع يديه في الدعاءِ لم يحطَّهما حتى يمسحُ بهما وجههُ. وروينا في سنن أبي داود [رقم: 1485] ، عن ابن عباس -رضي الله عنهما، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- نحوهُ -وفي إسناد كل واحدٍ ضعفٌ, وأما قولُ الحافظ عبد الحق -رحمهُ الله تعالى: إن الترمذي قال في الحديثِ الأوّل: إنه حديثٌ صحيحٌ؛ فليس في النسخ المعتمدة من الترمذي أنه صحيح، بل قال: حديثٌ غريبٌ.

بابُ استحبابِ تَكريرِ الدُّعاء: 2030- روينا في سنن أبي داود [رقم: 1524] ، عن ابن مسعودٍ -رضي الله عنهُ، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يعجبهُ أن يدعوَ ثلاثاً، ويستغفر ثلاثًا. وسيرد [برقم: 2048] .

بابُ الحثّ على حُضور القلبِ في الدُعاءِ: 2031- اعلم أن مقصود الدعاءِ هو حضور القلب كما سبق بيانهُ [رقم: 62] ، والدلائلُ عليه أكثرُ من أن تُحصرَ، والعلمُ بهِ أوضحُ من أن يُذكرَ، لكن نتبركُ بذكرِ حديثٍ فيه. 2032- روينا في كتاب الترمذي [رقم: 3479] ، عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنهُ- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "ادْعُوا اللَّهَ وَأنْتُمْ موقون بالإِجابَةِ، وَاعْلَمُوا أنَّ اللَّه تَعالى لا يَسْتَجِيبُ دُعاءَ مِنْ قلبٍ غافلٍ لاهٍ" إسنادهُ فيه ضعفٍ.

بابُ فضلِ الدُعاء بظهر الغيب: قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ} [إبراهيم: 41] , وقال تعالى: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد: 19] , وقال تعالى إخباراً عن إبراهيم -صلى الله عليه وسلم: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [إبراهيم: 41] , وقال تعالى إخباراً عن نوح -صلى الله عليه وسلم: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [نوح: 28] . 2033- وروينا في صحيح مسلمٍ [رقم: 2732] ، عن أبي الدرداء -رضي الله تعالى عنهُ، أنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "مَا مِنْ عبدٍ مسلمٍ يَدْعُو لأخِيهِ بِظَهْرِ الغَيْبِ إِلاَّ قَالَ المَلَكُ: وَلَكَ بمثلٍ". وفي رواية أخرى في صحيح مسلمٍ [رقم: 2733] ، عن أبي الدرداء أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقُولُ: "دعوةُ المرءِ المُسْلِمِ لأخِيهِ بِظَهْرِ الغَيْبِ مستجابةٌ، عِنْدَ رأسهِ مَلَكٌ موكلٌ، كُلما دَعا لأخِيهِ بخيرٍ، قالَ المَلَكُ الموكلُ بِهِ: آمِينَ، وَلَكَ بمثلٍ". 2034- وروينا في كتابي أبي داود [رقم: 1535] ، والترمذي [رقم: 1980] ؛ عن ابن عمرو -رضي الله تعالى عنهما، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "أسرعُ الدعاءِ إجابَةً دعوةُ غائبٍ لغائبٍ" ضعَّفه الترمذي.

بابُ استحبابَ الدعاءِ لمن أَحْسَنَ إليه، وصفة دُعائهِ: 2035- هذا الباب فيه أشياءُ كثيرةٌ تقدَّمت في مواضعها، ومن أحسنها ما روينا في كتاب الترمذي [رقم: 2035] ، عن أسامة بن زيدٍ -رضي الله تعالى عنهُما- قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم: "مَن صُنِعَ إليه معروفٌ فقال لفاعله: جزاك الله خَيْراً؛ فَقَدْ أبْلَغَ في الثناء" قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ صحيح وتقدَّم [برقم: 1592 و1647] . 2036- وقد قدّمنا قريباً في كتاب حفظِ اللسان في الحديث الصحيح [رقم: 1876] قولهُ -صلى الله عليه وسلم: "وَمَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفاً فكافئوهُ، فإن لم تجدوا ما تُكافئونهُ فادعُوا لهُ حتى تَرَوْا أنَّكُمْ قَدْ كافأتموهُ" أبو داود [رقم: 1672] ؛ النسائي [رقم: 2567] ؛ واللهُ أعلم.

باب استحباب طلب الدعاءِ من أهل الفضلِ, وإن كان الطالبُ أفضل من المطلوبِ منه، والدعاء في المواضعِ الشريفة: 2037- اعلم أن الأحاديث في هذا الباب أكثرُ من أن تُحصر، وهو مجمعٌ عليه، ومن أدلّ ما يستدلُ به ما روينا في كتابي أبي داود [رقم: 1498] ، والترمذي [رقم: 3562] ؛ عن عُمر بن الخطابِ -رضي الله تعالى عنهُ- قال: استأذنتُ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في العمرةِ، فأذِنَ لي، وقال: "لا تَنْسَنا يا أُخَيَّ مِن دُعائك" فقال كلمةٌ ما يسرُّني أنَّ لي بها الدنيا. وفي رواية قال: "أشْرِكْنا يا أخِي في دُعائِكَ" قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، وقد ذكرناهُ [برقم: 1132] في أذكارِ المسافرِ. [وراجع ما سبق في الرقم: 1015 وما بعده] .

بابُ نهي المكلفِ عن دُعائه على نفسه وولده وخادمه وماله ونحوها: 2038- روينا في سنن أبي داود [رقم: 1532] ، بإسناد صحيح، عن جابر -رضي الله تعالى عنهُ- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "لا تَدْعُوا على أنْفُسِكُمْ، وَلا تَدْعُوا على أوْلادِكُمْ، وَلا تَدْعُوا على خَدَمِكمْ، ولا تَدْعُوا على أمْوَالِكُمْ، لا تُوافِقُوا مِنَ اللَّهِ ساعةَ، نِيْلَ فيها عطاءٌ، فيُستجاب مِنْكُمْ". قلتُ: نيل -بكسر النون وإسكان الياء- ومعناهُ: ساعة إجابة ينالُ الطالبُ فيها ويُعطى مطلوبهُ. وروى مسلم هذا الحديث في آخر صحيحه [رقم: 3009] ، وقال فيه: "لا تَدْعُوا على أنْفُسِكُمْ ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعو على أمْوَالِكُمْ، لا تُوافِقُوا مِنَ اللَّهِ تَعَالى ساعَةً يُسألُ فيها عطاءٌ فَيَسْتَجِيبَ لكم".

بابُ الدليل على أنَّ دعاء المسلم يُجاب بمطلوبه أو غيره وأنه لا يستعجل الإجابة ... بابُ الدليل على أنَّ دعاء المسلم يجابُ بمطلوبه أو غير وأنه لا يستعجلُ الإِجابة: قال الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: 186] , وقال تعالى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60] . 2039- وروينا في كتاب الترمذي [رقم: 3573] ، عن عُبادة بن الصامت -رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما على الأرْضِ مسلمٌ يَدْعُو اللَّهَ تَعالى بدعوةٍ إلاَّ آتاهُ اللَّهُ إيَّاها، أوْ صَرَفَ عنهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَها، ما لَمْ يدعُ بإثمٍ أوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ"، فقال رجلُ من القوم: إذن نكثر؛ قال: "الله تعالى أكْثَرُ" قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ صحيح. ورواهُ الحاكمُ أبو عبد الله في المستدرك على الصحيحين [493/1] من رواية أبي سعيدٍ الخدري، وزادَ فيه: "أوْ يَدَّخِرَ لَهُ مِنَ الأجْرِ مِثْلَها". 2040- وروينا في صحيحي البخاري [رقم: 6340] ، ومسلم [رقم: 2735] ؛ عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنهُ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "يستجابُ لأحدكُم ما لَمْ يَعْجَلْ، فيقولُ: قَدْ دعوتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لي".

كتاب الاستغفار مدخل ... كتاب الاستغفار: 595- الاستغفار 2041- اعلم أن هذا الكتاب من أهمّ الأبواب التي يعتنى بها، ويحافظ على العمل به. وقصدتُ بتأخيره التفاؤلَ بأن يختم الله الكريم لنا به، نسأله ذلك وسائر وجوه الخير لي ولأحبائي 1 وسائر المسلمين، آمين. قال الله تعالى: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ} [غافر: 55] وقال تعالى: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد: 19] وقال تعالى: {وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 106] وقال تعالى: {لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ, الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ 16 الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ} [آل عمران: 15-17] ، وقال تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال: 33] ، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا __________ 1 في نسخة: "ولأحبابي".

فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 135] ، وقال تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 110] , وقال تعالى: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} [هود: 3] ، وقال تعالى إخبارً عن نوح -صلى الله عليه وسلم: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} [نوح: 10] ، وقال تعالى حكاية من هودٍ -صلى الله عليه وسلم: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} [هود: 52] ، والآياتُ في الاستغفار كثيرةٌ معروفةٌ، ويحصلُ التنبيهُ ببعضِ ما ذكرناهُ. وأما الأحاديث الواردةُ في الاستغفارِ فلا يمكنُ استقصاؤها، لكني أشيرُ إلى أطرافٍ من ذلِك. 2042- روينا في صحيح مسلم [رقم: 2702] عن الأغز بن يسارٍ الزني الصحابيّ -رضي الله تعالى عنهُ، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّهُ ليُغان على قَلْبِي، وإني لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ في اليوم مائة مرة". 2043- وروينا في صحيح البخاري [رقم: 6307] ، عن أبي هريرة -رضي الله عنهُ، قال: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم يقولُ: "والله إنّي لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وأتوبُ إلَيهِ فِي اليَوْمِ أكثَرَ مِن سَبْعِينَ مَرَّة". 2044- وروينا في صحيح البخاري [رقم: 6306] أيضاً، عن شداد بن أوسٍ -رضي الله عنهُ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم، قال: "سيدُ الاسْتغْفارِ أنْ يقُولَ العَبْدُ: اللَّهُمَّ أنْتَ رَبّي لا إِلهَ إِلاَّ أنْتَ، خَلَقْتَنِي وأنا عبدكَ، وأنا على عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ ما اسْتَطَعْتُ، أعوذُ بِكَ مِنْ شَرّ مَا صنعتُ، أبوءُ لَكَ بنعمتكَ علي، وأبوء لك بِذَنْبي، فاغْفِرْ لي، فإنهُ لا يغفرُ الذنوبَ إِلاَّ أنتَ. مَنْ قَالَهَا

بالنَّهارِ مُوقنًا بِها فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أنْ يُمسي فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقنٌ بها فماتَ قبلَ أنْ يُصبحَ فهوَ مِنْ أهلِ الجَنَّةِ". قلتُ: أبوءُ بضم الباءِ، وبعد الواو همزةٌ ممدودةٌ، ومعناهُ: أقِرُّ وأعترف, [وتقدَّم برقم: 430] . 2045- وروينا في سنن أبي داود [رقم: 1516] ، والترمذي [رقم: 3434] ، وابن ماجه [رقم 3814] ؛ عن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما، قال: كنّا نَعُدُّ لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المجلس الواحدِ مائة مرةٍ: "ربّ اغْفِرْ لي، وَتُبْ عَلَيَّ، إنَّكَ أنْتَ التَّوَّابُ الرَّحيمُ" قال الترمذي: حديثُ حسنٌ صحيحٌ. 2046- وروينا في سنن أبي داود [رقم: 1518] ، وابن ماجه [رقم: 3819] ؛ عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "مَنْ لَزِمَ الاسْتِغْفارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضيقٍ مَخْرَجاً، وَمِنْ كُلّ هَمٍّ فَرَجاً، ورزقهُ مِنْ حيثُ لا يحتسبُ". 2047- وروينا في صحيح مسلم [رقم: 2749] ، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "وَالَّذي نَفْسِي بِيَدِهِ, لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ، وَلجَاءَ بقومٍ يُذنبون فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ تَعالى فَيَغفِرُ لَهُمْ". 2048- وروينا في سنن أبي داود [رقم: 1524] ، عن عبد الله بن مسعود -رضي الله تعالى عنهُ، أن رسُول الله -صلى الله عليه وسلم- كانَ يُعجبهُ أن يدعُوَ ثلاثاً، ويستغفرَ ثلاثاً. وقد تقدَّم هذا الحديث قريبًا [برقم: 2030] في كتاب جامعِ الدعواتِ. 2049- وروينا في كتابي أبي داود [رقم: 1514] ، والترمذي [رقم: 3559] ؛ عن مولى لأبي بكرٍ، عن أبي بكرٍ الصديق -رضي الله تعالى عنهُ- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "ما أصرَّ مَنِ اسْتَغْفَرَ، وَإنْ عادَ في اليَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً" قال الترمذي: ليس إسنادهُ بالقويّ.

2050- وروينا في كتاب الترمذي [رقم: 3540] ، عن أنسٍ -رضي الله تعالى عنهُ- قال: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "قالَ اللَّهُ تَعالى: يا ابن آدَمَ! إَّنكَ ما دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ ما كانَ منك ولا أُبالي، يا ابن آدَمَ! لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنانَ السَّماءِ، ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لك، يا ابن آدَمَ! لَوْ أتَيْتَنِي بقرابِ الأرضِ خطايَا، ثُمَّ أتَيْتَنِي لا تُشركُ بِي شَيْئاً لأتيتكَ بقُرابها مَغْفِرَةً " قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ. [الأربعون النووية، الحديث رقم: 42] . قلتُ: عنان السماء بفتح العين، وهُو: السحابُ، واحدتها: عنانةٌ، وقيل: العنانُ: ما عَنَّ لك منها، أي: ما اعترضَ وظهر لك إذا رفعت رأسك؛ وأمَّا قرابُ الأرض فروي بضم القاف وكسرها، والضم هو المشهورُ، ومعناهُ: ما يُقارب ملأها، وممّن حكى كسرها صاحب "المطالع". 2051- وروينا في سنن ابن ماجه [رقم: 3818] ، بإسنادٍ جيدٍ؛ عن عبد الله بن بسرٍ -بضم الباء وبالسين المهملة- رضي الله تعالى عنه، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "طُوبَى لِمَنْ وَجَدَ في صَحِيفَتِهِ اسْتِغْفاراً كَثِيراً". 2052- وروينا في سنن أبي داود [رقم: 1517] ، والترمذي [رقم: 3577] ؛ عن ابن مسعودٍ -رضيَ الله تعالى عنهُ- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قالَ: استغفرُ اللهَ الذي لا إله إِلاَّ هُوَ الحَيَّ القَيُّومَ وأتوبُ إليهِ، غُفرت ذُنُوبُهُ وَإنْ كَانَ قَدْ فَرَّ مِنَ الزَّحْفِ". وقال الحاكم [511/1] : هذا حديث صحيح الإسناد على شرط البخاري ومسلم. قلتُ: وهذا البابُ واسعٌ جداً، واختصارهُ أقربُ إلى ضبطهِ، فنقصتر على هذا القدر منهُ.

596- فصل في حكم: أستغفر الله: 2053- ومما يتعلَّق بالاستغفار ما جاء عن الرَّبيع بن خُثَيْم -رضي الله تعالى عنهُ- قال: لا يقُل أحدُكم: استغفرُ الله وأتوبُ إليه, فيكونُ ذنباً وكذباً إن لم يفعل، بل يقولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي وتُب عليّ. وهذا الذي قالهُ من قولهِ: اللَّهمّ اغفر لي وتب عليّ؛ حسنٌ. وأما كراهتهُ أستغفرُ الله، وتسميته كذباً؛ فلا نُوافق عليه؛ لأن معنى أستغفرُ الله: أطلبُ مغفرتهُ، وليس في هذا كذبٌ، ويكفي في ردّه حديثٌ ابن مسعودٍ المذكورُ قبله [برقم: 2054] . 2054- وعن الفُضيل -رضي الله تعالى عنهُ: استغفارٌ بلا إقلاع توبةُ الكذّابين. 2055- ويقاربهُ ما جاءَ عن رابعةَ العدويةِ -رضيَ اللهُ تعالى عنها- قالتْ: استغفارُنا يحتاجُ إلى استغفارٍ كثيرٍ. 2056- وعن بعضِ الأعراب، أنه تعلَّق بأستارِ الكعبةِ، وهو يقولُ: اللَّهُمَّ إن استغفاري مع إصراري لؤمٌ، وإنَّ تركي الاستغفارَ مع علمي بسعةِ عفوكَ لعجزٌ، فكم تَتَحَبَّبُ إليَّ بالنعم مع غِناكَ عني، وكم أتبغَّضُ إليك بالمعاصي مع فقري إليك، يا مَن إذا وعدَ وفَّى، وإذا توعَّدَ تجاوز وعفا، أدخلْ عظيمَ جُرمي في عظيمِ عفوكَ، يا أرحم الراحمين.

بابُ النّهي عن صَمْتِ يَوْمٍ إلى الليل: 2057- روينا في سنن أبي داود [رقم: 2873] بإسنادٍ حسنٍ؛ عن عليّ -رضي اللهُ عنهُ- قالَ: حفظتُ عن رسُول الله -صلى الله عليه وسلم: "لا يُتمَ بَعْدَ احتلامٍ، وَلا صُماتَ يومٍ إلى اللَّيْلِ". وروينا في معالم السنن [294/3] للإِمام أبي سليمان الخطَّابي -رضي الله عنهُ، قال في تفسير هذا الحديثِ: كان أهل الجاهلية من نُسكهِم الصماتُ: وكانَ أحدُهُم يعتكِفُ اليومَ والليلةَ فيصمتُ ولا ينطقُ، فنُهُوا -يعني في الإِسلام- عن ذلك، وأُمرُوا بالذكرِ والحديثِ بالخيرِ. 2058- وروينا في صحيح البخاري [رقم: 3834] ، عن قيس ابن أبي حازم -رحمهُ الله- قال: دخل أبو بكرٍ الصديقُ -رضي الله عنهُ- على امرأةٍ من أحمسَ، يُقالُ لها: زينبُ، فرآها لا تتكلم، فقال: ما لها لا تتكلمُ؟! حجَّت مُصْمِتَةً، فقال لها: تكلمي! فإن هذا لا يحلُ، هذا مِنْ عَمَلِ الجاهِلِيَّةِ؛ فتكلَّمت. 598- فصل في الأحاديث التي عليها مدارُ الإسلام: 2059- فهذا آخرُ ما قصدته من هذا الكتاب، وقد رأيتُ أن أضمَّ إليه أحاديث تتمُّ محاسنُ الكتاب بها إن شاء الله تعالى، وهي الأحاديث التي عليها مدارُ الإسلام، وقد اختلفَ العلماءُ فيها اختلافًا كثيرًا منتشراً، وقد اجتمعَ مِن تداخل أقوالهم مع ما ضممتهُ إليه ثلاثون حديثاً1. 2060- الحديث الأول: حديثُ عُمرَ بنِ الخطابِ رضي الله عنهُ: "إنَّما الأعْمالُ بالنِّيَّاتِ" البخاري [رقم: 1] ؛ مسلم [رقم: 1907] وقد سبق بيانهُ في أول هذا الكتاب [برقم: 10] . هو الحديث الأول في الأربعون النووية، وهو الحديث الأول لدى ابن الصلاح. 2061- الحديث الثاني: عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أحْدَثَ في أمْرِنَا هَذَا ما لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ" رويناه في __________ 1 ثم أوصلهم -رحمه الله- إلى اثنين وأربعين حديثًا، وهي التي اشتهرت بـ "الأربعون النووية"؛ وقد روى في كتابه "بستان العارفين" [صفحة: 36] ، عن أبي عمرو وعثمان بن عبد الرحمن المعروف بابن الصلاح -رحمه الله، ما جمعهُ في هذا المجال، وقال عنه: "وقد اجتهد في جمعها وتبيانها"؛ ولمعرفة زيادة وتفصيل راجع مقدمة طبعتي لـ "الأربعين النووية"، وهي من مطبوعات الجفان والجابي للطباعة والنشر، ليماسول، قبرص. وكذلك "بستان العارفين".

صحيحي البخاري [رقم: 2697] ، ومسلمٍ [رقم: 1718. وهو الحديث الخامس في الأربعون النووية، وهو الحديث الثاني لدى ابن الصلاح. 2062- الثالث: عن النعمان بن بشير -رضيَ الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقولُ: "إن الحَلالَ بَيِّنٌ، وَإنَّ الحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُما أمورٌ مُشتبهاتٌ لا يَعْلَمُهُنَّ كثيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقى الشبهاتِ اسْتَبرأ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ في الشُّبُهاتِ وَقَعَ في الحَرَامِ، كالرَّاعي يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى يُوشكُ أنْ يرتعَ فِيهِ، ألَا وإنَّ لكُل ملكٍ حِمىً، ألَا وَإنَّ حِمَى اللَّهِ تَعالى محارمهُ، ألَا وَإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً إذَا صَلَحَتْ صلحَ الجسدُ كلهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كلهُ، ألَا وَهِيَ القَلْبُ" رويناهُ في صحيحهما البخاري [رقم: 52] ؛ مسلم [رقم: 1599] . هو الحديث السادس في الأربعون النووية، وهو الحديث الثالث لدى ابن الصلاح. 2063- الرابع: عن ابن مسعودٍ -رضي الله عنهُ- قال: حدّثنا رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- وهو الصادقُ المصدوق: "إنَّ أحَدَكُمْ يجمعُ خلقهُ في بطنِ أمهِ أَرْبَعِينَ يَوْمَاً نُطْفَةً 1، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذلكَ، ثُمَّ يكونُ مُضْغَةً مثلَ ذلكَ، ثُمَّ يرسلُ الملكُ فَيَنْفُخُ فيه الرح، ويؤمرُ بأرْبَعِ كلماتٍ: بكتبِ رزقهِ وأجلهِ وعملهِ وَشَقِيٍّ أَوْ سعيدٌ؛ فوالذي لا إِلهَ غيرهُ، إنَّ أحدكُم ليعملُ بعملِ أهلِ الجنةِ حتَّى ما يكونُ بينهُ وبينها إلَّا ذراعٌ، فيسبقُ عَلَيْهِ الكِتابُ فيعملُ بعملِ أهل النَّارِ فيدْخُلُها، وَإنَّ أحَدَكُمْ ليعملُ بعملِ أهلِ النارِ حتى ما يكونُ بينهُ وبينها إلا ذراعٌ، فيسبقُ عليهِ الكتابُ فيعملُ بعملِ أهلِ الجنةِ فيدخُلُها" رويناهُ في صحيحيهما البخاري [رقم: 3208] ؛ مسلم [رقم: 2643] . هو الحديث الرابع في الأربعون النووية، وهو الحديث الرابع لدى ابن الصلاح. __________ 1 في بعض النسخ بإسقاط نطفة.

2064- الخامسُ: عن الحسن بن عليّ -رضي الله عنهما- قال: حَفِظتُ من رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم: "دَعْ ما يَرِيبُكَ إلى ما لا يَرِيبُكَ" رويناهُ في الترمذي [رقم: 2520] والنسائي [رقم: 5711] قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. هو الحديث الحادي عشر في "الأربعون النووية"، وهو الحديث الخامس لدى ابن الصلاح. قوله: يَريبك بفتح الياء وضمّها، لُغتانِ، والفتحُ أشهرُ. 2065- السادس: عن أبي هريرة -رضيَ اللهُ عنهُ- قالَ: قالَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "من حُسنِ إسلامِ المرءِ تَرْكُهُ ما لا يَعْنِيهِ" رويناهُ في كتاب الترمذي [رقم: 2317] ، وابن ماجه [رقم: 3976] ؛ وهُو حسنٌ. هو الحديث الثاني عشر في "الأربعون النووية"، وهو السادس لدى ابن الصلاح؛ ومر [برقم: 1707 و1905] . 2066- السابعُ: عن أنسٍ -رضي الله عنهُ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم، قال: "لا يؤمنُ أحَدُكُمْ حتَّى يُحب لأخِيهِ ما يُحبُ لِنَفْسِهِ" رويناهُ في صحيحيهما؛ البخاري [رقم: 13] ؛ مسلم [رقم: 45] . هو الحديث الثالث عشر في "الأربعون النووية"، وهو الحديث السابع لدى ابن الصلاح. 2067- الثامن: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى طَيِّبٌ لا يقبلُ إِلاَّ طَيِّباً، وَإنَّ اللَّهَ تَعالى أمَرَ المُؤْمِنِينَ بِمَا أمَرَ بِهِ المُرْسَلِينَ، فَقالَ تَعالى: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [المؤمنون: 51] ، وَقالَ تعالى: {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 172] . ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطيلُ السَّفَرَ أشْعث أغْبَرَ، يمدُ يَدَيْهِ إلى السَّماءِ: يا رَبّ! يا رَبّ! ومطعمهُ حرامٌ، ومشربهُ حرامٌ، وملبسهُ حرامٌ، وغذِّي بالحرامِ، فأنَّى يُستجابُ لِذَلِكَ"؟ رويناه في صحيح مُسلمٍ [رقم: 1015] . هو الحديث العاشر في "الأربعون النووية"، وهو الحديث الثامن لدى ابن الصلاح.

2068- التاسعُ: حديثُ: "لا ضَرَرَ وَلا ضِرَارَ" رويناهُ في الموطأ [745/2] مرسلاً، وفي سنن الدراقطني [227/4] وغيره مثل ابن ماجه، راجع [رقم: 3241] من طرقٍ متصلاً، وهو حسنٌ. هو الحديث الثاني والثلاثون في "الأربعون النووية"، وهو الحديث التاسع لدى ابن الصلاح. 2069- العاشرُ: عن تميم الدراي -رضي الله عنهُ، أن النبي -صلى الله عليه وسلم قال: "الدّين النَّصِيحَةُ"، قلنا: لمن؟ قال: "لِلَّهِ وَلِكِتابِهِ وَلِرسُولهِ ولأَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وَعامَّتِهِم" رويناهُ في صحيح مُسلم [رقم: 55] . هو الحديث السابع في "الأربعون النووية"، وهو الحديث العاشر لدى ابن الصلاح؛ ومرَّ [برقم: 1610 و1661] . 2070- الحادي عشر: عن أبي هريرة -رضي الله عنهُ، أنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقولُ: "ما نَهَيْتُكُمْ عنهُ فاجتنبوهُ، وَما أمرتكم به فأتوا 1 مِنْهُ ما اسْتَطَعْتُمْ، فإنَّما أهْلَكَ الَّذينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كثرةُ مَسائِلِهِمْ واختلافُهم على أنْبِيائِهِمْ" رويناهُ في صحيحهما البخاري [رقم 7288] ؛ مسلم [رقم: 1337] . هو الحديث التاسع في "الأربعون النووية"، وهو الحديث الحادي عشر لدى ابن الصلاح. 2071- الثاني عشر: عن سهل بن سعد -رضي الله عنهُ- قال: جاء رجلٌ إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله! دُلَّني على عملٍ إذا عملتهُ أحبَّني الله وأحبَّني الناس؟ فقال: "ازْهَدْ في الدُّنْيا يُحبك اللَّهُ، وَازْهَدْ فِيما عِنْدَ النَّاس يُحِبَّكَ النَّاسُ" حديثُ حسنٌ، رويناهُ في كتابِ ابن ماجه [رقم: 1402] . هو الحديث الحادي والثلاثون في "الأربعون النبوية"، وهو الحديث الثاني عشر لدى ابن الصلاح. 2072- الثالث عشر: عن ابن مسعودٍ -رضي الله عنهُ- قالَ: قالَ __________ 1 في نسخة: "فافعلوا".

رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "لا يَحِلُّ دَمُ امرئٍ مسلمٍ يشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ، وأنِّي رَسولُ الله إِلاَّ بإحْدَى ثلاثٍ: الثيِّب الزَّانِي، وَالنَّفْسِ بالنَّفْسِ، وَالتَّارِكِ لِدِينِهِ المُفَارِقِ للجَمَاعَةِ". رويناهُ في صحيحيهما؛ البخاري [رقم: 6878] ؛ مسلم [رقم: 1676] . هو الحديث الرابع عشر في "الأربعون النووية"، وهو الحديث الثالث عشر لدى ابن الصلاح. 2073- الرابع عشر: عن ابن عمر -رضي الله عنهما، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "أُمرتُ أنْ أُقاتل النَّاسَ حتَّى يَشْهَدُوا أنْ لا إلا الله، وأن محمدا رسولُ اللهِ، ويُقيمُوا الصلاةَ، ويُؤتُوا الزكاةَ؛ فإذَا فَعَلُوا ذلكَ عَصَمُوا مِنِّي دِماءَهُمْ وَأمْوَالَهمْ إِلاَّ بِحَقِّ الإِسْلاَمِ، وحسابُهم على الله تعالى" رويناهُ في صحيحيهما؛ البخاري [رقم: 25] ؛ مسلم [رقم: 22] . وهو الحديث الثامن في "الأربعون النووية"، وهو الحديث الرابع عشر لدى ابن الصلاح. 2074- الخامس عشر: عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "بُنِيَ الإِسْلامُ على خَمْسٍ: شَهادَةِ أن لا إِلهَ إلا الله وأن محمدا رسولُ الله، وَإقامِ الصلاةِ، وَإيتاءِ الزكاةِ، وَالحَجِّ، وصومِ رَمَضَانَ" رويناهُ في صحيحيهما؛ البخاري [رقم: 8] , مسلم [رقم: 16] . هو الحديث الثالث في "الأربعون النووية"، وهو الحديث الخامس عشر لدى ابن الصلاح. 2075- السادس عشر: عن ابن عباس -رضي الله عنهما، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لَوْ يُعطي النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ، لادَّعى رجالٌ أمْوَالَ قَوْمٍ وَدِمَاءَهُمْ، لَكِنِ البَيِّنَةُ على المُدَّعِي، وَاليَمِينُ على مَنْ أنْكَرَ". هو حسن بهذا اللفظ، وبعضهُ في الصحيحين؛ البخاري [رقم: 4552] ؛ ومسلمٍ [رقم: 1711] . هو الحديث الثالث والثلاثون في "الأربعون النووية"، وهو الحديث السادس لدى ابن الصلاح.

2076- السابع عشر: عن وابصةَ بن معبدٍ -رضي الله عنه، أنه أتى رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم، فقال: "جِئْتَ تَسألُ عَنِ عَنِ البِرّ وَالإِثْمِ"؟ قال: نعم, فقال: "اسْتَفْتِ قَلْبَكَ، البِرُّ: ما اطْمأنَّت إِلَيْهِ النَّفْس وَاطْمأنَّ إِلَيْهِ القلبُ؛ وَالإِثْمُ: ما حاكَ في النَّفْسِ وَتَرَدَّدَ في الصَّدْرِ، وَإنْ أفْتاكَ النَّاسُ وَأفْتَوْكَ" حديثٌ حسنٌ رويناه في مسندَيْ [أحمد 228/4] و [الدرامي 246/2] وغيرهما. وفي صحيح مسلم [رقم: 2553] ، عن النواس بن سمعان -رضي الله عنهُ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "البرّ حسنُ الخلقِ، وَالإِثْمُ ما حاكَ في نَفْسِكَ وَكَرِهْتَ أنْ يطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ". وهو الحديث السابع والعشرون في "الأربعون النووية"، وهو الحديث السابع والعشرون لدى ابن الصلاح. 2077- الثامن عشر: عن شدادِ بن أوسٍ -رضي اللهُ عنهُ، عن رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنَّ اللَّهَ تَعالى كتبَ الإِحْسانَ على كُلَ شيءٍ، فإذَا قتلتُم فأحْسِنُوا القتلةَ، وَإِذَا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليُحدّ أحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، وليرِح ذَبِيحَتَهُ" رويناه في مسلمٍ [رقم: 1955] . هو الحديث السابع عشر في "الأربعون النووية"، وهو الحديث الثامن عشر لدى ابن الصلاح. والقِتْلَة والذبحةُ بكسر أولهما. 2078- التاسع عشر: عن أبي هريرةَ -رضي الله عنهُ، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ كان يُؤمنُ باللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْراً أو ليصمت، وَمَنْ كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فليُكرم جارهُ، وَمَنْ كان يؤمن باله واليوم فليُكرم ضَيْفَهُ" رويناهُ في صحيحهما؛ البخاري [رقم: 6018] ؛ مسلم [رقم: 47] . هو الحديث الخامس عشر في "الأربعون النووية"، وهو الحديث التاسع عشر لدى ابن الصلاح؛ ومَرَّ [برقم: 1694 و2080] . 2079- العشرون: عن أبي هريرةَ -رضي الله عنهُ، أن رجلاً قالَ

للنبي -صلى الله عليه وسلم: أوصني! قال: "لا تَغْضَبْ" فردَّدَ مِراراً، قال: "لا تَغْضَبْ". رويناهُ في البخاري [رقم: 6116] ؛ رياض الصالحين [رقم: 48 و639] ؛ وهو الحديث السادس عشر في "الأربعون النووية"، وهو الحديث العشرون لدى ابن الصلاح. 2080- الحادي والعشرون: عن أبي ثعلبةَ الخُشنيِّ -رضي الله عنهُ، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنَّ اللَّهَ -عزَّ وَجَلَّ- فَرَضَ فَرَائِضَ فَلا تُضَيِّعُوها، وحَدَّ حُدُوداً فَلا تَعْتَدُوها، وحرَّم أشْياءَ فَلا تَنْتَهِكُوها، وَسَكَتَ عَنْ أشْياءَ رَحْمَةً لَكُمْ غَيْرَ نِسْيانٍ، فَلا تَبْحَثُوا عَنْها" رويناه في سنن الدراقطني [184/4] بإسناد حسنٍ. هو الحديث الثلاثون في "الأربعون النووية"، وهو الحديث الحادي والعشرون لدى ابن الصلاح. 2081- الثاني والعشرون: عن معاذٍ -رضي الله عنهُ- قال: قلتُ: يا رسول الله! أخبرني بعمل يُدخلني الجنة ويباعدني منَ النَّارِ؟ قال: "لَقَدْ سألْتَ عَنْ عَظِيمٍ، وإنهُ ليسيرٌ على مَنْ يَسَّرهُ اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ: تعبدُ الله لا تشركُ بِهِ شَيْئاً، وَتُقِيمُ الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البَيْتَ"، ثم قال: "ألا أدُّلُّكَ على أبوابِ الخَيْرِ: الصَّوْمُ جنةٌ، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يُطفئ الماءُ النارَ، وصلاةُ الرجلِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ"، ثم تلا: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ, فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 16 و17] ثم قال: "ألا أخبرك برأس الأمر كله وعمودهِ وذورةِ سنامه"؟ , قلت: بلى يا رسول الله، قال: "رأس الأمرِ الإسلامُ، وعمودهُ الصلاةُ، وذروةُ سنامهِ الجهادُ" , ثم قال: "ألا أُخبرك بملاكِ ذلك كله"؟ قلتُ: بلى يا رسول الله! فأخد بلسانهِ، ثم قال: "كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا"، فقلتُ: يا نبيّ الله! وإنَّا لمؤاخَذُونَ بما نتكلم به؟ فقال:

"ثَكِلَتْكَ أُمك، وَهَلْ يكبُ النَّاسَ في النَّارِ على وُجُوهِهِمْ -أوْ على مَناخِرهِم- إلاَّ حَصَائِدُ ألْسِنَتِهِمْ"؟ رويناه في الترمذي [رقم: 2616] وقال: حسن صحيحٌ. هو الحديث التاسع والعشرون في "الأربعون النووية"، وهو الحديث الثالث والعشرون لدى ابن الصلاح. وذروةُ السنام: أعلاهُ، وهي بكسر الذال وضمّها. وملاكُ الأمرِ بكسر الميم، أي: مقصودهُ. 2082- الثالث والعشرون: عن أبي ذرّ ومعاذٍ -رضي الله عنهما، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "اتقِ اللَّهَ حَيْثُما كُنْتَ، وأتْبعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَة تَمْحُها، وخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ" رويناه في الترمذي [رقم: 1987] ، وقال: حسنٌ، وفي بعض نُسخه المعتمدةِ: حسنٌ صحيحٌ. هو الحديث الثامن عشر في "الأربعون النووية"، وهو الحديث الثاني والعشرون لدى ابن الصلاح. 2083- الرابع والعشرون: عن العِرباضِ بن ساريةَ -رضي الله عنهُ- قال: وَعَظَنا رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم موعظةً بليغةً وَجِلت منها القلوبُ، وذرفتْ منها العيون، فقلنا: يا رسولَ الله! كأنها موعظةُ مودِّع، فأوصنا؛ قال: "أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ والطاعةِ وَإنْ تأمَّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ ٌ حبشيٌ، فإنه مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلافاً كَثِيراً، فَعَليْكُم بسُنَّتِي وَسُنَّةِ الخلفاءِ الرَّاشِدينَ المَهْدِيِّينَ، تمسكوا بها وعضوا عَلَيْها بالنَّواجِذِ، وَإيَّاكُمْ وَمُحْدَثاتِ الأُمُورِ، فإنَّ كل محدثةٍ بدعةٌ، وكلّ بدعةٍ ضلالةٌ" رويناه في سنن أبي داود [رقم: 4607] ، والترمذي [رقم: 2676] ؛ وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. هو الحديث الثامن والعشرون في "الأربعون النووية"، وهو الحديث الرابع والعشرون لدى ابن الصلاح؛ ومرَّ [برقم: 784] . 2084- الخامس والعشرون: عن أبي مسعودٍ البدريّ -رضي الله عنهُ- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "إن مِمَّا أدْرَكَ الناسُ مِنْ كلامٍ النبوةِ الأُولى: إذَا لَمْ

تَسْتَحِ فاصْنَعْ مَا شِئْتَ" رويناه في البخاري [رقم: 3483] . وهو الحديث العشرون في "الأربعون النووية"، ولم يرد هذا الحديث لدى ابن الصلاح. 2085- السادس والعشرون: عن جابر -رضي الله عنهُ: أن رجلاً سألَ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: أرأيتَ إذا صليتُ المكتوبات، وصمتُ رمضانَ، وأحللتُ الحلالَ، وحرمتُ الحرامَ، ولم أزدْ على ذلك شيئاً، أدخلُ 1 الجنة؟ قال: "نَعَمْ" رويناهُ في مسلم [رقم: 15] . وهو الحديث الثاني والعشرون في "الأربعون النووية"، ولم يرد هذا الحديث لدى ابن الصلاح. 2086- السابع والعشرون: عن سفيانَ بن عبد الله الثقفي -رضي الله عنهُ- قال: قلتُ: يا رسُول الله! قُل لي في الإِسلام قولاً لا أسألُ عنه أحداً غيرك، قال: "قُل آمَنْتُ باللَّهِ، ثُمَّ اسْتَقِمْ" رويناهُ في مسلمٍ [رقم: 38] . هو الحديث الحادي والعشرون في "الأربعون النووية"، ولم يرد هذا لدى ابن الصلاح. قال العلماءُ: هذا الحديثُ من جوامعِ كلمه -صلى الله عليه وسلم، وهو مُطابقٌ لقولِ الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [الأحقاف: 13] . قال جمهورُ العلماء -رحمهم الله: معنى الآية والحديث: آمنوا والتزموا طاعةَ الله تعالى. 2087- الثامن والعشرون: حديث عمر بن الخطاب -رضي الله عنهُ- في سؤال جبريل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الإِيمان والإِسلام والإِحسان والساعةِ، وهُوَ مشهورٌ في صحيح مسلم [رقم: 8] وغيره. هو الحديث الثاني في "الأربعون النووية"، وهو الحديث السادس والعشرون لدى ابن الصلاح. __________ 1 في النسخة: "أأدخل".

2088- التاسع والعشرون: عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: كنتُ خلفَ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- يوماً، فقال: "يا غُلامُ! إني أُعَلِّمُكَ كلماتٍ: احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تجدهُ تُجاهك، إذَا سَألْتَ فاسألِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فاسْتَعِنْ باللَّهِ، وَاعْلَمْ أنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ على أنْ يَنْفَعُوكَ بشيءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بشيءٍ قَدْ كتبهُ اللَّهُ لَكَ، وَإِنِ اجْتَمَعُوا على أنْ يَضُرُوكَ بشيءٍ لَمْ يَضُرُوكَ إِلا بشيءٍ قد كتبهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأقلامُ وجَفَّتِ الصُّحُفُ" رويناه في الترمذي [رقم: 2516] وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. هو الحديث التاسع عشر في "الأربعون النووية"، وهو الحديث الخامس والعشرون لدى ابن الصلاح. وفي رواية غير الترمذي زيادةٌ: "احْفَظِ اللَّهَ تجدهُ أمامَكَ، تَعَرَّف إلى الله في الرَّخاءِ يَعْرِفْكَ في الشِّدَّةِ، وَاعْلَمْ أنَّ ما أخْطأكَ لَمْ يَكُنْ ليُصيبك، وَمَا أصَابَكَ لَمْ يَكُنْ ليُخطئك"، وفي آخرهِ: "وَاعْلَمْ أنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وأنَّ الفَرَجَ مَعَ الكَرْبِ، وأنَّ مَعَ العُسْرِ يُسرا" هذا حديثٌ عظيم الموقع. 2089- الثلاثون: وبه اختتامُها واختتامُ الكتابِ، فنذكرهُ بإسنادٍ مستظرفٍ، ونسأل الله الكريم خاتمة الخير: أخبرنا شيخنا الحافظ أبو البقاء خالد بن يوسف النابلسيّ ثم الدمشقي -رحمه الله تعالى، قال: أخبرنا أبو طالب عبد الله، وأبو منصورٍ يونسُ، وأبو القاسم حُسينُ بنِ هبةِ اللهِ بنِ صصرى، وأبو يَعلى حمزةُ، وأبو الطاهر إسماعيلُ، قالوا: أخبرنا الحافظ أبو القاسم عليّ بن الحسين: هو ابن عساكر، قال: أخبرنا الشريفُ أبو القاسم عليّ بنُ إبراهيم بن العباس الحسيني خطيبُ دمشقَ، قالَ: أخبرنا أبو عبد الله محمدُ بنُ علي بن يحيى بن سلوان، قال: أخبرنا أبو القاسم الفضلُ بن جعفر، قال: أخبرنا أبو بكرٍ عبد الرحمن بن القاسم بن الفرجِ الهاشميّ، قال: أخبرنا أبو مسهرٍ، قال:

أخبرنا سعيدُ بن عبد العزيز، عن ربيعةَ بن يزيدَ، عن أبي إدريسَ الخولاني، عن أبي ذرّ -رضي الله عنهُ، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم، عن جبريلُ -صلى الله عليه وسلم، عن اللَّهُ -تبارك وتعالى- أنه قال: "يا عِبادي! إني حَرَّمْتُ الظُّلْمَ على نَفْسِي، وجعلتهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّماً، لا تَظَّالَمُوا؛ يا عِبادي! إِنَّكُمُ الَّذينَ تُخْطِئُونَ باللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وأنا الَّذي أغفرُ الذنوبَ وَلا أُبالي، فاسْتَغْفِرُوني أغْفِرْ لَكُمْ؛ يا عبادي! كُلُّكُمْ جائعٌ إلاَّ مَنْ أطعمتهُ، فاسْتَطْعِمُونِي أُطعمكم؛ يا عبادي! كُلُّكُمْ عارٍ إِلاَّ مَنْ كَسَوْتُهُ، فاسْتَكْسُونِي أكْسِكُمْ؛ يا عبادي! لو أن أوَّلَكُمْ وآخِرَكُمْ وَإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كانُوا على أفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ واحدٍ مِنْكُمْ لَمْ يَنْقُصُ ذلكَ مِنْ مُلْكِي شيئا، يا عبادي! لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وآخِرَكُمْ وَإنْسَكُمْ وَجِنَّكُِمْ كانُوا على أتْقَى قلب رجل واحدٍ مِنْكُمْ لَمْ يَزِدْ ذلكَ في مُلْكي شيئا؛ يا عبادي! لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صَعيدٍ واحدٍ، فَسألُونِي، فأعْطَيْتُ كُلَّ إنسانٍ مِنْهُمْ ما سألَ، لَمْ يَنْقُصُ ذلكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئاً إِلاَّ كما يَنْقُصُ البَحْرُ أنْ يُغْمَسَ المِخْيَطُ فِيه غَمْسةً وَاحدَةً؛ يا عِبادي! إنَّما هِيَ أعمالكُم أحْفَظُها عَلَيْكُمْ، فَمَنْ وَجَدَ خَيْراً فليحمدِ الله -عز وجل، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلا يَلُومَنَّ إلا نفسه". هو الحديث الرابع والعشرون في "الأربعون النووية"، ولم يرد هذا الحديث لدى ابن الصلاح. قال أبو مُسهرٍ: قال سعيدُ بن عبد العزيز: كان أبو إدريس إذا حدَّث بهذا الحديث جثَا على ركبتيه. هذا حديث صحيحٌ، رويناهُ في صحيح مسلم [رقم: 2577] وغيره، ورجالُ إسناده مني إلى أبي ذرٌ -رضي الله عنه- كلُّهم دمشقيون، ودخل أبو ذرّ -رضي الله عنه- دمشق، فاجتمع في هذا الحديث جُمل من الفوائد:

منها: صحةُ إسنادهِ ومتنهِ، وعلوهُ وتسلسلهُ بالدمشقيين -رضي الله عنهم وبارك فيهم. ومنها: ما اشتمل عليه من البيان لقواعدَ عظيمةٍ في أُصولِ الدين وفروعهِ والآداب، ولطائف القلوب وغيرها، ولله الحمدُ. روينا عن الإِمام أبي عبد الله أحمدَ ابن حنبل -رحمهُ الله تعالى ورضي عنهُ، قال: ليس لأهل الشام حديثٌ أشرفُ من هذا الحديث.

599- خاتمة الكتاب: 2090- هذا آخرُ ما قصدتهُ من هذا الكتابِ، وقد مَنَّ الله الكريمُ فيه بما هُو أهلٌ لهُ من الفوائد النفيسة، والدقائق اللطيفة؛ من أنواع العلوم ومهمَّاتها، ومُستجادَاتِ الحقائق ومَطلُوبَاتِها؛ ومن تفسير آياتٍ من القرآن العزيز، وبيانِ المراد بها، والأحاديث الصحيحة وإيضاح مقاصدها، وبيان نُكَتٍ من علُومِ الأسانيد ودقائقِ الفقهِ، ومعاملاتِ القلوب وغيرها، واللهُ المحمودُ على ذلك وغيرهَ من نعمهِ التي لا تُحصى، وله المنةُ أن هداني لذلك، ووقفني لجمعهِ، ويسرهُ عليّ، وأعانني عليه، ومَنَّ عليَّ بإتمامهِ؛ فله الحمدُ والامتنانُ والفضلُ والطَّوْلُ والشكرانُ. وأنا راجٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ تعالى دعوة أخٍ أنتفعُ بها تقرّبني إلى الله الكريم، وانتفاع مسلمٍ راغبٍ في الخير ببعض ما فيه، أكون مساعداً له على العملِ بمرضاة ربّنا. وأستودعُ الله الكريمَ اللطيفَ الرحيمَ منِّي ومن والديّ وجميعِ أحبابنا وإخواننا ومَنْ أحسنَ إلينا وسائرِ المسلمين أديانَنا وأماناتِنا وخواتِيمَ أعمالنا، وجميعَ ما أنعمَ اللهُ تَعالى به علينا، وأسألهُ سبحانهُ لنا أجمعين سلوكَ سبيل الرشاد، والعِصْمة من أحوالِ أهل الزَّيْغ والعنادِ، والدَّوامَ على ذلك وغيره من الخير في ازدياد.

وأتضرّعُ إليه سبحانهُ أن يرزقنا التوفيقَ في الأقوال والأفعال للصواب، والجزي على آثار ذوي البصائر والألباب، إنه الكريم الواسعُ الوهَّابُ، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلتُ وإليه متاب، حَسْبُنا اللَّهُ وَنِعْمَ الوكيلُ، ولا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ العزيز الحكيم العلي العَظِيمِ. والحمدُ لِلَّهِ ربّ العالمين أوّلاً وآخراً، وظاهراً وباطناً، وصلواتُه وسلامهُ الأطيبان الأتَمَّانِ الأكملانِ على سيدنا محمدٍ خير خلقه، كلما ذكرهُ الذاكرون، وغَفَل عن ذكره الغافلون، وعلى سائر النبيّينَ وآل كلٍّ وسائر الصالحين. قال جامعهُ [أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرفٍ بن مُري بنِ حسنِ بن حسينٍ بن حمد النواوي] عفا الله عنهُ: فرغتُ من جمعهِ في المحرم سنة سبعٍ وستينَ وست مائةٍ، سوى أحرفٍ ألحقتها بعد ذلك، وأجزت روايته لجميع المسلمين1. __________ 1 أقول وأنا المعتني بهذه الطبعة، تبركًا بخصيصة الأمة الإسلامية بالإسناد، واقتداءً بالمؤلف -رحمهُ الله: وأجزت روايتهُ لجميع المسلمين، بحق روايتي له عن شيخي محمد ياسين بن محمد عيسى -رحمه الله- بقوله في بيان سنده في رواية كتاب "الأذكار" رحمه الله: "الأذكارُ" المسمَّى "حلية الأبرار، من شعار الأخيار، في تخليص الدعوات والأذكار، المستحبَّة بالليل والنهار" للإمام النووي, وسائر كتبه، منها "الأربعون حديثًا في مباني الإسلام وقواعد الأحكام" و"إيضاح المناسك". أرويها وكذا سائر كُتُبهِ عن العلامةِ الشيخ عبد القادرِ بن توفيق شلبي، ومحمد حلمي العبجي، كلاهُما عن المُعمر البدرِ عبد الله بن درويش السكري، عن شيخه سعيد الحلبي، عن محمدٍ مكي القلعي الحلبي، عن السيد يوسف بن حسين الشامي، عن شيخه الشيخ العارف عبد الغني النابلسي. (ح) وروي السكري أيضًا عن الوجيه عبد الرحمن الكزبري الصغير، عن عبد الله بن محمد العقاد الحلبي، عن عبد الرحمن بن عبد الله الحنبلي، عن العارف بن عبد الغني النابلسي. =

.......................................................................................... __________ = (ح) عبد الرحمن الكزبري الصغير أيضًا، عن والده الشمس محمد الكزبري الوسط قراءة للبعض وإجازة للباقي، عن والده عبد الرحمن الكزبي الكبير كذلك، عن العارف محمد بن أحمد عُرِفَ بابن عقيلةً المكي، عن الشيخ حسين العجيمي. - عبد الرحمن الكزبري الصغير أيضًا، عن الشيخ مصطفى الرحمتي، عن العارف الشيخ عبد الغني النابلسي. وهو وحسن العجيمي، كلاهما عن النجم محمد الغَزِّيّ، عن والده البدر محمد الغزيّ، عن الجلال السيوطي، عن شيخ الإسلام علم الدين صالح بن عمر بن رسلان البقيني، عن أبي إسحاق إبراهيم بن أحمد التنوخي البعلي المعروف بالبرهان الشامي، عن الشيخ علاء الدين علي بن إبراهيم بن داود العطار، عن مؤلفها الإمام أبي زكرياء يحيى بن شرف النووي. (ح) البدر الغَزّيّ أيضًا، عن البرهان إبراهيم بن علي القلقشندي، عن المسند أبي هريرة عبد الرحمن بن الشيخ تقي الدين عُمر القبابي الحنبلي، عن أبي عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن الخباز، عن مؤلفها الإمام النووي. (ح) ورواهُ السيدُ يُوسفُ الشامي أيضًا عن شيخه شيخ الإسلام محمد أبي المواهب، عن والده شيخ الإسلام تقي الدين عبد الباقي الحنبلي، عن شيخ الإسلام الشمس الميداني رئيس السادة الشافعية بدمشق، عن شيخ الإسلام أحمد الطيبي الكبير, عن شيخ الإسلام كمال الدين الحسيني، عن شيخ الإسلام جمال الدين ابن جماعةٍ، عن البرهان الشامي إلى آخر السند آنفًا. (ح) السيد يوسف الشامي روى أيضًا "الأربعين النووية" عن شيخه الشيخ أحمد النخلي، بسماعه على الشمس محمد البابلي، عن أبي النجا سالم السنهوري، عن النجم الغيطي، عن زكرياء الأنصاري قراءة عليه؛ قال: قرأتها على أبي إسحاق الشروطي، قال: أخبرنا بها أبو عبد الله محمد بن أحمد بن علي الرفاء، قال: أخبرنا بها العلمُ أبو الربيع سليمانُ بن سالم الغزي، قال: أخبرنا بها أبو الحسن علي بن إبراهيم بن داود العطار، قال: أخبرنا بها مؤلفها الإمام محيي الدين يحيى بن شرف النووي. (ح) ورواها الشيخ عبد القادر بن توفيق الشلبي أيضًا، عن شيخه حسين الجسر الطرابلسي، عن السيد محمد علاء الدين عابدين، عن أبيه السيد محمد أمين بن عمر عابدين، عن شاكر العقاد، عن الشمس محمد الكزبري الوسط، عن أبيه عبد الرحمن الكزبري الكبير، وخالِ أبيهِ على الكزبري والشهابِ أحمد المنسي؛ ثلاثتهم عن العارف عبد الغني النابلسي ومحمدِ بن علي الكاملي؛ وهُما عن النجم محمد الغزي، عن أبيه البدر محمد الغزى، عن أبي الفتح المزي، عن الحافظ بن حجر العسقلاني، عن =

جاء في آخر النسخة المحفوظة في مكتبة تشتستربتي بدبلن، بإيرلندة تحت الرقم: 3049؛ في الورقة رقم: 279 ما يلي: "شاهدت على النسخة التي قابلت عليها نسختي هذه ما مثالهُ بخط مصنفه -رحمه الله تعالى: الحمدُ لله ربّ العالمين، سمع عليَّ جميع هذا الكتاب، كتاب الأذكار، صاحبهُ كاتبهُ الفقيهُ العالمُ الفاضلُ الورعُ المتقنُ علاءُ الدين أبو الحسنِ علي بن إبراهيم بن داودَ الدمشقيُ الشافعيُ أدام الله الكريم له الخيراتِ المتظاهرات، وتولاهُ بالحسناتِ المتكاثرات، ولطف به في جميع أمورهِ، وبارك له في كل أحوالهِ؛ وقابل نسختهُ هذه معي وأنا مُمسكٌ بأصلي في جميع سماعه، وذلك في مجالس، آخرها يوم الثلاثاء الثاني عشر من جمادي الولى سنة ستةٍ كذا وسبعين وست مائة؛ وأجزتُ لهُ كلّ ما يجوزُ لي تسميعه. __________ = أبي إسحاق إبراهيم بن أحمد التنوخي، عن الأشياخ العشرة؛ الشيخ علاء الدين عليّ بن إبراهيم العطار، وقاضي القضاة بدر الدين محمد بن جماعة، وشمس الدين محمد بن أبي بكر بن النقيب، وشرف الدين هبة الله بن عبد الرحيم البارزي، والحافظ أبي الحجاج يوسف المزي، وأبي نعيم أحمد ويدعى بكار بن الحافظ تقي الدين الإسعردي، وأبي العباس أحمد بن كشتغدي الصيرفي، وأبي الفرج بن عبد الهادي الصالحي المقدسي، والصدر أبي الفتح محمدٍ بن محمدٍ الميدوي؛ قالوا: أخبرنا بها مؤلفها الإمام أبو زكرياء يحيى بن شرف النووي. (ح) وأروي الأذكار أيضًا عن الشيخين عبد القادر توفيق شلبي والمقرئ أحمد المخللاتي، كلاهما عن السيد محمد عمر الغزي، عن مصطفى الرحمتي، عن صالح الجنيني، عن محمد بن سليمان الروداني نزيل دمشق، عن محمد بن بدر الدين الصالحي، عن أحمد بن يونس العيثاوي، عن والده شيخ الإسلام يونس، عن شيخه السيد الجليل كمال الدين محمد بن حمزة الحسيني، قال: أخبرنا الحافظ أبو العباس وأبو الفرج عبد الرحمن بن الشيخ خليل والجمالُ ابن جماعةٍ المقدسي؛ قالوا أخبرنا البرهان الشامي، أخبرنا ابن العطار عنه به، فذكرهُ. انتهى.

كتبه مؤلفه يحيى بن شرف النواوي عفا الله عنه، آمين. الحمدُ لله ربّ العالمين. اللهم صلى على محمدٍ وعلى آلِ محمدٍ وَسَلِّم. نقله العبدُ الفقيرُ إلى رحمة ربه القدير, كما شاهده أحمد بن قراجا الميداني -عفا الله عنه وعن والديه وعن مشايخه, ومَن أحسنَ إليه والمسلمين أجمعين، آمين. الحمدُ لله. قرأ علي جميع هذا الكتاب مالكهُ وكاتبهُ الأخُ الاصالحُ المحصل اللبيب الأديب شهابُ الدين أبو العباسُ أحمد بنُ الأميرِ زينِ الدينِ أبي يُوسُف قراجا بن عبد الله الميداني -وفَّقهُ الله توفيق العارفين وجعلهُ من عباده المخلصين؛ قراءةً متقنةً مضبوطةً مُصححة مُقابلًا معي بأصلي؛ بروايتي عن مؤلفه -تغمَّدهُ الله برحمته؛ وأذنتُ له في روايته عني؛ وأجزت له رواية ما يجوزُ لي تسمعيهُ. وكانت القراءة المذكورة في مدةٍ آخرها الثامن عشر من شوال سنة ست وسبع مائة. كتبهُ عليّ بن إبراهيم بن داودَ ابن العطار -عفا اللهُ عنهم- بمدينة دمشق المحروسة بدارِ السنة النووية؛ والحمدُ لله رب العالمين. اللهم صل على محمدٍ وعلى آل محمدٍ وصحبه وسلم. قال الشيخ يحيى أبو زكريا رحمهُ الله ورضي عنهُ في أوَّل مقدمة شرح مُسلم فيما ذكرته متحريًا الإنصاف، قاصدًا الاستفادة والإفادة، غير مرتفعٍ.