الرد على الرافضة واليزيدية المخالفين للملة الإسلامية المحمدية
التصنيفات
الوصف المفصل
- الرد
على الرافضة واليزيدية المخالفين للملة الإسلامية المحمدية
- المقدمة
- الباب الأول في فضل القرآن المجيد
- الباب الثاني في فضائل الخلفاء الأربعة الراشدين رضي الله عنهم وإقامة الأدلة على صحة خلافتهم
- الباب الثالث في الرد على الرافضة وبيان نقص عقولهم وكثرة جهلهم
- الباب الرابع في الرد على العدوية واليزيدية
- الباب الخامس فيما انتقي من صحيح البخاري فيما رواه الخلفاء الراشدون الأربعة رضي الله عنهم أجمعين
الرد على الرافضة واليزيدية المخالفين للملة الإسلامية المحمدية
تأليف
عبيد الله بن شبل بن أبي
فراس الجبي التغلبي
(المتوفى سنة 658 هـ رحمه الله)
تحقيق و تعليق
حمدي عبد المجيد السَّلَفي
تحسين إبراهيم الدُّوسْكِي
بِسمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ
المقدمة
إنَّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله.
] يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ ١٠٢ [ (آل عمران: 102).
] يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسٖ وَٰحِدَةٖ وَخَلَقَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا وَبَثَّ مِنۡهُمَا رِجَالٗا كَثِيرٗا وَنِسَآءٗۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِۦ وَٱلۡأَرۡحَامَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيۡكُمۡ رَقِيبٗا ١ [ (النساء: 1).
] يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُواْ قَوۡلٗا سَدِيدٗا ٧٠ يُصۡلِحۡ لَكُمۡ أَعۡمَٰلَكُمۡ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۗ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدۡ فَازَ فَوۡزًا عَظِيمًا ٧١ [ (الأحزاب: 70-71).
أما بعد: فإنَّ أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد رسول الله ﷺ، وشر الأمور محدثاتُها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أما بعد: فإن الكتابة في أصول الفرق المخالفة، وبيان مذاهبها، والرد على بدعها، من المواضيع التي نالت قديماً وحديثاً اهتمام علمائنا، وطالما وجدنا أئمة برزوا في هذا المجال، ونالت مؤلفاتهم الشهرة والذيوع، فأفاد الله بها من شاء من الناس، حيث أحيت قلوباً ميتة، وأعادت الهمة إلى نفوس واهية، وكانت أمضى سلاح في أيدي الدعاة إلى الحق يواجهون بها أهل الأهواء ] وَمَا يَعۡلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَۚ [!
ومن أهم الفرق المخالفة التي نالت القسط الأوفر من ردود علمائنا لما لها من الخطر الجسيم، مع ما لديها من الفكر العقيم، والمنطق السقيم، فرقة الرافضة التي زعمت أنها شيعة آل البيت، والمنافحة عن العترة الطاهرة، لكنها لقلة عقلها ولفرط جهلها ظنت أن التقرب إلى الله لا يكون إلا بسب من اختارهم الله لصحبة نبيه ﷺ، وكذلك بلعن خير قرون هذه الأمة والتبرئة منهم، ولم تقتصر ضلالتهم عند هذا الحد، بل استفحلت حتى وصلت إلى درجة أنهم شككوا في عصمة كتاب الله، وطعنوا في عرض رسول الله ﷺ ، فكانوا بذلك شراً من اليهود والنصارى الذين اعتقدوا الأفضلية في أصحاب رسلهم وأنبيائهم، بخلاف هؤلاء الذين ما تركوا منكراً من القول أو الفعل إلا ونسبوه إلى أصحاب رسولهم! فما كان من علمائنا والأمر كذلك، إلا أن انبروا لهم، مبينين ضلالاتهم، ومحذرين عامة الأمة من فسادهم أقوالهم وأفعالهم، ومن هؤلاء الإمام نجم الدين عبيد الله ابن شبل التغلبي الهيتي، الذي ألف كتاباً في الرد عليهم، مضيفاً إليهم فرقة أخرى من المخالفين، لا تختلف عنهم كثيراً في الضلال، وهي فرقة اليزيدية التي ظهرت أول ما ظهرت كرد فعل للرافضة، ثم تحولت إلى فرقة صوفية حيناً من الزمن، تجمع بين السنة والبدعة، ثم ما لبث أن استفحل أمرها، وزاد انحرافها حتى مرقت من الدين مروق السهم من الرمية، فأتى عليها حين من الدهر تحولت فيه إلى ديانة مستقلة لا تمت إلى الإسلام بأدنى صلة، تلك هي فرقة العدوية كما كانت تعرف حين ظهورها، ثم سميت فيما بعد -ولا تزال- باليزيدية..
مؤلف هذا الكتاب:
أما مؤلف هذا الكتاب فهو من جملة العلماء الذين لم ينالوا لحد الآن شهرة واسعة في ميدان الثقافة الإسلامية، لبقاء مؤلفاته -وهي قليلة كما يبدو- طي النسيان في مكاتب المخطوطات ضمن ما لم ينشر من تراث أسلافنا، بل إن ذكره في كتب التراجم والوفيات أيضاً قليل لا يكاد يشفي الغليل، وطالما بحثنا عن أخباره فيما تيسر من الكتب والمصادر فلم نظفر إلا بأسطر قليلة هناك وهناك، منها ما ذكره مؤرخ الإسلام الشهير الإمام الذهبي في كتابه (تاريخ الإسلام) ضمن وفيات سنة 658 (وهي تصادف سنة 1260 من الميلاد): عُبَيْد الله بن شبل بن (أبي فراس بن)([1]) جميل بن محفوظ (بن شداد)([2])، الإمام نجم الدين، أبو فراس، التغلبي، الهيتي، الزاهد. ويعرف بابن الجبي نسبة إلى قرية جبة من سقي الفرات.
سمع من: خليل الجوسقي.
وصنف كتاب: (فضائل القرآن)، وكتاب (الشفاء من الداء)، وكتاب (شمائل النبي الكريم).
وقد ولي أعمالاً جليلة، وانقطع بعد أخذ بغداد في رباط له.
ثم مات في آخر السنة (أي سنة 658).
قال ابن الفوطي: أجاز لي في سنة خمسين وستمائة. وابنه شيخ رباط العميد شهاب الدين عبد الرحمن، مات سنة 671([3]).
وكل ما ذكر عنه في المصادر المتيسرة لا يتعدى ما سبق، وقد ذكر في (التوضيح) أن له تصانيف، وذكر منها: (فضائل القرآن) و (شمائل النبي الكريم ﷺ) ([4]).
ويبدو أن تصانيفه قليلة لكنها لا تقتصر على هذين الكتابين المذكورين فقط، بل له تصانيف غيرها.. ومنها الكتاب الذي بين أيدينا وهو في الرد على الرافضة واليزيدية، ولم نجد له ذكراً فيما لدينا من المصادر.
لم يصلنا شيء من تفاصيل حياته المؤلف، وقد ذكر عن نفسه في مقدمة كتابه هذا أنه (حضر عندي جماعة من صلحاء أهل السنة بنواحي الفرات التي نشأت فيها، وربيت بها، ونسبت إليها..) ويفهم من قوله هذا أنه نشأ بنواحي الفرات، وربي فيها، ونسب إليها.. والظاهر أنه عند تأليفه لهذا الكتاب لم يكن مقيماً هناك، ويفهم من قول الإمام الذهبي السابق أنه كان يقيم في بغداد، وقد ولي فيها أعملاً جليلة، ولعله توفي هناك أيضاً.
ومن أشهر من تتلمذ عليهم أبو فراس: الخليل بن أحمد بن علي بن إبراهيم بن خليل ابن وشاح الجوسقي الذي توفي سنة (634) سمع منه بصرصر، كما في التوضيح.
وممن أخذ عنه: الكمال بن الفوطي، فقد حدث عنه إجازة.
كتاب (الرد على الرافضة واليزيدية):
وهو الكتاب الذي ألفه الإمام أبو فراس عبيد الله بن شبل رحمه الله، وذلك لما رأى أن شر الروافض واليزيدية قد بدأ يستفحل في نواحي الفرات، حيث موطنه وأصل أسرته، وقد قدم عليه وهو في بغداد جماعة من صلحاء أهل السنة بنواحي الفرات وأخبروه أن فتنة المبتدعة بدأت تظهر في نواحيهم، وقد طلبوا منه أن يكتب لهم كتاباً يحتوي على الحجج الواضحة لكي يعتمدوا عليه في مقارعة أباطيل المخالفين.. فكان هذا الكتاب، وقد ذكر المؤلف بنفسه سبب تأليفه لهذا الكتاب في المقدمة حيث قال:
((حضر عندي جماعة من صلحاء أهل السنة بنواحي الفرات التي نشأت فيها، وربيت بها، ونسبت إليها، وأخبروني أنه قد حدث عندهم بتلك النواحي من البدع المضلة، والآراء المختلفة، ما قد استحوذ الشيطان بها على عقولهم، واستغرى بذلك قلب فاضلهم ومفضولهم، إلا من عصمه الله تعالى منها، وباعده بفضله العميم عنها، فمنهم طائفة قد انتموا إلى مذهب الرافضة والزيدية، وطائفة تمسكوا رأي الجهال من العدوية واليزيدية، وكلتا الطائفتين طرفا نقيض، وضال عن منهج أهل الحق والتفويض، وقالوا لي عند تألمهم من الطائفتين المذكورتين: إنهم يلقون علينا من الشبه والأقاويل، والتمويهات المزخرفة والأباطيل، ما يكاد يغير عقائدنا، ويضل زاهدنا وعابدنا، ثم لا نجد جواباً نرد به أقاويلهم، ولا نعرف حقاً ندفع به أباطيلهم، فنحن في ذلك في حيرة مظلمة، وفتنة من أمرهم معتمة، ونحب أن تكشف لنا شيئاً من الحجج النافعة الباهرة، والبراهين الساطعة الظاهرة، نلقاهم بها عند إظهارهم تلك الشبهات، ونخصمهم بها لله ثم بها نسد إلقاءهم الأباطيل المزخرفات، فأجبتهم إلى ذلك بنية صادقة، ورغبة إلى ثواب الله تعالى موافقة، وسألت الله تعالى أن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، سليماً من حظ النفس والقصد الذميم، بمنه العميم، وفضله الجسيم، وجمعت لهم كتاباً لسؤالهم جامعاً، وللخصم ناصحاً وقامعاً، وسميته : الرد على الرافضة واليزيدية المخالفين للملة الإسلامية المحمدية)).
وفي تحقيقنا لهذا الكتاب اعتمدنا على نسخة خطية نادرة كتبها أبو البدر محمد بن إبراهيم بن أبي البدر العاقولي، الخالدي، البغدادي، الحنبلي، في السابع عشر من شهر رجب من سنة (725).
وختاماً نقول: إن بدعة الرافضة أشهر من أن نعرف بها هنا! وأما اليزيدية، وهم الطرف النقيض للرافضة على حد تعبير المؤلف، فكانوا في البداية حزباً سياسياً يوالي الأمويين، ثم تحولوا إلى طريقة صوفية تعرف بالعدوية، نسبة إلى شيخهم عدي بن مسافر رحمه الله، ثم تولى أمرهم بعض مشايخ السوء فأبعدوهم عن السنة والجماعة، حتى أتى عليهم حين من الدهر رفضوا فيه الإسلام، وتحولت طريقته الصوفية إلى ديانة خاصة، والظاهر أن من حولهم من المسلمين سموهم أول الأمر -تعييراً لهم- باليزيدية نسبة إلى يزيد بن معاوية الأموي، وذلك لحبهم له ومغالاتهم فيه، ثم ما لبث أن افتخروا بهذا الاسم وصار علماً عليهم.
وكان شيخهم عدي رحمه الله من كبار شيوخ أهل السنة والجماعة، وله معتقد سليم، لم يخالف فيه سلف هذه الأمة، وقد كتب في ذلك رسالة صغيرة عرفت بـ(اعتقاد أهل السنة والجماعة) وقد قمنا بتحقيقها ونشرها سابقاً، وتحدثنا في مقدمتها باختصار عن أتباعه، ومجمل ما يعتقدونه الآن، مما يغني عن أعادته هنا، فليراجعها من شاء الاستزادة.
والحمد لله أولاً وآخراً.
المحققان
دهوك 3/11/1431
11/10/ 2010
بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ
الحمد لله المنعم على أهل طاعته بأنسه وقربه، المتفضل عليهم بطيب مناجاته وحبه، الذي أودع قلوبَهم جواهر أسراره حتى أشرقت بمواهبه وأنواره، وحماها بفضله عن قبح العقائد وفساد النيات، وحرسها بمَنِّه من حلول الشك والشبهات، وشرَّف خواطرهم بتوجهها إليه، وأعزَّهم بالطاعة، وأغناهم بالتوكل عليه، وطهَّر ضمائرهم من الأهواء اْلمُرْدِيَةِ والضلالة، وصانها من الآراء المؤذية والجهالة.
أحمده على نعمه السابغة المتواترة، وأشكره على مننه الشائعة الظاهرة، وأصلي على نبيه وخيرته من خلقه وصفيه محمد سيد المرسلين، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الكرام المنتخبين، وأسأله العصمة في الدين، والمتابعة لعباده الصالحين.
وبعد: فإنه حضر عندي جماعة من صلحاء أهل السنة بنواحي الفرات التي نشأت فيها، وربيت بها، ونسبت إليها، وأخبروني أنه قد حدث عندهم بتلك النواحي من البدع المضلة، والآراء المختلفة، ما قد استحوذ الشيطان بها على عقولهم، واستغرى بذلك قلب فاضلهم ومفضولهم، إلا من عصمه الله تعالى منها، وباعده بفضله العميم عنها، فمنهم طائفة قد انتموا إلى مذهب الرافضة والزيدية، وطائفة تمسكوا رأي الجهال من العدوية واليزيدية، وكلتا الطائفتين طرفا نقيض، وضال عن منهج أهل الحق والتفويض، وقالوا لي عند تألمهم من الطائفتين المذكورتين: إنهم يلقون علينا من الشبه والأقاويل، والتمويهات المزخرفة والأباطيل، ما يكاد يغير عقائدنا، ويضل زاهدنا وعابدنا، ثم لا نجد جواباً نرد به أقاويلهم، ولا نعرف حقاً ندفع به أباطيلهم، فنحن في ذلك في حيرة مظلمة، وفتنة من أمرهم معتمة، ونحب أن تكشف لنا شيئاً من الحجج النافعة الباهرة، والبراهين الساطعة الظاهرة، نلقاهم بها عند إظهارهم تلك الشبهات، ونخصمهم بها لله ثم بها نسد إلقاءهم الأباطيل المزخرفات، فأجبتهم إلى ذلك بنية صادقة، ورغبة إلى ثواب الله تعالى موافقة، وسألت الله تعالى أن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، سليماً من حظ النفس والقصد الذميم، بمنه العميم، وفضله الجسيم، وجمعت لهم كتاباً لسؤالهم جامعاً، وللخصم ناصحاً وقامعاً، وسميته : (الرد على الرافضة واليزيدية المخالفين للملة الإسلامية المحمدية) ، وجعلته خمسة أبواب:
الباب الأول: في فضل القرآن المجيد.
الباب الثاني: في فضائل الخلفاء الراشدين.
الباب الثالث: في الرد على الرافضة.
الباب الرابع: في الرد على اليزيدية.
الباب الخامس: في أربعين حديثاً أخترها [مـ]ما رواه الخلفاء الراشدون الأربعة رضي الله عنهم من صحيح البخاري بحق روايتي عن الشيخ الصالح أبي الحسن ابن الزبيدي بروايته عن الشيخ الإمام العالم أبي الوقت رحمه الله لكل واحد من الخلفاء عشرة أحاديث.
الباب الأول في فضل القرآن المجيد
قال الله تعالى: ] الٓمٓ ١ ذَٰلِكَ ٱلۡكِتَٰبُ لَا رَيۡبَۛ فِيهِۛ هُدٗى لِّلۡمُتَّقِينَ ٢ [ [البقرة 1-2].
وقال تعالى: ] إِنَّا نَحۡنُ نَزَّلۡنَا ٱلذِّكۡرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ ٩ [ [الحجر 9].
وقال تعالى : ] إِنَّ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ يَهۡدِي لِلَّتِي هِيَ أَقۡوَمُ [ [الإسراء 9]
وقال تعالى: ] إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِٱلذِّكۡرِ لَمَّا جَآءَهُمۡۖ وَإِنَّهُۥ لَكِتَٰبٌ عَزِيزٞ ٤١ لَّا يَأۡتِيهِ ٱلۡبَٰطِلُ مِنۢ بَيۡنِ يَدَيۡهِ وَلَا مِنۡ خَلۡفِهِۦۖ تَنزِيلٞ مِّنۡ حَكِيمٍ حَمِيدٖ ٤٢ [ [فصلت 41- 42]
وقال تعالى: ] يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدۡ جَآءَتۡكُم مَّوۡعِظَةٞ مِّن رَّبِّكُمۡ وَشِفَآءٞ لِّمَا فِي ٱلصُّدُورِ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٞ لِّلۡمُؤۡمِنِينَ ٥٧ [ [يونس 57].
وقال تعالى: ] إِنَّهُۥ لَقُرۡءَانٞ كَرِيمٞ ٧٧ فِي كِتَٰبٖ مَّكۡنُونٖ ٧٨ لَّا يَمَسُّهُۥٓ إِلَّا ٱلۡمُطَهَّرُونَ ٧٩ تَنزِيلٞ مِّن رَّبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ٨٠ [ [الواقعة 77 – 80].
وقال تعالى: ] بَلۡ هُوَ قُرۡءَانٞ مَّجِيدٞ ٢١ فِي لَوۡحٖ مَّحۡفُوظِۢ ٢٢ [ [البروج 21 – 22].
فهو القرآن والكتاب والفرقان والتنزيل والعلم والذكر والهدى والشفاء والرحمة والحق والنور والروح والوحي والموعظة والحبل، كل هذه الأسماء سمّى الله تعالى بها كتابه النور المبين.
وقال رسول الله ﷺ: ((الْقُرْآنُ حَبْلُ اللهِ المَتيِنُ، فَخُذوُا مِنْهُ ماَ اسْتَطَعْتُمْ)) ([5]).
وقال ﷺ: ((مَنْ أُوتِيَ الْقُرْآنَ فَظَنَّ أَنَّ أَحَداً قَدْ أُوتِيَ أَفْضَلَ مِنْهُ فَقَدْ صَغَّرَ ماَ عَظَّمَ اللهُ وَعَظَّمَ ماَ صَغَّرَ اللهُ))([6]).
وقال ﷺ: ((خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ)) ([7]).
وقال ﷺ وقد سئل عن أحب الأعمال إلى الله تعالى، فقال: ((الْحاَلُّ المُرْتَحِلُ)) فقالوا: يا رسول الله، وما الحال المرتحل؟ فقال: ((اسْتِفْتاَحُ الْقُـرْآنِ وَخَتْمُهُ، وَإِنَّهُ مَنْ أُعْطِيَ الْقُرْآنَ فَقَدْ أُدْرِجَتِ النُّـبُـوَّةُ فيِ قَلْبِهِ، إِلاَّ أَنَّـهُ لَمْ يوُحَ إِلَيْهِ))([8]).
وقال ﷺ: (([إِِنَّ لله] أَهْلِينَ مِنْ النَّاسِ() قيل: ومن هم يا رسول الله؟ فقال: ((أَهْلُ الْقُرْآنِ هُمْ أَهْلُ الله وَخَاصَّتُهُ))([9]).
وقال ﷺ: ((فَضْلُ الْقُرْآنِ عَلىَ ساَئِرِ الْكَلاَمِ كَفَضْلِ الرَّحْمَنِ عَلىَ ساَئِرِ خَلْقِهِ))([10]).
وقال ﷺ: ((مَنْ كَتَبَ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيِمِ يُجَوِّدُهُ تَعْظيِماً للهِ تَعاَلىَ غَفَرَ اللهُ لَهُ))([11]).
وقال ﷺ: ((مَا اجتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ الله تَعَالَى يَتْلوُنَ كِتَابَ الله تَعَالَى وَيَتَدَارَسُونَهُ إِلا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكيْنَةُ، وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْ بِهِمْ الْمَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمْ الله تَعَالَى فِيمَنْ عِنْدَهُ))([12]).
وقـال ﷺ: ((مَـْن عَلَّمَ رَجلاًً الْقُـرْآنَ فَـُـهـوَ مَـوْلاَهُ، لاَ يَخْذُلهُ، وَلاَ يَسْتَأْثِرُ عَلَيْهِ))([13]).
وقـال ﷺ: ((إِنَّ هَذِهِ الْقُلوُبَ تَصْدَأُ كَماَ يَصْدَأُ الحَديِدُ)) قيل: فما جلاؤها؟ قال: ((تِلاَوَةُ الْقُرْآنِ))([14]).
عن أبي هريرة: ((ماَ خَتَمَ رَجُلٌ الْقُرْآنَ إِلاَّ أَدْخَلَ اللهُ تَعاَلىَ عَلَيْهِ وَعَلىَ مَنْ حَضَرَهُ وَعَلىَ جيِراَنِهِ الْبَرَكَةَ))([15]).
وقـال رسول الله ﷺ: ((أَشْرَافُ أُمَّتِي حَمَلَةُ الْقُرْآنِ، وَأصْحَابُ الَّلَيْلِ))([16]).
وقـال رسول الله ﷺ: ((إِنَّ اللهَ تَعاَلىَ قَرَأَ (طَهَ) وَ (يس) قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِأَلْفِ عاَمٍ، فَلَماَّ سَمِعَتِ المَلاَئِكَةُ الْقُرْآنَ، قاَلَتْ: طوُبىَ لأجْواَفٍ تَحْمِلُ هَذاَ، وَطوُبىَ لأَلْسِنٍ تَنْطِقُ بِهَذاَ))([17]).
وقــال u: ((إِذاَ قَرَأْتُمُ الْقرْآنَ فَـابْكوُا، فَإِنْ لَمْ تَبْكوُا تَباَكوُا)) ([18]).
وقـال u: ((لا حَسَدَ إِلا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ عَلَّمَهُ الله تَعالَى الْقُرْآنَ فَهُوَ يَتْلُوهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، فَسَمِعَهُ جَارٌ لَهُ فَقَالَ: يَا لَيْتَنِي أُوتِيتُ مِثلَ مَا أُوتِيَ فُلانٌ، فَعَمِلْتُ مِثلَ مَا يَعْمَلُ، وَرَجُلٌ آتَاهُ الله تَعَالَى مَالاً فَهُوَ يُهْلِكُهُ فِي الحَقِّ، فَقَالَ رَجُلٌ: لَيْتَنِي أُوتِيتُ مِثلَ مَا أُوتِيَ فُلانٌ، فَعَمِلْتُ مِثلَ مَا يَعْمَلُ))([19]).
وقال جعفر الصادق u يرفعه إلى النبي ﷺ قال: ((الْقُرْآنُ فيِ أَعْلىَ دَرَجَةٍ مِنَ الآدَمِييِّنَ ماَ خَلاَ النَّبِييِّنَ وَالمُرْسَليِنَ، فَلاَ تَسْتَضْعِفوُا أَهْلَ الْقُرْآنِ حُقوُقَهُمْ، فَإِنَّ لَهُمْ مِنَ اللهِ تَعاَلىَ لَمَكاَناً))([20]).
وقال جعفر الصادق u يرفعه إلى النبي ﷺ: ((مَنْ قَرَأَ عَشْرَ آياَتٍ فيِ لَيْلَةٍ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الْغاَفِليِنَ، وَمَنْ قَرَأَ خَمْسيِنَ آيَةً كُتِبَ مِنَ الذاَّكِريِنَ، وَ مَنْ قَرَأَ مِئَةَ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ الْفاَئِزيِنَ، وَمَنْ قَرَأَ خَمْسٍماَئَةٍ كُتِبَ مِنَ .. ين([21])، وَمَنْ قَرَأَ أَلْفَ آيَةٍ كُتِبَ لَهُ قِنْطاَرٌ، وَالْقَنْطاَرُ خَمْسَةُ آلاَفِ مِثْقاَلٍ ذَهَباً، الْمِثْقاَلُ أَرْبَعَةٌ وَعِشْروُنَ قيِراَطاً أَصْغَرُهاَ مِثْلُ جَبَلِ أُحُدٍ وَأَكْبَرُهاَ ماَ بَيْنَ السَّماَءِ وَالأَرْضِ))([22]).
وقـال رسول الله ﷺ: ((مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ كاَنَ لَهُ بِكُلِّ حَرْفٍ عَشْرُ حَسَناَتٍ، وَلاَ أَقوُلُ ألم حَرْفٌ، وَإِنَّماَ أَلِفْ حَرْفٌ وَلاَمْ حَرْفٌ وَميِمْ حَرْفٌ))([23]).
وقـال ﷺ: ((إِنَّ هَذاَ الْقُرْآنَ هُوَ حَبْلُ اللهِ المَتيِنُ، وَهُوَ النُّورُ المُبيِنُ، وَالشِّفاَءُ الناَّفِعُ، عِصْمَةٌ لِمَنْ تَمَسَّكَ بِهِ، وَنَجاَةٌ لِمَنْ تَبِعَهُ، لاَ يُعَوَّجُ فَيُقَوََّمُ، وَلاَ يَزيِغُ فَيُسْتَعْتَبُ، وَلاَ تَنْقَضيِ عَجاَئِبُهُ، وَلاَ يَخْلُقُ عَلىَ كَثْرَةِ الرَّدِّ، فَإِنَّ اللهَ تَعاَلىَ آجَرَكُم ْ بِتِلاَوَتِهِ بِكُلِّ حَرْفٍ عَشْرَ حَسَناَتٍ، أَماَ إِنيِّ لاَ أَقوُلُ: ألم حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفْ حَرْفٌ وَلاَمْ وَميِمْ ثَلاَثوُنَ حَسَنَةٌ))([24]).
وقـال رسول الله ﷺ: ((أَكْرِموُا حَمَلَةَ الْقُرْآنِ فَإِنَّهُمُ المَحْفوُفوُنَ بِرَحْمَةِ اللهِ تَعاَلىَ، المُكْسِبوُنَ نوُرَ اللهِ، المُعَلِّموُنَ كَلاَمَ اللهِ تَعاَلىَ، مَنْ واَلاَهُمْ فَقَدْ واَلىَ اللهَ، وَمَنْ عاَداَهُمْ فَقَدْ عاَدىَ اللهَ))([25]).
وقـال ﷺ: ((أَعْرِبوُا الْقُرْآنَ وَاتَّبِعوُا إِعْراَبَهُ وَفَراَئِضَهُ وَحُدوُدَهُ، فَإِنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلىَ خَمْسَةِ أَوْجُهٍ: حَلاَلٌ وَحَراَمٌ وَمُحْكَمٌ وَمُتَشاَبِهٌ وَأَمثَالٌ، فَأَحِلوُّا حَلاَلَهُ، وَحَرِّموُا حَراَمَهُ، وَاعْمَلوُا بِالْمُحْكَمِ، وَآمِنوُا بِالْمُتَشاَبَهِ، وَاعْتَبِروُا بِالأَمْثاَلِ))([26]).
وفضائل القرآن العزيز أعظم من أن تحصى عدداً، والذي ذكرناه منها على سبيل الاختصار والإيجاز، وقد ورد عن النبي ﷺ ما ذكره المفسرون في كتبهم لكل سورة من القرآن فضيلة وثواب، وفي مواضع لكل آية.
الباب الثاني في فضائل الخلفاء الأربعة الراشدين رضي الله عنهم وإقامة الأدلة على صحة خلافتهم
مناقب أبي بكر الصديق
رضي الله عنه وأرضاه ونسبه
وهو أبو بكر عبد الله بن أبي قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة. في مرة يلحق نسبه بنسب النبي ﷺ.
ولد بعد الفيل بسنتين وأربعة أشهر، وتوفي بعد النبي ﷺ بسنتين وأربعة أشهر، وهو ابن ثلاث وستين سنة، مثل عمر النبي ﷺ، ودفن معه في بيت عائشة -رضي الله عنها وعن أبيها- بالمدينة، وكانت وفاته ليلة الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الأخر سنة ثلاث عشرة من الهجرة الشريفة.
فمن فضائله على سبيل الاختصار تحرزاً من الإطالة والإكثار، وكذلك في حق الباقين رضي الله عنهم أجمعين.
ذكر ما ورد في حقه
من القرآن المجيد
قال الله تعالى: ] إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدۡ نَصَرَهُ ٱللَّهُ إِذۡ أَخۡرَجَهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ ٱثۡنَيۡنِ إِذۡ هُمَا فِي ٱلۡغَارِ إِذۡ يَقُولُ لِصَٰحِبِهِۦ لَا تَحۡزَنۡ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَاۖ فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُۥ [ الآية [التوبة 40] الاثنان هما: النبي ﷺ وأبو بكر t، لا خلاف فيه بين المسلمين ]إِذۡ يَقُولُ لِصَٰحِبِهِۦ[، أي: النبي ﷺ لأبي بكر t ] لَا تَحۡزَنۡ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَاۖ [، ولم يكن حزن أبي بكر t جبناً ولا سوء ظن، وإنما كان لفرط إشفاقه على النبي ﷺ وذلك أنه قال للنبي ﷺ: أنا إن قتلت إنما أنا رجل واحد، وإن قتلت يا رسول الله هلكت الأمة، يدل عليه ما روى البخاري في صحيحه أنه قال لرسول الله: لو أن واحداً نظر إلى تحت قدمه لأبصرنا، فقال: ((يَا أبَا بَكْرٍ، مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ الله ثَالِثُهُمَا))([27]).
وقال الزهري: لما دخل رسول الله ﷺ الغار ومعه أبو بكر t أرسل الله زوجاً من حمام حتى باضا في أسفل الغار، والعنكبوت نسج في أعلاه بيتاً، فلما جاء سراقة بن مالك نظر إلى بيض الحمام ونسج العنكبوت، قال: لو دخلا لتكسر البيض وانفسخ بيت العنكبوت، فانصرف، وقال النبي ﷺ: ((اللَّهُمَّ أعْمِِ أَبْصاَرَهُمْ)) فعميت أبصارهم، وجعلوا يضربون حول الغار يميناً وشمالاً ولا يرونه، ] فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُۥ عَلَيۡهِ [ اختلف المفسرون على من نزلت السكينة، فقال قوم: نزلت على النبي ﷺ لقوله تعالى: ] وَأَيَّدَهُۥ بِجُنُودٖ لَّمۡ تَرَوۡهَا [ والتأييد بالجنود إنما كان للنبي ﷺ، وقال قوم: نزلت السكينة على أبي بكر t لأنه هو الذي كان عنده الحزن والخوف على رسول الله ﷺ والنبي ﷺ ما زالت السكينة عليه([28]).
وقال بعض المفسرين: عاتب الله تعالى المؤمنين في هذه الآية عدا أبي بكر t.
ومما نزل في أبي بكر t قوله تعالى: ] وَلَا يَأۡتَلِ أُوْلُواْ ٱلۡفَضۡلِ مِنكُمۡ وَٱلسَّعَةِ أَن يُؤۡتُوٓاْ أُوْلِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينَ وَٱلۡمُهَٰجِرِينَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۖ وَلۡيَعۡفُواْ وَلۡيَصۡفَحُوٓاْۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغۡفِرَ ٱللَّهُ لَكُمۡۚ [ [النور 22] فقال أبو بكر: بل أحب أن يغفر الله لي، ثم عاد ينفق على مسطح([29]).
وقال الله تبارك وتعالى في حق أبي بكر: ] وَمَا لَكُمۡ أَلَّا تُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَٰثُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ لَا يَسۡتَوِي مِنكُم مَّنۡ أَنفَقَ مِن قَبۡلِ ٱلۡفَتۡحِ وَقَٰتَلَۚ أُوْلَٰٓئِكَ أَعۡظَمُ دَرَجَةٗ مِّنَ ٱلَّذِينَ أَنفَقُواْ مِنۢ بَعۡدُ وَقَٰتَلُواْۚ [ الآية [الحديد 10].
قال الكلبي -وهو من أكابر المفسرين-: هذه الآية في حق أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه، وفي هذه الآية دلالة واضحة وحجة ثابتة بينة على تفضيل أبي بكر t على من سواه وتقديمه، لأن الله تعالى نفى أن يستوي معه أحد من أصحاب رسول الله ﷺ، لأنه أول من أسلم وقاتل وهاجر.
ومما يؤيد ذلك ويقويه ما روى ابن عمر قال: كنت عند رسول الله ﷺ وعنده أبو بكر t وعليه عباءة قد خللها في صدره بخلال، فنزل جبريل u فقال: مالي أرى أبا بكر عليه عباءة قد خللها في صدره بخلال؟ فقال النبي ﷺ: ((أَنْفَقَ ماَلَهُ قَبْلَ الْفَتْحِ)) قال جبريل u: فإن الله يقرأ عليه السلام، ويقول له: أراضٍ أنت عني في فقرك هذا أم ساخط؟ فقال رسول الله ﷺ: ((ياَ أَباَ بَكْرٍ إِنَّ اللهَ تَعاَلىَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلاَمَ وَيَقوُلُ لَكَ: أَراَضٍٍ أَنْتَ عَنيِّ فيِ فَقْرِكَ هَذاَ أَمْ ساَخِطٌ؟)) فقال أبو بكر: أأسخط على ربي؟ إني عن ربي راضٍ، إني عن ربي راضٍ([30]).
وهذا قالٌ وأمثاله من الفضائل التي لم يشركه فيها مشارك ولا أحد من الصحابة قاربه فيها ولا داناه، قدموه على أنفسهم، واعترفوا له بالسبق.
وقال الله تبارك وتعالى: ] وَٱلَّذِي جَآءَ بِٱلصِّدۡقِ وَصَدَّقَ بِهِۦٓ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُتَّقُونَ ٣٣ [ [الزمر 33].
قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب u وجماعة من المفسرين: ] وَٱلَّذِي جَآءَ بِٱلصِّدۡقِ [ هو النبي ﷺ، ] وَصَدَّقَ بِهِۦٓ [ أبو بكر t([31]).
وقال الله تعالى: ] قُل لِّلۡمُخَلَّفِينَ مِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ سَتُدۡعَوۡنَ إِلَىٰ قَوۡمٍ أُوْلِي بَأۡسٖ شَدِيدٖ تُقَٰتِلُونَهُمۡ أَوۡ يُسۡلِمُونَۖ فَإِن تُطِيعُواْ يُؤۡتِكُمُ ٱللَّهُ أَجۡرًا حَسَنٗاۖ وَإِن تَتَوَلَّوۡاْ كَمَا تَوَلَّيۡتُم مِّن قَبۡلُ يُعَذِّبۡكُمۡ عَذَابًا أَلِيمٗا ١٦ [ [الفتح 16].
قال ابن عباس t، وعطاء بن [أبي] رباح، وعطاء الخراساني، وابن أبي ليلى، ومجاهد: هم فارس، وقال كعب: هم الروم، وقال الزهري ومقاتل: هم بني حنيفة أهل اليمامة، أصحاب مسيلمة الكذاب، وقال رافع بن خديج: والله لقد كنا نقرأ هذه الآية فيما مضى ] سَتُدۡعَوۡنَ إِلَىٰ قَوۡمٍ أُوْلِي بَأۡسٖ شَدِيدٖ تُقَٰتِلُونَهُمۡ أَوۡ يُسۡلِمُونَۖ فَإِن تُطِيعُواْ يُؤۡتِكُمُ ٱللَّهُ أَجۡرًا حَسَنٗاۖ وَإِن تَتَوَلَّوۡاْ كَمَا تَوَلَّيۡتُم مِّن قَبۡلُ يُعَذِّبۡكُمۡ عَذَابًا أَلِيمٗا ١٦ [ وما كنا نعلم من هم، حتى دعا أبو بكر t إلى قتال بني حنيفة، فعلمنا أنهم هم([32]).
وفي هذه الآية أعظم دليل وأقوى حجة على خلافة أبي بكر t، لأنه إن كان المراد هم بنو حنيفة، فقد دعا أبو بكر t إلى قتالهم، وإن كان المراد فارس، فقد دعا عمر t إلى قتالهم، وخلافة عمر t كانت بنص أبي بكر t عليه، فدل على صحة خلافتهما، وصدق إمامتهما، لأن الله تعالى وعد لمن أطاع منهم أجراً حسناً، ولمن تولى كما تولى من قبل ، يعني: في زمن النبي ﷺ عذاباً أليماً.
وقال عز من قائل: ] ٱلَّذِينَ أَنۡعَمَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّۧنَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَٱلصَّٰلِحِينَۚ [ [النساء 69].
جعل الله سبحانه وتعالى درجة الصديقين تابعة لدرجة النبيين في الرتبة والمنزلة، والذي خصه الله تعالى بهذا الاسم واتصف به واشتهر بين الصحابة وإلى زماننا هذا، وسماه به النبي ﷺ وجبريل u هو أبو بكر t دون غيره.
باب تسمية النبي صلى الله عليه وسلم له بالتصديق
فيما ذكره البخاري في صحيحه أن النبي ﷺ صعد جبل أحد ومعه أبو بكر وعمر وعثمان y ، فرجف بهم الجبل فقال النبي ﷺ: ((اثْبُتْ أُحُدُ فَمَا عَلَيْكَ إِلا نَبِيٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ)) ([33]).
وأما تسمية النبي ﷺ له بالتصديق فإن النبي ﷺ قال لجبريل ليلة الإسراء: ((إِنَّ قَوْميِ يُكَذِّبوُنيِ وَلاَ يُصًدِّقوُنيِ)) فقال جبريل u: يصدقك أبو بكر الصديق([34]).
وفي هذا القول من جبريل u لأبي بكر t فضل عظيم، ومحل عند الله تعالى جسيم، حيث اكتفى جبريل u بتصديق أبي بكر t عن كافة الناس يومئذ، قال: فلما أخبر النبي ﷺ قريشاً بالإسراء كذبوه وعجبوا من قوله، ثم إن المشركين أسرعوا إلى أبي بكر الصديق t يخبروه بذلك، فقالوا له: إن صاحبك يزعم أنه قد أسري به في هذه الليلة من مكة إلى البيت المقدس، ثم جاء من ليلته، فقال: أوقال ذلك؟ قالوا نعم، قال أبو بكر: إن قال فقد صدق، فقالوا: أتصدقه على ذلك؟ فقال: أنا أصدقه على أبعد من ذلك، أفلا أصدقه على أقرب منه؟([35])
ولهذا أيضاً سمي صديقاً، وهو وصف شريف، واسم كريم، قد وصف الله تعالى به بعض أنبيائه عليهم السلام، قال تبارك وتعالى: ] وَٱذۡكُرۡ فِي ٱلۡكِتَٰبِ إِدۡرِيسَۚ إِنَّهُۥ كَانَ صِدِّيقٗا نَّبِيّٗا ٥٦ [ [مريم 56].
وقال تعالى: ] وَٱذۡكُرۡ فِي ٱلۡكِتَٰبِ إِبۡرَٰهِيمَۚ إِنَّهُۥ كَانَ صِدِّيقٗا نَّبِيًّا ٤١ [ [مريم 41].
قال عز وجل: ] يُوسُفُ أَيُّهَا ٱلصِّدِّيقُ [ [يوسف 46].
وهي لفظة يراد بها المبالغة، يقال: رجل صديق، إذا كان كثير الصدق، كما يقال: رجل فسيق وشريب وخمير، إذا كان كثير الفسوق والشرب.
وقال تعالى: ] وَٱتَّبِعۡ سَبِيلَ مَنۡ أَنَابَ إِلَيَّۚ [ [لقمان 15]، وقال ابن عباس t: إنها نزلت في أبي بكر الصديق u ([36]).
وقال ابن عباس: قوله عز وجل: ] إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسۡتَقَٰمُواْ [ [فصلت 30] نزلت في أبي بكر الصديق t ([37]).
وقال في قوله عز وجل: ] حَتَّىٰٓ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُۥ وَبَلَغَ أَرۡبَعِينَ سَنَةٗ قَالَ رَبِّ أَوۡزِعۡنِيٓ أَنۡ أَشۡكُرَ نِعۡمَتَكَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَٰلِدَيَّ [ الآية [الأحقاف 15]: إنها نزلت في أبي بكر الصديق([38]).
وقال ابن عباس: لما نزل قوله عز وجل: ] يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَرۡفَعُوٓاْ أَصۡوَٰتَكُمۡ فَوۡقَ صَوۡتِ ٱلنَّبِيِّ [ الآية [الحجرات 2] كان أبو بكر t لا يكلم رسول الله ﷺ إلاَّ كأخي السرار([39]) فأنزل الله تعالى في أبي بكر t: ] إِنَّ ٱلَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصۡوَٰتَهُمۡ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ ٱمۡتَحَنَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمۡ لِلتَّقۡوَىٰۚ لَهُم مَّغۡفِرَةٞ وَأَجۡرٌ عَظِيمٌ ٣ [ [الحجرات 3].
وقال ابن جريج: حدثت أن أبا قحافة سب النبي ﷺ قبل أن يسلم، فصكه أبو بكر صكة شديدة سقط منها، فأخبر بذلك رسول الله ، فقال له: ((أَوَفَعَلْتَ ذَلِكَ؟)) فقال: نعم، فقال: ((لاَ تَعُدْ إِلَيْهِ)) فقال أبو بكر t: والله لو كان السيف قريباً مني لقتلته به، فأنزل الله تعالى: ] لَّا تَجِدُ قَوۡمٗا يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ يُوَآدُّونَ مَنۡ حَآدَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَوۡ كَانُوٓاْ ءَابَآءَهُمۡ أَوۡ أَبۡنَآءَهُمۡ[ الآية [المجادلة 22].
ويقال نزلت هذه الآية فيه ، لأنه دعا ابنه إلى البراز يوم بدر، فقال لرسول الله: دعني أكر في الرعلة الأولى، فقال له رسول الله ﷺ: ((مَتِّعْناَ بِنَفْسِكَ ياَ أَباَ بَكْرٍٍ ، أَماَ تَعْلَمُ أَنَّكَ عِنْديِ بِمَنْزِلَةِ سَمْعيِ وَبَصَريِ؟))([40]).
قيل نزلت هذه الآية في جماعة من الصحابة من جملتهم أبو بكر رضي الله عنه وعنهم، ولكل منهم واقعة كواقعة أبي بكر رضي الله عنه.
وقال الواحدي في أسباب النزول([41]) في قوله عز وجل: ] وَسَيُجَنَّبُهَا ٱلۡأَتۡقَى ١٧ ٱلَّذِي يُؤۡتِي مَالَهُۥ يَتَزَكَّىٰ ١٨ وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُۥ مِن نِّعۡمَةٖ تُجۡزَىٰٓ ١٩ إِلَّا ٱبۡتِغَآءَ وَجۡهِ رَبِّهِ ٱلۡأَعۡلَىٰ ٢٠ وَلَسَوۡفَ يَرۡضَىٰ ٢١[ [الليل 17 – 21] إنها نزلت في أبي بكر الصديق t وذلك أنه كان يبتاع الضعفة من العبيد ثم يعتقهم، فقال له أبوه أبو قحافة: لو ابتعت من يحمي ظهرك ويمنعك... آجر ذلك. فقال أبو بكر: منع ظهري أريد، فنزلت فيه: ] وَسَيُجَنَّبُهَا ٱلۡأَتۡقَى ١٧ ٱلَّذِي يُؤۡتِي مَالَهُۥ يَتَزَكَّىٰ ١٨ [ ([42]).
ويقال: نزلت فيه لأن بلالاً لما أعتقه أبو بكر t أسلم، ثم جاء إلى الأصنام، فشَخَّ عليها، فشكى المشركون منه إلى عبد الله بن جدعان، وكان من بني تيم، مقدماً فيهم، فوهبه لهم ولمائة من الإبل ينحرونها لآلهتهم، فأخذوا بلالاً، وجعلوا يعذبونه أشد العذاب، وهو يقول: أحد أحد، وأخبر النبي ﷺ أبا بكر أن بلالاً يعذب في الله، فحمل أبو بكر t رطلاً من الذهب، فابتاع به بلالاً من المشركين بمكة، فقال المشركون: إن أبا بكر لم يفعل هذا مع بلال إلا ليد له عنده، فأنزل الله تبارك وتعالى فيه: ] وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُۥ مِن نِّعۡمَةٖ تُجۡزَىٰٓ ١٩ [ الآية([43]).
وفي نزول هذه الآيات في حق أبي بكر الصديق t من الفضل العظيم ، والمن الوافر الجسيم، والموهبة العالية، والمنقبة الرضية الشاجية ما لا ينكره إلا جاحد، ولا يرده إلا ظالم لنفسه معاند، فإن الله قد أنعم عليه فيها الرضا، وهو من أعظم المواهب، وأشرف النعم والمراتب، فإن الله تعالى يقول في كتابه العزيز في حق نبيه محمد سيد المرسلين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين في سورة الضحى: ] وَلَسَوۡفَ يُعۡطِيكَ رَبُّكَ فَتَرۡضَىٰٓ ٥ [ [الضحى 5] ثم أنعم الله تبارك وتعالى في حق أبي بكر ] وَلَسَوۡفَ يَرۡضَىٰ ٢١ [ [الليل 21].
وقال مقاتل -كان من كبار المفسرين- في قوله عز وجل: ] وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ِنكُمۡ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَيَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ كَمَا ٱسۡتَخۡلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمۡ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرۡتَضَىٰ لَهُمۡ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعۡدِ خَوۡفِهِمۡ أَمۡنٗاۚ [ [النور 55]: دلالة واضحة على خلافة أبي بكر الصديق t والخلفاء الراشدين من بعده رضي الله عنهم، لأن هذه الآية صفتهم بعد رسول الله ﷺ.
ويقوي هذا القول قول رسول الله ﷺ: ((الْخِلاَفَةُ مِنْ بَعْديِ ثَلاَثوُنَ سَنَةً ، ثُمَّ تَكوُنُ مُلْكاً)) ([44])، قال سفينة: حول رسول الله ﷺ نظرنا في ذلك، فإذا خلافة أبي بكر t سنتان، وخلافة عمر t عشر سنين، وخلافة عثمان t اثنتا عشرة سنة، وخلافة علي t ست سنين.
وقيل: علل ذلك لقبضه ستة أشهر تتمة الثلاثين سنة خلافة الحسن بن علي عليهما السلام.
ولأبي بكر t فيما ذكر الله تعالى في كتابه المجيد في فضل المهاجرين والأنصار أكبر حظ وأعظم مجد وفخار، في قوله تعالى:] وَٱلسَّٰبِقُونَ ٱلۡأَوَّلُونَ مِنَ ٱلۡمُهَٰجِرِينَ وَٱلۡأَنصَارِ وَٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُم بِإِحۡسَٰنٖ رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ وَرَضُواْ عَنۡهُ وَأَعَدَّ لَهُمۡ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي تَحۡتَهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ ١٠٠ [ [التوبة 100].
وقوله تبارك وتعالى: ] لَّقَدۡ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ إِذۡ يُبَايِعُونَكَ تَحۡتَ ٱلشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمۡ فَأَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ عَلَيۡهِمۡ وَأَثَٰبَهُمۡ فَتۡحٗا قَرِيبٗا ١٨ [ [الفتح 18]
وقوله تعالى: ] مُّحَمَّدٞ رَّسُولُ ٱللَّهِۚ وَٱلَّذِينَ مَعَهُۥٓ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلۡكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيۡنَهُمۡۖ تَرَىٰهُمۡ رُكَّعٗا سُجَّدٗا يَبۡتَغُونَ فَضۡلٗا مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضۡوَٰنٗاۖ [ الآيتان [الفتح 29].
إلى غير ذلك من الآيات المحكمات ، والدلائل الواضحات البينات.
ذكر ما ورد على لسان رسول الله ﷺ
ولسان جبريل
قول رسول الله ﷺ: ((مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ)) هذا حديث صحيح متفق عليه ([45])، وهو أعظم دليل على فضله واستحقاقه التقديم، لأن الصلاة أعظم أركان الصلاة([46]) لقوله ﷺ: ((الصَّلاَةُ عِماَدُ الديِّنِ، فَمَنْ تَرَكَهاَ فَقَدْ هَدَمَ الديِّنَ))([47]) فلما أمر النبي ﷺ باستخلاف أبي بكر في الصلاة دون غيره بعد مراجعة عائشة إياه مراراً ويأبى رسول الله ﷺ إلا تقديم أبي بكر، دل على فضله والتنبيه على تقديمه واستحقاقه الخلافة من بعده.
ثم قال ﷺ في موضع آخر: ((اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي: أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ))([48]) فخصهما بالذكر من بين الصحابة، وإن كانا منهم، لموضع فضلهما وشرفهما كما قال الله تعالى: ] مَن كَانَ عَدُوّٗا لِّلَّهِ وَمَلَٰٓئِكَتِهِۦ وَرُسُلِهِۦ وَجِبۡرِيلَ وَمِيكَىٰلَ [ [البقرة 98] فخص جبريل وميكال بالذكر لشرفهما، وإن كـانـا مـن الملائكة. وكما قال سبحانه وتعالـى: ] فِيهِمَا فَٰكِهَةٞ وَنَخۡلٞ وَرُمَّانٞ ٦٨ [ [الرحمن 68] وإن كان النخل والرمان من الفاكهة، وإنما خصهما بالذكر لشرفهما. وكما قال سبحانه وتعالى: ] وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِنَ ٱلنَّبِيِّۧنَ مِيثَٰقَهُمۡ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٖ وَإِبۡرَٰهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ٱبۡنِ مَرۡيَمَۖ [ [الأحزاب 7] فخص هؤلاء بالذكر لمكان شرفهم وفضلهم وإن كانوا من جملة الأنبياء.
وقال رسول الله ﷺ: ((إِنَّكُمْ لَتَرَوْنَ أَعْلىَ عِلِّييِّنَ كَماَ تَرَوْنَ الْكَواَكِبَ وَالنَّيِّرَيْنَ فيَ أَعْلىَ السَّماَءِ، وَإِنَّ أَباَ بَكْرٍ وَعُمَرَ لَمِنْهُمْ وَأَنْعِماَ))([49]) يدل هذا الحديث على علو درجتهما وشرف منزلتهما.
وقال أبو سعيد الخدري t خطبنا رسول الله ﷺ فقال: ((إِنَّ الله تَعَالَى خَيَّرَ عَبْدًا بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ فَاخْتَارَ ذَلِكَ الْعَبْدُ مَا عِنْدَ الله تَعَالَى)) قال: فبكى أبو بكر t بكاء شديداً، قال أبو سعيد: فتعجبنا لبكائه أن يخبر رسول الله ﷺ عن عبد خيره الله تعالى فاختار ما عنده، فكان رسول الله ﷺ هو المخير، وكان أبو بكر أعلمنا، فقال رسول الله ﷺ: ((إِنَّ مِنْ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبو بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذاً خَلِيلاً لاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيْلاً، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الإِسْلامِ وَمَوَدَّتُهُ أفْضَلُ، وِلا يَبْقَيَنَّ فِي المَسْجِدِ بَابٌ إِلا سُدَّ إِلا بَابُ أَبِي بَكْرٍ)) رضي الله عنه وأرضاه([50]).
وقال جبير بن مطعم: جاءت امرأة إلى رسول الله ﷺ فسألته شيئاً، فأمرها أن ترجع إليه، فقالت: إذا جئت ولم أجدك؟ كأنها تعرض بالموت، فقال ﷺ: ((إِنْ لَمْ تَجِدِينِي فَائْتِي أَبَا بَكْرٍ))([51]).
وفي هذا الحديث أيضاً دلالة ظاهرة، وحجة بينة على استحقاقه الخلافة بعد رسول الله ﷺ.
وقال أبو الدرداء: كنت جالساً عند رسول الله ﷺ إذ أقبل أبو بكر t آخذاً بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبته، فقال النبي ﷺ: ((أَمَّا صَاحِبُكُمْ فَقَدْ غَامَرَ)) فسلم، وقال: إنه كان بيني وبين ابن الخطاب شيء، فأسرعت إليه، ثم ندمت، فسألته أن يغفر لي، فأبى، فأقبلت إليك، فقال: ((يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ)) ثلاثاً ، ثم إن عمر ندم، فأتى رسول الله ﷺ فقال: أعندكم أبو بكر؟ فقالوا: لا، فأتى النبي ﷺ جعل وجه النبي ﷺ يتمعر حتى أشفق أبو بكر فجثا على ركبتيه، فقال: يا رسول الله، أنا كنت أظلم، مرتين، فقال النبي ﷺ: ((إِنَّ الله بَعَثَنِي إِلَيْكُمْ فَقُلْتُمْ: كَذَبَ، وَقَالَ أَبو بَكْرٍ: صَدَقَ، وَوَاسَانِي بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُوا لِي صَاحِبِي؟)) مرتين، فما أوذي بعدها أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه([52]).
وقال رسول الله ﷺ: ((وُضِعْتُ فِي كِفَّةٍ الْمِيْزَانِ وَوُضِعَتْ أُمَّتِي فِي الْكِفَّةٍ الأخْرى فَوُزِنْتُ بِهِمْ، فَرَجَحْتُ، ثُمَّ وُضِعَ أَبوُ بَكْرٍ مَكَاني فَرَجَّحَ بِهِمْ، ثُمَّ وُضِعَ عُمَرُ مَكَانَهُ فَرَجَّحَ بِهِمْ، ثُمَّ رُفِعَ الْمِيْزَانُ))([53]).
يدل هذا الحديث على فضلهما على من سواهما، واستحقاق أبي بكر الخلافة بعد النبي ﷺ لقوله: ((وُضِعَ مَكَانِيْ)) وخلافة عمر لكونه وضع مكانه.
وقال ﷺ: ((بَيْنَمَا رَاعٍ فِي غَنَمِهِ عَدَا عَلَيْهِ الذِّئْبُ، فَأَخَذَ مِنْهَا شَاةً، فَطَلَبَهُ الرَّاعِي، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ الذِّئْبُ، فَقَالَ: مَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبُعِ، يَوْمَ لَيْسَ لَهَا رَاعٍ غَيْرِي، وَبَيْنَمَا [رَجُلٌ يَسُوقُ] بَقَرَةً قَدْ حَمَلَ عَلَيْهَا، فَالْتَفَتَتْ إِلَيْهِ، فَكَلَّمَتْهُ، فَقَالَتْ: إِنِّي لَمْ أُخْلَقْ لِهَذَا، وَلَكِنِّي خُلِقْتُ لِلْحَرْثِ)) فقال الناس: سبحان الله تعالى! تعجباً منهم، كيف يتكلم الذئب والبقرة، فقال رسول الله: ((فَإِنِّي أُومِنُ بِذَلِكَ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ))([54]).
وهذا الدليل القوي المتين، والبرهان الواضح المبين، على قوة إيمان أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، حيث قرن النبي ﷺ إيمانهما إلى إيمانه بنطق الذئب والبقرة، إذ كان أمر يخالف العادات، ويخرج عن العرف من كلام الدواب والحيوانات.
وقال ﷺ: ((لا يَتَأمَّرُ عَلَيْكُمَا أحَدٌ بَعْدِيْ))([55]).
وفي هذا الحديث دليل على صحة خلافتهما، وتقدمهما، وفضلهما، لنفي النبي ﷺ الإمرة لغيرهما عليهما بعده، ورفع الترتيب بينهما لتفوت منزلتهما، ولما سبق من استحقاق أبي بكر التقديم.
وقال النبي ﷺ: ((إنَّ أبَا بَكْرٍ لَمْ يَسْبِقْكُمْ بِكِثرَةِ صَوْمٍ وَلا صَلاةٍ، وَإنَّمَا سَبَقَكُمْ بِشَيءٍ وَقَرَ فِيْ صَدْرِهِ))([56]).
نرجع إلى سياق الحديث في ليلة الإسراء، وهو أن النبي ﷺ قال لجبريل u: ((إِنَّ قَوْميِ يُكَذِّبوُنيِ وَلاَ يصَدِّقوُنيِ))([57]) فقال جبريل u: يصدقك أبو بكر الصديق فلما أخبر النبي ﷺ قريشاً كذبوه، وعجبوا من قوله، ثم إن المشركين أسرعوا إلى أبي بكر يخبرونه بذلك، وقالوا: إن صاحبك يزعم أنه قد أسري به في هذه الليلة من مكة إلى البيت المقدس، ثم جاء في ليلته، فقال أبو بكر t: أوَقال ذلك؟ قالوا: نعم، فقال أبو بكر t: إن كان قد قال فقد صدق، فقالوا: أتصدقه على ذلك؟ فقال أبو بكر t: أنا أصدقه على أبعد من ذلك، خبر السماء، يخبر به غدوة أو رواحاً، أفلا أصدقه على أقرب منه؟ فسمي أبو بكر يومئذ صديقاً([58]).
وعن أبي أمامة، عن النبي ﷺ أنه قال: ((أَرْحَمُ أُمَّتيِ بِأُمَّتيِ بَعْدَ نَبِيِّهاَ أَبوُ بَكْرٍ، وَأَقْوَلُهُا َلِلْحَقِّ بَعْدَ نَبِيِّهاَ عُمَرُ، وَأَشَدُّهُا َحَياَءً بَعْدَ نَبِيِّهَا عُثْماَنُ، وَأَعْلَمُ هَذِهِ الأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهاَ بِالْقَضاَءِ وَالسُّنَّةِ عَلِيٌّ))([59]) رضي الله عنهم أجمعين.
وقيل أن أبا بكر كان قد شارك حكيم بن حزام قبل بعثة النبي ﷺ في بضاعة، فأراد السفر إلى الشام، وإنه ذات يوم مع حكيم بن حزام إذ سمع آتٍ يقول: إن عمتك خديجة بنت خويلد تزعم أن زوجه نبي مثل موسى فانسلَّ أبو بكر t انسلالاً حتى أتى رسول الله ﷺ فسأله عن خبره، فقص عليه قصته، فقال: صدقت بأبي وأمي، وأهل الصدق أنت، أنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، ثم أتى أبو بكر حكيم بن حزام، فقال: يا أبا خالد رد علي بضاعتي، فقد وجدت عند محمد بن عبد الله خيراً من تجارتك وأربح، فأخذ ماله، ولازم النبي ﷺ، فسمي ذلك اليوم صديقاً([60]).
وقال رسول الله : ((بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي عَلَى قَلِيبٍ عَلَيْهَا دَلْوٌ، فَنَزَعْتُ مِنْهَا مَا شَاءَ الله، ثمَّ أَخَذَهَا ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ فَنَزَعَ بِهَا ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ، وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ، وَالله يَغْفِرُ لَهُ ضَعْفَهُ، ثمَّ أَخَذَهَا ابْنُ الْخَطَّابِ فَاسْتَحَالَتْ فِيْ يَدِهِ غَرْبًا، فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا([61]) يَفْرِي فَرْيَهُ حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ))([62]).
قال أبو هريرة t سمعت رسول الله ﷺ يقول: ((مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ مِنَ الأشْيَاءِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ دُعِيَ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ: يَا عَبْدَ الله، هَذَا خَيْرٌ، فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلاةِ، دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلاةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ، دُعِيَ مِنْ بَابِ الْجِهَادِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ، دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ، دُعِيَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ)) فقال أبو بكر: يا رسول الله! ما على من دعي من تلك الأبواب من ضرورة، فهل يدعى منها كلها أحد يا رسول الله؟ قال: ((نَعَمْ، وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ يَا أبَا بَكْرٍ))([63]).
وقال رسول الله ﷺ: ((وَاللهِ إنَّ أَبَا بَكْرٍ فِي الْجَنَّةِ، وَاللهِ إنَّ عُمَرَ فِي الْجَنَّةِ، وَاللهِ إنَّ عُثمَانَ فِي الْجَنَّةِ، وَاللهِ إن عَلِياً فِي الْجَنَّةِ)) حتى أتى على العشرة بأسمائهم واحداً بعد واحد على الترتيب، فدل على تفضيل أبي بكر ثم من بعده، لأن البداية بأبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي([64]).
وروي في الخبر في أحاديث وآثار فيدل ذلك على التفضيل واحداً بعد واحد.
وقيل: إنه لما توفي رسول الله ﷺ اجتمعت الأنصار في سقيفة بني ساعدة، وأرادوا تولية سعد بن عبادة، وقالوا: منا أمير ومنكم أمير، يعني المهاجرين، فجاء عمر t وقال: يا معشر الأنصار! ألستم تعلمون أن رسول الله ﷺ أمر أبا بكر أن يصلي بالناس؟ قالوا: بلى، قال: فأيكم يطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر بعد ذلك؟ فقالوا: نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر([65]).
قال الشعبي يرفعه إلى رسول الله: إنه أقبل أبو بكر وعمر فنظر إليهما، فقال: ((هَذَانِ سَيِّدَا كُهُولِ أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنْ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ، مَا خَلا النَّبِيِّينَ وَالمُرْسَلِينَ))([66]).
وقيل: إن عمر خطب يوماً فقال: إني قائل مقالة لا أدري لعلها قدام أجلي فمن وعاها فليتحدث بها حيث انتهت به راحلته، ومن خشي أن لا يغفلها عني، فإني لا أحل لأحد أن يكذب عليّ، ثم قال: بلغني أن الزبير قال: إن مات عمر بايعنا علياً، وإنما كانت بيعة أبي بكر فلتة، كذب والله! لقد أقامه رسول الله ﷺ مقامه، واختاره لعماد الدين على غيره، وقال : ((يَأْبىَ اللهُ وَالْمُؤْمِنوُنَ إِلاَّ أَباَ بَكْرٍ))([67]).
فهل منكم من تشد إليه الأعناق من هذه اللقطة الشريفة من رسول الله ﷺ قوله: ((يَأْبىَ اللهُ وَالمُؤْمِنوُنَ إِلاَّ أَباَ بَكْرٍ)) في ذلك المقام الشريف الذي هو عماد الدين، وأعظم أركان الإسلام، ومقام النبوة يومئذ؟ فيها دليل قاطع، وبرهان جلي ساطع على تقديم أبي بكر t وتفضيله، واستحقاقه الخلافة بعـد رسـول الله ﷺ، كـمـا قال علي كرم الله وجهه: ارتضاه رسول الله ﷺ لأمر ديننا، أولا نرضاه لأمر دنيانا؟([68]).
وقال أبو الدرداء: رآني رسول الله ﷺ أمشي أمام أبي بكر t فقال: ((أَتَمْشيِ أَماَمَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ فيِ الدُّنْياَ وَالآخِرَةِ؟ ماَ طَلَعَتِ الشَّمْسُ وَلاَ غَرَبَتْ عَلىَ أَحَدٍ بَعْدَ النّبِييِّنَ وَالمُرْسَليِنَ خَيْرٌ وَأَفْضَلُ مِنْ أَبيِ بَكْرٍ))([69]).
هذا حديث صريح في تفضيل أبي بكر وأنه خير الناس بعد النبيين والمرسلين.
قيل: إن أبا بكر كان ينظر في كتب المتقدمين وسيرهم، ونظر في التوراة، وكان يرى أنه سيبعث نبي، وكان لا يزال يسأل عن ذلك الأحبار والرهبان، حتى بعث النبي ﷺ، فلم يتداخله شك ولا ارتياب في صحة رسالته، ولا ارتاب في صدق نبوته، وأسلم أول الأمة حين دعاه رسول الله ﷺ إلى الإسلام، فلم يتعلثم، ولهذا قال u: ((ماَ عَرَضْتُ الإِسْلاَمَ عَلىَ أَحَدٍ إِلاَّ كاَنَتْ لَهُ نَظْرَةٌ إِلاَّ أَباَ بَكْرٍ فَإِنَّهُ لَمْ يَتَلَعْثَمْ)) ([70]).
وقال رسول الله ﷺ لأبي بكر: ((أَنْتَ عَتيِقُ اللهِ مِنَ الناَّرِ))([71])، فسمي عتيقاً.
ومما يدل على صحة خـلافة أبي بكر t والخلفاء بعده قول النبي ﷺ: ((عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مِنْ بَعْدِي، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثاتِ الأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ))([72]).
فسماهم النبي ﷺ الراشدين، وأمر الأمة باتباعهم واتباع سننهم كما أمر باتباع سننه، وقال: ما عدا ذلك فهو ضلالة وبدعة.
ذكر فضائله
على لسان أصحابه عليهم السلام وغيرهم
عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أنه كان يقول: سبق رسول الله ﷺ، وصلى أبو بكر، وثلث عمر([73]).
في شهادة أمير المؤمنين علي u لهما بالسبق والفضل كفاية ومقنع وإرغام لمن أنكر ذلك وخالفه.
وقيل: إن علياً u بلغه أن قوماً يفضلونه على أبي بكر الصديق وعمر الفاروق عليهما السلام، فصعد المنبر وقال: أما بعد، بلغني أن قوماً يفضلوني على أبي بكر وعمر، ولست والله كأبي بكر وعمر، فمن فضلني عليهما بعد اليوم جلدته جلد المفتري([74]).
وقالت عائشة رضي الله عنها وعن أبيها وقد سئلت عن أبي بكر t، فقالت: كنت أراه وقت يجلس بين يدي الله تبارك وتعالى، متوجهاً إلى القبلة، ثم يرفع رأسه إلى جهة السماء يتنفس نفساً أشم منه رائحة الكبد المشوية([75]).
وقال محمد بن الحنفية: كنت أصب الماء على يد أبي علي بن أبي طالب u، فقلت له: من خير الناس بعد رسول الله ﷺ؟ فقال: أبو بكر، قلت: ثم من؟ قال: ثم عمر بن الخطاب، وكرهت أن أقول له: ثم من؟ فيقول: عثمان بن عفان، فقلت: وأنت يا أمير المؤمنين؟ فقال: أنا رجل من المسلمين([76]).
القول بتفضيل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما
على لسان علي بن أبي طالب كرم الله وجهه
قد ورد في مواضع كثيرة العدد، وهو أبلغ شاهد، وأدعى إلى إرغام كل حاسد ومعاند، قال عمر: أبو بكر سيدنا، وأعتق سيدنا، يعني: بلالاً([77]).
وسئل ابن عمر عن من كان على عهد رسول الله ﷺ، فقال: أبو بكر وعمر، ما أعلم غيرهما([78]).
وقال علي كرم الله وجهه: خير هذه الأمة بعد رسول الله ﷺ أبو بكر ثم عمر([79]).
وقال ابن سريجة: سمعت علياً على المنبر يقول: ألا إن أبا بكر أواَّه منيب القلب، ألا إن عمر ناصح لله فنصحه الله([80]).
وقال علي كرم الله وجهه: ما حدثني محدث عن رسول الله ﷺ حديثاً لم أسمعه منه إلا أمرته أن يقسم بالله العظيم أنه سمعه منه إلا أبا بكر، فإنه لا يكذب، حدثني أبو بكر -وصدق أبو بكر- أنه سمع رسول الله ﷺ يقول: ((مَا ذَكَرَ عَبْدٌ ذَنْبًا أَذْنَبَهُ، فَقَاَمَ حِينَ ذَكَرَهُ وَتَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ ، ثُمَّ تَقَدَّمَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ اسْتَغْفَرَ الله لِذَنْبِهِ ذَلِكَ إِلاَّ غَفَرَ اللهُ لَهُ)) ([81]).
وقال علي كرم الله وجهه: لما قبض رسول الله ﷺ نظرنا في أمرنا، فوجدنا النبي ﷺ قد قدم أبا بكر في الصلاة، فرضينا لدنيانا ما ارتضاه رسول الله ﷺ لديننا([82]).
وسئل ابن عباس t عن خير الناس بعد رسول الله ﷺ، وأولهم إسلاماً، فقال: أبو بكر الصديق t، أما سمعت شعر حسان بن ثابت شاعر رسول الله ﷺ:
إذا تذكرتَ شجواً من أخي ثقةٍ | ||||
فاذكرْ أخاكَ أبا بكرٍ بما فعلا | ||||
التاليَ الثانيَ المحمودَ مشهدهُ | ||||
وأولَ الناسِ طــراً صدقَ الرسلا | ||||
خَيْـرُ البَـرِيّـة ِأتْقاها وأعْدلُها | ||||
بَعْدَ النبيّ، وأوْفاها بما حَمَلا([83]) | ||||
وروي عن محمد الباقر u أنه سأله رجل من أصحابه وهو عروة بن عبد الله عن حلية السيوف بالفضة، فقال: لا بأس بذلك، قد حلا أبو بكر الصديق t سيفه بالفضة، فقلت له: أنت تقول الصديق؟ قال : فوثب محمد الباقر u وثبة، واستقبل القبلة، ثم قال: نعم الصديق، ثم الصديق، من لم يقل الصديق فلا صدق الله قوله([84]).
وقال محمد الباقر u لجابر الجعفي: يا جابر، بلغني أن قوماً بالعراق يحبوننا وينالون من أبي بكر وعمر عليهما السلام، ويزعمون أني أمرتهم بذلك، فأبلغهم أني إلى الله تعالى منهم بريء، والذي نفسي بيده لو وليت لتقربت إلى الله تعالى بدمائهم، ولا نالتني شفاعة محمد ﷺ إن لم أكن أستغفر لهما، وأترحم عليهما، إن أعداء الله لغافلون عنهما([85]).
وقال محمد الباقر u لجابر الجعفي: أبلغ أهل الكوفة أني بريء ممن يهزأ بأبي بكر وعمر ويتبرأ منهما([86]).
وقال محمد الباقر u: من لم يعرف حق أبي بكر وعمر وفضلهما فقد جهل السنة([87]).
وقيل عن زين العابدين علي بن الحسين عليهما السلام: أنه حضر عنده جماعة من أهل العراق، فقالوا في أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم قولاً رديئاً، فلما فرغوا من كلامهم قال لهم: ألا تخبروني أأنتم المهاجرون الأولون ] ٱلَّذِينَ أُخۡرِجُواْ مِن دِيَٰرِهِمۡ وَأَمۡوَٰلِهِمۡ يَبۡتَغُونَ فَضۡلٗا مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضۡوَٰنٗا وَيَنصُرُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓۚ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلصَّٰدِقُونَ ٨ [؟ [الحشر 8] قالوا: لا، قال: أنتم الذين ] وَٱلَّذِينَ تَبَوَّءُو ٱلدَّارَ وَٱلۡإِيمَٰنَ مِن قَبۡلِهِمۡ يُحِبُّونَ مَنۡ هَاجَرَ إِلَيۡهِمۡ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمۡ حَاجَةٗ مِّمَّآ أُوتُواْ وَيُؤۡثِرُونَ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ وَلَوۡ كَانَ بِهِمۡ خَصَاصَةٞۚ [ ؟ [الحشر 9] قالوا: لا، قال: أما أنتم فقد تبرأتم أن تكونوا من أحد هذين الفريقين، ثم قال: أشهد أنكم لستم من الذين قال الله في حقهم: ] وَٱلَّذِينَ جَآءُو مِنۢ بَعۡدِهِمۡ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱغۡفِرۡ لَنَا وَلِإِخۡوَٰنِنَا ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلۡإِيمَٰنِ وَلَا تَجۡعَلۡ فِي قُلُوبِنَا غِلّٗا لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٞ رَّحِيمٌ ١٠ [ [الحشر 10] اخرجوا حتى فعل الله بكم وصنع!([88]).
وقال: إن أبا بكر t لما أراد قتال أهل الردة من بني حنيفة، وأمر الصحابة رضي الله عنهم بقتالهم لمنعهم الزكاة، قالوا له: كيف نقاتلهم وقد قال رسول الله ﷺ: (أُمِرْْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لاَ إِلَهَ إِِلاَّ الله، فَإِنْ قَاَلُوهاَ فَقََدْ حَصَّنُوا دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ) فقال أبو بكر t: فأين أنتم من قوله: ((إِِلاَّ بِحَقِّهاَ)) ومن حقها الزكاة؟ والله لو منعوني عقالاً مما أعطوه لرسول الله ﷺ لقاتلتهم عليه، والله لو لم أقاتلهم إلا بابنتي هاتين -إشارة إلى عائشة وأسماء رضي الله عنهما- لقاتلتهم بهما. ثم إنه قام يشد على جواده، فشرح الله تعالى صدور الصحابة أجمعين على قتال أهل الردة([89]).
دل على صحة خلافته لإجماعهم على موافقته ومتابعته.
وقال رسول الله ﷺ لحسان بن ثابت: ((هَلْ قُلْتَ فيِ أَبيِ بَكْرٍ شَيْئاً؟)) قال: نعم، فأنشده قوله:
والثانيَ اثنينِ في الغارِ المنيفِ، وقدْ | ||||
طافَ العَدُوُّ بـــهِ إذْ صـَعَّـدَ الجَبَلا | ||||
وكان حبَّ رسولِ اللهِ قــد علموا | ||||
مـن البَـــرِيّــة ِ لـمْ يعدِلْ بهِ رَجُلا | ||||
فضحك رسول الله وقال: ((صَدَقْتَ ياَ حَساَّنُ، هُوَ كَماَ قُلْتَ))([90]).
وقالت عائشة رضي الله عنها وعن أبيها: لم أعقل أبوي إلاَّ وهما يدينان هذا الدين، وما مر علينا يوم إلا ورسول الله ﷺ يأتينا فيه بكرة وعشية([91]).
وقال ابن عمر رضي الله عنهما: استعمل رسول الله ﷺ أبا بكر على الحج في أول حجة كانت في الإسلام، ثم حج رسول الله ﷺ في السنة المستقبلة، فلما قبض رسول الله ﷺ، واستخلف أبو بكر t استعمل على الحج عمر بن الخطاب t، ثم حج أبو بكر في السنة المستقبلة([92]).
وفي كتاب الأشراف للبلاذري يقول: لما بويع عثمان t بالخلافة، دخل العباس t على علي u فقال له: ما قدمتك قط إلا تأخرت، قلت لك وقد أحضر رسول الله ﷺ: تعالَ نسأله عن هذا الأمر لمن هو بعده؟ قلت: أكره أن لا يقول لكم، فلا نستخلف أبداً، ثم توفي فقلت: مد يدك لأبايعك فلا يختلف عليك اثنان، فأبيت، ثم توفي عمر فقلت: قد أطلق الله يدك ولي عليك بيعة فلا تدخل في الشورى، فأبيت، فما الحيلة؟([93]).
هذا الأثر عن العباس وعلي عليهما السلام دليل واضح واحتجاج ظاهر على عدم النص الذي تدعيه الرافضة، لأنه لو كان ثمَّ نص لما قال العباس: لمن الأمر بعده؟ ولما قال علي كرم الله وجهه: كرهت أن لا يقول لكم. وإنما كانت خلافة أبي بكر باجتهاد من الصحابة رضي الله عنهم، باستحقاقه لذلك، لسابقته، وهجرته، وتقديمه في الصلاة، ولمكانته من رسول الله ﷺ وقربه، ولو كانت بالنسب من رسول الله ﷺ أو قربه لكان العباس عم النبي ﷺ أحق الناس، لأن العباس كان عماً وعلي u ابن عم، فلم يبقَ ثمَّ إلاَّ إجماع الصحابة.
واستدلالهم بما عملوه من حال أبي بكر واستحقاقه لما تقدم من القول، ولهذا قال الشافعي t: أجمع الناس على خلافة أبي بكر t، واستخلف أبو بكر عمر، ثم جعل عمر u الشورى إلى ستة على أن يولوا واحداً منهم، فولوها عثمان t([94]).
قال الشافعي t: وذلك أنهم نظروا بعد رسول الله ﷺ فلم يجدوا تحت أديم السماء خيراً من أبي بكر الصديق t([95]).
وقيل: إن أهل مكة سمعوا هاتفاً في اليوم الثالث من خبر (مسير) النبي ﷺ وأبي بكر t إلى الهجرة والغار، وقد أتى على أبي قبيس يقول:
جَزَى الله خَيْرَاً وَالجَـزَاءُ تَعِلّةٌ | ||||
رَفِيقَيْنِ حَـلاَّ خَيْمَتَيْ أُمّ مَـعْبَدٍ | ||||
هُمَـا نَـزَلا بِـالْـبِرّ وَارْتَحَلا بِه | ||||
لَقَدْ فَازَ مَنْ أَمْسَى رَفِيقَ مُحَمّدِ | ||||
لِـيَـهْـنَ أبا بَـكْرٍ سَعَادَةَ جَدِّد | ||||
ألا إنّهُ مَنْ سَـعّـدَ الله لسَعدِ | ||||
لِـيَـهْـنَ أبـا بَكْـرٍ مَقَامَ فَتَاتِهِـم | ||||
وَمَقْعَدُهَا لِلْمُؤْمِنِينَ بِمَرْصَدِ([96]) | ||||
وقال أبو بكر لعلي رضي الله عنهما: أكرهت إمارتي؟ فقال: لا، ولكني حلفت أن لا أرتدي بعد وفاة رسول الله ﷺ برداً حتى أجمع القرآن العزيز، كما أنزل([97]).
وقيل: إنه لما توفي رسول الله ﷺ واستخلف أبو بكر t جاء أبو سفيان بن حرب إلى علي بن أبي طالب كرم الله وجهه فقال له: أترضون أن يلي أمركم ابن أبي قحافة؟ أما والله لئن شئتم لأملأن عليه خيلاً ورجالاً؟ فقال له علي رضوان الله عليه: لست أشاء ذلك ويحك يا أبا سفيان، إن المسلمين نصيحة بعضهم لبعض، وإن نأت دارهم وأرحامهم، وإن المنافقين غششة بعضهم بعضاً وإن قرب دارهم وأرحامهم، ولولا أنا رأينا أبا بكر لها أهلاً ما خليناه وإياها([98]).
قيل: إنه توفي رسول الله ﷺ وعمرو بن العاص بعمان، فبلغهم وفاته ﷺ، فقال أهل عمان لعمرو بن العاص: من هذا الذي أجمع عليه الناس؟ أهو ابن صاحبكم؟ يعنون رسول الله ﷺ، قال: قلت: لا، قالوا: فأخوه؟ قلت: لا، قالوا: فما شأنه؟ قال: قلت لهم: اختاروا خيرهم، فأمَّروه عليهم، فقالوا: لن يزالوا بخير ما صنعوا مثل هذا([99]).
ومما كان أمير المؤمنين u يصف (به) أبا بكر t بعد وفاته ما رواه أسيد بن صفوان صاحب رسول الله ﷺ قال: لما توفي أبو بكر t سجي عليه بثوب، فارتجت المدينة بالبكاء، ودهش القوم كيوم قبض رسول الله ﷺ، وأقبل علي u مسرعاً بالبكاء مسترجعاً وهو يقول: اليوم انقطعت خلافة النبوة، حتى وقف على باب البيت الذي فيه أبو بكر t، فقال: رحمك الله يا أبا بكر، لقد كنت أول القوم إسلاماً، وأخلصهم إيماناً، وأشدهم يقيناً، وأخوفهم لله ﷻ، وأحوطهم على رسول الله ﷺ، وأحدبهم على الإسلام، وآمنهم على أصحابه، وأحسنهم وأفضلهم مناقب، وأكثرهم سوابق، وأرفعهم درجة، وأقربهم من رسول الله ﷺ، وأشبههم به هدياً وخلقاً، وسمتاً وفضلاً، وأشرفهم منزلة، وأكرمهم عليه، وأوفقهم عنده، فجزاك الله عن الإسلام وعن رسول الله خيراً، صدقت رسول الله حين كذبه الناس، فسماك الله صديقاً، فقال عز من قائل: ] وَٱلَّذِي جَآءَ بِٱلصِّدۡقِ وَصَدَّقَ بِهِۦٓ [ [الزمر33] فالذي جاء بالصدق هو محمد ﷺ، وصدق به أبو بكر، واَسَيْتَهُ حين بخلوا، وقمت معه حين قعدوا، وصحبته حين الشدة، أكرم صحبة ثاني اثنين إذ هما في الغار، وصاحبه المنزل عليه السكينة، ورفيقه في الهجرة ومواطن الكره، ثم خلفته في أمته أحسن الخلافة حين ارتد الناس، وقمت بدين الله قياماً لم يقم به خليفة نبي قط، فقويت حين ضعف أصحابك، وبادرت حين استكانوا، ونهضت حين وهنوا، ولزمت منهاج رسول الله ﷺ إذ هم أصحابه، وكنت خليفته حقاً لم تنازع، ولم تصارع برغم المنافقين، وصغر الفاسقين ، وغيظ الكافرين، وكره الحاسدين، فقمت بالأمر حين فشلوا، ونطقت حين تتعتعوا ، ومضيت بنور الله إذ وقفوا، واتبعوك فهدوا ، وكنت أحفظهم صوتاً، وأعلاهم فوُقاً، وأقلهم كلاماً، وأصوبهم منطقاً، وأطولهم صمتاً، وأبلغهم قولاً، كنت أكثرهم رأياً، وأشجعهم قلباً، أشدهم نفساً، وأحسنهم عملاً، وأعرفهم بالأمور، كنت والله للدين يعسوباً أولاً، حين تفرق عنه الناس وأخيراً حين فشلوا، فكنت للمؤمنين أباً رحيماً حين صاروا عليك عيالاً، حملت أثقال ما عنه ضعفوا، وحفظت ما أضاعوا، ورعيت ما أهملوا، وشمرت إذ خنعوا، وصبرت إذ جزعوا، فأدركت آوتار ما طلبوا، ونالوا بك ما لم يحتسبوا، وكنت على الكافرين عذاباً صباً، وللمسلمين غيثاً وخصباً، فظفرت والله بغنائها، وفزت بخبائها، وذهبت بفضيلتها، وأحرزت سوابقها، ولم تقلل حجتك، ولم يزغ قلبك، ولم تضعف بصيرتك، ولم تجبن نفسك ولم تخن كنت كالجبال التي لا تحركها العواصف، ولا تزيلها القواصف، كنت كما قال رسول الله ﷺ آمن الناس عليه في صحبتك وذات يدك، وكما قال ضعيفاً في بدنك قوياً في أمر الله سبحانه وتعالى، متواضعاً في نفسك عظيماً عند الله، جليلاً في الأرض، أميراً عند المؤمنين، لم يكن لأحد فيك مهمز، ولا لقائل فيك مغمز، ولا فيك مطمع، ولا عندك هوادة لأحد، الضعيف عندك قوي عزيز حتى تأخذ له بحقه، والقوي العزيز عندك ذليل حتى تأخذ منه الحق، القريب والبعيد عندك في ذلك سواء، شأنك الحق والصدق، وقولك حكم وحتم، وأمرك حكم وعزم، ورأيك علم وفهم، فأقلعت وقد نهج السبيل، وتنهل العشير، وانطفأت النيران، واعتدل بك الدين، وقوي الإيمان، وظهر أمر الله وهم كارهون، وسبقت والله سبقاً بعيداً، وأتعبت من بعدك إتعاباً شديداً، وفزت بالخير فوزاً مبيناً، فجللت عن البكاء، وعظمت رزيتك في السماء، وهدت مصيبتك الأيام، فإنا لله وإنا إليه راجعون، رضينا عن الله قضاءه، وسلمنا إليه أمره، لا يصاب المسلمون بعد رسول الله ﷺ بمثلك أبداً، كنت للدين كهفاً وعزاً، وللمؤمنين حصناً واقياً وأنساً، وعلى المنافقين غلظة وغيظاً ولطماً، فألحقك الله بنبيك، ولا أحرمنا أجرك، ولا أضلنا بعدك، وإنا لله وإنا إليه راجعون([100]).
وأنصت الناس حتى انتهى كلامه، ثم بكى وبكى أصحاب رسول الله ﷺ وقالوا: صدقت يا ابن عم رسول الله.
قد بين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في هذا الكلام الموجز البليغ من فضائل أبي بكر t، وحسن سيرته، وقوته في الدين، وصلاح سريرته، وتسمية الرافضة له بالكافرين مرة، وبالخاسرين والغالظة والغيظ أحرى ما لو كان الرافضة لرأيه الشريف متبعين، ولآثاره مقنعين، لأقلعوا عما هم عليه، و لانتفعوا والله تعالى من كلامه، فتابوا إليه، لكن غلبت عليهم الشقاوة، وتمكنت من قلوبهم لأبي بكر البغضاء والعداوة، فهم في غيهم يعمهون، وفي بحر الجهل والضلال يسبحون.
ذكر شيء من كلامه
وخطبه وما نسب إليه من شعر أو أنشده هو
قال الزهري: خطبنا أبو بكر t حين بويع بالخلافة، فقال: الحمد لله أحمده وأستعينه على الأمر كله، علانيته وسره، ونعوذ بالله من شر ما يأتي في الليل والنهار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق. ألا وإني قد وليتكم، ولست بخيركم، وقد كانت بيعتي فلتة، وذلك أني خشيت الفتنة، وأيم الله ما حرصت عليها يوماً قط ولا ليلة، ولاطلبتها ولا سألت الله تعالى إياها سراً ولا علانية، وما لي فيها راحة، وإني قلدت أمراً عظيماً ما لي به طاقة ولا يدان، ولوددت أن أقري الناس عليها مكاني، فعليكم بتقوى الله ﷻ، فإن أكيس الكيس التقي، وإن أحمق الحمق الفجور، وإني متبع ولست بمبتدع، وإن أضعف الناس عندي الشديد حتى آخذ الحق منه، وإن أشد الناس عندي الضعيف حتى آخذ الحق له، فإن أحسنت فأعينوني، وإن زغت فقوموني. واعلموا أيها الناس! إنه لم يدع قوم الجهاد قط إلا ضربهم الله تعالى بذل، ولم تشع الفاحشة في قوم قط إلا عمهم البلاء. أيها الناس! اتبعوا كتاب الله، واقبلوا نصيحته، فإن الله تعالى يقبل التوبة، ويعفو عن السيئات، ويعلم ما تفعلون، واحذروا يوماً ما للظالمين فيه من حميم ولا شفيع يطاع، فليعمل اليوم عامل ما استطاع من عمل فيقربه إلى الله تعالى قبل أن لا يقدر على ذلك. أيها الناس! أطيعوني ما أطعت الله ورسوله ﷺ، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم. قوموا إلى صلاتكم([101]).
أما ما تقدم من قول أبي بكر t صدر هذه الخطبة في قوله: ولست بخيركم، وكانت معنى فلتة إلى غير ذلك، فهو محمول على التواضع لله، المندوب إليه، لقوله ﷺ: ((مَنْ تَوَاضَعَ لله رَفَعَهُ الله))([102]) وقد كان مع كونه أشرف الأنبياء وأفضل المرسلين يقول: ((لا تُفَضِّلونِي عَلَى أخِي يوُنُسَ بنِ متى))([103])، وكان يقول: ((لا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى عِيْسَى بنَ مَرْيَمَ))([104])، وكان يقول: ((إِنَّمَا أَنَا ابْنُ امْرَأَةٍ كَانَتْ تَأْكُلُ الْقَدِيدَ))([105]).
ولهذا قال أبو بكر t في أثناء خطبته، وإن أضعف الناس عندي الشديد حتى آخذ منه الحق، فهذه صفته في قوته في الدين، واستخفاء القيام بأمر المؤمنين، وبمثل ذلك قد وصفه علي كرم الله وجهه فيما تقدم من قول علي فيه حين توفي رضوان الله عليهما.
وقيل: إنه بلغ أمير المؤمنين عمر بن الخطاب t أن قوماً يفضلونه على أبي بكر t، فوثب مغضباً حتى صعد المنبر، فحمد الله تعالى، وأثنى عليه، ثم صلى على محمد نبيه ﷺ، ثم قال: أيها الناس! إني سأخبركم عني وعن أبي بكر t، إنه لما توفي رسول الله ﷺ ارتدت العرب، ومنعت شاتها وبعيرها، فاجتمع رأينا أصحاب رسول الله ﷺ أن قلنا له: يا خليفة رسول الله، إن رسول الله ﷺ كان يقاتل العرب بالوحي والملائكة يمده الله تعالى بهم، وقد انقطع ذلك اليوم، فألزم بيتك ومسجدك، فإنه لا طاقة لنا بقتال العرب، فقال أبو بكر t: أوكلكم رأيه هذا؟ قلنا: نعم، فقال: والله لأن أخر من السماء فتخطفني الطير أحب إلي من أن يكون هذا رأيي، ثم صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على نبيه ﷺ، ثم أقبل على الناس، فقال: أيها الناس، من كان يعبد محمداً فإن محمداً مات، ومن يعبد الله فإن الله تعالى حي لم يمت. أيها الناس، إن كثر أعداؤكم وقل عددكم ركب الشيطان منكم هذا الركب، والله ليظهرن الله هذا الدين على الأديان كلها، ولو كره المشركون، قـولـه الحق، ووعده الصدق: ] بَلۡ نَقۡذِفُ بِٱلۡحَقِّ عَلَى ٱلۡبَٰطِلِ فَيَدۡمَغُهُۥ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٞۚ [ [الأنبياء 18] و ] كَم مِّن فِئَةٖ قَلِيلَةٍ غَلَبَتۡ فِئَةٗ كَثِيرَةَۢ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ ٢٤٩ [ [البقرة 249] والله يا أيها الناس، لو أفرد من جمعكم لجاهدت في الله حق جهاده حتى أبلغ بنفسي عدداً أو اثنا..([106]) والله أيها الناس، لو منعوني عقالاً مما كانوا يعطونه رسول الله ﷺ لقاتلتهم عليه ولو بابنتي هاتين، وأستعين عليهم الله تعالى، وهو خير معين. ثم نزل فجاهد في الله حق جهاده حتى أذعنت له العرب.
وقال عبد الرحمن بن عوف: دخلت على أبي بكر الصديق t في علته التي مات فيها يوماً، فقلت: أراك قادماً يا خليفة رسول الله ﷺ، قال: أما إني على ذلك لشديد الوجع، وما لقيت منكم معشر المهاجرين أشد عليّ من وجعي! إني وليت أمركم خيركم في نفسي، فكلكم ورم أنفه أن يكون الأمر له من دونه، والله ليتخذن فضائل الديباج وستور الحرير، ولنا لمن اليوم على الصوف إلا ردني كما يألم أحدكم من النوم على حسك السعدان، والذي نفسي بيده لئن يقدم أحدكم فيضرب عنقه في غير حد خير له من أن يخوض عمران الدنيا بأهاوي الطريق حرت، إنما هو الفجر أو النحر، فقلت: خفض عليك يا خليفة رسول الله، فإن هذا([107]) بابك، فوالله مازلت صالحاً مصلحاً، لا تأس على ما فاتك من أمر الدنيا، ولقد تخليت بالأمر وحدك فما رأيت إلا خيراً.
قول أبي بكر t: إنما هو الفجر أو النحر، يقول: إن انتظرت حتى يضيء لك الفجر الطريق أبصرت قصدك، وإن خبطت الظلماء أو ركبت العشواء هجما بك على المكروه، وضرب ذلك مثلاً لغمرات الدنيا .
عهد عند موته t إملاء على عثمان بن عفان t:
بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما عهد أبو بكر بن أبي قحافة في آخر عهده بالدنيا، خارجاً منها، وعند أول عهده بالآخرة وداخلاً فيها، حيث يؤمن الكافر، ويوقن المرتاب الفاجر، ويسكت الشاك المكرب، إنيَّ قد استخلفت عليكم بعدي عمر بن الخطاب، فاسمعوا له وأطيعوا، فإني لم آلُ الله تعالى ورسوله ﷺ ودينه ونفسي وإياكم خيراً، فإن عدل فذاك ظني وعلمي فيه، وإن بدل لكم فلكل امرئ ما اكتسب، والخير أردت، ولا يعلم الغيب إلا الله، ] وَسَيَعۡلَمُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ أَيَّ مُنقَلَبٖ يَنقَلِبُونَ ٢٢٧[ [الشعراء 229] والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ثم أمر بالكتاب فختم([108]).
وخرج به عثمان إلى المهاجرين والأنصار، وقال التابعون: لمن في هذا الكتاب؟ فقال علي u: قد علمنا من بعده هو عمر، فأقروا بذلك جميعاً، ورضوا به، وبايعوه، ثم دعا أبو بكر عمر رضي اله عنهما خالياً، ثم خرج من عنده، فرفع أبو بكر يده إلى السماء مداً، فقال: اللهم إني لم أرد إلا إصلاحهم، وخفت الفتنة عليهم، فعلمت فيهم ما أنت أعلم به مني، ورجوت أن يكون لك رضا، وقد اجتهدت لهم رأيي فوليت عليهم خيرهم لهم، وأقواهم عليهم، وأحرصهم على ما أرشدهم، وقد حضرني من أمرك ما حضر، اللهم فاخلفني فيهم فإنهم عبادك، ونواصيهم بيدك، اللهم أصلح لهم ولاتهم، واجعل عمر من خلفائك الراشدين، يتبع هدي نبيه نبي الهدى والرحمة، وأصلح له أموره ورعيته. فاستجاب الله تعالى من أبي بكر t في عمر t دعوته، وحقق ظنه فيه وحسن فراسته، فسار سيرة زاهدة مرضية، وأصلح الله تعالى له الخلق وكافة الرعية حتى إنه لم تختلف فيه ولا عليه اثنان، ولا التوى عليه أمر في جميع الأقطار والبلدان .
ولذا يقال: أفرس الخلق ثـلاثة من التفرس: العزيز بمصر فـي يوسف النبي ﷺ حيث قال لزوجته: ] أَكۡرِمِي مَثۡوَىٰهُ عَسَىٰٓ أَن يَنفَعَنَآ أَوۡ نَتَّخِذَهُۥ وَلَدٗاۚ [ [يوسف 21] وابنة شعيب u حيث قالت في موسى: ] إِنَّ خَيۡرَ مَنِ ٱسۡتَٔۡجَرۡتَ ٱلۡقَوِيُّ ٱلۡأَمِينُ ٢٦ [ [القصص 26] وأبو بكر الصديق في عمر u، حيث يقول: فوليت عليهم خيرهم لهم، وأقواهم عليهم([109]).
وقيل: إنه لما توفي رسول الله ﷺ دهش الصحابة بأجمعهم، وأنكروا وفاته، حتى قام عمر t على باب المسجد وقال: من قال إن محمداً قد مات؟! والله ما مات ولا قتل، ولا يموت حتى تقطع أيدي قوم وأرجلهم يزعمون أن محمداً قد مات، وإن الله تعالى غيبه كما غيب موسى أو رفعه كما رفع عيسى. وقام عثمان بن عفان t وقال كذلك، حتى جاء أبو بكر u وكان غائباً بقرية له يقال ها: السنح، فلما دخل بيت عائشة رضي الله عنها وإذا رسول الله ﷺ مسجى عليه، فكشف عن وجهه، وقبّله، وقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، ما أطيبك حياً وميتاً! وبكى، وخرج يجر رداءه حتى دخل المسجد وعمر يحلف: والله ما مات محمد ولا قتل، فقال أبو بكر: أيها الحالف على رسلك! ثم صعد المنبر، وأقبل الناس نحوه، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على محمد النبي ﷺ وقال: ألا من كان يعبد الله فإن الله حي لم يمت، ومن كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات . ثم قرأ: ] وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٞ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهِ ٱلرُّسُلُۚ أَفَإِيْن مَّاتَ أَوۡ قُتِلَ ٱنقَلَبۡتُمۡ عَلَىٰٓ أَعۡقَٰبِكُمۡۚ [ الآية [آل عمران 144] فرمى عمر سيفه من يده، وغشي عليه، وكذلك عثمان بن عفان، وقال عمر t: ما قدرت هذه نزلت إلا في ذلك اليوم. فأيقن الكل بموته t، ثم اختلف القوم في دفنه، فقال قوم: يدفن عند المنبر، وقال آخرون: يدفن في الروضة، وقال آخرون: يدفن في البقيع، وكان علي كرم الله وجهه ممن يقول يدفن عند المنبر، فقال أبو بكر إن عندي علماً سمعته من رسول الله ﷺ، يقول: ((ماَ يُدْفَنُ نَبِيٌّ قَطْ إِلاَّ فيِ الْمَوْضِعِ الَّذيِ ماَتَ أَوْ قُبِضَ فيِهَ))([110]).
فرجع الكل إلى قول أبي بكر u، وخطوا حول فراشه في بيت عائشة رضي الله عنها، ودفنوه في موضعه ذلك، صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً .
ومن خطبه أنه قال بعد أن حمد الله تعالى، وأثنى عليه، وصلى على نبيه ﷺ: إن الدنيا دار بلاء واختبار، ليهلك من هلك عن بينة، ويحيى من حي عن بينة، وقد ابتلى من قبلكم وهو مبتليكم، والأمر أمره، ] لَا يُسَۡٔلُ عَمَّا يَفۡعَلُ وَهُمۡ يُسَۡٔلُونَ ٢٣ [ [الأنبياء 23] خلق الخلق بعلمه فيه وقدرته عليه، خلق الجنة والنار بلا ذنب للنار، ولا بلاء للجنة، وقسم الناس قسمين، وقال لمن في يمينه -وكلتا يديه يمين-: ادخلوا الجنة بسلام، وقال لمن في الأخرى: أدخلوا النار ولا أبالي، فجعل لكل واحدة من الدارين قسماً شقاة يبتغون لها، أنهاكم أن تهلكوا عن القدر، فإنكم تقدمون على أمة عبدت رجالاً في طاعتهم شبهوا الخالق بالمخلوقين، فجاهدوا في الله حق جهاده، فإن الله تعالى فضل المجاهدين على القاعدين .
وصية أبي بكر t لأبي عبيدة بن الجراح
وقد أَمَّره على الجيش إلى الشام
فقال له: اتقِ الله تعالى في بلاده وعباده، فإن المتقي محفوظ، الأمانة الأمانة التي هي أصل دينكم، والصبر الصبر الذي هو عصمة أمركم، والجد الجد الذي فيه حظكم، سيروا باسم الله في سبيل الله، لا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها، وكفوا مواشيكم عمن تمرون بهم، ولا تتمنوا لقاء العدو، ولا تدعوا به، واسألوا الله العافية فإذا لقيتموهم فدعوتموهم فلا تغدروا، ولا تغلوا، ولا تقتلوا وليداً ، ولا امرأة ، ولا شيخاً فانياً، ولا الفلاحين، ولا الشماسة، ولا القسيسين ما أقروا بالجزاء، ولا تحرقوا نخلاً ولا تغرقوه، ولا تعقروا ثمراً ولا بهيمة، إلا أن يكون الخير في ذلك، ولا تعثوا في الأرض مفسدين، ولا تعرضوا لمهلك، وإذا عاهدتم فأوفوا، وإذا دار بينكم أمر فاطمئنوا إليه وحسِّبوه أماناً، وإن لم يكن كذلك فأجروه مجرى الأمان.
من شعر أبي بكر يرثي النبي ﷺ:
فجعنا في النبي وكان فينا | ||||
إمام كرامة نعم الإمام | ||||
وكان قـوامنا والرأس فينا | ||||
فنحن اليوم ليس لنا قوام | ||||
نموج ونشتكي ما قد لقينا | ||||
ويشكو فقده البلد الحرام | ||||
فــلا ننعد لكل كريم قوم | ||||
سيدركـه ولو كره الحمام | ||||
فقدنا الوحي إذ وليت عنا | ||||
وودعنا من الله الكلام | ||||
لـقد أورثتنا ميراث صدق | ||||
عليك به التحية والسلام([111]) | ||||
ومما أورد من الشعر على رسول الله ﷺ وقد خرج معه فسمعا امرأة وهي تقول:
يا أيها الضيف المنيخ برحله | ||||
هلا حللت بآل عبد الدار | ||||
إن حللت بهمم تريد قراهم | ||||
منعوك من جهد ومن إقتار | ||||
فقال رسول الله ﷺ لأبي بكر t: ((أَهَكَذاَ قاَلَ الْقاَئِلُ؟)) فقال: بأبي وأمي يا رسول الله ولكن قال:
يا أيها الضيف المنيخ برحله | ||||
هلا حللت بآل عبد مناف | ||||
هبلتـك أمك لو حللت بدارهم | ||||
مـنـعوك من جهد ومن إقراف | ||||
الـضاربيـن الخيل عن أقرانها | ||||
والمعتدين على قرى الأضياف | ||||
ويقابلون الريح كل عشية | ||||
حتى تغيب الشمس في الرجاف | ||||
الراشئون وليس يوجد رائش | ||||
والقائلون هلم للأضياف | ||||
والمانعون لما أرادوا منعة | ||||
والمدركون الدخل بالأسياف | ||||
والخالطون فقيرهم بغنيهم | ||||
حتى يكون فقيرهم كالكاف | ||||
كانت قريش بيضة فتفلقت | ||||
فالمخ خالصة لعبد مناف | ||||
عمرو الأولى هشم الثريد لقومه | ||||
ورجال مكة مسنتون عجاف([112]) | ||||
وقيل: إن أبا بكر t سمع قائلاً ينشد للبيد بن ربيعة:
أخ لي أما كل شيء سألته | ||||
فيعطي وأما كل ذنب فيغفر | ||||
فقال: ذلك رسول الله ﷺ.
ذكر ما افتخر به أبو بكر t
جنب الله وجنب رسول الله ﷺ
قال ابن عباس t: كان أبو بكر t أول خطيب دعا إلى الله وإلى رسوله ﷺ، وذلك أنه لما تكمل أصحاب رسول الله ﷺ ثمانية وثلاثون رجلاً، قال أبو بكر لرسول الله ﷺ في الظهور، قال له رسول الله ﷺ: ((ياَ أَباَ بَكْرٍ إِناَّ قَليِلٌ)) فجعل أبو بكر يفرق المسلمين في نواحي المسجد كل رجل إلى عشيرته، وقام أبو بكر في الناس خطيباً، فخطب خطبة بليغة، حمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، وذكر رسول الله ﷺ بما قد خصه الله تعالى من الكرامة والرسالة، فلما سمع مشركو قريش بذلك لم يتمالكوا أن وثبوا وثبة رجل واحد، فضربوا أصحاب رسول الله ﷺ في المسجد ضرباً شديداً، وضرب أبو بكر ضرباً شديداً، ودنا منه عتبة بن ربيعة فجعل يضرب أبا بكر بنعلين مخصوفتين يحرفهما ويضرب بهما وجهه، حتى ما عرف أنفه من وجهه، وجاء بنو هاشم ومنعوا عن رسول الله ﷺ، وجاءت بنو تيم يسعون حتى أجلوا المشركين عن أبى بكر t، وحملوه في ثوب حتى أدخلوه منزله و هم لا ينكرون في موته، ثم رجعت بنو تيم ودخلوا المسجد، وقالوا: والله لئن مات أبو بكر في هذه لنقتلن عتبة بن ربيعة.
ثم رجعوا إلى أبى بكر t، فجعل أبو قحافة وبنو تيم يكلمون أبا بكر حتى أجاب، وتكلم آخر النهار فأول كلمة قالها: ما فعل رسول الله ﷺ؟ ثم قاموا من عنده وقالوا لأمه أم الخير واسمها سلمى بنت صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة: انظري أن تطعميه شيئا أو تسقيه؟
فلما خلت به ألحت عليه أن يطعم، فجعل لا يكلمها بشيء أكثر من أن يقول لها: ما فعل رسول الله ﷺ؟ فقالت: يا بني والله ما لي به علم. فقال لها أبو بكر t: اذهبي إلى أم جميل بنت الخطاب فاسأليها عنه. وكانت أم جميل أخت عمر قد أسلمت، وزوجها سعيد ابن عمرو بن نوفل، وكان ابن عم عمر بن الخطاب t، فخرجت أم أبي بكر t فأتت أم جميل فقالت: إن أبا بكر يسألك عن صاحبه محمد بن عبد الله ما فعل؟ فكانت أم جميل خشيت من أخيها عمر، ولم يكن أسلم بعد، فقالت: ما أعرف محمداً ولا أبا بكر، وإن تحبين أجيء معك إلى ابنك. فقالت: نعم، فافعلي.
فنهضت معها أم جميل، فلما دخلت وجدت أبا بكر صريعاً، فدنت أم جميل وأعلنت بالصياح والبكاء، وقالت: والله إن قوماً نالوا هذا منك لأهل فسق ونفاق وكفر وضلالة، وإني أرجو أن ينتقم الله لك منهم. فقال أبو بكر: ما فعل رسول الله ﷺ؟ قالت أم جميل: هذه أمك تسمع. قال لها أبو بكر: وأي شيء عليك من أمي؟ أتخافين مع الله أحداً؟ فقالت: لا، هو بحمد الله صحيح سالم صالح. قال: فأين هو؟ قالت: هو في دار الأرقم بن الأرقم. فقال أبو بكر: علي نذر واجب أن لا أذوق طعاماً ولا شراباً حتى أعلم خبر رسول الله ﷺ. فأمهل حتى إذا هدأت الأرجل وسكن الناس، خرج أبو بكر t يتكئ على يد أم الخير، وأم جميل تساعدها على مشيه لضعفه من شدة الضرب، حتى دخل على رسول الله ﷺ، فوثب رسول الله ﷺ وأكب عليه يقبله، وأكب المسلمون على أبي بكر يقبلونه، فرق رسول الله ﷺ لأبي بكر رقة شديدة. فقال أبو بكر: ليس علي بأس إلا ما نالني الفاسق في وجهي، يعني عتبة بن ربيعة، ثم قال: هذه أمي وهي بارة بي وبوالديها، وأنت مبارك فادعُ الله لها عسى أن يستنقذها ويعتقها من النار. فدعاها رسول الله ﷺ ، ثم دعاها إلى الله تعالى ورغبها فيما عند الله تعالى، فأسلمت وحسن إسلامها، وأقام أبو بكر تلك الليلة مع رسول الله ﷺ([113]).
ذكر
من أسلم من الصحابة بدعوة أبي بكر t
عثمان بن عفان، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو عبيدة بن الجراح، وعثمان بن مظعون، وأبو سلمة بن عبد الأسد، والأرقم بن الأرقم، من هؤلاء ستة من العشرة المشهود لهم بالجنة، وفي ذلك لأبي بكر الفضل العظيم، والمن الوافر الجسيم، حيث يهدي الله به على يده مثل هؤلاء السادة الذين هم في الفضل قادة، ما لا ينكره إلا حاسد، ولا يرده إلا معاند.
وفتح في خلافته اليمامة.
مناقب
أبي حفص أمير المؤمنين عمر بن الخطاب
رضي الله عنه وأرضاه
ذكر نسبه
هو عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رباح بن عبد الله بن قرط ابن رزاح بن عدي بن كعب. وفي كعب يلحق نسبه بنسب النبي ﷺ.
قتله أبو لؤلؤة لعنه الله يوم الأربعاء لتسع بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين من الهجرة الشريفة، وعمره مثل عمر النبي ﷺ وعمر صاحبه أبي بكر u ثلاث وستون سنة، ودفن معهما في بيت عائشة رضي الله عنها.
مدة خلافته عشر سنين وثمانية أشهر وأربعة أيام .
ذكر
شيء من بدء إسلامه
عن الزهري أن فاطمة بنت الخطاب رضي الله عنها أسلمت وأسلم زوجها سعيد ابن زيد بن عمرو بن نفيل، وهما يستخفيان إسلامهما من عمر، وكان شديداً على من أسلم من قومه، وكان خباب بن الأرت يختلف إلى أخت عمر رضي الله عنها يقرئها القرآن المجيد، فخرج عمر يوماً متوشحاً بالسيف يريد رسول الله ﷺ ورهطاً من أصحابه، فذكروا له أنهم قد اجتمعوا في بيت عند الصفا، وهم أربعون أو ينيف على أربعين من رجال ونساء مع رسول الله ﷺ ومن جملتهم: حمزة بن عبد المطلب، وعلي بن أبي طالب، وأبو بكر الصديق رضي الله عنهم في رجال من المسلمين، فلقيه نعيم بن عبد الله فقال: أين تريد؟
فقال: أريد محمداً هذا الصابئ الذي فرق أمر قريش، وسفه أحلامها، وشتم آلهتها، وعاب ما رضي من أيامها فأقتله، فيرجع الأمر إلى ما كان، أيظن محمد أن قريشاً تترك دين آبائها؟ كلا، واللات والعزى!
قال له نعيم([114]): والله غرتك (نفسك) يا عمر! أترى بني عبد مناف تاركيك تمشي على الأرض وقد قتلت محمداً؟! لا يتركونك حتى يموتوا كلهم عن آخرهم، فلا أعلم رجلاً جاء قومه بأعظم مما جئت به قومك بني عدي، وأنت تعلم أن ليس في قريش بطن أقل عدداً من بني عدي، فإن تركناك فهي الشوه، وإن قاتلنا دونك استؤصلنا، قال عمر: مع عدي مخزوم وسهم وجمح، قال نعيم: هذا الذي تقول لا يكون، فقال له عمر: أحسبك قد اتبعته، قال: فسكت نعيم، وقال: ارجع إلى أهل بيتك فأقم أمرهم؟
قال: وأي أهل بيتي؟ قال: فاطمة بنت الخطاب أختك ، وابن عمك سعيد بن زيد، وقد والله أسلما وتابعا محمداً.
فقال له عمر: احلف بالله إني أراك صادقاً، إن سعيد بن زيد نازع إلى ما كان أبوه يقول من خلاف دين قومه، وتركه أكل ذبائحهم، وحضور أعيادهم، والدنو من أصنامهم، فمات مخالفاً لجماعتهم، فهؤلاء أحق أن أبدأ بهم، فخرج عمر يريدهم.
قال نعيم: وندمت على ما صنعت حين أخبرت بإسلامهم، وما بي ما كرهت لهم ما كرهت لنفسي حين طويت عنه أني أسلمت؟
قال عمر: قد رأيت خباباً يختلف إليهم، قال: فتوجه عمر عائداً لختنه وأخته، فدخل عليهم وعندهم خباب في مخدع لهم في البيت معه صحيفة فيها: [طه] يقرأها لهما، فلما سمعوا حس عمر دخل خباب، وأخذت فاطمة بنت الخطاب الصحيفة، فجعلتها تحت فخذها، وقد سمع عمر حين دخل قراءته عليهما. فلما دخل قال: ما هذه الهينمة وما هذه التمتة التي سمعت؟
قالت له: ما سمعت شيئاً . قال : بلى والله، لقد أخبرت أنكما تابعتما محمداً على دينه. وبطش بختنه سعيد بن زيد، فقامت إليه أخته لتكفه فضربها فشجها، فلما فعل ذلك قالت أخته: يا عمر! قد أسلمنا وآمنا بالله ورسوله، فاصنع ما بدا لك. فلما رأى ما بأخته من الدم ندم على ما فعل، فارعوى وقال لأخته: أعطيني هذه الصحيفة التي سمعتكم تقرؤون آنفاً أنظر ما هذا الذي جاء به محمد. وكان عمر بن الخطاب كاتباً، فلما قال ذلك، قالت له أخته: إنا نخاف على كتابنا، قال: لا تخافي، وحلف عمر ليردنها إليهم إذا قرأها، فلما رأت ذلك طمعت فيه وقالت: يا أخي إنك نجس على شركك، وإنه لا يمسه إلا طاهر، قال عمر: أحلف بالله إن هذا الدين لعجيب، فاغتسل عمر ثم أعطته الصحيفة وفيها: [طه]، فلما قرأ عمر منها سطراً قال: ما أحسن هذا الكلام وأكرمه!
فلما سمع خباب ذلك منه طمع فيه وخرج إليه فقال له: يا عمر والله إني لأرجو أن يكون الله قد وفقك لدعوة النبي ﷺ، فإني سمعته أمس وهو يقول: ((اللَّهُمَّ أَيِّدِ الإِسْلاَمَ بِأَحَبِّ الرَّجُلَيْنِ إِلَيْكَ عُمَرَ بْنِ الْخَطاَّبِ أَوْ عَـمْـروِ بْـنِ هِشاَمٍ))([115]) وأنا أرجو أن يكون الله قد وفقك لدعوة نبيه وسددك والله يا عمر، فقال عمر: دلني يا خباب على محمد حتى آتيه وأسلم، فقال له خباب: هو في بيت عند الصفا معه أصحابه .
فخرج عمر بن الخطاب t، فضرب عليهم الباب، فلما سمعوا صوته قال أرقم ابن الأرقم: يا رسول الله، هذا عمر بن الخطاب متوشحاً بالسيف؟ وقام إلى رسول الله مذعوراً، فقال له رسول الله ﷺ: ((قُلْ لَهُ فَلْيَدْخُلْ)) وقال حمزة بن عبد المطلب t: إن كان يريد خيراً بذلناه له، وإن كان يريد شراً قتلناه بسيفه! فأذن له بالدخول فدخل، ونهض رسول الله ﷺ في الحجرة، فأخذ بحجزته أو بمجمع ردائه، ثم جذبه جذبة شديدة، وقال: ((ماَ جاَءَ بِكَ ياَ ابْنَ الخَطاَّبِ؟ فَوَاللهِ ماَ أَراَكَ تَنْتَهيِ حَتىَّ يُنْزِلَ اللهُ بِكَ قاَرِعَةً)) فقال عمر: جئتك لآمن بالله ورسوله وبما جاء من عند الله، فكبر رسول الله ﷺ تكبيرة عرف أهل البيت من أصحاب رسول الله ﷺ أن عمر قد أسلم، وتفرق أصحاب رسول الله ﷺ من مكاناتهم، وعزوا في دينه حين أسلم عمر t مع إسلام حمزة، وعرفوا أنهما سيمنعان رسول الله ﷺ وينتصفان له ولهم من عدوه([116]).
فلما أسلم عمر t دل هذا الحديث على تعجل إجابة دعوة النبي ﷺ بإسلامه، وتأييد الإسلام، ودل على حب الله له، وعلى فضله وعلو مرتبته، ورفع منزلته، واستبشار أهل السماء بإسلامه، ونزول جبريل u عند إسلامه يخبر بذلك، ودل على عظم سرور النبي ﷺ بإسلامه حيث كبر تكبيرة عالية عرف المسلمون منها إسلام عمر رضي الله عنه وأرضاه.
ذكر موافقة القرآن العزيز
لرأي عمر t وأرضاه
كان يقول: [وافقت أو] وافقني ربي في ثلاث، فقلت: يا رسول الله، لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى، فأنزل الله تعالى: ] وَٱتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبۡرَٰهِۧمَ مُصَلّٗىۖ [ [البقرة 125] وقلت: يا رسول الله، يدخل على نسائك البر والفاجر، فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب، فأنزل الله تعالى آية الحجاب، وبلغني معاتبة النبي بعض نسائه، فدخلت عليهن فقلت: إن انتهيتن أو ليبدل الله رسوله خيراً منكن، حتى أتت إحدى نسائه وقالت: يا عمر أما في رسول الله ما يعظ نساءه حتى تعظهن؟ فأنزل الله تبارك وتعالى: ] عَسَىٰ رَبُّهُۥٓ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبۡدِلَهُۥٓ أَزۡوَٰجًا خَيۡرٗا مِّنكُنَّ [ الآية [التحريم 5]([117]).
ولعل هذا القول قد كان عمر t قاله قبل أن يوافقه القول العزيز في مواضع أخر، منها ما ذكره المفسرون في سورة الأنفال في ذكر الأسارى حيث استشار رسول الله ﷺ الصحابة رضي الله عنهم، فقال أبو بكر t: يا رسول الله، قومك استبقهم لعل الله أن يتوب عليهم، وخذ منهم فدية تكون لنا قوة على الكفار، وقال عمر t: يا رسول الله كذبوك وأخرجوك، قدمهم واضرب أعناقهم، ومكن علياً مـن عقيل يضرب عنقه، ومكني من فلان -نسيب له- فأضرب عنقه فإن هؤلاء أئمة الكفر.
وقال عبد الله بن رواحة: يا رسول الله انظر وادياً كثير الحطب فأدخلهم به، ثم اضرب النار عليهم، وقال العباس t: قطعتك رحمك، فسكت رسول الله ﷺ، ثم قام فدخل، فقال ناس يأخذ بقول أبي بكر، وقال قوم: يأخذ بقول عمر، وقال قوم: يأخذ بقول ابن رواحة، ثم خرج رسول الله ﷺ فقال: (إِنَّ اللهَ تَعاَلىَ يَليِنُ قُلوُبَ رِجاَلٍ حَتّى يَكوُنَ أَلْيَنَ مِنْ الليِّنِ، وَإِنَّ اللهَ تَعاَلىَ يَشُدُّ قُلوُبَ رِجاَلٍ حَتىَّ يَكوُنَ أَشَدَّ مِنَ الْحِجاَرَةِ، وَإِنَّ مِثْلَكَ ياَ أَباَ بَكْرٍ مِثْلَ إِبْراَهيِمَ u قال: ] فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُۥ مِنِّيۖ وَمَنۡ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ ٣٦ [ [إبراهيم 36] وَمِثْلُكَ أَيْضاً مِــثْــلُ عـيِـسىَ u قال: ] إِن تُعَذِّبۡهُمۡ فَإِنَّهُمۡ عِبَادُكَۖ وَإِن تَغۡفِرۡ لَهُمۡ فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ ١١٨ [ [المائدة 118] وَمِثْلُكَ ياَ عُمَرُ مِثْلُ نوُحٍ u قال: ] رَّبِّ لَا تَذَرۡ عَلَى ٱلۡأَرۡضِ مِنَ ٱلۡكَٰفِرِينَ دَيَّارًا ٢٦ [ [نوح 26] وِمِثْلُكَ مِثْلُ موُسىَ u قال: ] رَبَّنَا ٱطۡمِسۡ عَلَىٰٓ أَمۡوَٰلِهِمۡ وَٱشۡدُدۡ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ فَلَا يُؤۡمِنُواْ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلۡعَذَابَ ٱلۡأَلِيمَ ٨٨ [ [يونس 88] ([118]).
ثم إن النبي ﷺ استشار الصحابة في القتل والفداء، قالوا: بل نأخذ الفداء، نستمتع به على عدونا فأخذوا الفداء، فأنزل الله تعالى موافقة لرأي عمر u: ] مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُۥٓ أَسۡرَىٰ حَتَّىٰ يُثۡخِنَ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ تُرِيدُونَ عَرَضَ ٱلدُّنۡيَا وَٱللَّهُ يُرِيدُ ٱلۡأٓخِرَةَۗ [ [الأنفال 67] ثم قال: ] لَّوۡلَا كِتَٰبٞ مِّنَ ٱللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمۡ فِيمَآ أَخَذۡتُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ ٦٨ [ [الأنفال 68] فحينئذ قال رسول الله ﷺ: ((لَوْ نَزَلَ مِنَ السَّماَءِ عَذاَبٌ لَماَ نَجاَ إِلاَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطاَّبِ))([119]).
ومن موافقة القرآن العزيز لرأي عمر بن الخطاب رضي الله عنه قصة عبد الله بن سلول المنافق ما ذكره البخاري في صحيحه: لما مات عبد الله بن سلول جاء النبي ﷺ ليصلي عليه، فلما وقف عليه جاء عمر فأخذ بثوب النبي ﷺ: أتصلي على عبد الله وقد قال يوم كذا ويوم كذا ما قال؟ وجعل عمر يعدد أقوله، فتبسم رسول الله ﷺ وقال: ((ياَ عُمَرُ إِنَّ اللهَ خَيَّرَنيِ فيِ ذَلِكَ)) فَقاَلَ: ] ٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ أَوۡ لَا تَسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ إِن تَسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ سَبۡعِينَ مَرَّةٗ فَلَن يَغۡفِرَ ٱللَّهُ لَهُمۡۚ [ [التوبة 80] فعجبت من جرأتي على رسول الله ﷺ، فما مكث رسول الله ﷺ يسيراً حتى نزل عليه جبريل عليه السلام بالوحي: ] وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰٓ أَحَدٖ مِّنۡهُم مَّاتَ أَبَدٗا وَلَا تَقُمۡ عَلَىٰ قَبۡرِهِۦٓۖ [ [التوبة 84] فما صلى بعدها على منافق ولا قام على قبره([120]).
ومن موافقته القرآن العزيز قوله تعالى في سورة المؤمنون: ] وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِن سُلَٰلَةٖ مِّن طِينٖ ١٢ [ إلى قوله: ] ثُمَّ أَنشَأۡنَٰهُ خَلۡقًا ءَاخَرَۚ [ [المؤمنون 12 – 14] فقال عمر t: تبارك الله أحسن الخالقين. قبل أن يسمع تتمة الآية([121]).
موافقة القرآن لرأي عمر t خصيصة عالية المنار، وموهبة رفيعة مشرقة الأنوار، لم يخص بها أحد من الصحابة سواه، ولم يوجد لأحد إلا إياه، فهي من أرفع الدرجات وأعظم المواهب والكرامات.
ذكر
ما نزل في عمر t من القرآن العزيز
قول الله تعالى: ] أَوَ مَن كَانَ مَيۡتٗا فَأَحۡيَيۡنَٰهُ وَجَعَلۡنَا لَهُۥ نُورٗا يَمۡشِي بِهِۦ فِي ٱلنَّاسِ [ [الأنعام 122] قال زيد بن أسلم: نزلت في عمر([122]).
وقال ابن عباس فـي قوله تعالى: ] يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَسۡبُكَ ٱللَّهُ وَمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٦٤ [ [الأنفال 64] إنها نزلت في عمر u ([123]).
ذكرما [ورد] فيه
على لسان رسول الله ﷺ
قال رسول الله ﷺ: ((بَيْنَماَ أَناَ ناَئِمٌ رَأَيْتُنيِ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ، فَإِذاَ بِالرُّمَيْصاَءِ امْرَأَةِ أَبيِ طَلْحَةَ، وَسَمِعْتُ خَشَفَةً، فَقُلْتُ: مَنْ هَذاَ؟ قاَلَ: بِلاَلٌ، وَرَأَيْتُ قَصْراً بِفَناَئِهِ جاَرِيَةٌ، فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذاَ الْقَصْرُ؟ فَقاَلَتْ: لِعُمَرَ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَ فَأَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَذَكَرْتُ غَيْرَتَكَ ياَ عُمَرُ)) فقال عمر: بأبي وأمي يا رسول الله، أعليك أغار؟([124])
وقال رسول الله ﷺ لعمر: ((ماَ سَلَكْتَ ياَ عُمَرُ فَجاًّ إِلاَّ وَسَلَكَ الشَّيْطاَنُ فَجاًّ غَيْرَهُ))([125]).
وقال ﷺ: ((قَدْ كاَنَ فيِماَ قَبْلَكُمْ مِنَ الأُمَمِ ناَسٌ مُحْدَثوُنَ، فَإِنْ يَكُنْ مِنْ أُمَّتيِ أَحَدٌ فَأَنْتَ ياَ عُمَرُ))([126]).
وقال ﷺ: ((بَيْنَماَ أَناَ ناَئِمٌ رَأَيْتُ الناَّسَ قَدْ عُرِضوُا عَلَيَّ وَعَلَيْهِمْ قُمُصٌ فَمِنْهاَ ماَ بَلَغَ الثَّدْيَ، وَمِنْهاَ ماَ يَبْلُغُ دوُنَ ذَلِكَ، وَعُرِضَ عَلَيَّ عُمَرُ وَعَلَيْهِ قَميِصٌ اجْتَرَّهُ)) فقالوا: فما أولته يا رسول الله؟ قال: ((الديِّنَ))([127]).
وقال ﷺ: ((زَيِّنوُا مَجاَلِسَكُمْ بِذِكْرِ عُمَرَ بْنِ الْخَطاَّبِ))([128]).
وقال رسول الله ﷺ: ((أُتيِتُ فيِ مَناَميِ بِقَدَحٍ مِنْ لَبَنٍ شَرِبْتُهُ حَتىَّ رَأَيْتُ الرَّيَّ يَخْرُجُ مِنْ أَظْفاَريِ، ثُّمَّ أَعْطَيْتُ عُمَرَ فَشَرِبَ فَضْلَهُ)) قالوا: فما أولته يا رسول الله؟ قال: ((الْعِلْمَ))([129]).
وقال ﷺ: ((إِنَّ اللهَ تَعاَلىَ وَضَعَ الحَقَّ عَلىَ لِساَنِ عُمَرَ وَقَلْبِهِ، وَهُوَ الْفاَروُقُ فَرَّقَ اللهُ تَعاَلىَ بِهِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْباَطِلِ))([130]).
وقيل إنه جاءت امرأة إلى عمر u فقالت له: اسمي عاصية، فقال لها عمر: بل أنت جميلة، ثم رآها رسول الله ﷺ فقالت له: اسمي عاصية، فقال لها: ((أَنْتِ جَميِلَةٌ)) فقالت: كـذا سـمـاني عمر بن الخطاب، فقال النبي ﷺ: ((أَماَ عَلِمْتِ أَنَّ اللهَ تَعاَلىَ جَعَلَ الحَقَّ عَلىَ لِساَنِ عُمَرَ وَيَدِهِ؟))([131]). وقيل: إن عمر استأذن النبي ﷺ في العمرة، فأذن له ثم قال له: ((ياَ أَخيِ أَشْرِكْناَ فيِ صاَلِحِ دُعاَئِكَ وَلاَ تَنْسَهُ))([132]).
وقال رسول الله : ((لَوْ كاَنَ بَعْديِ نَبِيٌّ لَكاَنَ عُمَرُ))([133]).
ولعمر u في الآيات والأحاديث المتضمنة حسن الثناء، وجميل الذكر، والوعد بالجنة للمهاجرين والأنصار، وما ذكره النبي ﷺ على سبيل الاشتراك بينه وبين أبي بكر رضي الله عنه فيما تقدم ذكره في فضل أبي بكر u أكرم حظ وأعظم نصيب.
ذكر فضائله على لسان الصحابة وغيرهم من التابعين
رضي الله عنهم أجمعين
قال المسور بن مخرمة: لما طعن عمر t جعل يتألم، فقال له ابن عباس t: يا أمير المؤمنين ولئن كان ذلك لقد صحبت رسول الله ﷺ فأحسنت صحبته، ثم فارقته وهو عنك راضٍ، ثم صحبت أبا بكر فأحسنت صحبته، ثم فارقته وهو عنك راضٍ، ثم صحبتهم فأحسنت صحبتهم، ولئن فارقتهم لتفارقنهم وهم عنك راضون، فقال عمر: أما ما ذكرت من صحبة رسول الله ﷺ ورضاه فإنما ذاك من منّ الله تعالى به عليّ، وأما ما ترى من جزعي فهو من أجلك وأجل أصحابك، والله لو أن لي طلاع الأرض ذهباً لافتديت به من عذاب الله تعالى قبل أن أراه([134]).
وقال ابن عباس t: دخلت على عمر t وهو على سريره والناس يدعون ويصلون قبل أن يرفع، فما راعني إلا رجل أخذ منكبي إذا هو عليّ كرم الله وجهه يترحم على عمر ويقول: ما خلفت أحداً أحب أن ألقى الله تعالى بمثل عمله منك، وأيم الله إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك، وحسبت أني كثيراً أسمع رسول الله ﷺ يقول: ((ذَهَبْتُ أَناَ وَأَبوُ بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَدَخَلْتُ أَناَ وَأَبوُ بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَخَرَجْتُ أَناَ وَأَبوُ بَكْرٍ وَعُمَرْ))([135]).
وقال ابن مسعود: مازلنا أعزاء منذ أسلم عمر([136]). ولقد رأيتنا ولا نقدر نطوف بالبيت فلما أسلم عمر قاتلهم فطفنا بالبيت وصلينا([137]).
وقيل: إنه لما مات عمر u حزن ابن مسعود t حزناً شديداً، وبكى بكاء طويلاً، فعوتب على ذلك، فقال: وكيف لا أحزن على عمر وقد سار سيرة إن سارها غيره لم تقبل منه وقتلوه، وإن لم يسرها لم يقبل منه وقتلوه([138]).
وكان الأمر كما ذكر ابن مسعود، ولي عثمان بن عفان t فغير شيئاً من سيرته في آخر خلافته، فلم يقبل منه، وقتلوه، ثم ولي أمير المؤمنين علي u فسار سيرته، وسلك مسلكه، واقتفى آثاره، فلم يقبل منه، وقتلوه.
وقيل: إنه جاءت اليهود إلى أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه حين أفضت الخلافة إليه، فقالوا: يا أمير المؤمنين إن ابن الخطاب أخلانا من بلادنا، وزاد علينا في الجزية عما كانت زمن رسول الله ﷺ وزمن أبي بكر t، وسألوه أن يردهم إلى بلادهم ويرفع عنهم ما زاده عمر u من الجزية ، فقال علي u: أما بعد فإن ابن الخطاب كان امرءاً رشداً، وما كنت والله لأنقض أمراً أبرمه عمر، ثم ردهم خائبين، ولم يجبهم إلى ما سألوه([139]).
وقال علي u وقد دخل مسجد الكوفة في ليل شهر رمضان وقد رأى به الأضواء لصلاة التراويح: نوّر الله قبرك يا ابن الخطاب كما نوّرت بيوت الله([140]).
وقال علي كرم الله وجهه وقد رأى عمر ينشد ضالة من إبل الصدقة شردت، فقال: يا أمير المؤمنين هلا أمرت غيرك ينشدها، فقال عمر: يا أبا الحسن والله لو شردت عناق بأقصى الفرات لأُخذ بها عمر، قال: فبكى علي u وقال: أتعبت الخلفاء من بعدك يا أمير المؤمنين([141]).
وقال ابن مسعود t: لو وضع علم أحياء العرب في كفة ووضع علم عمر في كفة لرجح به علم عمر t([142]).
وقال علي كرم الله وجهه لأبي بكر t لما استشار الصحابة في خلافة عمر: يا خليفة رسول الله امضِ رأيك في عمر فما نعلم منه إلا خيراً ([143]).
وقال رجل لعمر: اتقِ الله يا أمير المؤمنين، فقال له رجل: أتقول هذا لأمير المؤمنين؟ فقال عمر: دعه، فلا خير فيهم إذا لم يقولوا هذا، ولا خير فينا إذا لم يقل لنا هذا([144]).
في فتوح سيف إن عمر t دخل الأردن من بلاد الشام على حمار وقف له المسلمون وأهل الذمة، وكان أمامه العباس على فرس، فلما رأى أهل الذمة عمر سجدوا له، فنهاهم عن ذلك وقال: لا تسجدوا للبشر واسجدوا لله. وقال الرهبان والقسيسون: ما رأينا أحداً أشبه بحواري عيسى u من هذا الرجل، يعنون به عمر t([145]).
وقال زيد بن وهب: رأيت عمر u خرج السوق وعليه إزار به أربع عشرة رقعة أحدها أديم، وفي يده الدرة([146]).
وقال عبد الله بن عامر بن ربيعة: صحبت عمر بن الخطاب t من المدينة إلى مكة في الحج ثم رجعنا فما رأيته ضرب فسطاطاً ولا كان له ما يستظل به تحته([147]).
وقيل: إنه أوتي عمر u ببساط كسرى وكان ستون ذراعاً في ستين ذراعاً، وكان أرضه من ذهب ووشيه فصوص الجواهر، وهو على صفة الأرض المزروعة، ورقه وثمره الجواهر النفيسة، فاستشار الناس ماذا نصنع به؟ فأشار علي كرم الله وجهه (بقطعه وتفريقه) فوقع سهم علي u قطعة فباعها بعشرين ألفاً([148]).
وقيل: إنه لما توفي رسول الله ﷺ واستخلف أبا بكر t كان يقال له: خليفة رسول الله ﷺ، وقيل لعمر: خليفة خليفة رسول الله ﷺ، قال المسلمون: فمن جاء بعد عمر يقال له: خليفة خليفة خليفة رسول الله ﷺ هذا يطول، ولكن اجمعوا على اسم يدعون به الخليفة، ويدعى به من بعده من الخلفاء، فقال بعضهم: نحن المؤمنون وعمر أميرنا، فدعي بأمير المؤمنين يومئذ، فهو أول من دعي بأمير المؤمنين، وأول من كتب تاريخ الهجرة الشريفة([149]).
ويقال: إن عمر t كان يصوم الدهر، وكان عام الرمادة إذا أمسى أتي بخبز قد فرك [ثرد] بالزيت إلى أن نحروا يوماً جزوراً، فلما أطعمها الناس عرفوا له من طيبها، ثم أنَّى به فإذا هو قادم [قدر] سنام وكبد، فقال: أنىَّ هذا؟. فقالوا له: من الجزور الذي نحرنا، فقال: بخ بخ، بئس الوالي أنا إن أكلت طيبها وأطعمت الناس كراديشها [كراديسها]، ارفعوا هذه وهاتوا غيرها، قال: فأتي بخبز وزيت فجعل يكسر الخبز بيده ويثرده، ثم قال: يا برقاء ارفع هذه الجفنة فاحملها إلى أهل بيت ذكرهم له([150]).
وقيل: إن ابن عمر قال: إن عمر t كان يصلي بالناس العشاء ثم يدخل إلى بيته فلا يزال يصلي إلى آخر الليل، ثم يخرج فيأتي الأنفاق فيطوف عليها، وإني لأسمعه ليلاً في السحر وهو يقول: اللهم لا تجعل هلاك أمة محمد على يدي ولا في ولايتي([151]).
في فتوح سيف يقول: إنه لما أتي عمر u بسيف كسرى ومنطقته وتاجه (قال): إن قوماً أدوا هذا لذووا أمانة، فقال علي u: يا أمير المؤمنين عففت فعفوا([152]).
وقال معمر بن طاووس: إن عمر u ما أكل سمناً قط عام الرمادة حتى أحيا الناس([153]).
وقال أسامة بن زيد: كنا نقول إن عمر يموت عام الرمادة هماً من شدة اهتمامه بأمر المسلمين([154]).
وقال بعض نساء عمر u: ما قرب عمر امرأة قط من نسائه عام الرمادة حتى أحيا الناس، ولما أجمع عمر u على أن يستسقي ويخرج الناس كتب إلى العمال أن يخرجوا يوم كذا وكذا وأن يتضرعوا إلى الله سبحانه وتعالى، ويطلبوا إليه أن يرفع عنهم المحل، ثم خرج هو كذلك وعليه بردة رسول الله ﷺ حتى انتهى إلى المصلى، فخطب الناس وتضرع إلى الله تعالى، وجعل الناس يلحون معه في الدعاء، فما كان دعاؤه إلا الاستغفار، حتى قرب أن ينصرف، فرفع يده مداً، وحوّل رداءه، فجعل ما كان على اليمين على اليسار وما كان على اليسار على اليمين، وبكى بكاء شديداً طويلاً حتى أخضلت لحيته بالدموع، ثم أخذ يد العباس عم النبي ﷺ وقال: اللهم إنا نستشفع إليك بعم نبيك محمد ﷺ أن تذهب عنا المحل وتسقينا الغيث، فلم يبرحوا حتى سقوا، فأطبقت السماء عليهم أياماً، فلما مطروا وأحيوا أخرج عمر u العرب من المدينة وقال: ألحقوا بأهلكم([155]).
وقال كعب الأحبار لعمر u: إنا نجدك في كتاب الله تعالى على باب من أبواب جهنم تمنع الناس أن يقعوا فيها، فإذا مت لم يزالوا يقعوها إلى يوم القيامة([156]).
في فتوح سيف: إنه لما أتي عمر u بغنائم نهاوند وكان فيها نفائس الجواهر واليواقيت إلى غير ذلك من الأموال العظيمة من الذهب والفضة، أحضر عمر الناس فجعلوا يحمدون الله تعالى ويشكرونه ويستبشرون، وعينا عمر تذرفان بالدموع، فقال له عبد الرحمن بن عوف: كرامة الله عز وجل ذخرها لك يا أمير المؤمنين وجعلها على يدك، فقال عمر t: اللهم إنك بعثت رسولك برسالاتك وهو خيرتك من خلقك زويت عنه الدنيا حتى أخرجته منها سالماً، فأنا على يقين أن غير ذلك لو كان خيراً لصنعته، ثم كان الخليفة من بعده ففعلت به ذلك لأتباعه أمر نبيك ﷺ وقيامه به، اللهم وقد ابتليت بما ترى فأعوذ بك أن يكون هذا مكراً بعمر، والله إن عمر ليعرف إن هو أصاب منه شيئاً أن قد مكر به([157]).
وقال أبو موسى الأشعري: رأيت في المنام كأني انتهيت إلى جبل فإذا رسول الله ﷺ فوقه وأبو بكر إلى جنبه وإذا هو يومئ إلى عمر أن تعالَ، فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، مات عمر! قال أنس: فقلت له: ألا تكتب إلى عمر بذلك؟ قال: ما كنت لأنعى إلى عمر نفسه([158]).
ورثي أمير المؤمنين عمر t بهذا الشعر واختلف فيها فقيل: إنها لابن أخي الشماخ ، وقيل: إنها سمعت من هاتف ينشدها:
جزى الله خـيـراً من أمير وباركت | ||||
يد الله في ذاك الأديم الممزق | ||||
فمن يسعَ أو يركب جناحي نعامة | ||||
ليـدرك ما قدمت بالأمس يسبق | ||||
قـضيت أموراً ثم غادرت بعدها | ||||
نوائح في أكمامها لم تـفتق | ||||
وما كنت أخشى أن تكون وفاته | ||||
بكفي سبنتي أحمر العين أزرق([159]) | ||||
وقيل: إن عمر t كان ولى النعمان بن عثمان بن نضلة سوق الأهواز فبلغه عنه شعراً يقول فيه:
فمن مبلغ الحسناء أن خليلها | ||||
بميسان يسقى من زجاج وحنتم | ||||
إذا شئتُ غنتني دهاقين قرية | ||||
وصناجة تجذو على كل منسم | ||||
إذا كنت ندماني فبالأكبر اسقني | ||||
ولا تسقني بالأصغر المتثلم | ||||
لعلّ أمير المؤمنين يسوءه | ||||
تنادمنا بالجوسق المتهدم | ||||
فلما بلغ عمر ذلك قال: والله إني ليسوءني ذلك، فمن لقيه فليعلمه أني قد عزلته وإني غير موليه عملاً أبداً([160]).
وقيل: إنه لما قدم المغيرة بن شعبة المدينة ضرب على غلامه أبي لؤلؤة في كل شهر مائة وعشرين درهماً لكل يوم أربعة دراهم، وكان أبو لؤلؤة حبشياً([161])، وكان يقول: أكلت العرب كبدي! وكان عمر t بمكة، فلما قدم إلى المدينة جاء إليه أبو لؤلؤة يشكو عند عمر المغيرة مولاه، وقال: يا أمير المؤمنين إن المغيرة بن شعبة يكلفني الضريبة ولا أطيقها، فقال له عمر t: وكم كلفك؟ قال له: أربع دراهم في اليوم، فقال له: وما تعمل؟ قال: أعمل الأرحاء، ثم سكت عن سائر الصنائع التي يعرفها، فقال له عمر t: وكم تعمل في اليوم؟ قال: كذا وكذا، قال عمر: بكم تبيعها؟ فقال: بكذا وكذا، قال له عمر: لقد كلفك يسيراً انطلق وأعطِ مولاك ما سألك، فلما تولى قال أبو لؤلؤة: والله لأصنعن لك رحاً يتحدث بها الناس، فقال عمر t لعلي كرم الله وجهه -وكان حاضراً-: ما أراه أراد بكلمته؟ فقال علي u: قد توعدك، فقال عمر: يكفيناه الله تعالى، فقد ظننت أنه يريد بكلمته عوراً.
وكان أبو لؤلؤة لعنه الله من سبي نهاوند، فلما طعن عمر t وقد كان خرج يريد صلاة الفجر بغلس، قال عند ذلك: ] وَكَانَ أَمۡرُ ٱللَّهِ قَدَرٗا مَّقۡدُورًا ٣٨ [ [الأحزاب 38]([162]).
وقال ابن عمر t: بينما رأس عمر في حجري عند موته قال: ضعه من حجرك على الأرض، فقلت: وما عليك منه في حجري فهو أذى لي، فقال: ضعه على الأرض لا أم لك! قال: فوضعته، قال: ويل لعمر وأم عمر إن لم يغفر الله له، ليتني أنجو من الأمر كفافاً لا عليّ ولا لي.
وقال المغيرة بن شعبة: قلت لأمير المؤمنين عمر t: ألا أدلك على القوي الأمين تستخلفه بعدك؟ قال: بلى، قلت: عبد الله ابنك، قال: ويحك! ما أردت بهذا وجه الله تعالى، والله لئن يموت فأدفنه بيدي أحب من أن أوليه أمر المسلمين، وأعلم أن الله تعالى قد جعل في الناس خيراً منه([163]).
ورثته زوجته عاتكة بنت زيد:
وفجعني فيروز لا در دره | ||||
بـأبيـض تـالٍ للـقرآن منيبُ | ||||
عطوف على الأدنى شديد على العدا | ||||
أخي ثقة في النائبات نجيب | ||||
فتى ما يقـل لا يكذب القول فعله | ||||
سريع إلى الخيرات غير قطوب([164]) | ||||
وقيل: إنه لما طعن عمر t سقي لبناً فخرج من جرحه، فلما رأى بياضه بكى وأبكى الناس حوله، ثم قال: لو أن لي ما طلعت عليه الشمس لافتديت به من هول المطلع، قالوا: فهذا بكاؤك ممَ؟ قال: ما أبكاني غيره. قال ابن عباس: والله يا أمير المؤمنين لقد كان إسلامك نصراً، وإمارتك فتحاً، ولقد ملأت الأرض عدلاً، فقال عمر t: أجلسوني، فلما جلس قال: يا ابن عباس أعد عليّ كلامك، فأعاد عليه، فقال: اشهد بهذا عند الله يوم تلقاه، قال: نعم، فأعجب ذلك عمر وسرّ به([165]).
وقيل: إنه دخل أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه على عمر حين طعن وهو يبكي، فقال له: وما يبكيك؟ فقال: لا أدري إلى أين أذهب إلى الجنة أم إلى النار، فقال علي u: أبشر بالجنة، فقال: اشهد لي بهذا يا أبا الحسن، قال: نعم، سمعت رسول الله ﷺ يقول: ((إِنَّ أَباَ بَكْرٍ وَعُمَرَ لَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ))([166]).
وقال ابن عباس t لعمر وهو يبكي عند موته: وما يبكيك وفيك خصال ثلاث لا يعذبك الله تعالى بها أبداً، إذا قلت صدقت وإذا حكمت عدلت، وإذا استرحمت رحمت([167]).
وقال عبد الرحمن بن غنم: لما توفي عمر أصبح الإسلام مولياً، ما رجل بأرض فلاة يطلبه العدو فيحدره بأشد فراراً من الإسلام اليوم([168]).
وقيل: إنه لما صلي على عمر t جاء عبد الله بن سلام وقد فاته الصلاة عليه فقال: لئن سبقتموني بالصلاة عليه فلا تسبقوني بالثناء عليه، فقام عند سريره، فقال: نعم أخو الإسلام كنت يا عمر، جواداً بالحق، بخيلاً بالباطل، ترضى خير الرضا، وتغضب جهة الغضب، طيب الطرف لم تكن مداحاً ولا مغتاباً([169]).
وقال ابن مسعود عند موت عمر بعد أن بكى بكاءً شديداً: كان والله عمر حصناً حصيناً للإسلام، يدخلون إليه ولا يخرجون منه، فلما مات عمر t انثلم ذلك الحصن فالناس يخرجون منه ولا يدخلون فيه([170]).
وقيل إنه لما مات عمر t بكى سعيد بن زيد بكاءً شديداً، فقال له قائل: يا أبا الأعور: ما يبكيك؟ فقال: أبكي على الإسلام، إن موت عمر ثلم في الإسلام ثلمة لا تسد إلى يوم القيامة([171]).
وقال حذيفة: كان الإسلام في زمن عمر كالرجل المقبل لا يزداد إلا قرباً، ولما مات عمر t صار كالرجل المدبر لا يزداد إلاِّ بعداً([172]).
و قال ابن عاس: لما [مات عمر] دعوت الله تعالى حولاً كاملاً أن يرينيه الله في منامي، فرأيته، فقلت: ما فعل الله بك؟ فقال: كاد عرشي أن يهوي بي لولا أني وجدت رباً رحيماً ([173]).
وقد أحسن رجل أعرابي -وقد سئل عن عمر u- فقال: كان عمر t أكرم من أن يخدج وأكرم من أن يخدع([174]).
وقيل: إنه لقي عمر t في بعض حجاته إلى مكة رجلان وكان معه عبد الرحمن ابن عوف، فقال رجل منهما: نسأله عن جزاء الصيد قتله المحرم أو في الحرم، فقال عمر لعبد الرحمن بن عوف: ما تقول جزاؤه؟ قال: جزاؤه كذا وكذا، فولى الرجل وهو يقول لصاحبه: ما عرفها أمير المؤمنين حتى سأل عنها صاحبه، فسمعه عمر t فناداه، فأقبل عليه، فقال له: ما تقول؟ فقال: ما قلت إلا خيراً، فقال له: قل لا بأس عليك، فقال: قلت كذا وكذا، فقال له عمر: يا هذا إني سمعت الله تعالى يقول في كتابه: ] وَمَن قَتَلَهُۥ مِنكُم مُّتَعَمِّدٗا فَجَزَآءٞ مِّثۡلُ مَا قَتَلَ مِنَ ٱلنَّعَمِ يَحۡكُمُ بِهِۦ ذَوَا عَدۡلٖ مِّنكُمۡ[ [المائدة 95] فأردت أن يكون معي كما أمر الله عز وجل، امضِ راداً، فدعا له الرجل بخير وانصرف([175]).
وقال ابن عمر: ما رأيت عمر حرّك شفتيه لشيء إلا كان [حقاً]([176]).
وقال جبريل u للنبي ﷺ: أقرأ عمر السلام وقل له: إن غضبه عز ورضاه حكم([177]).
فضائل أمير المؤمنين عمر t أكثر من أن تعد، ومكارمه يصعب أن تحصر وتحد، كان مجتمع القلب، ثابت الجنان، قوياً في الدين، أول من دعي بإمرة المؤمنين، حسن السياسة، منور الخاطر والفراسة، ولذلك وافق القرآن العزيز رأيه، وسمع سارية صوته من نهاوند وعمر يخطب على منبر المدينة يقول: يا سارية الجبل الجبل([178]).
وكتب إلى نيل مصر وقد تغير عن عادته في الزيادة: بسم الله الرحمن الرحيم، إن كنت تجري بحولك وقوتك فلا تجرِ، وإن كنت تجري بحول الله وقوته فاجرِ بإذن الله تعالى والسلام. ثم قال لرسوله: ألقِ الرقعة في نيل مصر، فألقاها فرجع إلى عادته في الزيادة بإذن الله تعالى([179]).
وكان عمر مهيباً قد جعل الله تعالى له في قلوب خلقه على اختلاف طبقاتهم وتباين حالاتهم المهابة، ولهذا قال ابن عباس t في مسألة العول: كان عمر مهيباً فهبته([180]).
وقالت عائشة رضي الله عنها وعن أبيها وقد رأت سيوف الفتن بعد عمر t: لقد كانت درة عمر t أهيب من سيوفكم هذه([181]).
ذكر
شيء من خطبه وكلامه
ومكاتباته إلى العمال
قال عمر u: اعتزل عدوك وجانبه، وتحرز من صديقك واحذره، ولا تفشِ سرك إلى فاجر فتضعه، وشاور أهل الدين والعقل([182]).
وقال u في بعض خطبه: أيها الناس، عليكم بتقوى الله العظيم في أنفسكم وأموالكم وأعراضكم وأهليكم وما ملكت أيمانكم، فإنكم محاسبون على ما كسبتم، مجزون على ما عملتم([183]).
وكتب إلى أبي موسى الأشعري عامله بالبصرة: أما بعد فإن القضاء فريضة محكمة، وسنة متبعة، فافهم إذا أدلي إليك، وانفذ الحق إذا وضح لك، فإنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له، وواس بين الخصوم في مجلسك ووجهك وعدلك حتى لا يطمع شريف في حقك، ولا ييأس ضعيف من عدلك، واعلم أن البينة على من ادعى واليمين على من أنكر، والصلح جائز بين المسلمين إلا صلح أحل حراماً أو حرم حلالاً، ولا يمنعك قضاء قضيته اليوم فراجعت فيه نفسك أو هديت فيه لرشدك أن تراجع فيه الحق، فإن الحق قديم ولا يبطله شيء، وإن مراجعة الحق خير من التمادي في الباطل، الفهم الفهم فيما تلجلج في صدرك مما ليس في كتاب الله تعالى ولا سنة رسوله ﷺ فاعرف الأمثال والأشباه والأمثال وقس الأمور ثم اعمد إلى أحبها إلى الله تعالى وأشبهها بالحق، واجعل لمن ادعى حقاً غائباً أو بينة غائبة أمداً ينتهي إليه، فإن جاء ببينة أخذت له بحقه، وإن عجزه عنها استحللت عليها القضية، فإنه أبلغ للعذر، وأجلى للعمى، والمسلمون عدول بعضهم على بعض إلا مجلوداً في حد أو من جرب شهادته، أو ظنين في ولاء أو نسب، فإن الله عز وجل يتولى منكم السرائر، ودرأ عنكم (الحدود إلا) بالبينات والأيمان، وإياك والغضب والقلق والضجر والتأذي بالناس عند تنافر الخصوم والتنكر لهم([184]).
وفي الفتوح لسيف: إن عمر كتب إلى سعد وهو على العراق: إنه قد ألقي في روعي أنكم إذا لقيتم العدو وهزمتموهم فاطرحوا الشك، وآثروا التقية عليهم، فإن لاعب أحد منكم (أحداً) من العجم بأمان أو فرقه بإشارة أو بلسان، وكان ما لا يدري الأعجمي بما كلمه به، وكان عندهم أماناً فأجروا ذلك مجرى الأمان، وآثروا اليقين والنية، وإياكم والمحك، والوفاء الوفاء فإن الخطأ بالوفاء بقية، وإن الخطأ بالغدر هلكة، وفيها وهنكم وقوة عدوكم وذهاب ريحكم وإقبال ريحهم، وإياكم أن تكونوا شيناً على المسلمين([185]).
قال الشعبي: ذكر عند علي رضوان الله عليه قول عمر t: قد ألقي في روعي أنكم إذا لقيم العدو وهزمتموهم.. فقال علي كرم الله وجهه: ما كنا نبعد أن السكينة تنطق بلسان عمر، وإن في القرآن لرأياً من رأي عمر u ([186]).
ذكر الفتوح في ولاية عمر u
دمشق فتحها خالد بن الوليد سنة أربع عشرة من الهجرة، وقد كان نفذه إلى دمشق وما يليها من نواحي الشام أبو بكر t، ثم توفي أبو بكر t ولم يفتحها، ففتحت في أيام عمر u مبدأ إمارته، وقد كان عمر t كتب إلى أبي عبيدة بن الجراح بولاية الجيوش عوضاً عن خالد، كتب إلى خالد بالعزل، فكتم كل واحد منهما الأمر لئلا يتفلل الجيش، فلما فتحت دمشق جاء خالد إلى أبي عبيدة وقال له: السلام عليك ورحمة الله وبركاته أيها الأمير، وعرفه أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب u كتب إليه بعزله وولاية أبي عبيدة بن الجراح مكانه وإنما أخرت الحال طلباً للمصلحة لئلا يتفلل الجيش، فقال أبو عبيدة: وأنا كتب إلي بذلك وكتمت الأمر للمصلحة.
القادسية فتحها سعد بن أبي وقاص سنة خمس عشرة، وفي هذه السنة استقر تاريخ الإسلام من الهجرة، وفيها حمى عمر t الربذية لخيل المسلمين وإبل الصدقة.
وفي سنة سبع عشرة خطت الكوفة وأميرها سعد أيضاً.
الرقة والرها وغير ورده، فتحت هذه الأماكن سنة ثمان عشرة، وأميرها عياض بن غنم، وهذه السنة كانت عام الرمادة التي أجدبت الأرض فيها.
المدائن فتحت سنة سبع عشرة وأميرها سعد.
نصيبين وأرمينية فتحها أبو موسى الأشعري سنة عشرين، وفي هذه السنة فتحت قيسرية وحمص، وفيها فتح عمرو بن العاص باب النون ومصر.
ونهاوند فتحت سنة إحدى وعشرين وأميرها النعمان بن مقرن ، ثم فتحت أذربيجان وأميرها المغيرة بن شعبة.
اصطخر الأول وهمذان والري فتحها قرظة بن كعب.
عسقلان فتحها معاوية بن أبي سفيان.
الموصل وما يليها.
أصفهان وما يليها.
هيت والأنبار وما يليها.
البلدان التي فتحها عمر t يكثر تعدادها، ويصعب إيرادها، ولكن يقال: فتح في ولايته لعلو همته وقوة شهامته: الشام والعراق ومصر وبلاد العجم والجزيرة.
وكان أمير المؤمنين عمر t مع زهده في الدنيا، وتجافيه لها، ولخشنه في أكله وشربه وملبسه ومشيه في الأسواق بعبدرة قام بها عدة رقاع، وجلوسه على التراب ونومه عليه منفرداً بغير حجاب ولا حراسة، مهيباً في نفسه، عظيم الشأن، مطاع الأمر والسلطان، قد ملأت مهابته قلوب كافة الخلق على اختلاف طبقاتهم، وتباين حالاتهم، من بر وفاجر، ومأمور وآمر، لا يخالف في أمر، ولا يراجع في قول، قد طبقت الآفاق بعدالته، وعمت البرايا شفقته وبركته، وقيدت همم الأبطال مهابته، فلم يتجاسر ذو همة في إمارته أن يهم بالخروج عليه، ولا ذو عزيمة أن يصرف عزيمته إليه، بل كل مطيع لأوامره، مجانب لنواهيه وزواجره.
فمما يحكى من مهابته أنه جاء بعض دهاقنة الكوفة يشكو عنده من العامل بها، فوجده ظاهر المدينة نائماً على التراب بانفراده، وليس عنده أحد من خلق الله تعالى، وقد جعل شيئاً من التراب تحت رأسه عوضاً عن الوسادة، فجعل الدهقان يتعجب من ذلك، وظن أن هذا لا يقضي حاجته ولا يرد t ظلامته، ثم قال في نفسه: أخاطبه على كل حال. فدنا منه وسلم عليه، فاستوى عمر t جالساً، وقال له: ما شأنك؟ فقال له: أنا دهقان من دهاقنة الكوفة، قد ظلمني عاملك بها وغصبني ضيعة لي، فقال له عمر t: ائتني بقطعة من جرابك، فأعطاه الدهقان قطعة من جرابه، ثم أخذ من الأرض فحمة، وكتب على الجلدة من الجراب إلى العامل: لتنصفن هذا الدهقان أو لأنتصفن له، فأراد الدهقان ردها وتعجب من ذلك، ثم إنه رجع من فوره إلى الكوفة، فلما جاء إلى العامل ودفع إليه الجلدة التي بها خط عمر t وثب قائماً، وجعل يقبلها ويضعها على رأسه، ثم إنه لم يقعد الأرض حتى أمر برد الضيعة، فولى الدهقان وقال: هذا هو الناموس لا ما كنا فيه([187]).
يعني بذلك ملك الأكاسرة، مع ما كانوا عليه من الأهبة والزي والترفع وكثرة الحجاب والحراسة.
ويكفيه من عظم المهابة وشدته في الدين والإنابة قول النبي ﷺ: ((إِنَّ الشَّيْطاَنَ لَيَفِرُّ مِــنْ ظِلِّكَ ياَ عُمَرُ))([188]). ((ماَ سَلَكْتَ فَجاًّ إِلاَّ وَسَلَكَ الشَّيْطاَنُ فَجاًّ غَيْرَهُ))([189]).
وإذا كان الشيطان المريد الجبار العنيد يفر من ظله دل على علو مرتبه وفضله.
مناقب
أمير المؤمنين أبي عمرو عثمان بن عفان
ابن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف. في عبد مناف التحق نسبه بنسب النبي ﷺ.
قتل يوم الجمعة لثمان عشرة ليلة خلت من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين من الهجرة، وهو ابن اثنتين وثمانين سنة.
مدة خلافته اثنتا عشرة سنة.
له القسم الأكبر، والحظ الأوفر، والنصيب الأعظم، والسهم الأكرم في جميل الذكر وحسن الثناء من الكتاب والسنة في حق المهاجرين والأنصار.
ذكر
ما نزل فيه من الوحي
قال الواحدي في أسباب النزول في قوله عز وجل: ] ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ لَا يُتۡبِعُونَ مَآ أَنفَقُواْ مَنّٗا وَلَآ أَذٗى لَّهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ ٢٦٢ [ [البقرة 262] إنها نزلت في عثمان بن عفان t وفي عبد الرحمن بن عوف([190]).
وقال بعض المفسرين في قوله تعالى: ] أَمَّنۡ هُوَ قَٰنِتٌ ءَانَآءَ ٱلَّيۡلِ سَاجِدٗا وَقَآئِمٗا يَحۡذَرُ ٱلۡأٓخِرَةَ وَيَرۡجُواْ رَحۡمَةَ رَبِّهِۦ [ [الزمر 9] إنها نزلت في عثمان بن عفان t([191]).
وقالوا فـي قوله عـز وجـل: ] إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتۡ لَهُم مِّنَّا ٱلۡحُسۡنَىٰٓ أُوْلَٰٓئِكَ عَنۡهَا مُبۡعَدُونَ ١٠١ [ [الأنبياء 101] إنها نزلت في عثمان.
ذكر
فضائله على لسان رسول الله ﷺ
قال في حقه: ((زَوَّجْناَكَ فَحَمِدْناَكَ، وَلَوْ كاَنَ لَناَ ثاَلِثَةٌ لَزَوَّجْناَكَ))([192]) قد كان زوّجه بابنتيه: رقية وأم كلثوم عليهما السلام أختي فاطمة الزهراء عليهن الصلاة والسلام. قيل: ولهذا سمي ذو النورين.
وضمن له رسول الله ﷺ الجنة ثلاث مرات، إحداها لما اشترى بئر رومة ووقفها على المسلمين، وكانت البئر ليهودي يبيع الدلو بدرهم، فقال رسول الله ﷺ: ((من يَشْتَرِي بِئْرَ رُومَةَ وَأنَا أضْمَنُ لَهُ الْجنَّةَ))([193]) فقال عثمان t: أنا يا رسول الله، فاشتراها ووقفها على المسلمين، وضمن له الجنة حين عسر على النبي فـي عطية الجيش، فقال: ((مَنْ جَهَّزَ جَيْشَ الْعُسْرَةِ فَأنَا أضْمَنُ لَهُ عَلَى اللهِ الْجنَّةَ؟))([194]) فقال عثمان: أنا يا رسول الله، فأخرج تسعمائة وثلاثة وتسعين ناقة، وأضاف سبعة أفراس تمام ألف، وجهز جيش العسرة، وضمن له أيضاً الرسول ﷺ بالرفقة التي كانت في المسجد لامرأة يهودية، فقال رسول الله ﷺ: ((من يَشْتَرِي هَذِهِ الرِفْقَةَ وَأنَا أضْمَنُ لَهُ عَلَى اللهِ الجَنَّةَ))([195]) فقال عثمان : أنا يا رسول الله، فاشتراها بعشرين ألفاً وأدخلها في المسجد.
وقال رسول ﷺ: ((لِكُلِّ نَبِيّ رَفِيقٌ في الْجَنَّةِ، وَرَفِيقِي في الجَنَّةِ عُثمَانُ))([196]).
وقال رسول الله ﷺ: ((يَدْخُلُ الجَنّةَ سَبْعُونَ ألْفَاً بِغَيْرِ حِسَابٍ بِشَفَاعَةَ عُثمَان)).
وكان النبي ﷺ جعل لعثمان يوم بدر سهمين من الغنيمة، لأنه خلفه في المدينة([197]).
ورمى له في وجه العدو سهماً، وقال: ((هَذاَ لأَجْلِ عُثْماَنَ بْنِ عَفاَّنَ)) t ([198]).
وقال رسول الله ﷺ في حق عثمان حيث جهز جيش العسرة واشترى بئر رومة وزاد في المسجد الجنة.
وقال أبـو سـعـيد الخدري: رأيت رسول الله ﷺ رافعاً يديه يدعو لعثمان ويقول: ((ياَ رَبِّ عُثْماَنُ بْنُ عَفاَّنَ رَضيِتُ عَنْهُ فَارْضَِ عَنْهُ)) فما زال رافعاً يديه حتى طلع الفجر([199]).
وقيل: إن النبي ﷺ ذكر الفتنة فقربها حتى ذكر كأنها صياصي بقر ثم حذرها الناس إذ اجتاز رجل مقنع، فقال: ((هَذاَ يَوْمَئِذٍ عَلىَ الهُدىَ أَوْ عَلىَ الحَقِّ)) فقام في أثره كعب بن عجرة فأخذ بمنكبيه، فكشف عن قناعه، وأقبل بوجهه على رسول الله ﷺ فقال: هذا؟ قال: ((نَعَمْ)) فإذا هو عثمان([200]).
وقال عثمان t وهو محصور وقد توعدوه بالقتل: أما إني سمعت رسول الله يقول: ((لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرىِءٍ مُسْلِمٍ إِلاَّ بِإِحْدىَ ثَلاَثٍ: رَجُلٍ كَفَرَ بَعْدَ إِيماَنٍ، أَوْ زَنىَ بَعْدَ إِحْصاَنٍ، أَوْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ حَقٍّ)) والله ما زنيت في جاهلية ولا إسلام، ولا تمنيت بديني بعد أن هداني الله به، ولا قتلت نفساً فعلى ماذا تقتلوني؟([201]) .
وقيل: إن رسول الله ﷺ لما أراد المسير إلى مكة شرفها الله تعالى أحضر عمر u ليبعثه إلى قريش، فقال: يا رسول الله، إني أخاف على نفسي من قريش، ليس بمكة من بني عدي بن كعب أحد يمنعني منهم، وقد عرفت قريش عداوتي إياها وغلظي عليهم، ولكني أدلك على رجل هو أعز مني بها، عثمان بن عفان t، فدعا رسول الله ﷺ عثمان t فبعثه إلى (أبي) سفيان بن حرب وأشراف قريش يخبرهم أنه لم يأتِهم لحرب وإنما جاء زائراً لهذا البيت معظماً لحرمته، فخرج عثمان إلى مكة، فلقيه إبان بن سعيد بن العاص حين دخل مكة وأجاره حتى بلّغ رسالة رسول الله ﷺ، فقال عظماء لؤي لعثمان حين فرغ من أداء الرسالة: إن شئت أن تطوف بالبيت فطف به، فقال: ما كنت لأفعل ذلك حتى يطوف به رسول الله ﷺ، فاحتبسه قريش عندها، فبلغ ذلك رسول الله ﷺ والمسلمين أن عثمان قد قتله المشركون، فقال رسول الله ﷺ: ((لاَ لاَ يَبْرَحُ فيِ حاَجَةِ الْقَوْمِ))([202]) ودعا الناس إلى بيعة الرضوان تحت الشجرة، وعثمان بمكة شرفها الله تعالى، قيل: إنه بايعهم على الموت، وقيل على أن لا يفروا، ومد النبي ﷺ يده عوضاً عن عثمان، وكانت يد رسول الله ﷺ خيراً من أيديهم، وكانوا يومئذ ألفين وخمسمائة وخمس وعشرين رجلاً، فقال الله تعالى في حقهم: ] لَّقَدۡ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ إِذۡ يُبَايِعُونَكَ تَحۡتَ ٱلشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمۡ فَأَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ عَلَيۡهِمۡ وَأَثَٰبَهُمۡ فَتۡحٗا قَرِيبٗا ١٨ [ [الفتح 18] . وقال رسول الله ﷺ في حقهم: ((لا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ مِمَّنْ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ))([203]) .
وقال: إنما تغيب عثمان عن بدر لأنه كان معه بنت رسول الله ﷺ وكانت مريضة، فقال له رسول الله ﷺ: ((لَكَ أَجْرُ رَجُلٍ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْراً أَوْ سَهْمُهُ))([204]).
وقال عثمان بن عفان t حين حوصر وقد أشرف على القوم: أنشدكم الله تعالى ولا أنشد إلا أصحاب رسول الله ﷺ ألستم تعلمون أن رسول الله ﷺ قال: ((مَنْ حَفَرَ بِئْرَ روُمَةَ فَلَهُ الجَنَّةُ))([205]) فحفرتها، ألستم تعلمون أن رسول الله ﷺ قال: ((مَنْ جَهَّزَ جَيْشَ الْعُسْرَةِ فَلَهُ الجَنَّةُ))([206]) فجهزتهم، قال: فصدقوه بما قال.
روي عن النبي ﷺ أنه قال: ((أُوحِيَ إِلَيَّ أَنْ زَوِّجْ كَريِمَتَكَ عُثْماَنَ))([207]).
وروي أنه مرض ﷺ فأنفذ إلى عثمان: ((إِنَّ اللهَ سَيُقَمِّصُكَ قَميِصاً فَلاَ تَخْلَعْهُ، فَإِنَّكَ إِنْ خَلَعْتَهُ لَمْ تَرَ راَئِحَةَ الْجَنَّةِ)) روته عائشة رضي الله عنها وعن أبيها([208]).
وروي أن النبي قدم عليه وفد فأنفذوا بأحدهم إلى رسول الله ﷺ فسأله، فقال: يا رسول الله، إنه إن قضى الله عليك بالموت إلى من ندفع زكاة أموالنا بعدك؟ فقال: ((إِلىَ أَبيِ بَكْرٍ)) فقالوا: فإن قضى الله تعالى على أبي بكر t فإلى من ندفع صدقاتنا؟ قال: ((إِلىَ عُمَرَ)) t، فقالوا: مثل ذلك في حق عمر، فقال: ((إِلىَ عُثْماَنَ)) قال له: فإن مات عثمان؟ فقال: ((إِذاَ كاَنَ ذَلِكَ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَموُتَ فَمُتْ))([209]).
وهذا القول من النبي ﷺ رمز في حقهم قريب من الصريح، وأما قوله ﷺ: ((فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَموُتَ فَمُتْ)) فهو إشارة إلى الفتن التي وقعت بعد قتل عثمان، يعني: فمت ولا تراها، وأي زمن أعظم منها، إلاَّ أنها من معجزات النبي ﷺ ودليل على صحة رسالته وصدق نبوته ﷺ، حيث أخبر بها وبوقوعها في أخبار يروونها مشهورة، ثم وقعت كذلك بعد وفاته، وكذلك ما أخبر من خروج الترك من قبل المشرق.. إلى غير ذلك من أشراط الساعة، إلى أن قد ظهر لنا بعضها كذلك مما يقوي إيمان المؤمن بالله ورسوله وما أخبر به.
وروى أبو هريرة t قال: دخلت على رقية بنت رسول الله ﷺ زوجة عثمان t فقالت: خرج النبي ﷺ من عندي آنفاً رجلت رأسه، فقال لي: ((كَيْفَ تَجِديِنَ أَباَ عَبْدِ اللهِ؟)) فقلت: كخير الرجال، فقال: ((أَكْرِميِهَ، فَإِنَّهُ مِنْ خَيْرِأَشْبَهِ أَصْحاَبيِ بيِ خُلُقاً))([210]).
وروى ابن عباس t أن النبي ﷺ مر على عثمان وهو جالس عند قبر أم كلثوم يبكي، قال ومع النبي ﷺ صاحباه أبو بكر وعمر عليهما السلام، فقال رسول الله ﷺ: ((لاَ تَبْكِِ، فَوَ الَّذيِ نَفْسيِ بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ عِنْديِ ماَئَةُ بِنْتٍ تَموُتُ واَحِدَةٌ بَعْدَ واَحِدَةٍ زَوَّجْتُكَ الأُخْرىَ حَتىَّ لاَ تَبْقىَ مِنَ الْماَئَةِ واَحِدَةٌ، هَذاَ جِبْريِلُ أَخْبَرَنيِ أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ (أَمَرَنيِ) أَنْ أُزَوِّجَكَ أُخْتَهاَ رُقَيِّةَ، وَاجْعَلْ صِداَقَهاَ مِثْلَ صِداَقِ أُخْتِهاَ))([211]).
وروى عبد الرحمن بن سمرة قال: أنفذ عثمان بن عفان t إلى النبي ﷺ لما جهز جيش العسرة ألف دينار فصبها في حجره، فجعل النبي ﷺ يقلبها ويقول: ((ماَ ضَرَّ عُثْماَنَ ماَ فَعَلَ بَعْدَ الْيَوْمِ)) رددها مراراً([212]).
عن أنس قال: كان رسول الله ﷺ في منزل عائشة رضي الله عنها وعن أبيها، فقال له: ((ياَ أَنَسُ)) فقلت: لبيك يا رسول الله، قال: ((مُرَّ إِلىَ عُثْماَنَ وَأَقْرِئْهُ عَنيِّ السَّلاَمَ وَقُلْ لَهُ: وَجِّهْ إِلَيَّ عَشَرَةَ دَراَهِمَ)) فصرت إلى عثمان، فخرج إلي حافياً حاسراً، فقلت له: قد خلفت رسول الله ﷺ في بيت عائشة وهو يقرأ عليك السلام، ويقول لك: ((وَجِّهْ إِلَيَّ عَشَرَةَ دَراَهِمَ)) فدخل واحتبس ثم خرج وقال: يا أنس أنا معك، وفرّغ في حجره ألف دينار، وقال: يا أنس لا تحركه حتى توافي رسول الله ﷺ، فمضيت بين يديه إلى منزل عائشة رضي الله عنها وعن أبيها، فأمرتنا بالدخول فدخلنا، فقال عثمان: أعذرني يا رسول الله وهذا هدية مني إليك، فرفع رسول الله ﷺ يده ورفعت عائشة يدها، فدعا رسول الله ﷺ، وأمّن جبريل u، وأمّنت عائشة رضي الله عنها وعن أبيها، والملائكة، وأمّنت أنا على دعائه لعثمان t، وأتى جبريل u إلى النبي ﷺ، فقال: ((إِنَّ اللهَ تَعاَلىَ قَدْ غَفَرَ لِعُثْماَنَ ذُنوُبَ اللَّيْلِ وَذُنوُبَ النَّهاَرِ، وَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذاَ كاَنَ يَوْمَ الْقِياَمَةِ أَقْعَدَهُ عَلىَ كُرْسِّيٍّ مِنْ نوُرٍ، وَأَمَر كُلَّ مَنْ يُحِبُّ عُثْماَنَ أَنْ يَصيِرَ إِلَيْهِ فَيَسْتَوْهِبَ اللهَ تَعاَلىَ ذُنوُبَهُمْ مِنَ الْمَخْلوُقيِنَ، وَيَهَبَ هُوَ عَزَّ وَجَلَّ الذُّنوُبَ الَّتيِ لِعُثْماَنَ وَيَأْمُرَ بِهِمْ إِلىَ الْجَنَّةِ))([213]).
وروى عقبة بن عامر و أبي مسعود قال: لقد كنت مع رسول الله ونحن في غزاة، وقد أصاب المسلمين جهد شديد حتى عرفت الكآبة في وجه المسلمين والفرح في وجوه المنافقين، فلما رأى ذلك رسول الله قال: ((وَاللهِ لاَ تَغيِبُ الشَّمْسُ حَتىَّ يَأْتيِكُمُ اللهُ بِرِزْقٍ)) فعلم عثمان أن الله ورسوله يصدقان، قال فوجه راحلته فإذا بأربع عشرة راحلة، فاشتراها وما عليها من طعام، فوجه منها سبعاً إلى النبي ﷺ، ووجه سبعاً إلى أهله، فلما رأى المسلمون العير قد جاءت عرف الفرح في وجوههم والكآبة في وجوه المنافقين، فقال رسول الله ﷺ: ((ماَ هَذاَ ؟)) قالوا: أرسله عثمان هدية لك، فرأيته رافعاً يديه يدعو لعثمان بدعاء ما سمعته يدعو به لأحد من قبله ولا بعده: ((اللَّهُمَّ أَعْطِ عُثْماَنَ، وَافْعَلْ بِعُثْماَنَ)) رافعاً يديه حتى رأيت بياض إبطيه([214]).
وقال رسول الله ﷺ في حق عثمان وزوجته رقية بنت رسول الله ﷺ وقد كانا هاجرا الهجرتين إلى الحبشة والمدينة: ((إِنَّهُماَ لأَوَّلُ مَنْ هاَجَرَ بَعْدَ إِبْراَهيِمَ وَلوُطٍ عَلَيْهِماَ السَّلاَمُ))([215]).
وقال رسول الله ﷺ: ((يَشْفَعُ عُثمَانُ بن عَفَّانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فيِ مِثْلِ رَبِيعَةَ وَمُضَرَ))([216]).
وقال رسول الله ﷺ في حديث طويل يصف أصحابه عليهم السلام واحداً بعد واحد: ((وَأَشَدُّ هَذِهِ الأُمَّةِ حَيَاءً عُثْمَانُ))([217]).
وروي عن جابر قال: توفي رجل من الأنصار، فأتينا رسول الله ﷺ فأخبرناه بجنازته، فلم يصلِ عليه، فدفناه ثم رجعنا فقلنا: قد دفناه رحمه الله، فلم يترحم عليه، فقلنا: يا سول الله، أخبرناك بجنازته فلم تصلِ عليه، وترحمنا عليه فلم تترحم عليه، فقال: ((إِنَّهُ كاَنَ يَبْغَضُ عُثْمَانَ فَأَبْغَضَهُ الله))([218]).
وروى عبد خير قال: وضأت علياً u برحبة الكوفة، فقال: يا عبد خير سلني، قلت: عما أسألك يا أمير المؤمنين؟ فتبسم ثم قال: وضأت رسول الله ﷺ كما وضأتني، فقلت: من أول من يدعى إلى الحساب يوم القيامة؟ قال: ((أَناَ أَقِفُ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ ماَ شاَءَ اللهُ، ثُمَّ أَخْرُجُ وَقَدْ غَفَرَ اللهُ ليِ)) قلت: ثم من؟ قال: ((أَبوُ بَكْرٍ، يَقِفُ كَماَ وَقَفْتُ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ يَخْرُجُ وَقَدْ غَفَرَ اللهُ لَهُ)) قلت: ثم من؟ قال: ((عُمَرُ، يَقِفُ كَماَ وَقَفَ أَبوُ بَكْرٍ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ يَخْرُجُ وَقَدْ غَفَرَ اللهُ لَهُ)) قلت: ثم من؟ قال: ((أَنْتَ ياَ عَلِيُّ)) قلت: وأين عثمان يا رسول الله؟ قال: ((عُثْماَنُ ذوُ حَياَءٍ، سَأَلْتُ رَبيِّ أَنْ لاَ يوُقِفَهُ لِلْحِساَبِ فَشَفَّعَنيِ)) ([219]).
ذكر
فضائل عثمان على لسان الصحابة
رضي الله عنهم أجمعين
روي عن النزال بن سبرة قال: وافقنا من علي u ذات يوم طيب نفس ومزاحاً، فقلنا: يا أمير المؤمنين حدثنا عن عثمان بن عفان t، قال: ذاك امرؤ يدعى في الملأ الأعلى ذو النورين، كان ختن رسول الله ﷺ على ابنتيه، ضمن له رسول الله ﷺ بيتاً في الجنة([220]).
وروي عن محمد بن سيرين قال: لما أطافوا بعثمان t بعد دخولهم الدار ليقتلوه، قالت امرأته: إن تقتلوه أو تدعوه فقد كان والله يحيي الليلة بركعة يقرأ فيها القرآن([221]).
وقال عثمان t: رأيت رسول الله ﷺ في المنام فقال لي: افطر عندنا، فأصبح عثمان t صائماً، ثم إنه قتل في بقية النهار رحمة الله عليه. فعاش حميداً، ومات سعيداً شهيداً([222]).
وكانت قتلته أول فتنة وقعت في الإسلام، وبطريقها تداعت الفتن، واتصلت بين طوائف المسلمين الضغائن والإحن.
وقيل: إنه لما قتل عثمان t انتهب قاتلوه متاعه من بيته، فقالت زوجته نائلة: لصوص ورب الكعبة! والله ما أردتم الله تعالى في قتله، ولقد قتلتموه صواماً قواماً يقرأ القرآن في ركعة([223]).
وكان أمير المؤمنين علي u يقول بعد قتل عثمان t: اللهم إني بريء إليك من قتل عثمان. يقولها مراراً([224]). وقيل: إنه دخل علي u على نسائه وهن يبكين ويمسحن دموعهن، فقال: ما يبكيكن؟ فقلن: نبكي على عثمان، فقال: ابكين، ثم بكى هو أيضاً معهن([225]).
وقيل: إن عثمان مد يده عند قتله وقال: والله لهي أول يد خطت المفصل([226]).
وقال علي u حين خرق عثمان المصحف إلا المصحف الذي وقع الاتفاق عليه: لو لم يصنعه عثمان لصنعته أنا. عنى به تخريق المصاحف لئلا يقع الاشتباه والخوض في المصاحف([227]).
وهذه اللقطة مما يحرفها أصحاب الأهواء والأغراض على عثمان، يقولون: حرّق المصاحف بالحاء وإنما هي بالخاء المعجمة.
وكان عبد الرحمن بن مهدي يقول: فضيلتان لعثمان ليستا لأبي بكر وعمر مثلهما: صبره على نفسه حتى قتل مظلوماً، وجمعه الناس على المصحف الكريم([228]).
عن عثمان بن موهوب قال: جاء رجل حاج إلى البيت، فرأى قوماً جلوساً فقال: ما هؤلاء القعود؟ قالوا: هؤلاء قريش، قال: من الشيخ؟ قالوا له: ابن عمر، فأتاه فقال: إني سائلك عن شيء أفتحدثني؟ قال: نعم، قال: أنشدك بحرمة هذا البيت أتعلم أن عثمان بن عفان يوم أحد فرّ؟ قال: نعم، قال: أنشدك بحرمة هذا البيت أتعلم أن عثمان تغيب عن بدر فلم يشهدها؟ قال: نعم، قال: فتعلم أنه تخلف عن بيعة الرضوان فلم يشهدها؟ قال: نعم، قال: فكبّر الرجل، فقال ابن عمر: تعالَ أخبرك وأبين لك عما سألتني عنه، أما فراره يوم أحد فأشهد أن الله تعالى عفا عنه، وأما تغييبه عن بدر فإنه كان عند بنت رسول الله وكانت مريضة، فقال له النبي ﷺ: ((إِنَّ لَكَ أَجْرُ رَجُلٍ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْراً وَ سَهْمَهُ)) وأما تغييبه عن بيعة الرضوان فإنه لو كان أحد أعز ببطن مكة من عثمان بن عفان بعثه مكانه، فبعث عثمان، وكانت بيعة الرضوان بعدما ذهب عثمان إلى مكة، فقال النبي ﷺ بيده اليمنى: ((هَذِهِ يَدُ عُثْماَنَ)) فضرب بها على يده اليسرى، فقال: ((هَذِهِ لِعُثْماَنَ)) اذهب بها الآن معك. يعني: اذهب بهذا العلم الذي ما كنت تعرفه ولا وصل إليك، فاصحبه معك، توبيخاً له ذلك([229]).
وقال [أبو] حاتم السجستاني: ما كتب عثمان t المصحف الكريم حتى جمع القرآن المجيد، كتب سبعة مصاحف، فبعث مصحفاً كريماً إلى مكة شرفها الله تعالى، وبعث مصحفاً آخر إلى الكوفة، ومصحفاً إلى البصرة، ومصحفاً إلى الشام، ومصحفاً إلى اليمن، ومصحفاً إلى البحرين، وحبس عنده في المدينة مصحفاً. وحسبه بذلك شرفاً راسياً راسخاً، ومجداً عالياً شامخاً لجمعه القرآن المجيد دون القريب من الصحابة والبعيد([230]).
ذكر
شيء من خطبه وكلامه
قيل: إن عثمان t خطب الناس فقال: أيها الناس عهدكم بنبيكم ﷺ منذ ثلاث عشرة سنة وأنتم تمارون في القرآن وتقولون: قراءة أبي وقراءة عبد الله، ويقول الرجل: والله ما يقيم بقراءتك، واعزم على كل رجل منكم ما كان معه من كتاب الله تعالى شيء لما جاء به. فكان الرجل يجيء بالورقة والأديم فيه القرآن، حتى جمع من ذلك كثرة، ثم دخل عثمان فدعاهم رجلاً رجلاً فناشدهم الله تعالى أسمعت رسول الله ﷺ وهو أملاه عليكم، فيقول: نعم، فلما فرغ من ذلك عثمان قال: من أكتب الناس؟ قالوا: كاتب رسول الله ﷺ زيد بن ثابت، قال: فأي الناس أعرب؟ قالوا: سعيد بن العاص، قال عثمان: فليملِ سعيد بن العاص وليكتب زيد. فكتب المصاحف ففرقها عثمان في الناس. فسمعت بعض أصحاب رسول الله ﷺ يقول: لقد أحسن([231]).
وقيل: إن عثمان t كتب إلى علي u وهو محصور: أما بعد، فقد بلغ السيل الزبا، وبلغ الحزام الطبين، وطمع فيّ من لا يدفع عن نفسه، وبلغ الأمر في فوق قدره.
فإن كنت مأكولاً فكن أنت آكلي | ||||
وإلا فأدركني ولما أمزق([232]) | ||||
وقيل: لما بايع أهل الشورى عثمان t خرج وهو أشدهم كآبة، فأتى منبر النبي ﷺ فخطب، فحمد الله تعالى وأثنى عليه وصلى على النبي ﷺ وقال: إنكم في دار قلعة وفي بقية أعمار، فبادروا آجالكم بخير ما تقدرون عليه، فلقد أتيتم صبحتم أو أمسيتم، ألا وإن الدنيا طويت على الغرور فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور، واعتبروا بمن مضى، ثم سددوا ولا تغفلوا، فإنه لا يغفل عنكم، أين أبناء الدنيا وإخوانها الذين آثاروها وعمروها ومتعوا بها طويلاً؟ ألم تلفظهم؟ ارموا بالدنيا حيث رمى الله بها، واطلبوا الآخرة، فإن الله قد ضرب مثلها والذي هو خير فقال: ] وَٱضۡرِبۡ لَهُم مَّثَلَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا كَمَآءٍ أَنزَلۡنَٰهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ [ [الكهف 45] قال: وأقبل الناس يبايعونه([233]).
وكتب إلى عماله: أما بعد، فإن الله تعالى أمر الأئمة أن يكونوا رعاة ولم يتقدم إليهم أن يكونوا جباة، وإن صدر هذه الأمة خلقوا رعاة ولم يخلقوا جباة، وليوشكن أئمتكم أن يكونوا جباة ولا يكونوا رعاة، وإذا عادوا لذلك انقطع الحياة والأمانة والوفاء، ألا وإن أعدل السيرة أن تنظروا في أمور المسلمين وفيما عليهم فتعطونهم بما لهم، وتأخذونهم بما عليهم، ثم العدو الذي تنتابون، فاستفتحوا عليهم الوفا([234]).
وكتب إلى أمراء الجنود: أما بعد، فإنكم حماة المسلمين وذادتهم، وقد وضع لكم عمر t ما لم يغب عنا، بل كان عن ملأ منا، فلا يبلغني عن أحد منكم تغيير ولا تبديل، فيغير الله ما بكم، ويستبدل بكم غيركم، فانظروا كيف تكونون فإني أنظر فيما ألزمني الله عز وجل النظر فيه، والقيام على أمر الله([235]).
وكتب إلى أمراء الخراج: أما بعد، فإن الله تعالى خلق الخلق بالحق، ولا يقول إلا الحق، خذوا الحق، وأعطوا به، والأمانة الأمانة قوموا عليها، ولا تكونوا أول من يسلبها فتكونوا شركاء من بعدكم إلى ما اكتسبتم، والوفاء الوفاء لا تظلموا اليتيم ولا المعاهد، فإن الله ورسوله خصم لمن ظلمهم([236]).
عن محمد بن طلحة قال: قام عثمان بن عفان t بالمدينة، فقال: إن الناس يبلغني عنهم هناة (وهناة)، وإني والله لا أكون أول من فتح بابها، ولا أدار رحاها، ألا وإني زامٌّ نفسي بزمام وملجمها بلجام، فأقودها بزمامها وأكبعها بلجامها، ومنازلكم طرف الحبل، فمن ابتغى حملته على الأمر الذي يعرف، ومن لم ينبغي ففي الله خلف منه وعزاء عنه، ألا وإن لكل نفس يوم القيامة سائقاً وشهيداً، سائقاً يسوقها إلى أمر الله تعالى، وشاهداً يشهد عليه، فمن كان يريد الله تعالى بشيء فليبشر، ومن كان إنما يريد الدنيا فقد خسر([237]).
ذكر
الفتوح في خلافة عثمان t
الأسكندرية، نيسابور، فارس، اصطخر ثانية، اصطخر ثالثة، خراسان، طبرستان، ملطية، أفريقية من بلاد العرب.
مناقب
أمير المؤمنين أبي الحسن علي بن أبي طالب
ابن هاشم، هو ابن عم رسول الله ﷺ حقاً، وزوج ابنته فاطمة الزهراء، وأبو السبطين الحسن والحسين عليهما السلام، قتله عبد الرحمن بن ملجم الملعون وهو ابن ثلاث وستين عمر النبي ﷺ وعمر صاحبيه عليهما السلام، ودفن بالمشهد الذي يزار الآن من النجف، وقيل: بجامع الكوفة قريباً من المنبر.
وكان قتله u يوم الجمعة لسبع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة الشريفة.
مدة خلافته أربع سنين وثمانية أشهر وتسعة عشر يوماً، والله تعالى أعلم بالصواب.
ذكر
ما نزل فيه من القرآن الجيد
قال المفسرون: جاء إلى رسول الله ﷺ وفد نجران، وهم قوم من النصارى، وقيل: راهبا نجران، فقال لهما رسول الله ﷺ: ((أَسْلِماَ تَسْلِماَ)) فقالا له: قد أسلمنا قبلك، فقال: ((كَذَبْتُماَ! يَمْنَعُكُماَ مِنَ الإِسْلاَمِ ثَلاَثٌ: سُجوُدُكُماَ لِلصَّليِبِ، وَقَوْلُكُماَ اتَّخَذّ اللهُ وَلَداً، وَشُرْبُكُماَ لِلْخَمْرِ)) فقالا: ما تقول فـي عيسى؟ فسكت النبي ﷺ، فنزل القرآن المجيد وذلك قوله تعالى: ] فَقُلۡ تَعَالَوۡاْ نَدۡعُ أَبۡنَآءَنَا وَأَبۡنَآءَكُمۡ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمۡ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمۡ ثُمَّ نَبۡتَهِلۡ فَنَجۡعَل لَّعۡنَتَ ٱللَّهِ عَلَى ٱلۡكَٰذِبِينَ ٦١ [ [آل عمران 61] فعدل النبي ﷺ وأخذ يد علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، ثم أرسل إلى الراهبين فأبيا أن يجيبا وأقرا له بالخراج، فقال النبي ﷺ: ((وَالَّذيِ بَعَثَنيِ بِالْحَقِّ لَوْ فَعَلاَ لَمُطِرَ الْواَديِ عَلَيْهِماَ ناَراً))([238]).
قال الشعبي: ] أَبۡنَآءَنَا [ الحسن والحسين، ] وَنِسَآءَنَا [ فاطمة، ] وَأَنفُسَنَا [ علي u([239]).
وقال المفسرون في قوله عز وجل: ] أَفَمَن كَانَ مُؤۡمِنٗا كَمَن كَانَ فَاسِقٗاۚ لَّا يَسۡتَوُۥنَ ١٨ [ [السجد 18] نزلت في علي u وفي الوليد بن عقبة، فالمؤمن علي u والفاسق الوليد بن عقبة، ثم وعد الله سبحانه وتعالى علياً بجنات المأوى، وذلك أن الوليد قال لعلي u: أنا أجد منك سناناً، وأبسط منك لساناً، وأملأ منك للكتيبة، فقال علي u: اسكت يا فاسق، فأنزل الله تعالى هذه الآية([240]).
وقال المفسرون في قوله عز وجل: ] إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذۡهِبَ عَنكُمُ ٱلرِّجۡسَ أَهۡلَ ٱلۡبَيۡتِ وَيُطَهِّرَكُمۡ تَطۡهِيرٗا ٣٣ [ [الأحزاب 33] إنها نزلت في النبي ﷺ وفي علي والحسن والحسين وفاطمة عليهم السلام. وقيل في أزواج النبي ﷺ([241]).
وقال المفسرون في قوله عز وجل: ] إِنَّمَا نُطۡعِمُكُمۡ لِوَجۡهِ ٱللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمۡ جَزَآءٗ وَلَا شُكُورًا ٩[ [الإنسان 8] إنها نزلت في علي وأهل بيته فاطمة وولديهما عليهما السلام، وذلك أن علياً كان أجّر نفسه نوبة شيئاً من شعير ليلة حتى أصبح، وقبض الشعير وطحن ثلثه، فجعلوا منه شيئاً ليأكلوه، يقال له الحريزة، فلما تم نضجها أتى مسكين فأخرجوا إليه الطعام، ثم عمل الثلث الآخر فلما تم إنضاجه أتى يتيم يسأل، فأطعموه، ثم عمل الثلث الباقي فلما تم إنضاجه جاءه أسير من المشركين يسأل، فأطعموه، وطووا، فأنزل الله تعالى هذه الآية فيهم وما بعدها من الآيات في سورة (هَلْ أَتىَ)([242]).
وقال بعض المفسرين في قوله عز وجل: ] ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُم بِٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ سِرّٗا وَعَلَانِيَةٗ [ [البقرة 274] إنها نزلت في علي كرم الله وجهه، وذلك أنه كان عنده أربعة دراهم فأنفق بالليل درهماً، وأنفق بالنهار درهماً، وفي السر درهماً، وفي العلانية درهماً، فقال رسول الله ﷺ: ((ماَ حَمَلَكَ عَلىَ هَذاَ؟)) فقال: حملني أن أستوجب على الله تعالى الذي وعدني، فقال له رسول الله ﷺ: ((الآنَ لَكَ ذَلِكَ))([243]).
ومما نزل فيه من القرآن المجيد قوله تعالى: ] إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُمۡ رَٰكِعُونَ ٥٥ [ [المائدة 55] ([244]).
ذكر فضائله
على لسان رسول الله ﷺ
قال علي كرم الله وجهه: بعثني رسول الله ﷺ إلى اليمن، فقلت يا رسول الله أتبعثني وأنا حدث السن لا علم لي بالقضاء؟ فقال لي: ((انْطَلِقْ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَيَهْدِي قَلْبَكَ وَيُثَبِّتُ لِسَانَكَ(( فما شككت في قضاء بين رجلين ([245]).
وقيل: إن علياً كرم الله وجهه كان غاضبَ فَاطِمَةَ عليها السلام بعد أن دخلت عليه، فخرجَ وهو مغتاظ، فَنام على التراب فَرآه النبي ﷺ فأيقظه وجعل يمسح التراب عن ظهره ويقول: ((يا أَبَا تُرَابٍ)) ولهذا السبب كناه النبي ﷺ أبا تراب، فكان يقول: هي أحب كنيتي إلي([246]).
ولما هاجر النبي ﷺ إلى المدينة أمر علياً u أن يقيم بعده بمكة حتى أداء ودائع كانت عند النبي ﷺ، فأقام ثلاثاً، ثم لحق به فنزل معه([247]).
وآخى النبي ﷺ بينه وبين نفسه([248]).
وكان صاحب اللواء يوم بدر([249]).
وثبت مع رسول الله ﷺ يوم أحد حتى انكشف عنه الناس([250]).
ولم يتخلف عن غزاة غزاها رسول الله ﷺ إلا في تبوك فإنه خلفه على أهله.
وقال: ((أما تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ من مُوسَى إلا أَنَّهُ ليس نَبِيٌّ بَعْدِي)) ([251]).
وقال رسول الله: ((لأعطينَّ الرايةَ غَداً رَجُلاً يُحبُّه الله ورَسولُه))فدعا علياً كرم الله وجهه فبعثه وقال: ((قَاتِلْ حَتَّى يَفْتَحَ الله عَلَيْكَ وَلا تَلْتَفِتْ)) قال: فمشى علي u ما شاء الله تعالى ولم يلتفت.
وقال: يا رسول الله علام أقاتل الناس؟ قال: ((قَاتِلْهُمْ حَتَّى يَشْهَدوا أنْ لا إلهَ إلا الله وأنَّ محمداً عبْدَه وَرسولَه، فَإذَا فَعَلُوا ذَلِكَ فَقَد مَنَعُوا مِنْكَ دِماءَهَم وَأمْوالهم إلا بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلى الله))([252]).
وقال علي كرم الله وجهه: تعهد إلي رسول الله ﷺ لا يُحِبَّنِي إلا مُؤْمِنٌ ولا يُبْغِضَنِي إلا مُنَافِقٌ([253]).
وقال رسول الله ﷺ: ((إِنْ وَلَّيْتُموُهاَ أَباَ بَكْرٍ فَزاَهِدٌ فيِ الدُّنْياَ راَغِبٌ فيِ الآخِرَةِ، وَفيِ جِسْمِهِ ضَعْفٌ، وَإِنْ وَلَّيْتُموُهاَ عُمَرِ فَقَوِيٌّ أَميِنٌ، لاَ يَخاَفُ فيِ اللهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ، وَإِنْ وَلَّيْتُموُهاَ عَلِياًّ فَهاَدٍ مُهْتَدٍ يُقيِمُكُمْ عَلىَ صِراَطٍ مُسْتَقيِمٍ))([254]).
في هذا الحديث دلالة بينة على عدم النص من النبي ﷺ بالخلافة في أحد من الجماعة، لأنه لو كان ثم نصاً لما قسّم النبي ﷺ فقال: إن وليتموها أبا بكر، وإن وليتموها عمر، وإن وليتموها علياً.. بل كان الأمر والحديث مع المنصوص عليه دون الباقي خلافاً لمن قال: إنه نصها في علي u وهم الرافضة، ففيه دليل آخر على الترتيب والفضل، لأن النبي ﷺ إنما كان يبدأ بالأهم فالأهم في الغالب، وأكثر الأحاديث التي وردت عنه ﷺ في وصف الصحابة عليهم السلام إنما وردت على الترتيب.
وقال عمرو بن ميمون كنا عند ابن عباس t إذ دخل عليه نفر عشرة فقالوا له: نخلو معك فخلا معهم ساعة ثم قام وهو يجر ثوبه، ويقول: أفٍ أفٍ! وقعوا في رجل قال له رسول الله ﷺ: ((مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَعَلِيٌّ مَوْلاَهُ)) وقال له: ((مَنْ كُنْتُ وَلِيَّهُ فَعَلِيٌّ وَلِيُّهُ)) وقال: ((أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ من مُوسَى إلاَّ أَنَّهُ لا نَبِيّ بَعْدِي)) وأعطاه الراية يوم خيبر وقال: ((لأَدْفَعَنَّ الرَّايَةَ إلى رَجُلٍ يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ ويُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ)) وسدت الأبواب إلاَّ باب علي كرم الله وجهه، ونام مكان رسول الله ﷺ يوم الغار، وكان يرى وهو متضور، وبعث بسورة براءة مع أبي بكر ثم سار علي فأخذها وقال: ((لاَ يُؤَديِّ عَنيِّ إِلا َّرَجُلٌ مِنْ أَهْليِ))([255]).
وقال أبو هريرة: نظرت إلى رسول الله ﷺ بغدير خم وهو قائم يخطب وعلي إلى جنبه، فأخذ بيده وأومأ فأقامه وقال: ((مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَهَذاَ عَلِيٌّ مَوْلاَهُ)) ([256]).
ورواه البراء بن عازب قال: لما أقبلنا مع رسول الله ﷺ في حجته وكنا بغدير خم نودي: الصلاة جامعة، وكشح للنبي ﷺ تحت شجرتين، فأخذ بيد علي u وقال: ((أيُها الناسُ أَلَسْتُ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ من أَنْفُسِهِمْ؟)) قالوا: بَلَى، قال: ((أولَيْسَ أزْوَاجِي أمَّهاتُهُمْ؟)) قالوا: بَلَى يا رسول الله، فقال: ((هَذاَ وَليُّ مَنْ أنَا مَوْلاَهُ، اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ واَلاَهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ))([257]).
وقال علي u: كانت لرسول الله ﷺ من الليل ساعة يقوم فيها، فقام فصلى ثم انصرف إلي، فقال: ((أَبْشِرْ ياَ عَلِيُّ فَإِنيِّ لَمْ أَسْأَلِ اللهَ شَيْئاً إِلاَّ سَأَلْتُ لَكَ مِثْلَهُ))([258]).
وقيل: إنه لما زوج النبي ﷺ فاطمة عليها السلام بعلي كرم الله وجهه رعدت، فقال لها رسول الله ﷺ: ((اسْكُنيِ فَقَدْ زَوَّجْتُكِ سَيِّداً فيِ الدُّنْياَ وَإِنَّهُ فيِ الآخِرَةِ لَمِنَ الصاَّلِحيِنَ))([259]).
وقال أنس: كنت مع النبي ﷺ في حائط، يعني: بستان، وبين يديه طائر، فقال: ((ياَ رَبِّ، ائْتِنيِ بِأَحَبِّ الْخَلْقِ إِلَيَّ يَأْكُلُ مِنْهُ)) فجاء علي كم الله وجهه فأكل منه([260]).
وقال زيد بن أرقم: آخى رسول الله ﷺ بين أصحابه، فقال علي كرم الله وجهه: يا رسول الله آخيت بين أصحابك وتركتني، فقال: ((أَنْتَ أَخيِ، أَماَ تَرْضىَ أَنْ تُدْعىَ إِذاَ دُعيِتُ، وَ تُكْسىَ إِذاَ كُسيِتُ، وَتَدْخُلُ الجَنَّةَ إِذاَ دَخَلْتُ؟)) فقال: بلى يا رسول الله([261]).
وكان علي كرم الله وجهه يقول: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لقد أخبرني رسول الله ﷺ أنه لا يُحِبَّنِي مُنَافِقٌ ولا يُبْغِضَنِي مُؤْمِنٌ([262]).
عن زيد قال: بعث رسول الله ﷺ أبا بكر u ببراءة، ثم أتبعه علياً، فلما قدم أبو بكر u قال: يا رسول الله، أنزل في شيء؟ قال: ((لاَ، وَلَكِنيِّ أُمِرْتُ أَنْ أُبَلِّغَهاَ أَناَ أَوْ رَجُلٌ مِنْ أَهْليِ))([263]).
وقال زيد بن أرقم: قال رسول الله ﷺ: ((مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَتَمَسَّكَ بِالْقَضيِبِ الْياَقوُتِ الأَحْمَرِ الَّذيِ غَرَسَهُ اللهُ فيِ جَنَّةِ عَدْنٍ فَلْيِتِمَسَّكْ بِحُبِّ عَلِيِّ بْنِ أَبيِ طاَلِبٍ)) u([264]).
وروى سلمان عن النبي ﷺ قال لعلي كرم الله وجهه: ((حُبُّكَ حُبيِّ وَبُغْضُكَ بُغْضيِ)).
وروي: ((مُحِبُّكَ مُحِبِّي ومُبْغِضُكَ مُبْغِضِي)) ([265]).
وروى ابن مسعود قال: قال رسول الله ﷺ: ((ماَ بَعَثْتُ عَلِياًّ فيِ سَرِيَّةٍ إِلَّا رَأَيْتُ جِبْريِلَ عَنْ يَميِنِهِ وَميِكاَلَ عَنْ َيسَارِهِ، وَاللهُ سُبْحاَنَهُ وَتَعاَلىَ يُظِلُّهُ حَتىَّ يَرْزُقَهُ الظَّفَرَ))([266]).
وروى عبد الله بن أبي أوفى قال: خرج رسول الله ﷺ ذات يوم على أصحابه ذات يوم أجمع ما كانوا فقال: ((لَقَدْ أَراَنيِ اللهُ مَناَزِلَكُمْ فيِ الْجَنَّةِ، وَقَرَّبَ مَناَزِلَكُمْ مِنْ مَنْزِليِ)) ثم أخذ بيد علي u فقال: ((أَماَ تَرْضىَ أَنْ يَكوُنَ مَنْزِلُكَ فيِ الْجَنَّةِ مُقاَبِلَ مَنْزِليِ؟))([267]) .
وروى ابن عباس t قال: بينما رسول الله ﷺ في جماعة من أصحابه إذ أقبل علي فقال لما بصربه: ((مَنْ أَراَدَ أَنْ يَنْظُرَ إِلىَ آدَمَ َفيِ عِلْمِهِ، وَإِلىَ نوُحٍ فيِ حِكْمَتِهِ وَإِلىَ إِبْراَهيِمَ فيِ حِلْمِهِ فَلْيَنْظُرْ إِلىَ عَلَّيِّ بْنِ أَبيِ طاَلِبٍ))([268]).
((أَناَ مَديِنَةُ الْعِلْمِ وَعَلِيٌّ باَبُهاَ))([269]).
ذكر
شيء من فضائل علي بن أبي طالب
على لسان الصحابة وغيرهم عليهم السلام
قال عمر t: تحببوا إلى الأمراء، وتوددوا واتقوا على أعراضكم من السفلة، واعلموا أنه لا يتم شرف إلا بولاية علي بن أبي طالب([270]).
عن سالم بن أبي الجعد قال: قيل لعمر u: إنك لتصنع بعلي شيئاً لم تصنعه بأحد من أصحاب رسول الله ﷺ، قال: لأنه مولاي([271]).
فذلك قول النبي ﷺ: ((مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَعَلِيٌّ مَوْلاَهُ))([272]).
قد ذكر ابن عقيل في كتاب له يذكر فيه الإمامة بسنده إلى الأحنف قال: انطلقنا حجاجاً فمررنا بالمدينة فقلت لطلحة والزبير: أرى الناس قد نشبوا في قتل عثمان ولا أراهم إلا قاتليه، فمن ترون أحق بالأمر؟ فقال طلحة والزبير: علي بن أبي طالب أحق بالأمر، فانطلقنا حتى قدمنا مكة وأم المؤمنين عائشة في الحج، فأتانا قتل عثمان t فلقيتها فقلت: يا أم المؤمنين من ترين أحق لهذا الأمر بعده؟ قالت عائشة: قال: أتأمربي به وترضينه، قالت: نعم، وليت علياً وتابعته([273]).
وقال ابن عقيل: واعتقادي الوقوف فيما شجر بينه وبين أصحاب رسول الله ﷺ، وكذلك اعتقادي واعتقاد من تمسك بالكتاب والسنة، وكيف لا يكون كذلك وقد أثنى الله تعالى عليهم في كتابه العزيز في آيات كثيرة لقوله: ] وَٱلسَّٰبِقُونَ ٱلۡأَوَّلُونَ [ [التوبة 100] .
ولقوله: ] مُّحَمَّدٞ رَّسُولُ ٱللَّهِۚ وَٱلَّذِينَ مَعَهُۥٓ [ [الفتح 29] الآية .
ولقوله تعالى: ] لَّقَدۡ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ إِذۡ يُبَايِعُونَكَ تَحۡتَ ٱلشَّجَرَةِ [ [الفتح 18].
إلى غير ذلك من الآيات.
وقال النبي ﷺ: ((خَيْرُكُمْ الْقَرْنُ الَّذيِ أَناَ فيِهِمْ))([274]).
وقال: ((أَصْحاَبيِ كَالنُّجوُمِ بِأَيِّهِمُ اقْتَدَيْتُمْ اهْتَدَيْتُمْ))([275]).
وقال: ((إِيّاكُمْ وَماَ شَجَرَ بَيْنَ أَصْحَابِي))([276]) .
وقال: ((وَاللهِ إِنَّ طَلْحَةَ فيِ الْجَنَّةِ وِاللهِ إِنَّ الزُّبَيْرِ فيِ الْجَنَّةِ))([277]).
وصف ﷺ كل واحد من صحابته بوصف كريم، وخصه بخصيصة، فلا يجوز لأحد من المسلمين أن يطعن في دين أحد منهم، وقد حكم الله تعالى ورسوله ﷺ لهم بالجنة، وقال الله تعالى في حق عائشة رضي الله عنها وعن أبيها: ] وَٱلطَّيِّبَٰتُ لِلطَّيِّبِينَ وَٱلطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَٰتِۚ أُوْلَٰٓئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَۖ لَهُم مَّغۡفِرَةٞ وَرِزۡقٞ كَرِيمٞ ٢٦ [ [النور 26] وهي زوجة رسول الله ﷺ في الدنيا وفي الآخرة. وقال عمار: إني لأعلم أنها زوجته في الدنيا والآخرة([278]).
وقال رسول الله ﷺ: ((هِيَ أُمُّ الْمُؤْمِنيِنَ))([279]).
وقال رسول الله ﷺ: ((ياَ عَائِشَ هَذاَ جِبْرِيلُ يُقْرِئُكِ السَّلامَ))([280]).
وقال: ((فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى ساَئِرِ الطَّعَامِ))([281]).
وقال رسول الله ﷺ في حديث طويل: ((يا أُمَّ سَلَمَةَ لاَ تُؤْذِينِي فيِ عَائِشَةَ فَإِنَّهُ وَاللهِ ماَ أُنْزِلَ الْوَحْيُ عَلَيَّ وَأَناَ فيِ لِحَافِ امْرَأَةٍ مِنْكُنَّ غَيْرِهَا))([282]).
وقال: إن الذي جرى بينهم وبين أمير المؤمنين علي u هو من باب الاجتهاد، وهو كان المصيب وصاحب الحق، لإنه إمام عادل لا يخالف في صحة إمامته وصدق خلافته إلا مارق أو منافق، وكان قتاله لهم وهم غير شاكين في صحة خلافته ولا مرتابين به وبفضله واستحقاقه، ولا طاعنين في دينه، بل كان من باب الاجتهاد لأجل قتلة عثمان t، فحسن الظن بهم أولى وأسلم، والذي ثبت ونقل إنهم ندموا على قتاله واستغفروا وتابوا إلى الله تعالى، ولما رأى علي u القتلى منهم تغمم وصرخ: إخواننا بغوا علينا.
وقد قال فقهاء مذهب الإمام الشافعي t: يجوز قتال أهل البغي لأن علياً u قاتل أهل الجمل وصفين، وقد شهد القرآن المجيد بإيمان من بغي من أمة محمد ﷺ فقال: ] وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱقۡتَتَلُواْ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَهُمَاۖ فَإِنۢ بَغَتۡ إِحۡدَىٰهُمَا عَلَى ٱلۡأُخۡرَىٰ فَقَٰتِلُواْ ٱلَّتِي تَبۡغِي حَتَّىٰ تَفِيٓءَ إِلَىٰٓ أَمۡرِ ٱللَّهِۚ[ [الحجرات 9] ثم ختم ذلك بالشهادة لم بالإيمان، فقال: ] إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ إِخۡوَةٞ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَ أَخَوَيۡكُمۡۚ [ [الحجرات 10] .
ونقول: للإمامة شرائط وهي: الإسلام، والبلوغ، والعقل، والحرية، والنسب وهو أن يكون الإمام قرشياً، والسياسة، والشجاعة، والعلم، والسلامة من العيوب والعاهات، والعفاف، والعدالة، فكل هذه الأوصاف الكريمة اجتمعت لكل واحدٌ من الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي عليهم السلام، وقد تقدم من ذكر فضائلهم واستحقاقهم التقدم ما يغني عن الإعادة.
ثم نعتقد إما بالنص أو بالإجماع، فالنص لم يكن وإنما كان الإجماع والاجتهاد، فاجتمعت الأمة باجتهادها على خلافة أبي بكر t، ثم نص أبو بكر على عمر وبايعه المسلمون، وأجمعوا عليه، ثم جعلها عمر شورى في الستة، فأجمعوا على عثمان فبايعوه، فلما قتل عثمان اجتمعت الأمة من أهل العقد والحل على خلافة علي u لا يخالف في صحة خلافتهم إلا خارجي أو رافضي.
وأما أهل الكتاب والسنة فأجمعوا على ذلك بعقائد صالحة سليمة، وضمائر طاهرة مستقيمة، لا يشكون في صحة خلافتهم، ولا يرتابون في صدق إمامتهم، يحبونهم في الله، ويبغضون من أبغضهم في الله تعالى، قال الله تعالى في وصف أرباب القلوب السليمة والعقائد المستقيمة: ] وَٱلَّذِينَ جَآءُو مِنۢ بَعۡدِهِمۡ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱغۡفِرۡ لَنَا وَلِإِخۡوَٰنِنَا ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلۡإِيمَٰنِ وَلَا تَجۡعَلۡ فِي قُلُوبِنَا غِلّٗا لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٞ رَّحِيمٌ ١٠ [ [الحشر 10] قال الله تعالى ذلك في حقهم بعد أن وصف المهاجرين والأنصار، وقد تقدم ذكر ذلك في الأثر عن زين العابدين u.
فنرجع إلى ذكر فضائل علي u: قال عمر u: لا أبقاني الله تعالى لمعضلة ليس لها أبو الحسن، يعني علياً u([283]).
وقيل لعائشة رضي الله عنها وعن أبيها: إن علياً أمر بصوم يوم عاشوراء، فقالت: هو أعلم من بقى بالسنة([284]).
وقيل: إن علياً u دخل بيت المال فرأى به مالاً فقال: هذا ههنا والناس محتاجون، فأمر به فقسم بين الناس، وأمر بالبيت فلقد كنس البيت ونضح وصلى فيه.
وكان يقول: يا بيضاء ويا صفراء غِريِّ غَيْريِ.
وكان يقول: هذا جناي وخياره فيه، إذ كل جان يده إلى فيه([285]).
وقال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: الخلافة لم تزين علياً وإنما علي زينها.
ذكر
شيء من خطبه ومكاتباته إلى العمال
ومن كتابه شيء ومن شعره
كتب إلى النعمان بن عجلان أحد عماله: أما بعد: فإن من أدى الأمانة وحفظ حق الله تعالى في السر والعلانية، ونزّه نفسه ودينه عن الخيانة، كان جديراً بأن يرفع الله تعالى درجته في الصالحين، ويؤتيه أفضل أجر المحسنين، ومن لم ينزه دينه ونفسه عن ذلك أخل بنفسه في الدنيا وأوبقها في الآخرة، فحضر الله في سرك وجهرك ولا تكن من الغافلين عن معادك، فإنك من عشيرة ذات تقوى وعفة وأمانة، فكن عند صالح ظني بك، والسلام([286]).
وكتب إلى عمرو بن سلمة الأرحبي أحد عماله: أما بعد فإن دهاقين بلادك قد اشتكوا منك قسوة وغلظة واحتقاراً، فنظرت فلم أرهم أهلاً لأن يدنوا لشركهم، ولا أن يقصوا ويعفوا لعهدهم فألبس لهم جلباباً من اللين تشوبه بطرف من الشدة في غير ما أن يظلموا، ولا تنتقض لهم عهداً ولكن تفرغوا لخراجهم وتعامل من وراءهم، ولا يؤخذ منهم فوق طاقتهم، بذلك أمرتك، والله المستعان والسلام.
وكتب إلى قرظة بن كعب أحد عماله: أما بعد فإن قوماً من أهل عملك أتوني فذكروا أن لهم نهراً قد عفا ودرس، وأنهم حفروه واستخرجوه، عمرت بلادهم وقووا على خراجهم، وزاد في المسلمين قبلهم، وسألوني الكتاب إليك لتأخذهم بعملهم ولتجمعهم بحفره والإنفاق عليه، ولست أرى أن أجبر أحداً على عمل يكرهه، فادعهم إليك، فإن كان الأمر في النهر على ما وصفوا فمن أحب أن يعمل فمره بالعمل، والنهر لمن عمله دون من كرهه، ولئن تعمروا وتقووا أحب من أن تضعفوا، والسلام([287]).
وكتب إلى قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري عامله: إما بعد: فإن العالمين بالله تعالى وإن المتعلمين لغير الرياء والسمعة لفي أجر عظيم وفضل مبين، وقد سألني عبد الله بن نفيل الأخبتي الكتاب إليك بإمرة فأوصيك به خيراً فإني رأيته وادعاً متواضعاً، وألين حجابك، واعمد الحق، ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله، والسلام([288]).
ومن مكاتباته إلى معاوية بن أبي سفيان جواب كتاب كتبه إليه معاوية: من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان، أما بعد: فإن أخا خولان قدم عليّ كتاب منك تذكر فيه محمداً ﷺ وما أكرمه الله تعالى به من الهدى والوحي، والحمد لله الذي صدقه الوعد ومكن له في الأرض وأظهره على الدين كله، وقمع به أهل العداوة والشقاق من قومه الذين كذبوه وظاهروا عليه وعلى إخراج أصحابه، وقلبوا له الأمور حتى ظهر أمر الله وهم كارهون، فكان أشد الناس عليه الأدنى فالأدنى إلا قليلاً ممن عصم الله تعالى، وذكرت أن الله تبارك وتعالى اختار له من المؤمنين أعواناً أيده الله تعالى بهم، فكانوا في منازلهم عدة على قدر فضائلهم في الإسلام، فكان أفضلهم خليفة وخليفة وخليفة من بعده، ولعمري إن مكانهما من الإسلام لعظيم، وإن المصاب بهما لرزء جليل، وذكرت أن ابن عفان كان في الفضائل ثالثاً فإن يكن عثمان محسناً فسيلقى رباً شكوراً يضاعف له الحسنات ويجزي به، وإن يكن مسيئاً فسيلقى رباً غفوراً رحيماً([289]).
قد بيّن أمير المؤمنين كرم الله وجهه في هذه الرسالة فضل أبي بكر وعمر رضوان الله عليهما وجلالة قدرهما وشرفهما وعظم أمرهما، فهلا سلك الرافضة الذين يدعون محبة أمير المؤمنين ومحجته ووافقوا رأيه المصيب فيهما، واتبعوا سبيله وهديه في الثناء عليهما، لكنهم خالفوه مخالفة عناد، وفارقوا الجماعة مفارقة غي وفساد!
ولما بويع أمير المؤمنين علي u دعا قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري فولاه المغرب وكتب معه كتاباً ليقرأه على الناس فشخص إلى مصر ومعه أهل بيته حتى دخلها، فقرأ على أهلها كتاب أمير المؤمنين كرم الله وجهه ذكر فيه محمداً ﷺ وما خصه الله تعالى به من نبوته، وما أنزل عليه من كتابه وأكرم به المؤمنين من أتباعه، ثم ذكر أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، فوصف فضلهما وعدلهما وحسن سيرتهما وعملهما، فترحم عليهما، ثم قال: وولى بعدهما، قال: أحدث أحداثاً أوجد الناس لها عليه فعالاً، فلما نقموا غيروا، ثم جاءوني فبايعوني، واستهدي الله بالهدى وأستعينه على التقوى([290]).
ومن مكاتباته إلى معاوية في رسالة طويلة يحتج على معاوية يقول: إنه قد بايعني الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، فلم يكن للحاضر أن يرد ولا للغائب أن يختار. فاحتج أمير المؤمنين علي u على معاوية بصحة خلافته بأن قد بايعه الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، فلو لم يعتقد صلوات الله عليه صحة خلافتهم لما جعل ذلك دليلاً على صحة خلافته، وجعله احتجاجاً واضحاً لصدق أمانته([291]).
ومن كلامه u: إن للقلوب شهوة وإقبالاً وإدباراً، فائتوها من قبل شهواتها وإقبالها، فإن القلب إذا كره عمي.
وقال u على المنبر بالبصرة: ليحبني أقوام حتى يدخلهم حبي النار، وليبغضني أقوام حتى يدخلهم بغضي النار([292]).
وهذا كقول النبي ﷺ: ((يَهْلِكُ فيِكَ رَجُلاَنِ: مُحِبٌّ مُتَغاَلٍ، وَمُبْغِضٌ قاَلٍ))([293]).
فالمحب المتغال هم الرافضة الذين تفرقوا في حبه فرقاً كثيرة العدد، وكل منهم يكفر بعضهم بعضاً ويلعن بعضهم بعضاً، فمنهم: النصيرة جعلوه إلهاً، ومنهم طائفة جعلوه وذريته وهم الاثنا عشر أنهم أفضل من الأنبياء والملائكة، وأنهم يعلمون الغيب، ثم كفرو العالم إلا من انتمى إلى مذهبهم وقال بقولهم من الولاء والبراء، وأما المبغض القال فهم الخوارج ومن شاكلهم، فإنهم أبغضوه عناداً، ومنهم من كفروه وخرجوا عليه استحلالاً لذلك وطلباً لقتله، فهؤلاء أيضاً هلكى، وقد مرقوا من الدين، وبذلك وصفهم النبي ﷺ بقوله: ((يَمْرُقُونَ من الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ من الرَّمِيَّةِ))([294]).
وقال علي u: من أراد عزاً بلا عشيرة، وهيبة بلا سلطان، وغنى بلا مال، فليخرج من ذل المعصية إلى عز الطاعة([295]).
وكان يقول u: إن أخوف ما أخاف عليكم اثنتان: طول الأمل، واتباع الهوى، فإن طول الأمل ينسي الآخرة، وإن إتباع الهوى يضل عن الحق، ألا وإن الدنيا قد ولت مدبرة، وإن الآخرة قد أتت مقبلة، ولكل واحد منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة فإن اليوم عمل وغداً حساب([296]).
وكان يقول u: ابن آدم ما كسبت فوق قوتك فأنت فيه خازن لغيرك([297]).
وقال: قيمة كل امرئ ما يحسنه([298]).
ومن كلامه: ما من ملك ما وعظك([299]).
ومن شعره:
اغتنم ركعتين زلفى إلى الله | ||||
إذا كنت فارغاً مستريحا | ||||
فاغتنام السكوت أفضل من | ||||
نطق وإن كان المقال فصيحا([300]) | ||||
وله:
فلا تفشِ سرك إلا إليك | ||||
فإن لكل نصيح نصيحا | ||||
فإني رأيت غواة الرجال | ||||
لا يتركون أديماً صحيحا([301]) | ||||
وله:
الليل يعمل والنهار كلاهما | ||||
يا ذا التغافل فيك فاعمل فيهما | ||||
وهما جميعاً يفنيانك فاجتهد | ||||
بصنائع المعروف أن تفنيهما([302]) | ||||
وقال الأشعث بن قيس: دخلت على أمير المؤمنين علي u نصف النهار وهو قائم يصلي، فقلت: يا أمير المؤمنين أدءوب بالليل ودءوب بالنهار؟ فانفتل u وهو يقول:
اصبر على مضض الإدلاج والسحر | ||||
وللرواح على الحاجات والبكر | ||||
لا تضجرن ولا يعجزك مطلبها | ||||
فالنجح يتلف بين العجز والضجر | ||||
إني رأيت وفي الأيام تجربة | ||||
للصبر عاقبة محمودة الأثر | ||||
وقل من جد في أمر يحاوله | ||||
واستشعر الصبر إلا فاز بالظفر([303]) | ||||
وقال علي u لجابر بن عبد الله: يا جابر ما من عبد أنعم الله تعالى عليه بنعمة إلا كثرت حوائج الناس إليه، فمن قام فيها بما يحب الله فقد عرضها للدوام والبقاء، ومن قصر فيما يجب عليه فقد عرضها للزوال والفناء، ثم قال:
ما أحسن الدنيا وإقبالها | ||||
إذا أطاع الله من نالها | ||||
من لم يواسِ الناس من فضلها | ||||
عرض للإدبار إقبالها | ||||
فاحذر حلول الفقر يا جابرا | ||||
واعطِ من دنياك من سالها | ||||
فإن ذا العرش عظيم الجزا | ||||
يخلف بالجنة أمثالها([304]) | ||||
وقيل: إن علياً مر بمسجد بالكوفة فقال: من بنى هذا؟ فقالوا: فلان بن فلان، وكان عامله يتهمه بغلول، فكتب على الحصى في ناحية منه:
رأيتك تبني مسجداً من خيانة | ||||
فكنت بحمد الله غير موفق | ||||
كصاحبة الزمان لما زنت به | ||||
جرى مثلاً للخائن المتصدق | ||||
فقال لها أهل البصيرة والنهى | ||||
لك الويل لا تزني ولا تتصدق([305]) | ||||
وقال رجل لعلي كرم الله وجهه: اعطني فقد عيل صبري، فقال له: أوأنشدك؟ فقال له: كلامك خير لي، فأنشده u:
إن عضك الدهر فانتظر فرجا | ||||
فإنه نازل بمنتظره | ||||
أو مسك العسر أو بليت به | ||||
فاصبر على عسره وفي يسره | ||||
رب معاند على تهوره | ||||
وغافل لا ينام من حذره | ||||
وبائت في غشاء ليلته | ||||
دب إليه البلا في سحره | ||||
من مارس الدهر ذم صحبته | ||||
ومال من صفوه ومن كدره([306]) | ||||
ذكر
شيء من كلامه u في الحكم([307])
قوله:
- لو كشف العطاء ما ازددت يقيناً.
- الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا.
- الناس بزمانهم أشبه منهم بأيامهم.
- ما هلك امرؤ عرف قدره.
- المرء مخبوء تحت لسانه.
- قيمة كل امرئ ما يحسنه.
- من عرف نفسه عرف ربه.
- من عذب لسانه كثر إخوانه.
- بالبر يستعبد الحر.
- [الجزع] عند البلاء تمام المحنة.
- لا ظفر مع بغي، ولا تتابع مع كبر.
- لا بر مع شح، ولا صحة مع نهم.
- لا شرف مع سوء أدب، ولا اجتناب مع الحرص.
- لا راحة لحسد، ولا سؤدد مع انتقام.
- لا محبة مع مراء.
- لا زيادة مع زعار.
- لا صواب مع ترك المشورة.
- لا مروءة للكذوب.
- لا وفاء لملول.
- لا كرم أعز من التقى.
- لا شرف أعز من الإسلام.
- لا معقل أحرز من الورع.
- لا شفيع ألمح من التوبة.
- لا لباس أجمل من السلامة.
- لا داء أعيا من الجهل.
- لا مرض أضنا من قلة العقل.
- لسانك يقتضيك ما عودته.
- المرء عدو ما جهله.
- رحم الله امرءاً عرف قدره ولم يتعد طوره.
- إعادة الاعتذار تذكير بالذنب.
- النصح بين الملأ تقريع.
- إذا تم العقل نقص الكلام.
- الشفيع جناح الطالب.
- نفاق المرء ذلة.
- نعمة الجاهل كروضة على مزبلة.
- الجزع أتعب من الصبر.
- المتسول حر حتى يعبد.
- أكبر الأعداء أخفاهم بكيده.
- من طلب ما لا يعنيه فاته ما يغنيه.
- السامع للغيبة أحد المغتابين.
- الذل مع الطمع، الراحة مع اليأس، الحرمان مع الحرص.
- من كثر مزاحه لم يخل من حقد عليه أو استخفاف به.
- عبد الشهوة أذل من عبد الرق.
- الحاسد مغتاظ على من لا ذنب له.
- كفى بالظفر شفيعاً للمذنب.
- رب ساعٍ فيما يضره.
- لا تتكل على المنى فإنها بضاعة الزكا .
- اليأس حر والرجاء عبد.
- ظن العاقل كهانة .
- من نظر اعتبر.
- العداوة شغل القلب.
- روحوا القلوب فإن القلب إذا كره عمي.
- الأدب صورة العقل.
- لا حياء لحريص.
- من لانت أسافله صلبت أعاليه.
- من أتي في عجانه قل جاره وكد لسانه.
- السعيد من وعظ بغيره.
- الحكمة ضالة المؤمن.
- الشر جامع المساوئ والعيوب.
- كثرة الوفاق نفاق، كثرة الجلاف شقاق.
- رب أمل خائف ورب رجاء يؤدي إلى الحرمان.
- رب أرباح تؤدي إلى الخسران.
- أغنى الغنى العقل.
- الطامع في وثاق الذل.
- احذروا نفار النعم ما كل شارد مردود.
- أكثر مصارع العقول تحت مروق الأطماع.
- من أبدا صفحته للحق هلك.
- إذا أملقتم فتاجروا الله بالصدقة.
- من لانت عوده كثفت أغصانه.
- قلب الأحمق في فيه ولسان العاقل في قلبه.
- من جرى في عنان أمله عثر بأجله.
- إذا وصلت إليكم أطراف النعم فلا تنفروا بقلة الشكر.
- رب طمع كاذب.
- البغي سائق الحين.
- في كل جرعة شرقة.
- مع كل أكلة عضة.
- من كثر فكره في العواقب لم يهلك.
- إذا حلت المقادير ضلت التقادير.
- إذا حل القدر بطل الحذر.
- الإحسان يقطع اللسان.
- الشرف بالعقل والأدب [لا] بالأصل [والنسب] .
- أكرم الحسب حسن الأدب.
- أفقر الفقر الحمق.
- أوحش الوحشة العجب.
- إذا قدرت على عدوك فاجعل العفو عنه شكر القدرة عليه.
- ما أضمر أحدكم شيئاً إلا أظهره الله على فلتات لسانه وصفحات وجهه.
- اللهم اغفر رمزات الألحاظ وسقطات الألفاظ وشهوات الجنان وهفوات اللسان.
- لسان العاقل وراء عقله وقلب الأحمق وراء لسانه.
- بشر مال البخيل بحادث أو وارث.
- البخيل مستعجل الفقير يعيش في الدنيا عيش الفقراء وحاسب في الآخرة حساب الأغنياء.
- الكاسب فوق قوته حائز لغيره.
- أربع لا يشبعن من أربع: جواد من عطاء، وشجاع من لقاء، ومحسن من ثناء، وتقي من دعاء.
- ثلاث موكل بها ثلاث: الحرمان على المقدم في صناعته، وعامل الأيام على ذوي الآلة الكاملة، ومعاداة الأعوام لأهل المعرفة.
- الحزم سوء الظن.
- لو لم يكن في الحزم إلا أن الحازم لا يرجع باللوم على نفسه.
- القلم لسان الكاتب.
فصل في فضائل أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه
أعظم من أن تعد، وأكثر من أن تحصى وتحد، كلامه أشبه كلام بكلام الأنبياء u، وعلمه فوق علم سائر العلماء، كان من الزهد والورع في ذروة السنان، ومن القوة والشجاعة فوق شجاعة الشجعان، حبه طاعة لله وقربة، وبغضه معصية مهلكة وحوبة، فالحمد لله الذي جعلنا بحبل حبه متمسكين، وبعقد ولائه ملتزمين، ولم يجعلنا من أهل الغلو والهوى، الخارجين عن طريق أهل الاستقامة والتقوى، فإن الغلو في البشر يؤدي إلى الهلاك، ورفع المخلوق فوق قدره يفضي إلى الكفر والإشراك، وحال اليهود في حب العزير معلوم، وغلو النصارى في عيسى بن مريم معروف ومفهوم، ولهذا كان النبي يقول: ((لاَ تُطْرُونِي كَماَ أَطْرَتْ النَّصَارَى عيِسىَ بْنَ مَرْيَمَ))([308]) يعني: لا ترفعوني فوق قدري ولا تخرجوني عن حكم البشرية كما فعلت وأطرت النصارى عيسى حتى جعلوه إلهاً وابناً، تعالى الله عما يقول الكافرون والجاحدون والظالمون علواً كبيراً.
الباب الثالث في الرد على الرافضة وبيان نقص عقولهم وكثرة جهلهم
من أمعن النظر والفكرة في أقوال أهل الزيغ والضلالة والرياء، وأرباب البدع والجهالة، لم يجد منهم أضل سبيلاً، ولا أضعف حجة ودليلاً، ولا أضر على الملة المحمدية، ولا أخبث باطناً وطوية، من طائفة الرافضة التي هي لآيات الكتاب مخالفة، وللأحاديث النبوية معارضة، وقد دلت مصنفاتهم على عقول ضعيفة، وآراء واهية سخيفة، قد أصّلوا مذاهبهم على تكذيب القرآن، وادّعوا فيه الزيادة والنقصان، وأبطلوا السنة بتكفيرهم الصحابة، ونسبوا ما اختلقوه من الأخبار الكاذبة التي زخرفوها ونسبوها إلى أهل البيت والقرابة، وقد وضعوا أشياء تستدعي تكذيب القرآن، وتحكم على الشريعة بالنقص والبطلان.
فمن دعاويهم الباطلة، وأقوالهم الناقصة النازلة، قولهم: الإمام المعصوم، وإنه لا يصح الخلافة والإمامة إلا فيه، ولا يصح النقل عن رسول الله ﷺ إلاَّ منه، ولا يصح الائتمام في الصلوات الخمس والجمعة إلا خلفه، فاستدعى هذا القول منهم إسقاط الجمعة التي هي أعظم شعائر الإسلام، وصلاة الجماعة التي يظهر فيها الإجلال لدين الله، والإعظام لأمر الله، ويوجب إبطال أحكام الشريعة، ويكون إلى إضلال أمة محمد وسيلة وذريعة .
فيقال لهم عن قولهم الإمام المعصوم: هذا القول قول من قلّ حياؤه، وطال في الباطل والمحال حبله ورشاؤه، وإلا فالقرآن المجيد قد نطق في حق بعض الأنبياء عليهم السلام بذكر المعصية كقوله عز وجل: ] وَعَصَىٰٓ ءَادَمُ رَبَّهُۥ فَغَوَىٰ ١٢١ ثُمَّ ٱجۡتَبَٰهُ رَبُّهُۥ فَتَابَ عَلَيۡهِ وَهَدَىٰ ١٢٢ [ [طه 121 و122] وقال في حق داود: ] وَظَنَّ دَاوُۥدُ أَنَّمَا فَتَنَّٰهُ فَٱسۡتَغۡفَرَ رَبَّهُۥ وَخَرَّۤ رَاكِعٗاۤ وَأَنَابَ۩ ٢٤ [ [ص 24] وقال في سورة يوسف عنه وعن إخوته ما يتلى في المحاريب وهو معلوم. فالقول بعصمة من ليس بنبي من أعجب الأشياء وأطرفها.
ثم يقال للرافضة: خبرونا عن عصمة الإمام الذي تدعونه، لماذا؟ فإن قالوا: لئلا ينقل عن رسول الله ﷺ زللاً ولا خطأ. فيقال: لم يصح أن يروي عن رسول الله ﷺ في أصول الدين وأحكام الشريعة أحد غير الإمام المعصوم ممن عصمة له كعصمة الإمام ويحكم بروايته أم لا؟
فإن قالوا: يجوز أن يروي غير الإمام المعصوم ويحكم بروايته. فيقال لهم: فما الحاجة إلى الإمام المعصوم إذا كان قوله وقول غيره سواء في الرواية عن رسول الله ﷺ؟
فإن قالوا: لا يجوز أن يروي عن رسول الله ﷺ إلا الإمام المعصوم ليؤمن من تحريف أو زلل في الدين. قيل لهم: وكذلك من يروي عن الإمام المعصوم ما يجوز أن يكون ممن لا عصمة له كعصمته. فإن أجازوا أن يؤدي عنه من ليست له عصمة، قلنا لهم: دلونا عن الفرق بين الراوي عن الإمام المعصوم والراوي عن النبي ﷺ ؟ فكل ما أجازوه في ذلك جاز في الآخر، وغنينا عن الإمام وروايته برواية من يروي عن النبي ﷺ، إذ هما في الرواية على حد واحد، لعدم الفرق.
وإن قالوا: لا يؤدي عن الإمام المعصوم إلا المعصوم عن معصوم، قلنا: هذا تكليف ما لا يطاق.
وأيضاً يقال: أي طريق بقي على القدرة على ذلك وقد انقطع حكم العصمة على رأيكم بموت الحسن بن علي بن محمد؟ فحينئذ ما بقي يصح عن أئمتكم خبر ولا ما تدعونه وترددونه عنهم لانقطاع العصمة اليوم، فكان خالصة قولهم وحاصل مذهبهم هو إبطال أحكام الشريعة؛ لأن إثباتها إنما هو بالأخبار المتصلة الأسانيد واحد عن واحد إلى يوم القيامة، فإذا جعل ذلك إلى إمام معصوم أو من يرونه [أنه] معصوم وقد انقطعت العصمة بموت آخر أئمة الرافضة بطلت أحكام الشريعة، وأدى إلى إبطال الرسالة وما جاء به الرسول ﷺ من توحيد وعبادة الله سبحانه وتعالى.
ثم يقال للرافضة: لقد أعظمتم الفرية على الله تعالى وعلى رسوله ﷺ كيف يكون العلم الجم الذي قد أودعه الله تعالى صدر نبيه ﷺ، ومنحه إياه، وفضله به على من سواه، وأنعم عليه به وهو علم الأولين والآخرين، وما كان ويكون، وأحكام الشريعة، إنما يحمله وينقله عنه رجل واحد وهو علي u دون غيره، وقد وسع علمه الصحابة بأجمعهم الرجال منهم والنساء؟ فكل واحد منهم أورد ما سمعه من النبي ﷺ من الأحاديث التي هي أصل الشريعة وعليها تثبت أحكامها، والمسانيد الصحاح تدل على ذلك؛ لأنه يذكر في المسانيد ما أسنده واحد بعد واحد من الصحابة، من جملتهم علي كرم الله وجهه؛ لا أن علياً ولا غيره من الصحابة احتوى على ما عند رسول الله ﷺ من العلم ولا سمع كل ما قال وأخبر به.
ومن أقوالهم أيضاً التي هي على الكفر والفسوق دالة، قولهم: إن أبا بكر وعمر وعثمان -رضي الله عنهم- ظالمون كافرون مخلدون في النار، وكذلك من تابعهم من الصحابة والتابعين.
وهذا القول الشنيع والرأي القبيح الفظيع يستدعي تكذيب القرآن المجيد، وتكذيب الرسول ﷺ فيما أخبرا به، فإن القرآن قد نطق بإيمانهم والرضا عنهم، وبكونهم في الجنة، وكذلك الرسول ﷺ، وقد مضى القول في ذلك مستوفياً للأقسام في ذكر فضائلهم، وهو الجواب بالرد عليهم مع تكفيرهم وإضلالهم. ويوجب قولهم أيضاً بطلان أحكام الشريعة التي أصلها ودليلها هو الكتاب والسنة، وإنما عرف ذلك من جهة الصحابة -عليهم السلام-، فإذا حكم بكفرهم بطل كل ما أخبروه من الأحكام، ثم بطلان تلك الأحكام يؤدي إلى بطلان الرسالة وما جاء به النبي ﷺ؛ لأن الصحابة هم كانوا الواسطة بين النبي ﷺ وبين الأمة، لأنهم أخبروا بما سمعوا من النبي ﷺ، ثم التابعين الذين يلونهم من الأمة قرناً بعد قرن، وجيلاً بعد جيل إلى يوم القيامة، فالصحابة -عليهم السلام- هم أصل الشريعة بعد النبي ﷺ وأركانها، والمتعرض لأعراضهم يطعن في الدين، أو تكفير أو تفسيق قد سعى في هذه الشريعة المحمدية، وتعرض لأدحاض الملة الإسلامية يطعن في منصب النبوة بتخيرهم ومصاهرتهم وما وصفهم به من حسن الثناء وجميل الذكر، ويكون طعناً في رأي علي u بتزويج ابنته من عمر بن الخطاب t، ورضاه بإمامته ومتابعته لهم، وصلاته خلفهم، والموافقة لهم على ما يأمرون به وينهون عنه مدة خمس وعشرين سنة، والطعن على رأي النبي ﷺ، وعلى رأي علي u كفر وضلال وحمق بين وإخلال.
ومن أقوالهم الغريبة ومقاصدهم الذميمة العجيبة تنزيه الأنبياء بما أوجب تكذيب القرآن العزيز، فإن الله تعالى قد أخبر في كتابه المبين من إبرام أقضيته، وإقراره ما يتلى في المحاريب في حق بعض الأنبياء -عليهم السلام- كقوله ﷻ: ] وَعَصَىٰٓ ءَادَمُ رَبَّهُۥ فَغَوَىٰ ١٢١ ثُمَّ ٱجۡتَبَٰهُ رَبُّهُۥ فَتَابَ عَلَيۡهِ وَهَدَىٰ ١٢٢ [ [طه 121 و 122] وما أخبر عن يوسف وإخوته، وعن داود u، وقال النبي ﷺ: ((لَيْسَ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ وَقَدْ عَصىَ اللهَ، أَوْ هَمَّ بِمَعْصِيَةٍ إِلاَّ يَحْيىَ بْنَ زَكَرِياَّ))([309]) أنكر الرافضة ذلك، ثم سموا التكذيب تنزيهاً، وهو التكذيب الصراح، وهذا يصير خديعة كاذبة منهم وتمويهاً، وأغراضهم في ذلك فاسدة، ومقاصدهم عن الخير بائنة متباعدة، فإن غرضهم وقصدهم هم عصمة الأئمة -عليهم السلام-، وعلموا أنه لا يسلم لهم ذلك إلا بأن يقولوا بعصمة الأنبياء، وكذلك ما ذهبوا إليه من كون آباء النبي ﷺ وأمهاته مؤمنين من لدن آدم u ليسلم لهم إيمان أبي طالب بن عبد المطلب، والقول بذلك يستدعي تكذيب القرآن المجيد، وتكذيب السنة، أما القرآن العزيز فقوله ﷻ: ] وَمَا كَانَ ٱسۡتِغۡفَارُ إِبۡرَٰهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَن مَّوۡعِدَةٖ وَعَدَهَآ إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُۥٓ أَنَّهُۥ عَدُوّٞ لِّلَّهِ تَبَرَّأَ مِنۡهُۚ إِنَّ إِبۡرَٰهِيمَ لَأَوَّٰهٌ حَلِيمٞ ١١٤ [ [التوبة 114] وذلك أنه جاء رجال إلى النبي ﷺ من أصحابه فقالوا: يا نبي الله إن من آبائنا من كان يحسن الجوار ويصل الرحم ويفك العاني ويوفي بالذمم، أفلا نستغفر لهم؟ فقال: ((بَلىَ وَأَناَ أَسْتَغْفِرُ لأَبيِ كَماَ اسْتَغْفَرَ إِبْراَهيِمُ لأَبيِهِ)) فأنزل الله ﷻ هذه الآية([310]).
فنهي النبي ﷺ والمؤمنون أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى، ومن جملة آباء النبي ﷺ آزر أبو إبراهيم الخليل u، فكيف يخلص للرافضة هذا الرأي بعد صريح القرآن العزيز بكفرهم.
وقال تعالى: ] إِنَّكَ لَا تَهۡدِي مَنۡ أَحۡبَبۡتَ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهۡدِي مَن يَشَآءُۚ[ [القصص 56] .
قال المفسرون: إنها نزلت في أبي طالب حيث مات ولم يسلم بعد مراجعة النبي ﷺ له على ذلك وكان يقول له: ((قُلْ: لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، كَلِمَةً أَشْهَدُ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللهِ، وَأَحَاجُّ لَكَ بِهَا))([311]).
فأبى أن يقولها، فقال له: يا ابن أخي، إني لأعلم أنك لا تقول إلا حقاً، ولكني أكره مخالفة دين عبد المطلب، وأن [تتحدث نساء قريش بأني جزعت عند الموت] ([312]).
فمات على تلك الحال، فجاء علي -كرم الله وجهه- إلى النبي ﷺ وأخبره بموته، فقال له النبي ﷺ: ((امْضِِ فَواَرِ أَباَكَ الضَّالَ)) ([313]) فقال علي له: أواريه وهو كافر؟ فقال النبي ﷺ: ((فَمَنْ يُواَرِيهِ إذَنْ؟))([314]).
فلما واراه أمره النبي ﷺ بالغسل، فاغتسل، وقال حين رأى جنازته: ((وَصَلَتْكَ رَحِمٌ))([315]).
وقال ابن عباس t في قوله: ] وَهُمۡ يَنۡهَوۡنَ عَنۡهُ وَيَنَۡٔوۡنَ عَنۡهُۖ وَإِن يُهۡلِكُونَ إِلَّآ أَنفُسَهُمۡ وَمَا يَشۡعُرُونَ ٢٦ [ [الأنعام 26] إنها نزلت في أبي طالب([316]).
ولهذا لم يصلِ النبي ﷺ عليه، ولم يدفن في مقابر المسلمين .
ومن فضائح الرافضة وأقوالهم المتباينة المتناقضة، قولهم في الصلاة على الميت فإن كان ناصبياً قال في الصلاة عليه: اللهم إني لا أعلم إلا شراً، اللهم فاملأ قبره ناراً، واجعل من فوقه ناراً، ومن تحته ناراً، وعن يمينه ناراً، وعن شماله ناراً، وسلط عليه العقارب والحيات.
وفي هذه الصلاة على هذا الوصف من الجهل بأحكام الشرع المطهر، ومن قلة الدين، ونقص المروءة، وعدم التقوى ما لا يكاد يخفى على جهال السوقة، أما الجهل بأحكام الشرع فإن الصلاة هي عبارة عن تكبير وتهليل وتسبيح وقراءة القرآن، وأما ما ذكر من العقارب والحيات والنار عن يمين الميت وشماله، فهذه صلاة ما أنزل الله بها من سلطان، ولا ورد بها خبر ولا أثر، وهي ألفاظ مبطلة للصلاة، ومن باب الاستهزاء واللعب والتهاون بأمر الشريعة، وأما قلة الدين وعدم التقوى فهو لعنتهم للأموات من أمة محمد ﷺ وقد أمرنا بالاستغفار لمن سبقنا بالإيمان، وهو قوله تعالى: ] وَٱلَّذِينَ جَآءُو مِنۢ بَعۡدِهِمۡ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱغۡفِرۡ لَنَا وَلِإِخۡوَٰنِنَا ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلۡإِيمَٰنِ وَلَا تَجۡعَلۡ فِي قُلُوبِنَا غِلّٗا لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ [ [الحشر 10].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((المؤمن لا يكون لعاناً))([317]).
وقال النبي ﷺ: ((لاَ تَقُولوُا فِي مَوْتَاكُمْ إِلاَّ خَيْرَاً))([318]).
وقال على عن ذي قبر([319]).
وأما بيان نقص المروءة وعدم مكارم الأخلاق فهو أن أحدهم يكون له جار أو نسيب من أهل مذهب الجمهور، فإذا مات لجاره أو لنسيبه من أهل السنة أو صديقه الذي هو على خلاف مذهبه ميت، جاء هذا الرافضي إلى جاره ليقضي حق الجوار -بزعمه- وأظهر له الحزن على الميت والبكاء، فإذا قام للصلاة عليه دعا عليه بتلك الدعوات السيئات، ولعنه ثم حال الميت لا يخلو من أحد أمرين: إما أن يكون مسلماً، أو كافراً، فإن كان مسلماً فالسنة هي([320]) الصلاة عليه والترحم، ويدعو له بالمغفرة سواء كان صالحاً أو فاسقاً، وإن كان كافراً فليس من السنة الصلاة عليه حتى يلعن، بل يترك، فكانت صلاة هؤلاء على الميت من أهل السنة ضلالاً وفسوقاً وخروجاً عن الشريعة المحمدية ومروقاً.
ومن قبح أفعالهم وشدة جهلهم وضلالهم ما يعتمدونه يوم عاشوراء، وهو يوم شريف عظيم المحل عند الله تعالى، وله خصائص وفضائل قد ذكرها العلماء في كتبهم، وقد كان هو المفروض فـي مبدأ الإسلام، وكان علي -كرم الله وجهه- يأمر بصومه تعظيماً له، قد حرم الرافضة فيه الصوم، وجعلوه موسماً للطم الخدود، وشق الجيوب، والنياحة ، وإخراج الحرم متبرجات سارحات ناشرات شعورهن، معلنات بإنشاد الأشعار المتضمنة سب صحابة رسول الله ﷺ، قاذفات لزوجته أم المؤمنين في الملأ والأسواق، ثم يدعون أن هذا الفعل الشنيع، والقول الساقط الفظيع، قربة إلى الله تعالى، وقضاء لحق نبيه ﷺ وأهل بيته -عليهم السلام-، وأن هذا هو الثأر والانتقام من قاتل الحسين u، ولا أرى أتم جهلاً وأنقص عقلاً وديناً ممن جعل المعصية طاعة، وسب أصحاب النبي ﷺ وأزواجه متجراً وبضاعة.
وأما بيان المعصية بما يعتمدونه في ذلك اليوم الشريف فهو الكتاب والسنة، أما الكتاب فقوله ﷻ: ] وَقُل لِّلۡمُؤۡمِنَٰتِ يَغۡضُضۡنَ مِنۡ أَبۡصَٰرِهِنَّ وَيَحۡفَظۡنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبۡدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنۡهَاۖ [ الآية [النور 31] فقد نهى المرأة أن تظهر زينتها، وأمرها بغض بصرها، وفعلهن في ذلك اليوم يخالف ما أمرن به ونهين عنه، وأما سب أصحاب رسول الله ﷺ فإن كان فاعله مستحلاً له فهو كافر، وإن كان غير مستحل له فهو فاسق قد أذنب ذنباً عظيماً، واقترف حوباً كبيراً، قال الله تعالى في حق من حاله كحالهم وأفعاله كأفعالهم: ] قُلۡ هَلۡ نُنَبِّئُكُم بِٱلۡأَخۡسَرِينَ أَعۡمَٰلًا ١٠٣ ٱلَّذِينَ ضَلَّ سَعۡيُهُمۡ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَهُمۡ يَحۡسَبُونَ أَنَّهُمۡ يُحۡسِنُونَ صُنۡعًا ١٠٤ [ [الكهف 103 و 104] وقال تعالى: ] وَلَا تُطِعۡ مَنۡ أَغۡفَلۡنَا قَلۡبَهُۥ عَن ذِكۡرِنَا وَٱتَّبَعَ َوَىٰهُ وَكَانَ أَمۡرُهُۥ فُرُطٗا ٢٨ [ [الكهف 28]. وقال تعالى: ] كُلُّ حِزۡبِۢ بِمَا لَدَيۡهِمۡ فَرِحُونَ ٥٣ [ [المؤمنون 53].
ومن عجيب أقوالهم وغريب أحوالهم أن علياً u زوج ابنته أم كلثوم من عمر بن الخطاب u تقية، وإبقاءً على نفسه، وخوفاً من القتل، وهو طعن منهم في منصب أمير المؤمنين علي u، وقدح في دينه وشهامته، وشرف نفسه، وكرم أرومته، حيث زوج ابنته ممن هو كافر على رأي الرافضة، مع العلم بكفره، وهو أمر ممنوع في شرع الإسلام، ومعلوم من حال المسلمين المتمسكين بشريعة محمد سيد المرسلين أنه لو خطب أحد من عظماء النصارى واليهود ممن له ثروة وجاه عند السلطان إلى رجل مسلم من ذوي الصنائع الرذيلة، والأشغال المهينة كالكساح([321]) وغيره ابنته لما زوجها، ولو بذل له ملك الأرض، أو عرضه على السيف، فكيف ينسب هؤلاء الجهال أمير المؤمنين علياً -كرم الله وجهه- مع جلالة قدره، وشرف نفسه، وعظم أمره، أن يزوج ابنته من كافر خوفاً على نفسه؟ ولم يستقبحوا هذا الفعل وما فيه من التحريم أولاً، ومن الفضاحة والعار ثانياً.
ونحن نقول: لو لم يعلم علي u أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب u لذلك أهلاً لما زوجه، ثم إذا كان رسول الله ﷺ قد زوجهم وتزوج إليهم كيف جاز أن يتعرض للقول في هذا تزويج علي u ابنته من عمر، وإنما كانت أفعال النبي ﷺ تزويجه إياهم عن وحي؟ وما أقدم عليه الرافضة من الافتيات على النبي ﷺ وأهل بيته عليهم السلام، وما نسبوا إليهم من الخطأ والغلط والرياء، وهذا أمر معروف من حالهم، ومصنفاتهم تدل عليه، وأقوالهم الرديئة تشهد عليهم بما ذهبوا إليه، وإنا لله وإنا إليه راجعون من هذا الجهل المحكم، والافتيات الفظيع المبرم، والغلط الفاحش، والتهور المفرط المتفاحش.
ومن أقوالهم المزخرفة، وأباطيلهم المؤلفة، قولهم في فدك والعوالي: إن أبا بكر الصديق u غصب فاطمة -عليها السلام- حقها وميراثها من أبيها، وإنه ظلمها.
فيقال لهم في جواب ذلك: خبّرونا عن هذه الشناعات الباردة، والمقالات الباطلة الفاسدة، هل ما تدعونه من فدك أكان لفاطمة من جهة الميراث أم من جهة النحلة؟([322]) فإن قالوا من جهة النحلة، فيقال لهم: فالنحلة مستحق بالميراث؟ إن قالوا: نعم، فقد جهلوا الأحكام الشرعية، وخرجوا عن الإجماع. وإن قالوا: لا يستحق بالميراث، فكيف يدعون أن فاطمة -عليها السلام- طلبتها بالميراث؟ وكيف قلتم: إنها ملكتها بالميراث وأحد الأمرين كذب لا محالة، والكذب منتف عنها، وهو أبعد ما يكون منها، وحاشا منصبها الشريف المقدس منه، بل هي مكرَّمة منزّهة عنه، وكان قصدهم بذلك الشناعاتُ من أفواه العوام، واتصال المقالات من ذوي الجهل وقليلي الأفهام حتى يوسعوا القول في سب الخلفاء الراشدين، وقذف عائشة أم المؤمنين، وكذا كل ما وضعوه من الضلالات واختلقوه من أسباب الجهالات، الذي ما أنزل الله بها من سلطان، ولا لهم فيها حجة ولا برهان. وإذا تأمّل ذو اللب والفهم مقالتهم عرف بذلك جهلهم وضلالتهم، ووجدهم قد نالوا من أمير المؤمنين علي u أفج وأشنع مما راموا أن ينالوا من أبي بكر u؛ لأنهم نسبوا علياً u إلى الضعف والوهن، وقلة الحمية في دينه وتقيته، بحيث لم يدفع عن فاطمة -عليها السلام- وهي ابنة عمه وزوجته وابنة رسول الله ﷺ، وقد كان الموت في نصرتها قليلاً، والجهاد في حقها حسناً جميلاً.
ونحن نقول: إن علياً u كان ذا نفس أبية، وحمية هاشمية، وهمة سامية علية، ونخوة قاهرة قرشية، لا يأخذه في الله لومة لائم، وخلقه الكريم، لما خالف الشرع والمروءة غير مناسب ولا ملائم، فلو علم أن أبا بكر u غير محق ولا مصيب في أخذ فدك، ولا صادق في اعتذاره إلى فاطمة -عليها السلام-، ما كان وافق على ذلك ولأنكره بيده ولسانه، وكان أهلاً لأن ينكر باليد واللسان؛ لما منحه الله تعالى به من قوة القلب والجنان، ولكان الصحاة بأجمعهم له مساعدين، ولرأيه مناصرين على نصرة فاطمة متابعين، ولقد كان المعلوم من حال أبي بكر t الهون واللين والخشوع الظاهر والدين، ما كان من يخاف سطوته، ولا يخشى تسرعه ونقمته، فلما أمل علي u عن المرجعة في ذلك أمل تديناً وعلماً منه أن أبا بكر على الحق، ولا نقول: إن فاطمة -عليها السلام- كانت على الباطل، معاذ الله أن نقول ذلك، أو يخطر لمسلم يوماً على بال! وإنما طلبت ما هو المعتاد من المواريث، فلما سمعت من أبي بكر t ومن الصحابة -عليهم السلام- قول النبي ﷺ: ((إنَّا مَعَاشِرَ الأنْبِيَاءِ لا نوَرِّثُ، مَا تَرَكْناهُ صَدَقَةٌ))([323]).
وفي بعض الروايات: ((لاَ تَقْتَسِمُ ورثتي دِينَاراً، ما تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ نسائي ومؤونة عيالي فَهُوَ صَدَقَةٌ))([324]).
أمسكت -صلوات الله عليها- امتثال تصديق لما رواه أبو بكر الصديق t والصحابة -عليهم السلام- عن أبيها سيد المرسلين -صلوات الله عليه وسلامه-، وليس كون فاطمة -عليها السلام- غير عالمة بهذا الحديث ولا سمعته من رسول الله ﷺ مما يحط من شريف قدرها ومنزلتها، ولا يغص من منصبها ومقدس تربيتها، ومعلوم أن أبا بكر u في قوله ذلك، وشهادته وحكمه لم يكن جاراً لنفسه نفعاً، ولا دافعاً عنها ضرراً، ولو كان ما التمسته فاطمة -عليها السلام- إرثاً، لكان لأبي بكر أعظم شرف وفخار، لموضع ابنته عائشة -رضي الله عنها- من رسول الله ﷺ، فدل على بطلان ما ادعته الرافضة في حق أبي بكر u، وإن قصدهم بذلك الشناعة على أصحاب رسول الله ﷺ؛ ليجعلوا أعراضهم الشريفة نهباً للعامة، وعرضاً لمن عاندهم منهم، وفرَّق بينهما به. والذي هو معلوم من حال أبي بكر -رضوان الله عليه- هو حب رسول الله ﷺ، وحب قرابته، وتعظيمهم وإكرامهم، حتى موالي رسول الله ﷺ كان يكرمهم، ويعظم أمرهم، لأجل رسول الله ﷺ، وكان يقول: والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله ﷺ أحب إلي من أن أصل من قرابتي([325]).
وكان يقول: ارقبوا محمداً في أهل بيته([326]).
وكان يقول زيد بن علي u: لو كنت مكان أبي بكر لحكمت بمثل ما حكم في فدك([327]).
وكذلك كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب t يظهر إعظام أهل بيت النبي ﷺ وإجلالهم، وفضل العباس t على السابقين الأولين ولم يكن سبق في الإسلام ولا الهجرة، وإنما كان إسلامه بعد الهجرة، وألحق الحسن والحسين بأكابر أهل بدر، فكيف كان يستجيز أبو بكر وعمر -عليهما السلام- ظلم فاطمة بنت رسول الله ﷺ، وأخذ حقها، وهذا حالهما، وقد كان ورعهما وزهدهما وعدلهما مما يضرب به المثل، لا يخالف فيه إلا من خالف الحق وعن الصواب عدل.
ومما يلزم به الرافضة التي هي في ميدان الغي والهوى سرعة راكضة، أن يقال لهم: خبّرونا عن أمير المؤمنين علي u حين أفضت الخلافة إليه، وصارت في حكمه وطوع يده، هل رد فدك على ورثة رسول الله ﷺ وهم ولد العباس، وولدا فاطمة، وأزواج النبي ﷺ ورضي عنهم أجمعين أم لا؟ فإن قالوا: ما رأى أن يرد على ولديه وهما الحسن والحسين لئلا يتطرق عليه قول وشبهة من له فيه غرض، فيقال لهم: فبقية الوارث وهم ولد عمه العباس t، وأزواج النبي ﷺ ما يتطرق إليه من إيصالهم حقوقهم شبهة أبداً! وخبّرونا عن الأحكام التي حكم بها الخلفاء الراشدون قبله والحكام الذين كانوا من قبلهم في الأعمال والبلاد هل نقضها علي u أم لا؟ والصلوات التي كان يصليها خلفهم من الجمعة والجماعة هل كان يعيدها أم لا؟
فإن قالوا: إنه أعاد ذلك على الورثة، ونقض الأحكام، وأعاد الصلوات، فهو كذب صراح لا قائل به، وما ورد على لسان أحد من خلق الله تعالى ذلك أبداً. وإن قالوا: إنه لم يرد فدك على الورثة، ولم ينقض أحكامهم، ولم يقضِ الصلوات خلفهم، فقد وافقونا على صحة خلافتهم، وصدق أمانتهم، وبطل ما ادعوه فيهم من الكفر والضلال، وشهدوا على أنفسهم بالاضطراب والاختلال؛ لأن علياً -كرم الله وجهه- ما كان يسعه في قوة دينه، وكمال منصبه، وشدة تقيته أن يمضي على استمرار تك الخلال من البطلان كما تزعم الرافضة، وقد أمكنه إزالتها ورد كل حق إلى حقه، ولا أن يهمل قضاء الصلوات المفروضة وقد صلاها خلف كافرين كما زعم الرافضة؛ لأنه كان أعظم قدراً، وأرفع محلاً، من أن يتخلق بأخلاق أهل الرياء والنفاق من كونه كان يسكت تقية، وهذه اللفظة هي محض الرياء والمداجاة التي نزه الله تعالى أمير المؤمنين وأهل بيته منها، وباعدهم تكريماً لهم عنها.
وأما ما يروونه عن بعض الأئمة أنه قال: التقية ديني ودين آبائي. فهو كلام صحيح عن بعض الأئمة، وصدق.. التقية دينهم، أعني: التقوى، يقال: رجل تقي، عنده تقوى، وتقية([328]).
ومن أقوالهم الكاذبة، ومساعيهم الغائبة، دعواهم النص لعي بالخلافة بعد النبي ﷺ، وهو أمر ظاهر البطلان، مبني منهم على الزور والعدوان والبهتان، وذلك أن النبي ﷺ لما توفي اجتمعت الأنصار في سقيفة بني ساعدة، وهمّوا بأن يؤمروا عليهم سعد بن عبادة، فجاء أبو بكر وعمر إليهم، فقال أبو بكر t: قد علمتم أنا معاشر قريش أكرم العرب أحساباً، وأنقاهم أناساباً، وإنا عترة رسول الله ﷺ وأهله، والبيضة التي تفقأت عنه، وإنا سبقناكم إلى الإسلام، وقال الآخرون: المهاجرون اختصوا بمفارقة الأوطان والدار، فقال أبو بكر: إن الله تعالى بدأ بنا في كتابه، وكتاب الله أحق ما ابتدئ به. وقال: إن هذا لايصلحإلا في هذا الحي من قريش؛ لأن العرب لا تطيع غيرهم.
وقال عمر: إن رسول الله ﷺ أوصانا بكم، ولم يوصكم بنا.
فقال الأنصار: منا أمير ومنكم أمير([329]).
فقال عمر: ألستم تعلمون أن رسول الله ﷺ قدّم أبا بكر في الصلاة وهي عماد الدين؟ فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم على من قدّمه رسول الله ﷺ؟ قالوا: ما تطيب نفوسنا بذلك([330]).
ثم بايع الناس أبا بكر اجتهاداً، فلو كان ثَمّ نصٌ في علي u لكان قد ثبت وذكره، إذ كان لا يسعه إخفاء ذلك ليحتم الوجوب عليه بعد النص، ولو كان أبو بكر قد سمع بالنص لما دخل فيها ولا تلبس بها، لموضع ورعه وزهده وتجافيه عن الدنيا، ولو كان أحد من الصحابة قد سمع النص لكان شهد به في مثل ذلك الموطن، فلما لم يذكر علي النص، ولا أحد من الصحابة، دل على عدمه.
ومما يدل على عدم النص قوله ﷻ: ) وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَيَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ كَمَا ٱسۡتَخۡلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمۡ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرۡتَضَىٰ لَهُمۡ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعۡدِ خَوۡفِهِمۡ أَمۡنٗاۚ ( [النور: 55] فالذين كانت هذه صفتهم وأنجز الله وعده فيهم، ومكّن لهم في الأرض، ومكّنهم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبدّلهم من الخوف أمناً، هم: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي -عليهم السلام-، فدلّ على صحة خلافتهم، ودلّ على عدم النص الذي تدعيه الرافضة.
ومما یدل على عدم النص قول النبي ﷺ: ((لتقسمن كنوز قیصر وكسرى))([331]).
فأنجز الله تعالى وعده نبیه على ید عمر u، وفتحت مدائن كسرى وبلاد الروم فی زمنه، وقسمت كنوزهما بین المسلمین.
وكذلك الحدیث الذی تقدم ذكره فی مناقب الخلفاء -علیهم السلام-: ((إن تولوها أبا بكر.. وإن تولوها عمر.. وإن تولوها علیاً..)) یعنی الخلافة، يدل أيضاً على عدم النص، وعلى كل ما ادعته الرافضة.
وأما حديث اجتهاد الصحابة في تقديم أبي بكر وموجباته، وقد تقدم القول فيه مستوفيَ الأقسام، والذي يقوي عدم النص هو أن علياً u بايعهم مختاراً، وصحبهم في خلافتهم خمساً وعشرين سنة صحبة مطيع لأوامرهم وأحكامهم، لم يتعرض بذكر النص يوماً من الدهر لا تصريحاً ولا تلويحاً، ولا نقض لهم حكماً حيث أفضت الخلافة إليه، وإنما احتج على معاوية ومن بايعه بأن قال لهم في رسالة طويلة قد تقدم ذكرها بأنه بايعني الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان، ولم يكن للحاضر أن يرد، ولا للغائب أن يختار.. فجعل الدليل على صحة خلافته كونه قد بايعه الذين بايعوا الخلفاء قبله، وهذا كله مما يدل على عدم النص، وكذلك قاتل أهل الردة من أهل القبلة مع أبي بكر وعمر -عليهما السلام-، وأخذ سهمه من غنائم أموالهم، حتى إنه وقع في سمه من سبي بني حنيفة أم ولده محمد بن الحنفية، فسباها وأولدها محمداً، فلو لم يكونوا على الحق لما جاز أن يوافقهما على قتال أهل الردة، وأخذ أموالهم، وكان قتالهم اجتهاداً.
وقصد الرافضة بذلك هو تقبيح ذكر الصحابة -عليهم السلام- والشناعات من العوام، بما يوجب سبهم ونهب أعراضهم الكريمة المصونة، والله تعالى يأبى إلا إعلاء كلمتهم، ورفع درجتهم، يذكرون حيث يذكر الله تعالى ورسوله على المنابر، وفي الجوامع، وعقيب الصلوات والجماعات ) يُرِيدُونَ أَن يُطۡفُِٔواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفۡوَٰهِهِمۡ وَيَأۡبَى ٱللَّهُ إِلَّآ أَن يُتِمَّ نُورَهُۥ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡكَٰفِرُونَ ٣٢ ( [التوبة: 32].
ومن مقاصدهم الذميمة، وعقولهم السقيمة، أن أحدهم إذا مات له ميت بادر إلى تجهيزه وحمله إلى مشهد أمير المؤمنين، أو مشهد الحسين -عليهما السلام-، وربما كان في حر شديد، أو كان الميت مستعفناً بحيث يسرع إليه الفساد والتغيير في الطريق، ويقصدون بل يقطعون لذلك الميت بالمغفرة والجنة، وإن كان حاله حال أهل النار من إظهار الفجور والفسوق في حال حياته، لأجل مجاورته المشهدين الشريفين على ساكنيهما أفضل الصلاة والسلام.. ثم يقطعون لأبي بكر وعمر وهما ضجيعا رسول الله ﷺ وصاحباه، وأبا زوجتيه، ومن جاهدا حق الجهاد بين يديه بالنار، والخلود فيها، ولا يرون لرسول الله ﷺ من البركة والجاه عند الله تعالى والمنزلة أن يصل إلى أبي بكر وعمر ما يدفع عنهما نار جهنم، كما وصل إلى أهل الفجور والفسوق والظلمة من الشيعة من بركات أمير المؤمنين وذريته -عليهم السلام-، ثم يحصل من قولهم هذا تكذيب النبي ﷺ فيما أخبر به وهو قوله ﷺ: ((ما بين قَبْرِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ من رِيَاضِ الجَنَّةِ))([332]).
فإذا قالوا: إن أبا بكر وعمر في النار أليس يكونوا قد ردوا على رسول الله ﷺ قوله وعابوا عليه إخباره وجعلوا ما هو روضة من رياض الجنة حفرة من حفر النيران؟
ومن فضائح الرافضة، ووصف أقوالهم المتباينة المتناقضة، يقولون عن شجاعة علي -كرم الله وجهه-، وإن كان شجاعته وقوته وشدة بأسه متفقاً عليها وما لا يخالف أحد فيه، أقوالاً تخرج عن حكم البشرية، ومما يخالف العوائد، فإذا قيل لهم: لم زوج ابنته من عمر؟ قالوا: خوفاً على نفسه، ولمَ بايع الخلفاء الراشدين قبله؟ ولم [سكت] عن أخذ فدك؟ ولمَ أمسك عن ردها حيث أفضت الخلافة إليه؟ وعن نقض أحكامهم؟ قالوا: عمل بالتقية! وأقوالهم ينقض بعضها بعضاً، فلقد نالوا من علي u من سوء رأيهم، وتغير أذهانهم، ما لم ينله أحد سواهم.
ونحن نقول: إن قوة أمير المؤمنين u في دينه، وشدته في ذات الله تعالى كان مناسباً لشجاعته وقوته، لا منافاة بينهما ولا مباينة، وإنه لو رأى من الجماعة الذين تقدموه أمراً يخالف دينه، ومناهي للشرع المطهر لأزاله بيده ولسانه ولجاهد فيه حق الجهاد؛ لأنه كان لا يأخذه في الله لومة لائم، وخلقه الكريم للرياء والمباجاة غير مناسب ولا ملائم.
ومن تباين أقوالهم، وتجافي أحوالهم، أنهم كذّبوا القرآن المجيد بتنزيه الأنبياء -عليهم السلام-، ثم إنهم مع هذا التنزيه الذي قد أدى بهم إلى الكفر قالوا: الأئمة أفضل من سائر الأنبياء -عليهم السلام-، حتى إبراهيم الخليل وأولي العزم من الرسل الذين قال الله تعالى في حقهم: ) ثُمَّ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ أَنِ ٱتَّبِعۡ مِلَّةَ إِبۡرَٰهِيمَ حَنِيفٗاۖ ( [النحل: 123].
وقال في حق أولي العزم من الرسل: ) فَٱصۡبِرۡ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلۡعَزۡمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ ( [الأحقاف: 35].
وقال : تأدباً مع أنبياء الله تعالى ورسله الذين اجتباهم واختارهم لأداء رسالته واصطفاهم: ((لا تفضلوني على يونس بن متى)) ([333]).
ومن آرائهم المتنافية، وأقوالهم النازلة المتلاشية، قولهم بعصمة أمير المؤمنين والأئمة من ذريته -عليهم السلام-، ثم يقولون: إن علياً زوج ابنته بعمر وهو كافر، وتزوج محمد الباقر أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق -عليهم السلام- وعلى رأيهم الأمة كلهم كفار إلا من أخذ برأيهم، وتزويج الأئمة بالكفار أو إلى الكفار ينافي العصمة، لما فيه من المعصية والمخالفة للشرع، ثم يلزم من تكفيرهم الأمة الرد على النبي ﷺ في مراده، والمنع لأمره صلوات الله عليه وإرشاده، وهو قوله: ((تَنَاكَحُوا، تَنَاسَلُوا، أباهِي بِكُم الأمَمَ يَومَ القِيامَةِ، ولو بالسقط))([334]).
فإذا كفّر الرافضة أمة محمد ﷺ بمن تقع المباهاة عداً من النبي ﷺ للأمم؟ ترى بمن خالف شريعته، أو بمن كفّر صحابته وأمته، أو بمن أبطل الجمعة والجماعة وأكثر في حق أصحابه وأزواجه قبح القول الشنيع؟! حاشا وكلا، أن تقع المباهاة إلا بمن كان لسنته متبعاً، ولم يكن ضالاً ولا مبتدعاً.
ذكر شيء من ذم الرافضة
ما ورد على لسان رسول الله ﷺ وغيره
قال ﷺ لعلي -كرم الله وجهه-: ((يا عَليٌ، أنتَ وَشِيْعَتُكَ فِي الجنَّةِ، وَسَيَجيءٌ قومٌ يَدَّعونَ وِلايَتَكَ، لَهُمْ لَقَبٌ يُقَالُ لَهُمْ: الرَّافِضَة، فَإذا أدْرَكْتَهُمْ فاقْتُلْهُمْ، فَإنَّهم مُشْرِكونَ)) قال: يا رسول الله ما علامتهم؟ قال: ((يا عَليٌ، لَيْسَتْ لَهُمْ جُمْعَةٌ ولا جَماعَةٌ، يَسُبُّونَ أبَا بَكْرٍ وعمرَ))([335]).
وقال رسول الله ﷺ: ((إذَا رَأيْتُمْ الذينَ يَسُبُّونَ أصْحَابِي فَقُولوا: لَعَنَ الله شَرَّكُمْ))([336]).
وقال رسول الله ﷺ: ((ألا وإنَّ الله قَدْ فَرَضَ عَلَيْكُمْ صلاةً، وهيَ: الجُمُعَةُ، فَمَنْ تَرَكَها في حيَاتي وبَعْدَ مَمَاتي، ولَهُ إمَامٌ عادِلٌ أو جَائِرٌ، فَلا جَمَعَ الله شَمْلَهُ، ولا بارَكَ لهُ فِي أمْرِهِ، ألا ولا صلاةَ لهُ ولا صَوْمَ لهُ))([337]).
لم يترك النبي ﷺ للرافضة في هذا الحديث احتجاجاً ولا عذراً في ترك الجمعة بقوله: ((ولَهُ إمَامٌ عادِلٌ أو جَائِرٌ)) لأنهم يزعمون أنه لا يصح الصلاة إلا خلف إمام معصوم، فلما قال: ولا جائر، بطل ما تمسكوا به من القول الذي لا أصل له ولا حقيقة، ولحقهم دعوة النبي ﷺ فلا جمع الله شمله ولا بارك له في أمره.. الحديث.
وقوم يدَّعون بقوله النبي ﷺ محللاً الدعاء عليهم، كيف يرجى صلاحهم أو كيف يؤمل رشدهم وصلاحهم؟
وقال رسول الله ﷺ: ((أرْبَعَةُ أصْنافٍ مِنْ أمّتيْ ليْسَ لَهُم نَصيْبٌ في الإسلامِ ولا فِـي الجنّةِ، ولا يُكَلِّمُهُمُ الله، ولا يَنْظُرُ إليْهِم يَـوْمَ القِيَامَةِ، ولا يُزَكّيهم، ولا يَقْبَلُ مِنْهُم صَرْفاً ولا عَدْلاً)) قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: ((المرجئةُ والقَدَريّةُ والجَهميّةُ والرّافِضَةُ)) قيل: يا رسول الله، فما المرجئة؟ قال: ((قَوْمٌ يَكونونَ في آخِرِ الزّمانِ، يَقُولونَ: الإيمانُ قَوْلٌ بِلا عملٍ، ألا وإنَّ الإيمانَ قوْلٌ وعملٌ، يَزيدُ بالطّاعةِ وينقصُ بالمَعْصِيَةِ)) قيل: يا رسول الله، وما القدرية؟ قال: ((قَوْمٌ يَكونونَ في آخِرِ الزّمانِ، يَقُولونَ: الخَيْرُ مِنَ الله والشَّرُّ مِنْ أنْفُسِنا ومِنَ إبليسَ، ألا وإنَّ الخَيْرَ والشَّرَّ كُلُّهُ منَ الله تَعَالى)) فسئل: يا رسول الله، وما الجهمية؟ قال: ((قَوْمٌ يَكونونَ في آخِرِ الزّمانِ، يَقُولونَ: القرآنُ مَخْلُوقٌ، ألا وإنَّ القُرآنَ كلامُ الله غيرُ مَخْلُوقٍ، منهُ بدا وَإليْهِ يعودُ)) فسئل: يا رسول الله، فما الرافضة؟ قال: ((قَوْمٌ يَكونونَ في آخِرِ الزّمانِ يَرْفُضُونَ الدِّينَ بِبُغْضِ أبي بَكْرٍ وعُمَرَ، فَمَنْ أبْغَضَهُما فَعَليهِ لعنَةُ الله ولعنَةُ اللاعِنينَ))([338]).
وقال العوام بن حوشب: أدركت من أدركت من هذه الأمة وهم يقولون: اذكروا محاسن أصحاب رسول الله ﷺ حتى تألف عليه القلوب، ولا تذكروا ما شجر بينهم فتحرشوا الناس عليهم([339]).
وقال الشعبي: فضلت اليهود والنصارى على الرافضة بخصلة، سئلت اليهود عن خير أهل ملتهم، فقالوا: أصحاب موسى، وسئلت النصارى عن خير ملتهم، فقالوا حواري عيسى، وسئلت الرافضة عن شر أهل ملتهم، فقالوا: أصحاب محمد ﷺ ([340]).
وقال ابن إدريس([341]) من المفسرين في قوله ﷻ: ] مُّحَمَّدٞ رَّسُولُ ٱللَّهِۚ وَٱلَّذِينَ مَعَهُۥٓ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلۡكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيۡنَهُمۡۖ [ إلى قوله: ] لِيَغِيظَ بِهِمُ ٱلۡكُفَّارَۗ [ [الفتح 29] ما آمن أن يكونوا ضارعوا الكفار، يعني: الرافضة؛ لأن الله تعالى قال: ] لِيَغِيظَ بِهِمُ ٱلۡكُفَّارَۗ [([342]).
وقال رسول الله ﷺ: ((يكونُ في آخرِ الزَّمَانِ قَومٌ يُنْبَزونَ بالرافضةِ، يَرْفُضُونَ الإسلامَ ويَلْفَظونَهُ، فاقْتُلوهُمْ فإنَّهُم مُشْرِكون))([343]).
ومن أكبر ضلالتهم، وأعظم جهالتهم كلامهم في القدر والمشيئة، وجعلهم مع الله تعالى شريكاً في ملكه يحكم في الشر وأهله، كما يحكم الله تعالى في الخير وأهله، وهو جعلهم ذلك إلى الشيطان وإلى النفس، وأن الله تعالى لم يقضِ بذلك، ولم يقدّره، وكذلك قد جعلوا لنفوسهم مشيئة، وقد خالفوا في ذلك الكتاب والسنة وأقوال السلف الصالح، أما الكتاب فقد قال الله تعالى فيه: ] وَمَا تَشَآءُونَ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُۚ [ [الإنسان 30] .
وقال تعالى: ] وَلَوۡ أَنَّنَا نَزَّلۡنَآ إِلَيۡهِمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَحَشَرۡنَا عَلَيۡهِمۡ كُلَّ شَيۡءٖ قُبُلٗا مَّا كَانُواْ لِيُؤۡمِنُوٓاْ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ [ [الأنعام 111] .
وقال: ] مَن يَهۡدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلۡمُهۡتَدِۖ وَمَن يُضۡلِلۡ فَلَن تَجِدَ لَهُۥ وَلِيّٗا مُّرۡشِدٗا ١٧ [ [الكهف 17] .
وقال تعالى: ] يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهۡدِي مَن يَشَآءُۚ [ [النحل 93] .
وقال الله تعالى: ] وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيۡنَ ٱلۡمَرۡءِ وَقَلۡبِهِۦ [ [الأنفال 24] .
وقال تعالى: ] وَلَوۡ شَآءَ رَبُّكَ لَأٓمَنَ مَن فِي ٱلۡأَرۡضِ كُلُّهُمۡ جَمِيعًاۚ أَفَأَنتَ تُكۡرِهُ ٱلنَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُواْ مُؤۡمِنِينَ ٩٩ [ [يونس 99] .
وقال تعالى: ] وَلَوۡ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ ٱلنَّاسَ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗۖ [ [هود 118] . وقال: ] فَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يَهۡدِيَهُۥ يَشۡرَحۡ صَدۡرَهُۥ لِلۡإِسۡلَٰمِۖ وَمَن يُرِدۡ أَن يُضِلَّهُۥ يَجۡعَلۡ صَدۡرَهُۥ ضَيِّقًا حَرَجٗا [ [الأنعام 125] .
وقال تعالى: ] وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشۡرَكُواْۗ وَمَا جَعَلۡنَٰكَ عَلَيۡهِمۡ حَفِيظٗاۖ وَمَآ أَنتَ عَلَيۡهِم بِوَكِيلٖ ١٠٧ [ [الأنعام107] .
وقال أبو هريرة: كنت جالساً عند رسول الله ﷺ إذ دخل عليه قوم يتنازعون في القدر، فأنزل الله تعالى: ] إِنَّ ٱلۡمُجۡرِمِينَ فِي ضَلَٰلٖ وَسُعُرٖ ٤٧ يَوۡمَ يُسۡحَبُونَ فِي ٱلنَّارِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمۡ ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ ٤٨ إِنَّا كُلَّ شَيۡءٍ خَلَقۡنَٰهُ بِقَدَرٖ ٤٩ [ [القمر 47-49].
وقال أبو عبد الرحمن السلمي: لما نزلت هذه الآية: ] إِنَّا كُلَّ شَيۡءٍ خَلَقۡنَٰهُ بِقَدَرٖ ٤٩[ [القمر 49] قال رجل: يا رسول الله، ففيمَ العمل؟ في شيء نستأنفه، أو في شيء قد فرغ منه؟ قال رسول الله ﷺ: ((اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ له))([344]) ثم تلا هذه الآية: ] فَسَنُيَسِّرُهُۥ لِلۡيُسۡرَىٰ ٧ [ [الليل 7] و ] فَسَنُيَسِّرُهُۥ لِلۡعُسۡرَىٰ ١٠ [ [الليل 10] .
وقال أبو أمامة الباهلي: أشهد لسمعت رسول الله ﷺ يقول: ((إنَّ هَذِهِ الآيةَ نُزِلَتْ في القَدَرِيَّةِ: ] إِنَّ ٱلۡمُجۡرِمِينَ فِي ضَلَٰلٖ وَسُعُرٖ ٤٧ [ الآية)) [القمر 47 ]([345]).
وقال عطاء: جاء أسقف نجران إلى رسول الله ﷺ، فقال: أتزعم يا محمد أن المعاصي بقدر، والبخار بقدر، والنماء بقدر، وهذه الأمور بقدر، أما المعاصي فلا.. فقال رسول الله ﷺ: ((أنتُمْ خُصَماءُ الله تعالى)) فأنزل الله تعالى: ] إِنَّ ٱلۡمُجۡرِمِينَ فِي ضَلَٰلٖ وَسُعُرٖ ٤٧[ الآية [القمر 47]([346]) .
وأما السنة وقول السلف الصالح: قال رسول الله ﷺ: ((لَنْ يؤمِنَ عَبْدٌ حتى يُؤمِنَ بالقَدَرِ خيْرِهِ وَشَرِّهِ))([347]).
وقال ابن عباس: القدر نظام التوحيد، فمن وحد الله تعالى وآمن بالقدر فهي العروة الوثقى التي لا انفصام لها([348]).
وقال ابن عباس: كل شيء بقدر، حتى وضعك يدك على خدك([349]).
وقال علي الرضا بن موسى: حدثني أبي موسى، قال: حدثني أبي جعفر الصادق، قال: حدثني أبي محمد الباقر، قال: حدثني أبي زين العابدين، قال: حدثني أبي الحسين، قال: حدثني أبي علي بن أبي طالب، قال: قال رسول الله ﷺ: ((إنَّ الله قدَّرَ المَقاديرَ ودَبَّرَ التَّدابيرَ قبلَ خلْقِ آدَمَ بألفَي عامٍ))([350]).
قال عمرو بن زرارة: كنت جالساً عند رسول الله ﷺ، فقال: ] إِنَّ ٱلۡمُجۡرِمِينَ فِي ضَلَٰلٖ وَسُعُرٖ ٤٧ [ [القمر 47] إلى آخر السورة. فقال رسول الله ﷺ: ((نُزِلَتْ هَذهِ الآياتُ في أناسٍ يَكونونَ في آخِرِ الزَّمانِ يَكْذِبونَ بِقَدَرِ الله ﷻ))([351]).
عن عمر بن الخطاب t قال: بينما نحن مع رسول الله ﷺ إِذْ جاء رَجلٌ هيئته هيئة مسافر، وثيابه ثياب مقيم، فقال: يا رسول الله، أدنو منك؟ فدنا منه حــتـى وضع يديه على ركبتيه، فقال: يا رسول الله، ما الإِسْلَام؟ فقال: ((الْإِسْلَامُ أَنْ تُسْلِمَ وَجْهَكَ لله عَزَّ وجلَّ، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤديَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ)) قال: فــإنْ فَــعَـلْتُ ذلِكَ فأناَ مُسْلِمٌ؟ قال: ((نَعَمْ)) قال: صَدَقْتَ! قلنا: أنظروا كيف يسأله وكيف يصدقه؟! وقال: يا رسول الله، فما الْإِيمَان؟ قال: ((أَنْ تُؤْمِنَ بِالله ﷻ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، [وَرُسُلِهِ]، وبِالموْتِ، والبَعْثِ، والجنَّةِ، والنَّارِ، وَبِالْقَدَرِ كُلِّهِ -وفي رواية أبي هريرة- خَيْرِهِ وَشَرِّهِ)) قال: فإذا فعلت ذلك فقد آمنت؟ قال: ((نعم)) قال: صَدَقْتَ! قلنا: أنظروا كيف يسأله وانظروا كيف يصدقه؟! وقال: يا رسول الله، فمتى الساعة؟ قال: ((ما المسْئُولُ عنها بِأَعْلَمَ من السَّائِلِ)) قال: صدقت، قلنا: أنظروا كيف يسأله وكيف يصدقه؟! ثم ولى، قال رسول الله ﷺ عليَّ بالرجل، فطلب فما وجدوه، قال: فقال: ((جِبْرِيلُ جَاءَ يُعَلِّمُ النَّاسَ دِينَهُمْ))([352]).
عن الحارث الأعور قال: قام رجل إلى أمير المؤمنين علي -كرم الله وجهه-، فقال: يا أمير المؤمنين، أخبرني عن القدر، فقال: طريق مظلم لا تسلكه، فقال: أخبرني عن القدر، فقال u: أيها السائل إن الله خلقك كما شاء أو كما شئت؟ قال: بل كما شاء، قال: يبعثك يوم القيامة كما شاء أو كما شئت؟ قال: كما شاء، قال: أيها السائل ألك مع الله مشيئة أو فوق مشيئة الله مشيئة أو دون مشيئة الله مشيئة؟ فإن زعمت أن لك دون مشيئة الله مشيئة، فقد اكتفيت بها عن مشيئة الله تعالى، وإن زعمت أن لك مع مشيئة الله مشيئة فقد ادعيت الشركة، وإن زعمت أن لك فوق مشيئة الله تعالى مشيئة فقد انفردت بالربوبية، ويحك ألست تسأل الله العافية؟ قال: بلى، قال: ومن أي شيء تسأل الله العافية؟ قال: من البلاء، قال: ألست تقول: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم؟ قال: بلى، قال: هل تعلم تفسيرها؟ قال: لا، بل علمني يا أمير المؤمنين، قال: تفسيرها إن العبد لا يقدر على طاعة الله، ولا قوة له على المعصية، فلا حول له عن المعصية إلا بالله، ولا قوة له على الطاعة إلا بمعونة الله، فإن الله تعالى يشج ويداوي، فمنه الداء ومنه الدواء، أعقلت عن الله؟ قال: نعم، فقال علي u: ألآن أسلم أخوكم، قفوا فصافحوه، ثم قال عند ذلك: لو وجدت رجلاً من أهل القدر لأخذت برقبته حتى أكسرها، وإنهم يهود هذه الأمة ونصاراها ومجوسها([353]).
وقال عطاء بن أبي رباح: أتيت ابن عباس t وهو ينزع من زمزم وقد ابتلت أسافل ثيابه، فقلت له: قد تُكُلِّم في القدر، قال: أوقد فعلتموها؟ قلت: نعم، قال: والله ما نزلت هذه الآية إلا فيهم: ] ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ ٤٨ إِنَّا كُلَّ شَيۡءٍ خَلَقۡنَٰهُ بِقَدَرٖ ٤٩ [ [القمر 48 و 49] أولئك شرار هذه الأمة، لا تعودوا مرضاهم، ولا تصلوا على موتاهم، إذا رأيت أحدهم فقأت عينه بأصبعي هاتين!([354]).
وقال كعب الأحبار: نجد في التوراة إن القدرية يسحبون في النار على وجوههم([355]).
وقال أنس بن مالك: تماروا عند رسول الله ﷺ في القدر، فكره ذلك كراهية شديدة، كأنما فقئ في وجهه حب الرمان، فقال: ((فِيْمَ أنْتُمْ؟)) قالوا: تمارينا في القدر، فقال رسول الله ﷺ: ((كُلُّ شيءٍ بِقَدَرٍ، حتَّى هَذِهِ)) وأشار بأصبعه السبابة، حتى ضرب على ذراعه الأيسر([356]).
وقد ورد في الأخبار: ((القدرية مجوس هذه الأمة))([357]).
وقيل لابن عباس t: إن ههنا قوماً يقولون في القدر، فقال: إنهم يكذبون بكتاب الله ﷻ، إن الله تعالى كان عرشه على الماء قبل أن يخلق شيئاً، ثم خلق فكان أول ما خلق الله تعالى القلم، أمره فقال: اكتب، فكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة أو قيام الساعة، فإنما يجزى الناس على أمر قد فرغ منه([358]).
وقال رسول الله في حديث طويل مشهور بقوله لابن عباس حين أردفه: ((جَفَّ القَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ إلى يَوْمِ القِيَامَةِ))([359]).
وفي الحديث: ((السَّعيدُ مَنْ سَعدَ في بَطْنِ أمِّهِ والشَّقِيُّ مَنْ شَقِيَ في بَطْنِ أمِّهِ))([360]).
وكان رسول الله يقول في دعائه في الوتر: ((وَقِناَ شَرَّ ماَ قَضَيْتَ))([361]).
وقال الله تعالى: ] قُلۡ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلۡفَلَقِ ١ مِن شَرِّ مَا خَلَقَ ٢ [ [الفلق 1 و 2] .
ولا أرى شيئاً أكثر شراً ولا أعظم ضراً من المعصية التي توجب غضب الله وسخطه وأليم عقابه، نعوذ بالله من موجبات غضبه، ومن مقتضيات سخطه، ونسأله التوفيق لما يقرب إليه، ويوجب لنا رضاه، إنه جواد كريم، ونعتقد أن القضاء والقدر هما علم غيب يختصان بالله دون سائر خلقه، فلا يجوز أن ينازع ولا أن يعارض فيما يختص به من علم الغيب. وأما الأمر بالطاعة والنهي عن المعصية فأمران معروفان قد أدركتهما العقول، وأحاطت بهما الأفهام، فالخلق مجزون بما فهموه وعقلوه من الثواب على الطاعة، والعقاب على المعصية.
وقرأت لبعض الضالين الملحدين من الرافضة تفسير القرآن المجيد وقد نسبة إلى جعفر الصادق u بخرصاته عليه، وكذباً صريحاً بإعزاء ذلك إليه، وقد أقدم هذا الضال الملحد على أمر عظيم، ونجم بجهله على خطب عظيم، قد جمع في كتابه المشئوم عليه من الكذب على الله سبحانه وتعالى، ومن الكذب على رسول الله ﷺ وعلى الأئمة -عليهم السلام-، ثم نسب ذلك كله إلى جعفر الصادق u، قد دل كلامه الفاسد على عدم عقل ودين، وأشعرت أقواله بأنه رجل وضيع مهين.
فمن تفسيره أنه قال في قوله ﷻ: ] الٓمٓ ١ ذَٰلِكَ ٱلۡكِتَٰبُ لَا رَيۡبَۛ فِيهِۛ هُدٗى لِّلۡمُتَّقِينَ ٢ [ [البقرة 1 و 2] قال: هو الكتاب الذي كتبه النبي ﷺ لعلي u. ونفى هذه الفضيلة عن القرآن المجيد مع كونها صفة له.
وقال في قوله ﷻ: ] وَلِلَّهِ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰ فَٱدۡعُوهُ بِهَاۖ [ [الأعراف 180] قال: الأسماء الحسنى هم الأئمة -عليهم السلام-. وعدل بها عن الله ﷻ مع كونه قد أضافها إليه.
وقال فـي قـولـه ﷻ: ] وَمِن قَوۡمِ مُوسَىٰٓ أُمَّةٞ يَهۡدُونَ بِٱلۡحَقِّ وَبِهِۦ يَعۡدِلُونَ ١٥٩ [ [الأعراف 159] قال: هم الأئمة.
وقال في قوله تعالى: ] إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُ بِٱلۡعَدۡلِ [ هو محمد ﷺ ] وَٱلۡإِحۡسَٰنِ [ هو علي u، سمعاً وطاعة لهذا الرأي، ] وَيَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِ وَٱلۡبَغۡيِۚ[ [النحل 90] هو أبو بكر وعمر وعثمان y.
وقال في قوله تعالى: ] وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ تَرَى ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى ٱللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسۡوَدَّةٌۚ [ [الزمر 60] المراد به أبو بكر وعمر.
وفي هذه السورة (الزمر) الذي قد فسرها هذا الزنديق فيها هذه الآية على ما فسرها، قال الله تعالى: ] وَٱلَّذِي جَآءَ بِٱلصِّدۡقِ [ [الزمر 33] قال: أمير المؤمنين علي u.
وغيره من المفسرين [قال]: ] وَٱلَّذِي جَآءَ بِٱلصِّدۡقِ ð[ هو محمد ] وَصَدَّقَ بِهِۦٓ [ أبو بكر.
وقال الله تعالى في هذه السورة: ] فَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى ٱللَّهِ [ [الزمر 32] الآية .
وهذا الكافر الزنديق فقد كذب على الله تكذيباً يستحق به اللعنة والخلود في النار.
وقال هذا الكافر الزنديق في قوله تعالى: ] رَبَّنَآ أَرِنَا ٱلَّذَيۡنِ أَضَلَّانَا مِنَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِ نَجۡعَلۡهُمَا تَحۡتَ أَقۡدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ ٱلۡأَسۡفَلِينَ ٢٩ [ [فصلت 29] قال: هما أبو بكر وعمر.
وفي هذا التفسير من الزندقة والكفر والضلالة والبله والغي والجهالة ما يستوجب لمعتقده وقائله الخلود في النار، ثم ما يجيء هذا الجاهل الضال هذا القول في هذه الآية مقولة أهل النار من الكفار من لدن آدم u إلى يوم القيامة، فأين أبو بكر وعمر من قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم من القرون الخالية قبل الإسلام حتى تقول تلك الأمم عن أبي بكر وعمر: أضلانا؟ وتفسيره لهذه الآية شبيه تفسيره الآية التي قال الله تعالى فيها: ] وَمِن قَوۡمِ مُوسَىٰٓ أُمَّةٞ يَهۡدُونَ بِٱلۡحَقِّ وَبِهِۦ يَعۡدِلُونَ ١٥٩ [ [الأعراف 159] قال هذا الـجـاهل الأبله: هم الأئمة -عليهم السلام-. وأين الأئمة من قوم موسى بن عمران؟ فإنما أصح [ما قاله] المفسرون من أهل التحقيق في قوله: ] ٱلَّذَيۡنِ أَضَلَّانَا مِنَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِ [ [فصلت 29] أنهما: قابيل بن آدم من الإنس؛ لأنه أول من عصى الله تعالى في الدنيا بقتل أخيه هابيل، ومن الجن: إبليس؛ لأنه أول من عصى الله تعالى من قبيل الجن.
وقال في تفسير قوله تعالى: ] وَإِذۡ أَسَرَّ ٱلنَّبِيُّ إِلَىٰ بَعۡضِ أَزۡوَٰجِهِۦ حَدِيثٗا فَلَمَّا نَبَّأَتۡ بِهِۦ [ [التحريم 3] الآية، قال: المراد به عائشة -رضي الله عنها- وحفصة، أسر النبي ﷺ إلى إحداهما حديثاً، وذلك أن النبي ﷺ تزوج بامرأة فيما بينه وبينها، فلم يشهد بذلك ولا أشعر به أحداً، وإن إحدى المرأتـيـن: عـائشة وحفصة -رضي الله عنهما وعن أبيهما- أطلعت عليه وهو حال مع تلك المرأة فاتهمته بالفاحشة، يقول هذا الزنديق أيضاً هذا اللفظ الشنيع الفظيع، فأسرها النبي ﷺ ذلك وقال لها: لا تشعري بذلك أحداً.
وقال هذا اللعين: وقال فيه قول آخر وهو أن رسول الله ﷺ قال لإحداهما: اعلمي أن أباك شيطان، وأنه من أهل النار، ولا تعلمي أباك. فانظر إلى هذا العقل الذاهب، والقول الفاسد الكاذب، والجهل المحكم، والضلال الشديد المبرم، وعدم العلم بأوامر النبي ﷺ ونواهيه، وأخلاقه الشريفة مع نسائه، وحسن عشرته لهن ولغيرهن ممن صحبه وعاشره، وحثه للأمة على حسن المعاشرة والصحبة، وقد كان يقول ﷺ: ((خَيْرُكُمْ خَيْرَكُمْ لأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي))([362]).
يقول مع مكارم أخلاقه: إن أباك شيطان، وإنه ضال مخلد في النار؟ أترى هذا الضال الملحد الذي قد افترى على النبي ﷺ الكذب أولاً، وعلى جعفر الصادق بنسبة ذلك التفسير إليه ثانياً، يريد حسن العشرة والتودد إلى شابة وطلب رضاها، وحسب هذا الكافر الزنديق الظالم الفسيق مؤاخذة ونكالاً وطرداً من رحمة الله تعالى ووبالاً قول النبي ﷺ: ((من كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ من النَّارِ))([363]).
كيف قد نسب [إلى] النبي ﷺ أنه تزوج ببنت شيطان، وذلك طعن فاحش في منصب النبوة وعصمتها وجزالة رأيها، مع كونه إنما كان فعاله وتزوجه إلى الصحابة واتصاله بأمر من الله تعالى ووحي كما قال فـي حـقـه ﷺ: ] وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلۡهَوَىٰٓ ٣ إِنۡ هُوَ إِلَّا وَحۡيٞ يُوحَىٰ ٤[ [النجم 3 و 4] وذلك إنه قيل عنه: إن أفعاله ﷺ وكلامه عن وحي من الله تعالى، إما أن يكون قرآناً يتلى، أو رسالة على لسان جبريل له، ثم إن هذا المفسر الضال الكثير الكذب والمحال قد مهد في أول كتابه قاعدة عجيبة وتوطئة قبيحة غريبة، وهو أنه قال: كلما يجيء في القرآن المجيد من ذكر المؤمنين والوعد بالجنة فالمراد به الأئمة وشيعته، وكلما جاء من ذكر الكافرين والفاسقين واستحقاق النار فالمراد من خالفهم ولم يأخذ برأيهم، وكل ذكر شيطن يجيء في القرآن فالمراد به عمر بن الخطاب! وهذه آراء خالية عن العقل، إذ هي دالة على أحكام الضلال والجهل.
ومن أعجب ما رأيت من عقول الرافضة التي هي إلى الضلال والكفر مسارعة وناهضة أنني دخلت الكوفة، فأقمت بها مدة شهرين، وقصدت خزانة كتب بها قد وقفها بعض عظماء العلويين ومتعبديهم وفضلائهم، فحضرت تلك الخزانة، وأخذت الفهرست لأختار منه ما أطلع فيه وأنقل منه ما استصلح، فرأيت في جملة الكتب كتاب المفيد المعروف بالنعمان أبعده الله تعالى من رحمته، وأحله دار غضبه ونقمته، قد سماه كتاب (محاسن العيون) فرأيت هذا الاسم ظننت أن الذي فيه مناسب لاسمه، وإذا مضمون الكتاب تكفير الصحابة، ويقول: الدليل على كفر أبي بكر، الدليل على كفر عمر، الدليل على كفر عثمان، الدليل على كفر عائشة، الدليل على إيمان أبي طالب، فيقيم الدليل على كفر صالحي المؤمنين، وإيمان الكافرين، فرأيت أدلة شيطان خالٍ عن دين وإيمان، قد دلت أدلته على كفره، وزندقته، وأشعرت أقواله الكاذبة بجهله وضلالته، ثم قد كتب على ظهر هذا الكتاب وقف صورتها: هذا ما وقفه وحبسه وتصدق به على طلاب العلم فلان الدين فلان بن فلان، بعد أن أطال الكاتب في التعظيم للواقف والتبجيل، وجعل هذا الوقف تقرباً إلى الله تعالى، وطلباً لثوابه، فتعجب من هذه الأهواء الواهية، والآراء السخيفة المتلاشية، كيف كان هذا جدها، وإليه انتهى اجتهادها وجهدها، والذي رأيت أن كل كتاب أنظر فيه، وأمعن النظر في قول مصنفه وراويه، ودل على فضل مصنفه وعلمه ورزانة عقله وفهمه، وأبان تصنيفه عن صحة عقيدته، وصدق مقصده وإرادته، إلا ما كان من تصانيف هذه الفئة الضالة التي أمرها مبني على الغي والجهالة، فإن مصنفاتهم تدل على شدة الهوى، وهدم الرشد والقوى، مقاصدهم فيها ذميمة، وأغراضهم غير صالحة ولا مستقيمة، وتدل على عدم العقل، ووجود الضلال المحكم الجهل.
ورأيت في كتاب (المقالات) للمفيد -لعنه الله- يقول: اجتمعت الإمامية على أن من [لم] يقدم علياً كافر ظالم مخلد في النار. فلو أن هذا الجاهل الكافر علم عوار هذا الكلام وما فيه من القبح الأطلام، أو كان ذا بصيرة لما نسب أئمته إلى الضلال، وإن من اعتقد كفر أبي بكر وعمر وعثمان y وأنهم من أهل النار، فقد كذب على الله، وكذب على رسول الله ﷺ وكذّبهما، فقد كفر.
وقد نسب هذا الجاهل أئمته -عليهم السلام- إلى ذلك، وحاشَ لله وحاشا وكلا أن يكون ذلك خطر ببالهم، أو كان ذلك مناسباً لشرفهم وحالهم، بل كانوا بحق أصحاب رسول الله ﷺ مصدقين، وبما أثنى الله ورسوله مؤمنين، ونقول هذا المقيد في كتاب المقالات القول في تفضيل الأئمة على الأنبياء وعلى الملائكة، القول في علم الأئمة بالغيوب، إلى غير ذلك من الأقوال الشنيعة المخالفة لدين الإسلام والشريعة.
[فرق الرافضة] ([364])
وقد تفرقت طوائف الرافضة فرقاً كثيرة العدد، يلعن بعضها بعضاً، ويوسع أحدهم ما بناه الآخر هدماً ونقضاً.
فمنهم: (الكيسانية)([365]) أصحاب كيسان مولى أمير المؤمنين علي u، اعتقادهم أن الدين طاعة رجل، يعنون به الإمام، وذهب بعضهم إلى ترك الفرائض إذا وصل إلى طاعة الرجل، يعني الإمام، ويقولون بالحلول والرجعة بعد الموت، ويعتقدون أن الإمام قد أحاط بالعلوم كلها.
ومنهم: (المختارية)([366]) أصحاب المختار بن [أبي] عبيد، كان خارجياً، ثم صار زبيرياً، ثم صار شيعياً وكيسانياً، يقول بإمامة محمد بن الحنفية بعد علي t، وكان يأخذ الناس بالزخارف والتمويهات، والأباطيل والترهات، فمن مخازيه وزخارفه أنه كان عنده كرسي قد تم فدعاه الديباج، وزينه بأنواع الزينة، فقال: هذا من ذخائر أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه، وهو عندنا بمنزلة التابوت لبني إسرائيل، وكان إذا حارب أحداً قدمه في براح الصف وكان يدَّعي أن الملائكة تجيء في نصرته في خيل بلق، فقال بعض من كان معه([367]) يعرّض بذكر الملائكة، استهزاءً بالمختار:
ألا أبـلــغ أبـا إسـحق أني | ||||
رأيت الخيل بلقاً مصمتات | ||||
أرى عـيـنـي ما لـم تنظراه | ||||
كـلانـا عـالـم بالتـرهـات | ||||
ومنهم: (الهاشمية) أتباع أبي هاشم ابن محمد بن الحنفية، ويدّعون أن الإمامة في أبي هاشم([368]) بعد أبيه محمد ابن الحنفية. ثم إن هؤلاء أصحاب أبي هاشم تفرقوا خمس فرق عجيبة الآراء والأهواء، من جملة عقولهم العجيبة، يقولون: إن الأرواح تنتقل إلى روح آخر، إما أن يكون إنساناً أو حيواناً، وإن الثواب والعقاب يحل بهذه الأشخاص التي انتقلت الروح إليها، وأقروا بالقيامة، وقالوا: إن إمامهم يعلم جميع الغيوب، وإنه من عرف إمامه لا حرج عليه في مطعم ولا مشرب، إلى غير ذلك من الضلالات.
ومنهم: (البيانية) أصحاب بيان بن سمعان الهذلي([369])، قال بإن الإمامة انتقلت من أبي هاشم إليه، وكان من الغلاة القائلين بأن علياً إله، ويقول: إن الرعد صوته والبرق تبسمه، وكتب من جملة ضلاله وجهله -أعني هذا بيان- إلى محمد الباقر u يدعوه إلى نفسه، ويقول له: أسلم تسلم، فأمر الباقر الرسول أن يأكل قرطاسه فأكله فمات في الحال.
ومنهم: (الرزامية) أصحاب رزام، ساقوا الإمامة إلى أبي هاشم ابن محمد ابن الحنفية، ثم إلى علي بن عبد الله بن عباس بالوصية، ثم إلى أبي محمد ابن علي، ثم إلى إبراهيم الإمام وهو صاحب أبي مسلم الخراساني، وقال هو الذي تتناسخ الأرواح، وقال أيضاً: إن الدين هو أمران: معرفة الإمام، وأداء الأمانة، فمن حصل له ذلك فقد وصل إلى الكمال، وارتفع عنه الكلف.
ومنهم: (الزيدية) أتباع زيد بن علي بن الحسين -عليهم السلام-، ساقوا الإمامة من ولد فاطمة -عليها السلام-، سواء كانوا من أولاد الحسن أو من أولاد الحسين، وعندهم أي فاطمي كان شجاعاً سخياً عالماً ادعى الإمامة يكون إماماً، ويجوز عندهم أن يكون إماماً في قطرين، وجوّزوا إمامة أبـي بكر -رضي الله عنه وأرضاه-، وإمامة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه وأرضاه-، وكان زيد يرى حقهما وفضلهما وسابقتهما، إلا أنه كان علي عنده أفضل منهما، فلما رأى أهل الكوفة والشيعة أنه لا يبرأ من الشيخين رفضوه، فسميت رافضة.
وتفرقت الزيدية ثلاث فرق:
- الجارودية، أصحاب أبي جارود([370]).
- وسلمانية.
- وصالحية.
- السلمانية([371])، أصحاب سلمان بن جرير، وكان يقول: إن الإمامة شورى فيما بين الخلق، ولهذا جوّز أصحابه إمامة أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما-؛ لاختيار الأمة لهما، وأنكر على الرافضة أمرين، أحدهما: الرجعة، والثاني: التقية.
- والصالحية، أصحاب الحسن بن صالح، قولهم في الإمامة كقول السلمانية، كانوا يقولون بصحة إمامة أبي بكر وعمر، ويقولون: إن علياً بايعهما راضياً طائعاً مختاراً، فهم راضون بما رضي به أمير المؤمنين، ويتوقفون في عثمان t.
ومنهم: (الباقرية) الرافضة والجعفرية، أتباع أبي جعفر محمد الباقر ابن جعفر الصادق -عليهما السلام-، وكان جعفر الصادق u ينهاهم عن الحماقات في الرجعة والتناسخ والحلول.
ومنهم: (الناوسية) أصحاب رجل يقال له: ناوس([372]).
ومنهم: (الأفطحية) قالوا بانتقال الإمامة من الصادق إلى ابنه عبد الله الأفطح، وهو أخو إسماعيل من أبيه وأمه.
ومنهم: (السمطية) أصحاب ابن أبي السمط.
ومنهم: (الإسماعيلية) الواقفة، ومنهم: الباطنية الملاحدة، يحلون ما حرم الله تعالى، ويقولون: الإمام إسماعيل بن جعفر، نص عليه.
ومنهم: (الموسوية) والمفضلية، قالوا: بإمامة موسى بن جعفر، واختلف أصحابه فيه، فمنهم من قال بموته، ومنم من قال: لم يمت.
ومنهم: (الاثنا عشرية) وبينهم خلاف كثير في أئمتهم يطول شرحه ههنا، وكذلك في المنتظر من هو من الأئمة؟ عدد الاثنا عشرية -عليهم السلام- عند الإمامية: المرتضى هو أمير المؤمنين علي u، المجتبى هو الحسن u، الشهيد هو الحسين u، السجاد هو علي ابن الحسين زين العابدين، الباقر محمد، ابنه الصادق جعفر، ابنه الكاظم هو موسى بن جعفر، الرضا علي ولده، التقي الزكي الحجة القائم المنتظر عليهم الصلاة والسلام وعلى آبائهم الطاهرين.
ومنهم: (الغلاة) وهم فرق كثيرة العدد، كلهم مرقوا من الدين، وفارقوا الإسلام والمسلمين، فغالوا في علي u وجعلوه إلهاً.
ومنهم: (السبأية) أصحاب عبد الله بن سبأ، كان زمن أمير المؤمنين علي u يهودياً، وأسلم إسلاماً غير صحيح، وكان قصده إضلال الأمة، وهو أول من قال بالغلو، وبكفر الصحابة، وقد كان نفاه أمير المؤمنين علي إلى المدائن، وكان يدعى أن علياً إله، وهو أول من قال بالرجعة والغيبة، وكان يقول: إن علياً لم يقتل وإنما هو في السحاب، وإن الرعد صوته، والبرق سوطه.
ومنهم: (الكاملية) أصحاب أبي كامل، قال هذا اللعين بتكفير جميع الصحابة بترك بيعة علي u، ثم طعن أيضاً في علي بتركه طلب حقه، ولم يعذره في القعود، وكان مذهبه أيضاً تناسخ الأرواح والحلول.
ومنهم: (العليائية) أصحاب العليان الأسدي([373])، وكان يفضل علياً على النبي ﷺ، وزعم -لعنه الله ولعن أمثاله- أنه بعث -يعني النبي ﷺ- ليدعو إلى علي، فدعا إلى نفسه. وله كلام رديء لا يليق ذكره، لعنه الله ولعن ما جاء به من الضلالة.
ومنهم: (المغيرية) أصحاب المغيرة بن سعد العجلي، زعم أن الإمامة بعد محمد بن علي بن [الحسين في محمد النفس الزكية ابن عبد الله بن الحسن بن([374])] الحسن الخارج بمدينة الرسول ﷺ، وأنه حي لم يمت، وله كلام لا يتكلم به عاقل، ولا يتصوره، ثم تكلم في التشبيه كلاماً رديئاً قد أعظم الفرية فيه على الله تعالى. وله أصحاب قد تفرقوا فراقاً كثيرة في الكفر والضلال.
ومنهم: (المنصورية) أصحاب أبي منصور العجلي، عزا نفسه إلى أبي جعفر ابن محمد الباقر، فلما طرده وأبعده دعا إلى نفسه بالإمامة، وكلامه في الاختلاط ما يجوز لي ذكره، فمن جملة اختلاطه أنه قال: الجنة رجل أمرنا بموالاته، وإن النار رجل أمرنا بمعاداته، فالرجل الذي أمرنا بمعاداته هو خصم الإمام، والذي أمرنا بموالاته هو الإمام.
ومنهم: (الخطابية) أصحاب أبي الخطاب ابن أبي زينب الأجدع، عزا نفسه إلى أبي عبد الله جعفر الصادق u، فلما أبعده الصادق عنه وتبرأ منه، دعا الأمر إلى نفسه، وله أقوال رديئة ننزه الكتاب عن ذكرها.
ومنهم: (الكيالية) أتباع محمد الكيال([375])، له كلام لا يتكلم به من بالمارستان في السلاسل!
ومنهم: (الهشامية)([376]) أصحاب الهشامين: هشام بن الحكم صاحب المقالة في التشبيه، وهشام بن سالم الجواليقي الذي نسج على منواله في التشبيه. وكان هشام بن الحكم من متكلمي الشيعة، وغلا هشام بن الحكم في علي u وقال: إنه إله واجب الطاعة.
ومنهم: (النعمانية) أصحاب محمد بن النعمان، وهو يقول بالتجسيم والتشبيه، قاتله الله وأمثاله على قبح فعالهم.
ومنهم: (اليونسية) أصحاب يونس بن عبد الرحمن القمي، وهو من مشبهة الشيعة أيضاً.
ومنهم: (النصيرية) و (الإسحاقية) من جملة الغلاة في علي u، أقوالهم كلها مبنية على صريح الكفر والضلال، وادعاء الإلهية في علي u.
فمن أنعم النظر في أقوال أهل البدع والضلال، والزيغ والاختلال، على اختلاف فرق مذاهب المسلمين، وجد طائفة الرافضة قد ذهبت إلى كل البدع المفرقة في الطوائف كلها، ففيهم المشبهة، والقدرية، ومن يقول بخلق القرآن المجيد، إلى غير ذك من البدع، فالحمد لله الذي عافانا مما ابتلاهم به، وطهّر قلوبنا مما ملئت منه قلوبهم من الغل والحقد والبغض لأصحاب رسول الله ﷺ، ولصالحي الأمة، وجعل عقيدتنا عقيدة السلف الصالح من أمة محمد ﷺ، وهو أن نعتقد أن الله تعالى واحد أحد، فرد صمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، قديم أزلي، لا أول لوجوده ولا آخر لدوامه، ليس بجسم، ولا ما يتصوره وهم، منزه عن أمارات الحدث، منفرد بالقدم عن كل محدث، موصوف بما وصف به نفسه في كتابه، وعلى لسان نبيه ﷺ، لا يدخل العقل في إيجاب معرفته وتسميته، ولا نعلم ذلك إلا بفضله من جهته، فهو السميع لجميع المسموعات، البصير لجميع المبصرات، القادر على جميع المقدورات، العالم لجميع المعلومات، الخالق البارئ المصور لجميع المخلوقات، المريد لجميع الحوادث والمرادات، الحي الدائم الباقي المتكلم، الحكيم في جميع المصنوعات، لا إله إلا هو، ولا رب سواه، ليس ه شريك ولا وزير، ولا مثل ولا نظير، ولا ند ولا ضد ولا ظهير، منزه عن الصاحبة والأولاد، وما كان فيه نقص وفساد، قدّر المقادير قبل أن يخلق الخلق، وفرغ مما هو كائن إلى قيام الساعة، فلا يكون في جميع المخلوقات إلا ما قد أراده وقضاه، وقدّره وأمضاه، وكل ما وجد فيها من عمل، أو أثر، أو رزق، أو أجل، أو خير، أو شر، أو نفع، أو ضر، أو طاعة، أو معصية، أو هداية، أو ضلالة، فبقضائه وقدره، أحاط به علمه، وأحصاه كتابه، ونفذت فيه مشيئته، لا واجب عليه من عبيده، فمن أثابه فبفضله، ومن عاقبه فبعدله، بعث محمداً ﷺ إلى الخلق كافة، وختم به النبيين، ونسخ بشريعته ما خالفها من الشرائع، وجعل معجزته الدالة على صدقه وصحة نبوته القرآن العزيز، الذي عجز جميع الخلق عن معارضته، وأكد ذلك بما ظهر له وعلى يديه من البراهين القاهرة، والدلالات الظاهرة، كانشقاق القمر، واستنزال المطر، وإزالة الضرر، ونبع الماء من بين أصبعيه، وتسبيح الحصاة في يديه، وكلام البهائم له، وحنين الجذع اليابس إليه، وغير ذلك مما استفاض.
ونعتقد أن الإيمان عقل وقول وعمل، يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية، قال الله ﷻ: ] وَٱلَّذِينَ ٱهۡتَدَوۡاْ زَادَهُمۡ هُدٗى [ [محمد 17] .
ولا تكون الزيادة إلا بعد النقصان، وقال: ] وَمَا زَادَهُمۡ إِلَّآ إِيمَٰنٗا وَتَسۡلِيمٗا ٢٢ [ [الأحزاب 22] . وقال: ] وَإِذَا تُلِيَتۡ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتُهُۥ زَادَتۡهُمۡ إِيمَٰنٗا [ [الأنفال 2] .
إلى غير ذلك من الآيات الدالة على زيادة الإيمان، فالعقل: التصديق بالله وبملائكته وكتبه ورسله، وجميع ما أخبر به، والقول: الشهادة لله وحده بالربوبية، ولنبيه ﷺ بالرسالة، والعمل: هو الالتزام بما وردت به الشريعة من قول وفعل وترك، والإسلام مبني على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم شهر رمضان، وحج البيت إن استطاع إليه سبيلاً، والقرآن كلام الله ﷻ، غير مخلوق ولا حادث ولا محدث، كيفما قرئ وتلي وكتب وحفظ، وأفضل أمة محمد ﷺء أصحابه من المهاجرين والأنصار، وأفضلهم العشرة الذين شهد لهم النبي ﷺ بالجنة، وهم: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وسعد، وسعيد، وأبو عبيدة ابن الجراح، وعبد الرحمن بن عوف، وأفضلهم المبدأ بذكره، ونعترف لأهل بيت رسول الله ﷺ بفضلهم وحقهم، عليهم الصلاة والسلام، ونعترف لأزواج النبي ﷺ بحقهن، ونستغفر لجميع الصحابة، ونذكر محاسنهم، ونمسك عما شجر بينهم.
ونؤمن بعذاب القبر ونعيمه، ومشاهدة منكر ونكير، ومسائلتهما، وإجابتهما، ونؤمن بالبعث والنشور، وبالجنة والنار، والحساب، والصراط، والميزان، وأن الجنة والنار مخلوقتان، وقد علم الله من يدخلهما من عباده، ونؤمن بالحوض، وشفاعة النبي ﷺ، ونؤمن برؤية الله تعالى يوم القيامـة لأهل الإيمان والتوحيد، قال الله تعالى: ] وُجُوهٞ يَوۡمَئِذٖ نَّاضِرَةٌ ٢٢ إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٞ ٢٣ [ [القيامة 22 و 23]
وقال رسول الله ﷺ وقـد سـئـل عن رؤية الله تعالى يوم القيامة، قال: ((هَلْ تُضَامُّونَ في رؤيةِ الشَّمسِ بِالظَهيْرةِ ضَوْءٌ ليْسِ بِها سَحَابٌ؟)) قالوا: لا، قال: ((هَل تُضَامُّونَ في رؤيَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ ضَوْءٌ ليْسَ فيهِ سَحَابٌ؟)) قالوا: لا، قال: ((وَهَلْ تُضَامُّونَ في رؤيَةِ الله يَوْمَ القِيَامَةِ إلا كَمَا تُضَامُّونَ في رؤيةِ أحَدِهِمَا؟))([377]).
ولكل كلمة في هذه العقيدة دليل واضح من الكتاب والسنة، لا ينكره إلا خاطئ، ولا يرده إلا معاند.
ونقول: إنا نؤمن بآيات الصفات، وأخبار الصفات، ونصدق بها غير متأولين ولا جاحدين ولا مشبهين، بل نمرها على ما جاءت، وسئل الإمام الشافعي -رضي الله عنه وأرضاه- عن آيات الصفات وأخبار الصفات، فقال: آمنت بما جاء من عند الله على مراد الله، وبما جاء من عند رسول الله ﷺ على مراد رسول الله ﷺ، ونقول مع آيات الصفات وأخبار الصفات وإمرارها على ما جاءت كما قال تعالى: ] لَيۡسَ كَمِثۡلِهِۦ شَيۡءٞۖ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ ١١ [ [الشورى 11] .
ذكر فصل
نختم به هذا الباب
وهو إني أقول قولاً مبنياً على الإنصاف والاقتصاد، خالصاً من شائبة التعصب والعناد: إن من كان مذهبه تقديم علي u وتفضيله، وكان حبه له أكثر من حب سائر الصحابة، وكان قد نزهه الله تعالى وعصمه من بغضهم والتعرض لأعراضهم بقول أو فعل أو فساد نية، بل كان يرى فضلهم وحبهم وسابقتهم، ويعتقد اعتقاداً صحيحاً لا يشوبه شك، ولا يتداخله ارتياب أنهم كانوا على الحق، وأن خلافتهم حق، وهم غير ظالمين ولا عاصين، وأنهم في الجنة كما أخبر الله ﷻ ورسوله ﷺ عنهم في الكتاب العزيز والأخبار الصحيحة، كان غير داخل في الضلالة، ولا مجلوباً له بالغي والجهالة، بل يقول([378]) له: لقد قدمت مقدماً كريماً، وفضلت فاضلاً عظيماً، وكان للتفضيل والتقديم أهلاً، وإمام حق قد ملأ الله قلبه علماً وفضلاً، إلا أنه يكون قد خالف الإجماع، وفارق الجماعة، ومذهب الجمهور والأئمة الأربعة، وذلك محدر عظيم، وصاحبه على خطر جسيم.
وأقول: لو أن الخلافة عقدت لعلي -كرم الله وجهه- قبل أبي بكر الصديق المقدم المفضل رضي الله عنه وأرضاه، لكان وقعت موقعها، كما أنه تقمصها أبو بكر رضي الله عنه و أرضاه حلت منه موضعها، فالسعيد من كان قلبه لهم سليماً، ووده لهم خالصاً، وحبه مستقيماً، فالحب لهم وفيهم إذا خرج عن حده، ومال صاحبه عن منهج الحق وقصده، صار هوى مردياً، وضلالاً مؤذياً يؤدي صاحبه إلى الضلال، وربما أفضى به إلى الكفر والإشراك. فنعوذ بالله من غلبة الهوى، ومن خلع قناع الحياء وجلاب التقوى، ونسأله حسن الوفيق، وسلوك منهج أهل اليقين والتحقيق، وأن نسلم من الشبه عقائدنا، ونطهر من الشوائب مطالبنا ومقاصدنا، إنه على ما يشاء قدير، وبالإجابة جدير.
الباب الرابع في الرد على العدوية واليزيدية
هؤلاء اليزيدية قوم قد استحوذ على عقولهم الشيطان، وحال بينهم وبين عقولهم، ووسوس لهم محبة يزيد بن معاوية، وهو غلط لمن هو بالمقت أولى، وبالبغض أحق وأحرى، وقد كانت مدة خلافته ثلاث سنين: سنة حاصر الكعبة الشريفة، ونصب عليها المنجنيق، وسنة أخاف مدينة الرسول -صلوات الله عليه وسلامه-، وقتل فيها أهل الحرم، وهم أشراف المدينة وأبناء المهاجرين والأنصار، وسنة قتل فيها الحسين بن علي -عليهما السلام-، وجماعة من أهل بيته وإخوته -عليهم السلام-، وجرى في حق حرمهم ما هو معلوم من حملهن على الأقتاب إلى الشام.
ثم إن يزيد بن معاوية([379]) هو أول من أظهر شرب الخمر جهاراً من غير استتار ولا مبالاة بحكم الشريعة، بل كسر حرمتها بإظهار المعصية، غير متحاشٍ ولا مبالٍ بصاحب الشريعة بل كسر حرمتها، ويقال: التهاون بالمعصية والسرور بها أعظم من ارتكابها، ويقال: من عصى الله تعالى وهو يضحك دخل النار، وهو أول من اتخذ الغلمان، ولعب بالخيول، وتفكه بما يضحك المترفون والملوك، ولعب بالقرود والديكة والكلاب، وما كان عرف ذلك قبله في أول الإسلام، ثم إنه اشتغل باللعب واللهو عن القيام بأمر العباد ومصالح البلاد، ولم يكن يعرف قبله اللهو واللعب في أمراء المسلمين.
قال رسول الله ﷺ: ((من سَنَّ سُنَّةَ خَيْرٍ كَانَ لَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ من عَمِلَ بها إلى يَوْمِ القِيَامَةِ، وَمَنْ سَنَّ سُنَّةَ شَرٍّ كانَ عليهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ من عَمِلَ بها إلى يَوْمِ القِيَامَةِ))([380]).
وقيل: إنه كان سبب موتة يزيد بن معاوية إن قردة له على أتان له، وركب هو خلفها وجعل يركض بالقردة، فسقط، فاندقت عنقه، وانقطع في جوفه شيء أوجب موته، وهي خاتمة سوء لقبح أفعاله، ومناسب حركاته الذميمة وحاله.
وقيل: إن عبد الله بن أحمد بن حنبل -رحمه الله تعالى- سأل أباه فقال: أتحب يزيد، فقال: يا بني، وهل يحب يزيد من يؤمن بالله تعالى واليوم الآخر؟! فقال له: أفتلعنه؟ فقال: ألعن من لعنه الله، فقال: وهل لعنه الله؟ فقال: قال الله تعالى: ] فَهَلۡ عَسَيۡتُمۡ إِن تَوَلَّيۡتُمۡ أَن تُفۡسِدُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَتُقَطِّعُوٓاْ أَرۡحَامَكُمۡ ٢٢ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فَأَصَمَّهُمۡ وَأَعۡمَىٰٓ أَبۡصَٰرَهُمۡ ٢٣ [ [محمد 22 و 23] .
ثم قال: يا بني أي قطيعة أشد من القتل؟([381]).
وحسبه إثماً وجرماً ما جرى في ولايته وعلى يده من حصار مكة -شرفها الله تعالى-، ونصب المنجنيق، على الكعبة الشريفة، وإخافة أهل المدينة، وكسر حرمتها، وقتل أهل الحرة وهم عظماء قريش من المهاجرين والأنصار، وقتل الحسين وأهل بيته -صلوات الله عليهم وسلامه- ظلماً وتعدياً، قال الله تعالى: ] وَمَن يَقۡتُلۡ مُؤۡمِنٗا مُّتَعَمِّدٗا فَجَزَآؤُهُۥ جَهَنَّمُ خَٰلِدٗا فِيهَا وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِ وَلَعَنَهُۥ وَأَعَدَّ لَهُۥ عَذَابًا عَظِيمٗا ٩٣[ [النساء 93] .
وقـال رسول الله ﷺ: ((من مالأ على قَتْلِ نَفْسٍ مُؤْمِنةٍ جاءَ يوْمَ القيَامَةِ مَكْتُوبٌ بين عَيْنَيْهِ: آيِسٌ من رَحْمَةِ الله))([382]).
ومن أعظم المآخذ على معاوية إلزامه أهل الحرمين الشريفين من عظماء بني هاشم، وإشراف قريش، وأبناء المهاجرين والأنصار بالبيعة ليزيد ولده، وتهديد من خالف بالقتل مع علمه بحاله ولعبه وعدم استصلاحه لذلك الأمر الجليل، ومع علمه أن هناك من هو أولى منه وأحرى.
فتمسك هؤلاء الجهال([383]) بحب يزيد والإطراء فيه جهلاً منهم، وعدم علم بحقيقة حاله، حتى إنهم يقولون لفرط هواهم وضلالتهم: من لم يحب يزيد يحل لنا دمه وماله، ولا يجوز الصلاة خلفه، وخلف أئمة الجمهور، وتأخروا عن حضور الجمعة، وكان قد أضل هؤلاء الجهال في الدخول في هذه الضلالة والبدعة هو حسن بن عدي([384]) من سواد الموصل، استغوى وأضل خلقاً كثيراً، ووصلت رسله بالضلالة والدعاء إلى مذهبه المبني على الغي والجهالة إلى بلد هيت والكبيسات من تلك الجهة، فغلبوا على رأي جماعة من جهات تلك النواحي ورعاعهم، واستحوذ على عقول سخيفة، وآراء واهية ضعيفة، فأضلوهم وشكلوا في أذهانهم الجامدة وعقولهم الناقصة الفاسدة أن الشكلة والنقطة من القرآن المجيد، ومن لم يقل بذلك فهو عندهم كافر ضال، ثم يتكلمون في ذلك وليس فيهم من يصح قراءة الفاتحة، ولا يعرف قبيله من دبيره، وإنما يقلدون حسن بن عدي الضال المضل، ولقد ناظرت منهم جماعة ممن اتفق حضورهم عندي في بطلان دعوتهم في حق يزيد، وفي الشكلة والنقطة، وقلت لهم من أمر يزيد ما تقدم ذكره مما جرى في ولايته من الأمور الشنيعة، والأسباب المخالفة لدين الإسلام والشريعة، ثم قلت لهم في أمر الشكلة والنقطة إنهما محدثان، أما الشكلة فأحدثها النحاة لأجل إقامة الإعراب، إذ لولاها لما عرف المرفوع من المجرور والمنصوب، ولاشتبه الحال على القارئ في المصحف الكريم، ولأدت الحال إلى اللحن في القرآن العزيز، وتغير نظمه ومعانيه، ولم ينقل أن مصحف عثمان u كان فيه شكلة ولا نقطة، وإنما كان يفصل بين الآيات بثلاث نقط، وأما النقطة فأحدثها الكتاب لاشتباه الحروف بعضها من بعض، فإنه لولا النقطة لما عرفت الباء من التاء والثاء، ولا الجيم من الحاء والخاء، وغير ذلك من سائر الحروف، ولأدت الحال إلى التصحيف والتحريف والتغير في القرآن المجيد عند قراءته من المصحف الكريم، وإذا كان الشكلة والنقطة قد أحدثها النحاة والكتاب كان ذلك محدثاً، والقرآن العزيز صفة قديمة، والحروف كلها قديمة؛ لأن الله تعالى قد تكلم بها، كقوله: ] الٓمٓ [ و ] الٓر [ و ] كٓهيعٓصٓ [ إلى غير ذلك من الحروف، ثم إن الحروف يشتمل القرآن العزيز عليها فكيف تكون الشكلة والنقطة من القرآن العزيز وهما محدثان كما قدمنا، وهذا جهل من قائله.
وقلت أيضاً لمن حظر عندي من اليزيدية العدوية: أرأيتم لو أن كاتباً كتب مصحفاً كريماً وأخلاه من شكلة ونقطة أكان سمي ذلك مصحفاً كاملاً وقرآناً تاماً أم لا؟ وإذا حلف بذلك المصحف الخالي من شكلة ونقطة حالفٌ ينعقد يمين الحالف به أم لا؟ فإن قلتم: إنه يكون مصحفاً تاماً وقرآناً كاملاً، وتنعقد يمين الحالف به مع خلوه من الشكلة والنقطة، دل على أن الشكلة والنقطة ليستا منه بشيء، وإن قلتم: إنه لا يسمى قرآناً وإنه ناقص يحتاج إلى تتمة، ولا تنعقد يمين الحالف، كان هذا القول من قائله كفراً وضلالاً، وعدم فهم، واختلالاً، ويشبه هذا القول قول جماعة من المحدثين يقولون: إن جميع ما يحتوي عليه المصحف الكريم، حتى الورق والمداد قرآن، ويقولون: إن ما بين الدفتين قرآناً، ويحتجون بقول النبي ﷺ: ((لَا تُسَافِرُوا بِالْقُرْآنِ إلى أرْضِ العَدوِّ))([385])، وليس ثم إلا الورق والمداد، وهذا القول من هؤلاء أعجب وأعظم من أرباب الشكلة والنقطة.
قد مضى القول بأن القرآن صفة من صفات الله -سبحانه وتعالى-، والمداد فمصنوع من عدة حوائج قد ركبت وشوهدت، وصنعها محدث، ولون المداد مختلف تارة أسود، وتارة أحمر، وتارة مذهب، فكيف يجعل المحدث قديماً، وإنما الحروف التي تأتلف بالمداد، ويشاهدها القارئ، وتصل إلى فهم، هي القرآن المجيد لا المداد نفسه، وقراءة هذه الحروف هي سر من أسرار الله تعالى علمها الإنسان تكريماً له وتفضيلاً، قال الله تعالى: ] ٱلرَّحۡمَٰنُ ١ عَلَّمَ ٱلۡقُرۡءَانَ ٢ خَلَقَ ٱلۡإِنسَٰنَ ٣ عَلَّمَهُ ٱلۡبَيَانَ ٤ [ [الرحمن 1- 4] . قال المفسرون: البيان هو الخط.
وقال الله تعالى: ] ٱقۡرَأۡ وَرَبُّكَ ٱلۡأَكۡرَمُ ٣ ٱلَّذِي عَلَّمَ بِٱلۡقَلَمِ ٤ عَلَّمَ ٱلۡإِنسَٰنَ مَا لَمۡ يَعۡلَمۡ ٥[ [العلق 3 – 5] يعني به الكتابة.
والذي يدل على أن المداد ليس من القرآن بشيء هو قوله تعالى: ] قُل لَّوۡ كَانَ ٱلۡبَحۡرُ مِدَادٗا لِّكَلِمَٰتِ رَبِّي لَنَفِدَ ٱلۡبَحۡرُ قَبۡلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَٰتُ رَبِّي وَلَوۡ جِئۡنَا بِمِثۡلِهِۦ مَدَدٗا ١٠٩ [ [الكهف 109] فجعل الله ﷻ الكلمات غير المداد، والمداد غير الكلمات.
وقال سبحانه وتعالى: ] وَلَوۡ أَنَّمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ مِن شَجَرَةٍ أَقۡلَٰمٞ وَٱلۡبَحۡرُ يَمُدُّهُۥ مِنۢ بَعۡدِهِۦ سَبۡعَةُ أَبۡحُرٖ مَّا نَفِدَتۡ كَلِمَٰتُ ٱللَّهِۚ [ الآية [لقمان 27]، وهي مثل الآية التي قبلها في الحكم، وقال المفسرون: هذه الآية دليل على أن القرآن المجيد غير مخلوق؛ لأن ما لا نهاية له هو غير مخلوق، وقد أخبر أن كلماته لا تنفد، والبحر ومن بعده سبعة أبحر إذا كانت مداداً نفد الجميع، فدل على أن الكلمات غير مخلوقة، وأما قول النبي ﷺ: ((لَا تُسَافِرُوا بِالْقُرْآنِ إلى أرْضِ العَدوِّ)).، فنحن نقول كذلك؛ لأن القرآن العزيز قد كتب بالمداد، وأودع المصحف الكريم، فلا ينبغي أن يسافر به إلى أرض العدو إجلالاً له وإكراماً، ولقد يحرم على الجنب والمحدث مس المصحف الكريم سواء كان قد مس الجلد أو الورق، أو حمله بالعلاقة، وكان ذلك التحريم تكريماً وتعظيماً للقرآن العزيز، وإن لم يحصل المباشرة للحروف بالمس، ولولا أني رأيت قوماً قد أفرطوا في القول من كون الشكلة والنقطة والمراد من القرآن المجيد وقد أطالوا حلقاً بذلك وشكلوا ذلك في أذهانهم لما تعرضت للكلام فيه؛ لكون الصحابة -عليهم السلام- والسلف الصالح -رحمهم الله تعالى- لم يتكلموا فيه بشيء، وإنما كان يقال: الضرورات تبيح المحظورات، والواجب على المسلم الذي يريد طريق السلامة والنجاة ترك الخوض في هذا، وفي آيات الصفات، وأخبار الصفات، ويقول: آمنا وصدقنا من غير تأويل ولا تعطيل، وإذا سمع القرآن العزيز من صوت القارئ، أو قرأه من المصحف الكريم، قال: هذا كلام الله -سبحانه وتعالى-، لا يتجاوز ذلك إلى غيره مما ذهب إليه أهل البدع من كونه مخلوقاً، ولا كون هذا الذي يتلى بالألسنة ويقرأ في المصاحف هو عبارة عنه، بل هو كلام الله -سبحانه وتعالى- قديم غير مخلوق ولا محدث، قال الله تعالى: ] وَإِنۡ أَحَدٞ مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ٱسۡتَجَارَكَ فَأَجِرۡهُ حَتَّىٰ يَسۡمَعَ كَلَٰمَ ٱللَّهِ [ [التوبة 6] .
وقال سبحانه وتعالى: ] وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكۡلِيمٗا ١٦٤[ [النساء 164] شرف الله تعالى موسى بذلك، ومــن عداه من الأنبياء -عليهم السلام- كان بوحي من الله تعالى على لسان الملائكة، قال الله سبحانه وتعالى: ] وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلَّا وَحۡيًا أَوۡ مِن وَرَآيِٕ حِجَابٍ أَوۡ يُرۡسِلَ رَسُولٗا فَيُوحِيَ بِإِذۡنِهِۦ مَا يَشَآءُۚ [ [الشورى 51] .
ونبينا ﷺ كلمه الله تعالى ليلة المعراج، لا وحياً ولا من وراء حجاب، كما ورد، وقيل: إنما سمي موسى u كليماً؛ لكون الله تعالى خصه واصطفاه بالكلام والخطاب، قال الله تعالى في حقه: ] إِنِّي ٱصۡطَفَيۡتُكَ عَلَى ٱلنَّاسِ بِرِسَٰلَٰتِي وَبِكَلَٰمِي فَخُذۡ مَآ ءَاتَيۡتُكَ وَكُن مِّنَ ٱلشَّٰكِرِينَ ١٤٤[ [الأعراف 144] .
قال مقاتل بن سليمان: فخذ ما آتيتك من النعمة بالرسالة والكلام من غير وحي.
وقال أمير المؤمنين علي u في أمر التحكيم: والله ما حكمت مخلوقاً، وإنما حكمت القرآن([386]).
والقرآن العزيز فيه محكم ومتشابه، قال الله تعالى: ] هُوَ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ مِنۡهُ ءَايَٰتٞ مُّحۡكَمَٰتٌ هُنَّ أُمُّ ٱلۡكِتَٰبِ وَأُخَرُ مُتَشَٰبِهَٰتٞۖ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمۡ زَيۡغٞ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَٰبَهَ مِنۡهُ ٱبۡتِغَآءَ ٱلۡفِتۡنَةِ وَٱبۡتِغَآءَ تَأۡوِيلِهِۦ[ قدمه على ابتغاء تأويله، ثم عطف على ذلك قوله تعالى: ] وَمَا يَعۡلَمُ تَأۡوِيلَهُۥٓ إِلَّا ٱللَّهُۗ [ وأثنى على الراسخين في العلم بقوله: ] وَٱلرَّٰسِخُونَ فِي ٱلۡعِلۡمِ يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِۦ كُلّٞ مِّنۡ عِندِ رَبِّنَاۗ [ [آل عمران 7] .
قالوا ذلك تسليماً وإيماناً به، فكان إيمانهم إيمان تسليم لا إيمان علم بالتأويل، وإنما سماهم ﷻ: راسخين في العلم؛ لأنهم ثبتوا على معتقداتهم، ولم تتراد بهم التأويلات مراميها، ولم ترمهم الأهواء والبدع بدواهيها، لا يضربون بعض القرآن ببعض، ولا يبغضون سنة رسول الله ﷺ، وقال الله تعالى: ] وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ ٱلۡعِلۡمِ إِلَّا قَلِيلٗا ٨٥ [ [الإسراء 85] جعل الله ممن فوض أمره إليه، وأحسن التوكل عليه.
وفيما يخوض فيه هؤلاء اليزيدية العدوية مع شدة جهلهم ونقص عقلهم في آيات الصفات وأخبار الصفات بغير علم ولا دراية، يتكلمون فيها كلاماً تصم الأسماع عند سماعه، وتذهل العقول لذكره وسماعه، فلو كان عندهم مهابة لجناب الله تعالى العظيم، وإجلالاً لوصفه الكريم، لأحجموا عن الخوض والتوسع في الكلام في آيات الصفات وأخبار الصفات، ورأوا أن الإمساك عنه هو طريق السلامة والنجاة، وأين هم من السلف الصالح وقد سئلوا عنها، فقالوا مع علمهم الغزير وفضلهم الواسع الكثير: مروها على ما جاءت أو كما جاءت، وقد تقدم عن الشافعي -رضي الله عنه وأرضاه- القول أنه سئل عن آيات الصفات وأخبار الصفات فقال: آمنت بما جاء عن الله على مراد الله، وبما جاء من عند رسول الله على مراد رسول الله ﷺ. وما كان الشافعي t عاجزاً عن أجوبة يقولها، وتوسع فيها، لكنه رأى أن العلم اللدني والأدب الرباني هو الإمساك، والذي يجب على المسلم المقتفي لآثارهم، السالك لطريقتهم هو الإيمان والتصديق بآيات الصفات وأخبار الصفات على ما جاءت من غير شرح لها ولا تأويل ولا تشبيه ولا تعطيل فإدراك معانيها وحقيقة ما أريد بها لا سبيل إلى الوقوف عليه لأحد من البشر، وقد قيل: إن آيات الصفات وأخبار الصفات جاءت مقفلة ومفاتيحها بيد الله ﷻ ورسوله ﷺ، وسئل مالك بن أنس t عن قوله ﷻ: ] ٱلرَّحۡمَٰنُ عَلَى ٱلۡعَرۡشِ ٱسۡتَوَىٰ ٥[ [طه 5] كيف استوى؟ قال: فأطرق مالك وعلاه الرحضاء، يعني العرق، وانتظر القوم ما يجيء منه، فرفع رأسه وقال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وأحسبك رجل سوء، وأمر به فأخرج([387]).
وقال سفيان بن عيينة t: كل ما وصف الله تعالى به نفسه في القرآن المجيد فقراءته تفسيره، بلا كيف ولا مثل([388]).
نعوذ بالله من التشبيه، والتمثيل، والإلحاد، والتعطيل، ونسأله سلوك طريق الصالحين، ومتابعة أوليائه المخلصين.
ورأيت في كتاب (ذم التأويل) لابن قدامة المقدسي -رحمه الله تعالى- يصف السلف الصالح y فيما يتعلق بالصفات، فقال: وعلموا أن المتكلم بها صادق لا شك في صدقه فصدقوه، ولم يعلموا حقيقة معناها فسكتوا عما لا يعلمون([389]).
وفيه أيضاً يقول: إن أصحاب الحديث المتمسكين بالكتاب والسنة يعرفون ربهم ﷻ بصفاته التي ينطق كتابه وتنزيله، وشهد بها رسول الله ﷺ على ما وردت به الأخبار الصحاح، ونقله العدول الثقات، ولا يعتقدون تشبيهاً لصفاته بصفات خلقه، ولا يكيفونها تكييف المشبهة، وقد أعاذ الله تعالى أهل السنة من التكييف والتحريف، ومنّ عليهم بالتفهيم والتعريف حتى سلكوا سبيل التوحيد والتنزيه، وتركوا القول بالتعطيل والتشبيه، واتبعوا قوله : ] لَيۡسَ كَمِثۡلِهِۦ شَيۡءٞۖ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ ١١[ [الشورى 11]([390]).
وقال أبو عبيدة: ما أدركنا أحداً يقرأ هذه الأحاديث -يعني به أحاديث الصفات- ونحن لا نفسرها([391]).
وقال الربيع بن سليمان: سئل الشافعي t عن صفة من صفات الله، فقال: حرام على العقول أن تمثل، وعلى الأوهام أن تحد، وعلى الظنون أن تقطع، وعلى النفوس أن تنكر، وعلى الضمائر أن تعمق، وعلى الخواطر أن تعقل، إلا ما وصف به نفسه، أو على لسان نبيه ﷺ ([392]).
وقال رسول الله ﷺ: ((عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مِنْ بَعْدِيْ، عَضُّوا عليها بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فإن كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ))([393]).
وقال رسول الله ﷺ: ((مَنْ أَحْدَثَ في أَمْرِنَا هذا ما ليس منه فَهُوَ رَدٌّ))([394])، يعني: مردود عليه.
وكان الصحابة والتابعون ينهون عن الخوض والسؤال عن آيات الصفات، وعن تأويل الآيات، حتى إنه قال سعيد بن المسيب: جاء ضبيع التميمي إلى عمر بن الخطاب t قال: يا أمير المؤمنين خبّرني عن الذاريات ذرواً، وعن الحاملات وقراً، قال: هي السحاب، ولولا أني سمعت رسول الله ﷺ يقوله ما قلته. قال: فأخبرني عن المقسمات أمراً، قال: هي الملائكة، ولولا أني سمعت رسول الله ﷺ يقوله ما قلته. قال: فأخبرني عن الجاريات يسراً، قال: هي السفن، ولولا أني سمعت رسول الله ﷺ يقوله ما قلته. ثم أمر به فضرب مائة، وجعله في بيت، فلما برأ عاد فضربه مائة أخرى، وحمله على قتب، وبعث إلى أبي موسى الأشعري t: امنع الناس عن مجالسته، فلم يزل كذلك حتى أتى أبي موسى فحلف بالأيمان المغلظة ما يجد في نفسه مما كان يجد، فكتب ذلك إلى عمر، فكتب إليه عمر يقول: إن كان صادقاً فمر الناس يجالسونه([395]).
وقال الله تعالى في ذم من شاقق الرسول ] وَمَن يُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ مِنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ ٱلۡهُدَىٰ وَيَتَّبِعۡ غَيۡرَ سَبِيلِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ نُوَلِّهِۦ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصۡلِهِۦ جَهَنَّمَۖ وَسَآءَتۡ مَصِيرًا ١١٥ [ [النساء 15] ومذهب السلف الصالح -رحمهم الله تعالى- هو الإيمان بصفات الله تعالى وأسمائه التي وصف بها نفسه، وسمى بها نفسه في كتابه وتنزيله، أو على لسان نبيه ﷺ من غير زيادة ولا نقصان، ولا تجاوز لها، ولا تفسير لها، ولا تأويل لها، مما يخالف ظاهرها، ولا تشبيه لها بصفات المخلوقين، ولا سمات المحدثين، بل نردها كما جاءت، ورد علمها إلى قائلها، ومعناها إلى المتكلم بها، ووصى بعضهم بعضاً بحسن الإتباع، والوقوف حيث وقف أولهم حذراً من التجاوز لهم، والقول عنهم، وقد بينوا لنا سبيلهم ومذهبهم، ونرجو أن يجعلنا الله تعالى ممن اهتدى بآثارهم.
وقال بعض العلماء: إن الله تعالى علم علماً علّمه العباد، وعلم علماً لم يعلّمه العباد، فمن طلب العلم الذي لم يعلّمه العباد لم يزدد منه إلا بعداً، والقدر منه.
وقال عمر بن الخطاب t: القيل قيل الله تعالى ألا وإن أحسن الهدي هدي محمد ﷺ وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة ضلالة([396]).
وقال ابن مسعود t: من كان منكم متأسياً فليتأسَ بأصحاب رسول الله ﷺ، فإنهم كانوا أبرّ هذه الأمة قلوباً، وأعمقها علماً، وأقلها تكلفاً، وأقومها هدياً، وأحسنها حالاً، قوماً اختارهم لصحبة نبيه ﷺ وإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم في آثارهم، فإنهم كانوا على الهدى([397]).
وقال بعض العلماء: قلت لأبي حنيفة -رحمه الله-: ما تقول فيما أحدث الناس من الكلام في الأعراض والأجسام؟ فقال: مقالات الفلاسفة، عليك بالأئمة وطريق السلف، وإياك وكل محدثة، فإنها بدعة([398]).
وقال الأوزاعي -رحمة الله عليه-: عليك بآثار السلف وإن رفضك الناس، وإياك وآراء الرجال وإن زخرفوه لك بالقول([399]).
وقال أبو إسحق: سألت الأوزاعي -رحمه الله تعالى-([400])، فقال: اصبر نفسك على السنة، وقف حيث وقف القوم، وقل كما قالوا، وكف كما كفوا عنه، واسلك سبيل سلفك الصالح، فإنه يسعك ما وسعهم، ولو كان هذا يعني ما حدث من البدع خيراً ما خصصتم به دون أسلافكم، فإنه لم يدخر عنهم خير خبَّأ لكم دونهم لفضل عندهم، وهم أصحاب رسول الله ﷺ الذين اختارهم لصحبة رسول الله ﷺ، وبعثه فيهم ووصفهم به، فقال عز من قائل: ] مُّحَمَّدٞ رَّسُولُ ٱللَّهِۚ وَٱلَّذِينَ مَعَهُۥٓ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلۡكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيۡنَهُمۡۖ تَرَىٰهُمۡ رُكَّعٗا سُجَّدٗا يَبۡتَغُونَ فَضۡلٗا مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضۡوَٰنٗاۖ [ [الفتح 29]([401]).
وقال أحمد بن حنبل t وأرضاه: أصول السنة عندنا: التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله ﷺ، والاقتداء بهم، وترك البدع، وكل بدعة فهي ضلالة([402]).
اللهم إنا نعوذ بك من الزيغ والضلال، ومن البدع المضلة والجهال، ونسألك أن تسلك بنا طريق أهل الاستقامة، وأن تدخلنا معهم دار المقامة والكرامة.
الباب الخامس فيما انتقي من صحيح البخاري فيما رواه الخلفاء الراشدون الأربعة رضي الله عنهم أجمعين
لكل منهم عشرة أحاديث
فمما رواه أبو بكر الصديق t
الحديث الأول
عَنْ أنَسٍ أنَّ أَبَا بَكْرٍ t كَتَبَ هذا الْكِتَابَ لَمَّا وَجَّهَهُ إلى الْبَحْرَيْنِ: بِسْمِ الله الرحمن الرَّحِيمِ هذه فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ التي فَرَضَ رسول الله ﷺ على الْمُسْلِمِينَ، وَالَّتِي أَمَرَ الله بها رَسُولَهُ، فَمَنْ سُئِلَهَا من الْمُسْلِمِينَ على وَجْهِهَا فَلْيُعْطِهَا، وَمَنْ سُئِلَ فَوْقَهَا فلا يُعْطِ مِنْ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ من الْإِبِلِ فما دُونَهَا من الْغَنَمِ، من كل خَمْسٍ شَاةٌ، إِذاَ بَلَغَتْ خَمْساً وَعِشْرِينَ إلى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ أُنْثَى، فإذا بَلَغَتْ سِتّاً وَثَلَاثِينَ إلى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ فَفِيهَا بِنْتُ لَبونٍ أُنْثَى، فإذا بَلَغَتْ سِتّاً وَأَرْبَعِينَ إلى سِتِّينَ فَفِيهَا حِقَّةٌ طَرُوقَةُ الْجَمَلِ، فإذا بَلَغَتْ وَاحِدَةً وَسِتِّينَ إلى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ فَفِيهَا جَذَعَةٌ، فإذا بَلَغَتْ يَعْنِي سِتّاً وَسَبْعِينَ إلى تِسْعِينَ فَفِيهَا بِنْتَا لَبُونٍ، فإذا بَلَغَتْ إِحْدَى وَتِسْعِينَ إلى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِيهَا حِقَّتَانِ طَرُوقَتَا الْجَمَلِ، فإذا زَادَتْ على عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِي كل أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبونٍ، وفي كل خَمْسِينَ حِقَّةٌ، وَمَنْ لم يَكُنْ معه إلا أَرْبَعٌ من الْإِبِلِ فَلَيْسَ فيها شَيْءٌ إلا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا، فإذا بَلَغَتْ خَمْساً من الْإِبِلِ فَفِيهَا شَاةٌ، وفي صَدَقَةِ الْغَنَمِ في سَائِمَتِهَا إذا كانت أَرْبَعِينَ إلى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ شَاةٌ، فإذا زَادَتْ على عِشْرِينَ وَمِائَةٍ إلى مِائَتَيْنِ شَاتَانِ، فإذا زَادَتْ على مِائَتَيْنِ إلى ثلاثمائة فَفِيهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ، فإذا زَادَتْ على ثلاثمائة فَفِي كل مِائَةٍ شَاةٌ، فإذا كانت سَائِمَةُ الرَّجلِ نَاقِصَةً من أَرْبَعِينَ شَاةً وَاحِدَةً فَلَيْسَ فيها صَدَقَةٌ إلا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا، وفي الرِّقَّةِ رُبْعُ الْعُشْرِ، فَإِنْ لم تَكُنْ إلا تِسْعِينَ وَمِائَةً فَلَيْسَ فيها شَيْءٌ إلا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا([403]).
الحديث الثاني
عن الْبَرَاءِ عن أبي بَكْرٍ t قال: انْطَلَقْتُ فإذا أنا بِرَاعِي غَنَمٍ يَسُوقُ غَنَمَهُ، فقلت: لِمَنْ أنت؟ قال لِرَجُلٍ من قُرَيْشٍ فَسَمَّاهُ، فَعَرَفْتُهُ، فقلت: هل في غَنَمِكَ من لَبَنٍ؟ فقال: نعم، فقلت: هل أنت حَالِبٌ لي؟ قال: نعم، فَأَمَرْتُهُ، فَاعْتَقَلَ شَاةً من غَنَمِهِ، ثُمَّ أَمَرْتُهُ أَنْ يَنْفُضَ ضَرْعَهَا من الْغُبَارِ، ثُمَّ أَمَرْتُهُ أَنْ يَنْفُضَ كَفَّيْهِ، فقال: هَكَذَا ضَرَبَ إِحْدَى كَفَّيْهِ بِالْأُخْرَى، فَحَلَبَ كُثْبَةً من لَبَنٍ، وقد جَعَلْتُ لِرَسُولِ الله ﷺ إِدَاوَةً على فَمِهَا خِرْقَةٌ، فَصَبَبْتُ على اللَّبَنِ حتى بَرَدَ أَسْفَلُهُ، فَانْتَهَيْتُ إلى النبي ﷺ فقلت: اشْرَبْ يا رَسولَ الله، فَشَرِبَ حتى رَضِيتُ([404]).
الحديث الثالث
عن عَائِشَةَ أَنَّ فَاطِمَةَ وَالْعَبَّاسَ -عَلَيْهِمَا السَّلَام- أَتَيَا أَبَا بَكْرٍ يَلْتَمِسَانِ مِيرَاثَهُمَا من رسول الله ﷺ وَهُمَا حِينَئِذٍ يَطْلُبَانِ أَرْضَيْهِمَا من فَدَكَ، وَسَهْمَهُمَا من خَيْبَرَ، فقال لَهُمَا أبو بَكْرٍ: سمعت رَسُولَ الله ﷺ يقول: ((لَا نُورَثُ، ما تَرَكْنَا صَدَقَةٌ، إنما يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ من هذا المالِ)) قال أبو بَكْرٍ: والله لَا أَدَعُ أَمْراً رأيت رَسُولَ الله ﷺ يَصْنَعُهُ فيه إلا صَنَعْتُهُ.
وفي رواية: لَقَرَابَةُ رسول الله ﷺ أَحَبُّ إلي أَنْ أَصِلَ من قَرَابَتِي([405]).
الحديث الرابع
عن عَائِشَةَ -رضي الله عنها وعن أبيها- قالت: لما ابْتُلِيَ الْمسْلِمُونَ خَرَجَ أبو بَكْرٍ مُهَاجِراً قِبَلَ الْحَبَشَةِ، حتى إذا بَلَغَ بَرْكَ الْغِمَادِ لَقِيَهُ ابن الدَّغِنَةِ، وهو سَيِّدُ الْقَارَةِ، فقال: أَيْنَ تُرِيدُ يا أَبَا بَكْرٍ؟ فقال أبو بَكْرٍ: أَخْرَجَنِي قَوْمِي، فَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَسِيحَ في الأرض، فَأَعْبُدَ رَبِّي، قال ابن الدَّغِنَةِ: إِنَّ مِثْلَكَ لَا يَخْرُجُ ولا يُخْرَجُ، فَإِنَّكَ تَكْسِبُ الْمعْدُومَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ على نَوَائِبِ الْحَقِّ، وأنا لك جَارٌ، فَارْجِعْ فَاعْبُدْ رَبَّكَ بِبِلَادِكَ، فَارْتَحَلَ ابن الدَّغِنَةِ، فَرَجَعَ مع أبي بَكْرٍ، فَطَافَ في أَشْرَافِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، فقال لهم: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ لَا يَخْرُجُ مِثْلُهُ، ولا يُخْرَجُ، أَتُخْرِجونَ رَجلًا يُكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَيَصِلُ الرَّحِمَ، وَيَحْمِلُ الْكَلَّ، وَيَقْرِي الضَّيْفَ، وَيُعِينُ على نَوَائِبِ الْحَقِّ؟ فَأَنْفَذَتْ قُرَيْشٌ جِوَارَ ابن الدَّغِنَةِ، وَآمَنُوا أَبَا بَكْرٍ، وَقَالُوا لابن الدَّغِنَةِ: مرْ أَبَا بَكْرٍ فَلْيَعْبُدْ رَبَّهُ في دَارِهِ، وَلْيُصَلِّ وَلْيَقْرَأْ ما شَاءَ، ولا يُؤْذِينَا بِذَلِكَ، ولا يَسْتَعْلِنْ بِهِ، فَإِنَّا قد خَشِينَا أَنْ يَفْتِنَ أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا، قال ذلك ابن الدَّغِنَةِ لِأَبِي بَكْرٍ، فَطَفِقَ أبو بَكْرٍ يَعْبُدُ رَبَّهُ في دَارِهِ، ولا يَسْتَعْلِنُ بِالصَّلَاةِ، ولا الْقِرَاءَةِ في غَيْرِ دَارِهِ، ثُمَّ بَدَا لِأَبِي بَكْرٍ فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ، وَبَرَزَ فَكَانَ يُصَلِّي فيه، وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ، فَيَتَقَصَّفُ عليه نِسَاءُ الْمُشْرِكِينَ وَأَبْنَاؤُهُمْ، يَتَعَجَّبُونَ، وَيَنْظُرُونَ إليه، وكان أبو بَكْرٍ رَجُلًا بَكَّاءً لَا يَمْلِكُ دَمْعَهُ حين يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، فَأَفْزَعَ ذلك أَشْرَافَ قُرَيْشٍ من الْمشْرِكِينَ، فَأَرْسَلُوا إلى ابن الدَّغِنَةِ، فَقَدِمَ عليهم، فَقَالُوا له: إِنَّا كنا أَجَرْنَا أَبَا بَكْرٍ على أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ في دَارِهِ، وَإِنَّهُ جَاوَزَ ذلك، فَابْتَنَى مَسْجِداً بِفِنَاءِ دَارِهِ، وَأَعْلَنَ الصَّلَاةَ وَالْقِرَاءَةَ، وقد خَشِينَا أَنْ يَفْتِنَ أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا، فَائْتِهِ فَإِنْ أَقْصَرَ على أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ في دَارِهِ فَعَلَ، وَإِنْ أَبَى إلا أَنْ يُعْلِنَ ذلك فَسَلْهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْكَ ذِمَّتَكَ، فَإِنَّا كَرِهْنَا أَنْ نُخْفِرَكَ، وَلَسْنَا مُقِرِّينَ لِأَبِي بَكْرٍ الِاسْتِعْلَانَ، قالت عَائِشَةُ -رضي الله عنها-: فَأَتَى ابن الدَّغِنَةِ أَبَا بَكْرٍ، فقال: قد عَلِمْتَ الذي عَقَدْتُ لك عليه، فَإِمَّا أَنْ تَقْتَصِرَ على ذلك وَإِمَّا أَنْ تَرُدَّ إلي ذِمَّتِي، فَإِنِّي لَا أُحِبُّ أَنْ تَسْمَعَ الْعَرَبُ أَنِّي أُخْفِرْتُ في رَجُلٍ عَقَدْتُ له، قال أبو بَكْرٍ: إني أَرُدُّ إِلَيْكَ جِوَارَكَ، وَأَرْضَى بِجِوَارِ الله، وَرَسُولُ الله ﷺ يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ، فقال رسول الله ﷺ: ((قد أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ، رأيت سَبْخَةً ذَاتَ نَخْلٍ بين لَابَتَيْنِ وَهُمَا الْحَرَّتَانِ)) فَهَاجَرَ من هَاجَرَ قِبَلَ الْمدِينَةِ حين ذَكَرَ ذلك رسول الله ﷺ، وَرَجَعَ إلى المَدِينَةِ بَعْضُ من كان هَاجَرَ إلى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَتَجَهَّزَ أبو بَكْرٍ مُهَاجِراً، فقال له رسول الله ﷺ: ((على رِسْلِكَ فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يُؤْذَنَ لي)) قال أبو بَكْرٍ: هل تَرْجُو ذلك بِأَبِي أنت؟ قال: ((نَعَمْ)) فَحَبَسَ أبو بَكْرٍ نَفْسَهُ على رسول الله ﷺ لِيَصْحَبَهُ، وَعَلَفَ رَاحِلَتَيْنِ كَانَتَا عِنْدَهُ وَرَقَ السَّمُرِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ([406]).
الحديث الخامس
عن أَنَس t أَنَّ أَبَا بَكْرٍ t كَتَبَ له فَرِيضَةَ الصَّدَقَةِ التي أَمَرَ الله رَسُولَهُ ﷺ: من بَلَغَتْ عِنْدَهُ من الْإِبِلِ صَدَقَةُ الْجَذَعَةِ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ جَذَعَةٌ، وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ منه الْحِقَّةُ، وَيَجْعَلُ مَعَهَا شَاتَيْنِ إن اسْتَيْسَرَتَا له، أو عِشْرِينَ دِرْهَماً، وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ الْحِقَّةِ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ الْحِقَّةُ، وَعِنْدَهُ الْجَذَعَةُ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ منه الْجَذَعَةُ، وَيُعْطِيهِ الْمصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَماً أو شَاتَيْنِ، وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ الْحِقَّةِ، وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ إلا بِنْتُ لَبُونٍ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ منه بِنْتُ لَبُونٍ، وَيُعْطِي شَاتَيْنِ أو عِشْرِينَ دِرْهَماً، وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ بِنْتَ لَبُونٍ، وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ منه الْحِقَّةُ، وَيُعْطِيهِ الْمُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَماً، أو شَاتَيْنِ، وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ بِنْتَ لَبُونٍ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ منه بِنْتُ مَخَاضٍ، وَيُعْطِي مَعَهَا عِشْرِينَ دِرْهَماً أو شَاتَيْنِ([407]).
الحديث السادس
عن أَنَسٍ قال: حدثني أبو بَكْرٍ قال: قلت كنت مع رسول الله ﷺ في الْغَارِ، فَرَأَيْتُ آثَارَ المُشْرِكِينَ، قلت: يا رَسُولَ الله، لو أَنَّ أَحَدَهُمْ رَفَعَ قَدَمَهُ رَآنَا، قال: ((ما ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ الله ثَالِثُهُمَا))([408]).
الحديث السابع
عن أَنَس t أَنَّ أَبَا بَكْرٍ t كَتَبَ له الفريضة التي فَرَضَها رسول الله ﷺ ولا يُجْمَعُ بين مُتَفَرِّقٍ، ولا يُفَرَّقُ بين مُجْتَمِعٍ، خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ([409]).
الحديث الثامن
عن عبد الله بن عَمْرٍو عن أبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ t أَنَّهُ قال لِرَسولِ الله ﷺ: عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ في صَلَاتِي، قال: ((قُلْ: اللهم إني ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْماً كَثِيراً، ولا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلا أنت، فَاغْفِرْ لي مَغْفِرَةً من عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِي إِنَّك أنت الْغَفُورُ الرَّحِيمُ))([410]).
الحديث التاسع
عن عَائِشَةَ -رضي الله عنها وعن أبيها- قالت: أَقْبَلَ أبو بَكْرٍ t على فَرَسِهِ من مَسْكَنِهِ بِالسُّنْحِ، حـتـى نَزَلَ، فَدَخَلَ الْمسْجِدَ، فلم يُكَلِّمْ الناس حتى دخل على عَائِشَةَ -رضي الله عنها-، فَتَيَمَّمَ النبي ﷺ وهو مُسَجّى بِبُرْدِ حِبَرَةٍ، فَكَشَفَ عن وَجْهِهِ، ثُمَّ أَكَبَّ عليه فَقَبَّلَهُ، ثُمَّ بَكَى، فقال: بِأَبِي أنت يا نَبِيَّ الله، لَا يَجْمَعُ الله عَلَيْكَ مَوْتَتَيْنِ، أَمَّا المَوْتَةُ التي كُتِبَتْ عَلَيْكَ فقدمتها. قال ابن عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: إنَّ أَبَا بَكْرٍ t خَرَجَ وَعُمَرُ t يُكَلِّمُ الناس، فقال: اجْلِسْ، فَأَبَى، فقال: اجْلِسْ، فَأَبَى، فَتَشَهَّدَ أبو بَكْرٍ t فَمَالَ إليه الناس، وَتَرَكُوا عُمَرَ، فقال: أَمَّا بَعْدُ، فَمَنْ كان مِنْكُمْ يَعْبُدُ مُحَمَّداً ﷺ فإن مُحَمَّداً ﷺ قد مَاتَ، وَمَنْ كان يَعْبُدُ الله فإن اللهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ، قال الله تَعَالَى: ] وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٞ [ إلى: ] ٱلشَّٰكِرِينَ [ [آل عمران 144] والله لَكَأَنَّ الناس لم يَكُونُوا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَهَا حتى تَلَاهَا أبو بَكْرٍ t فَتَلَقَّاهَا منه الناس فما يُسْمَعُ بَشَرٌ إلا يَتْلُوهَا([411]).
الحديث العاشر:
عن أَنَس أَنَّ أَبَا بَكْرٍ t كَتَبَ له الصدقة التي أَمَرَ الله رَسُولَهُ ﷺ: ولا يُخْرَجُ في الصَّدَقَةِ هَرِمَةٌ، ولا ذَاتُ عَوَارٍ، ولا تَيْسٌ إلا ما شَاءَ الْمصَدِّقُ([412]).
ما أختير مما رواه أمير المؤمنين
عمر بن الخطاب t
الحديث الأول
عن عَلْقَمَةَ قال: سمعت عُمَرَ t على الْمِنْبَرِ قال: سمعت رَسُولَ الله ﷺ يقول: ((إنما الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ ما نَوَى، فَمَنْ كانت هِجْرَتُهُ إلى دُنْيَا يُصِيبُهَا أو إلى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إلى ما هَاجَرَ إليه))([413]).
الحديث الثاني
عن ابن عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنْ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ أَصَابَ أَرْضاً بِخَيْبَرَ، فَأَتَى النبي ﷺ يَسْتَأْمِرُهُ فيها، فقال: يا رَسُولَ الله، إني أَصَبْتُ أَرْضاً بِخَيْبَرَ لم أُصِبْ مَالًا قَطُّ أَنْفَسَ عِنْدِي منه، فما تَأْمُرُ بِهِ؟ قال:((إن شِئْتَ حَبَسْتَ أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْتَ بها)) قال: فَتَصَدَّقَ بها عُمَرُ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ، ولا يُوهَبُ، ولا يُورَثُ، وَتَصَدَّقَ بها في الْفُقَرَاءِ، وفي الْقُرْبَى، وفي الرِّقَابِ، وفي سَبِيلِ الله، وابن السَّبِيلِ، وَالضَّيْفِ، لَا جُنَاحَ على من وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ منها بِالْمعْرُوفِ، وَيُطْعِمَ غير مُتَمَوِّلٍ([414]).
الحديث الثالث
عن طَارِقِ بن شِهَابٍ، عن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ أَنَّ رَجُلاً من الْيَهُودِ قال له: يا أَمِيرَ الْمؤْمِنِينَ، آيَةٌ في كِتَابِكُمْ تقرؤونها لو عَلَيْنَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ نَزَلَتْ لَاتَّخَذْنَا ذلك الْيَوْمَ عِيداً، قال: أَيُّ آيَةٍ؟ قال: ] ٱلۡيَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِينَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ نِعۡمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلۡإِسۡلَٰمَ دِينٗاۚ [ [المائدة 3] قال عُمَرُ: قد عَرَفْنَا ذلك الْيَوْمَ، وَالْمكَانَ الذي نَزَلَتْ فيه على النبي ﷺ وهو قَائِمٌ بِعَرَفَةَ يوم جُمُعَةٍ([415]).
الحديث الرابع
عن عَاصِمَ بن عُمَرَ عن عُمَرَ t قال: قال رسول الله ﷺ: ((إذا أَقْبَلَ اللَّيْلُ من هَا هُنَا، وَأَدْبَرَ النَّهَارُ من هَا هُنَا، وَغَرَبَتْ الشَّمْسُ، فَـقَـدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ))([416]).
الحديث الخامس
عن عَمْرِو بن مَيْمُونٍ قال شَهِدْتُ عُمَرَ t صلى بِجَمْعٍ الصُّبْحَ، ثُمَّ وَقَفَ فقال: إِنَّ المُشْرِكِينَ كَانُوا لَا يُفِيضُونَ حتى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَيَقُولُونَ: أَشْرِقْ ثَبِيرُ، وَأَنَّ النبي ﷺ خَالَفَهُمْ، ثُمَّ أَفَاضَ قبل أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ([417]).
الحديث السادس
عن أَنَسٍ قال: قال عُمَرُ t: وَافَقْتُ رَبِّي في ثَلَاثٍ، فقلت: يا رَسُولَ الله، لو اتَّخَذْنَا من مَقَامِ إبراهيم مُصَلّى، فَنَزَلَتْ: ] وَٱتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبۡرَٰهِۧمَ مُصَلّٗى [ [البقرة 125] وَآيَةُ الْحِجَابِ، قلت: يا رَسُولَ الله، لو أَمَرْتَ نِسَاءَكَ أَنْ يَحْتَجِبْنَ، فإنه يُكَلِّمُهُنَّ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، فَنَزَلَتْ آيَـةُ الْحِجَابِ، وَاجْتَمَعَ نِـسَـاءُ الـنـبـي ﷺ في الْغَيْرَةِ عليه فقلت لَهُنَّ: ] عَسَىٰ رَبُّهُۥٓ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبۡدِلَهُۥٓ أَزۡوَٰجًا خَيۡرٗا مِّنكُنَّ [ [التحريم 5] فَنَزَلَتْ هذه الْآيَةُ([418]).
الحديث السابع
عن ابن عَبَّاسٍ t قال: شَهِدَ عِنْدِي رِجَالٌ مَرْضِيُّونَ وَأَرْضَاهُمْ عِنْدِي عُمَرُ أَنَّ النبي ﷺ نهى عن الصَّلَاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ حتى تَشْرُقَ الشَّمْسُ، وَبَعْدَ الْعَصْرِ حتى تَغْرُبَ([419]).
الحديث الثامن
عن ابن عُمَرَ -رضي الله عنهما- قال: سمعت عُمَرَ يقول: كان رسول الله ﷺ يُعْطِينِي الْعَطَاءَ فَأَقُولُ: أَعْطِهِ من هو أَفْقَرُ إليه مِنِّي، [حَتىَّ إِذاَ أَعْطاَنيِ مَرَّةً ماَلاًّ، فَقُلْتُ أَعْطِهِ مَنْ هُوَ أَفْقَرُ إِلَيْهِ مِنيِّ]، فقال: خُذْهُ، إذا جَاءَكَ من هذا المَالِ شَيْءٌ وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ ولا سَائِلٍ، فَخُذْهُ، وما لَا، فلا تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ([420]) .
الحديث التاسع
عن ابن عُمَرَ قال: أَخَذَ عُمَرُ جُبَّةً من إِسْتَبْرَقٍ تُبَاعُ في السُّوقِ، فَأَخَذَهَا فَأَتَى رَسُولَ الله ﷺ فقال: يا رَسُولَ الله، ابْتَعْ هذه تَجَمَّلْ بها لِلْعِيدِ وَالْوُفُودِ، فقال له رسول الله ﷺ: ((إنما هذه لِبَاسُ من لَا خَلَاقَ له)) فَلَبِثَ عُمَرُ ما شَاءَ الله أَنْ يَلْبَثَ، ثُمَّ أَرْسَلَ إليه رسول الله ﷺ بِجُبَّةِ دِيبَاجٍ، فَأَقْبَلَ بها عُمَرُ، فَأَتَى بها رَسُولَ الله ﷺ فقال: يا رَسُولَ الله، إِنَّكَ قُلْتَ: إنما هذه لِبَاسُ من لَا خَلَاقَ له، وَأَرْسَلْتَ إلي بِهَذِهِ الْجُبَّةِ؟ فقال له رسول الله ﷺ: ((تَبِيعُهَا أو تُصِيبُ بها حَاجَتَكَ))([421]).
الحديث العاشر
عن ابن عُمَرَ -رضي الله عنهما- قال: سمعت عُمَرَ يقول: قال لي رسول الله ﷺ: ((إِنَّ اللهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ)) قال عُمَرُ: فَوَالله ما حَلَفْتُ بها مُنْذُ سمعت النبي ﷺ ذَاكِراً ولا آثِراً([422]).
ومما أختير مما رواه أمير المؤمنين
عثمان بن عفان t
الحديث الأول
قال عُثْمَان t قال رسول الله ﷺ: ((خَيْرُكُمْ من تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ))([423]).
الحديث الثاني
عن حُمْرَانَ مولى عُثْمَانَ t أَنَّهُ دَعَا بِإِنَاءٍ، فَأَفْرَغَ على كَفَّيْهِ ثَلَاثَ مِرَارٍ، فَغَسَلَهُمَا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَمِينَهُ في الْإِنَاءِ، فَمَضْمَضَ، وَاسْتَنْشَقَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثاً، وَيَدَيْهِ إلى الْمِرْفَقَيْنِ ثَلَاثَ مِرَارٍ، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلَاثَ مِرَارٍ إلى الْكَعْبَيْنِ، ثُمَّ قال: قال رسول الله ﷺ: ((من تَوَضَّأَ نحو وُضُوئِي هذا، ثُمَّ صلى رَكْعَتَيْنِ، لَا يحدث فِيهِمَا نَفْسَهُ غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ من ذَنْبِهِ))([424]).
الحديث الثالث
عن عُبَيْدَ الله الْخَوْلَانِيّ أَنَّهُ سمع عُثْمَانَ بن عَفَّانَ t يقول عِنْدَ قَوْلِ الناس فيه حين بَنَى مَسْجِدَ الرَّسُولِ ﷺ: إِنَّكُمْ أَكْثَرْتُمْ، وَإِنِّي سمعت النبي ﷺ يقول: ((من بَنَى مَسْجِداً يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ الله، بَنَى الله له مثله في الْجَنَّةِ))([425]).
الحديث الرابع
عن عُثْمَانَ قال: ألا أُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا لَوْلَا آيَةٌ ما حَدَّثْتُكُمُوهُ، سمعت النبي ﷺ يقول: ((لَا يَتَوَضَّأُ رَجُلٌ يُحْسِنُ وُضُوءَهُ وَيُصَلِّي الصَّلَاةَ إلا غُفِرَ له ما بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ حتى يُصَلِّيَهَا )) قال عُرْوَةُ: الْآيَةَ ] إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡتُمُونَ مَآ أَنزَلۡنَا [ [البقرة 159]([426]).
الحديث الخامس
عن عُثْمَانَ قال: قال النبي ﷺ: ((إِنَّ أَفْضَلَكُمْ من تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ))([427]).
الحديث السادس
عن أبي عبد الرحمن أَنَّ عُثْمَانَ t حيث حُوصِرَ أَشْرَفَ عليهم وقال: أَنْشُدُكُمْ اللهَ، ولا أَنْشُدُ إلا أَصْحَابَ النبي ﷺ أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ الله ﷺ قال: ((من حَفَرَ رُومَةَ فَلَهُ الْجَنَّةُ)) فَحَفَرْتُهَا؟ أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ قال: ((من جَهَّزَ جَيْشَ الْعُسْرَةِ فَلَهُ الْجَنَّةُ)) فجهزته؟ قال: فَصَدَّقُوهُ بِمَا قال([428]).
الحديث السابع
عن حُمْرَانَ مولى عُثْمَانَ t أَنَّهُ رَأَى عُثْمَانَ دَعَا بِوَضُوءٍ، فَأَفْرَغَ على يَدَيْهِ من إِنَائِهِ، فَغَسَلَهُمَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَمِينَهُ في الْوَضُوءِ، ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثاً، وَيَدَيْهِ إلى الْمِرْفَقَيْنِ ثَلَاثاً، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ غَسَلَ كُلَّ رِجْلٍ ثَلَاثاً، ثُمَّ قال: رأيت النبي ﷺ يَتَوَضَّأُ نحو وُضُوئِي هذا، وقال: ((من تَوَضَّأَ نحو وُضُوئِي هذا، ثُمَّ صلى رَكْعَتَيْنِ، لَا يحدث فِيهِمَا نَفْسَهُ، غَفَرَ الله له ما تَقَدَّمَ من ذَنْبِهِ))([429]).
الحديث الثامن
عن أَنَس بن مالكٍ t أَنَّ عُثْمَانَ t دَعَا زَيْدَ بن ثَابِتٍ، وَعَبْدَ الله بن الزُّبَيْرِ، وَسَعِيدَ بن الْعَاصِ، وَعَبْدَ الرحمن بن الْحَارِثِ بن هِشَامٍ، فَنَسَخُوهَا في الْمَصَاحِفِ، وقال عُثْمَانُ لِلرَّهْطِ الْقُرَشِيِّينَ الثَّلَاثَةِ: إذا اخْتَلَفْتُمْ أَنْتُمْ وَزَيْدُ بن ثَابِتٍ في شَيْءٍ من الْقُرْآنِ، فَاكْتُبُوهُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ، فَإِنَّمَا نَزَلَ بِلِسَانِهِمْ فَفَعَلُوا ذلك([430]).
الحديث التاسع
عن مَرْوَان بن الْحَكَمِ قال: أَصَابَ عُثْمَانَ t رُعَافٌ شَدِيدٌ سَنَةَ الرُّعَافِ، حتى حَبَسَهُ عن الْحَجِّ، وَأَوْصَى، فَدَخَلَ عليه رَجُلٌ من قُرَيْشٍ قال: اسْتَخْلِفْ، قال: وَقَالُوا؟ قالوا: نعم، قال: وَمَنْ؟ فَسَكَتَ، فَدَخَلَ عليه رَجُلٌ آخَرُ أَحْسِبُهُ الْحَارِثَ، فقال: اسْتَخْلِفْ، فقال عُثْمَانُ: وَقَالُوا؟ فقال: نعم، قال: وَمَنْ هو؟ فَسَكَتَ، قال: فَلَعَلَّهُمْ قالوا الزُّبَيْرَ، قال: نعم، قال: أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بيده إنه لَخَيْرُهُمْ، ما عَلِمْتُ وَإِنْ كان لَأَحَبَّهُمْ إلى رسول الله ﷺ ([431]).
الحديث العاشر
عن ابن أَبَانَ قال: أَتَيْتُ عُثْمَانَ بن عَفَّانَ t بِطَهُورٍ وهو جَالِسٌ على الْمقَاعِدِ، فَتَوَضَّأَ، فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ قال: رأيت النبي ﷺ يتوضأ وهو في هذا الْمجْلِسِ، فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ قال: ((من تَوَضَّأَ مِثْلَ هذا الْوُضُوءِ، ثُمَّ أتى الْمسْجِدَ، فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ جَلَسَ، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ من ذَنْبِهِ)) قال: وقال رسول الله ﷺ: ((لَا تَغْتَرُّوا))([432]).
الاختيار مما رواه
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه
الحديث الأول
عن عبد الرحمن بن أبي لَيْلَى، عن عَلِيٍّ u قال بَعَثَنِي النبي ﷺ فَقُمْتُ على الْبُدْنِ، فَأَمَرَنِي فَقَسَمْتُ لُحُومَهَا، ثُمَّ أَمَرَنِي فَقَسَمْتُ جِلَالَهَا وَجُلُودَهَا، [فأمرني أن أقوم عليها] ولا [أعطي] عليها شيئاً في جِزَارَتِهَا([433]).
الحديث الثاني
عن عَلِيٍّ -كرم الله وجهه- قال: بَعَثَ رسول الله ﷺ سَرِيَّةً وَأَمَّرَ عليهم رَجُلاً من الْأَنْصَارِ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ، فَغَضِبَ عليهم، وقال: أَلَيْسَ قد أَمَرَ النبي ﷺ أَنْ تُطِيعُونِي؟ قالوا: بَلَى، قال: قد عَزَمْتُ عَلَيْكُمْ لَمَا جَمَعْتُمْ حَطَباً، وَأَوْقَدْتُمْ نَاراً، ثُمَّ دَخَلْتُمْ فيها، فَجَمَعُوا حَطَباً، فَأَوْقَدُوا، فلما هَمُّوا بِالدُّخُولِ فَقَامَ يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ، قال بَعْضُهُمْ: إنما تَبِعْنَا النبي ﷺ فِرَاراً من النَّارِ، أَفَنَدْخُلُهَا؟ فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ خَمَدَتْ النَّارُ، وَسَكَنَ غَضَبُهُ، فَذُكِرَ لِلنَّبِيِّ ﷺ فقال: ((لو دَخَلُوهَا ما خَرَجُوا منها أَبَداً، إنما الطَّاعَةُ في اْلمَعْرُوفِ))([434]).
الحديث الثالث
عن عَلِيٍّ -كرم الله وجهه- أَنَّ رَسُولَ الله ﷺ طَرَقَهُ وَفَاطِمَةَ بِنْتَ رسول الله ﷺ لَيْلَةً، فقال: ((ألا تُصَلِّيَانِ؟)) فقلت: يا رَسُولَ الله، أَنْفُسُنَا بِيَدِ الله، فإذا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَنَا بَعَثَنَا، فَانْصَرَفَ حين قُلْنَا ذلك ولم يَرْجِعْ إلي شيئاً، ثُمَّ سَمِعْتُهُ وهو مُوَلٍّ يَضْرِبُ فَخِذَهُ، وهو يقول : ] وَكَانَ ٱلۡإِنسَٰنُ أَكۡثَرَ شَيۡءٖ جَدَلٗا ٥٤ [ [الكهف 54] ([435]).
الحديث الرابع
عن عَلِيٍّ -كرم الله وجهه- قال نَهَى رسول الله ﷺ عن مُتْعَةِ النِّساءِ عامَ خيْبَرَ وَلُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ([436]).
الحديث لخامس
عن ابن عَبَّاسٍ، عن عَلِيِّ -كرم الله وجهه- أنَّه خَرَجَ من عِنْدِ النبي ﷺ في وَجَعِهِ الذي تُوُفِّيَ فيه، فقال الناس: يا أَبَا الحسن، كَيْفَ أَصْبَحَ رسول الله ﷺ؟ فقال: أَصْبَحَ بِحَمْدِ الله بَارِئاً، فَأَخَذَ بيده العَبَّاسُ t فقال له: أنت والله بَعْدَ ثَلَاثٍ عبد الْعَصَا، وَإِنِّي والله لَأَرَى رَسُولَ الله ﷺ سَوْفَ يُتَوَفَّى من وَجَعِهِ هذا، إني لَأَعْرِفُ وُجُوهَ بَنِي عبد الْمطَّلِبِ عِنْدَ الْموْتِ، اذْهَبْ بِنَا إلى رسول الله ﷺ فَلْنَسْأَلْهُ فِيمَنْ هذا الْأَمْرُ، إن كان فِينَا عَلِمْنَا ذلك، وَإِنْ كان في غَيْرِنَا عَلِمْنَاهُ، فَأَوْصَى بِنَا، فقال عَلِيٌّ: إِنَّا والله لَئِنْ سَأَلْنَاهَا رَسُولَ الله ﷺ فَمَنَعَنَاهَا لَا يُعْطِينَاهَا الناس بَعْدَهُ، وَإِنِّي والله لَا أَسْأَلُهَا رَسُولَ الله ﷺ ([437]).
الحديث السادس
عن علي كرم الله وجهه قال: ما سمعت رسول الله ﷺ جمع أبويه لأحد إلاَّ لسعد بن مالك فإني سمعته يقول يوم أحد: ((ياَ سَعْدُ ارْمِ فِداَكَ أَبيِ وَأُميِّ))([438]).
الحديث السابع
عن علي كرم الله وجهه قال: بعثني رسول الله ﷺ أنا والزبير والمقداد فقال: ((انْطَلِقوُا حَتىَّ تَأْتوُا رَوْضَةَ خاَخٍ، فَإِنَّ فيِهاَ ظَعيِنَةً مَعَهاَ كِتاَبٌ فَخُذوُا مِنْهاَ)) قال: فانطلقنا تُعاَدُ مِناَّ خَيْلُناَ حتى أتينا الروضة فإذا نحن بالظعينة، قلنا لها: أخرجي الكتاب أو لتلقين الثياب، قال: فأخرجته من عقاصتها، فأتينا به النبي ﷺ، فإذا به من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس بمكة من المشركين يخبرهم ببعض أمر رسول الله ﷺ، فقال رسول الله ﷺ: ((ياَ حاَطِبُ ماَ هَذاَ؟)) قال: يا رسول الله لا تعجل علي إني كنت امرءاً ملصقاً في قريش يقول: كنت خلقاً ولم أكن من أنفسها وكان من معك من المهاجرين من لهم قرابات يحمون أهليهم وأموالهم، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن اتخذ عندهم بها يحمون قرابتي ولم أفعله ارتداداً عن ديني ولا رضاً بالكفر بعد الإسلام، فقال رسول الله ﷺ: ((أَماَ إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكُمْ)) فقال عمر: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال: ((إِنَّهُ شَهِدَ بَدْراً وَ ماَ يُدْريِكَ لَعَلَّ اللهَ اطَّلَعَ عَلىَ أَهْلِ بَدْرٍ فَقاَلَ: اعْمَلوُا ماَشِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ)) فأنزل الله تعالى ] يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمۡ أَوۡلِيَآءَ تُلۡقُونَ إِلَيۡهِم بِٱلۡمَوَدَّةِ -إلى قوله- فَقَدۡ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ ١[ ([الممتحنة 1)([439]).
الحديث الثامن
عن ابن أبي ليلى عن علي كرم الله وجهه أن فاطمة عليها السلام أتت النبي ﷺ تشكو إليه ما تلقى من الرحا وبلغها أنه جاءه رقيق فلم تصادفه، فذكرت ذلك لعائشة رضي الله عنها وعن أبيها، فلما جاء رسول الله ﷺ أخبرته عائشة، قال: فجاء وقد أخذنا مضاجعنا فذهبنا نقوم، فقال: ((مَكاَنَكُماَ)) فقعد بيني و بينها حتى وجدت برد قدميه على بطني فقال: ((أَلاَ أَدُلُّكُماَ عَلىَ خَيْرٍ مِماَّ سَأَلْتُماَ؟ إِذاَ أَخَذْتُماَ مَضاَجِعَكُماَ وَآوَيْتُماَ إِلىَ فِراشِكُماَ فَسَبِّحاَ ثَلاَثاً وَثَلاَثيِنَ وَاحْمَداَ ثَلاَثاً وَثَلاَثيِنَ وَكَبِّراَ أَرْبَعاً وَثَلاَثيِنَ، فَهُوَ خَيْرٌ لَكُماَ مِنْ خاَدِمٍ))([440]).
الحديث التاسع
عن علي كرم الله وجهه قال: كنا في جنازة في بقيع الغرقد، فأتانا رسول الله ﷺ فقعد وقغدنا حوله، وكان معه مخصرة فنكس فجعل ينكت بمخصرته ثم قال: ((ماَ فيِكُمْ مِنْ أَحَدٍ وَماَ مِنْ نَفْسٍ مَنْفوُسَةٍ إِلاَّ كُتِبَ مَكاَنُهاَ مِنَ الْجَنَّةِ وَ الناَّرِ، إِلاَّ وَقَدْ كُتِبَ شَقِيَّةً وَسَعيِدَةً)) قال رجل: يا رسول الله أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل فمن كان منا من أهل السادة فسيصير إلى عمل أهل السعادة، ومن كان من أهل الشقاوة فيصير إلى أهل الشقاوة؟ قال: ((أَماَّ أَهْلُ السَّعاَدَةِ فَيُيَسَّروُنَ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعاَدَةِ، وَأَماَّ أَهْلُ الشَّقاَوَةِ فَسَيُيَسَّروُنَ لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقاَوَةِ)) ثم قرأ ] وَصَدَّقَ بِٱلۡحُسۡنَىٰ ٦ فَسَنُيَسِّرُهُۥ لِلۡيُسۡرَىٰ ٧ وَأَمَّا مَنۢ بَخِلَ وَٱسۡتَغۡنَىٰ ٨ وَكَذَّبَ بِٱلۡحُسۡنَىٰ ٩ فَسَنُيَسِّرُهُۥ لِلۡعُسۡرَىٰ ١٠ [ (الليل 6-10)([441]).
الحديث العاشر
عن سُوَيْدِ بن غَفَلَةَ قال، قال عَلِيٌّ t: إذا حَدَّثْتُكُمْ عن رسول الله ﷺ فَلَأَنْ أَخِرَّ من السَّمَاءِ أَحَبُّ إلي من أَنْ أَكْذِبَ عليه، وإذا حَدَّثْتُكُمْ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، فإن الْحَرْبَ خَدْعَةٌ، سمعت رَسُولَ الله ﷺ يقول: ((يَأْتِي في آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ حُدَثَاءُ الْأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ، يَقُولُونَ من خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ، يَمْرُقُونَ من الْإِسْلَامِ كما يَمْرُقُ السَّهْمُ من الرَّمِيَّةِ، لَا يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ، فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، فإن في قَتْلَهُمْ أجراً لِمَنْ قَتَلَهُمْ يوم الْقِيَامَةِ))([442]).
آخر كتاب الموسوم بالرد على الرافضة واليزيدية.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.
كتبه نفسه أضعف العباد تعالى حرماً، وأعظمهم جرماً، أبي البدر محمد بن إبراهيم بن أبي البدر العاقولي جداً، الخالدي أصلاً، البغدادي مولداً ومنشأ، الحنبلي مذهباً، الملقب بأبي الحمامي تعريفاً، أصلح الله شأنه، وصانه عما شانه، بمحمد وآله وصحبه([443]).
ووافق الفراغ منه عشية الأحد سابع عشر رجب المبارك من سنة خمس وعشرين وسبعمائة الهلالية، رحمة الله على من قرأه، وكتبه، وانتفع به، ودعا له ولوالديه، ولجميع المسلمين بالمغفرة. آمين يا رب العالمين.
([1]) ما بين القوسين مذكور على ظهر مخطوطة كتاب الرد على الرافضة واليزيدية.
([2]) ما بين القوسين من زيادات ابن ناصرين الدين الدمشقي في كتابه (توضيح المشتبه).
([3]) تاريخ الإسلام للإمام الذهبي (72/218-219).
([4]) توضيح المشتبه في ضبط أسماء الرواة وأنسابهم وألقابهم وكناهم، لابن ناصر الدين الدمشقي، (2/218-219).
([5]) ضعيف، رواه ابن أبي شيبة في المصنف (30508)، والدارمي (3318)، وابن حبان في كتاب المجروحين (1/94 – 95)، وأبو نعيم في ذكر أخبار أصبهان (2/278)، والحاكم (1/555)، والبيهقي في الشعب (1786) من حديث ابن مسعود وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه فرده الذهبي بقوله: إبراهيم بن مسلم ضعيف.
([6]) رواه الطبراني في الكبير (14576)، وأبو نصر المروزي في قيام الليل (76)، من طريق إسماعيل بن رافع عن إسماعيل بن عبيد الله عن عبد الله بن عمرو مرفوعاً، وإسماعيل بن رافع ضعيف، ورواه ابن المبارك في الزهد (799)، والبيهقي في الشعب (2590)، والشجري في أماليه (1/73)، من طريق إسماعيل بن عبيد الله موقوفاً، ورواه الحاكم (1/738)، والبيهقي في الأسماء والصفات (1/403)، وفي الشعب (4592)، من طريق ثعلبة بن يزيد عن عبد الله بن عمرو مرفوعاً، ورواه الآجري في أخلاق أهل القرآن (13)، من طريق ثعلبة بن عبد الله عن عبد الله بن عمرو موقوفاً، وأما الخطيب البغدادي فرواه في تاريخ بغداد (11/42 – 43)، من طريق إسماعيل بن رافع عن إسماعيل بن عبيد الله عن عبد الله بن عمر مرفوعاً، وهذا من اضطراب إسماعيل بن رافع.
([7]) رواه الطيالسي (73)، وابن أبي شيبة (30572)، وأحمد (413)، والدارمي (3338)، والبخاري (5027)، وأبو داود (1452)، والنسائي في الكبرى (8036)، والبغوي في الجعديات (489)، وابن حبان (118)، والطبراني في الكبير (133 و 134)، والبيهقي في الشعب (1785)، من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه.
([8]) ذكره النووي في الأذكار بلفظ: (خير الأعمال الحل والرحلة)، قيل: وما هما؟ قال: (افتتاح القرآن وختمه) من حديث أنس، قال الحافظ في نتائج الأفكار (3/178): أخرجه ابن أبي داود من رواية بشر بن الحسين عن الزبير بن عدي عن أنس، وبشر كذبه أبو داود الطيالسي وأبو حاتم الرازي وغيرهما، وله نسخة عن الزبير بن عدي لا يتابع في أكثرها، وروى الترمذي (2948)، والطبراني في الكبير (12783)، وأبو نعيم في الحلية (2/260)، والذهبي في سير أعلام النبلاء (4/516)، بسند ضعيف من حديث ابن عباس قال: قال رجل: يا رسول الله أي العمل أحب إلى الله؟ قال: (الحال المرتحل) قال: وما الحال المرتحل؟ قال: (الذي يضرب من أول القرآن إلى آخره كلما حل وارتحل)، وانظر: نتائج الأفكار (3/179 – 180). وأما استفتاح القرآن وختمه فلم نره بهذا اللفظ. وأما (من أعطي القرآن فقد أدرجت النبوة في قلبه إلاَّ أنه لم يوح إليه)، فقد رواه ابن أبي شيبة (29953)، وابن المبارك في الزهد (799)، ومحمد بن نصر في قيام الليل (124)، والشجري في أماليه (1/73)، والحاكم (1/552)، والبيهقي في الشعب (2353)، من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
([9]) حديث صحيح، رواه الطيالسي (2238)، وأحمد (12301 و 1234 و 13566)، والدارمي (3349)، وابن ماجه (215)، وأبو عبيد في فضائل القرآن (38)، والنسائي في الكبرى (7977)، وابن الضريس في فضائل القرآن (75)، وأبو نعيم في الحلية (3/63 , 9/140)، والحاكم (1/556)، والبيهقي في الشعب (2434)، والخطيب في تاريخ بغداد (3/327)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (8/414)، والمزي في تهذيب الكمال (16/545)، من حديث أنس.
([10]) ضعيف رواه الترمذي (2926)، والدارمي (3359)، وعبد الله بن أحمد في السنة (1/149 – 150)، والعقيلي في الضعفاء (4/1214)، وابن حبان في المجروحين (2/288)، وابن بطة في الإبانة (1 و2 و 3)، من حديث أبي سعيد الخدري، من طريق محمد بن الحسن الهمداني، عن عمرو بن قيس الملائي، عن عطية، عنه، وحسنه الترمذي، فقال الذهبي في الميزان: فلم يحسن، قال أبو حاتم: هو حديث منكر، لأن في سنده محمد بن الحسن الهمداني وهو متهم، وعطية ضعيف ومدلس. ورواه أبو يعلى في معجم شيوخه (294)، وابن عدي (6/98)، واللالكائي (557)، والبيهقي في الأسماء والصفات (515)، من حديث أبي هريرة، وفي إسناده عمر الأبح وشهر بن حوشب وهما ضعيفان، وانظر: سلسلة الضعيفة (1334) لشيخنا رحمه الله.
([11]) رواه أبو نعيم في ذكر أخبار أصبهان (2/33)، من حديث أنس، وفي سنده من هو ضعيف جداً ومتروك، وكذّبه بعض النقاد، وأورده ابن الجوزي في الموضوعات (449 و450).
([12]) رواه أحمد (7427)، ومسلم (2699)، وغيرهما مطولاً ومختصراً.
([13]) رواه البيهقي في شعب الإيمان (2022)، وحماد الأنصاري مجهول أو لين وهو منقطع.
([14]) منكر، رواه أبو نعيم في الحلية (8/197)، والقضاعي في مسند الشهاب (1178 و 1179)، والخرائطي في اعتلال القلوب (49)، والخطيب في تاريخ بغداد (12/370)، والبيهقي في الشعب (1859)، من حديث ابن عمر، وفي سنده عبد الله بن عبد العزيز بن أبي رواد، قال أبو حاتم وغيره: أحاديثه منكرة. وقال ابن الجنيد: لا يساوي فلساً.
([15]) لم نره فيما لدينا من المصادر.
([16]) رواه ابن عدي (3/358 و7/57 – 58)، والإسماعيلي في معجم شيوخه (1/320)، والطبراني في الكبير (11662)، والسهمي في تاريخ جرجان (ص 177 و 420)، والخطيب في تاريخ بغداد (5/202 و627)، والبيهقي في الشعب (2447 و2977)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (8/183)، من حديث ابن عباس.
([17]) منكر رواه الدارمي (3417)، وابن خزيمة في التوحيد (236)، والطبراني في الأوسط (4876)، والواحدي في الوسيط (3/16/2)، وابن أبي عاصم في السنة (620)، وابن حبان في المجروحين (1/105)، وابن عدي (1/352 – 353)، والعقيلي (1/78)، واللالكائي (369)، والبيهقي في الشعب (2225)، وفي الأسماء والصفات (497)، وأورده ابن الجوزي في الموضوعات (238)، وأورده شيخنا رحمه الله في الضعيفة (1248).
([18]) ضعيف، رواه ابن ماجه (1337)، ومحمد بن نصر المروزي في قيام الليل (96)، والبيهقي في السنن (10/231)، وفي الشعب (891)، من حديث سعد بن أبي وقاص، ولفظه: ((إن هذا القرآن نزل بحزن وكآبة فإذا قرأتموه فابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا وتغنوا به فمن لم يتغن به فليس منا))، وفيه إسماعيل بن رافع، ضعيف، وعبد الرحمن بن السائب، قال الحافظ: مقبول.
([19]) رواه أحمد (10214)، والبخاري (5026)، من حديث أبي هريرة.
([20]) لم نره مع أنه مرسل، والمرسل من أنواع الضعيف، فهو ضعيف.
([21]) مطموسة في الأصل.
([22]) انظر: ما قبله.
([23]) رواه الترمذي (2910)، والبخاري في التاريخ الكبير (1 /192)، والبيهقي في الشعب (1831)، من حديث ابن مسعود، ولفظه: ((من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول الم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف)).
([24]) تقدم في التعليق (1).
([25]) موضوع رواه الديلمي في مسند الفردوس (1/1/32) ، وأورده السيوطي في ذيل الأحاديث الموضوعة (ص 39)، وأورده شيخنا رحمه الله في الضعيفة (2679)، وحكم عليه بالوضع.
([26]) رواه ابن جبرون المعدل في الفوائد العوالي (2/28/1)، والثقفي في في الجزء العاشر من الثقفيات (رقم 13)، وابن ناصر في جزء له بخطه (43/2)، والبيهقي في الشعب (2095)، وفي إسناده معارك بن عباد، وهو منكر الحديث.
([27]) حديث: ((يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما)) رواه البخاري (3653 و3922 و 4663)، ومسلم (2382)، من حديث ابن عباس.
([28]) أورده البغوي في تفسيره (4/53) بدون إسناد من قول الزهري موقوفاً عليه، وهو مرسل ضعيف، وروى الفاكهي في أخبار مكة (2350)، والطبراني في (الكبير) وخيثمة في فضائل الصحابة (1/136)، والبيهقي في الدلائل، وأبو نعيم في الدلائل، وهو في حديث أبي الفضل الزهري (138)، و ابن عساكر كما في مختصر تاريخ دمشق، ولابن منظور (2/178) حديثاً حول نبات الشجرة وبيت العنكبوت والحمامتين، لكن قال ابن كثير في البداية والنهاية (3/446): حديث غريب جداً ، وليس فيه سراقة بن مالك. وفي إسناده أبو مصعب المكي قال الذهبي: لا يعرف، وعون بن عمرو القيسي، قال ابن معين: لا شيء، وقال البخاري: منكر الحديث مجهول، وانظر: سلسلة الضعيفة (1129).
([29]) رواه البخاري (4757) ومسلم (2770) من حديث أنس.
([30]) رواه البزار (9280)، وفي إسناده عمر بن إبراهيم الكردي، وهو كذاب.
([31]) رواه ابن حبان في المجروحين (2 /176 – 177)، والبغوي في تفسيره (8/34)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (30/71 و71 – 72 و 72)، وفي إسناده العلاء بن عمرو الشيباني، قال ابن حبان: شيخ يروي عن أبي إسحاق الفزاري العجائب لا يحل الاحتجاج به، وقال الذهبي في الميزان: متروك، وساق له هذا الحديث، ثم قال: وهو كذب، وقال ابن طاهر: موضوع، وانظر: أسباب النزول (ص 342) للواحدي.
([32]) لم نر رواية رافع بن حديج هذه، وانظر: الدر المنثور (3/476 – 477)، ودلائل النبوة (1 /43)، فإن ما ذكره المؤلف مخالف له.
([33]) رواه أحمد (12106)، والبخاري (3675 و 3699)، وأبو داود (4651)، والترمذي (3697)، والنسائي في الكبرى (8079)، وأبو يعلى (2964 و 3171)، وابن حبان (6908)، من حديث أنس بألفاظ مختلفة.
([34]) رواه الطبراني في الأوسط (7173)، وفي إسناده كل من المجهولين محمد بن أحمد الرقام وإسحاق بن سليمان الفلفلي، وأبو وهب، ومن طريق أبي معشر عن أبي وهب رواه عبد الله بن أحمد في فضائل الصحابة (1/140 و 367)، وابن سعد وهو في المجالس العشرة للحسن الخلال (1/69)، وفي إسناده محمد بن عبد الرحيم الديباجي والمغيرة بن سقلاب وهما مجهولان، وحاتم بن حريث الطائي، قال الحافظ: مقبول.
([35]) انظر: سيرة ابن هشام (1/398) عن الحسن مرسلاً.
([36]) انظر: أسباب النزول (288) للواحدي.
([37]) موضوع، رواه ابن عساكر من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس. وانظر: أسباب النزول (311) للواحدي.
([38]) انظر: تفسير البغوي (7/257).
([39]) رواه البيهقي في الشعب (1431 ) بسند ضعيف من حديث أبي هريرة، بسبب إبراهيم بن مجشر، ورواه الحارث بن أبي أسامة (957 بغية الباحث)، والبزار (56)، وابن عدي (2/396)، والحاكم (3/74)، من حديث أبي بكر، وفي سنده حصين بن عمر متروك، لكن رواه الحاكم (2/461)، والبيهقي في المدخل (653) بسند آخر من حديث أبي هريرة، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي.
([40]) معضل، ونسبه السيوطي للمنذري من حديث ابن جريج.
([41]) انظر: تاريخ دمشق (30/69).
([42]) رواه الحاكم (2 /525) من حديث عبد الله بن الزبير، وقال: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، ومسلم لم يخرج لمحمد بن إسحاق إلاَّ متابعة، فهو حسن.
([43]) هذا القول يدل على أن هذا الحديث لا يصح؛ لأنه صيغة تمريض، سواء كان ضعيفاً أو موضوعاً، ونحن لم نره فيما لدينا من المصادر.
([44]) رواه البغوي في الجعديات (3446)، والطيالسي (1203)، وأحمد (21919 و 21923 و 2928)، وابن أبي عاصم في السنة (1215 و 1219)، وفي الآحاد والمثاني (13 140)، وعبد الله بن أحمد في السنة (21403 و1404 و1305 و1407)، وفي زوائد فضائل الصحابة (1402)، وأبو داود (4646 و4647)، والترمذي (2226)، والنسائي في الكبرى (8099)، والبزار (3827 و 3828 و3829)، والطحاوي في الشكل (3349)، وابن حبان (6943 و 6954)، والطبراني في الكبير (13 و 136 6439 و 6442 و 6443 و 6444)، وابن عدي (3/402 و 7/256)، والحاكم (3/45 و 606)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (91 و369)، وفي الحلية (1/369)، وتاريخ أصبهان (1/245)، والخلال في السنة (647)، والبيهقي في الدلائل (6/47 و 341 و 342)، وفي الاعتقاد (ص 333 و 370)، والبغوي في شرح السنة (3865)، واللالكائي (2654 و 2655 و 2656)، وابن عبد البر في فضل العلم (2313)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (4/267 و 268 و 13/261 و 39/250 – 251 و 42/575)، من طرق عن سفينة وصححه الإمام أحمد.
([45]) رواه البخاري (664 و 712 و 713) ومسلم (418/94 و 94) من حديث عائشة.
([46]) كذا في الأصل، ولعل الصحيح: أعظم أركان الإسلام.
([47]) رواه البيهقي في الشعب (2550) من حديث عمر، وفي إسناده من هو مجهول، وعكرمة لم يسمع من عمر.
([48]) رواه الحميدي (449)، وابن سعد في الطبقات (2 /331)، وأحمد (23245)، والترمذي (3662)، والبزار (2827)، والطحاوي في المشكل (1226 و1227 و 1228)، والبغوي في شرح السنة (3894 و3895)، من حديث حذيفة بن اليمان ، ورواه الطبراني في الكبير (8426)، والحاكم (3/75) من حديث عبد الله بن مسعود، وهو حديث صحيح.
([49]) لم نره بهذا اللفظ، ورواه أحمد (11467 و 11485 )، وأبو يعلى (1278)، وعبد بن بن حميد (887)، وأبو داود (3987 و 3989)، وغيرهم، بألفاظ أخرى، وفي آخره: وإن أبا بكر وعمر لمنهم، من حديث أبي سعيد الخدري، وفي إسناده عطي العوفي وهو ضعيف ، قال الشيخ شعيب: صحيح لغيره، وقال شيخنا الألباني رحمه الله: صحيح بلفظ آخر.
([50]) رواه أحمد (11135 )، والبخاري (3454 و 3654 و3691 و3904)، والترمذي (3660)، بهذا التمام، وهو عند البخاري (454 و466)، ومسلم (6320) وغيرهما مختصراً.
([51]) رواه البخاري (3659 و7220 و7360)، ومسلم (2386).
([52]) رواه البخاري (3661).
([53]) رواه أحمد (5469)، وعبد بن حميد (850)، وعبد الله بن أحمد في فضائل الصحابة (228)، من حديث ابن عمر، وفي إسناده عبيد الله بن مروان، وهو مجهول.
([54]) رواه البخاري (2324 و3471 و 3690)، ومسلم (2388) من حديث أبي هريرة مطولاً.
([55]) رواه ابن أبي شيبة (32491)، عن بسطام بن مسلم، ومن طريق بسطام رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق (30/224)، وهو من أتباع التابعين فهو معضل، ورواه ابن عدي (5/46) ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق (30/244)، من حديث ابن عمر، وفي إسناده علي بن إبراهيم بن الهيثم، اتهمه الخطيب البغدادي، وإسحاق بن الحسن الطحان، ولم نر له ترجمة.
([56]) رواه عبد الله بن أحمد في زوائد فضائل الصحابة (118)، وكذا الحكيم الترمذي في نوادر الأصول، من قول بكر بن عبد الله المزني، وهو تابعي، قال الحافظ العراقي في تخريج أحاديث الإحياء (1/30 و105): لم أجده مرفوعاً.
([57]) تقدم تخريجه في الصفحة (26).
([58]) رواه أحمد (2820)، من حديث ابن عباس بإسناد صحيح.
([59]) لم نره بهذا اللفظ (وأعلم هذه الأمة بعد نبيها بالقضاء والسنة علي)، وروى العقيلي (2/529) بلفظ: وأقضاهم علي بن أبي طالب، بإسناد ضعيف في إسناده سلم بن سلم المدائني الطويل، وهو متروك، وزيد العمي، وهو ضعيف. ورواه الطبراني في الصغير (557)، من حديث جابر بلفظ: وأقضى أمتي علي بن أبي طالب، وعنه أبو نعيم في تاريخ أصبهان (2 /13)، وفي إسناده مندل، وهو ضعيف وابن جريج مدلس وقد عنعنه.
([60]) لم نره.
([61]) في الهامش: العبقري الجليل العظيم، يقال: فلان عبقري قومه، أي سيدهم، والغرب الدلو الكبير.
([62]) رواه البخاري (3664 و7021 و 7022 و 7475)، ومسلم (2392)، من حديث أبي هريرة.
([63]) رواه البخاري (1897 و 3666)، و مسلم (1027)، من حديث أبي هريرة.
([64]) رواه ابن أبي شيبة (32482 و 32489)، وأحمد (1629 و 1630)، والنسائي في الكبرى (837 و8139)، وابن أبي عاصم في السنة (1433 و 1434 و 1435)، وأبو داود (4650)، وابن ماجه (34)، وأبو يعلى (969 و 971)، والشاشي (190 – 194 و 210)، وعبد الله بن أحمد في زوائد فضائل الصحابة (90 و 91)، من حديث سعيد بن زيد. ورواه أحمد (1675)، والترمذي (3747)، والنسائي في الكبرى (8138)، وأبو يعلى (835)، وابن حبان (7002)، والبغوي في شرح السنة (3952)، من حديث عبد الرحمن بن عوف، وهو حديث صحيح.
([65]) رواه ابن أبي شيبة (38041)، وأحمد (133 و 3765 و 3842)، وابن سعد (3/179)، ومحمد بن عاصم في جزئه (11)، والفسوي في المعرفة (1/454)، وابن أبي عاصم في السنة (1159)، والنسائي (2/74)، وفي الكبرى (853)، والحاكم (3 /68)، والبيهقي (8/152).
([66]) رواه الترمذي (5 366 و 3666) من حديث علي، وروي من حديث أبي جحيفة، وجابر بن عبد الله، وأبي سعيد الخدري، وانظر: سلسلة الصحيحة (824) حيث فصل القول في تلك الروايات وأورده في الصحيحة.
([67]) روى هذا اللفظ البخاري (5666 و7217)، ومسلم (2387)، وأحمد (25113)، من حديث عائشة.
([68]) رواه في أنساب الأشراف (1/241) من حيث سمرة عن علي، وهو ضعيف جداً، في إسناده أبو بكر الهذلي، متروك.
([69]) رواه عبد بن حميد (212)، وابن أبي عاصم في السنة (1259)، وخيثمة الأطرابلسي في حديثه (ص 133)، والآجري في الشريعة (1370 و 1371)، وبحشل في تاريخ واسط (1/248)، والقطيعي في زيادات فضائل الصحابة (135 و 508)، والطبراني في الأوسط (2891)، وابن حبان في المجروحين (1/135)، وأبو نعيم في الحلية (3/325)، وفي فضائل الأربعة (9 و 10)، واللالكاني (2433)، وابن الجوزي في العلل (298)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (6/379 و 30/208 و 209)، قال أبو حاتم كما في العلل لابنه: هذا موضوع، سمع بقية هذا الحديث من هشام الرازي عن محمد بن الفضل عن ابن جريج، فترك الاثنين من الوسط قال أبي: محمد بن الفضل بن عطية متروك.
([70]) رواه الديلمي في مسند الفردوس وهو في الفردوس (6635)، من حديث عبد الله بن مسعود، وفي إسناده أحمد بن أبي موسى، وأظنه هو أحمد بن محمد بن أبي موسى، وهو ضعيف، وإن كان غيره فلم نجده، ولم نر ترجمة لأحمد بن جعفر بن سالم، ولا لأبي عبد الرحمن التيمي.
([71]) رواه الترمذي (3679)، والبزار (2483)، والطبراني في الكبير (7 و9 و 10)، وابن حبان (6864)، وابن الأعرابي في المعجم (409)، والدولابي في الكنى (40)، والحاكم (3/61 و 376)، من حديث عبد الله بن الزبير. وانظر: سلسلة الصحيحة (1574) حيث أورده فيه.
([72]) رواه أحمد (0 17142 و 17144 و 17145)، وأبو داود (4607)، والترمذي (2678)، وابن ماجه (44)، وابن حبان (5)، والطبراني في الكبير (18/617 و 618 و619 و 620)، وفي مسند الشاميين (437)، والحاكم (1/95 – 96)، وانظر: التعليق على مسند الإمام أحمد والمعجم.
([73]) رواه أحمد (1020 و1027 و 1256)، وفي الفضائل (241 وو 242 و 243 و 244)، وابن سعد (6/130)، وابن أبي عاصم في السنة (1243)، والبخاري في التاريخ الكبير (7/172)، والثقفي في الثقفيات (115)، والخطيب في تاريخ بغداد (5/60)، وفي المخطوطة: وثبت عمر وهو خطأ.
([74]) رواه ابن أبي عاصم في السنة (1254)، وعبد الله بن أحمد في زوائد فضائل الصحابة (387)، وفي إسناده: أبو عبيدة بن الحكم بن الحجل، وهو ضعيف. وانظر: تاريخ دمشق (30/383).
([75]) لم نجده فيما لدينا من المصادر.
([76]) رواه البخاري (3671)، وأبو داود (4629).
([77]) رواه البخاري (3754)، وابن سعد (3/233)، والطبراني في الكبير (105)، وأبو نعيم في العرفة (1107)، والحاكم (3/284)، وصححه، مع أن البخاري أخرجه، وأبو القاسم الحنائي في الفوائد (136) من حديث عمر.
([78]) لم نره بهذا اللفظ فيما لدينا من المصادر.
([79]) رواه ابن ماجه (106)، وابن أبي عاصم في السنة (1239 و 1240)، وعبد الله بن أحمد في زوائد فضائل الصحابة (406).
([80]) رواه أحمد في فضائل الصحابة (178)، وابنه في زوائده (128)، وفي إسناده كثير النواء، وهو ضعيف من أجل مجالد.
([81]) رواه أبو داود الطيالسي (1 و 2)، والحميدي (1 و 4)، والمروزي في مسند أبي بكر (8 و 10 و 11)، وأبو داود (1521)، والترمذي (3006)، وابن ماجه (1395)، وابن حبان (623)، والطبري (7853 و 7854 و 7855)، والبغوي في شرح السنة (1015).
([82]) رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق (30/75 و 265).
([83]) رواه عبد الله بن أحمد في زوائد فضائل الصحابة (103 و 119)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (30/39 و39 – 40 و40 و40 – 41 و41)، بإسناد ضعيف، وعندهما تقديم البيت الثالث على الثاني. وانظر: شرح ديوان حسان بن ثابت لعبد الرحمن البرقوقي، ص 355، دار الأندلس.
([84]) رواه أبو نعيم في الحلية (3/184 – 185)، والدارقطني في فضائل الصحابة (67)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (54/283)، وانظر: سير أعلام النبلاء (04/408).
([85]) رواه أبو نعيم في الحلية (3/185)، وفي إسناده عمرو بن شمر كذاب، وجابر الجعفي رافضي ضعيف.
([86]) رواه أبو نعيم في الحلية (3/ 185)، وفي إسناده شعبة الخياط، ولم نر له ترجمة، وتقدم حال جابر الجعفي.
([87]) رواه عبد الله بن أحمد في زوائد فضائل الصحابة (108)، وأبو نعيم في الحلية (3/185)، والدارقطني في فضائل الصحابة (37)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (54/289)، بإسناد حسن.
([88]) رواه أبو نعيم في الحلية (3/137)، والدارقطني في فضائل الصحابة (40)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (41/389 و 389 – 390).
([89]) هو في الصحيحين من حديث عدة من الصحابة إلاَّ قوله: فأين أنتم من قوله.. إلى آخر الحديث، فلم نره فيما لدينا من المصادر.
([90]) رواه ابن عدي (2/160 – 16)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (30/90 – 91 و91 و 92)، من حديث أنس. قال ابن عدي: هذا الحديث منكر عن الزهري عن أنس لم يوصله إلاَّ محمد بن الوليد، عن شبابة، ومحمد بن الوليد ضعيف يرق الحديث، وقد ذكرته في محمد بن عبيد، وهو صدوق مرسلاً، وهذا الحديث موصوله مرسله منكر، والبلاء من أبي العطوف، وانظر: ترجمته في الكامل، ورواه الحاكم (3/64 و 77 – 78)، وفي إسناده عمرو بن زياد وهو يضع الحديث.
([91]) رواه البخاري (476).
([92]) رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق (30/215).
([93]) أنساب الأشراف (1/586).
([94]) انظر: الاعتقاد (ص368) للبيهقي.
([95]) رواه البيهقي في مناقب الشافعي (1 /434).
([96]) رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق (12/358 – 360)، وأبو ذر في تعليقه على سيرة ابن هشام (2/146 – 148)، وانظر: جمع الجوامع (11/22) للسيوطي، والحديث لا يصح.
([97]) رواه ابن أبي داود عن محمد بن سيرين فذكره وهو مرسل، والمرسل ضعيف، وانظر: طبقات ابن سعد (2/338).
([98]) رواه عبد الرزاق في المصنف (9767) عن عبد الله بن المبارك عن ابن أبجر، ونقله عنه ابن عبد البر في الاستيعاب (3/974)، إلاَّ أنه تحرف عنده ابن أبجر إلى أبي الخير، وابن أبجر هو عبد الملك بن سعيد وهو تابعي، فالخبر مرسل، وهو ضعيف، ورواه الحاكم (3/78) من طريق أبي الشعثاء عن مرة الطيب وهو مرة بن شراحيل وهو أيضاً تابعي، وأبو الشعثاء هذا ذكره الدولابي في الكنى وسماه يزيد، وذكره أبو أحمد الحاكم في الكنى وحرف الشين لم يطبع، والأخ الشيخ مقبل رحمه الله لم يتكلم على الخبر في تحقيقه للمستدرك ولا ذكر أبا الشعثاء في تراجم رجال المستدرك.
([99]) لم نجده فيما لدينا من المصادر.
([100]) رواه ابن ماجه في التفسير، وأبو زكريا الأزدي في طبقات الموصل، وغيرهما، كما في الإصابة (1/ 81)، والهيثم الشاشي في مسنده كما في الميزان (3/180)، وابن قانع في معجم الصحابة (1/40)، ورواه المحاملي في أمالي الأصبهاني، ومن طريقه أبو نعيم في معرفة الصحابة (886)، ورواه أيضاً (887 و 888 و889)، واللالكائي (2454)، والخطيب في المفترق والمختلف (266)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (30/437 – 438 و438 – 440 و 440 – 442)، ومن طريق أبي زكريا الأزدي رواه ابن الأثير في أسد الغابة (1/90 – 91)، كلهم من طريق عمر ابن إبراهيم الهاشمي، أحد المتروكين، عن عبد الملك بن عمير، عن أسيد بن صفوان به، وبألفاظ مختلفة، قال الحافظ: وقال الباوردي: يقال: إنه صحابي، وليس له رواية إلاَّ عن علي، وقال ابن السكن: ليس بالمعروف في الصحابة، وقال مغلطاي في إكمال تهذيب الكمال (2/220 – 221): وقال ابن الجوزي في معرفة الصحابة والصغاني في نقعة الصديان: مختلف في صحبته، وقال الذهبي في الميزان: يشهد القلب بوضع ذلك، وعمر بن إبراهيم هذا، قال الدارقطني: كذاب خبيث، وقال الخطيب: غير ثقة.
([101]) لم نره بهذا اللفظ فيما لدينا من المصادر، ثم إن الزهري لم يلق وفاة أبي بكر، وفي سيرة ابن هشام (4 /413 – 414) قال ابن إسحاق: حدثني الزهري قال: حدثني أنس بن مالك.. ثم قال: فتكلم أبو بكر وأثنى على الله بما هو أهله ثم قال: أما بعد، أيها الناس، فإني قد وليت عليكم، ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أيح عليه حقه إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه إن شاء الله، لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلاَّ ضربهم الله بالذل، ولا تشيع الفاحشة في قوم قط إلاَّ عمهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإن عصت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم، قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.
([102]) رواه مسلم (2588)، وغيره من حديث أبي هريرة بلفظ ((ما تواضع أحد لله إلاَّ رفعه الله)).
([103]) رواه البخاري (3395 و 3413 و 7539)، ومسلم (2377)، من حديث ابن عباس بلفظ: ((ما ينبغي لأحد أن يقول إني خير من يونس بن متى)).
([104]) رواه البخاري (3445) من حديث عمر.
([105]) رواه ابن ماجه (3312)، ومحمد بن مخلد العطار في المنتقى من حديثه (3/15/2)، والحاكم (3/47 – 48)، وأورده الشيخ الألباني رحمه الله في سلسلة الصحيحة (1876).
([106]) كذا في الأصل.
([107]) هنا كلمة في واضحة.
([108]) روى العهد ابن عساكر في تاريخ دمشق (30/410 – 411) بإسناد فيه الواقدي وهو متروك، وما قبل العهد وما بعده لم نره بذلك اللفظ.
([109]) بل هو أثر رواه الحاكم (3/90) من حديث عبد الله بن مسعود وصححه ووافقه الذهبي.
([110]) المرفوع: (ما يدفن.. الخ) رواه الترمذي (1018)، وابن ماجه (1628)، من حديث أبي بكر، وانظر: تفصيل تخريجه في أحكام الجنائز (ص 173) للشيخ الألباني رحمه الله.
([111]) أورد هذه الأبيات صاحب كتاب الهدى والرشاد محمد بن يوسف الشامي الصالحي (12/6) طبعة دار الكتب العلمية 1993، وقال: إن ابن سعد ذكرها، ولم نجد ذلك فيما طبع من طبقات ابن سعد الثماني، ولا في القطعتين اللتين طبعتا مؤخراً.
([112]) نسب بعض تلك الأبيات إلى مطرود بن كعب في تاريخ دمشق (3/19 – 20).
([113]) رواه خيثمة في فضائل أبي بكر (ص 125 – 129)، ومن طريقه وطريق غيره رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق (30/48 – 51 و 51 – 53)، من حديث عائشة مطولاً، وفيه قصة إسلام عمر أيضاً، وفي إسناده من لم نجد لهم ترجمة وذكره ابن كثير في البداية والنهاية (3/228 – 230)، وعلق عليه ابن كثير بقوله: والصحيح أن عمر إنما أسلم بعد خروج المهاجرين إلى أرض الحبشة و ذلك في السنة السادسة من البعثة.
([114]) في الأصل: أبو نعيم، وهو تصحيف كما لا يخفى.
([115]) رواه أحمد (5696)، وابن سعد (3/267)، وعبد بن حميد (759)، والترمذي (3681)، وابن حبان (6881)، والبيهقي في الدلائل (2/215 – 216)، من حديث ابن عمر بلفظ: ((اللهم أعز..)) الخ وهو حديث صحيح.
([116]) لم نجده من كلام الزهري، بل قال ابن إسحاق: وكان إسلام عمر فيما بلغني أن أخته فاطمة.. فذكره ببعض تصرف كما في الروض الأنف (2/121 – 124)، ونقله ابن كثير في البداية والنهاية (3/300 – 302).
([117]) رواه أحمد (157 و160 و 250)، والبخاري (402 و 4483 و 4790 و 4916)، والدارمي (1856)، والترمذي (2959 و 2960)، وابن ماجه (1009)، والبزار (220 و 221)، وابن حبان (6896)، والبغوي (3887)، من حديث أنس عن عمر، وعند الجميع: يدخل عليك، إلا َّ في رواية أحمد الثانية بلفظ: إن نساءك يدخل.. الخ.
([118]) رواه ابن أبي شيبة (37687) وأحمد (3632 و 3634) وابن أبي عاصم في السنة (9151).
([119]) قال السيوطي في الدر المنثور: رواه ابن المنذر وأبو الشيخ وابن مردويه من طريق نافع عن ابن عمر، قال: اختلف الناس في أسارى بدر.. إلى أن قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن كان ليمسنا في خلاف ابن الخطاب عذاب عظيم ، ولو نزل العذاب لما أفلت إلاَّ عمر)). وقال الزيلعي في تخريج أحاديث الكشاف (2/39): ورواه ابن مردويه في تفسيره بسند متصل من حديث ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم ولفظه: ((لو نزل العذاب من السماء ما أفلت إلاَّ ابن الخطاب)). وقد ذكرته في أحاديث الأصول الشافعية. وقال الحافظ في موافقة الخبر الخبر (2/445)، وفي إسناده عبد الله بن عمر العمري وفيه ضعف، وابنه عبد الرحمن وهو أضعف من أبيه.
([120]) رواه البخاري (467) من حديث من حديث أنس.
([121]) رواه ابن أبي حاتم في تفسيره من حديث أنس عن عمر.
([122]) رواه ابن أبي حاتم في تفسيره (7854)، وفيه: وأبي جهل بن هشام.
([123]) رواه البزار (2495 كشف الأستار).
([124]) رواه البخاري (3679) كاملا ومسلم (2394) الجزء الأخير منه، من حديث جابر، وروى الجزء الأخير منه البخاري (3242 و 3680 و 5227 و 7023 و 7025) من حديث أبي هريرة.
([125]) رواه البخاري (3294 و 3683 و 6085)، ومسلم (2396)، من حديث سعد بن أبي وقاص بلفظ: ما لقيك الشيطان قط سالكاً فجاً إلاَّ سلك فجا غير فجك.
([126]) رواه البخاري (2469 و2684) من حديث أبي هريرة، ورواه مسلم (2398) من حديث عائشة.
([127]) رواه البخاري (23 و3690 و 7008 و 7009)، ومسلم (2390)، من حديث أبي سعيد الخدري.
([128]) ذكره الديلمي في الفردوس (3156)، ولم يسنده في مسند الفردوس، وقال ابن حجر الهيتمي في الفتاوى الحديثية: هو حديث ضعيف، ونسبه السيوطي في جمع الجوامع (11/240) رقم 1154 من حديث عائشة، ونسبه إلى ابن عساكر، ولم نجده في المطبوع منه، بل فيه (44/386) أنه من قول فضيل بن عياض.
([129]) رواه البخاري (82 3618 و7008)، ومسلم (2391) من حديث ابن عمر.
([130]) رواه ابن سعد في الطبقات (3/270) كاملاً هكذا من حديث أيوب بن موسى مرسلاً، ورواه ابن حبان (6889) من حديث أبي هريرة بلفظ: إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه فقد، قال الأستاذ شعيب الأرناؤوط: هذا إسناد صحيح على شرط مسلم.
([131]) رواه البلاذري في أنساب الأشراف (3/389) هكذا كاملا.
([132]) رواه ابن سعد (3/273) وأحمد (17441)، والترمذي (3562)، وابن ماجه (2894)، وأبو يعلى (5550)، والضياء في المختارة (182) من حديث ابن عمر، وإسناده ضعيف بسبب عاصم ابن عبيد الله.
([133]) رواه الترمذي (3686)، والطبراني في الكبير (822 و 14229)، والروياني في مسنده (214 و 223)، وابن عدي في الكامل (3/216)، والآجري في مذاهب أهل السنة (140)، وأبو نعيم في فضائل الخلفاء (86)، والدارقطني في فضائل الصحابة (1/356 و 436)، وابن سمعون في الأمالي (61)، والدينوري في المجالسة (217)، وابن عساكر في معجم شيوخه (1168)، وفي تاريخ دمشق (44/115 و 116)، وهو في جزء الألف دينار (199)، من حديث عقبة بن عامر، وقال الترمذي: حديث حسن لا نعرفه إلاَّ من حديث مشرح بن عاهان، وقال شيخنا الألباني رحمه الله: حسن، وانظر: سلسلة الصحيحة (327).
([134]) رواه البخاري (3489 و 3692)، بلفظ يألم من حديث المسور بن مخرمة.
([135]) رواه البخاري (3482 و 3685)، وابن ماجه (98)، وعبد الله بن المبارك في مسنده (254)، من حديث ابن عباس.
([136]) رواه البخاري (3481 و 3850 و 3863) من حديث ابن مسعود بلفظ: ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر، فقط.
([137]) رواه ابن سعد (3/270)، والطبراني في الكبير (8820)، بلفظ حتى كنا نصلي وفي رواية حتى دعونا نصلي.
([138]) لم نره فيما لدينا من المصادر.
([139]) لم نره فيما لدينا من المصادر.
([140]) هو في موطأ محمد بن الحسن (1/355) والتنهيد (8/119) عن إسماعيل بن زياد ، ورواه الخطيب في أماليه عن أبي إسحاق، بلفظ قريب من هذا.
([141]) انظر: محض الصواب (2/621) لابن عبد الهادي.
([142])رواه ابن أبي شيبة (32539) من حديث ابن مسعود.
([143]) لم نره قيما لدينا من المصادر.
([144]) رواه الإمام أحمد في الزهد كما في جمع الجوامع (11/254) للسيوطي بلفظ عن الحسن أن رجلاً قال لعمر رضي الله عنه: اتق الله! قال: وما فينا خير إن لم يقل لنا، وما فيهم خير إن لم يقولوا لنا ، ولم أره فيما طبع من الزهد، ثم هو مرسل لم يدرك الحسن عمر.
([145]) هو في مختصر تاريخ دمشق (1/1602) كما في المجموعة الشاملة الإصدار الثالث، ولم أره في تاريخ دمشق المطبوع.
([146]) رواه أبو نعيم في الحلية (1/53).
([147]) رواه ابن أبي شيبة (35488)، وأبو داود في الزهد (67)، وابن سعد (3/259)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (14/305).
([148]) لم نره فيما لدينا من المصادر.
([149]) رواه ابن شبة في تاريخ المدينة (1/443)، وانظر: أنساب الأشراف (1/230و 3/397).
([150]) رواه ابن سعد في الطبقات (3/312)، من طريق زيد بن أسلم عن أبيه عن جده، ومن طريقه البلاذري في أنساب الأشراف. وانظر: الرياض النضرة (2/385) وقد أصلحنا بعض الكلمات، وفي إسناده الواقدي وهو متروك، وهو في محض الصواب (1/362).
([151]) رواه ابن سعد (3/348) وفي إسناده الواقدي، وهو متروك.
([152]) رواه الطبري في تاريخه (4/20)، والدارقطني في فضائل الصحابة (21)، ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق (44/343)، وسيف بن عمر ضعيف في الحديث ولكنه عمدة في التاريخ، ولكن في إسناده من هو مجهول.
([153]) لم نره بهذا اللفظ فيما لدينا من المراجع.
([154]) رواه ابن سعد (3/315) بلفظ: فظننا أن عمر يموت هماً بأمر المسلمين، وفي إسناده الواقدي، وهو متروك.
([155]) رواه ابن سعد (3/321) أيضاً.
([156]) رواه ابن سعد (3/331 - 332) عن معن بن عيسى عن مالك عن عبد الله بن دينار عن سعد الجاري مولى عمر بن الخطاب بلفظ : أن عمر بن الخطاب دعا أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب وكانت تحته، فوجدها تبكي فقال: ما يبكيك؟ فقالت: يا أمير المؤمنين هذا اليهودي -تعني كعب الأحبار- يقول: إنك على باب من أبواب جهنم، فقال عمر: ما شاء الله، والله إني لأرجو أن يكون ربي خلقني سعيداً، ثم أرسل إلى كعب فدعاه، فلما جاءه كعب قال: يا أمير المؤمنين لا تعجل علي، والذي نفسي بيده لا ينسلخ ذو الحجة حتى تدخل الجنة، فقال عمر: أي شيء في الجنة ومرة في النار، فقال: يا أمير المؤمنين والذي نفسي بيده إنا لنجدك في كتاب الله على باب من أبواب جهنم تمنع الناس أن يقعوا فيها، فإذا مت لم يزالوا يقتحمون فيها إلى يوم القيامة.
ورواه الخطيب البغدادي في الرواة عن طريق أحمد بن جميل عن عبد الله بن المبارك، والدارقطني في غرائب مالك من طريق عبد الوهاب بن موسى الزهري كلاهما عن مالك به، وقال الدارقطني: هذا صحيح عن مالك، ورواه أبو القاسم بن بشران في أماليه (1441) من طريق الوليد عن مالك به نحوه، وتحرف فيه سعد الجاري إلى سعد الخازن وينسلخ إلى لا يفلح.
([157]) لم نره فيما لدينا من المصادر.
([158]) رواه ابن سعد (3/332) عن عارم بن الفضل عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس عن أبي موسى.
([159]) رواه ابن أبي شيبة (32542) عن محمد بن بشر قال حدثنا مسعر عن عبد الملك بن عمير عن الصقر بن عبد الله عن عروة بن الزبير عن عائشة أن الجن بكت على عمر قبل أن يقتل بثلاث فذكرت الأبيات الخمسة، ورواه أبو نعيم في دلائل النبوة : (2040) من طريق محمد بن يشر به، وكذلك رواه ابن عساكر من طريقه (44/399 – 400) ورواه ابن سعد (3/374) من طريق أخرى عن عائشة. اليسنتي لغة الجريء من كل شيء المقدم على ما أراد وبه سمي النمر كما في توضيح المشتبه (5/297).
([160]) في أسد الغابة (5 /350) النعمان بن عدي بن نضلة، وقيل: نضيلة بن عبد العزى بن حراثان بن عوف بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب القرشي العدوي، هاجر هو وأبوه إلى الحبشة، فمات أبوه عدي بأرض الحبشة فورثه ابنه النعمان هناك، وكان النعمان أول وارث في الإسلام، وكان أبوه أول موروث في قول، واستعمله عمر بن الخطاب على ميسان ولم يستعمل من قومه غيره، وتتمة القصة أن ذلك بلغ عمر فكتب إليه: أما بعد فقد بلغني قولك:
لعل أمير المؤمنين يسوؤه تنادمنا بالجوسق المتهدم
وأيم الله لقد ساءني، ثم عزله، فلما قدم عليه سأله، فقال والله ما كان من هذا شيء وما كان إلاَّ فضل سعر وجدته وما شربتها قط، فقال عمر أظن ذلك ولكن لا تعمل لي عملاً أبداً، فنزل البصرة ولم يزل يغزو مع المسلمين حتى مات. وتحرف بميسان في المخطوطة إلى ببستان.
([161]) كذا، والصحيح إنه كان فارسياً.
([162]) لم نره بهذا اللفظ فيما دينا من المراجع.
([163]) رواه ابن أبي شيبة (35484)، وابن سعد (3/360)، والبلاذري في أنساب الأشراف (3/477)، وفي إسناده عاصم بن عبيد الله، وهو ضعيف.
([164]) رواه البلاذري في أنساب الأشراف (3/437) من طريق شيبان بن فروخ الآجري عن عثمان بن مقسم عن نافع.
([165]) انظر: أنساب الأشراف (3/437) والاكتفاء (4/369) والكامل (1/473).
([166]) رواه البلاذري (3/440) من حديث جعفر بن محمد وهو لم يدرك وفاة عمر.
([167]) انظر: أنساب الأشراف (3/440).
([168]) رواه ابن سعد (3/369)، والبلاذري في أنساب الأشراف (3/442)، وفي إسناده شهر بن حوشب وحاله معروف.
([169]) رواه ابن سعد (3/369)، ومن طريقه البلاذري في أنساب الأشراف (3/442)، وابن عساكر (44/458)، وفي إسناده من هو مجهول، ورواه ابن عساكر من طريق آخر فيه من هو مقبول عن عبد الله بن سارية قال: جاء عبد الله بن سلام فذكره.
([170]) رواه ابن أبي شيبة (32513 و 32543)، وابن سعد (3/371)، من حديث زيد بن وهب عن عبد الله بن مسعود.
([171]) رواه ابن سعد (3/372)، وفي إسناده الواقدي وهو متروك، وحديث حذيفة هذا قسم في المخطوطة إلى فقرتين ، ونسب الفقرة الثانية إلى ابن عباس، وهو خطأ.
([172]) رواه ابن سعد (3/373)، وعبد الله بن أحمد في فضائل الصحابة (473)، والحاكم في المستدرك (3/90 رقم 4488).
([173]) رواه ابن سعد (3/375).
([174]) لم نره فيما لدينا من المصادر.
([175]) لم نره فيما لدينا من المصادر.
([176]) رواه البيهقي في السنن الكبرى (8/151) ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق (44/437 – 438) مطولاً.
([177]) رواه ابن أبي شيبة (32555) عن سعيد بن جبير بتقديم وتأخير للفقرتين، وسعيد بن جبير تابعي فهو مرسل.
([178]) قال شيخنا رحمه الله في سلسلة الصحيحة (1110) بعد أن ذكر أسانيد الحديث: فتبين مما تقدم أنه لا يصح شيء من هذه الطرق إلاَّ طريق ابن عجلان، وليس فيها إلاَّ مناداة عمر يا سارية الجبل وسماع الجيش لندائه وانتصاره بسببه، ومما لا شك فيه أن النداء المذكور إنما كان إلهاماً من الله تعالى لعمر، وليس ذلك بغريب عنه فإنه محدث كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن ليس فيه أن عمر كشف له حال الجيش وأنه رآهم رأي العين، إلى آخر ما قاله فراجعه.
([179]) رواه ابن عبد الحكم في فتوح مصر (ص 150 – 151)، وأبو الشيخ في العظمة (4/1424 – 1425)، من طريق ابن لهيعة عن قيس بن الحجاج عمن حدثه نحوه، وابن لهيعة ضعيف ومن حدثه مجهول.
([180]) لم نره فيما لدينا من المصادر.
([181]) هو في أخبار القضاة (1/150) من طريق الحارث بن أبي أسامة عن سلمة بن عبد الله بن سلمة بلفظ: و الله لدرة عمر كانت أهيب في صدور المسلمين من سيوفكم هذه ، وليس من حديث عائشة.
([182]) رواه البلاذري في أنساب الأشراف (3/430) من طريق شيبان بن فروخ عن عثمان البتي عن الحسن قال: كان عمر قذكره، وتحرف عنده البتي إلى البرتي، والحسن لم يلحق عمر ثم هو مدلس.
([183]) انظر: أنساب الأشراف (3/418) ولكن ليس في أوله: أيها الناس.
([184]) انظر: التعليق على الحديث في هامش محض الصواب (2/556 – 557) وهو في أخبار القضاة (1/70 – 71)، وسنن الدارقطني (1/206 – 207)، وسنن البيهقي (8/168 و10/150)، وغيرها، وهو ضعيف.
([185]) رواه الطبري في تاريخه (2/487).
([186]) رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق (44/95)، وفي إسناده ضعفاء.
([187]) لم نره فيما لدينا من المصادر.
([188]) رواه أحمد (22989 و 23039)، والترمذي (3690)، وابن حبان (6892)، والبيهقي (10/77)، من حديث بريدة عند بعضهم: إن الشيطان ليخاف منك يا عمر. وعند بعضهم: إن الشيطان ليفرق منك يا عمر.
([189]) رواه البخاري (3479)، بلفظ: والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان قط سالكاً فجاً إلا سلك فجاً غير فجك.
([190]) قال الواحدي في أسباب النزول (ص 75): قال الكلبي نزلت في عثمان.
([191]) قال الواحدي في أسباب النزول (ص 306): وقال ابن عمر نزلت في عثمان بن عفان.
([192]) لم نره بهذا اللفظ فيما لدينا من المصادر، وإنما روى ابن سعد ( 3 / 56 ) عن الواقدي وقال غير ابن أبي سبرة وزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان بعد رقية أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فماتت عنده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو كان عندي ثالثة زوجتها عثمان.
([193]) سيأتي لفظه قريباً.
([194]) سيأتي لفظه قريباً.
([195]) لم نره فيما لدينا من المصادر .
([196]) هذا الحديث والذي بعده ضعيفان، انظر: السلسلة الضعيفة، رقم (2291، 5210).
([197]) لم نره بهذا اللفظ فيما لدينا من المصادر، بل ثبت في صحيح البخاري كما يأتي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: إن لك أجر رجل ممن شهد بدراً وسهمه.
([198]) لم نره فيما لدينا من المصادر.
([199]) رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق ( 39 / 54 ) من حديث أبي سعيد بسند ضعيف جداً.
([200]) رواه الترمذي ( 3704 ) والحاكم ( 3 / 109 ) من حديث مرة بن كعب قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين بلفظ على الهدى، ورواه الطبراني في مسند الشاميين ( 289 ) وابن عساكر في تاريخ دمشق ( 39 / 268 ) بلفظ على الحق.
([201]) روا الترمذي ( 2158 ) وقال: حديث حسن والبيهقي ( 16594 ) نحوه.
([202]) انظر تفسير ابن جرير ( 26 / 86 ) وتاريخه ( 2 / 121 ) ودلائل انبوة ( 4 / 133 ) للبيهقي وسيرة ابن هشام ( 2 / 315 ) والروض الأنف ( 4 / 48 ) التمهيد ( 12 / 148 ) والاكتفاء ( 2 / 348 ) والمعتصر من المختصر ( 2 / 230 ).
([203]) رواه أحمد ( 14778 و 14820 ) وأبو داود ( 4653 و 4655 ) والترمذي ( 3860 ) وابن حبان ( 4802 ) والسلفي في معجم السفر ( 1105 ) من حديث جابر ومسلم ( 6560 ) وغيره من حديث أم مبشر.
([204]) رواه البخاري ( 2972 و 3130 و 3698 و 3839 و 4066 ) من حديث ابن عمر.
([205]) رواه البخاري ( 2626 و 2778 ).
([206]) رواه البخاري ( 2626 و 2778 ).
([207]) لم نره في ما لدينا من المصادر.
([208]) رواه أحمد ( 24466 و 24510 و 24566 و 24610 و24837 و 24882 و 25112 و 25203 )و الترمذي ( 3705 ) وابن ماجه ( 112 ) وابن حبان ( 6915 ) والطحاوي في شرح المشكل ( 5310 ) والطبراني في مسند الشاميين ( 1030 و 1234 ) من حديث عائشة بألفاظ مختلفة وهو حديث صحيح.
([209]) رواه الطبراني في الكبير (477 و 13913)، وأبو نعيم في الحلية (8/359)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (39/176)، بلفظ: انظروا لأنفسكم، ولفظ الحاكم: إن حدث بعثمان حدث فتباً لكم الدهر تباً، ولفظ الحلية: تباً لكم يوم يقتل عثمان.
([210]) رواه الفسوي في المعرفة والتاريخ (3/162)، ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق (39/98)، وعبد الله بن الإمام أحمد في فضائل الصحابة (834 و 840)، والطبراني في الكبير (98 و99)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2979)، والدولابي في الذرية الطاهرة (60 و71)، والحاكم (4/52)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد واهي المتن، فإن رقية ماتت سنة ثلاث من الهجرة عند بدر وأبو هريرة إنما أسلم بعد فتح خيبر والله أعلم، وقد كتبناه بإسناد آخر، ثم رواه وقال: ولا شك أن أبا هريرة رحمه الله روى هذا الحديث عن متقدم من الصحابة أنه دخل على رقية رضي الله عنها لكني قد طلبته جهدي فلم أجده في الوقت، وروى ابن عساكر عن البخاري أنه قال: ولا أراه حفظه لأن رقية ماتت أيام بدر وأبو هريرة هاجر بعد ذلك بنحو خمس سنين أيام خيبر ولا يعرف للمطلب سماعا من أبي هريرة ولا لمحمد من المطلب ولا تقوم به الحجة.
([211]) رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق (39/39) من حديث ابن عباس.
([212]) رواه أحمد (20630)، والترمذي (3785) وحسنه، وعبد الله بن أحمد في زوائد المسند (20630)، وفي فضائل الصحابة (738 و 739 و 746)، وابن أبي عاصم في السنة (1314)، وفي الجهاد (82)، والفسوي في المعرفة (1 /283)، والآجري (1468 و 1469)، والطبراني في الأوسط (9226)، وفي مسند الشاميين (1274)، وابن هاني في مسائل أحمد (2/172)، وأبو نعيم في الحلية (1/59)، والحاكم (3/102)، والبيهقي في دلائل النبوة (5/212)، من حديث عبد الرحمن بن سمرة.
([213]) لم نره فيما لدينا من المصادر.
([214]) رواه عبد الله بن الإمام أحمد في فضائل الصحابة (287)، و الطبراني في الكبير (694)، وفي الأوسط (1/195 )، وابن عساكر في تاريخ دمشق (39/68)، من حديث عقبة بن عمرو أبي مسعود، وفي إسناده سعيد بن محمد الوراق، وهو ضعيف. ووقع في المخطوطة روى عقبة بن عامر وابن مسعود وهو خطأ.
([215]) رواه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (123 و 2978)، وابن عدي في الكامل (2/24)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (7372)، والبيهقي في دلائل النبوة (2/297)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (39/29 و 29 – 30)، بألفاظ مختلفة من حديث أنس. وفي إسناده بشار بن موسى وهو ضعيف، وأما لفظ المصنف فذكره ابن سعد بدون إسناد . وانظر: سلسلة الضعيفة (3181) لشيخنا رحمه الله.
([216]) رواه الترمذي (2434)، وعبد الله بن أحمد في فضائل الصحابة (866)، وهو في فضائل عثمان (164)، عن أبي بكر بن أبي شيبة عن محمد بن يزيد عن يحيى بن يمان عن الحسن البصري فذكره، وهو مرسل، والمرسل ضعيف.
([217]) رواه أبو نعيم في الحلية (1/56 )، وابن شاهين (19)، من حديث ابن عمر بلفظ: ((أشد أمتي حياء عثمان بن عفان))، وورد بلفظ: ((أصدقهم حياء عثمان)) من حديث أنس مطولاً، وانظر: سلسلة الصحيحة (1224).
([218]) رواه الترمذي (3709)، وابن عدي في الكامل (6/132)، وابن حبان في كتاب المجروحين (2/184)، وابن بشران في الأمالي ( 614)، وأبو نعيم في فضائل الخلفاء (58)، والآجري (50 و51 و 122)، والدينوري في المجالسة (244)، والسهمي في تاريخ جرجان (1/100)، والخطيب في المتفق والمفترق (223)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (39/129 و 130 و131)، من حديث جابر وهو حديث موضوع. انظر: سلسلة الموضوعة (1967) لشيخنا رحمه الله.
([219]) رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق (39/96 – 97)، والقزويني في تاريخ قزوين (1/40)، وفي إسناده ابن لهيعة وهو ضعيف، والراوي عن عبد خير مجهول.
([220]) رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق (39/47 و 47 – 48)، عن طريق خيثمة بن سليمان عن هلال بن العلاء عن أبيه عن إسحاق بن يوسف الأزرق عن أبي سنان عن الضحاك بن مزاحم عن النزال.
([221]) رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق (39/235).
([222]) رواه ابن سعد (3/74 – 75) من حديث نافع بلفظ: رأيت رسول الله البارحة فقال لي: ((يا عثمان أفطر عندنا)) قال: فأصبح صائماً وقتل في ذلك اليوم رحمه الله ، وليس فيه فعاش.. الخ.
([223]) رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق (39/235).
([224]) رواه ابن شبة في تاريخ المينة (3/1263 و1264 و 1268 – 1269)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (39 /450) بلفظ: من دم عثمان.
([225]) رواه البلاذري في أنساب الأشراف (2 م 290)، بلفظ: على بناته ما لكن تبيكين؟ قلن: نبكي على عثمان، فبكى.
([226]) رواه ابن أبي شيبة في المصنف (37690)، وإسحاق بن راهويه (859)، والبزار (387)، وابن حبان (6919)، والطبراني في الكبير (119)، وابن بشران في الأمالي (955)، وابن أبي عاصم في الأوائل (1023)، وخليفة بن خياط في التاريخ (1/39)، وابن شبة في تاريخ المدينة (4/1285 و 1309)، وابن أبي داود في كتاب المصاحف (1)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (39/411 و 414)، من حديث أبي سعيد مولى أبي أسيد.
([227]) لم نره فيما لدينا من المصادر.
([228]) رواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف ( 44)، وأبو نعيم في الحلية (1/58)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (1/190)، وعند ابن أبي داود بلفظ خصلتان، في المخطوطة: عبد الله بن مهدي وهو خطأ.
([229]) رواه البخاري (3495 و 3698 و 3839 و 4066).
([230]) رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق (1/198 ) من طريق ابن أبي داود.
([231]) رواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف ( 113)، ولفظه: لما كتب عثمان المصاحف حين جمع القرآن كتب سبعة مصاحف ، فبعث واحداً إلى مكة وآخر إلى الشام وآخر إلى اليمن وآخر إلى البحرين وآخر إلى البصرة وآخر إلى الكوفة وحبس بالمدينة واحداً.
([232]) لم نره فيما لدينا من المصادر.
([233]) انظر: تاريخ ابن جرير (2/589) واكتفاء (4/370).
([234]) رواه الطبري في تاريخه (2/590).
([235]) رواه الطبري في تاريخه (5 /244)، وانظر: الاكتفاء (4/370).
([236]) رواه الطبري في تاريخه (2/591).
([237]) انظر: سيرة عثمان بن عفان (1/405)، وعثمان بن عفان شخصيته و عصره (1/344).
([238]) روى الحاكم (2/593 – 594)، وأبو نعيم في دلائل النبوة (921 و 922)، بلفظ قريب من هذا الحادث، وفي إسناده من هو ضعيف، إلاَّ الحافظ قال في إتحاف المهرة: والأزهري ضعيف، لكن روي من طريق أخرى، رواه ابن شاهين في التفسير عن ابن أبي داود عن يحيى بن حاتم، ورواه الطبراني عن أحمد بن داود المكي به فذكره، قلت: رواه أبو نعيم (921) عن الطبراني.
([239]) انظر: مختصر تفسير البغوي (1/375)، قال الحاكم في المستدرك بعد أن رواه مطولاً: وقد رواه أبو داود الطيالسي عن شعبة عن المغيرة عن الشعبي مرسلاً.
([240]) رواه الواحدي في أساب النزول (ص 291)، وغيره من حديث ابن عباس. وانظر: تفسير الدر المنثور (11/705).
([241]) رواه ابن جرير (1/106 – 107)، والحاكم (3/147)، من حديث سعد.
([242]) ذكره الواحدي في أسباب النزول (ص 378) بدون إسناد، وقال: قال عطاء: عن ابن عباس وذلك أن علياً بن أبي طالب رضي الله عنه نوبة أجر نفسه فذكره.
([243]) رواه عبد الرزاق في تفسيره (1/108)، وابن أبي حاتم (2873)، ومن طريقهما رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق (42/358)، والواحدي في أسباب النزول (ص 78)، وفي إسناده عبد الوهاب بن مجاهد وهو متروك، وقد كذبه الثوري، وأما قوله: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما حملك)) فهو من قول الكلبي، ذكره الواحدي.
([244]) ذكره الواحدي في أسباب النزول (ص 162) من قول الكلبي.
([245]) رواه أحمد (1341 و 1342) وأبو داود (3582 و 3584) والنسائي في الكبرى (8417 و 8418 و 8420 و8421) وأبو يعلى (401) والبزار (711 و 721) والطبراني في الأوسط (3892) وابن أبي خيثمة في تاريخه (2585 و 2587) و الإسماعيلي في المعجم (282) و البيهقي (10 / 86) وفي معرفة السنن والآثار (6049) والضياء في المختارة (774) وابن عساكر في تاريخ دمشق (42 / 388) من طرق عن علي وهو حديث صحيح.
([246]) رواه البخاري (441 و 3703 و 6204 و 6280) في بعض رواياته ما كان لعلي اسم أحب إليه من أبي تراب، وفي بعضها ما كان اه اسم أحب إليه منه.
([247]) رواه ابن سعد (3 / 22) ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق (42 / 69) وفي إسناده الواقدي وهو متروك.
([248]) رواه عبد الرزاق (9781) ومن طريقه الطبراني في الكبير (365) من حديث أسماء بنت عميس.
([249]) رواه الطبراني في الكبير (5355) والحاكم (3 / 120 رقم 4583) والبيهقي (6 / 207).
([250]) لم نره فيما لدينا من المصادر.
([251]) رواه ابن أبي شيبة (32074 و 37008) و أحمد (1583 و 1600 و 1608) و مسلم (2404 و 6371 و 6373) و الترمذي (3724) وابن حبان (6643 و 6927) وغيرهم كثير بهذا التمام.
([252]) رواه البلاذري في أنساب الأشراف (1 / 278) بهذا اللفظ. وراه أحمد في فضائل الصحابة (1030) و مسلم (2405 و 6375) وابن حبان (6934) والنسائي في الخصائص (21) وغيرهم بلفظ قريب من هذا.
([253]) رواه مسلم 249) وغيره .من حديث علي بلفظ عهد إلي.
([254]) رواه الحاكم (3/153 رقم 4685)، من حديث وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ولفظه: لا يخاف بل لا يأخذه.
([255]) رواه البلاذري في أنساب الأشراف (1/281) بهذا اللفظ.
([256]) لم نره بهذا السياق من حديث أبي هريرة، وأما حديث: ((من كنت مولاه فعلي مولاه)) صحيح، وانظر: سلسلة الصحيحة (1750) لشيخنا رحمه الله.
([257]) رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق (42/221) من طريق أبي يعلى.
([258]) رواه البلاذري في أنساب الأشراف (1/281)، من حديث أبي سعيد الخدري وسنده ضعيف من أجل عطية العوفي.
([259]) رواه البلاذري في أنساب الأشراف من قول أبي إسحاق، ورواه النسائي في الكبرى (8509)، والحاكم (3/173)، من حديث أسماء بنت عميس بلفظ: ((لقد زوجتك أحب أهل بيتي)).
([260]) رواه البلاذري في أنساب الأشراف (1/287)، بهذا اللفظ إلاَّ أنه عنده النبي بدل رسول الله، وهو حديث موضوع روي من طرق عن أنس وغيره.
([261]) رواه البلاذري في أنساب الأشراف (1/283) من حديث أبي الأسود الدوئلي.
([262]) رواه البلاذري في أنساب الأشراف (1/298)، من حديث الحسن، وهو مدلس، وتلميذه المبارك بن فضالة مدلس تدليس تسوية.
([263]) رواه البلاذري في أنساب الأشراف (1/289)، من حديث زيد بن يثيع، وهو ثقة مخضرم، لم يسمع من النبي، ورواه النسائي في خصائص علي من حديث زيد بن يثيع عن علي.
([264]) رواه الرافعي في التوين في تاريخ قزوين (1/69)، من حديث عبد الملك بن دليل عن أبيه عن السدي عن زيد بن أرقم، وهي نسخة موضوعة.
([265]) رواه الطبراني في الكبير (6097)، وابن عدي في الكامل (5/126)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (42/269 و 291) بالرواية الثانية، وهو حديث باطل، وأما الرواية الأولى فلم نره فيما لدينا من المصادر.
([266]) لم نره فيما لدينا من المصادر.
([267]) رواه خيثمة في حديثه (ص 121 – 122) مطولاً، ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق (35/ 266)، ورواه ابن الجوزي في العلل المتناهية (402) مقتصرا على فضل علي فقط كما عند المصنف، وقال: لا يصح، أما عمار بن سيف فقال يحيى: ليس حديثه بشيء، وقال الدارقطني: متروك، وأما المحاربي فقال يحيى: يروي عن المجهولين أحاديث منكرة. قلت: هو من رجال الصحيح، قال الحافظ: لا بأس به، وكان يدلس.
([268]) أورد الذهبي مسعر بن يحيى في الميزان (4/99)، وقال: لا أعرفه، وأتى بخبر منكر، ثم قال: قال ابن بطة: حدثنا أبو ذر أحمد بن الباغندي، أخبرنا أبي، عن مسعر بن يحيى، حدثنا شريك، عن أبي إسحاق، عن أبيه، عن ابن عباس، فذكره.
([269]) حديث موضوع، انظر سلسلة الضعيفة (2955) لشيخنا رحمه الله.
([270]) نسبه ابن حجر الهيتمي في الصواعق المحرقة (2/518) إلى الدارقطني.
([271]) رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق (42/235).
([272]) حديث صحيح من حديث البراء بن عازب وزيد بن أرق وبريدة، انظر: سلسلة الصحيحة (1650).
([273]) رواه الطبري في تاريخه (3/34)، ولفظه: قال الأحنف بن قيس: فلقيت طلحة والزبير، فقلت: من تأمراني به وترضيانه لي فإني لا أرى هذا الرجل إلاَّ مقتولاً؟ قالا: علي، قلت: أتأمراني به وترضيانه لي؟ قالا: نعم، فانطلقت حتى قدمت مكة، فبينا نحن بها إذ أتانا قتل عثمان وبها عائشة أم المؤمنين، فلقيتها فقلت: من تأمريني أن أبايع؟ قالت: علي، قلت: تأمرينني به وترضينه لي؟ قالت: نعم، فمررت على علي بالمدينة فبايعته ثم رجعت إلى أهلي بالبصرة.
([274]) رواه البخاري (2509 و 2952 و 3451 و 6065 و 6429 و 6635).
([275]) موضوع، انظر: سلسلة الضعيفة لشيخنا رحمه الله.
([276]) لم نره فيما لدينا من المصادر.
([277]) رواه أبو داود (2650 و 2652)، والترمذي (3748)، وابن ماجه (133)، وابن حبان (6993)، وغير هم، من حديث سعيد بن زيد، وورد من حديث غيره، وهو حديث صحيح.
([278]) رواه البخاري (3581 و 3772).
([279]) لم نـره بهذا اللفظ من قول الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن في القرآن الكريم: ((وَأَزۡوَٰجُهُۥٓ أُمَّهَٰتُهُمۡۗ)) [ سورة الأحزاب: 6 ] وعائشة منهن، بل من المقربات إلى النبي صلى الله عليه وسلم منهن.
([280]) رواه البخاري (3556 و 3768 و 5848 و 6201).
([281]) رواه البخاري (3250 و 3411 و 3433 و 3558 و 3769 و 5101 و 5418)، ومسلم (6425)، من حديث أبي موسى الأشعري، وهو في الصحيح من حديث غيره.
([282]) رواه البخاري (3564 و 3775).
([283]) رواه ابن سعد (2/239)، والموزي في العلم، وعبد الله بن أحمد في زيادات فضائل الصحابة (1100)، والحميدي في النوادر ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق (42/406)، من طريق عبيد الله القواريري، عن مؤمل بن إسماعيل، عن سفيان بن عيينة، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، ومؤمل بن إسماعيل ضعيف.
([284]) رواه ابن جرير في تهذيب الآثار (1104)، وفي إسناده جسرة بنت دجاجة قال الحافظ: مقبولة.
([285]) رواه الإمام أحمد في فضائل الصحابة (884)، قال: حدثنا وهب بن إسماعيل عن محمد بن قيس عن علي بن ربيعة الوالبي عن علي بن أبي طالب قال: جاءه ابن التياح فقال: يا أمير المؤمنين امتلأ بيت مال المسلمين من صفراء و بيضاء، قال: الله أكبر، قال: فقام متوكئاً على ابن التياح حتى قام على بيت مال المسلمين فقال: هذا جناي وخياره فيه، وكل جان يده إلى فيه، يا ابن التياح عليّ بأشياخ الكوفة، قال: فنودي في الناس فأعطى جميع ما بيت [مال] المسلمين وهو يقول: يا صفراء يا بيضاء غري غيري ها وها حتى ما بقي فيه دينار ولا درهم ثم أمر بنضحه وصلى فيه ركعتين.
([286]) انظر: أنساب الأشراف (1/290).
([287]) انظر: أنساب الأشراف (1/290).
([288]) انظر أنساب الأشراف (1/290).
([289]) انظر أنساب الأشراف (1/290).
([290]) انظر: أنساب الأشراف (1/319)، والسيرة لابن حبان (1/538).
([291]) انظر: أنساب الأشراف (1/319).
([292]) انظر: أنساب الأشراف (1/282).
([293]) انظر: فضائل الصحابة للإمام أحمد (951 و 5640).
([294]) رواه البخاري (6930) ومسلم (2503 و 2511) من حديث علي ، وهو في الصحيح من حديث أبي سعيد الخدري.
([295]) انظر: انساب الأشراف (1/281).
([296]) انظر: سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (1/384).
([297]) انظر: أنساب الأشراف (1/282).
([298]) انظر سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (1/359).
([299]) انظر: أنساب الأشراف (0 1/282) بلفظ: لم يذهب من مالك.
([300]) قال الذهبي في سير أعلام النبلاء (8/417): وجاء من طرق عن ابن المبارك ، وقيل: هي لحميد النحوي . وانظر هذه الطرق في تاريخ دمشق (42/459 – 460)، وابن أبي الدنيا في الصمت (651)، ومن طريقه البيهقي في الشعب (4732).
([301]) رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق (42/528)، من طريق الخرائطي عن عمارة بن وثيمة عن أبيه عن جرير بن عبد الحميد عن حمزة الزيات، وانظر: الصمت لابن أبي الدنيا.
([302]) لم نره من شعر علي فيما لدينا من المصادر.
([303]) رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق (42/529 – 530).
([304]) انظر: روضة العقلاء لابن حبان (1/257)، والأغاني (4/57).
([305]) انظر: الأغاني (11/375).
([306]) رواه ابن بشران في أماليه (556 و 1043) من شعر أبي محمد القاسم بن إسماعيل الكاتب.
([307]) هذه الأقوال نسبت إلى الإمام علي رضي الله عنه من قبل المؤلف، لم يثبت كلها له، حيث نسبت بعضها لحكماء الهند، وبعضها لبعض الشعراء و الأدباء، وبعضها نسبت لبعض الصحابة، وبعضها نسبت للنبي صلى الله عليه وسلم، ولم نطلع على بعضها فيما لدينا من المصادر وبعضها أمالٍ معروفة، وانظر: تاريخ دمشق لابن عساكر، والمحاضرة في اللغة والأدب، ومجمع الأمثال، والبيان والتبيين، والتذكرة الحمدانية، ومحاضرة الأدباء، وسيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وتاريخ الخلفاء، وسراج الملوك، ونثر الدر، والمستطرف، والبداية والنهاية، والوافي بالوفيات، وعيون الأخبار، وطبقات الشافعية، وغيرها، لتعلم حقيقة أصحاب تلك الأقوال.
([308]) رواه البخاري (3261 و 3445)، وأبو داود الطيالسي (24)، وابن حبان (6239)، من حديث عمر، وهذا اللفظ لهما.
([309]) رواه ابن أبي شيبة (31909)، من حديث ابن عباس بلفظ: ((ما من أحد إلاَّ وقد أخطأ أو هم بخطيئة إلاَّ يحيى بن زكريا)). وإسناده ضعيف من أجل علي بن زيد بن جدعان فإنه ضعيف، ويوسف ابن مهران فيه لين.
([310]) لم نره فيما لدينا من المصادر بل لا نشك أنه لا أصل له.
([311]) رواه البخاري (1294 و 1360)، من حديث سعيد بن المسيب عن أبيه مطولاً.
([312]) ورد في تفسير الكشف والبيان (5/100) لا تحدث نساء قريش أني جزعت عند الموت.
([313]) الذي ورد في ذلك أن علياً لما أخبر رسول الله بأن عمك الشيخ الضال مات، قال له: ((اذهب فواره))، وإن كان الحديث قد تكلم فيه.
([314]) لم نره فيما لدينا من المصادر.
([315]) في بعض الروايات: وصلتك رحم يا عم.
([316]) ذكره ابن جرير في تفسير الآية، وكذا رواه الواحدي في أسباب النزول (ص 175) من حديث ابن عباس.
([317]) هو في معجم الإسماعيلي (303) من حديث عائشة.
([318]) هو في فوائد العراقيين (6) من حديث عائشة.
([319])كذا في الأصل.
([320]) في الأصل (هو).
([321]) الكُساح (أو الكُساحة): الكُناسة، وكساحة البيت ما كُسح من التراب فألقي بعضه على بعض، والكُساحة تراب مجموع. (انظر: لسان العرب، مادة: كسح).
([322]) النِّحلة هي الهبة، أي: الإعطاء بلا استعاضة، ومنه قوله تعالى: ] وَءَاتُواْ ٱلنِّسَآءَ صَدُقَٰتِهِنَّ نِحۡلَةٗۚ [ (النساء: 4).
([323]) هو في صحيح البخاري (4034 و 6727 و 6730) و صحيح مسلم (1758) من حديث عائشة، وفي صحيح مسلم (4684) من حديث أبي هريرة، وهو في أماكن متعددة من صحيح البخاري من حديث أبي بكر و عمر و عثمان وعلي و عبد الرحمن بن عوف والزبير و سعد بن أبي وقاص والعباس، وصحيح مسلم وغيرهما بلفظ: لا نورث ما تركنا صدقة، وأما لفظ المصنف فرواه النسائي في الكبرى (6309) من حديث عمر وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص و عثمان و طلحة والزبير بسند صحيح.
([324]) رواه البخاري (2776 و 3096 و 6729) من حديث أبي سعيد و مسلم (1760) من حديث أبي هريرة.
([325]) رواه البخاري (3712)، ومسلم (1758).
([326]) رواه البخاري (3713 و 3751).
([327]) رواه البيهقي (6/302).
([328]) ينسبون هذا القول إلى كل من جعفر الصادق ومحمد الباقر، ولم يصح عنهما بل هو كذب صراح عليهما، فلا حاجة إلى تأويل الشارح الذي لم نره لغيره.
([329]) روى البخري حديث سقيفة بني ساعدة (3660 و 3670 و 4453 و 4454 و 5711) من حديث عائشة ولفظه: واجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة فقالوا منا أمير ومنكم أمير، فذهب إليهم أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح، فذهب عمر يتكلم، فأسكته أبو بكر، وكان عمر يقول: والله ما أردت بذلك إلاَّ أني قد هيأت كلاماً قد أعجبني خشيت أن لا يبلغه أبو بكر، ثم تكلم أبو بكر فقال في كلامه: نحن الأمراء وأنتم الوزراء، فقال حباب بن المنذر: لا والله لا نفعل منا أمير ومنكم أمير، فقال أبو بكر: لا، ولكنا الأمراء وأنتم الوزراء،، هم أوسط العرب داراً وأعربهم أحساباً، فبايعوا عمر بن الخطاب أو أبا عبيدة بن الجراح، فقال عمر: بل نبايعك ، فأنت سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ عمر بيده فبايعه وبايعه الناس، فقال قائل: قتلتم سعد بن عبادة، فقال عمر: قتله الله.
([330]) رواه ابن جرير في تاريخه ( 2 / 233 ) بسند ضعيف بلفظ: أيكم تطيب نفسه أن يخلف قدمين قدمهما النبي صلى الله عليه وسلم.
([331]) رواه أبو داود في الزهد ( 1 / 65 ) بلفظ لتأخذن كنوز قيصر وكسرى .
([332]) رواه البخاري (1138 و 1888 و 1199 و 6216 و 6588 و 6904 و 7335)، و مسلم (36)، من حديث أبي هريرة، ورواه البخاري (1137 و 1195) ومسلم (3434) من حديث عبد الله بن زيد المازني، ومن رواه بلفظ: ((بين قبري و منبري)) فرواه على المعني بعد ما دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة.
([333]) رواه البخاري ( 3215 و 3232 و 3395 و 3413 و 4354 و 4355 و 4630 ) و مسلم ( 237 و 6310 ) من حديث ابن عباس، ورواه البخاري 3234 و 3416 ) ومسلم ( 6309 ) من حديث أبي هريرة، والبخاري ( 3412 و 4603 و 4804 ) من حديث عبد الله بن مسعود بلفظ لا ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متى ونحوه. وأما لفظ المصنف فقد ذكره المفسرون وفي تخريج أحاديث الكشاف غريب جداً.
([334]) روي مرسلا من حديث سعيد بن أبي هلال، وفي أسنى المطالب: وأسنده ابن مردويه وسنده ضعيف.
([335]) رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق (42/335 – 336) من حديث ابن عمر.
([336]) رواه الترمذي (3866)، والطبراني في الأوسط (8366) من حديث ابن عمر، وهذا اللفظ للطبراني، وفي إسناده مجهولان، ولذا قال شيخنا رحمه الله: ضعيف جداً.
([337]) رواه عبد بن حميد (1136)، والطبراني في الأوسط (1261)، وابن عدي في الكامل (4/181)، وأبو نعيم في الحلية (8/296)، والعقيلي (2/699 – 700)، والبيهقي (3/171)، وفي الشعب (2754)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (61/312) من حديث جابر بن عبد الله، وفي إسناده عبد الله بن محمد العدوي، رمي بالكذب والوضع، وعلي بن زيد ضعيف، وانظر: تخريج أحاديث الكشاف (4/23)، والبدر المنير (4/434)، وإرواء الغليل (591) لشيخنا رحمه الله.
([338]) رواه الديلمي في مسند الفردوس من حديث أنس، وفي إسناده إسحاق بن نجيح وهو مجهول، وأورده ابن حجر في (الغرائب الملتقطة من مسند الفردوس) تحت رقم (546) وهو مخطوط منشور في المكتبة الشاملة.
([339]) رواه ابن عدي في الكامل (4/34)، وأبو نعيم في تثبيت الإمامة (200)، و ابن عساكر في تاريخ دمشق (23/215).
([340]) رواه صاحب الكشف والبيان (3/382) من طريق عبد الرحمن بن مالك بن مغول عن أبيه عن عامر الشعبي، وقال البغوي في تفسيره (8/80): وقال مالك بن مغول: قال عامر الشعبي، فذكره، أما شيخ الإسلام ابن تيمية فقد ذكره في منهاج السنة (1/27) من قوله هو.
([341]) هذه الكلمة غير واضحة في الأصل.
([342]) ذكره ابن الجوزي في تفسيره زاد المسير (7/175).
([343]) رواه عبد بن حميد (698)، وأحمد في فضائل الصحابة (651)، وابنه في زياداته ( 752)، والحارث بن أبي أسامة (1043 زوائده)، وأبو يعلى (2586)، والبزار (2777 زوائده)، وابن أبي عاصم في السنة (1015)، وابن الأعرابي في معجمه (1499)، والطبراني في الكبير (12997 و 12998)، وابن عدي في الكامل (5/90)، وصاحب الكشف والبيان (9/67)، وأبو نعيم في الحلية (4 م 95)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (253)، وهو حديث ضعيف بسبب الحجاح بن تميم.
([344]) رواه أحمد (9736 و 10164)، ومسلم (2656)، والترمذي (2157 و 2290)، وابن ماجه (83)، والبخاري في خلق أفعال العباد (134 و 135)، وابن جرير في التفسير (22/161 و 165)، والفسوي في المعرفة (3/236)، وابن حبان (6139)، واللالكائي (946 و 947)، والبيهقي في الشعب (183) من حديث أبي هريرة بألفاظ مختلفة.
([345]) رواه ابن جرير في التفسير (22/161 – 162)، والبيهقي في الشعب (165).
([346]) رواه الواحدي في أسباب النزول (ص 338)، وانظر تفسير زاد المسير (8/215)، والقرطبي (20/106) وهو من حديث أبي ذر.
([347]) رواه أحمد (6703 و 6095)، وابن أبي عاصم في السنة، والطبراني في الأوسط (1955)، واللالكائي (1378)، وابن بطة (1463)، والآجري في الشريعة (414 و 415).
([348]) رواه الآجري في الشريعة (456 و 457 – أ).
([349]) رواه البخاري في التاريخ الكبير (1/318 – 319).
([350]) لم نجده فيما لدينا من المصادر.
([351]) رواه ابن أبي حاتم في التفسير (18714)، والطبراني في الكبير (5316)، وأبو نعيم في المعرفة (3099)، وابن شاهين وابن مردويه والخطيب في تالي التلخيص (65)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (46/212)، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (7/117): فيه من لم أعرفه، وعند الجميع عن ابن زرارة عن أبيه.
([352]) لفظ حديث عمر عند مسلم (102) بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه، وقال: يا محمد أخبرني عن الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الإِسْلاَمُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَتُقيِمَ الصَّلاَةَ وَتُؤْتِيَ الزَّكاَةَ وَتَصوُمَ رَمَضاَنَ وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبيِلا) فقال: صدقت فعجبنا له يسأله ويصدقه، قال: فأخبرني عن الإيمان، قال: (أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَ الْيَوْمِ الآخَرِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ) قال: صدقت، قال: فأخبرني عن الإحسان، قال: (أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَراَهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَراَهُ فَإِنَّهُ يَراَكَ) قال: فأخبرني عن الساعة، قال: (ماَ المَسْؤوُلُ عَنْهاَ بِأَعْلَمَ مِنَ الساَّئِلِ) قال: فأخبرني عن أماراتها، قال: (أَنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَهاَ وَأَنْ تَرىَ الْحُفاَةَ الْعُراَةَ الْعاَلَةَ رُعاَءَ الشاَّءِ يَتَطاَوَلوُنَ فيِ الْبُنْياَنِ) قال: ثم انطلق، فلبثت ملياً، ثم قال: (ياَ عُمَرُ ما تَدْريِ مَنِ الساَّئِلُ؟) قلت: الله ورسوله أعلم، قال: (ذاَكَ جِبْريِلُ أَتاَكُمْ يُعَلِّمُكُمْ ديِنَكُمْ).
([353]) رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق (12/392) مخطوط كما في الموسوعة الحديثية الكبرى مسند علي بن أبي طالب (1/418)وفي إسناده من هو متروك، ورواه الآجري في الشريعة (422 و547) من طريق أيوب عن إسماعيل بن عمرو البجلي عن عبد الملك بن هارون بن عنترة عن أبيه عن جده قال: أتى رجل علي بن أبي طالب فذكره، واللالكائي (1123) وابن بطة في الإبانة (310) وهو مسلسل بالضعفاء وفيه مجهول.
([354]) رواه أحمد بن منيع في إتحاف المهرة (5846)، وابن أبي حاتم في تفسيره (18215)، والبيهقي (10/205)، واللالكائي (1162 و 1388)، من طريق مروان بن شجاع عن ابن جريج عن عطاء، ومروان صدوق له أوهام.
([355]) انظر الكشف والبيان (9/172).
([356]) انظر الكشف والبيان (9/172)، وفي إسناده عبد الله بن محمد بن سنان قال ابن حبان وأبو نعيم: كان يضع الحديث.
([357]) رواه أبو داود (4691)، والطبراني في الأوسط (2495).
([358]) انظر تفسير ابن زمنين (2/163).
([359]) رواه أحمد (2669 و 2763 و 2804)، وعبد بن حميد (636)، والطبراني في الكبير (11243 و11416 و11560)، والترمذي (2635)، وأبو نعيم في الحلية (1/314)، والبيهقي (7/79)، وفي الشعب (1000 و 1074)، وفي الشعب (1000)، والضياء في المختارة (10 رقم 12 و 15 و11 رقم 109 و 110).
([360]) رواه ابن أبي عاصم في السنة، والطبراني في الأوسط (8465)، وفي الصغير (773)، من حديث أبي هريرة.
([361]) رواه أبو داود (1427)، والنسائي (1743)، وابن ماجه (1178)، والدارمي (1591 و 1593)، وأبو يعلى (6759)، والطبراني في الكبير (2700)، والبيهقي (2/210)، وفي الشعب (5747) من حديث الحسن بن علي بن أبي طالب.
([362]) رواه الترمذي (3895) وقال: حديث حسن غريب صحيح، وابن حبان (4177)، وأبو نعيم في الحلية (7/138)، والبيهقي (7/468) من حديث عائشة، وهو حديث صحيح.
([363]) هو حديث متواتر ورد عن جمع من الصحابة في الصحيحين وغيرهما.
([364]) انظر: مقالات الإسلاميين للإمام أبي لحسن الأشعري، والفصل لابن حزم، وغيرهما من الكتب التي تذكر فرقهم.
([365]) الكيسانية هم أتباع المختار بن أبي عبيد الثقفي، الذي قام بثأر الحسين بن علي بن أبي طالب، وقتل أكثر الذين قتلوا حسيناً بكربلاء، وكان المختار -ويقال له: كيسان- وقيل: إنه أخذ مقالته عن مولى لعلي t كان اسمه كيسان، وافترقت الكيسانية فرقاً يجمعها شيئان، أحدهما: قولهم بإمامة محمد بن الحنفية، وإليه كان يدعو المختار بن أبي عبيد، والثاني: قولهم بجواز البدء على الله ﷻ، ولهذه البدعة قال بتكفيرهم كل من لا يجيز البدء على الله سبحانه. (انظر: الفرق بين الفرق للبغدادي 1/27).
([366]) المختارية فرقة من الكيسانية، سوى أنهم يقولون بإمامة محمد بن الحنفية بعد الحسين، في حين يرى الكيسانية أنه إمام بعد علي، وعندما وقف ابن الحنفية على مذهبه تبرأ منه، (وانظر: الملل والنحل 1/147-150).
([367]) القائل هو سراقة البارقي، وأبو إسحق هو المختار وكان أهل الكوفة خرجوا على المختار لما تكهن.. فظفر بهم وقتل منهم الكثير، وأسر جماعة منهم، وكان في الأسراء رجل يقال له سراقة بن مرداس البارقي، فقدم إلى المختار، وخاف البارقي أن يأمر بقتله، فقال للذين أسروه وقدموه إلى المختار: ما أنتم أسرتمونا، ولا أنتم هزمتمونا بعدتكم، وإنما هزمنا الملائكة الذين رأيناهم على الخيل البلق فوق عسكركم، فأعجب المختار قوله هذا فأطلق عنه، فلحق مصعب بن الزبير بالبصرة، وكتب منها إلى المختار هذه الأبيات. (انظر: الفرق بين الفرق 1/34).
([368]) واسمه عبد الله. (وانظر: الملل والنحل 1/150-151).
([369]) بيان بن سمعان التميمي هذا قتله عامل هشام بن عبد لملك على العراق خالد بن عبد الله القسري، وقيل بل أحرقه.
([370]) وهم يطعنون في أبي بكر وعمر، ويدّعون أن النبي نص على إمامة علي بالوصف دون الاسم، وأن الصحابة كفروا بتركهم بيعة علي (انظر: الفرق بين الفرق 1/22).
([371]) في لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية للسفاريني (1/85) السليمانية نسبة إلى سليمان بن جرير.
([372]) في مقالات الإسلاميين (1/25): هذه الفرقة تسمى: الناوسية، لقبوا برئيس لهم يقال له: عجلان بن ناوس من أهل البصرة.
([373]) كذا في الأصل، والصحيح كما في (الملل والنحل 1/175) هو العلياء بن ذراع الدوسي، وقال قوم: هو الأسدي.
([374]) ما بين المعكوفتين ساقط من الأصل، والتصحيح من (الملل والنحل) 1/176.
([375]) في (الملل والنحل 1/181): الكيالية أتباع أحمد بن الكيال،وكان من دعاة واحد من أهل البيت بعد جعفر بن محمد الصادق، وأظنه من الأئمة المستورين.
([376]) في الأصل: الهاشمية، وهو تصحيف واضح.
([377]) رواه البخاري (6204 و 6573 و 7000 و 7437)، ومسلم (469)، وغيرهما، من حديث أبي هريرة، والبخاري (4305 و 4581)، ومسلم (472 و)، وغيرهما، من حديث أبي سعيد الخدري، وعند بعضهم: تضارون، وعند بعضهم: تضامون.
([378]) كذا في الأصل، ولعل الصواب: يقال له.
([379]) اعتقاد أهل السنة في يزيد وسط بين طرفين، وقد لخص القول فيه شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالة لطيفة له مفاده: افترق الناس في يزيد على ثلاث فرق: طرفان ووسط، طرف قالوا: كان كافراً منافقاً، وإنه سعى في قتل الحسين تشفياً من جده وانتقاماً منه، وهذا قول الرافضة، وهو ليس بغريب على من يكفّر الصحابة، وطرف آخر قالوا: غلو فيه فجعلوه إمام عدل، حتى اعتبروه من الصحابة (ثم غلو فيه أكثر بعد عصر شيخ الإسلام حتى اعتبروه إلهاً) وهذا قول العدوية من أتباع الشيخ عدي بن مسافر، أما أهل السنة فقالوا: كان خليفة من الخلفاء الذين تولوا الخلافة بعد الخلفاء الراشدين، وهو ليس بصحابي، بل له حسنات وسيئات.. ثم افترق فيه أهل السنة على ثلاث فرق: فرقة لعنته وفرقة أحبته، وفرقة لا تسبه ولا تحبه. (راجع نص رسالة شيخ الإسلام في: جامع المسائل لابن تيمية، تحقيق: محمد عزيز شمس، ط 1، سنة 1422، دار عالم الفوائد) وأغلب ما يروى عنه من المثالب -والمؤلف أورد بعضها هنا!- لا يصح، بل هو من وضع أعدائه من الرافضة وغيرهم.
([380]) رواه أحمد (4507 و 4576) ومسلم (1869 و 4948).
([381]) انظر الصواعق المحرقة (2/636) لابن حجر الهيتمي، حيث فيه ما يشبه هذا من رواية صالح بن أحمد بن حنبل عن أبيه.
([382]) رواه ابن ماجه (2620) من حديث أبي هريرة، وهو بلفظ: ((من أعان على قتل مؤمن بشطر كلمة لقي الله مكتوباً بين عينيه آيس من رحمة الله))، وهو حديث ضعيف، انظر: سلسلة الضعيفة (502) لشيخنا رحمه الله.
([383]) المقصود بهم العدوية، الذين سموا فيما بعد باليزيدية، نسبة إلى يزيد لغلوهم فيه ليس إلا.. ولا يزال هؤلاء إلى اليوم ينشدون القصائد -باللغة الكردية- في مناقب يزيد (أو ئيزيد، ئيزي) حسب تهجيهم ، وإن ادعى بعض مثقفيهم اليوم أن (ئيزي) هو اسم من أسماء الله، والذي ينظر في (أقوالهم الدينية) التي ينشدونها في مناسباتهم (وهي كلها بالكردية) يرى بوضوح أن (ئيزي، ئيزيد) هو يزيد فهم يذكرون أن سلطان الشام يزيد ظهر من معاوية.. (ينظر على سبيل المثال كتاب: صفحات من أدب دين اليزيدية، الذي ألفه بالكردية الدكتور خليل جندي رشو، 333-390/1، ط 1).
([384]) هو الشيخ حسن شمس الدين ابن عدي (الثاني) بن أبي البركات صخر بن صخر بن مسافر، كان والد جده صخر أخاً للشيخ عدي الأول، ولد سنة 592 وتوفي سنة 644، خلف والده في زعامة الطائفة العدوية وكان في أول أمره مستقيماً، لكنه أتى بعد ذلك بأفكار فاسدة وعقائد باطلة كوحدة الوجود، ويعتقد أنه تلقى هذه الأفكار من ابن عربي الصوفي، وكان قد اختلى عن أصحابه ست سنين بعد أن وضع أخاه الشيخ فخر الدين مكانه ليضع كتابه (الجلوة لأهل الخلوة) وهو في عداد الكتب المفقودة الآن، أودع فيه خلاصة أفكاره الفاسدة، وقـد حدثت بينه وبين والي الموصل بدر الدين لؤلؤ -وكان رافضياً- حوادث أليمة، انتهى باعتقاله، ويقال بإنه أغتيل في محبسه بالموصل، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: ((وفي زمن الشيخ حسن زادوا أشياء باطلة نظماً ونثراً، وغلوا في الشيخ عدي وفي يزيد بأشياء مخالفة لما كان عليه الشيخ عدي الكبير قدس الله روحه، فإن طريقته كان سليمة لم يكن فيها من هذه البدع، وابتلوا بروافض عادوهم وقتلوا الشيخ حسناً، وجرت فتن لا يحبها الله ولا رسوله..)). انظر كتابنا: عقد الجمان في تراجم العلماء والأدباء الكرد والمنسوبين إلى مدن وقرى كردستان 1/242-247.
([385]) رواه أحمد (4507 و 4536)، ومسلم (1829 و 4948)، من حديث عبد الله بن عمر.
([386]) انظر: جلاء العينين في محاكمة الأحمدين للآلوسي (1/359 و375).
([387]) انظر: فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (4/372)، و طبقات الشافعية الكبرى (9/64)، وغيرهما من كتب عقائد السلف.
([388]) انظر: محتصر تفسير البغوي (1/269) سورة البقرة 206.
([389]) انظر: ذم التأويل، لموفق الدين ابن قدامة المقدسي، تحقيق بدر البدر، الدار السلفية الكويت، 1406، ص 6.
([390]) انظر: المصدر السابق، ص 16.
([391]) انظر: المصدر السابق، ص 24، وسير أعلام النبلاء (8/162).
([392]) انظر: المصدر السابق، ص 35.
([393]) رواه أحمد (17144 و 17145 و 17184 و 17185)، وأبو داود (4607 و 4609)، والترمذي (2676)، وابن ماجه (43)، والدارمي (95)، وابن حبان (5)، والطبراني في مسند الشاميين (437 و697 و 1180 و 1379)، وفي الكبير، والبيهقي في الشعب (7516)، من حديث العرباض بن سارية، وهو حديث صحيح.
([394]) رواه أحمد (26329 و 26372)، والبخاري (2550 و 2697)، ومسلم (1718 و 4589) من حديث عائشة.
([395]) رواه البزار (299) وانظر الأسماء المبهمة في الأنباء المحكمة (1/37).
([396]) انظر: السنة للمروزي (75)، والبدع لابن وضاح.
([397]) انظر: لغات الرسل وأصول الرسالات (1/164).
([398]) هو في ذم الكلام وأهله (1007)، والحجة في بيان المحجة (1/116).
([399]) رواه الآجري، والخطيب البغدادي، ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق (35/200)، وابن عبد البر، كلهم من طريق العباس بن الوليد بن المزيد، عن أبيه، عن الأوزاعي.
([400]) كتب على الهامش: كذا الأصل المنقول منه.
([401]) هو في ذم الكلام وأهله 5/117)، والحلية لأبي نعيم (1/143)، واعتقاد أهل السنة (315).
([402]) رواه البخاري (1454).
([403]) رواه البخاري (2307 و 2439).
([404]) رواه البخاري (6346) بهذا اللفظ .
([405]) الذي يظهر من كلام المصنف أنه من رواية البخاري وليس كذلك، بل هو في فضائل الصحابة باب ومن فضائل عمر (531) وفي أنساب الأشراف (1/353).
([406]) رواه البخاري (2175 و 2296 و 3905 و 3692 ).
([407]) رواه البخاري (1380 و 1385 و 1448 و 1453).
([408]) رواه البخاري (4386 و 4663).
([409]) رواه البخاري (1382 و 1450).
([410]) رواه البخاري (799 و 834 و 5967 و 6953) .
([411]) رواه البخاري (1184 و 1241 و 1242 و 4187 و 4453 و 4454).
([412]) رواه البخاري 1387 و 1455).
([413]) رواه البخاري (1 و 45 و 2392 و 3682 و 4783 و 6311 و 6553).
([414]) رواه البخاري (2586 و 2620 و 2737 و 2772 و 4311 و 6706).
([415]) رواه البخاري (45 و 4145 و 4407 و 6840 و 7268).
([416]) رواه البخاري (1835 و 1835 و 1839 و 1854 و 1855 و 1857 و 1941 و1945 و 1955 و 1956 و 1958 و 4991 و 5297).
([417]) رواه البخاري (1600 و 1684 و 3626 و 3838).
([418]) رواه البخاري (393) بهذا اللفظ.
([419]) رواه البخاري (556 و 581).
([420]) رواه البخاري (7163 و 7164).
([421]) رواه البخاري (906 و 948 و 2889 و 3045).
([422]) رواه البخاري (5757 و 6108 و 6270 و 6271 و 6246 و 6247).
([423]) رواه البخاري (4739 و 5027).
([424]) رواه البخاري (158 و 159 و 162 و 164).
([425]) رواه البخاري (439 و 450).
([426]) رواه البخاري (160).
([427]) رواه البخاري (4740 و 5028).
([428]) رواه البخاري (2626).
([429]) رواه البخاري (158 و 159 و و162 و 164 و 561).
([430]) رواه البخاري (3315 و 3506 و 4699 و 4702 و 4984 و 4987).
([431]) رواه البخاري (3512 و 3717).
([432]) رواه البخاري (6069 و 6433).
([433]) رواه البخاري (1629 و 1716).
([434]) رواه البخاري (6726 و 7145).
([435]) رواه البخاري (6915 و 7027 و 7347 و 7465).
([436]) رواه البخاري (5203 و 5523).
([437]) رواه البخاري (4182 و4447 و 5911 و6266).
([438]) رواه البخاري (3833 و 4059).
([439]) رواه البخاري (3007 و 3762 و 3983 و 4025 و 4274 و 4608 و 4890 و 5904 و 6259).
([440]) رواه البخاري (5046 و 5361).
([441]) رواه البخاري (1296 و 1362 و 4665 و 4948).
([442]) رواه البخاري (6531 و 6930).
([443]) هذا من التوسل الممنوع!