×
هذا المقال كتبه المؤلف كمقدمة لكتاب العبودية واللادينية لفضيلة الدكتور عبد الرحمن بن عبد الكريم الشيحة. ويعالج هذا المقال الضلال الفكري لطوائف اللادينية واللا أدرية والتي هي آخذة في الإنتشار في كثير من المجتمعات الغربية, نسأل الله العلي العظيم أن يهدينا وإياهم إلى صراطه المستقيم.

    ﴿ اللادينية واللاأدرية ﴾

    « باللغة العربية »

    أحمد الأمير

    2014 - 1436

    بسم الله الرحمن الرحيم

    اللادينية واللاأدرية

    الحمد لله الذي أرسل محمدا بشيرا ونذيرا, وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا, وفضل صحابته ومنحهم فضلا كبيرا, فصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه صلاة وسلاما متتابعا كثيرا. أما بعد.

    فإن أخطر مشاكل العصر الآن هي البعد عن العبودية, وهذا البعد له أبعاد وأسباب وفروع, فمنه ما هو بعدا إلحاديا كما في طوائف اللادينية أو اللاأدرية أو اللاربوبية الإلحادية, ومنه ما هو بعدا عاداتيا, حيث أضحى الناس يصبحون ويمسون بعادات عمل وتكاثر في المال والذرية, مهتمين بشهواتهم وغير مكترثين بالتقرب لرب البرية. أما بالنسبة للبعد اللاديني فقد قابلت العديد من أتباعه واوضحت لهم أن اللادينية هي في الواقع دينية, فهم قد رفضوا الأديان كلها إعتقادا بأنها جميعا ليس بها أدلة حقيقية, وآمنوا بوجود رب لهذا الكون ولكن قالوا هو بمعزل عن البشرية[1], وهكذا نسجوا لأنفسهم دينا خاصا بهم ليس بدينا إلهيا, وقد وجدت أن العامل المشترك بينهم هو أنهم جميعا قد أتوا من خلفية غير إسلامية, وهكذا حكموا على الإسلام بالخطأ من خلال قراءتهم عن النصرانية.

    أما اللاأدرية فلم تكذب أو تصدق وجود قدرة إلهية, قائلين طالما لم نرى بأعيننا أدلة ثبوتية, فلا نستطيع الجزم بأصل البشرية, ولكنهم قد آمنوا إيمانا مطلقا بصحة التطور الداروينية, مدعين أنه منذ 600 مليون عاما كان الإنسان من الفصائل القردية, وجعلوا من هذا إيمانا راسخا حتى ولو كذبته الأدلة العلمية, وقد كذبه الإنفجار الكمبري ومعه العلوم الحفرية والجيولوجية والوراثية, فقد أثبتوا أن شجرة الأنواع مقلوبة وأن الأنواع في إنقراض وليس في تطورية, وأن التطور موجودا داخل النوع نفسه وليس من نوعية إلى نوعية, فهاك البكتريا قد تطورت وأصبحت من بكتريا حيوية إلى بكتريا حيوية, ولن ترى أبدا أن السمك قد تطورا ليصبح من الحيوانات البرية, وقد ذكر التطور في القرآن صراحة منذ 1400 عام هجرية, فقد قال تعالى (وقد خلقكم أطوارا) ليؤكد لنا على المرحلية, وهاك الطفل قد أصبح رجلا وهاك الشبل قد إكتسب أنياب قوية, ولن تصبح نظرية داروين علما, فهي لا تقبل أن تخضع للملاحظة أو التجريب أو القابلية للتكرار حتى تدخل تحت المنهجية العلمية. ومن يقول أن الأديان لا وجود لها, وأن الكون يخضع فقط لقوانين مادية, فنقول له ومن كتب تلك النظم والقوانين الكونية, فالقانون ليس إلا وصفا ولم تخلق قوانين نيوتن الجاذبية, فالقوانين لا تخلق شيئا ولا يمكن جمع مال من معادلات حسابية, وليس هناك أي تعارضا بين الإيمان بالله وبين تفسير الكون بالقوانين الفيزيائية, ولن يصبح القانون أبدا خالقا أو أن يصنع صدفة أحماض نووية.

    دعوة من القلب للعودة لدين الله :

    هناك من جحد عبادة الرحمن قائلا, لما العذاب الأخروي لمن عصى رب البرية, ألا يخالف هذا صفة الرحمة الإلهية, فنقول ولما تعذب أنت من إعتدى على حرماتك وممتلكاتك الدنيوية, ألم تهدده وتقاضيه وتسجنه دهرا جزاءا لأفعاله الإجرامية, فهل قرأت يوما كم من أبواب الرحمة مفتوحة لكل تائب توبة مرجية, ووالله لم يهلك في النار إلا كل جبار عتيا, من رفض عبادة الرحمن ورفض الخير بالكلية, أتقول أليس ظلما أن تأكل الحيتان من الثروة السمكية, فنقول لو لم تأكل منها لزاحمتنا الأسماك في الأسواق وفي الحياة البرية, ولإختل النظام البيئي ولإنهارت الجبال والكرة الأرضية, وكل يجري بحكمة لا يعلم مداها إلا من خلق البرية, فإرجع لربك وخذ مني نصيحة قلبية, فما بلغت الجبال طولا ولا خرقت الأرض خرقة قوية, وإعرف قدر الرحمن خالق الكون والحياة الآخروية, واتبع سبيل الحق سبيل الإسلام خاتم الأديان السماوية, لعلك يوم العرض تلقى من الرحمن جزاءا وفيا, بأن يدخلك جنة الخلد في عيشة مرضية, ولا تقول تكفيني عن الأديان إتباعي لمبادئي الأخلاقية, وهل إتفقت عقول البشر على تفريق أفعال الخير من الأفعال الإجرامية, أم إختلفت عبر العصور والبلدان ماهية الحق من العادات الضلالية, وهل رأيت فيما عدا الأديان قوانين للمبادئ الأخلاقية, أتريد أن تتبع ما يمليه عليك ضميرك أنت ولا تخضع لأحكام إلهية, إذن لماذا تخضع لقوانين فرضت عليك من المجالس التشريعية, وقد يكون ضمير غيرك موافقا له لأفعاله الإجرامية, فوالله ما انتشر في الكون من فاحشة وإنتهاك لكل الحقوق إلا بترك الشرائع الإلهية, ووالله لو أعطيت الملحدين سلطة, لهدموا المعابد والمساجد والمباني الكنسية, وتذكر ما حدث للمتدينيين من تضييق وإضطهاد في عهد الشيوعية, فلا تنكر فضل الرحمن عليك وتنكر حقوقه الإلهية, ولا تقول أن العليم الخبير قد نسانا أو أنه بمعزل عن البشرية[2], أنسيت في مرضك من شفاك وأبعد عنك الأمراض المؤذية, واستجاب لدعائك وفرج عنك كربة قوية, ورزقك خير المسكن وخير الزوجة والذرية, ولو ابتلاك بشئ فلعله لخير لك وللبشرية, فاعبد ربك الذي خلق الشمس والقمر والكواكب الدرية, وجعلهم يسبحون جميعا في مدارات فلكية إنضباطية, فلا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا هناك تسابق بين الأجرام السماوية, الذي خلق الأرض وأرسى فيها من الجبال لكيلا تميد بنا في الهاوية, وخلق البحار المالحة والأنهار العذبة لنشرب منها شربة هنية, أتنكر كل هذا وتسمي دينك بالعقلانية, كلا ورب الكعبة بل إن العقلانية هي في الديانة الإسلامية.

    أحمد الأمير

    المركز الأوروبي للدراسات الإسلامية

    أثينا - اليونان

    WWW.ISLAMHOUSE.COM

    [1] تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

    [2] تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.