×
كيف نستقبل شهر رمضان؟: ذكر الشيخ - حفظه الله - في هذه الكلمات المباركات بعض التنبيهات لاغتنام الأوقات والاستعداد لشهر رمضان المبارك.

    كيف نستقبل شهر رمضان؟

    شهر رمضان المبارك ضيفٌ حبيبٌ إلى قلوب المؤمنين، عزيزٌ على نفوسهم، يتباشَرون بمجيئه ويُهنِّئُ بعضُهم بعضًا بقدومه، وكلهم يرجو أن يبلَّغَ هذا الضيف، وأن يُحَصِّل ما فيه من خير وبركة؛ خصَّه الله - جلّ وعلا - بميزاتٍ كريمة، وخصائص عظيمة، ومناقب جمّة تُميِّزُه عن سائر الشهور؛ بل لقد كان النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - يُبشِّر أصحابه بمقدم هذا الشهر الكريم، ويُبيِّن لهم خصائصه وفضائله ومناقبه، ويَسْتَحثَّهم على الجدّ والاجتهاد فيه بطاعة الله، والتقرُّب إلى الله - جلّ وعلا - بما يرضيه.

    ثَبَتَ في "المسند" للإمام أحمد بإسنادٍ جيِّدٍ عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «هذا شهرُ رمضان قد جاءكم، فيه تُفتّح أبواب الجنة، وتُغلَّق أبواب النار، وتُصفَّد الشياطين»، وثَبَتَ في "سنن الترمذي" وغيره عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا كانت أول ليلةٍ من ليالي رمضان صُفِّدَت مَرَدَة الشياطين، وغُلِّقَت أبوابُ النار، وفُتِّحَت أبوابُ الجنة، ويُنادِي مُنادٍ - وذلك في كلِّ ليلةٍ من لياليه -: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أمسك، ولله - تبارك وتعالى - عتقاء من النار، وذلك في كل ليلة من لياليه».

    والأحاديث الدالةُ على فضل هذا الشهر، وعظيم شأنه، وكريم منزلته عند الله كثيرةٌ لا تُحصَى، عديدةٌ لا تُستَقصَى، والواجبُ علينا أن نفرح غايةَ الفرح، وأن نسعد غاية السعادة بإقبال هذا الشهر الكريم بخيراته الموفورة، وميّزاته العظيمة الكثيرة: {قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: ٥٨].

    إن الفرح بقدوم هذا الشهر ومعرفة فضله ومكانته من أعظم الأمور المُعِينة على الجد والاجتهاد فيه، ولم يُضيِّع كثيرٌ من الناس الطاعةَ في هذا الشهر الكريم والإقبال على الله - جلّ وعلا - فيه إلا بسبب جَهْلِهم بقيمته ومكانته وإلا لو عرف المسلم هذا الشهر حقَّ معرفته وعَرَفَ قدره ومكانته لتهيَّأ له أحسنَ التهيُّؤ، واستعَدَّ له غاية الاستعداد، ولبَذَلَ قصار وُسْعِه وجهده واجتهاده في سبيل تحصيل طاعة الله، والقيام بعبادة الله على الوجه الذي يُرضِي الرب - تبارك وتعالى -.

    والسؤال الذي يطرحُ نفسه في هذه الأيام: كيف نستقبل هذا الشهر الكريم؟ كيف نتهيَّأ لهذا الموسم العظيم؟ كيف نستعِدُّ لهذا الشهر المبارك؟

    وليس استقبال هذا الشهر بتبادُل باقات الورد والزهور، ولا بإلقاء الأناشيد والأراجيز، ولا بتهيِئَة الملاعب والصالات، ولا بجمع صنوف أنواع المطاعم والمشروبات والمأكولات؛ إن التهيُّؤ لهذا الشهر الكريم تهيُّؤٌ للطاعة، واستعداد للعبادة، وإقبالٌ صادقٌ على الله - جلّ وعلا - وتوبةٌ نصوحٌ من كل ذنب.

    إن موسم رمضان فرصةٌ للإقبال على الله، والتوبة من الذنوب، إن من يتأمَّل حاله - وهذا شأنُ كلِّ واحدٍ مِنَّا - يجِدُ أن تقصيرَه عظيمٌ، وتفريطَه في جنب الله كبيرٌ.

    يقول - صلى الله عليه وسلم -: «كلُّ بني آدمَ خَطَّاءٌ، وخيرُ الخَطَّائين التوَّابون»، فالذنوبُ كثيرةٌ، والتقصيرُ حاصلٌ، وأمامنا موسمٌ عظيمٌ للتوبة إلى الله - جلّ وعلا -.

    وإذا لم تتحرَّك النفوس ولم تتحرَّك القلوب في هذا الموسم الكريم المبارك للتوبة إلى الله، والندم على فعل الذنوب فمتى تتحرَّك؟!

    ولهذا صحَّ في الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «رَغِمَ أنفُ امرئٍ أدركَ شهرَ رمضانَ ثم انسلَخَ عنه ولم يُغفَر له»؛ وذلك لأنه موسمٌ عظيمٌ للتوبة، تتحرَّك القلوبُ فيه للتوبة إلى الله، والإنابة إليه، والإقبال على طاعته - جلّ وعلا -.

    وإن مما يُستقبَل به هذا الشّهر الكريم: الدعاءُ الصادق، والصلةُ الحسنة بالله، والالتجاءُ التامُّ إليه - سبحانه - بأن يُعينَ العبد على طاعة الله في هذا الشهر الفَضِيل، فالعبدُ لا قُدرةَ له على القيام بالطاعة، وتحقيق العبادة والإتيان بها على وجهها إلا إذا أعانه الله، فلولا الله ما اهتَدَيْنا، ولا صُمْنا ولا صلَّيْنا، ولهذا على المؤمنين أن يُقْبِلوا على الله - جلّ وعلا - داعين ومُؤمِّلين ورَاجِين ومُخبِتِين، يرجُونَ رحمتَه ويطلُبُون مَدَدَه وعونَه بأن يُيسِّر لهم صيام رمضان، وأن يُعينَهم على قيامه، وأن يكتب لهم الخير والبركة فيه، وأن يجعلهم من عُتقائِه من النار، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.

    وإن مما يُستقبَل به شهر رمضان: أن يتأمَّل المسلمُ في خصائص هذا الشهر وميزاته وفضائله وبركاته ليعرفَ قدرَ هذا الشهر ومكانته، وليتعلَّم أيضًا ما ينبغي أن يكون عليه في هذا الشهر من صيامٍ وقيامٍ، فيتأمَّلُ في فوائد الصيام ومنافعه وما فيه من عِبرٍ ودروسٍ وعِظاتٍ بالغةٍ، ويتأمَّل في فضل قيام رمضان وما أعدَّه الله - جلّ وعلا - للقائمين فيه من أجورٍ عظيمةٍ، وفضائلَ جمَّة.

    ثَبَتَ في "الصحيحين" عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «مَنْ صَامَ رمضانَ إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه، ومن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه».

    وإن مما يُستقبَل به شهر رمضان المبارك: أن يُجاهِد الإنسانُ نفسَه بإصلاح قلبه، وطرحِ ما فيه من غِلٍّ أو حقدٍ أو حَسَدٍ أو ضغينةٍ أو غير ذلك.

    يقول النبي - صلى اله عليه وسلم -: «صومُ شهر الصبر وثلاثة أيام من كل شهر يُذهِبْنَ وَحَرَ الصدر»، إن في الصدر إِحَنٌ، وفي الصدر سخائمُ وضغائِن وأحقاد، فإذا جاءت هذه المواسم المباركة فإنها تكون فرصةً سانحةً، ومناسبةً كريمةً لطرد ما في القلب من غِلٍّ أو حقدٍ أو حَسَدٍ.

    يقول - عليه الصلاة والسلام -: «لا تَحَاسَدوا، ولا تَبَاغَضُوا، ولا تَنَاجَشُوا، ولا تَدَابَرُوا، ولا يَبِعْ بعضُكم على بيعِ بعضٍ، وكونوا عبادَ الله إخوانًا».

    إن دخول رمضان فرصةٌ مباركةٌ لتصفية النفوس، وتنقية القلوب، واجتماع الكلمة على طاعة الله - جلّ وعلا - بأن يُقبِلَ المسلمون جميعهم مُطيعين لله، مُقبِلين على عبادته وطاعته، مُبتَعِدِين عن كلِّ ما يسخطه ويأباه - سبحانه -.

    نسأل الله أن يُعينَنا جميعًا على صيام هذا الشهر المبارك وقيامه، وأن يُصلِحَ ذات بيننا، وأن يُؤلِّفَ بين قلوبنا، وأن يهدِيَنا سُبُل السلام، وأن يُخرِجَنا من الظلمات إلى النور، وأن يجعلنا من عباده المتقين الذين لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون.