×
تاريخ الصحابة: خطبةٌ ألقاها فضيلة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ - حفظه الله - في المسجد النبوي يوم الجمعة 2/ 5/ 1431 هـ، وتحدَّث فيها عن أحد جوانب تاريخ الصحابة، والدروس التي يجب الاستفادة منها، وذكر الفاروق عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنموذجًا، وتحدَّث عن فتوحاته، وحكمته، وعمَّن ولاَّهم من الأمراء في عهده، وحثَّ في الأخير على الاستفادة من هذه النماذج المُشرِّفة في زمننا اليوم.

 تاريخ الصحابة

 الخطبة الأولى

الحمد لله مُعزِّ التوحيد وأهله مُذِلِّ الشرك وحزبه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70، 71 ].

معاشر المسلمين:

في هذا العصر تشتدُّ المِحَن على أمتنا، وتزداد المصائب على كثير من إخواننا مما لا يخفى على صغيرٍ فضلًا عن كبير.

إخوة الإسلام:

إن الأمة الإسلامية - وهي تُعانِي أقاسي المِحَن وأشد الفِتَن - لفي أشد الحاجة إلى أن تتعرَّف على التأريخ المجيد لسَلَفِنا الصالح - رضوان الله عليهم - ذلك التأريخ الذي يحمل في مضامينه ما يُعينُ الأمةَ على مواصلة رحلتها في الحياة على منهجٍ صحيحٍ وهديٍ رشيد، إنه التأريخ الذي يُغذِّي الأرواح، ويُهذِّب النفوس، ويُنوِّر العقول، ويُقدِّم الدروسَ والعبرَ مما فيه شحذُ الهِمَم وتقويةُ الإرادة، وتصميمُ العزم، وإعدادُ الأمة وتأهيلُها لمدارج العز، ومواطن النصر، وأسباب التمكين.

إخوة الإسلام:

في عهد الخليفة الراشد عمرَ الفاروقِ - رضي الله عنه - تتواصل الفتوحات الخيِّرة التي تحمل السعادة لبني الإنسان، والأمن بشتى صوره لجميع الأنام، وكان من طلائع هذه الفتوحات فتوحاتُ الشام، والتي يأتي على رأسها فتحُ المقدس وفتح القدس في العامِ السادسَ عشرَ.

معاشر المسلمين:

لقد حمل هذا الفتح دروسًا عظيمة وعبرًا جليلة، فمن هذه الدروس أن المسلمين يجب عليهم الاعتزازُ بدينهم، والثقة بربهم وتحقيق التوحيد، والتوكل عليه وإخضاع حياتهم كافةً لتقوى الله وطاعته، وطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم - فهذه قاعدة العز وأصل التمكين، وأساس النصر والتأييد، وسبب دفع المثُلات ورفع البلايا.

بعد أن تولى عمر - رضي الله عنه - أمَّر معاويةَ بن أبي سفيانَ - رضي الله عن الصحابة أجمعين - وكتب له: «أما بعد، فقد ولَّيتُك قيسارية فسِرْ إليها، واستنصِرْ عليهم بالله، وأكثِر من قول: لا حولَ ولا قوةَ إلا بالله العلي العظيم».

وهم يعرفون المعنى العظيم الذي تحمِلُه هذه الكلمة، ومن تمام الكتاب: «الله ربُّنا وثِقَتُنا ورجاؤنا ومولانا، فنِعم المولى ونِعم النصير» فسار إليها معاوية - وهو يحمِلُ هذه المعاني العظيمة - فحاصَرَها وفَتَحَها الله عليه.

ولما قدِمَ عمرُ الشام في أثناء هذه الفتوحات راكبًا على حماره ورجلاه من جانب، فقال له أبو عبيدة - رضي الله عنه -: «يا أميرَ المؤمنين! الآن يتلقَّاك عظماءُ الروم»، فقال عمر قولته المشهورة: «إن الله أعزَّكم بالإسلام، فمهما طلبتم العزَّ في غيره أذلَّكمُ الله»، ثم خَطَبَ خطبته العظيمة المُوجَزة في ألفاظها، الغنية في معناها، وفيها: «ومن كان فيكم تسرُّه حسنتُه، وتسوؤُه سيئتُه فهو مؤمن» فهذا شعار المجتمع المسلم.

وكتب الفاروق - أيضًا - إلى أبي عبيدةَ يحرِّضه على الجهاد في أثناء هذه الفتوحات، فيقول : «سلامٌ عليكم، فإني أحمدُ الله سرًّا وعلانية، وأُحذِّركم من معصية الله، وأُحذِّركم وأنهاكم أن تكونوا ممن قال الله فيهم: {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة: 24 ]، وصلَّى الله على خاتم النبيين وإمام المرسلين، والحمد لله رب العالمين» كتابٌ يسيرٌ عظيمٌ، فلما قُرِئَ على المسلمين لم يبقَ أحدٌ إلا بكى من كتاب عمر.

وكان مما كتبه - أيضًا - إلى سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - ومن معه من الأجناد يُوصيه فيقول: «أما بعد، فإني لآمرُك ومن معك من الأجناد بتقوى الله على كل حال؛ فإن تقوى الله أفضلُ العُدَّة على العدو، وأقوى المكيدة في الحرب، وآمُرَك ومن معك أن تكونوا أشدَّ احتراسًا من المعاصي من احتراسكم من عدوكم؛ فإن ذنوب الجيش أخوفُ عليهم من عدوهم، وإنما يُنصَر المسلمون بمعصية عدوهم لله».

وها هي كتب السِّير تُحدِّثُنا عمن اختار هذا المنهج منهجًا له في حياته: عن صلاح الدين أنه كان في غزواته يتصدَّق ويُخفِي صَدَقَته، ثم يقول في سجوده: «إلهي قد انقطعت أسبابي العرضية من نصرة دينك، ولم يبقَ إلا الإخلاصُ إليك، والاعتصام بحبلك، والاعتماد على فضلك، أنت حسبي ونِعمَ الوكيل»، قال أحد العلماء: «وقد رأيته ساجدًا ودموعه تتقاطَرُ على شيبته، ثم على سجادته».

إنهم قومٌ تكلَّموا قليلًا وعمِلوا كثيرًا، وصَدَقوا وأخلَصوا، فأورثهم الله عِزَّ الدارين وفلاحهما، فيا تُرى أين الأمةُ اليوم من هذا النهج الرشيد والمسلك السديد؟!

إن الإجابة لا تخفى على عاقل، ولا تغيب إلا عن غافل، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فأين الطرحُ السياسي أو الإعلامي، أو الثقافي أو الفكري الذي ينادي الأمة اليوم بما نادى به عمر وأصحابه من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن تَبِعَهم بإحسان إلى يوم الدين؟!

إخوة الإسلام:

من هذه الدروس الميمونة والعِبر المباركة: أن الأمة المحمدية من سِمَاتها وعناصر وجودها أنها أمةٌ تُؤثِرُ الآخرةَ على الدنيا، ليست أمةَ ترفٍ ولا بَذَخٍ، ولا لعبٍ ولا لهو؛ بل أمةٌ تعيشُ همًّا ساميًا ومعنىً راقيًا هو تحقيق العبودية لله، وإخلاص التوحيد له - عزَّ شأنه - وإصلاحُ هذه الدنيا لتكون مَعبرًا للآخرة الباقية؛ فليست الدنيا هي الهدفَ كما عليه كثيرٌ من الأمة اليوم.

لما قدِمَ عمر الشام قال لأبي عبيدة - رضي الله عن الجميع - وهو قائدٌ من قادة الفتوح - فتوح الشام -: «اذهب بنا إلى منزلك»، قال: «وما تصنع عندي يا عمر؟ ما تريد إلا أن تعصِر عينيك عليَّ - أي: تبكي - قال: «فدخل فلم يرَ شيئًا، قال: «أين متاعك يا أبا عبيدة؟ لا أرى إلا لبدًا وصحفةً وشنًّا، وأنت أمير أعندك طعامٌ؟»، فقام أبو عبيدة إلى جونة - أي: سلة - فأخذ منها كسيرات، فبكى عمر، فقال أبو عبيدة: قد قلتُ لك: إنك ستعصِر عينيك عليَّ يا أمير المؤمنين، يكفيك ما يُبلِّغك المقيل، ثم قال عمر، عمر - وهو من هو في زُهده وتقشُّفه وورعه - قال عمر: «غيَّرَتنا الدنيا كلنا غيرك يا أبا عبيدة».

إنهم أمة لا يعملون للدنيا ولا رئاساتها ومناصبها ولا لزخارفها وحطامها وبهارجها - كما هي الحال اليوم -، فهذا سيفُ الله المسلول: خالد بن الوليد يعلم بأول كتابٍ وصل إلى الشام من عمرَ إلى أبي عبيدة يحمل نبأ وفاة الصدِّيق - رضي الله عنه - والثناءَ عليه من عمر وتولية أبي عبيدة على الشام، ويحمِل هذا الكتاب عزلَ خالد والحرص على تقريبه، وأنه لا غنى لأبي عبيدة عنه، فلما علِمَ خالدٌ دخل على أبي عبيدة وحاوَرَه محاورةً عظيمةَ الأدب، جليلةَ المقدار، تحمِل الإخلاص العظيم والصدق التام، فقال له: «يغفر الله لك يا أبا عبيدة، أتاك كتابُ أمير المؤمنين بولاية فلم تُعلِمني وأنت تُصلِّي خلفي والسلطانُ سلطانُك»، فقال له أبو عبيدة: «وأنت يغفر الله لك يا خالدُ، ما كنتُ لأُعلِمَك ذلك حتى تعلمه من عند غيري، وما كنتُ لأكسِرَ عليك حربك حتى ينقضي ذلك كله، ثم قد كنتُ أُعلمك - إن شاء الله»، يقول أبو عبيدة: «وما سلطان الدنيا أريد، وما للدنيا أعمل، وإن ما ترى سيصير إلى زوالٍ وانقطاعٍ، وإنما نحن إخوان وقُوَّام بأمر الله، وما يضر الرجل أن يلي عليه أخوه في دينه ولا دنياه، بل يعلم الوالي أنه يكاد أن يكون أدناهما إلى الفتنة وأوقعهما في الخطيئة لما يعرض له من الهلكة إلا من عَصَم الله، وقليلٌ ما هم».

ودفع أبو عبيدة كتاب عمر إلى خالد، ماذا كان من خالد؟ عمِلَ تحت إمرة أبي عبيدة نحوًا من أربع سنين فلم يُعرف أنه اختلف عليه مرةً واحدةً؛ بل إنه أجابَه إلى مهمةٍ قتاليةٍ شديدةٍ، فقال له خالد: «أنا لها إن شاء الله»، فقال أبو عبيدة: «استحيَيْتُ منك يا أبا سليمانَ»، فقال خالد: «ولو أُمِّر عليَّ طفلٌ صغير من قِبَلِ وليِّ الأمر لأطيعنَّ له، فكيف أخالفُك وأنت أقدمُ مني إيمانًا وأسبقُ إسلامًا، وسمَّاك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بـ (الأمين)؟ ثم أشهَده خالدٌ على نفسه بأنه جعل نفسَه حبسًا في سبيل الله وعلى عدم مخالفته أبدًا.

رضي الله عن الفاروق حينما كتب إلى الأمصار: «إني لم أعزل خالدًا عن سخطة ولا خيانة، ولكن الناس افتَتَنوا بخالد، فخِفتُ أن يُوكَلوا إليه، وأن يُبتلوا به».

إنها مدرسة التوحيد التي تلقَّاها صحابةُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن مُعلِّم التوحيد - عليه الصلاة والسلام - ثم قال له: «والله يا خالدُ إنك عليَّ لكريم، وإنك إليَّ لحبيبٌ»، وقال مُتمثلًا: «صنعت فلم يصنع كصنعك صانعٌ، وما يصنع الأقوام فالله يصنع».

ولما ولَّاه أبو عبيدة بعد زمنٍ من عزله قنِّسرين، قال عمر - أي: بعد أن فتحها خالد - قال له عمر: «أمَّر خالدٌ نفسَه، أمَّر خالدٌ نفسَه، رحِمَ الله أبا بكر، رحِمَ الله أبا بكر؛ هو كان أعلم بالرجال مني»، وخالد يقول في حق عمر: «كان عمر يريد اللهَ بكل ما يفعل و يصنع»، ولا غَرْوَ فهُم صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلك المدرسة التي تُؤتِي ثمارها الطيبة في كل حين.

فمن مدرستهم وآثارها الخَيِّرة: ما ذكره المؤرخون أن صلاح الدين - وهو من هو في الفتوحات الإسلامية العظيمة - لم يترك في خزائنه من الذهب سوى دينارٍ واحد وستةٍ وثلاثين درهمًا، ولم يترك غيرها من الدور والعقار.

إنهم رجال أُقيمت حياتهم تحت ميزان الشرع، وتحقيق التقوى والخضوع للمولى، رجالٌ ارتبطوا بالله - جل وعلا - واعتزُّوا بدينه، وانتصروا بالتوكُّل عليه، فأين حال الأمة اليوم، وما يحصل من التنازع والتدافُع على السلطة وعلى الرئاسة مما لا يجهله أحد؟!

كان عُبادة بن الصامت على ميمَنة جيش المسلمين في حصار قيسارية فقام واعظًا وقال: «يا أهلَ الإسلامِ إني كنت من أحدث النُّقَباء سنًّا وأبعدهم أجلًا، وقد قضى الله أن أبقاني حتى قاتلتُ هذا العدد معكم، والذي نفسي بيده؛ ما حملتُ قطُّ في جماعة من المؤمنين على جماعةٍ من المشركين إلا خلّوا لنا الساحة، وأعطانا الله الظَّفَر عليهم، فما بالُكم حملتم على هؤلاء فلم تزيلوهم؟»، ثم بيّن لهم ما يخشاه منهم فقال: «إني - والله - لخائفٌ عليكم خصلتين أن تكونوا قد غلَلتم، أو لم تُناصحوا الله في حملتكم عليهم»، فتحقّق لهم النصر والظفَر بالصدق والإخلاص، وصدق العزيمة وقوة الإرادة، والمحبة الصادقة لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم -.

من هذه الدروس: أن المسلمين المؤمنين المُوحِّدين لا يأسَ عندهم ولا يُساوِرُهم قُنوطٌ أبدًا ما دامُوا مُعتصِمِين بالله مُتوكِّلين عليه؛ بل يعلَمون أن ظلام الليل يعقُبُه نورُ الصباح، وأن العُسْر يتلُوهُ اليُسْر، وأن الكرب يعقبه الفَرَج؛ فهم مهما اشتدَّت بهم الكُرَب وعَلَتهم المِحَن، فهم بإيمانهم أقوياء، وبتوكُّلهم على ربهم أشدَّاء.

كتب عمرو بن العاص إلى عمر عند فتح القدس يُخبِره ويستشيره بوضع قائد الروم وما هو عليه من الدهاء والنكاية بأعدائه، ووصف أن له جندًا عظيمة في فلسطين وبإيليا، فقال عمر - رضي الله عنه - كلمته الشهيرة التي تنمُّ عن ثقةٍ بالله - جل وعلا -: «قد رَمَيْنا أرطبون الروم - أي: قائدهم - بأرطبون العرب، فانظروا عما تنفرج»، فكانت المعركة التي انتصر فيها عمرو على الروم، والتي مهَّدَت الطريق إلى فلسطين.

ولتتذكَّر الأمة الإسلامية أن المسجد الأقصى مَكَثَ في الاحتلال الصليبي الحاقد قُرابة اثنتين وتسعين عامًا حتى تمَّ فتحُه بحمد الله - جل وعلا - على يد صلاح الدين بفضل العودة لدين الله، والتوكُّل عليه وتحقيق التوحيد الخالص له، فاستبشَر الناس من قبل فتح بيت المقدس بكل خير؛ بسبب ما رَأوْا من تغيُّر أحوال الأمة، وعودتها الصادقة لله - سبحانه - حتى قال ابن الزكِيّ - وهو عالمٌ - قال مُتفائلًا: «وفتحُكم حلبًا - يخاطب صلاحًا - وفتحُكم حلبًا بالسيف في صفر مُبشِّرٌ بفتوح القدس في رجب».

وقد صدَّق الله - جل وعلا - فَأْلَه، وفُتحتِ القدس في رجب في ثلاث وثمانين وخمسمائةٍ للهجرة؛ فاتقوا الله - أيها المؤمنون - واسلُكُوا هذا النهج الرشيد تُفلِحوا في الدنيا والآخرة.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه.

أما بعد، فيا أيها المسلمون:

أوصيكم ونفسي بتقوى الله - جل وعلا - فهي وصيةُ الله للأولين والآخرين.

أيها المسلمون:

إن أخطر ما يفتِك بالأمة اليوم: تفرُّقُ الكلمة وتمزُّق الصفّ، فها هي نصوصُ الوحيَيْن متواترةٌ على وجوب أصل الوحدة والاتحاد على التوحيد والتقوى، وتحريم التفرُّق والاختلاف، ولنتذكَّر أن المسلمين الأوائل في كل محنةٍ وعند وقوع الشدائد يحرِصون على الاتحاد، ويتمسَّكون بجمع الصف.

وها هو أحد الفقهاء المحقِّقين الفقيه عليّ بن طاهر السُّلمي الدمشقي الشامي يُوجِّه رسالةً - بعد سقوط بيت المقدس عام اثنين وتسعين وأربعمائة - في كتابه المعلوم: «الجهاد»، ومُفاد هذه الرسالة: «إن لم يتناس - كأنه يخاطب حكام المسلمين اليوم ويُخاطِب مجتمعاتهم - إن لم يتناسَ الحكام المسلمون أحقادهم وخلافاتهم، فإنهم لا يزالون على جاهلية غير مُقتدين بالمثل النابع من التراث: عند الشدائد تذهب الأحقاد».

وصدق الله - جل وعلا - إذ يقول: {وَأَطِيعُواْ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 46 ].

ثم إن الله - جل وعلا - أمَرَنا بأمرٍ عظيم ألا وهو: الصلاة والسلام على النبي الكريم، اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا ورسولنا محمد، وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن سائر الصحابة أجمعين، ومن تَبِعَهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك يا أرحم الراحمين.

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم عليك بأعداء المسلمين، اللهم عليك بأعداء المسلمين، اللهم عليك بأعداء المسلمين، اللهم لا تجعل لهم راية، اللهم لا تجعل لهم راية، واجعلهم لمن خلفهم عبرةً وآية.

اللهم وفِّق المسلمين لما فيه صلاحُ دينهم ودنياهم، اللهم وفِّق المسلمين جميعًا لما فيه صلاح دينهم ودنياهم، اللهم وفِّقهم للتوحيد الخالص، واتباع السنة يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم وفِّق خادم الحرمين الشريفين لما تحب وترضى، اللهم ولِّ على المسلمين خيارَهم، اللهم ولِّ على المسلمين خيارهم، اللهم ولِّ على المسلمين خيارهم يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات الأحياءِ منهم والأمواتِ.

{رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } [البقرة: 201 ].

اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، اللهم أنزِل علينا الغيث، اللهم أنزِل علينا الغيث، اللهم أنزِل علينا الغيث، اللهم اسقِنا يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اسقِنا يا غنيُّ يا حميد، اللهم اسقِنا يا غنيُّ يا حميد، اللهم اسقِنا يا غنيُّ يا حميد، اللهم اسقِنا يا غنيُّ يا حميد؛ لا غنى لنا عن فضلك يا ذا الجلال والإكرام، يا أرحم الراحمين.

عباد الله:

اذكروا الله ذكرًا كثيرًا، وسبِّحُوه بُكرةً وأصيلًا.