- أعمال
ثوابها كقيام الليل
- أعمال
ثوابها كقيام الليل ( )
- (1) أداء صلاة العشاء والفجر في جماعة
- (2) أداء أربع ركعات قبل صلاة الظهر
- (3) أداء صلاة التراويح كلها مع الإمام
- (4) قراءة مئة آية في الليل
- (5) قراءة الآيتين من آخر سورة البقرة في الليل
- (6) حسن الخلق
- (7) السعي في خدمة الأرملة والمسكين
- (8) المحافظة على بعض آداب الجمعة
- (9) رباط يوم وليلة في سبيل الله عز وجل
- (10) أن تنوي قيام الليل قبل النوم
- (11) أن تُعلِّم غيرك الأعمال التي ثوابها كقيام
الليل
أعمال
ثوابها كقيام الليل
تأليف
د . محمد بن إبراهيم النعيم
حقوق
الطبع محفوظة
الطبعة
الأولى
1430هـ
بِسْمِ
اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
أعمال
ثوابها كقيام الليل ( )
تمهيد
الحمد
لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين ، نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد ،
فإن
لقيام الليل شأن عظيم عند الله عز وجل ، فأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل ،
ومن مزاياه أنه لا يكفر الذنوب فحسب ، وإنما ينهى صاحبه عن الوقوع في الآثام ؛ لما
رواه أبو أمامة الباهلي عن رسول الله أنه قال : (عليكم بقيام الليل
، فإنه دأب الصالحين قبلكم ، وقربة إلى ربكم ، ومكفرة للسيئات ، ومنهاة للإثم) ( )
.
وكان
السلف رحمهم الله تعالى بل وأجدادنا إلى عهد قريب لا يفرطون في قيام الليل ، أما
في هذا العصر فقد انقلب ليل كثير من الناس إلى نهار وسهر ، وفوتوا عليهم لذة
مناجاة الله تعالى بالليل ، ووصل تفريطهم إلى ترك صلاة الفجر .
فعندما
زار طاووس بن كيسان رحمه الله تعالى رجلا في السحر فقالوا : هو نائم ، قال : ما
كنت أرى أن أحدا ينام في السحر ( ) ، فلو زارنا طاووس بن كيسان رحمه الله تعالى
اليوم فماذا عساه أن يقول عنا يا ترى ؟
إن
من رحمة الله عز وجل بعباده ، أنه وهبهم أعمالا يسيرة يعدل ثوابها قيام الليل ،
فمن فاته قيام الليل أو عجز عنه فلا يُفوت عليه هذه الأعمال لتثقيل ميزانه ، وهذه
ليست دعوة للتقاعس عن قيام الليل ، إذ لم يفهم سلفنا الصالح رحمهم الله تعالى ذلك
، بل كانوا ينشطون في كل ميادين الخير .
كما
أن النبي قد دل صحابته الكرام على بعض الأعمال السهلة لمن لم يستطع مجاهدة
نفسه على قيام الليل ، رغبة منه في حثنا على فعل الخير لتكثير
حسناتنا ، حيث روى أبو أمامة الباهلي t
قال : قال رسول الله ﷺ
: (من هاله الليل أن يكابده ، أو بخل بالمال أن ينفقه ، أو جبن عن العدو أن يقاتله
، فليكثر من سبحان الله وبحمده ، فإنها أحب إلى الله من جبل ذهب ينفقه في سبيل
الله عز وجل) ( ) .
والأحاديث
التي سأوردها إنما هي فضائل أعمال ثوابها كقيام الليل ، أهداها لنا رسولنا
لزيادة حسناتنا وتثقيل ميزاننا ، فحري بنا العمل بها والتي من أهمها :
(1) أداء صلاة العشاء والفجر في جماعة
عن
عثمان بن عفان أنه قال : قال رَسُول اللَّهِ : (مَنْ
صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ كَانَ كَقِيَامِ نِصْفِ لَيْلَةٍ ، وَمَنْ صَلَّى
الْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ فِي جَمَاعَةٍ كَانَ كَقِيَامِ لَيْلَةٍ) ( ) .
لذلك
ينبغي الحرص على أداء الفرائض في المساجد جماعة ، وأن لا نفوتها البتة لعظم أجرها
، خصوصا العشاء والفجر ، فهما أثقل الصلوات على المنافقين ، ولو يعلمون ما فيهما
من أجر لأتوهما ولو حبوا كما أخبر بذلك النبي ، ومن
ثوابهما أن لكل واحد منهما ثواب قيام نصف ليلة .
(2) أداء أربع ركعات قبل صلاة الظهر
عن
أبي صالح رحمه الله تعالى مرفوعا مرسلا أن النبي قال :
(أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ يَعْدِلْنَ بِصَلاَةِ السَّحَرِ) ( ) .
ومن
مزايا هذه الركعات الأربع أنها تُفتح لها أبواب السماء ، لما رواه أبو أيوب
الأنصاري أن النبي قال : (أربع قبل الظهر تفتح
لهن أبواب السماء) ( ) .
ولهذا
كان النبي يحرص كل الحرص على أداء هذه الركعات ، وإذا فاتته لأي ظرف طارئ
قضاها بعد الفريضة ولا يتركها ، حيث روت عائشة رضي الله عنها أنها قالت : كان إذا
لم يُصلِّ أربعا قبل الظهر ، صلاهن بعدها ( ) ، وفي رواية أخرى قالت : كان إذا فاته
الأربع قبل الظهر صلاها بعد الظهر ( ) .
ولذلك
من فاته صلاة الأربع ركعات ، أو لم يتمكن من أدائها لظروف عمله ؛ مثل بعض المعلمين
فلا حرج من قضائها بعد انتهاء عمله ورجوعه إلى منزله .
قال
أبو عيسى الترمذي رحمه الله تعالى : وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ
الْمُحَافَظَةِ عَلَى السُّنَنِ الَّتِي قَبْلَ الْفَرَائِضِ ، وَعَلَى
اِمْتِدَادِ وَقْتِهَا إِلَى آخِرِ وَقْتِ الْفَرِيضَةِ ، وَذَلِكَ لأَنَّهَا لَوْ
كَانَتْ أَوْقَاتُهَا تَخْرُجُ بِفِعْلِ الْفَرَائِضِ لَكَانَ فِعْلُهَا بَعْدَهَا
قَضَاءً وَكَانَتْ مُقَدَّمَةً عَلَى فِعْلِ سُنَّةِ الظُّهْرِ , وَقَدْ ثَبَتَ
فِي حَدِيثِ الْبَابِ أَنَّهَا تُفْعَلُ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الظُّهْرِ, ذَكَرَ
مَعْنَى ذَلِكَ الْعِرَاقِيُّ قَالَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ .
اهـ ( ) .
(3) أداء صلاة التراويح كلها مع الإمام
عَنْ
أَبِي ذَرٍّ الغفاري قَالَ : صُمْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ رَمَضَانَ
، فَلَمْ يَقُمْ بِنَا شَيْئًا مِنْ الشَّهْرِ حَتَّى بَقِيَ سَبْعٌ ، فَقَامَ
بِنَا حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ ، فَلَمَّا كَانَتْ السَّادِسَةُ لَمْ
يَقُمْ بِنَا ، فَلَمَّا كَانَتْ الْخَامِسَةُ قَامَ بِنَا حَتَّى ذَهَبَ شَطْرُ
اللَّيْلِ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ نَفَّلْتَنَا قِيَامَ هَذِهِ
اللَّيْلَةِ ، قَالَ : فَقَالَ : (إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا صَلَّى مَعَ الإِمَامِ
حَتَّى يَنْصَرِفَ حُسِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ) ( ) .
وهذا
أمر ينبه عليه كثير من أئمة المساجد في رمضان ، فتراهم يحثون المصلين على أداء
صلاة التراويح كاملة مع الإمام ، ولكن البعض يتقاعس عن هذه الشعيرة التي أصبحت
تميز شهر رمضان عن بقية الشهور ، وقد قال عنها النبي : (مَنْ
قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ
ذَنْبِهِ) ( ).
وكذلك
الحال مع ليلة القدر ؛ فقيامها يفضل على قيام ألف شهر ، لقوله عز وجل لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ
أَلْفِ شَهْرٍ ، فالعجب كل العجب ممن يفرط في هذه الليلة العظيمة .
(4) قراءة مئة آية في الليل
عَنْ
تَمِيمٍ الداريّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : (مَنْ
قَرَأَ بِمِئَةِ آيَةٍ فِي لَيْلَةٍ كُتِبَ لَهُ قُنُوتُ لَيْلَةٍ) ( ) .
وقراءة
مئة آية أمر سهل لن يقتطع من وقتك أكثر من عشر دقائق ، ويمكن أن تدرك هذا الفضل إن
كان وقتك ضيقا بقراءة أول أربع صفحات من سورة الصافات مثلا ، أو قراءة سورة القلم
والحاقة .
وإذا
فاتك قراءتها بالليل فاقضها ما بين صلاة الفجر إلى صلاة الظهر ، ولا تكسل عنها ،
تدرك ثوابها بإذن الله تعالى ؛ لما رواه عمر بْنُ الْخَطَّابِ
قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : (مَنْ نَامَ عَنْ حِزْبِهِ
أَوْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ ، فَقَرَأَهُ فِيمَا بَيْنَ صَلاةِ الْفَجْرِ وَصَلاةِ
الظُّهْرِ ، كُتِبَ لَهُ كَأَنَّمَا قَرَأَهُ مِنْ اللَّيْلِ) ( ) .
قال
المباركفوري رحمه الله تعالى معلقا على حديث عمر بن الخطاب :
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ اِتِّخَاذِ وِرْدٍ فِي اللَّيْلِ ،
وَعَلَى مَشْرُوعِيَّةِ قَضَائِهِ إِذَا فَاتَ لِنَوْمٍ أَوْ لِعُذْرٍ مِنْ
الأَعْذَارِ , وَأَنَّ مَنْ فَعَلَهُ مَا بَيْنَ صَلاةِ الْفَجْرِ إِلَى صَلاةِ
الظُّهْرِ ، كَانَ كَمَنْ فَعَلَهُ فِي اللَّيْلِ ، وَقَدْ ثَبَتَ مِنْ حَدِيثِ
عَائِشَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَالتِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ النَّبِيَّ
كَانَ إِذَا مَنَعَهُ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ نَوْمٌ أَوْ وَجَعٌ صَلَّى مِنْ
النَّهَارِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً اهـ ( ) .
ولعل
هذا الحديث يستحثك على أن يكون لك ورد يومي من القرآن خصوصا بالليل .
ألا
تعلم بأن النبي حثنا على قراءة عشر آيات على الأقل بالليل كي لا نكتب من
الغافلين؟
فقد
روى عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : قال رسول الله
: (من قام بعشر آيات لم يُكتب من الغافلين ، ومن قام بمئة آية كُتب من القانتين ،
ومن قام بألف آية كُتب من المقنطرين) ( ) .
فهل
نحرص على قراءة كتاب الله عز وجل؟ ينبغي أن لا يكون ختمنا له مقتصرا على شهر رمضان
فحسب ، وإنما يكون ذلك طوال العام .
ولعل
الحرص على قراءة مئة آية يوميا للحصول على ثواب قيام ليلة انطلاقة مباركة لحثنا
على ملازمة كتاب الله عز وجل .
(5) قراءة الآيتين من آخر سورة البقرة في الليل
عَنْ
أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ : (مَنْ
قَرَأَ بِالآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ) ( )
.
قال
النووي رحمه الله تعالى : قِيل : مَعْنَاهُ كَفَتَاهُ مِنْ قِيَام اللَّيْل ،
وَقِيلَ : مِنْ الشَّيْطَان, وَقِيلَ : مِنْ الآفَات, وَيَحْتَمِل مِنْ الْجَمِيع
اهـ ( ) .
وأيَّد
ابن حجر رحمه الله تعالى هذا الرأي قائلا : وَعَلَى هَذَا فَأَقُول : يَجُوز أَنْ
يُرَاد جَمِيع مَا تَقَدَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَم ، وَالْوَجْه الأَوَّل ورد
صَرِيحًا مِنْ طَرِيق عَاصِم عَنْ عَلْقَمَة عَنْ أَبِي مَسْعُود رَفَعَهُ :
"مَنْ قَرَأَ خَاتِمَة الْبَقَرَة أَجْزَأَتْ عَنْهُ قِيَام لَيْلَة"
اهـ ( ) .
إن
قراءة هاتين الآيتين أمر سهل جدا ومعظم الناس يحفظونهما ولله الحمد ، فحري بالمسلم
المحافظة على قراءتها كل ليلة ، ولا ينبغي الاقتصار على ذلك لسهولته وترك بقية
الأعمال الأخرى التي ثوابها كقيام الليل ؛ لأن المؤمن هدفه جمع أكبر قدر ممكن من
الحسنات ، كما أنه لا يدري أي العمل سيُقبل منه .
قال
عبد الله بن عمير رحمه الله تعالى : لا تقنعن لنفسك باليسير من الأمر في طاعة الله
عز وجل كعمل المهين الدنيء ، ولكن اجتهد فعل الحريص الحفي اهـ ( ) .
(6) حسن الخلق
عَنْ
عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ :
(إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَاتِ قَائِمِ اللَّيْلِ
صَائِمِ النَّهَارِ) ( ) .
قال
أبو الطيب محمد شمس الدين آبادي رحمه الله تعالى : وَإِنَّمَا أُعْطِيَ صَاحِب
الْخُلُق الْحَسَن هَذَا الْفَضْل الْعَظِيم ؛ لِأَنَّ الصَّائِم وَالْمُصَلِّي
فِي اللَّيْل يُجَاهِدَانِ أَنْفُسهمَا فِي مُخَالَفَة حَظّهمَا , وَأَمَّا مَنْ
يُحْسِن خُلُقه مَعَ النَّاس مَعَ تَبَايُن طَبَائِعهمْ وَأَخْلَاقهمْ ،
فَكَأَنَّهُ يُجَاهِد نُفُوسًا كَثِيرَة ، فَأَدْرَكَ مَا أَدْرَكَهُ الصَّائِم
الْقَائِم فَاسْتَوَيَا فِي الدَّرَجَة ، بَلْ رُبَّمَا زَادَ اهـ ( ) .
وحسن
الخلق يكون بتحسين المعاملة مع الناس وكف الأذى عنهم .
إن
المرء لم يُعط بعد الإيمان شيئا خيرا من خلق حسن ، ولقد كان النبي
يسأل ربه عز وجل أحسن الأخلاق ، حيث روى جابر بن عبد الله أن النبي
كان إذا استفتح الصلاة كبر ثم قال : (إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب
العالمين ، لا شريك له ، وبذلك أمرت وأنا من المسلمين ، اللهم اهدني لأحسن الأعمال
وأحسن الأخلاق ، لا يهدي لأحسنها إلا أنت ، وقني سيئ الأعمال وسيئ الأخلاق ، لا
يقي سيئها إلا أنت) ( ) .
وكذلك
يفعل كلما نَظَرَ في المِرآة ، حيث روى ابن مسعود
قال : كان رسول اللّه إذا نظر في المرآة قال : (اللهم كما حسنت خَلْقِي فحسن خُلُقِي) (
) .
وصاحب
الخلق الحسن من أحب الناس إلى رسول الله وأقربهم
إليه مجلسا يوم القيامة ، روى لنا ذلك جابر أن رسول
الله قال : (إن من أحبكم إلي ، وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة ؛
أحاسنكم أخلاقا) ( ) .
وسيجعل
الله عز وجل لصاحب الخلق الحسن قصرا في أعلى الجنة ؛ لعظم ثوابه وتكريما له ؛ لما
رواه أبو أُمَامَةَ الباهلي أن رسول الله
قال : (أنا زَعِيمٌ ببيت في رَبَضِ الجنة لمن ترك الْمِرَاءَ وإن كان محقا ، وببيت
في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا ، وببيت في أعلى الجنة لمن حَسَّنَ
خُلُقَهُ ) ( ) .
وينبغي
أن لا يكون حسن خلقك مقصورا على الأباعد من الناس فقط وتنسى أقرب الناس إليك ،
وإنما أن يمتد أيضا إلى والديك وأفراد أسرتك ، فبعض الناس تراه مرحا وسيع الصدر
ودمث الأخلاق مع الناس ولكنه على خلاف ذلك مع أهله وأولاده .
(7) السعي في خدمة الأرملة والمسكين
عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ :
(السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ ؛ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ أَوْ الْقَائِمِ اللَّيْلَ الصَّائِمِ النَّهَارَ) ( ) .
ويمكن
أن تكسب هذا الثواب الجزيل ، لو سعيت في خدمة فقير ، فقدمت أوراقه لجمعية خيرية
مثلا ليدرسوا حالته ويعطوه حاجته .
كما
يمكن أن تكسب هذا الثواب العظيم ، لو سعيت في خدمة أرملة ، وهي التي مات عنها
زوجها ، فتقضي حوائجها ، وهذا ليس بالأمر العسير ، لأنك لو فتشت في أهل قرابتك
ستجد البعض ممن مات عنها زوجها من عمة أو خالة أو جدة ، فبخدمتها وشراء حاجياتها
تكسب ثواب الجهاد أو قيام الليل .
(8) المحافظة على بعض آداب الجمعة
عن
أوْس بْن أَوْسٍ الثَّقَفِيُّ قال : سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ يَقُولُ : (مَنْ غَسَّلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاغْتَسَلَ ، ثُمَّ
بَكَّرَ وَابْتَكَرَ ، وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ ، وَدَنَا مِنْ الإِمَامِ ،
فَاسْتَمَعَ وَلَمْ يَلْغُ ، كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ عَمَلُ سَنَةٍ ؛ أَجْرُ
صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا) ( ) .
فخطوة
واحدة إلى الجمعة ممن أدى هذه الآداب لا يعدل ثوابها قيام ليلة أو أسبوع أو شهر ،
وإنما يعدل سنة كاملة ، فتأمل في عظم هذا الثواب .
وهذه
الآداب تتمثل في الاغتسال ليوم الجمعة والتبكير والمشي إليها ، والدنو من الإمام ،
وعدم الابتعاد إلى الصفوف الأخيرة ، وحسن الاستماع للخطبة ، وعدم العبث واللغو .
ولنعلم
أن أي عبث أثناء الخطبة يُعدُّ لغوا ، ومن لغا فلا جمعة له ، فمن مس الحصى فقد لغا
، ومن قال صه فقد لغا : أي من قال لصاحبه أو ابنه الصغير : اسكت فقد لغا ، ومن عبث
بسبحته أو جواله أو بأي شيء أثناء الخطبة فقد لغا .
فلا
ينبغي التفريط بآداب الجمعة البتة كي لا تخسر هذا الثواب العظيم الذي سيثقل ميزانك
كثيرا ، ويمنحك ثواب قيام سنوات كثيرة .
(9) رباط يوم وليلة في سبيل الله عز وجل
روى
سلمان الفارسي قال : سمعت رسول الله يقول : (رباط يوم وليلة خير من
صيام شهر وقيامه ، وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله ، وأُجري عليه رزقه ،
وأمِنَ الفتَّان) ( ) ، والفتَّان هو فتنة القبر .
(10) أن تنوي قيام الليل قبل النوم
عَنْ
أَبِي الدَّرْدَاءِ ، يرفعه إلى النبي قَالَ : (مَنْ أَتَى فِرَاشَهُ
وَهُوَ يَنْوِي أَنْ يَقُومَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ ، فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ
حَتَّى أَصْبَحَ ، كُتِبَ لَهُ مَا نَوَى ، وَكَانَ نَوْمُهُ صَدَقَةً عَلَيْهِ
مِنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ) ( ) .
أرأيت
أهمية النية وأنها تجري مجرى العمل ؟ لذلك ندرك خطورة من ينام وهو لا ينوي أداء
صلاة الفجر في وقتها ، وإنما تراه يضبط المنبه على وقت العمل أو المدرسة ، فهذا
إنسان مصر على ارتكاب كبيرة من الكبائر ، فلو مات عليها ساءت خاتمته عياذا بالله .
أما
من نوى قيام الفجر وبذل أسباب ذلك ثم لم يقم ، فلا لوم عليه ؛ لأنه ليس في النوم
تفريط ، وإنما التفريط في اليقظة .
(11) أن تُعلِّم غيرك الأعمال التي ثوابها كقيام
الليل
فإن
تعليمك الناس للأعمال التي ثوابها كقيام الليل وسيلة أخرى تنال بها ثواب قيام
الليل ، فالدال على الخير كفاعله ، فكن داعية خير وانشر هذه المعلومات تكسب ثوابا
بعدد من تعلم منك وعَمِلَ به .
- أعمال
ثوابها كقيام الليل ( )
- (1) أداء صلاة العشاء والفجر في جماعة
- (2) أداء أربع ركعات قبل صلاة الظهر
- (3) أداء صلاة التراويح كلها مع الإمام
- (4) قراءة مئة آية في الليل
- (5) قراءة الآيتين من آخر سورة البقرة في الليل
- (6) حسن الخلق
- (7) السعي في خدمة الأرملة والمسكين
- (8) المحافظة على بعض آداب الجمعة
- (9) رباط يوم وليلة في سبيل الله عز وجل
- (10) أن تنوي قيام الليل قبل النوم
- (11) أن تُعلِّم غيرك الأعمال التي ثوابها كقيام الليل
أعمال ثوابها كقيام الليل
تأليف
د . محمد بن إبراهيم النعيم
حقوق الطبع محفوظة
الطبعة الأولى
1430هـ
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
أعمال ثوابها كقيام الليل ( )
تمهيد
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد ،
فإن لقيام الليل شأن عظيم عند الله عز وجل ، فأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل ، ومن مزاياه أنه لا يكفر الذنوب فحسب ، وإنما ينهى صاحبه عن الوقوع في الآثام ؛ لما رواه أبو أمامة الباهلي عن رسول الله أنه قال : (عليكم بقيام الليل ، فإنه دأب الصالحين قبلكم ، وقربة إلى ربكم ، ومكفرة للسيئات ، ومنهاة للإثم) ( ) .
وكان السلف رحمهم الله تعالى بل وأجدادنا إلى عهد قريب لا يفرطون في قيام الليل ، أما في هذا العصر فقد انقلب ليل كثير من الناس إلى نهار وسهر ، وفوتوا عليهم لذة مناجاة الله تعالى بالليل ، ووصل تفريطهم إلى ترك صلاة الفجر .
فعندما زار طاووس بن كيسان رحمه الله تعالى رجلا في السحر فقالوا : هو نائم ، قال : ما كنت أرى أن أحدا ينام في السحر ( ) ، فلو زارنا طاووس بن كيسان رحمه الله تعالى اليوم فماذا عساه أن يقول عنا يا ترى ؟
إن من رحمة الله عز وجل بعباده ، أنه وهبهم أعمالا يسيرة يعدل ثوابها قيام الليل ، فمن فاته قيام الليل أو عجز عنه فلا يُفوت عليه هذه الأعمال لتثقيل ميزانه ، وهذه ليست دعوة للتقاعس عن قيام الليل ، إذ لم يفهم سلفنا الصالح رحمهم الله تعالى ذلك ، بل كانوا ينشطون في كل ميادين الخير .
كما أن النبي قد دل صحابته الكرام على بعض الأعمال السهلة لمن لم يستطع مجاهدة نفسه على قيام الليل ، رغبة منه في حثنا على فعل الخير لتكثير حسناتنا ، حيث روى أبو أمامة الباهلي t قال : قال رسول الله ﷺ : (من هاله الليل أن يكابده ، أو بخل بالمال أن ينفقه ، أو جبن عن العدو أن يقاتله ، فليكثر من سبحان الله وبحمده ، فإنها أحب إلى الله من جبل ذهب ينفقه في سبيل الله عز وجل) ( ) .
والأحاديث التي سأوردها إنما هي فضائل أعمال ثوابها كقيام الليل ، أهداها لنا رسولنا لزيادة حسناتنا وتثقيل ميزاننا ، فحري بنا العمل بها والتي من أهمها :
(1) أداء صلاة العشاء والفجر في جماعة
عن عثمان بن عفان أنه قال : قال رَسُول اللَّهِ : (مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ كَانَ كَقِيَامِ نِصْفِ لَيْلَةٍ ، وَمَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ فِي جَمَاعَةٍ كَانَ كَقِيَامِ لَيْلَةٍ) ( ) .
لذلك ينبغي الحرص على أداء الفرائض في المساجد جماعة ، وأن لا نفوتها البتة لعظم أجرها ، خصوصا العشاء والفجر ، فهما أثقل الصلوات على المنافقين ، ولو يعلمون ما فيهما من أجر لأتوهما ولو حبوا كما أخبر بذلك النبي ، ومن ثوابهما أن لكل واحد منهما ثواب قيام نصف ليلة .
(2) أداء أربع ركعات قبل صلاة الظهر
عن أبي صالح رحمه الله تعالى مرفوعا مرسلا أن النبي قال : (أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ يَعْدِلْنَ بِصَلاَةِ السَّحَرِ) ( ) .
ومن مزايا هذه الركعات الأربع أنها تُفتح لها أبواب السماء ، لما رواه أبو أيوب الأنصاري أن النبي قال : (أربع قبل الظهر تفتح لهن أبواب السماء) ( ) .
ولهذا كان النبي يحرص كل الحرص على أداء هذه الركعات ، وإذا فاتته لأي ظرف طارئ قضاها بعد الفريضة ولا يتركها ، حيث روت عائشة رضي الله عنها أنها قالت : كان إذا لم يُصلِّ أربعا قبل الظهر ، صلاهن بعدها ( ) ، وفي رواية أخرى قالت : كان إذا فاته الأربع قبل الظهر صلاها بعد الظهر ( ) .
ولذلك من فاته صلاة الأربع ركعات ، أو لم يتمكن من أدائها لظروف عمله ؛ مثل بعض المعلمين فلا حرج من قضائها بعد انتهاء عمله ورجوعه إلى منزله .
قال أبو عيسى الترمذي رحمه الله تعالى : وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْمُحَافَظَةِ عَلَى السُّنَنِ الَّتِي قَبْلَ الْفَرَائِضِ ، وَعَلَى اِمْتِدَادِ وَقْتِهَا إِلَى آخِرِ وَقْتِ الْفَرِيضَةِ ، وَذَلِكَ لأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ أَوْقَاتُهَا تَخْرُجُ بِفِعْلِ الْفَرَائِضِ لَكَانَ فِعْلُهَا بَعْدَهَا قَضَاءً وَكَانَتْ مُقَدَّمَةً عَلَى فِعْلِ سُنَّةِ الظُّهْرِ , وَقَدْ ثَبَتَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ أَنَّهَا تُفْعَلُ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الظُّهْرِ, ذَكَرَ مَعْنَى ذَلِكَ الْعِرَاقِيُّ قَالَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ . اهـ ( ) .
(3) أداء صلاة التراويح كلها مع الإمام
عَنْ أَبِي ذَرٍّ الغفاري قَالَ : صُمْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ رَمَضَانَ ، فَلَمْ يَقُمْ بِنَا شَيْئًا مِنْ الشَّهْرِ حَتَّى بَقِيَ سَبْعٌ ، فَقَامَ بِنَا حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ ، فَلَمَّا كَانَتْ السَّادِسَةُ لَمْ يَقُمْ بِنَا ، فَلَمَّا كَانَتْ الْخَامِسَةُ قَامَ بِنَا حَتَّى ذَهَبَ شَطْرُ اللَّيْلِ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ نَفَّلْتَنَا قِيَامَ هَذِهِ اللَّيْلَةِ ، قَالَ : فَقَالَ : (إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا صَلَّى مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ حُسِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ) ( ) .
وهذا أمر ينبه عليه كثير من أئمة المساجد في رمضان ، فتراهم يحثون المصلين على أداء صلاة التراويح كاملة مع الإمام ، ولكن البعض يتقاعس عن هذه الشعيرة التي أصبحت تميز شهر رمضان عن بقية الشهور ، وقد قال عنها النبي : (مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) ( ).
وكذلك الحال مع ليلة القدر ؛ فقيامها يفضل على قيام ألف شهر ، لقوله عز وجل لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ ، فالعجب كل العجب ممن يفرط في هذه الليلة العظيمة .
(4) قراءة مئة آية في الليل
عَنْ تَمِيمٍ الداريّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : (مَنْ قَرَأَ بِمِئَةِ آيَةٍ فِي لَيْلَةٍ كُتِبَ لَهُ قُنُوتُ لَيْلَةٍ) ( ) .
وقراءة مئة آية أمر سهل لن يقتطع من وقتك أكثر من عشر دقائق ، ويمكن أن تدرك هذا الفضل إن كان وقتك ضيقا بقراءة أول أربع صفحات من سورة الصافات مثلا ، أو قراءة سورة القلم والحاقة .
وإذا فاتك قراءتها بالليل فاقضها ما بين صلاة الفجر إلى صلاة الظهر ، ولا تكسل عنها ، تدرك ثوابها بإذن الله تعالى ؛ لما رواه عمر بْنُ الْخَطَّابِ قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : (مَنْ نَامَ عَنْ حِزْبِهِ أَوْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ ، فَقَرَأَهُ فِيمَا بَيْنَ صَلاةِ الْفَجْرِ وَصَلاةِ الظُّهْرِ ، كُتِبَ لَهُ كَأَنَّمَا قَرَأَهُ مِنْ اللَّيْلِ) ( ) .
قال المباركفوري رحمه الله تعالى معلقا على حديث عمر بن الخطاب : وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ اِتِّخَاذِ وِرْدٍ فِي اللَّيْلِ ، وَعَلَى مَشْرُوعِيَّةِ قَضَائِهِ إِذَا فَاتَ لِنَوْمٍ أَوْ لِعُذْرٍ مِنْ الأَعْذَارِ , وَأَنَّ مَنْ فَعَلَهُ مَا بَيْنَ صَلاةِ الْفَجْرِ إِلَى صَلاةِ الظُّهْرِ ، كَانَ كَمَنْ فَعَلَهُ فِي اللَّيْلِ ، وَقَدْ ثَبَتَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَالتِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ النَّبِيَّ كَانَ إِذَا مَنَعَهُ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ نَوْمٌ أَوْ وَجَعٌ صَلَّى مِنْ النَّهَارِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً اهـ ( ) .
ولعل هذا الحديث يستحثك على أن يكون لك ورد يومي من القرآن خصوصا بالليل .
ألا تعلم بأن النبي حثنا على قراءة عشر آيات على الأقل بالليل كي لا نكتب من الغافلين؟
فقد روى عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : قال رسول الله : (من قام بعشر آيات لم يُكتب من الغافلين ، ومن قام بمئة آية كُتب من القانتين ، ومن قام بألف آية كُتب من المقنطرين) ( ) .
فهل نحرص على قراءة كتاب الله عز وجل؟ ينبغي أن لا يكون ختمنا له مقتصرا على شهر رمضان فحسب ، وإنما يكون ذلك طوال العام .
ولعل الحرص على قراءة مئة آية يوميا للحصول على ثواب قيام ليلة انطلاقة مباركة لحثنا على ملازمة كتاب الله عز وجل .
(5) قراءة الآيتين من آخر سورة البقرة في الليل
عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ : (مَنْ قَرَأَ بِالآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ) ( ) .
قال النووي رحمه الله تعالى : قِيل : مَعْنَاهُ كَفَتَاهُ مِنْ قِيَام اللَّيْل ، وَقِيلَ : مِنْ الشَّيْطَان, وَقِيلَ : مِنْ الآفَات, وَيَحْتَمِل مِنْ الْجَمِيع اهـ ( ) .
وأيَّد ابن حجر رحمه الله تعالى هذا الرأي قائلا : وَعَلَى هَذَا فَأَقُول : يَجُوز أَنْ يُرَاد جَمِيع مَا تَقَدَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَم ، وَالْوَجْه الأَوَّل ورد صَرِيحًا مِنْ طَرِيق عَاصِم عَنْ عَلْقَمَة عَنْ أَبِي مَسْعُود رَفَعَهُ : "مَنْ قَرَأَ خَاتِمَة الْبَقَرَة أَجْزَأَتْ عَنْهُ قِيَام لَيْلَة" اهـ ( ) .
إن قراءة هاتين الآيتين أمر سهل جدا ومعظم الناس يحفظونهما ولله الحمد ، فحري بالمسلم المحافظة على قراءتها كل ليلة ، ولا ينبغي الاقتصار على ذلك لسهولته وترك بقية الأعمال الأخرى التي ثوابها كقيام الليل ؛ لأن المؤمن هدفه جمع أكبر قدر ممكن من الحسنات ، كما أنه لا يدري أي العمل سيُقبل منه .
قال عبد الله بن عمير رحمه الله تعالى : لا تقنعن لنفسك باليسير من الأمر في طاعة الله عز وجل كعمل المهين الدنيء ، ولكن اجتهد فعل الحريص الحفي اهـ ( ) .
(6) حسن الخلق
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ : (إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَاتِ قَائِمِ اللَّيْلِ صَائِمِ النَّهَارِ) ( ) .
قال أبو الطيب محمد شمس الدين آبادي رحمه الله تعالى : وَإِنَّمَا أُعْطِيَ صَاحِب الْخُلُق الْحَسَن هَذَا الْفَضْل الْعَظِيم ؛ لِأَنَّ الصَّائِم وَالْمُصَلِّي فِي اللَّيْل يُجَاهِدَانِ أَنْفُسهمَا فِي مُخَالَفَة حَظّهمَا , وَأَمَّا مَنْ يُحْسِن خُلُقه مَعَ النَّاس مَعَ تَبَايُن طَبَائِعهمْ وَأَخْلَاقهمْ ، فَكَأَنَّهُ يُجَاهِد نُفُوسًا كَثِيرَة ، فَأَدْرَكَ مَا أَدْرَكَهُ الصَّائِم الْقَائِم فَاسْتَوَيَا فِي الدَّرَجَة ، بَلْ رُبَّمَا زَادَ اهـ ( ) .
وحسن الخلق يكون بتحسين المعاملة مع الناس وكف الأذى عنهم .
إن المرء لم يُعط بعد الإيمان شيئا خيرا من خلق حسن ، ولقد كان النبي يسأل ربه عز وجل أحسن الأخلاق ، حيث روى جابر بن عبد الله أن النبي كان إذا استفتح الصلاة كبر ثم قال : (إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ، لا شريك له ، وبذلك أمرت وأنا من المسلمين ، اللهم اهدني لأحسن الأعمال وأحسن الأخلاق ، لا يهدي لأحسنها إلا أنت ، وقني سيئ الأعمال وسيئ الأخلاق ، لا يقي سيئها إلا أنت) ( ) .
وكذلك يفعل كلما نَظَرَ في المِرآة ، حيث روى ابن مسعود قال : كان رسول اللّه إذا نظر في المرآة قال : (اللهم كما حسنت خَلْقِي فحسن خُلُقِي) ( ) .
وصاحب الخلق الحسن من أحب الناس إلى رسول الله وأقربهم إليه مجلسا يوم القيامة ، روى لنا ذلك جابر أن رسول الله قال : (إن من أحبكم إلي ، وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة ؛ أحاسنكم أخلاقا) ( ) .
وسيجعل الله عز وجل لصاحب الخلق الحسن قصرا في أعلى الجنة ؛ لعظم ثوابه وتكريما له ؛ لما رواه أبو أُمَامَةَ الباهلي أن رسول الله قال : (أنا زَعِيمٌ ببيت في رَبَضِ الجنة لمن ترك الْمِرَاءَ وإن كان محقا ، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا ، وببيت في أعلى الجنة لمن حَسَّنَ خُلُقَهُ ) ( ) .
وينبغي أن لا يكون حسن خلقك مقصورا على الأباعد من الناس فقط وتنسى أقرب الناس إليك ، وإنما أن يمتد أيضا إلى والديك وأفراد أسرتك ، فبعض الناس تراه مرحا وسيع الصدر ودمث الأخلاق مع الناس ولكنه على خلاف ذلك مع أهله وأولاده .
(7) السعي في خدمة الأرملة والمسكين
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ : (السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ ؛ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ الْقَائِمِ اللَّيْلَ الصَّائِمِ النَّهَارَ) ( ) .
ويمكن أن تكسب هذا الثواب الجزيل ، لو سعيت في خدمة فقير ، فقدمت أوراقه لجمعية خيرية مثلا ليدرسوا حالته ويعطوه حاجته .
كما يمكن أن تكسب هذا الثواب العظيم ، لو سعيت في خدمة أرملة ، وهي التي مات عنها زوجها ، فتقضي حوائجها ، وهذا ليس بالأمر العسير ، لأنك لو فتشت في أهل قرابتك ستجد البعض ممن مات عنها زوجها من عمة أو خالة أو جدة ، فبخدمتها وشراء حاجياتها تكسب ثواب الجهاد أو قيام الليل .
(8) المحافظة على بعض آداب الجمعة
عن أوْس بْن أَوْسٍ الثَّقَفِيُّ قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ : (مَنْ غَسَّلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاغْتَسَلَ ، ثُمَّ بَكَّرَ وَابْتَكَرَ ، وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ ، وَدَنَا مِنْ الإِمَامِ ، فَاسْتَمَعَ وَلَمْ يَلْغُ ، كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ عَمَلُ سَنَةٍ ؛ أَجْرُ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا) ( ) .
فخطوة واحدة إلى الجمعة ممن أدى هذه الآداب لا يعدل ثوابها قيام ليلة أو أسبوع أو شهر ، وإنما يعدل سنة كاملة ، فتأمل في عظم هذا الثواب .
وهذه الآداب تتمثل في الاغتسال ليوم الجمعة والتبكير والمشي إليها ، والدنو من الإمام ، وعدم الابتعاد إلى الصفوف الأخيرة ، وحسن الاستماع للخطبة ، وعدم العبث واللغو .
ولنعلم أن أي عبث أثناء الخطبة يُعدُّ لغوا ، ومن لغا فلا جمعة له ، فمن مس الحصى فقد لغا ، ومن قال صه فقد لغا : أي من قال لصاحبه أو ابنه الصغير : اسكت فقد لغا ، ومن عبث بسبحته أو جواله أو بأي شيء أثناء الخطبة فقد لغا .
فلا ينبغي التفريط بآداب الجمعة البتة كي لا تخسر هذا الثواب العظيم الذي سيثقل ميزانك كثيرا ، ويمنحك ثواب قيام سنوات كثيرة .
(9) رباط يوم وليلة في سبيل الله عز وجل
روى سلمان الفارسي قال : سمعت رسول الله يقول : (رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه ، وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله ، وأُجري عليه رزقه ، وأمِنَ الفتَّان) ( ) ، والفتَّان هو فتنة القبر .
(10) أن تنوي قيام الليل قبل النوم
عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ ، يرفعه إلى النبي قَالَ : (مَنْ أَتَى فِرَاشَهُ وَهُوَ يَنْوِي أَنْ يَقُومَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ ، فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ حَتَّى أَصْبَحَ ، كُتِبَ لَهُ مَا نَوَى ، وَكَانَ نَوْمُهُ صَدَقَةً عَلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ) ( ) .
أرأيت أهمية النية وأنها تجري مجرى العمل ؟ لذلك ندرك خطورة من ينام وهو لا ينوي أداء صلاة الفجر في وقتها ، وإنما تراه يضبط المنبه على وقت العمل أو المدرسة ، فهذا إنسان مصر على ارتكاب كبيرة من الكبائر ، فلو مات عليها ساءت خاتمته عياذا بالله .
أما من نوى قيام الفجر وبذل أسباب ذلك ثم لم يقم ، فلا لوم عليه ؛ لأنه ليس في النوم تفريط ، وإنما التفريط في اليقظة .
(11) أن تُعلِّم غيرك الأعمال التي ثوابها كقيام الليل
فإن تعليمك الناس للأعمال التي ثوابها كقيام الليل وسيلة أخرى تنال بها ثواب قيام الليل ، فالدال على الخير كفاعله ، فكن داعية خير وانشر هذه المعلومات تكسب ثوابا بعدد من تعلم منك وعَمِلَ به .