×
السحر والسحرة على ضوء الكتاب والسنة: قال المصنِّف - وفقه الله -: «فإن من البلايا والرزايا في هذا الزمان انتشار السِّحر والسَّحرة عندما عمَّ الجهل وظهرت الخرافات والبدع وتلبَّس الباطل بلباس الحق المزعوم فكان مني هذه المساهمة في بيان الحق والتحذير من الباطل في شأن هؤلاء السَّحرة والمشعوذين، كتبت هذه الورقات وسميتها مجتهدًا «السِّحر والسَّحرة على ضوء الكتاب والسنة»».

السحر والسحرة على ضوء الكتاب والسنة

ناصر بن سعيد السيف


مقدمة

الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد :

فإن من البلايا والرزايا في هذا الزمان انتشار السِّحر والسَّحرة عندما عمَّ الجهل وظهرت الخرافات والبدع وتلبَّس الباطل بلباس الحق المزعوم فكان مني هذه المساهمة في بيان الحق والتحذير من الباطل في شأن هؤلاء السَّحرة والمشعوذين، كتبت هذه الورقات وسميتها مجتهداً «السِّحر والسَّحرة على ضوء الكتاب والسنة»([1]).

نسأل الله العلي القدير أن يحفظنا بحفظه وأن يثبتنا على دينه وأن يدخلنا الفردوس الأعلى من جنته إنه جواد كريم وصلى الله وسلَّم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين([2]).

كتبه الفقير إلى عفو ربه القدير

أبو خلاد ناصر بن سعيد بن سيف السيف

غفر الله له ولوالديه وجميع المسلمين

تسلط السَّحرة في هذا الزمان وما يجب اتجاههم

تنشط في هذه الأيام مملكة الدجالين والكهّان والمشعوذين والسَّحرة كما هو الحال في كل زمان ومكان يعظم فيه الجهل ويقل فيه العلم فهؤلاء الكهّان والعرافون يسعون على إفساد عقائد الناس وصرفهم عن التوحيد الخالص لله رب العالمين فيتعلّق الناس بهؤلاء الدجالين بدلاً من تعلّقهم بالله تعالى حيث إن جميعهم يدركون تماماً أن اللجوء إلى النصيب والاحتيال هو أوسع طريق وأسرعه لجلب الأموال واستنزافها من الناس المخدوعين وهم لا يفعلون ذلك من أجل ابتزاز أموال الناس فحسب بل من أجل أن يسعوا في الأرض فساداً.

والإنسان يصل إلى حد الطغيان ويتجاوزه عندما يبتعد عن منهج الله رب العالمين فيتحكم في سلوكه الشيطان ويسيطر على أفعاله فيقع في الهاوية وربما يصل إليها في لحظة غضب ولكنه مسئول ومحاسب يوم القيامة لأنه ترك نفسه للشيطان يتحكم فيها كيف يشاء والسِّحر من أخطر درجات الطغيان لأن الساحر يتجرد من عواطفه وأحاسيسه وإنسانيته وما سار عليه الناس في حياتهم بل يتجرد من الرابطة التي بينه وبين خالقه فيجحده ويكفر به لذا كان السِّحر من أكبر الكبائر وأكثرها خطراً على الأمة الإسلامية وعقبة في سبيل تقدمها وازدهارها والسَّحرة لم ينتشروا في هذا الزمان إلا عندما رأوا جهلاً عميقاً من الناس وبعدهم عن دين الله عز وجل وتركهم الكتاب والسنة إلا من رحم الله ولجوءهم لغير الله بعدما ماتت قلوبهم وأصبحوا يحبون الدنيا ويكرهون الموت إلى جانب وقوعهم في مظاهر شرك خفيفة.

وأما واجبنا تجاه هؤلاء السَّحرة أن نفضح أمرهم ونكشف حيلهم ونحقّر من شأنهم ونجتنبهم اجتناباً تاماً من قِبل المجتمع كله الصغير والكبير الرجال والنساء ونسد عليهم كل باب شر يفتحونه على الناس ليرتد كيدهم إلى نحورهم وشرهم إلى نفوسهم وأن لا نذهب إليهم ولا نستشيرهم في أي شيء صغير أو كبير متذكرين حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - في صحيح مسلم: «من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة» هذا من جانب عوام الناس.

وأما من جانب العلماء والفقهاء وأهل الحُسبة فالواجب عليهم أن ينكروا على الكهّان وما يفعلون وأن يبيّنوا للناس أن طريق الكهّان والسَّحرة هو طريق الشيطان المؤدي إلى نار جهنم وأن يبيّنوا لهم أن الذهاب إلى السَّحرة إثمٌ عظيم ويوضحوا للناس أن حل السِّحر بالسِّحر كفر وكما جاء في الحديث الذي عند أهل السنن رحمهم الله قوله - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه عن أبي هريرة رضي الله عنه: «من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - » وينكرون على الناس مجيئهم الكهّان والسَّحرة وأن يوضحوا للناس الطريق الشرعي الصحيح للعلاج إذا ابتُلي الإنسان بشيء من هذا القبيل كالسِّحر والمس وغير ذلك فيبيّنوا لهم أن العلاج الوحيد لذلك هو القرآن الكريم والأدعية المأثورة الواردة في الأحاديث الصحيحة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فالقرآن هو الشفاء من كل داء قال تعالى : [وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ] {الإسراء:82} وقال تعالى: [يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ] {يونس:57} وقال تعالى: [قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ] {فصِّلت:44} ذكر الله تعالى في الآيات السابقة أن القرآن شفاء ولم يذكر أنه دواء لأن الدواء يشفي وربما لا يشفي أما القرآن فالشفاء به حتمي إذا ما قرئ بإخلاص ويقين وحسن ظن بالله تعالى واعتقاد تام أن الله تعالى هو الشافي.

إذاً فالأصل في علاج أي مرض هو القرآن الكريم والسنة المطهرة ويضم إليه السبب الدوائي حيث أن الأخذ بالأسباب من ذهاب إلى الطبيب وأخذ الدواء وغير ذلك من مظاهر الإيمان بالله تعالى.

وأما ما يجب على ولاة الأمر فهو أن يأخذوا على أيدي هؤلاء السَّحرة الأشرار ويطبّقوا فيهم حدّ الله عز وجل فلقد ذكر العلماء أن جزاء الساحر القتل ويحاربوهم في كل مكان ليستأصلوا شأفتهم ويضيّقوا عليهم الخِناق في جميع أنشطتهم الضارة ويراقبوهم في جميع أعمالهم.

ولا ننسى جانب العمالة الوافدة وهي كثيرة في بلادنا فقد كان لها دور كبير في نشر هذه السموم رغبة في تحبيب الكفلاء لهم أو حرصاً على إيقاع الضرر بالآخرين لأي سبب من الأسباب وكم كانت هذه العمالة سبباً في تشتيت أُسر وتفريقها وحلول أمراض صعب اكتشافها في كثير من الأحيان والعاقل يتحرى إذا اضطر لهذه العمالة بألا يحضر إلا الموثوقين منهم رجالا ونساء ليسلم في دينه وصحته وماله إذ غير الموثوقين يحدثون شروخاً في العمل الموكل إليهم ولا يبالون بسرقة ما يقع في أيديهم ولا يتورعون أن يلجئوا إلى الكهّان والمشعوذين لإنزال الضرر بالكفيل أو أحد أفراد أسرته ولذا فإني أوصي بالحرص على انتقائهم والتريّث في ذلك والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

تعريف السِّحر

السِّحر في اللغة:

كل ما لطف ودق وخفي سببه.

السِّحر في الشرع:

السِّحر عزائم ورُقى وعُقد يؤثر في القلوب والأبدان فيمرض ويقتل ويفرّق بين المرء وزوجه.

السِّحر عند أهل السنة والجماعة

قال النووي رحمه الله: (الصحيح أن للسحر حقيقة وبه قطع الجمهور وعليه عامة العلماء وعليه يدل الكتاب والسنة الصحيحة المشهورة).

وقال القرطبي رحمه الله: (وعندنا أن السِّحر حق وله حقيقة يخلق الله عنده ما شاء وعلى هذا أهل الحل والعقد الذين ينعقد بهم الإجماع ولا عبرة مع اتفاقهم بحثالة المعتزلة ومخالفتهم أهل الحق ولقد شاع السِّحر وذاع في سابق الزمان وتكلم الناس فيه ولم يبد من الصحابة ولا من التابعين إنكار لأصله).

وقال ابن قدامة رحمه الله: (والسِّحر له حقيقة فمنه ما يقتل ومنه ما يمرض ومنه ما يأخذ الرجل عن امرأته فيمنعه وطأها ومنه ما يفرق بين المرء وزوجه وما يبغض أحدهما إلى الآخرة أو يحبب بين اثنين).

وقال أبو الحسن الأشعري رحمه الله: (ونصدق بأن في الدنيا سحرة وسحر وأن السِّحر كائن موجود في الدنيا).

أدلة تأثير السِّحر

مذهب أهل السنة والجماعة على أن السِّحر له أثر ثابت وهو حقيقة لا خيال وقد استدل العلماء على ذلك بأدلة هي:

أولاً: قول الله تعالى: [فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ المَرْءِ وَزَوْجِهِ] {البقرة:102} حيث صرّحت الآية بأن من أثر السِّحر التفريق بين المرء وزوجه مع ما بينهما من الإلفة والمحبة والترابط والسَّحرة يستعينون على ذلك بالشياطين للتنزع وإيقاع العداوة والبغضاء.

وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (أن الشيطان يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه في الناس فأقربهم عنده منزلة أعظمهم عنده فتنة يجيء أحدهم فيقول ما زلت بفلان حتى تركته وهو يقول كذا وكذا فيقول إبليس لا والله ما صنعت شيئا ويجيء أحدهم فيقول ما تركته حتى فرقت بينه وبين أهله فيقربه ويدنيه ويقول نعم أنت) رواه مسلم.

ثانياً: قول الله تعالى: [وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ] {البقرة:102} فقد أثبت الله تعالى في هذه الآية أثر السِّحر وضرره علماً بأن هذا التأثير إنما هو من قضاء الله وقدره.

ثالثاً: قول الله تعالى : [قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ] {الأعراف:116} وصف الله تعالى السِّحر بأنه (عظيم) ولا يقع هذا الوصف على شيء لا وجود له فدل على أن السِّحر حقيقة لا خيال.

رابعاً: قول الله تعالى: [فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحر إِنَّ اللهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ المُفْسِدِينَ] {يونس:81} وقول الله تعالى: [فَوَقَعَ الحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ] {الأعراف:118} يُفهم من هاتين الآيتين أنه كان للسحر حقيقة وأثر ثابت ثم أبطله الله.

خامساً: قول الله تعالى: [قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ(1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ(2) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ(3) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي العُقَدِ] {سورة الفلق}. والمقصود بالنفاثات في العُقد السواحر اللواتي يعقدن في سحرهن وينفثن في عقدهن فلما أمرنا الله تعالى في هذه السورة أن نستعيذ به من شر ما خلق ومن السواحر فمعناه أن هذه الأشياء موجودة وثابتة ولو لم يكن لها أثر ووجود لما أمرنا بالاستعاذة منها ومما يدل على أن المراد بالنفاثات في العقد السواحر قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - (من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر ومن سحر فقد أشرك) رواه النسائي([3]) وقد أجمع المفسرون أن هذه الآية نزلت في لبيد بن الأعصم لما سحر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم آتاه جبريل وأخبره.

كيف سُحر النبي - صلى الله عليه وسلم -

عن عائشة رضي الله عنها قالت: سحر النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل من بني زُريق يقال له لبيد بن الأعصم حتى كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُخيل إليه أنه كان يفعل الشيء وما يفعله حتى إذا كان ذات يوم دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم دعا ثم قال: (يا عائشة أشعرت أن الله أفتاني فيما استفتيته فيه جاءني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي فقال الذي عند رأسي للذي عند رجلي ما وجع الرجل؟ قال: مطبوب قال: من طبه قال: لبيد بن الأعصم. قال: في أي شيء؟ قال: في مشط ومشاطه وجف طلع ذكر قال: فأين هو؟ قال: في بئر ذروان. فأتاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أناس من أصحابه فجاء فقال: يا عائشة والله لكأن ماءها نقاعة الحناء وكأن نخلها رؤوس الشياطين. قلت يا رسول الله أفلا أحرقته؟ قال: لا أما أنا فقد عافاني الله فكرهت أن أُثير على الناس شراً فأمر بها فدفنت) متفق عليه.

وقد جاء هذا الحديث في غير الصحيحين من طرق متعددة حيث أورده الإمام أحمد بإسناد صحيح وتذكر بعض هذه الروايات: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لبث ستة أشهر يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن وانتثر شعر رأسه ولما أخبره جبريل بما كان من أمر لبيد بن الأعصم بعث علياً والزبير وعمار بن ياسر فنزحوا ماء البئر فوجدوا ماءه كأنه نقاعة الحناء والذي نزل إلى البئر هو (قيس بن محصن) ولما رفعت الراعوفة وهي: (حجر في أسفل البئر ناتىء يقوم عليها الماتح) وأخرجوا الجف وهو (قشر الطلع) فإذا فيه مشاطة وهي: (ما يخرج من الشعر الذي سقط من الرأس إذا سرح) وأسنان من مشطه - صلى الله عليه وسلم - وإذا فيه وتر معقود فيه إحدى عشرة عُقدة مغروزة بالإبرة فأنزل الله المعوذتين فجعل كلما قرأ آية انحلت عُقدة ووجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خِفة حين انحلت العُقدة الأخيرة فقام كأنما نشط من عقال بعير وجعل جبريل يقول بسم الله أُرقيك من كل شيء يؤذيك من حاسد وعين الله يشفيك فقيل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أفلا نأخذ الخبيث نقتله فقال: (أما أنا فقد شفاني الله وأكره أن أثير على الناس شراً) فما ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك اليهودي ولا رآه في وجهه قط).

الفرق بين السِّحر والمعجزة والكرامة

الغرض من هذا التفريق هو عدم الخلط بين السِّحر والمعجزة وبمعرفة الفروق تظهر لنا حقيقة السِّحر والفرق بين السِّحر والمعجزة والكرامة من وجوه:

الأول: السِّحر علم مكتسب يحصل بالتعلم والصناعة وهو يتم بالأقوال وأفعال وأما الكرامة فهي هبة ومنحة من الله تعالى لأهل الإيمان والمعجزة لا تعطي إلا للأنبياء والرسل فقط.

الثاني: المعجزة والكرامة لا تظهر على فاسق والسِّحر يظهر من فاسق.

الثالث: المعجزة لا يمكن إبطالها أما السِّحر فإنه يمكن إبطاله.

تعريف الحسد والفرق بينه وبين الغبطة

الحسد والغبطة في اللغة:

والحسد في اللغة: (أن يتمنى الرجل أن تتحول إليه نعمة غيره وفضيلته أو يسلبها).

وقال الجوهري رحمه الله: (الحسد أن تتمنى زوال نعمة المحسود إليك يقال: حسده يحسده حسوداً والمصدر حسداً بالتحريك وحسادة).

والغبطة في اللغة: (أن يتمنى أن يكون له مثلها ولا يتمنى زوالها عنه).

وقال الأزهري رحمه الله: (الغبط ضرب من الحسد وهو أخف منه).

الحسد والغبطة في الشرع:

الحسد في الشرع: (وأما الحسد عند علماء الشريعة فحده كراهة النعمة وحب زوالها عن المنعم عليه).

وقال ابن الجوزي رحمه الله: (الحسد هو تمني زوال نعمة المحسود وإن لم يحصل للحاسد مثلها).

قال أبو حامد الغزالي رحمه الله: (وقد تسمى المنافسة حسداً والحسد منافسة ويوضح أحد اللفظين موضع الآخر ولا حجر في الأسامي بعد فهم المعاني).

الخلاصة: (أن الحاسد يكره النعمة التي على غيره ولا يرضى إلا بزوالها سواء تمنى أن يحصل على مثلها أو لا. وأما الغابط فلا يحب زوال تلك النعمة ولا يكره وجودها ودوامها ولكنه يشتهي لنفسه مثلها).

حكم الحسد

الحسد الذي هو كراهية النعمة وحب زوالها عن الغير حرام بكل حال إلا نعمة أصابها فاجر أو كافر وهو يستعين بها على تهييج الفتنة وإفساد ذات البين وإيذاء الخلق ولا يضر كراهتك لها ومحبتك لزوالها فإنك لا تحب زوالها من حيث هي نعمة بل من حيث هي آلة فساد.

ويدل على تحريم الحسد ما يلي:

أولاً: قال المولى عز وجل في بيان أن الحسد من صفات أهل الكتاب من اليهود والنصارى فقال تبارك وتعالى: [وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لهُمُ الحَقُّ] {البقرة:109} فأخبر الله تعالى أن حبهم زوال نعمة الإيمان حسد وهذا من أعظم أنواع الحسد والعياذ بالله.

وقال تعالى: [وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً] {النساء:89}.

وقال تعالى: [وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ] {القلم:51}.

وذكر الله تعالى حسد إخوة يوسف عليه السلام وعبر بما في قلوبهم بقوله تعالى: [إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ] {يوسف:8}.

وقال تعالى: [أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آَتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ] {النساء:54}.

وقد أمرنا المولى عز وجل بالتعوذ من شر الحاسد فقال: [وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ] {الفلق:5}.

ثانياً: السنة النبوية عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخواناً) متفق عليه.

وعن أنس رضي الله عنه قال: كنا يوماً جلوساً عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (يطلع عليكم الآن من هذا الفج رجل من أهل الجنة) قال فطلع رجل من الأنصار ينفض لحيته من وضوئه قد علق نعليه في يده الشمال فسلم فلما كان الغد قال - صلى الله عليه وسلم -مثل ذلك فطلع ذلك الرجل وقاله في اليوم الثالث فطلع ذلك الرجل فلما قام النبي - صلى الله عليه وسلم - تبعه عبدالله بن عمرو بن العاص فقال له: أني لاحيت أبي فأقسمت أن لا أدخل عليه ثلاثاً فإني رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي الثلاث، فقال: نعم فبات عنده ثلاث ليال فلم يره يقوم من الليل شيئاً غير أنه إذا انقلب على فراشه ذكر الله تعالى قال: فلما مضت الثلاث وكدت أن أحتقر عمله قلت: يا عبدالله لم يكن بيني وبين والدي غضب ولا هجرة ولكني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأخبره بما سمع فأردت أن أعرف ما الذي بلغ بك ذلك فقال: ما هو إلا ما رأيت فلما توليت دعاني فقال: فإن إلا ما رأيت غير أني لا أجد على أحد من المسلمين في نفسي غشاً ولا حسداً على خير أعطاه الله قال عبدالله فقلت له: هي التي بلغت بك وهي التي لا نطيق) رواه الإمام أحمد وقال الحافظ العراقي: إسناده صحيح على شرط الشيخين.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (إنه سيصيب أمتي داء الأمم) قالوا وما داء الأمم قال: (الأشر والبطر والتكاثر والتنافس في الدنيا والتباغض والتحاسد حتى يكون البغي ثم الهرج) رواه الطبراني وقال الحافظ العراقي: إسناده جيد.

والأشر: كفر النعمة والبطر: الطغيان مع النعمة والتكاثر: جمع المال.

تعريف العين وبيان حقيقتها والأدلة على إثبات الإصابة بها

قال الإمام ابن القيم رحمه الله: (لا ريب أن الله سبحانه وتعالى خلق في الأجسام والأرواح قوى وطبائع مختلفة وجعل في كثير منها خواص وكيفيات مؤثرة ولا يمكن لعاقل إنكار تأثير الأرواح في الأجسام فإنه أمر مشاهد محسوس وأنت ترى الوجه يحمر حمرة شديدة عند نظر من تخافه إليه ولشدة ارتباطها بالعين ينسب الفعل إليها وليست هي الفاعلة وإنما التأثير للروح والأرواح مختلفة في طبائعها وقواها وكيفياتها وخواصها فروح الحاسد مؤذية للمحسود أذى بيناً ولهذا أمر الله سبحانه رسوله أن يستعيذ به من شره وتأثير الحاسد في أذى المحسوس أمر لا ينكره إلا من هو خارج عن حقيقة الإنسانية وهو أصل الإصابة بالعين فإن النفس الحاسدة تتكيف بكيفية خبيثة وتقابل المحسود فتؤثر فيه بتلك الخاصية).

تعريف العين وبيان حقيقتها:

العين مأخوذة من عان يعين إذا أصابه بعينه والعين حق كما ورد في الحديث الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (العين حق ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين وإذا استغسلتم فاغسلوا) وحكمها أنها محرمة.

وعرّفها الحافظ بن حجر رحمه الله فقال: (العين نظر باستحسان مشوب بحسد من خبيث الطبع تحصل للمنظور منه ضرر تقول عنت الرجل أصبته بعينك فهو معين ومعيون ورجل عائن ومعيان وعيون).

وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: (هي سهام تخرج من نفس الحاسد والعائن نحو المحسود والمعين تصيبه تارة وتخطئه تارة).

والذي يظهر أن للعين تكون مع الإعجاب لو بغير حسد ولو من الرجل المحب ومن الرجل الصالح ودليل ذلك قصة سهل بن حُنيف حين رآه عامر بن ربيعة رضي الله عنهما يغتسل وكان أبيض حسن الجسم والجلد فقال له عامر: ما رأيت اليوم ولا جلد مخبأة فصُرع سهل بن حُنيف.

الأدلة على إثبات الإصابة بالعين ومدى تأثيرها:

أولاً: أثبت المولى عز وجل في كتابه العزيز أن للعين تأثيراً أو إصابة وذلك لا ينافي قدر الله سبحانه وتعالى وإنما تأثيرها بأمره عز وجل: [وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ] {القلم:51}.

قال مجاهد وعبدالله بن عباس وغيرهما رضي الله عنهم [لَيُزْلِقُونَكَ]أي (لينفذونك بأبصارهم) أي يعينونك بأبصارهـم بمعنى يحسدونك لبغضهم إياك وقاية الله لك وحمايته إياك منهم.

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: (وفي هذه الآية دليل على أن العين إصابتها وتأثيرها حق بأمر الله عز وجل كما وردت بذلك الأحاديث المروية من طرق متعددة كثيرة).

ثانياً: ومن جملة الأحاديث الواردة في إثبات الإصابة بالعين ما رواه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (العين حق وأنهى عن الوشم).

علاقة العين بالسِّحر

ربط الله تعالى ما بين الحسد والسِّحر عندما أمرنا أن نتعوذ منهما بقوله: [وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي العُقَدِ(4) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ] {الفلق}. فالنفاثات في العقد هنَّ السواحر اللاتي يعقدن وينفثن في عقدهن وهي تشمل الإنس والجن فاقتران الحسد بالسِّحر في هذه الآية إلى وجود علاقة بينهما ولعل هذه العلاقة في التأثير الخفي الذي يكون من السَّاحر بالسِّحر ومن الحاسد بالنظر مع اشتراكهما من الأمور المذمومة المنهي عنها كما أن الحاسد قد يلجأ للسَّحرة وغيرهم لإلحاق الضرر بالمحسود وللتنفيس عن حسده فهما يشتركان في الأثر ويختلفان في الوسيلة.

حقيقة الجن

تعريف الجن في اللغة:

أما في اللغة فهو مشتق من الاجتنان وهو الاستتار فهم مستترون عن أعين البشر فسموا جناً لذلك من قولهم جنة الليل وأجنه إذا ستره وكل ما ستر عنك فقد جن عنك.

ومنه الجنين في بطن أمه قال تعالى: [وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ] {النَّجم:32}.

تعريف الجن في الشرع:

وأما في الشرع فإن الآيات القرآنية والأحاديث النبوية تدل دلالة قاطعة على أن الجن خلقوا من النار.

قال تعالى: [وَخَلَقَ الجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ] {الرَّحمن:15}.

وقد قال إمام المفسرين عبدالله بن عباس وعكرمة ومجاهد والضحاك في قوله تعالى [مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ] من خالص النار.

وفي رواية أخرى عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما (من طرف لهبها).

وروى مسلم في صحيحه والإمام أحمد في مسنده عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (خلقت الملائكة من نور وخلق الجان من مارج من نار وخلق آدم عليه السلام مما وصف لكم).

ويدل القرآن الكريم أيضاً على أن خلق الجن متقدم على خلق الإنسان قوله تعالى: [وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ * وَالجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ] {الحجر:26-27} وللجن صفات وردت في القرآن الكريم منها العفريت وهو الخبيث من الجن قال تعالى: [قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الجِنِّ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ] {النمل:39}. ومنها المارد، قال تعالى: [وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ] {الصَّفات:7}. ومنه المريد قال تعالى: [وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا] {النساء:117}.

وكلها أسماء تدل على الكفر والتمرد والعتو.

مراتب الجن

قال في القاموس: أجنه أي ستره وكل ما سُتِر عنك فقد جن عنك ويقال جنة الليل وأجنه وجن عليه أي ستره والجن ضد الإنس سميت بذلك أنها تتقي ولا ترى قال الله تعالى [إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ] {الأعراف:27} والجان عند أهل الكلام والعلم باللسان على مراتب:

1- إذا ذكروا الجن خالصاً قالوا: (جني).

2- إذا رأوا أنه ممن يسكن مع الناس قالوا: (عامر).

3- فإن كان ممن يعرض الصبيان قالوا: (أرواح).

4- فإن خبث وتعرض فهو: (شيطان).

5- فإذا زاد على ذلك وقوي أمره قالوا: (عفريت).

الفرق بين الجن والشياطين

يرى بعض العلماء أن الخلق أربعة أنواع هي (الملائكة والإنس والجن والشياطين).

والجن نوعان (شياطين) لا خير فيهم البتة و (جن) منهم الصالح ومنهم الفاسد. والشياطين أصلهم من الجن وعليه فإن الشياطين يدخلون في الجن لذلك فإن جمهور العلماء على أن الجن والشياطين جنس واحد ويطلق الشيطان على المتمرد من الجن([4]).

وبعض العلماء يرى أن الجن أجسام هوائية لطيفة تتشكل بأشكال مختلفة والشياطين أجسام نارية من شأنها إضلال الناس وغوايتهم.

حقيقة إبليس

إبليس أصل الجن كما أن آدم عليه السلام أصل الإنس وهي كلمة مشتقة من البلس وهو انعدام الخير وقد وردت قصة إبليس مع آدم عليه السلام في القرآن الكريم سبع مرات وذلك في سورة البقرة والأعراف والحجر والكهف وطه و ص .

وقد سماه القرآن الكريم مرة إبليس ومرة الشيطان ومرة الطاغوت أما سبب تسميته بالشيطان فهي مشتقة من شطن إذا بعُد وقيل مشتقة من شاط لأنه مخلوق من النار والعرب تطلق كلمة الشيطان على كل عاتٍ ومتمرد وسمي بالطاغوت لتجاوزه حده وتمرده على ربه برفضه أمره له بالسجود لآدم عليه السلام.

يروى أن اسمه قبل المعصية (عزازيل) وكنيته (أبو كردوس) وكان يعبد ربه في بداية أمره وسكن السماء مع الملائكة ودخل الجنة ثم طُرد منها بسبب استكباره وعدم طاعته لربه حين أمره بالسجود لآدم وهو حي إلى الآن ومُنظر إلى يوم القيامة وله عرش على البحر جالس عليه ويبعث جنوده وذريته ليلقوا الشر والفتن بين الناس.

وفي الحديث عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (إن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه فأدناهم منزلة أعظمهم فتنة يجيء أحدهم فيقول ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته قال فيدنيه منه فيقول نعم أنت فيلتزمه) رواه مسلم.

وجمهور العلماء على أن إبليس من الجن وليس من الملائكة لقوله تعالى: [إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ] {الكهف:50}.

أماكن تواجد الجن والشياطين

إن الجن يحضرون كل شأن ابن آدم فهم موجودون معه عند الطعام وعند الشراب وعند النوم وعند الصلاة.

من أهم الأماكن والأوقات التي يحضر فيها الجن والشياطين :

* المساجد:

يدخل الشيطان المسجد ولكنه إذا سمع الآذان أدبر وله ضراط حتى إذا انتهى الآذان عاد.

وفي الحديث عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسمعناه يقول: (أعوذ بالله منك) ثم قال: (ألعنك بلعنة الله ثلاثاً) وبسط يده وكأنه يتناول شيئاً فلما فرغ من الصلاة قلنا يا رسول الله قد سمعناك تقول في الصلاة شيئاً لم نسمعك تقوله قبل ذلك، ورأيناك بسطت يدك؟ قال: (إن عدو الله إبليس جاء بشهاب من نار بلعنة الله التامة فلم يستأخر ثلاث مرات ثم أردت أخذه ولولا دعوة أخينا سليمان لأصبح موثقا يلعب به ولدان أهل المدينة) رواه مسلم.

وذكر القاضي عياض رحمه الله إن الشيطان تعرض للنبي - صلى الله عليه وسلم - في (صورة هر).

وفي رواية البخاري رحمه الله: (فما زلت أخنقه حتى وجدت برد لعابة بين أصبعي هاتين الإبهام والتي تليها).

آثار وجود الشيطان في المسجد هي:

* التحريش بين المصلين:

عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم) رواه مسلم.

فمن مظاهر دخول الشيطان إلى المسجد الخلافات التي تحصل في المساجد وتدخّل كثير من الناس فيما لا يعنيهم لأن الشيطان يستاء من رؤية المصلين مجتمعين خاشعين معظّمين لحرمات الله لذلك يلجأ إلى التحريش بين المصلين وإحداث المشاكل في المساجد وإلقاء بذور الفتنة والاختلاف بين المصلين حتى ينزع حرمة المسجد، من نفوس الناس ويعكّر صفوهم ويذهب بخشوعهم ويشغلهم عن التدبر.

* السهو في الصلاة:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (إذا نودي بالصلاة أدبر الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع الأذان فإذا قضي الأذان أقبل فإذا ثوب بها أدبر فإذا قضي التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه يقول اذكر كذا وكذا ما لم يكن يذكر حتى يظل الرجل أن يدري كم صلى) متفق عليه.

وقد علّمنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كيف يجبر هذا الخطأ الذي يحدث في الصلاة نتيجة وسوسة الشيطان، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (إن الشيطان يأتي أحدكم في صلاته فيلبس عليه حتى لا يدري كم صلى فإذا وجد ذلك أحدكم فليسجد سجدتين وهو جالس) رواه الترمذي وقال عنه حديث حسن صحيح.

فيشرع سجود السهو في الصلاة لجبر الخلل وأما عن مواضع سجود السهو فهو مفصّل في كتب الفقه.

* الخلل في الصف:

عن أنس رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (رصوا صفوفكم وقاربوا بينهما وحاذوا بالأعناق فوالذي نفس محمد بيده إني لأرى الشياطين تدخل من خلل الصف كأنها الحذف) رواه النسائي.

فالشيطان في المسجد إذا رأى صفاً فيه فرجة أو خلة وقف فيها ودخل في الصف ليشوش على المصلي يوسوس له.

* الالتفات في الصلاة:

عن عائشة رضي الله عنها قالت: سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الالتفات في الصلاة فقال: (اختلاس يختلسه الشيطان من الصلاة) رواه النسائي.

عن الحارث الأشعري رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن الله أمر يحيى بن زكريا بخمس كلمات أن يعمل بها ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها.. وفيه... إن الله أمركم بالصلاة فإذا صليتم فلا تلفتوا فإن الله ينصب وجه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت) رواه الترمذي وصححه الألباني.

* قراءة القرآن:

يظهر أثر الشيطان في التشويش على القارئ وتشتيت أفكاره بالوسوسة ونحوها لذلك أمرنا الله تعالى أن نتعوذ من الشيطان قبل القراءة بقوله [فَإِذَا قَرَأْتَ القُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ] {النحل:98} وتعليل ذلك كما قال الإمام ابن القيم رحمه الله: (أن القرآن شفاء لما في الصدور يذهب ما يلقيه الشيطان فيها من الوسواس والشهوات والإرادات الفاسدة فهو دواء لما يأمر به الشيطان فأمر القارىء أن يطرد مادة الداء حتى إذا جاء الدواء الشافي إلى القلب يجده قد خلا من مزاحم ومضاد له).

* الأسواق:

عن أبي عثمان عن سلمان رضي الله عنه قال: (لا تكونن إن استطعت أول من يدخل السوق ولا آخر من يخرج منها فإنها معركة الشيطان وبها ينصب رايته) رواه مسلم.

وفي رواية البرقاني: (فيها باض الشيطان وفرخ).

ويظهر أثر وجود الشياطين في الأسواق من خلال رفع الأصوات والغش في المعاملة والتعامل بالربا والجهل بأحكام البيع والمعاملات بالحلف الكاذب ووجود المتبرجات والمتعطرات ومن خلال تضييع الصلوات والانشغال عن ذكر الله بالبيع والشراء ولذلك فقد كان النبي المصطفى عليه الصلاة والسلام يقول: (يا معشر التجار إن الشيطان والإثم يحضران البيع فشوبوا بيعكم بالصدقة) رواه الترمذي وصححه الألباني من حديث قيس بي أبي غَرَزَةَ رضي الله عنه.

* اللهو والغناء والموسيقى:

الغناء مزمار الشيطان وتجتمع في كل مكان فيه لهو وفسق وغناء ولما دخل أبو بكر رضي الله عنه إلى بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ووجد عند عائشة جاريتين تغنيان بغناء فنهرهما وقال: (مزمار الشيطان عند رسول الله) رواه مسلم.

وعن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -أنه قال: (لا تبيعوا القينات ولا تشتروهنَّ ولا تعلموهنَّ ولا خير في تجارة فيهنَّ وثمنهنَّ حرام في مثل هذا أنزلت هذه الآية [وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهوَ الحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ] {لقمان:6} رواه الترمذي.

وفي تفسير قول الله تعالى عن الشيطان: [وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ] {الإسراء:64} قال المجاهد رحمه الله: (صوت الشيطان الغناء).

وقال قتادة رحمه الله: (لما أهبط إبليس قال: يا رب لعنتني فما عملي؟ قال السحر. قال: فما قرآني؟ قال: الشعر. قال: فما كتابي؟ قال: الوشم. قال: فما طعامي؟ قال: الميتة وما لم يذكر اسم الله عليه. قال: فما شرابي؟ قال: كل مسكر. قال: فأين مسكني؟ قال: الأسواق. قال: فما صوتي؟ قال: المزامير. قال: مصايدي. قال: النساء).

* الطعام:

عن جابر رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن الشيطان يحضر أحدكم عند كل شيء من شأنه حتى يحضر طعامه فإذا سقطت لقمة أحدكم فليأخذها وليمط ما كان بها من أذى وليأكلها ولا يدعها للشيطان، فإذا فرغ فليلعق أصابعه، فإنه لا يدري في أي طعامه تكون البركة) رواه مسلم.

ويستطيع المسلم أن يستبعد الشيطان عن طعامه وشرابه بالتسمية فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (لأن الشيطان يستحل على الطعام أن لا يذكر اسم الله عليه) رواه مسلم.

* الشراب:

الشيطان يحضر شرب الإنسان إذا خالف السنة كأن يشرب بدون التسمية أو يشرب بشماله أو قائماً.

فعن أبي هريرة رضي الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه رجلا يشرب قائماً فقال له: (قه قال: لما قال أيسرك أن يشرب معك الهر قال: لا. قال: فإنه شرب معك من هو شر منه الشيطان) رواه الإمام أحمد([5]).

* النوم :

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نائم ثلاث عُقد يضرب كل عُقدة مكانها عليك ليل طويل فارقد فإن استيقظ فذكر الله انحلت عُقدة فإن توضأ انحلت عُقدة فإن توضأ انحلت عُقدة فإن صلى انحلت عُقدة كلها فأصبح نشيط طيب النفس وإلا أصبح خبيث النفس كسلان) متفق عليه.

* المنزل:

علّمنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كيف نطرد الشيطان من البيت فقال: (إذا دخل الرجل بيته فذكر الله تعالى عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان لا مبيت لكم ولا عشاء وإذا لم يذكر اسم الله تعالى عند طعامه قال أدركتم المبيت والعشاء) رواه مسلم من حديث جابر رضي الله عنه.

* الجماع:

علّمنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ندعو بهذا الدعاء قبل الجماع وقال: (لو أن أحدكم يقول حين يأتي أهله بسم الله اللهم جنبني الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا ثم قدر بينهما في ذلك أو قضى ولد، لم يضره الشيطان أبداً) متفق عليه من حديث عبدالله بن عباس رضي الله عنهما.

* الخلاء:

إن الجن والشياطين يفضّلون مواضع النجاسات وبيوت الخلاء فعن زيد بن أرقم رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن هذه الحشوش محتضرة فإذا أراد أحدكم أن يأتي الخلاء فلْيقل أعوذ بالله من الخبث والخبائث) رواه ابن حبان. وهذا يدل أيضا على أن الجن منهم الذكور ومنهم الإناث.

وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (أتاني داعي الجن فذهبت معه فقرأت عليهم القرآن قال فانطلق بنا فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم وسألوه الزاد فقال: لكم لكل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم لحماً وكل بعرة علف لدوابكم وقال فلا تستنجوا بهما فإنهما زاد وفي الخلاء ويبحثون عن طعامهم في هذه الأماكن) لذلك نهينا أن نستجمر بالعظم حتى لا نحرم الجن من أكله.

* المخاصمة والغضب:

جاء في الحديث أن رجلين استبّ عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فجعل أحدهما يغضب ويحمر وجهه فنظر إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال (إني لأعلم كلمة لو قالها هذا لذهب عنه الذي يجد: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) رواه مسلم من حديث سليمان بن صُرد رضي الله عنه.

* التثاؤب:

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم -قال: (العطاس من الله والتثاؤب من الشيطان فإذا تثاءب أحدكم فليضع يده على فمه وإذا قال : آه.. آه.. فإن الشيطان يضحك من جوفه) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.

* طلوع الشمس وعند غروبها:

يكثر انتشار الجن والشياطين عند طلوع وعند غروبها لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (لا تتحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها فإنها تطلع بين قرني شيطان) رواه النسائي وصححه الألباني.

لكن وجود الشياطين في المساء أكثر فعند غروب الشمس وأول المساء تنتشر الشياطين وفي الحديث عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (إذا كان جنح الليل أو أمسيتم فكفوا صبيانكم فإن الشياطين تنتشر حينئذ فإذا ذهب ساعة من الليل فخلوهم وأغلقوا الأبواب واذكروا اسم الله فإن الشيطان لا يفتح مغلقاً) متفق عليه.

تنبيه على بعض المخالفات الشرعية وبعض المفاهيم الخاطئة

1- تعليق بعض الحروز والتمائم بقصد دفع العين ومن ذلك ما تكون على شكل العين تعلق في السيارات ويعتقد أنها تدفع العين ومنها ما يعلق على الرقبة كالسوار وغيره وهذا من الشرك لقوله - صلى الله عليه وسلم - : (من علق تميمة فلا أتم الله له).

وقد تقرر في القواعد: «كل من اتخذ سبباً لم يدل عليه الشرع ولا القدر فهو شرك أصغر وإن اعتقد الفاعل بذاته فهو شرك أكبر».

2- ومن المعتقدات إنه إذا سقط أحد في مكان على الأرض قام بعض الناس بمسح ذلك المكان الذي سقط عليه بماء وسمى عليه وأحياناً يؤمر من سقط بالاغتسال منه.

3- ومن الاعتقادات اعتقاد الناس بأن الذئب يرى الجان وأن الجان يخاف من الذئب وأنه إذا نظر إليه أي الذئب إلى الجان أنه لا يستطيع أن يفر خوفاً منه ولذلك يقوم بعضهم باقتناء الذئب في المنزل حياً أو وضع جلده أو بعض أعضائه وهذا الفعل لا يجوز وهو اعتقاد باطل لا دليل له في الكتاب ولا في السنة.

من فتاوى العلماء

فتوى فضيلة الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله

ما هي أنواع الأدوية وجزاكم الله خيراً؟

الجواب: الدواء سبب للشفاء والمسبب هو الله تعالى فلا سبب إلا ما جعله الله تعالى سبباً والأسباب التي جعلها الله تعالى أسباباً نوعان:

النوع الأول: أسباب شرعية كالقرآن الكريم والدعاء كما جاء في صحيح البخاري رحمه الله قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في سورة الفاتحة: (ما يدريك أنها رقية) وكما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يرقي المرضى بدعائه من أراد شفاءه به.

الفرع الثاني: أسباب حسية كالأدوية المادية المعلومة عن طريق الشرع كالعسل أو عن طريق التجارب مثل الكثير من الأدوية وهذا النوع لا بد أن يكون تأثيره على طريق المباشرة لا عن طريق الوهم والخيال فإذا ثبت تأثيره بطريق مباشر محسوس صح أن يتخذ دواء يحصل به الشفاء بإذن الله تعالى.

وما لم يثبت كونه سبباً شرعياً ولا حسياً لم يجز أن يجعل سبباً لأن جعله سبباً نوع من منازعة الله تعالى في ملكه وإشراك به حيث شارك الله تعالى في وضع الأسباب لمسبباتهـا.

فتوى فضيلة الشيخ العلامة عبدالله بن جبرين رحمه الله

شخص يقوم برقية من يأتيه بالرقى الشرعية الواردة عنه - صلى الله عليه وسلم - وبما جاء في صحيح الكلم الطيب لابن تيمية رحمه الله والوابل الصيب لابن القيم رحمه الله ويأتيه بعض الناس ممن بهم أمراض عضوية كالسرطان والتقرحات وغيرها فيقوم بقراءة القرآن وبعض الرقى الثابتة عنه - صلى الله عليه وسلم - وبعض الرقى المجربة الخالية من الشرك ثم يقوم بعد التأكد من موضع الألم بالقراءة والنفث على يده اليمنى ومسح موضع الألم اقتداء بعمله - صلى الله عليه وسلم - عندما كان يعوذ بعض أهله يمسح بيده اليمنى ويقول كما في صحيح البخاري رحمه الله: (أذهب الباس رب الناس اشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك ولا يغادر سقماً) وبأمره لعثمان بن أبي العاص رضي الله عنه عندما شكى له وجعاً يجده في جسده منذ أسلم فقال له - صلى الله عليه وسلم - كما في صحيح مسلم رحمه الله: (ضع يدك على الذي تألم من جسدك وقل باسم الله ثلاثاً وقل سبع مرات أعوذ بالله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر) فهل عمله هذا وهو وضع اليد على مكان الوجع جائز وهل يفهم من قوله - صلى الله عليه وسلم - للصحابي (ضع يدك) أن وضع اليد من أسباب الشفاء علماً بأنه قد جرب ذلك كثيراً وشفى الله الكثير من الرجال والنساء وجزاكم الله خيراً.

الجواب: لا بأس بالرقية على هذه الصفة فإن القرآن شفاء كما وصفه الله تعالى [قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ] {فصِّلت:44} ولا بأس أيضا بوضع اليد على موضع الألم ومسحه بعد النفث عليه كما أنه يجوز القراءة ثم النفث بعدها على البدن كله وعلى موضع الألم للأحاديث المذكورة والمسح هو أن ينفث على الجسد المتألم بعد الدعاء أو القراءة ثم يمر بيده على ذلك الموضع مراراً ففي ذلك شفاء وتأثير بإذن الله تعالى.

فتوى فضيلة الشيخ العلامة عبدالله بن جبرين رحمه الله

ما هي الصفات والآداب التي ينبغي للراقي أن يتحلى بها وجزاكم الله خيراً؟

الجواب: لا تفيد القراءة على المريض إلا بشروط:

الشرط الأول: أهلية الراقي بأن يكون من أهل الخير والصلاح والاستقامة والمحافظة على الصلوات والعبادات والأذكار والقراءة والأعمال الصالحة وكثرة الحسنات والبعد عن المعاصي والبدع والمحدثات والمنكرات وكبائر الذنوب وصغائرها والحرص على الأكل الحلال والحذر من المال الحرام أو المشتبه لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - كما جاء عند الطبراني (أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة) وكما جاء في صحيح الإمام مسلم رحمه الله رحمه الله حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - : (وذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك) فطيب المطعم من أسباب قبول الدعاء ومن ذلك عدم فرض الأجرة على المرضى والتنزه عن أخذ ما زاد على نفقته فذلك أقرب إلى الانتفاع برقيته.

الشرط الثاني: معرفة الرُّقى الجائزة من الآيات القرآنية كالفاتحة والمعوذتين وسورة الإخلاص وآخر سورة البقرة وأول سورة آل عمران وآخرها وآية الكرسي وآخر سورة التوبة وأول سورة يونس وأول سورة النحل وآخر سورة الإسراء وأول سورة طه وآخر سورة المؤمنون وأول سورة الصافات وأول سورة غافر وآخر سورة الجاثية وآخر سورة الحشر .

ومن الأدعية القرآنية المذكورة في الكلم الطيب ونحوه مع النفث بعد كل قراءة وتكرار الآية مثلاً ثلاثاً أو أكثر من ذلك.

الشرط الثالث: أن يكون المريض من أهل الإيمان والصلاح والخير والتقوى والاستقامة على الدين والبعد عن المحرمات والمعاصي والمظالم لقوله تعالى [وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا] {الإسراء:82}.

وقوله تعالى: [وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آَذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى] {فصِّلت:44} فلا تؤثر غالباً في أهل المعاصي وترك الطاعات وأهل التكبر والخيلاء والإسبال وحلق اللحى والتخلف عن الصلاة وتأخيرها والتهاون بالعبادات ونحو ذلك.

الشرط الرابع: أن يجزم المريض بأن القرآن شفاء ورحمة وعلاج نافع فلا يفيد إذا كان متردداً يقول أفعل الرقية كتجربة إن نفعت وإلا لم تضر بل يجزم بأنها نافعة حقاً وأنها هي الشفاء الصحيح كما أخبر الله تعالى فمتى تمت هذه الشروط بإذن الله تعالى والله أعلم.

فتوى فضيلة الشيخ العلامة عبدالله بن جبرين رحمه الله

يوجد من يرقي بالرقى الشرعية من كبار السِّن من أهل الصلاح يستخدمون ألفاظاً عاميّة مثل:

1- أنه ينفث على (مجامع العروق) ويقصد بذلك ملتقى العروق في العنق.

2- وأنه إذا زاد في القراءة على من به مس (يتفرقع) ويقصد بذلك أنه يصرع ويتخبط بسبب مس الجن الذي به.

3- وأنه يقول عندما يطلب من الجني الخروج من الممسوس (من العظم إلى اللحم إلى الشحم إلى الجلد إلى الهواء).

فهل هذه الألفاظ قادحة في الرقية والراقي وجزاكم الله خيراً.

الجواب: متى كان هذا الراقي من أهل الصلاح وأهل المعرفة والتجربة فإن تصرفه جائز حيث إنه لا محذور في هذه الألفاظ ولا في هذا العمل فربما يكون الجان يتأثر بالنفث عليه في مجامع العروق أكثر لأنه يلابس الإنسي ويتغلب على روحه أما كلمة يتفرقع فلعلهم يخاطبون الجني بهذه الكلمة فتؤثر فيهم وهكذا قولهم من العظم إلى اللحم إلخ المعنى أخرج من هذا إلى الآخر وأرى أن هذه الألفاظ ولو كانت عامية لا تؤثر في الرقية ومع ذلك فالأولى استعمال الأدعية الواردة والأذكار المأثورة والله أعلم.

فتوى فضيلة الشيخ العلامة عبدالله بن جبرين رحمه الله

بعض من يرقي بالرقى الشرعية يقومون بالقراءة على الماء أو الزيت أو بعض المراهم والكريمات أو كتابة بعض الأذكار بالزعفران على بعض الأوراق ثم نقع هذه الأوراق في الماء ومن ثم شربها أو الاغتسال بها ويسمونها عزائم فما حكم عمل هذه العزائم وتعاطيها وجزاكم الله خيراً.

الجواب: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : (إن الرقى والتمائم والتولة شرك) وقال الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله في كتاب التوحيد (الرقى هي التي تسمى العزائم وخص منه الدليل ما خلا من الشرك فقد رخص فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - من العين والحمة).

وقد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كما عند أبي داود رحمه الله أنه قال: (أعرضوا على رقاكم لا بأس بالرقى ما لم تكن شركاً) وجاء في صحيح مسلم رحمه الله أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل) وثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - رقى بعض أصحابه ورقاه جبريل لما سحره اليهودي وكان يرقي نفسه فينفث في يديه ويقرأ آية الكرسي والمعوذتين وسورة الإخلاص ثم يمسح ما استطاع من جسده يبدأ بوجهه وصدره وما أقبل من بدنه.

وثبت عن السلف القراءة في ماء ونحوه ثم شربه أو الاغتسال به مما يخفف الألم أو يزيله لأن كلام الله تعالى شفاء كما في قوله تعالى [قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ] {فصِّلت:44} وهكذا القراءة في زيت أو دهن أو طعام ثم شربه أو الادّهان به أو الاغتسال به فإن ذلك كله استعمال لهذه القراءة المباحة التي هي كلام الله وكلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

ولا مانع أيضاً من كتابتها في أوراق ونحوها ثم تغسل ويشرب ماؤها وسواء كتبت بماء أو زعفران أو حبر فإن ذلك داخل في قوله - صلى الله عليه وسلم - (لا بأس بالرقى ما لم تكن شركاً) أي إذا كانت بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية والله أعلم.

فتوى فضيلة الشيخ العلامة عبدالله بن جبرين رحمه الله

نعرف رجلاً من أهل التقى والصلاح ليس متهماً في دينه وخلقه حافظاً لكتاب الله يعالج الناس بالرقى الشرعية من الكتاب والسنة ويحضر إليه بعض المرضى من النساء والبعض منهن قد يكون بها مس أو جنون فتتكشف عورتها أثناء القراءة بغير إرادته وقد ينتقل الألم إلى أماكن مختلفة في الجسم فيقوم الشيخ قبل القراءة بعصب عينيه حتى لا يرى شيئاً من عورة المرأة ويتابع الألم بالقراءة بوجود محرم للمرأة معها أثناء القراءة دون خلوة فما رأيكم في حكم الشرع في عمله هذا أفيدونا جزاكم الله خيراً.

الجواب: يحسن اختيار امرأة قارئة للنساء تعالج مثل هذه الحالات أو أن يتولى علاجها والرقية عليها أحد محارمها أهل التقى والصلاح من حملة القرآن الكريم فإن لم يوجد شيء من ذلك ففعل هذا الرجل الذي يعصب عينيه جائزاً إذا أمن من الفتنة ولم يمس شيئاً من بشرتها فإن لم يحصل هذا اقتصر على قراءته في ماء أو زيت وأعطاه لأهلها لتدهن به وتشرب منه ولعله يكفي لعلاجها والله أعلم.

فتوى فضيلة الشيخ العلامة عبدالله بن جبرين رحمه الله

هناك بعض من يرقي بالرقى الشرعية يقومون بالقراءة لمرة واحدة والنفث على عدة أوعية وجوالين للمياه أو الزيت والبعض منهم يقرأ على خزان مياه المنزل أو ما يسمى بالوايت ويقدمه للمرضى بعد ذلك فهل هذا العمل جائز شرعاً وما مدى تأثيره وجزاكم الله خيراً.

الجواب: لا صحة لهذا العمل ولا يقرون على مثل هذا العمل ولا تفيد هذه الرقية عادة إلا أن تكون قليلة كإناء أو اثنين يقرأ الآية ثم ينفث في هذا ثم هذا ويقرأ الآية الأخرى وينفث في هذا ثم هذا.

فأما قراءته في عدة جوالين أو أوعية فلا أظنه يفيد وبطريق الأولى قراءته في خزان الماء أو الوايت والغالب أن هؤلاء قدهم كسب المال والاحتيال على تحصيله بهذه الظواهر وهو محرم عليهم. والله أعلم.

فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء([6])

السؤال الأول: ما حكم حمل آيات قرآنية في الجيب كالمصاحف الصغيرة بقصد الحماية من الحسد والعين أو أي شر باعتبار أنها آيات الله الكريمة على اعتبار أن الاعتقاد في حمايتها للإنسان هو الاعتقاد الصالح بالله وكذلك وضعها في السيارة أو أي أداة أخرى لنفس الغرض وجزاكم الله خيراً.

السؤال الثاني: حكم حمل الحجاب المكتوب من آيات الله بقصد الحماية من العين أو الحسد أو لأي سبب آخر من الأسباب كالمساعدة على النجاح أو الشفاء من المرض أو السِّحر إلى غير ذلك من الأسباب وجزاكم الله خيراً.

السؤال الثالث: حكم تعليق آيات قرآنية بالرقية في سلاسل ذهبية أو خلافه للوقاية من السوء وجزاكم الله خيراً.

الجواب: أنزل الله سبحانه القرآن ليتعبد الناس بتلاوته ويتدبروا معانيه فيعرفوا أحكامه ويأخذوا أنفسهم بالعمل بها وبذلك يكون لهم موعظة وذكرى تلين به قلوبهم وتقشعر منه جلودهم وشفاء لما في الصدور من الجهل والضلال وزكاة للنفوس وطهارة لها من أدران الشرك وما ارتكبته من المعاصي والذنوب وجعله سبحانه هدى ورحمة لمن فتح له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

قال الله تعالى: [يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ] {يونس:57}. وقال تعالى: [اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللهِ ذَلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ] {الزُّمر:23} وقال تعالى: [إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ] {ق:37} وجعل سبحانه القرآن معجزة لرسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - وآية باهرة على أنه رسول من عند الله إلى الناس كافة ليبلغ شريعته إليهم، ورحمة بهم وإقامة للحجة عليهم قال تعالى: [وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الآَيَاتُ عِنْدَ اللهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ * أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ] {العنكبوت:51} وقال تعالى: [الر تِلْكَ آَيَاتُ الكِتَابِ المُبِينِ] {يوسف:1} وقال تعالى: [تِلْكَ آَيَاتُ الكِتَابِ الحَكِيمِ] {يونس:1} إلى غير ذلك من الآيات فالأصل في القرآن أنه تشريع وبيان للأحكام وأنه آية بالغة ومعجزة باهرة وحجة دامغة أيد الله بها رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - ومع ذلك ثبت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يرقي نفسه بالقرآن فكان يقرأ على نفسه المعوذات الثلاث [قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ]، [قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ]، [قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ].

وثبت أنه أذن في الرقية التي ليس فيه شرك من القرآن والأدعية المشروعة وأقر أصحابه على الرقية بالقرآن وأباح لهم ما أخذوا على ذلك من الأجر جاء في صحيح مسلم رحمه الله عن عوف بن مالك أنه قال كنا نرقي في الجاهلية فقلنا يا رسول الله كيف ترى في ذلك؟ فقال: (اعرضوا علي رقاكم لا بأس بالرقى ما لم تكن شركاً).

وجاء في صحيح الإمام البخاري رحمه الله عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال انطلق نفر من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفرة سافروها حتى نزلوا على حي من أحياء العرب فاستضافوهم فأبوا أن يضيفوهم فلدغ سيد ذلك الحي فسعوا له بكل شيء لا ينفعه شيء فقال بعضهم لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا لعله أن يكون عند بعضهم شيء فأتوهم فقالوا يا أيها الرهط إن سيدنا لدغ وسعينا له بكل شيء لا ينفعه فهل عند أحد منكم من شيء فقال بعضهم نعم والله إني لأرقي ولكنا والله لقد استضفناكم فلم تضيفونا فما أنا براقٍ لكم حتى تجعلوا لنا جُعلاً فصالحوهم على قطيع من الغنم فانطلق يتفل عليه ويقرأ [الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ] فكأنما نشط من عقال فانطلق يمشي وما به قلبه قال فأوفوهم جُعلهم الذي صالحوهم عليه فقال بعضهم: أقسموا. فقال الذي رقى لا تفعلوا حتى نأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فذكروا له فقال: (وما أدراك أنها رقية) ثم قال: (أصبتم أقسموا واضربوا لي معكم بسهم فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - ).

وجاء في صحيح الإمام البخاري رحمه الله عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا آوى إلى فراشه نفث في كفيه بقل هو الله أحد وبالمعوذتين جميعاً ثم يمسح بهما وجهه وما بلغت يداه من جسده قالت عائشة فلما اشتكى كان يأمرني أن أفعل ذلك به).

وجاء في صحيح الإمام البخاري رحمه الله عن عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعوذ بعض أهله يمسح بيده ويقول: (اللهم رب الناس اذهب الباس اشفه وأنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقماً) إلى غير ذلك من الأحاديث التي ثبت منها أنه رقى بالقرآن وغيره وأنه أذن في الرقية وأقرها ما لم تكن شركاً.

ولم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو الذي نزل عليه القرآن وهو بأحكامه أعرف وبمنزلته أعلم أنه علق على نفسه أو غيره تميمة ممن القرآن أو غيره أو اتخذه أو آيات منه حجاباً يقيه الحسد أو غيره من الشر أو حمله أو شيئاً منه في ملابسه أو في متاعه على راحلته لينال العصمة من شر الأعداء أو الفوز والنصر عليهم أو لييسر له الطريق ويذهب عنه وعثاء السفر أو غير ذلك كما جلب نفع أو دفع ضر فلو كان مشروعاً لحرص عليه وفعله وبلغة أمته وبينة لهم عملاً بقوله تعالى: [يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ] {المائدة:67} ولو فعل شيئاً من ذلك أو بينه لأصحابه لنقلوه إلينا ولعملوا به فإنهم أحرص الأمة على البلاغ والبيان وأحفظها للشريعة قولاً وعملاً وأتبعها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولكن لم يثبت شيء من ذلك عن أحد منهم فدل ذلك على أن حمل المصحف أو وضعه في السيارة أو متاع البيت أو خزينة المال لمجرد دفع الحسد أو الحفظ أو غيرهما كما جلب نفع أو دفع لا يجوز.

وكذا اتخاذه حجاباً أو كتابته أو آيات منه في سلسلة ذهبية أو فضية مثلاً ليعلق في الرقبة ونحوها لا يجوز لمخالفة ذلك لهدي الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهدي أصحابه رضوان الله عليهم ولدخوله في عموم الحديث الذي جاء في مسند الإمام أحمد رحمه الله (من تعلق تميمة فلا أتم الله له).

وفي رواية أخرى في مسند الإمام أحمد رحمه الله (من علق تميمة فقد أشرك) وفي عموم قوله - صلى الله عليه وسلم - الذي أخرجه أبو داود رحمه الله (إن الرقى والتمائم والتولة شرك).

إلا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استثنى من الرقى ما لم يكن فيه شرك فأباحه كما تقدم ولم يستثن شيئاً من التمائم فبقيت كلها على المنع وبهذا يقول عبدالله بن مسعود وعبدالله بن عباس وجماعة من الصحابة وجماعة من التابعين منهم أصحاب عبدالله بن مسعود كإبراهيم بن يزيد النخعي رضي الله عنهم وذهب جماعة من العلماء إلى الترخيص بتعلق تمائم من القرآن ومن أسماء الله وصفاته لقصد الحفظ ونحوه واستثنوا ذلك من حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - عن التمائم كما استثنيت الرقى التي لا شرك فيها؛ لأن القرآن كلام الله وهو صفة من صفاته ليس بشرك فلا يمنع اتخاذ التمائم منها أو عمل شيء منها أو اصطحابه أو تعليقه رجاء بركته ونفعه ونسب هذا القول إلى جماعة منهم عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه لكنه لم تثبت روايته عنه؛ لأن في سندها محمد بن إسحاق رحمه الله وهو مدلس قد عنعن روايته.

على أنها إن ثبتت لم تدل على جواز تعليق التمائم من ذلك لأن الذي فيها أنه كان يحفظ القرآن للأولاد الكبار ويكتبه للصغار في ألواح ويعلقها في أعناقهم والظاهر أنه فعل ذلك معهم ليكرروا قراءة ما كتب حتى يحفظوه لا أنه فعل ذلك معهم حفظاً لهم من الحسد أو غيره من أنواع الضر فليس هذا من التمائم في شيء.

وقد اختار الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه الله في كتابه فتح المجيد في شرح كتاب التوحيد ما ذهب إليه عبدالله بن مسعود وأصحابه رضي الله عنهم من المنع من التمائم من القرآن وغيره وقال إنه هو الصحيح لثلاثة وجوه:

الأول: عموم النهي ولا مخصص للعموم.

الثاني: سد الذريعة فإنه يفضي إلى تعليق ما ليس كذلك.

الثالث: أنه إذا علق فلا بد أن يمتهنه المعلق لحمله معه في حال قضاء الحاجة والاستنجاء ونحو ذلك والله أعلم.

فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء

شخص يقول أنا رجل كفيف البصر وساكن في بيت وهذا البيت كل ليلة يجيئني جن وأتخوف منهم والآن عندي مصحف إذا جعلته على وجهه ذهبوا عني وقال بعض الناس ما يصح أن تجعل المصحف على وجهه آمل منكم إفادتي وجزاكم الله خيراً.

الجواب: ينبغي لك أن تكثر من ذكر الله عند النوم وأن تقرأ آية الكرسي وسورة الإخلاص والمعوذتين وأن تستعيذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ثلاث مرات صباحاً ومساء وتقول بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات صباحاً ومساء وتسلم إن شاء الله من شر الجن وغيرهم ولا ينبغي لك استعمال المصحف في هذا الأمر على الوجه المذكور لما في ذلك من الإهانة لكتاب الله وإرضاء الشياطين بذلك.

ونسأل الله أن يعافيك وأن يعيذنا جميعاً من الشياطين.

وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

فتوى فضيلة الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله

هل يجوز للذي يعالج بقراءة القرآن الكريم أن يضرب ويخنق ويتحدث مع الجن جزاكم الله خيراً.

الجواب: هذا قد وقع شيء منه من بعض العلماء السابقين مثل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى فقد كان يخاطب الجني ويخنقه ويضربه حتى يخرج أما المبالغة في هذه الأمور مما نسمعه عن بعض القراء فلا وجه لها.

فتوى فضيلة الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله

ما حكم النفث في الماء وجزاكم الله خيراً.

الجواب: النفث في الماء على قسمين:

القسم الأول: أن يراد بهذا النفث التبرك بريق النافث فهذا لا شك أنه حرام ونوع من الشرك لأن ريق الإنسان ليس سبباً للبركة والشفاء ولا أحد يتبرك بآثاره إلا محمد - صلى الله عليه وسلم - أما غيره فلا يتبرك بآثاره فالنبي - صلى الله عليه وسلم - يتبرك بآثاره في حياته وكذلك بعد مماته إذا بقيت تلك الآثار كما كان عند أم سلمة رضي الله عنها جلجل من فضة فيه شعرات من شعر النبي - صلى الله عليه وسلم - يستشفي بها المرضى فإذا جاء مريض صبت على هذه الشعرات ماء ثم حركته ثم أعطته الماء.

لكن غير النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يجوز لأحد أن يتبرك بريقه أو بعرقه أو بثوبه أو بغير ذلك بل هذا حرام ونوع من الشرك فإذا كان النفث في الماء من أجل التبرك بريق النافث فإنه حرام ونوع من الشرك وذلك لأن كل من أثبت لشيء سبباً غير شرعي ولا حسي فإنه قد أتى نوعا من الشرك لأنه جعل نفسه مسبباً مع الله وثبوت الأسباب لمسبباتها إنما يتلقى من قبل الشرع فلذلك كان من تمسك بسبب لم يجعله الله سبباً لا حساً ولا شرعاً فإنه قد أتى نوعاً من الشرك.

القسم الثاني: أن ينفث الإنسان بريق تلافيه القرآن الكريم مثل أن يقرأ بالفاتحة والفاتحة رُقية وهي من أعظم ما يرقى به المريض فيقرأ الفاتحة وينفث في الماء فإن هذا لا بأس به وقد فعله بعض السلف وهو مجرب ونافع بإذن الله وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - ينفث في يديه عند نومه بـ [قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ]، [قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ]، [قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ] فيمسح بهما وجهه وما استطاع من جسده صلوات الله وسلامه عليه والله الموفق.

فتوى فضيلة الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله

هل يجوز نقل ماء زمزم إلى بلد آخر لغرض التداوي وهل يحتفظ الماء بخصوصيته وجزاكم الله خيراً.

الجواب: نعم يجوز للإنسان أن يحمل ماء زمزم إلى بلاد أخرى والخصوصيات التي تكون له هنا تبقى فيه هناك.

فتوى فضيلة الشيخ العلامة صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله

ما رأيكم بفتح عيادات متخصصة للقراءة وجزاكم الله خيراً.

الجواب: هذا لا يجوز أن يفعل، لأنه يفتح باب فتنه ويفتح باب احتيال للمحتالين وما كان هذا من عمل السلف أنهم يفتحون دوراً أو يفتحون محلات للقراءة والتوسع في هذا يحدث شراً ويدخل فيه فساد ويدخل فيه من لا يحسن لأن الناس يجرون وراء الطمع ويريدون أن يجلبوا الناس إليهم ولو بعمل أشياء محرمة ولا يقال هذا رجل صالح لأن الإنسان يفتن والعياذ بالله ولو كان صالحاً ففتح هذا الباب لا يجوز.

فتوى فضيلة الشيخ العلامة عبدالله بن جبرين رحمه الله

كما تعلمون فإن كثيراً من الناس يعانون من أمراض لا يجدون لها علاجاً طبياً فيلجئون إلى كتاب الله وإلى أهل العلم وبعض حملة كتاب الله من أهل التقوى والصلاح ليرقوهم بالرقى الشرعية لعلاجهم وقد يكون مكان الوجع للنساء في رؤوسهن أو صدورهن أو أيديهن أو أرجلهن فهل يجوز كشف هذه الأماكن للقراءة عليها عند الضرورة وما هي حدود الكشف للمرأة عند القراءة وجزاكم الله خيراً.

الجواب: يسن تعلم الرقية الشرعية رجاء نفع المسلمين وعلاج هذه الأمراض المستعصية ولأن كتاب الله هو الشفاء النافع المفيد ولكن لا يجوز للرجل الأجنبي أن يمس شيئاً من جسد المرأة عند الرقية ولا يجوز لها إبداء شيء من بشرتها كالصدر والعنق ونحوهما بل يقرأ عليها ولو كانت متحجبة وذلك يفيد حيث كان ويسن أن تتعلم الأخوات القارئات الرقية رجاء أن يعالجن بها النساء المحتشمات والله أعلم.

فتوى فضيلة الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله

هل صحيح أن الجن تصيب الإنس بالعين وإذا كان كذلك فهل يصبح مسح الأرض والأماكن التي يشك أنها مكان لارتياد الجن بقطعة قماش والانتفاع منها بعد غسلها للتمسح بها عن العين جزاكم الله خيراً.

الجواب: بسم الله والحمد لله العين حق كما قال ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - وهي تقع من الإنس والجن والمشروع علاجها بالقرآن والدعوات الطيبة وباستغسال من ظن أنه هو العائن كما جاء في صحيح الإمام مسلم رحمه الله لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : (العين حق وإذا استغسلتم فاغسلوا) وأخرج أبو داود رحمه الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : (لا رقية إلا من عين أو حمة) والحمة سم ذوات السموم كالحية والعقرب أما مسح الأرض لأجل علاج الطين أو أخذ البول فلا يجوز.

فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء

من كان به سحر هل يجوز أن يذهب إلى ساحر ليزيل السِّحر عنه وجزاكم الله خيراً.

الجواب: لا يجوز ذلك والأصل فيه ما رواه الإمام أحمد وأبو داود بسنده عن جابر رضي الله عنهم قال: سُئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن النشرة فقال: (هو من عمل الشيطان).

وفي الأدوية الطبيعية والأدعية الشرعية ما كان فيه كفاية فإن الله ما أنزل داء إلى أنزل له شفاء علمه من علمه وجهله من جهله وقد أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالتداوي، ونهى عن التداوي بالمحرم فقد أخرج أبو داود رحمه الله قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : (عباد الله تداووا ولا تداووا بحرام) وأخرج أبو يعلى في مسنده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (إن الله لم يجعل شفاءكم في حرام) وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

فتوى فضيلة الشيخ العلامة عبدالله بن جبرين رحمه الله

لقد سمعت قصصاً كثيرة عن اختطاف الجن للإنس وقد قرأت قصة مفادها أن رجلاً من الأنصار رضي الله عنهم خرج يصلي العشاء فسبته الجن وفقد أعواماً فهل هذا الأمر ممكن أعني اختطاف الجن للإنس وجزاكم الله خيراً.

الجواب: يمكن ذلك فقد اشتهر أن سعد بن عبادة رضي الله عنه قتلته الجن لما بال في جحر فيه منزلهم فقالوا:نحن قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة ورميناه بسهم فلم نخطىء فؤاده ووقع في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجلاً اختطفته الجن وبقي أربع سنين ثم جاء وأخبر أن جناً من المشركين اختطفوه فبقي عندهم أسيراً فغزاهم جن مسلمون فهزموهم وردوه إلى أهله ذكر ذلك في منار السبيل وغيره والله أعلم.

فتوى فضيلة الشيخ العلامة عبدالله بن جبرين رحمه الله

ما موقف الإسلام من الأطباء الشعبيين وجزاكم الله خيراً.

الجواب: ورد في الحديث كما في صحيح البخاري رحمه الله قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : (ما أنزل الله داءً إلا أنزل له شفاء عمله من علمه وجهله من جهله) فهؤلاء الأطباء الشعبيون قد علموا بالتجربة على هذه الأدوية ورجعوا فيها إلى كتب الطب التي جمعها علماء عارفون بذلك وهنا فن من فنون العلم الكثيرة قد تخصص فيه أقوام من عهد النبوة وقبلها وبعدها وعرفوا تراكيب الأدوية وخواص كل دواء وكيفية استعماله مع اعتقادهم أنها أسباب للشفاء وأن الله تعالى هو مسبب الأسباب فعلى هذا لا بأس بتعلم ذلك والعلاج به وعلى السائل أن يقرأ كتاب (الطب النبوي) لابن القيم رحمه الله وللذهبي رحمه الله و (الآداب الشرعية) لابن مفلح وكتاب (تسهيل المنافع) وغيرها.

فتوى فضيلة الشيخ العلامة عبدالله بن جبرين رحمه الله

ما الأسباب والوسائل التي تعصم الإنسان وتحصنه من الوساوس والأوهام الشيطانية وتجعله سليماً مستقيماً في عقيدته وسلوكه وجزاكم الله خيراً.

الجواب: عليه أولاً: أن يكثر من الاستعاذة بالله من شر الشياطين وأوهامها ووساوسها ويعتقد أن ربه هو الذي يعيذه ويعصمه ويحميه ويحول بينه وبين تلك الأوهام والتخيلات.

كما أن عليه ثانياً: أن يذهب من نفسه تلك التخيلات والواردات التي تشككه في عقيدته ودينه وطهارته وصلاته سواء في صحتها أو في أصلها بل يعتقد جازماً أنها عين الصواب والحق وأن ما يجول في نفسه من الشك والريب في صحتها أو موافقتها كله من أوهام الشيطان ليوقعه في الحيرة وليكلفه ما لا يطيق حتى يمل العبادة أو يعتقد بطلانها وهذا ما يريده إبليس من المسلمين والله أعلم.

فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء

هل يجوز التبخر بالخشب أو الأعشاب أو الأوراق وذلك من إصابة العين وجزاكم الله خيراً.

الجواب: لا يجوز علاج الإصابة بالعين بما ذكر؛ لأنها ليست من الأسباب العادية لعلاجها وقد يكون المقصود بهذا التبخر استرضاء شياطين الجن والاستعانة بهم على الشفاء وإنما يعالج ذلك بالرقى الشرعية ونحوها مما ثبت في الأحاديث الصحيحة.

وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء

إنني أقوم بالوعظ والإرشاد وأقوم بالإمامة جمعة في أحد الجوامع وأسست مكتبة فيها كمية من الكتب القيمة من كتب السنة وأدرّس بنفس المسجد في الحديث والفقه والتوحيد والتفسير وأعالج المرضى بالرقية الشرعية الثابتة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الأحاديث الصحيحة كرقيته لأهله وأصحابه وكرقية جبريل عليه السلام ولا أخرج عن الأحاديث وأنت تعلم أن الرقية ثابتة في كتب السنة وأكثر ما أرقى به ما ورد في كتب شيخ الإسلام رحمه الله كإيضاح الدلالة في عموم الرسالة وغيرها من كتبه المعروفة وكتب ابن القيم رحمه الله منها زاد المعاد ولا يخفاك أنني آخذ أجرة على ذلك مستدلاً بما ورد في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه الدال على جواز الرقية وأخذ الأجرة عليها والحديث معروف لدى سماحتكم والذي يحملني على أخذ هو الاستغناء عما في أيدي الناس وحيث إنني مكفوف البصر ولي ظروف عائلية ولم يحالفني الحظ بوظيفة ولعلمي أن ذلك جائز وحلال وقد اعترض علي بعض الجهّال بدون دليل لذا أرجو من الله ثم من سماحتكم إصدار فتوى من قبل سماحتكم لبيان ما ينبغي لأكون على بصيرة وإقناع لمن يعترض جهلاً منه، وإن كنت ترى أنني على باطل في عملي فأرجو الإفتاء بما يقنعني وأنا لا أخالف لكم رأياً وجزاكم الله خيراً.

الجواب: إذا كان الواقع منك كما ذكرت من أنك تعالج المرضى بالرقية الشرعية وأنك لم ترق أحداً إلا بما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنك تتحرى الرجوع في ذلك إلى ما ذكره العلامة ابن تيمية رحمه الله في كتبه المعروفة وما كتبه العلامة ابن قيم الجوزية رحمه الله في زاد المعاد وأمثالهما من كتب أهل السنة والجماعة فعملك جائز وسعيك مشكور ومأجور عليه إن شاء الله ولا بأس بأخذك أجراً عليه لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه الذي أشرت إليه في سؤالك ونسأل الله أن يثيبك على ما ذكرت من أنك قمت بوعظ الناس وإرشاده والتدريس لهم والصلاة بهم في المسجد وعلى إنشائك مكتبة فيها كتب قيمة من تأليف أهل السنة والجماعة وأن يجزيك عن إخوانك خير الجزاء ونرجو الله أن يزيدك توفيقاً إلى الخير وعمل المعروف وأن يغنيك من فضله عما في أيدي الناس إنه سبحانه قريب مجيب الدعاء وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

فتوى فضيلة الشيخ العلامة صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله

نسمع في هذه الأيام عن أناس يعالجون بالقرآن مرضى الصرع والمس والعين وغير ذلك وقد وجد بعض الناس نتيجة مرضية عند هؤلاء فهل في عمل هؤلاء محذور شرعي وجزاكم الله خيراً.

الجواب: لا بأس بعلاج مرضى الصرع والعين والسِّحر بالقرآن وذلك ما يسمى بالرقية بأن يقرأ القارىء وينفث على المصاب فإن الرقية بالقرآن وبالأدعية المشروعة جائزة وإنما الممنوع الرقية الشركية وهي التي فيها دعاء لغير الله واستعانة بالجن والشياطين كعمل المشعوذين والدجالين أو بأسماء مجهولة.

أما الرقية بالقرآن والأدعية الواردة فهي مشروعة وقد جعل الله القرآن شفاء للأمراض الحسية والمعنوية من أمراض القلوب وأمراض الأبدان لكن بشرط إخلاص النية من الراقي والمرقي وأن يعتقد كل منهما أن الشفاء من عند الله وأن الرقية بكلام الله سبب من الأسباب النافعة.

ولا بأس بالذهاب إلى الذين يعالجون بالقرآن إذا عرفوا بالاستقامة وسلامة العقيدة وعرف عنهم أنهم لا يعملون الرقى الشركية ولا يستعينون بالجن والشياطين وإنما يعالجون بالرقية الشرعية والعلاج بالرقية القرآنية من سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعمل السلف فقد كانوا يعالجون بها المصاب بالعين والصرع والسِّحر وسائر الأمراض ويعتقدون أنها من الأسباب النافعة المباحة وأن الشافي هو الله وحده.

ولا بد من التنبيه على أن بعض المشعوذين والسَّحرة وقد يذكرون شيئاً من القرآن أو الأدعية لكنهم يخلطون ذلك بالشرك والاستعانة بالجن والشياطين فيسمعهم بعض الجهال وظن أنهم يعالجون بالقرآن وهذا من الخداع الذي يجب التنبه له والحذر منه.

فتوى فضيلة الشيخ العلامة عبدالله بن جبرين رحمه الله

ما هي أسباب الإصابة بالسِّحر والعين والمس وجزاكم الله خيراً.

الجواب: اعلم أن عمل السِّحر محرم وكفر بالله تعالى لأن الساحر يستعين بالشياطين ويتقرب إلى الجن حتى يساعدوه في الإصابة بالسِّحر ومنه الصرف والعطف فالساحر إذا أراد إضرار إنسان من رجل أو امرأة دعا شياطينه والمردة الذين يطيعونه وذبح لهم أو خدمهم وطلب منهم أن يلبسوا فلاناً أو فلانة فيحصل المس بإذن الله تعالى.

وعلاج ذلك أولاً التحصن بذكر الله وعبادته وطاعته والبعد عن المعاصي وعن مخالطة أهلها والإكثار من قراءة القرآن وتدبره وقراءة الأوراد والأدعية والأذكار فمع ذلك يحفظ الله تعالى عبده من الإصابة بالمس والسحر.

أما العين فهي أن بعض الناس يعرف بالحسد والحقد على الناس فمتى رأى منهم ما يغبطون به وجه إليهم قلبه وحاول أن يتكلم بكلام حاد فيتوجه من نظره مواد سامة تؤثر في المعين بإذن الله.

وعلاج ذلك الحرص على البعد عن هؤلاء المعروفين بالحسد وعلى عدم إظهار الزينة قدامهم ونصحهم عن الإضرار بالناس بغير حق وطلبهم التبريك على المسلم وقول ما شاء الله لا قوة إلا بالله ونحو ذلك.

فتوى فضيلة الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله

رجل قلبه مريض بالحسد فكيف العلاج وجزاكم الله خيراً.

الجواب: الحسد داء عضال يأتي من نفوس شريرة لا تريد الخير لذات الخير بل تريد الخير لها فإذا رأته كرهته وإن لم تثمن زواله كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ويعالج هذا المرض في النفس بأمور:

الأول: أن يعلم أن هذه النعمة من فضل الله قال الله تعالى [أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آَتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ] {النساء:54} وهي من فعل الله والحسد يتضمن التسخط من تقدير الله وإذا علم المؤمن ذلك فسيكف عن هذا الطبع.

الثاني: أن يعلم أنه لا يستفيد من الحسد إلا كثرة السيئات وذهاب الحسنات ولهذا نقول الحسد يأكل الحسنات كما يأكل النار الحطب.

الثالث: أن يعلم أن الحسد لا يزيده إلا غماً وهماً وتزيد حسرته كلما زادت نعم الله على عباده.

الرابع: أن يعلم أن الحسد لا يمنع فضل الله عن المحسود فيعلم أن حسده لا فائدة منه.

الخامس: أن يعلم أنه إذا اشتغل بالحسد فسينشغل عن مصالحه الخاصة فتجد الحاسد يتتبع أخبار المحسود وما جاءه من مال أو ولد أو علم أو خير.

فتوى فضيلة الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله

هل قتل الساحر ردة أو حد جزاكم الله خيراً.

الجواب: قتل الساحر قد يكون حداً وقد يكون ردة بناء على التفصيل السابق في كفر الساحر فمتى حكمنا بكفره فقتله ردة وإذا لم ينحكم بكفره فقتله حد والسَّحرة يجب قتلهم سواء قلنا بكفرهم أم لا لعظم ضررهم وفظاعة أمرهم فهم يفرقون بين المرء وزوجه وكذلك العكس فهم قد يعطفون فيؤلفون بين الأعداء ويتوصلون بذلك إلى أغراضهم كما لو سحر امرأة ليزني بها فيجب على ولي الأمر قتلهم بدون استتابة ما دام أنه حد لأن الحد إذا بلغ الإمام لا يستتاب صاحبه بل يقام بكل حال أما الكفر فإنه يستتاب صاحبه وبهذا نعرف خطأ من أدخل في حكم المرتد في الحدود وذكروا من الحدود حد الردة لأن قتل المرتد ليس من الحدود لأنه إذا تاب انتفى عنه القتل ثم إن الحدود كفارة لصاحبها وليس بكافر والقتل بالردة ليس بكفارة وصاحبه كافر لا يصلي عليه ولا يغسّل ولا يدفن في مقابر المسلمين.

فالقول بقتل السَّحرة موافق للقواعد الشرعية لأنهم يسعون في الأرض فسادا وفسادهم من أعظم الفساد وإذا قتلوا سلم الناس من شرهم وارتدع الناس عن تعاطي السحر.

فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء

ما هو علاج السِّحر الذي يبيحه الشرع وهل يجوز أن تستعمل الأدوية المهدئة للأعصاب علماً أن فيها مادة مخدرة وهي شائعة في علاج الأمراض النفسية وما موقفنا منها بعد نصحنا لها لأن ما نفعله شرك بالله وبعد أن نقرأ عليها جوابكم إن شاء الله وهل تعتبر مشركة علماً بأنها في حالتها هذه تصاب بنوع من الوسواس ولو رأيت حالتها لقلت إنها مجنونة حال اشتداد المرض عليها ولكن إذا خفت عنها الحالة النفسية المرضية تكون من أعقل النساء وجزاكم الله خيراً.

الجواب: أولاً: لا يجوز أن يعالج السِّحر بالسِّحر ولكن يعالج بالرقية بقراءة القرآن والأذكار النبوية الواردة في الرقية وبالدعاء وطلب الشفاء من الله وفي الكلم الطيب لابن تيمية والوابل الصيب لابن القيم ورياض الصالحين والأذكار للنووي رحمهم الله كثير من الأذكار والأدعية النافعة في ذلك فاقرأ في هذه الكتب وأمثالها لتسترشد في نفسك وأهلك ومن تحب.

ثانياً: استمر في نصح والدتك والإنكار عليها مع مراعاة الأدب وصاحبها في الدنيا بالمعروف لعموم قوله تعالى: [وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ المَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ] {لقمان:15}.

ثالثاً: إذا كانت حالتها حين اشتداد المرض كما ذكرت من أنها كالمجنونة فقد تعتبر ذلك عذر فيرجىء أن يعفو الله عما وقع منها في تلك الحالة والله الشافي والهادي إلى سواء السبيل وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

+ + +

الخاتمة

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات

اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري وما أنت أعلم به مني

اللهم اغفر لي جدِّي وهزلي وخطئي وعمدي وكل ذلك عندي

اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أنت أعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شيء قدير

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار

اللهم انفعني بما علَّمتني وعلِّمني ما ينفعُني وارزقني علماً ينفعُني وزدني علماً

والحمد لله على كل حال وأعوذ بالله من حال أهل النار

سبحانك اللهم وبحمدك أشهدُ أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

كتبه الفقير إلى عفو ربه القدير

أبو خلاد ناصر بن سعيد بن سيف السيف

غفر الله له ولوالديه وجميع المسلمين

1/11/1426هـ



([1]) استفدت في تحضير هذه المادة من عدة مراجع وفي مقدمتها كتاب: «آكام المرجان في أحكام الجان» تأليف الإمام العلامة بدر الدين أبي عبدالله محمد بن عبدالله الشبلي رحمه الله تعالى المتوفى سنة 769هـ وقد اعتمدت غالباً على مواضيع الكتاب والتعليق عليه والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

([2]) نشكر فضيلة شيخنا الشيخ تركي بن محمد الزيد حفظه الله تعالى على مراجعة هذه الورقات وبالإضافة والتعليق عليها فجزاه الله خير الجزاء والحمد لله الذي بنعمته الصالحات.

([3]) قال شيخنا الشيخ تركي بن محمد الزيد حفظه الله تعالى: «الحديث في إسناده ضعف، ولكنه ضعيف المبنى صحيح المعنى».

([4]) قال شيخنا الشيخ تركي بن محمد الزيد حفظه الله تعالى: «الشياطين ليسوا نوعاً منفرداً، بل هناك شياطين من الإنس والجن».

([5]) قال شيخنا الشيخ تركي بن محمد الزيد حفظه الله تعالى: (الحديث صحيح).

([6]) فتاوى اللجنة الدائمة المذكورة في هذه الورقات هي التي يترأسها فضيلة الشيخ العلامة عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله تعالى.