السنة النبوية في مواجهة أعداء الإسلام
التصنيفات
المصادر
الوصف المفصل
- السنة النبوية في مواجهة أعداء الإسلام
السنة النبوية في مواجهة أعداء الإسلام
أسماء محمود الحياوي
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله الذي تتم بحمده الصالحات والذي بعث لنا خير المرسلين بشيرا ونذيرا. وبعد:
إن السنة النبوية الشريفة تعرضت ولا زالت تتعرض لأعداء يحاولون التشويه فيها، كما تعرض القرآن الكريم، ولكن كان المجال في التشكيك في السنة أوسع من مجال التشكيك في القرآن الكريم؛ لأنه منـزل ومكتوب ومحفوظ في الصدور، ولكن السنة لم تدون إلا بعد مرور زمن غير قليل على وفاة رسولنا الكريم.
ففي هذه الرسالة الصغيرة أبين للقارئ الكريم باختصار ما واجهته السنة من أعداء وما تواجهه الآن، وأن الكتب التي تعرضت لهذا الموضوع ليست قليلة ولكني في هذه الرسالة حاولت الجمع بين كل المراحل الاعتدائية التي مرت خلالها السنة الشريفة.
وأدعو الله أن ينفع بها أخواتي وإخواني المسلمين لكي ينتبهوا للخطر الذي يحوم حولهم من تلك المحاولات التي ستكون فاشلة ما داموا ملتزمين بسنة نبي الأمة وهاديها، والتأكد من الصحيح فيها والمدسوس إليها.
كتبته/
أسماء محمود أحمد الحياوي
في خورفكان في يوم الجمعة المصادف
18/ جمادى الأولى 1413هـ
السنة النبوية في مواجهة أعداء الإسلام
القرآن الكريم هو المصدر الأول للإسلام؛ لأنه كلام الله تعالى المعجز المنـزل على الرسول الكريم المتواتر لفظه جملة وتفصيلا، المتعبد بتلاوته المكتوب في المصاحف.
وكل ما جاء عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - -سوى القرآن الكريم- من بيان للعقيدة وهي بوحي من الله تعالى أو باجتهاد من الرسول - صلى الله عليه وسلم -، والرسول لا يقر على اجتهاد خطأ، وعلى هذا فمرد السنة إلى الوحي، فالقرآن الكريم هو الوحي المتلو المتعبد بتلاوته، والسنة وحي غير متلو لا يتعبد بتلاوتها وهي المصدر الثاني للإسلام.
فالقرآن والسنة مصدران تشريعيان متلازمان لا يمكن لمسلم أن يفهم الشريعة إلا بالرجوع لهما معا ولا غنى لمجتهد أو عالم عن أحدهما.
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾([1]).
الحديث في اللغة:
(الجديد من الأشياء، كما يطلق على الخبر كثيره وقليله).
الحديث في الاصطلاح:
(يرادف السنة عند المحدثين، ويراد بهما كل ما أثر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل البعثة وبعدها، وغالبا يراد به ما يروى عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعد النبوة من قول أو فعل أو تقرير).
عند الأصوليين:
إذا أطلق لفظ الحديث أريد به السنة القولية؛ لأن السنة عندهم أعم من الحديث، وهي تشمل قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - وفعله وتقريره مما يصلح أن يكون دليلا شرعيا لحكم شرعي)([2]).
وجوب اتباعها:
يجب على كل مسلم اتباع السنة ويحرم عليه مخالفتها، فهي أصل من أصول الدين وركن في بنائه القويم على ذلك أجمع المسلمون وتضافرت الآيات، فمن أنكر ذلك فقد نابذ الأدلة القطعية واتبع غير سبيل المؤمنين.
أدلة حجية السنة:
قد يقول قائل: ما الدليل على وجوب العمل بالسنة وأنها مصدر من مصادر التشريع؟ سنذكر هنا الأدلة التي تبين ذلك وتوجيهها:
أولا: الإيمان:
فمن شروطه قبول كل ما يرد عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - في أمر الدين فقد اصطفى الله الرسل ليبلغوا شريعته إلى عباده.
قال تعالى: ﴿فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾([3]).
ثانيا: القرآن الكريم:
في القرآن الكريم آيات كثيرة تجيب عن السؤال وتنص على وجوب طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - منها قوله تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾([4]).
ثالثا: أدلة الحديث:
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسنتي»([5]).
رابعا: الإجماع:
اجتمعت الأمة الإسلامية على وجوب العمل بالسنة وأقاموا أحكامها كما أقاموا أحكام القرآن الكريم؛ لأنها مصدر تشريعي بما أرشد الله تعالى إليه، وشهد الله تعالى للرسول - صلى الله عليه وسلم - بأنه لا يتبع إلا ما يوحى إليه، قال تعالى: ﴿قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ﴾([6]).
لكل ذلك اعتنى المسلمون بالسنة النبوية ونقلها الخلف عن السلف جيلاً بعد جيل ورجعوا إليها في جميع أمور دينهم وعملوا بما فيها وتمسكوا بها وحافظوا عليها ليحسنوا التأسي برسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وبقي الحديث النبوي صافيا لا يعتريه الكذب ولا يتناوله التحريف والتلفيق طوال اجتماع كلمة الأمة على الخلفاء الراشدين الأربعة، قبل أن تنقسم إلى شيع وأحزاب وقبل أن يندس في صفوفها أهل المصالح والأهواء.
حركة وضع الحديث:
لقد تعرض الحديث إلى محاولات قوية للتلاعب فيه والدس عليه، فقد سعى البعض إلى استغلاله لمآربهم السياسية أو المذهبية أو الشخصية، فظهرت حركة الوضع في الحديث التي هددت هذا الأصل الكبير من أصول الإسلام بالتحريف، ولكن العلماء بذلوا جهودا جبارة في تمحيص الحديث ونقده وتمييز الصحيح من الموضوع، وقد نجحوا في مهمّتهم هذه إلى حد كبير.
الحديث الموضوع:
الحديث المختلق المصنوع المكذوب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمدا أو خطأ([7]).
الوضاعون:
أما الوضاعون فهم الذين تعمدوا الكذب لا لأنهم أخطأوا ولا لأنهم رووا عن كذاب([8]).
توقع الرسول:
لم يقع الوضع في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ لم يصح في ذلك شيء، قال - صلى الله عليه وسلم -: «من كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار»([9]).
قالها حينما أمر أصحابه بالتبليغ عنه، وفي هذا الحديث دلالة على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توقع ما سيكون من كذب عليه، فحذر من ذلك ونبه أصحابه إلى أخذ الحيطة والتيقظ في قبول الأحاديث.
بدء الوضع:
بدأ الوضع بعد أن انقسم المسلمون إلى شيع وأحزاب وبعد أن اندس أهل المصالح والأهواء، وكانت البادرة الأولى والتي ترتبت عليها الاضطرابات الكثيرة في القرن الأول الهجري، وهي فتنة عثمان رضي الله عنه واستشهاده، فقد هزت العالم الإسلامي هزة عظيمة وأورثت الأمة عواقب وخيمة، امتدت أثارها إلى يومنا هذا.
ثم اجتمعت –بعد الفتنة- كلمة المسلمين على أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، إلا أن الأحداث كانت أقوى من أن تفسح للهدوء والسلام سبيلهما إلى الدولة آنذاك، فحصل انقسام كبير في صفوف الأمة تجسم في معسكر أمير المؤمنين عليّ الذي انطوى تحت لوائه أهل الحجاز والعراق، ومعسكر أمير الشام معاوية الذي انضم إليه أكثر أهلها وأهل مصر.
وقد جر هذا الانقسام على الأمة الحروب الطاحنة، وما لبث أن انتهى بالتحكيم الذي كان سببا لظهور فرق سياسية مختلفة([10]).
وبعد استشهاد علي رضي الله عنه قام بعض شيعته يطالبون بحقهم في الخلافة، وهكذا نشأت الأحزاب والفرق التي اتخذت شكلا دينيا كان له أبلغ الأثر في قيام المذاهب الدينية في الإسلام، وقد حاول كل حزب أن يدعم ما يدعي بالقرآن والسنة، ومن الطبيعي أن لا يجد كل حزب ما يؤيد دعواه في القرآن الكريم والسنة الشريفة، ولم يجد البعض إلى تحريف القرآن أو تأويله سبيلا لكثرة حفاظه، فتناولوا السنة بالتحريف وزادوا عليها ووضعوا على رسول الله ما لم يقل، ونشطت حركة الوضع مع الزمن، وكانت الأحاديث الموضوعة تزداد بازدياد البدع والفتن.
أسباب الوضع:
ذكرنا فيما سبق أن أسباب الوضع الرئيسية هي انقسام الأمة إلى أحزاب سياسية، اتخذت شكلا دينيا وحاول كل حزب بوضع أحاديث على لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم ازدادت الأسباب التي كان لها أثر بعيد في الوضع الحديث ونجمل هذه الأسباب فيما يلي:
أولا: الأحزاب السياسية:
أ- أثر الشيعة وخصومهم في وضع الحديث:
لقد كان العراق وخاصة الكوفة ميدانا لوضع الحديث وتناقل الموضوعات، فقد حملت الكوفة العبء الأكبر في الحرب مع أهل الشام عندما اتخذها الإمام عليّ عاصمة، وقد ظلت بعده مركز المعارضة للحكم الأموي فكان وضعها ملائما لظهور عناصر طموحة سعت إلى استغلال الظروف للوثوب إلى السلطة، وفي هذا المجتمع المشحون بالأحقاد السياسية نمت الأحاديث الموضوعة لدعم وجهة نظر المعارضة ولانتقاص الأمويين والنيل منهم.
فهذا المختار الثقفي يقول لرجل من الأنصار ضع لي حديثا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أني كائن بعده خليفة وطالب له ثأر ولده، وهذه عشرة آلاف درهم وخلعة ومركوب وخادم، وقد رفض الأنصاري أن يضع حديثا عن النبي، وأراد أن يضعه عن أحد الصحابة بأجر أقل([11]).
وقد كثر الوضع منهم حتى أساءوا إلى سمعة العراق كمركز مهم من مراكز العلم والرواية في العالم الإسلامي آنذاك، فتدهورت سمعة العراقيين العلمية في الأمصار المختلفة.
وقد اشتهرت العراق بالوضع حتى سميت (دار الضرب) تضرب فيها الأحاديث كما تضرب الدراهم، وقد حذر مالك كما حذر علماء بلدان أخرى من الأحاديث التي مصدرها العراق، وكان مالك يقول: (نزلوا أحاديث أهل العراق منـزلة أحاديث أهل الكتاب: لا تصدقوهم ولا تكذبوهم، وقال له عبد الرحمن بن مهدي: يا أبا عبد الله سمعنا في بلدكم (المدينة) أربعمائة حديث في أربعين يوما، ونحن (أي في العراق) في يوم واحد نسمع هذا كله، فقال له: يا عبد الرحمن من أين لنا دار الضرب التي عندكم؟ دار الضرب تضربون بالليل وتنفقون بالنهار) ([12]).
لقد اختلط الصحيح بالموضوع، لكن أساتذة العلم يحسنون تنقية الحديث فيأخذون الصحيح من بين الموضوعات بحنكة وحذق، وكان للدور الذي لعبه العراق أثر كبير في رواج الموضوعات بنطاق واسع ففيه حدث أعمق تصدع في بناء المجتمع الإسلامي، وعلى أرضه كانت أحداث الفتن الدامية والثورات اللاهبة التي اتصلت طيلة الحكم الأموي، فكانت بواعث الوضع قوية لخدمة الواقع السياسي، ولكن هل فقدت الثقة بعلم العراق نهائيا؟ هل استغنى العلماء عن العراق وهو مركز مهم من مراكز العلم في الدولة الإسلامية؟ وهل يكفي حدوث الوضع في العراق إلى ضرب العزلة العلمية عليه وعدم الأخذ عنه؟
لقد نزل في الكوفة كثيرا من الصحابة إذ هبط فيها ثلاثمائة من أصحاب الشجرة وسبعون من أهل بدر([13]) وكان منهم عبد الله بن مسعود أحد كبار الفقهاء من الصحابة ومحدثيهم، وكان الحسن البصري إذا سئل عن أهل البصرة وأهل الكوفة يبدأ بأهل الكوفة([14]).
ويمكن تقويم دور العراق في حمل الرواية ونصيبه من ذلك من قول علي بن المديني: (دار حديث الثقات على ستة: -رجلان بالبصرة ورجلان بالكوفة ورجلان بالحجاز، فأما اللذان بالبصرة فقتادة ويحيى بن أبي كثير، وأما اللذان بالكوفة فأبو إسحاق والأعمش، وأما اللذان بالحجاز فالزهري وعمرو بن دينار. ثم صار حديث هؤلاء إلى اثني عشر منهم في البصرة سعيد بن أبي عروبة وشعبة بن الحجاج ومعمر بن راشد وحماد بن سلمة وجرير بن حازم وهشام الدستوائي، وصار بالكوفة إلى الثوري وابن عيينة وإسرائيل، وصار بالحجاز إلى ابن جريج ومحمد بن إسحاق ومالك، فصار حديث هؤلاء كلهم إلى يحيى بن معين([15]).
لقد لعب هؤلاء العلماء الكبار دورا مهما في تمييز الحديث وبيان الصحيح من الموضوع، وبذلك حفظوا للعراق مكانته العلمية.
وهكذا عندما تم تدوين الصحاح فإنها حوت مرويات العراقيين وبينهم عدد من الشيعة ممن نقل البخاري عنهم في الصحيح.
إن ظهور مرويات العراقيين في كتب الصحاح يدل على نجاح علماء العراق في تنقية السنة وتمييز الصحيح من الموضوع ومعرفة الرجال الثقات من المتهمين.
ب- دور الخوارج في وضع الحديث:
لم يلعب الخوارج دورا في حركة الوضع لاعتقادهم أن مرتكب الكبيرة كافر ولهذا السبب لا يوجد في كتب الموضوعات أدلة على وضع الخوارج للحديث([16]).
ثانيا: أعداء الإسلام الزنادقة:
من هم الزنادقة:
الزنادقة هم الذين يبطنون الكفر ويظهرون الإسلام، أو الذين لا يتدينون بدين، يفعلون ذلك استخفافا بالدين يتقون به الناس([17]).
لقد لعب الزنادقة منذ فترة مبكرة دورا في وضع الحديث محاولين انتقاص السنة وتشويه معالمها والوضع من مكانتها عند أرباب العقول، فقد اندس الزنادقة بين صفوف المسلمين عندما أكرهوا على الدخول في دين الله، فأظهر جماعة منهم الإسلام، ولم تنشرح صدورهم له، وقد كان بعض هؤلاء الزنادقة ذوي مكانة في مجتمعاتهم قبل الفتح الإسلامي لبلدانهم، وبسقوط إمبراطورياتهم ومملكاتهم أضحوا نسيا منسيا فدفع بهم الحقد الدفين في نفوسهم إلى الكيد للإسلام والمسلمين، ولما كان باب القرآن قد أوصد أمامهم، منذ جمع الناس على مصحف واحد، لجأوا إلى باب السنة منه يدخلون وعلى السذج من المسلمين، وأدرجوا في الشريعة السمحاء من معتقداتهم الباطلة يعززونها بوضع الحديث على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
طرقهم في كيفية بث سمومهم:
وقد تعددت الطرق فمنهم من اتخذ التشيع له ستارا ينشر منه مفترياته، ومنهم من كان يدس الأباطيل والأكاذيب السخيفة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاصدين بذلك تشويه صورة الإسلام الناصعة في عقائده وعباداته ومقاصده، فقد وضعوا أحاديث تتعلق بذات الله وصفاته تتناقض مع عقيدة الإسلام الصحيحة، أما الأحاديث التي كانوا يضعونها فهي متنوعة الأغراض فمنها في العقائد والفقه والأخلاق.
وكان بعض الزنادقة يعترف بوضعه الحديث بإصرار وتحد، قال المهدي الخليفة العباسي: (أقر عندي رجل من الزنادقة أنه وضع أربعمائة حديث فهي تجول في أيدي الناس)([18]).
ثالثا: التفرقة العنصرية والتعصب للقبيلة والبلد والإمام:
لعبت العصبية دورا في ظهور الأحاديث الموضوعة حيث وضعت أحاديث في فضائل بعض القبائل العربية، وأحاديث في تفضيل البلدان والأئمة.
رابعا: القصاصون:
القاص: هو من يأتي بالقصة، وسمي بذلك لاتباعه خبرا بعد خبر وسوقه الكلام سوقا([19]).
دورهم في وضع الحديث:
لقد سماهم القصاصون في وضع الحديث، وكانت فكرة القص على الناس في المساجد قد ظهرت منذ فترة مبكرة، ويبدو أن القصص بمعناه الغالب بدأ في عهد عمر رضي الله عنه، فقد أخرج الطبراني بسند جيد عن عمرو بن دينار أن تميما الداري استأذن عمر رضي الله عنه في القصص فأبى أن يأذن له ثم استأذنه فقال: إن شئت وأشار بيده يعني الذبح([20]).
ودوافع الكذب والمبالغة عند القصاص قوية؛ ليوفر مادة مشوقة ومثيرة عند وعظ السامعين الذين التفوا حولهم وتصدقهم وتدافع عنهم، وكان هؤلاء من جهلة العامة من الناس؛ لأن أرباب العقول قد أمتعتهم الدراسات الجدية في علوم القرآن والحديث واللغة، وهي دراسات توفرت أسبابها بوجود عدد من الشيوخ الأكفاء الذين كانوا يعقدون الحلقات العلمية في المساجد.
وكان رجال الحديث ينهون طلابهم وإخوانهم عن مجالسة القصاص، وتعرض العلماء إلى القصاصين ففضحوهم أمام الجمهور بإظهار كذبهم كما فعل الأعمش: (إذ دخل مسجد بالبصرة فنظر إلى قاص يقول حدثنا الأعمش عن أبي إسحاق عن أبي وائل، فتوسط الأعمش الحلقة وجعل ينتف شعر إبطه فقال القاص: ألا تستحي نحن في علم وأنت تفعل مثل هذا فقال الأعمش: الذي أنا فيه خير من الذي أنت فيه. قال وكيف؟ قال: لأني في سنة وأنت في كذب، أنا الأعمش وما حدثتك مما تقول شيئا)([21]).
ومع فضح العلماء للقصاصين الكذابين وبيان جهلهم فقد كان أثرهم على العامة كبيرا حتى أنها تنصرهم أحيانا على من يفضحهم، وفي ذلك حوادث طريفة منها: أن الشعبي أنكر على أحد القصاص في بلاد الشام فقامت عليه العامة تضربه، ولم يدعه أتباع القاص حتى قال الشعبي برأي شيخهم نجاة بنفسه([22]).
خامسا: الرغبة في الخير مع الجهل في الدين (وضع جهلة الصالحين للحديث):
شارك بعض الصالحين والزهاد في وضع الحديث؛ لترغيب الناس في عمل الخير، وترهيب الناس وزجرهم عن الشر، وهذا طبعا من جهلهم؛ لأنه يوجد من الأحاديث الصحيحة التي وردت في الترغيب والترهيب وفي عمل الخير ما يغني عن الوضع، وهي تعطي مادة وافرة لمن أراد الوعظ والترغيب والترهيب.
ومن الغريب والمؤسف أن صلاحهم خدع العامة، فكانوا يصدقونهم ويثقون بهم، فكان خطرهم شديدا على الدين بل هم أعظم ضررا من غيرهم، لما عرفوا به من الصلاح والورع والزهد الذي لا يتصور معه العامي إقدام مثل هؤلاء الصالحين على الكذب، في رواية عن يحيى بن سعيد القطان: (ما رأيت الكذب في أحد أكثر منه فيمن ينسب إلى الخير والزهد) ([23]).
وضعهم لأحاديث في فضائل السور:
وقد وضعت أحاديث كثيرة في فضائل سور القرآن الكريم ترغيبا للناس في قراءتها، وقد اعترف أبو عصمة نوح بن أبي مريم المروزي بوضع الحديث في فضائل القرآن وسوره؛ وذلك لإعراض الناس عن القرآن واشتغالهم بفقه أبي حنفية ومغازي ابن إسحاق([24]).
وقد أدرك العلماء خطر قيام الصالحين بوضع الأحاديث فهي تلقى رواجا لحسن ظن الناس بهم وعدم تفطنهم إلى احتمال كذبهم، فنبه العلماء على ذلك محذرين فقال أبو عاصم: (ما رأيت الصالح يكذب في شيء أكثر من الحديث)([25]).
سادسا: الخلافات المذهبية الكلامية:
ومن جملة العوامل التي تضافرت في تنمية الأحاديث الموضوعة كان من بينها ظهور الفرق الكلامية المتعددة كالقدرية والمرجئة والجهمية ثم حركة المعتزلة، ولئن أعطت المناظرات العميقة بين هذه الفرق متعة ذهنية لأرباب العقول المتعطشة، فإنها فتحت بابا من أبواب الفتن وساهمت في تمزيق كيان المجتمع الإسلامي.
وكان لابد لأهل الكلام وأتباع الفرق من تأييد عقائدهم وآرائهم بنصوص الشرع، ولما لم يجدوا ما يغنيهم في الأحاديث الصحيحة لجأ قليلوا الورع منهم إلى الوضع في الحديث تأييدا لمذاهبهم.
وكانت فتنة القول بخلق القرآن مدعاة لوضع أحاديث ضد هذه الفكرة من ذلك حديث يقطع بكفر من يقول بخلق القرآن: (كل ما في السموات والأرض وما بينهما فهو مخلوق غير الله والقرآن، وذلك أنه كلامه منه بدأ وإليه يعود، وسيجيء أقوام من أمتي يقولون القرآن مخلوق، فمن قاله منهم فقد كفر بالله العظيم، وطلقت امرأته من ساعته؛ لأنه لا ينبغي لمؤمنة أن تكون تحت كافر إلا أن تكون سبقته بالقول)([26]).
سابعا: التقرب من الحكام وأسباب أخرى:
وكان من عوامل الوضع أيضا الأغراض الخاصة لبعض قليلي الورع من الناس كانوا يضعون أحاديث تقربهم من الحكام، ومن الطبيعي أن يتقرب بعض المرائين إلى الطبقة الحاكمة بوضع ما يرضيهم من الحديث. وقد حدث هذا فعلا في عهد العباسيين فقد أسند الحاكم: (عن هارون بن أبي عبيد الله عن أبيه قال: قال المهدي ألا ترى ما يقول لي مقاتل؟ قال: إن شئت وضعت لك أحاديث في العباس، قلت لا حاجة لي فيها)([27]).
وكان البعض يتكسب بالحديث وروايته مثل أبي داود الأعمى الذي كان سائلا يتكفف الناس ويحدث عن البراء وزيد بن أرقم ولم يسمع منهما([28]) ولذلك حذر شعبة من الرواية عن الفقراء بقوله: (لا تأخذوا الحديث عن هؤلاء الفقراء فإنهم يكذبون لكم)، وكان شعبة آنذاك أفقر الناس([29]) وتوجد أحاديث في فضل الأرز والعدس والباذنجان لابد وهي موضوعة من قبل باعة هذه الأطعمة يتكسبون بها([30])، ومنهم من يضع الحديث لإظهار العلم والبراعة في إجابة من يسأله([31]).
وقد أدرك العلماء فتنة الحديث لضعاف الإيمان فقال الثوري: (فتنة الحديث أشد من فتنة الذهب والفضة)([32]).
أشهر الوضاعين:
قال الإمام ابن الجوزي: والكذابون خلق كثير فمن كبارهم: وهب بن وهب القاضي، ومحمد بن السائب الكلبي، ومحمد بن سعيد الشامي المصلوب، وأبو داود النخعي، وإسحاق بن نجيح الملطي، وغياث بن إبراهيم النخعي، والمغيرة بن سعيد الكوفي، وأحمد بن عبد الله الجويباري، ومأمون بن أحمد الهروي، ومحمد بن عكاشة الكرماني، ومحمد بن تميم الفاريابي، ومحمد بن زياد اليشكري([33]).
وقال النسائي: الكذابون المعروفون بوضع الحديث أربعة: ابن أبي يحيى بالمدينة، والواقدي ببغداد، ومقاتل بن سليمان بخرسان، ومحمد بن سعيد، ويعرف بالمصلوب بالشام.
جهود العلماء في مقاومة الوضع:
كاد الوضاعون يسيؤون إلى الدين إساءة خطيرة، ويشوهون بكذبهم وجه الإسلام، ولولا عناية الله عز وجل الذي حفظ الإسلام من التشويه والتحريف والتبديل، وصان كلام نبيه - صلى الله عليه وسلم - عن أن يكون مطية لأهل الأهواء، فقيض للأمة رجالا أمناء مخلصين قاموا للوضاعين وتتبعوهم، ومازوا الباطل من الصحيح فلولا الجهود التي بذلها الصحابة والتابعون وعلماء الأمة من بعدهم؛ لاشتبه على كثير من الناس بعض أمور دينهم، لكثرة ما اختلقه الكذبة والوضاعون، ونسبوه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زورا وبهتانا.
ولا يسعنا إلا أن نقف إجلالا وإكبارا لجهود علماء الأمة التي بذلوها منذ عصر الصحابة إلى أن تم تدوين السنة الشريفة وتطهيرها مما أدخلته فيها يد الوضع، وإننا لنـزداد إعجابا بتلك القواعد العلمية الدقيقة التي طبقها العلماء، وبذلك المنهج الخاص الذي اتبعوه في سبيل الحفاظ على حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
قيمة جهودهم:
ولندرك قيمة بحثهم ودراستهم وصبرهم وتتبعهم إزاء تلك الكثرة من الأحاديث الموضوعة التي يصعب على المرء استقصاؤها وحصرها –ويكفينا أن نعرف إنه قد وضع أعداء الإسلام بشهادة حماد بن زيد أربعة عشر ألف حديث، وأن عبد الكريم بن أبي العوجاء اعترف بوضع أربعة آلاف حديث، وأقر محرز أبو رجاء القدري النائب بأنهم وضعوا أحاديث في القدر أدخلت أربعة آلاف إنسان فيه، وغير هؤلاء كثيرون. فكانت مهمة العلماء شاقة لما يحف بها من الحذر، وبفضل الله ورحمته ذللت تلك الصعوبات على أيدي جهابذة الأمة الذين شهد بعلمهم وفضلهم وحسن منهجهم ودقة قواعدهم علماء المشرق والمغرب، وحفظت السنة من عبث العابثين وتأويل المغرضين.
وسنعدد هنا ما قام به الصحابة والتابعين وأتباعهم في مقاومة الوضع وحفظ الحديث في نقاط:
1- التزام الإسناد.
2- مضاعفة النشاط العلمي والتثبّت في الحديث.
3- تتبع الكذبة.
4- بيان أحوال الرواة.
5- وضع قواعد لمعرفة الموضوع من الحديث.
أهم ما ألف في الحديث:
وقام العلماء بتأليف الكتب العظيمة التي حافظت على الحديث، وتعتبر هذه المؤلفات حصنا منيعا حول الحديث، تتحطم على جنباته سهام أعداء السنة، وستبقى أعظم دليل على اهتمام المسلمين بسنة نبيهم - صلى الله عليه وسلم - ومساهمتهم في بناء تراث الإنسانية العلمي.
فمنهم من ألف في الصحابة وبين مروياتهم وأحوالهم وأوطانهم وتاريخ وفاة كل منهم، ومنهم من ألف في تصانيف في تاريخ الرجال وأحوالهم، وكتب الطبقات التي جعل مصنفوها الرجال على طبقات، وذكروا أحوالهم طبقة بعد طبقة إلى عصر المؤلف، وكتب في معرفة الأسماء والكنى والألقاب والأنساب، وكتب في الجرح والتعديل، والمؤلفات في الموضوعات، كما ألفت كتب كثيرة في علل الحديث وغريبه ومُختلفه.
وقد كانت تلك المؤلفات نتيجة لجهود العلماء على مر السنين وستبقى إلى ما شاء الله؛ لأنها الحصن الحصين المنيع لحماية السنة الطاهرة.
علامات الحديث الموضوع:
سئل العلامة الحافظ شيخ الإسلام محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية: هل يمكن معرفة الحديث الموضوع بضابط من غير أن ينظر في سنده؟ فأجاب إنه سؤال عظيم وحاصل الجواب أن هذا إنما يتيسر لمن تضلع من السنة حتى امتزج الصحيح بلحمه وعرف أحواله - صلى الله عليه وسلم - -وهذا الجواب صحيح بالنظر للموضوع المنكر المخالف للشريعة المطهرة، وأما الموضوع من حيث هو، فمنه ما يخالف الشريعة، ومنه الذي معناه صحيح- ثم قال: وللحديث الموضوع علامات، منها:
1- اشتماله على المجازفات التي لا يقول مثلها الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهي كثيرة.
2- ومنها تكذيب الحس له، كحديث الباذنجان والعدس.
3- ومنها سماجة الكلام وكونه مما يسخر منه، كأحاديث الأرز وأحاديث الرمان والبطيخ.
4- ومنها مناقضة الحديث لما جاءت به السنة الصريحة مناقضة بيّنة، فكل حديث يشتمل على فساد أو ظلم أو عبث أو مدح أو ذم حق، أو نحو ذلك: فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - منه بريء.
5- ومنها أن يدّعي على النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه فعل أمرا ظاهرا بمحضر من الصحابة كلهم وأنهم اتفقوا على كتمانه.
6- ومنها أن يكون الحديث باطلا في نفسه، فيدل بطلانه على أنه ليس من كلامه - صلى الله عليه وسلم -، كحديث المجرة([34]).
7- ومنها أن يكون كلامه لا يشبه كلام الأنبياء، فضلا عن كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي هو وحي يوحى.
8- ومنها أن يكون في الحديث تاريخ كذا وكذا، مثل قوله: إذا كانت سنة كذا وكذا وقع كيت وكيت، وإذا كان شهر كذا وكذا وقع كيت وكيت، وأحاديث هذا الباب كلها كذب مفترى.
9- ومنها أن يكون الحديث بوصف الأطباء والطرقية أشبه، كحديث (أكل السمك يذيب الجسد).
10- ومنها أن يكون الحديث مما تقوم الشواهد الصحيحة على بطلانه، كحديث: عوج بن عنق الطويل الذي قصد واضعه الطعن في أخبار الأنبياء.
11- ومنها مخالفة الحديث لصريح القرآن، كحديث مقدار الدنيا.
12- ومنها ركاكة ألفاظ الحديث وسماجتها بحيث يمجها السمع ويدفعها الطبع، كحديث الحاكة والأساكفة وأحاديث ذم الحبشة والسودان، وأحاديث ذم الخصيان.
13- ومنها أن يناقض الحديث ما جاءت به السنة الصريحة كحديث (من سمي محمدا وأحمد لم يدخل النار).
14- ومنها ما يقترن بالحديث من الزيف التي تعلم أنه باطل، مثل وضع الجزية عن أهل خيبر، ومن ذلك حضر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سماعا ورقص حتى شق قميصه. فلعن الله واضعه ما أجرأه على الكذب([35])([36]).
15- ومنها ركة لفظه ومعناه، قال الحافظ ابن حجر: والمدار على ركة المعنى، فحيث وجدت دلت على الوضع، سواء انضم إليها ركة اللفظ أم لا، فإن هذا الدين كله محاسن، والركة ترجع إلى الرداءة، فبينها وبين مقاصد الدين مباينة، وركة اللفظ وحدها لا تدل على ذلك لاحتمال أن يكون الراوي رواه بالمعنى، فعبر بألفاظ غير فصيحة من غير أن يخل بالمعنى، نعم إن صرح الراوي بأن هذا لفظ النبي دلت ركة اللفظ حينئذ على الوضع([37]).
قال شيخ شيوخنا البرهان البقاعي، ومما يرجع إلى ركة المعنى الإفراط بالوعيد الشديد على الأمر الصغير، أو بالوعد العظيم على الفعل اليسير، وهذا كثير في حديث القصاص. قال ابن الجوزي: وإني لأستحي من وضع أقوام وضعوا: (من صلى كذا فله سبعون دارا في كل دار سبعون ألف بيت في كل بيت سبعون ألف سرير على كل سرير سبعون ألف جارية)، وإن كانت القدرة لا تعجز، ولكن هذا تخليط قبيح، وكذلك يقولون: (من صام يوما كان كأجر ألف حاج، وألف معتمر، وكان له ثواب أيوب) وهذا يفسد مقادير موازين الأعمال([38]).
16- ومنها ما ذكره الإمام فخر الدين الرازي: أن يروي الخبر في زمن قد استقرئت فيه الأخبار ودونت؛ فيفتش عنه فلا يوجد في صدور الرجال ولا في بطون الكتب، فأما في عصر الصحابة وما يقرب منه، حين لم تكن الأخبار استقرئت، فإنه يجوز أن يروي أحدهم ما ليس عند غيره. قال الحافظ العلائي: وهذا إنما يقوم به – أي بالتفتيش عنه- الحافظ الكبير الذي قد أحاط حفظه بجميع الحديث أو معظمه، كالإمام أحمد وعلي ابن المديني ويحيى بن معين، ومن بعدهم كالبخاري وأبي حاتم وأبي زرعة، ومن دونهم كالنسائي؛ لأن المآخذ التي يحكم بها غالبا على الحديث بأنه موضوع إنما هي جمع الطرق والاطلاع على غالب المروي في البلدان المتنائية، بحيث يعرف بذلك ما هو من حديث الرواة مما هو ليس من حديثهم([39]).
كيف التخلص من الأحاديث الموضوعة؟
إن من المصائب العظمى التي نزلت بالمسلمين منذ العصور الأولى انتشار الأحاديث الموضوعة بينهم وقد أدى انتشارها إلى مفاسد كثيرة، منها ما هو من الأمور الاعتقادية الغيبية، ومنها ما هو من الأمور التشريعية وهي خطر على الأمة في ثقافتها ووعيها وسلوكها، مع ضعف العلم وقلة العلماء البصراء المبصرين، فإنه من الحق على أهل العلم وذوي الأمر أن ينشروا في أيدي الناس الكتب التي تعرضت لتمييز الموضوع من الصحيح، فإن ذلك يزيد في توعيتهم وتبصيرهم بما يقولون ويستشهدون، وينقي ثقافتهم الدينية من الشوائب التي أُلصقت بها، فيعدلون عن الأحاديث الموضوعة إلى الأحاديث الصحيحة، وفي ذلك الخير كله.
وأن النظر المتكرر في كتب الموضوعات، ليعين طالب العلم –فضلا عن غيره- على تجنبه من التورط في الاستشهاد أو الاستدلال بكثير من الأحاديث الباطلة المكذوبة التي سمعها أو قرأها دون تمحيص لها وبحث عنها، فتعلق في ذهنه وتنطبع في جنانه وعلى لسانه فيرويها كما سمعها أو قرأها؛ فيكون من ذلك الشر الكبير.
بل إن طالب العلم الواعي المتتبع، لفي حاجة دائمة إلى تكرار النظر في كتب الموضوعات؛ ليعرف ما لم يكن يعرفه بالوضع وليتذكر ما كان قد عرفه، وليصحح ما أخطأ فيه فظنه حديثا ثابتا أو صحيحا، وهو حديث ضعيف أو موضوع.
فتكرار النظر في كتب الموضوعات – إلى جانب دراسة وقراءة الأحاديث الصحيحة - خير معلم ومنقذ له من الاستمرار على قبولها، وخير معين له على تبصير الناس بمعرفتها وتركها والاستعانة عنها بالأحاديث الصحيحة، وهي وافية كل الوفاء بما يحتاج إليه المسلم في أمر دنياه ودينه.
أشهر ما صنف في الموضوعات:
1- "تذكرة الموضوعات" لأبي الفضل محمد بن طاهر المقدسي.
2- "الموضوعات الكبرى" لأبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي.
3- "الباعث على الإخلاص من حوادث القصاص" للحافظ زين الدين عبد الرحيم العراقي.
4- "اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة" للحافظ جلال الدين السيوطي.
5- "تنـزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة" لأبي الحسن علي بن محمد (ابن عراق الكناني).
6- "المصنوع في معرفة الحديث الموضوع" وهو "الموضوعات الصغرى" للعلامة الفقيه المحدث على القاري الهروي المكي.
7- "الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة" للقاضي أبي عبد الله محمد بن علي الشوكاني.
8- "المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة" للحافظ المؤرخ محمد بن عبد الرحمن السخاوي.
9- "كشف الخفاء ومزيل الالتباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس" للمحدث الشيخ إسماعيل بن محمد العجلوني الجراحي.
وبهذا فقد صان الله عز وجل السنة من العبث، وهيأ لها من يحفظها، ويبين الأصيل من الدخيل والصحيح من الضعيف، ولا عجب فالسنة بيان لكتاب الله عز وجل الذي قال فيه عز من قال: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ والحمد لله رب العالمين.
([1]) النساء: 59.
([2]) المختصر الوجيز في علوم الحديث ص(19).
([3]) الأعراف، 158.
([4]) النساء، 65.
([5]) أخرجه الإمام مالك (الموطأ 2/899).
([6]) الأنعام، 50.
([7]) بحوث في تاريخ السنة المشرفة ص21.
([8]) المصدر السابق.
([9]) رواه البخاري.
([10]) تاريخ الإسلام للدكتور حسن إبراهيم (1/268.
([11]) الأحاديث الموضوعة لابن الجوزي.
([12]) المنتقى من منهاج السنة ص88.
([13]) الطبقات لابن سعد 6/9.
([14]) الكامل لابن عدي (1/45).
([15]) الكامل لابن عدي (1/52)، المجروحين من المحدثين لابن حبان 1/17.
([16]) السنة ومكانتها من التشريع الإسلامي للسباعي ص97.
([17]) فتح المغيث 1/239.
([18]) الكامل لابن عدي 1/10.
([19]) تهذيب اللغة 8/256.
([20]) تحذير الخواص /188.
([21]) تحذير الخواص للسيوطي /49.
([22]) تمييز المرفوع عن الموضوع /16.
([23]) اللآلئ المصنوعة 2/248.
([24]) الأحاديث الموضوعة لابن الجوزي 1/5.
([25]) الكامل لابن عدي 1/46.
([26]) تنـزيه الشريعة المرفوعة 1/134.
([27]) تدريب الراوي ص187، وأبو عبيد هو وزير المهدي.
([28]) مسلم: مقدمة الصحيح 1/21.
([29]) الكامل لابن عدي 1/50.
([30]) تدريب الراوي للسيوطي ص190.
([31]) الأحاديث الموضوعة لابن الجوزي 1/5.
([32]) الكامل 1/46.
([33]) تنـزيه الشريعة المرفوعة 1/11.
([34]) وهو (المجرة التي في السماء من عرق الأفعى التي تحت العرش).
([35]) كحديث: ثلاثة تزيد في البصر: النظر إلى الخضرة، والماء الجاري، والوجه الحسن.
([36]) الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة (424-498).
([37]) تنـزيه الشريعة المرفوعة (1/7).
([38]) المصدر السابق.
([39]) المصدر السابق.