رسالة أخوية إلى أصحاب المحلات التجارية
التصنيفات
- فقه >> المعاملات >> أحكام البيوع
- فقه >> المعاملات >> المعاملات المالية
الوصف المفصل
- رسالة
أخوية إلى أصحاب المحلات التجارية
- مقدمة
- المال..في الإسلام([1])
- الزكاة([2])
- متى تكون التجارة عبادة؟ وما هي آدابها؟
- الأعمال والمكاسب المحرمة
- في النهي عن البيع المفضي إلى محرم
- فصل: في النهي عن التصرف في المبيع بالبيع قبل قبضه ونقله من مكانه
- الربا والصرف([14])
- حكم الضمان البنكي والتأمين التجاري
- من أحكام المداينة
- من أحكام المداينة وغيرها
- من أحكام بيع وشراء الذهب
- حكم بيع وشراء الأسهم
- فضل إنظار المعسر وإبرائه ومسامحته
- حسن النية في قضاء الدين من أسباب الإعانة على الوفاء
- التحذير من القمار وشرب المسكر وبيوع الغرر
- حكم من يشتري البضاعة ويبيعها وهي في مكانها
- حكم استقدام العمال وتشغيلهم بجزء من أجورهم
- حكم التجارة في الدخان والجراك ونحوهما
- رسالة إلى أصحاب التموينات والبقالات
- رسالة إلى أغنياء المسلمين
- فوائد غض البصر
رسالة أخوية إلى أصحاب المحلات التجارية
جمعها الفقير إلى الله تعالى
عبد الله بن جار الله بن إبراهيم الجار الله
غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين ومن تبعهم بإحسان وسار على نهجهم إلى يوم الدين.
أما بعد.. فإن المال محبوب للنفوس وهو فتنة، وعلى الغني حقوق وواجبات لله ولعباده وفي الحديث الذي رواه أحمد وغيره «نعم المال الصالح للرجل الصالح» فهو يتقي فيه ربه ويصل فيه رحمه ويعلم لله فيه حقًّا فهو بأفضل المنازل. إلا أن بعض الأغنياء هداهم الله لشدة محبتهم للمال قد يبخلون به ويمنعون الحقوق الواجبة فيه من زكاة وغيرها، وقد يكتسبونه من غير حله وينفقونه في غير الوجوه المشروعة، وسوف يسأل الإنسان عن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه كما في الحديث الذي رواه الطبراني والبزار وغيرهما بإسناد صحيح. ولا ننسى الأيادي البيضاء لبعض الأغنياء الذين يساهمون في المشاريع الخيرية من بناء المساجد وطبع الكتب والتبرع للمجاهدين في سبيل الله والتبرع لجمعيات البر الخيرية أثابهم الله واخلف عليهم وبارك فيهم ولهم وعليهم وكثر من أمثالهم وسوف يجدون ما قدموه لأنفسهم مدخرًا لهم عند الله أحوج ما كانوا إليه، ما داموا يبذلون هذه الأموال بنية خالصة لله وعلى وفق سنة رسول الله e.
وبناء على وجوب التعاون على البر والتقوى والتواصي بالحق ومحبة الخير لكل مسلم وعلى ما لوحظ من بعض التجار من التهاون في أداء الزكاة أو صرفها في غير مصرفها الشرعي، وما لوحظ من الأخطاء الواقعة في البيع والشراء والمعاملات المحرمة والمعاملة بالربا فقد جمعت في هذه الرسالة ما أمكن جمعه مما يهم الإخوة التجار في أموالهم ودينهم ودنياهم وآخرتهم، وهي مستفادة من كلام الله تعالى وكلام رسوله e وكلام أهل العلم المحققين، أسأل الله تعالى أن ينفع بها من كتبها أو طبعها أو قرأها أو سمعها فعمل بها وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
المؤلف 12/8/1408هـ
المال..في الإسلام([1])
الحمد لله والصلاة والسلام على محمد وعلى آله وأصحابه ومن والاه. وبعد:
فيا أخي المسلم أتحدث إليك قليلاً في شأن المال في الإسلام.. إن هذا المال عصب الحياة الدنيوية وإذا استخدم في طاعة الله صار ذخرًا للحياة الأخروية.
إن الله سبحانه أضافه إلى المسلم الذي ملكه بالملك الشرعي تكريمًا له فقال: }وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ{ [الذاريات: 19]. فيملكه المسلم ملكًا شرعيًّا إذا جاءه من طريق حلال، والمالك الحقيقي هو الله عز وجل؛ ونهى عن التلاعب فيه وأكله بالباطل فقال: }وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ{ [البقرة: 188] وقال: }إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا{ [النساء: 10].
فيا أخي المسلم لا بد أنك سوف تسأل عن هذا المال يوم القيامة. قال النبي e «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع؛ عن شبابه فيم أبلاه وعن عمره فيم أفناه وعن ماله من أين جمعه وفيم أنفقه» [رواه البزار والطبراني بإسناد صحيح].
وسيطول انتظارك يوم القيامة للمحاسبة عن هذا المال إن كنت من الأغنياء كما قال النبي e: «يدخل فقراء أهل الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام» [رواه الترمذي].
فاحذر أن يدخل عليك المال من طريق حرام كالسرقة أو الاختلاس من بيت المال أو من غيره أو الربا في المعاملات فإنه من أكبر المحرمات أو الرشوة أو أكل مال اليتيم بغير حق أو يدخل عليك بطريق شبهة أو غير ذلك من أوجه أخذ المال بغير حق.
فعليك أيها المسلم ألا تأخذ المال إلا بحقه ولا تصرفه في غير مستحقه فكما أنك منهي عن السحت وهو أخذ المال بغير حق فكذلك أنت منهي عن البخل بالواجب كالزكاة والنفقات الواجبات وكذلك المستحبات فتمنعه بغير حق يقول الله تعالى: }وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ{ [آل عمران: 180] وقال تعالى في ذم أهل البخل أيضًا }الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ{ [الحديد: 24].
وجاء في الحديث عن النبي e أنه قال: «ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقًا خلفًا ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفًا» [رواه البخاري ومسلم].
ولكي لا يصل الأمر بالإنسان إلى التبذير في المباحات والسرف في الكماليات فقد قال الله تعالى: }وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ{ [الإسراء: 27]. وقال تعالى: }وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ{ [الأعراف: 31].
ومن السرف المحرم تضييع الأموال في ولائم الزواجات حتى تلقى في المزابل لعدم وجود من يأكلها مما يوجب غضب الله.. أنسي هؤلاء أن بعض الناس يتمنى اللقمة أو الكسرة يسد بها رمقه ويدفع بها جوعه فلا يجدها؟
والمسرفون يلعبون بنعمة الله ولا يلقون لها بالاً فنجد البعض من هذا الجنس يبخلون بالواجب ويمنعونه ويبذرون ويضيعون الأموال فيما لا طائل تحته.. نعم وليمة العرس سنة ولكن لا يتجاوز بها الحد فقد جاء في الحديث ملاحظة ذلك بقوله: «شر الطعام طعام الوليمة يدعى إليها الأغنياء ويترك الفقراء» [رواه البخاري ومسلم]. وفي لفظ «يمنعها من يأتيها ويُدعى إليها من يأباها».
أخي المسلم: إن هذا المال أعطاه الله عباده ليتقووا به على طاعته لا لينحرفوا في معصيته ولا فيما لا فائدة فيه فقد نهى الله ورسوله عن إضاعة المال فقال في الحديث: «وكان يكره قيل وقال وإضاعة المال» [رواه البخاري ومسلم]، وقد نهى الله عن تمكين السفهاء وهم قاصروا النظر الشرعي والعقلي في تصريف المال في وجهه الشرعي فقال سبحانه: }وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا{ [النساء: 5].
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره: ينهى سبحانه وتعالى عن تمكين السفهاء من التصرف في الأموال التي جعلها الله للناس قيامًا أي تقوم بها معايشهم من التجارات وغيرها، ويؤخذ منه الحجر على السفهاء وهم أقسام فتارة يكون الحجر عليه للصغر فإن الصغير عاجز عن العبارة وتارة يكون الحجر لعدم العقل أو الدين. [تفسير ابن كثير 1/452].
فالحاصل أنه لا بد من التمشي على مقتضى تعاليم الشريعة الإسلامية والطريقة المرضية والله الموفق والهادي سواء السبيل.
كتبه:
رئيس جماعة تحفيظ
القرآن الكريم بالرياض
الشيخ عبد الرحمن
ابن عبد الله آل فريان
الزكاة([2])
قال تعالى: }وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ{ [ٍالتوبة: 34-35]. وقال تعالى: }وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ{ [آل عمران: 180].
وقال e: «ومن آتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعًا أقرع له زبيبتان يطوقه ثم يأخذ بلهزمتيه (يعني شدقيه)ثم يقول: أنا كنزك أنا مالك» [متفق عليه].
وروى البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال إن رسول الله e قال: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإن فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله».
أخي المسلم: الزكاة فريضة من فرائض الإسلام وهي أحد أركانه دل على وجوبها الكتاب والسنة والإجماع فمن أنكر وجوبها فهو كافر مرتد.. ومن بخل بها فهو معرض لعقوبة عظيمة يوم تصفح له أمواله صفائح من نار ويحمى عليها في نار جهنم ويكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد.
والزكاة تجب في أموال مخصوصة منها الذهب والفضة وعُملتنا اليوم تعتبر ذهبًا أو فضة إذا بلغت نصابًا وهو (56 ريالاً سعوديًّا) والواجب فيها ربع العشر (أي في كل أربعين ريالاً «ريال واحد»).
وكذلك تجب الزكاة في عروض التجارة من العقارات والأراضي والبيوت المعدة للبيع وسائر السلع. واشترط في كل ما سبق أن يحول عليه الحول إلا ربح التجارة فحوله حول أصله وعلى هذا لو ملك إنسان ألف ريال وعلى رأس الحول صار ألفين فيزكي عن الألفين جميعًا.
أخي المسلم.. إننا نرشدك إلى الطريقة السليمة التي تتخلص بها من شر المال ومسئوليته في الآخرة وذلك بأن تحدد يومًا في كل سنة تحصي جميع أموالك النقود والعقارات المعدة للتجارة وسائر الأشياء التي ليست من حاجاتك الخاصة ثم تقدر قيمتها بما تساويه حقيقة دون نقص ثم تحسم ما عليك من ديون حالّة ثم تخرج ربع عشر الباقي.
أخي المسلم.. ربما تكثر الزكاة أمامك بسبب كثرة ممتلكاتك فأحذر أن يخدعك الشيطان فتبخل بما آتاك الله من فضله أو تنقص مما أوجبه الله عليك فيكون هذا المال وبالاً عليك ومصيبة يوم القيامة.
أخي المسلم.. وفقنا الله وإياك لأداء ما أوجب علينا.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عبد الله الجلالي
مهمات في الزكاة
أولاً: تعريفها:
هي حق واجب في مال بشروط([3]) لطائفة معينة وفي وقت معلوم. والزكاة هي أحد أركان الإسلام ومبانيه العظام وهي قرينة الصلاة في مواضع كثيرة من كتاب الله عز وجل وقد أجمع المسلمون على فرضيتها إجماعًا قطعيًّا فمن أنكر وجوبها مع علمه به فهو كافر خارج عن ملة الإسلام ومن بخل بها أو انتقص منها شيئًا فهو من الظالمين المتعرضين للعقوبة والنكال.
ومن أدلة ذلك قوله تعالى: }وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ{ [البقرة: 110]. وقال تعالى: }وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ{ [البينة: 5].
وفي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله e: «بني الإسلام على خمس» فذكر منها إيتاء الزكاة. وفي البخاري في قصة بعث معاذ إلى اليمن وفيه قال: «فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم».
وفي كفر تارك أدائها قال تعالى: }فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ{ [التوبة: 11]. حيث يفهم من الآية أن الذي لا يقيم الصلاة ولا يؤتي الزكاة ليس من إخواننا في الدين بل هو من الكافرين؛ ولذلك قاتل أبو بكر الصديق رضي الله عنه من فرق بين الصلاة والزكاة ووافقه الصحابة على ذلك فكان إجماعًا.
ثانيًا: حكمة تشريع الزكاة:
لتشريع الزكاة حكم كثيرة ومقاصد عظيمة ومصالح عامة تظهر من خلال التأمل لنصوص الكتاب والسنة التي تأمر بأداء فريضة الزكاة. مثل آية مصارف الزكاة في سورة التوبة وغيرها من الآيات والأحاديث التي تحث على الصدقة والإنفاق في وجوه الخير بشكل عام ومن هذه الحكم:
1- تزكية نفس المؤمن من أوضار الذنوب والآثام وآثارهما السيئة على القلوب وتطهير روحه من رذيلة البخل والشح وما يترتب عليهما من آثار سيئة. قال تعالى: }خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا{ [التوبة: 103].
2- كفاية الفقير المسلم وسد حاجته ومواساته وإكرامه عن ذل السؤال لغير الله.
3- التخفيف من هَمِّ المَدِينِ المسلم بسداد دينه وقضاء ما وجب عليه من ديون الغرماء.
4-جمع القلوب المشتتة على الإيمان والإسلام والانتقال بها من الشكوك والاضطرابات النفسية لعدم رسوخ الإيمان فيها إلى الإيمان الراسخ واليقين التام.
5- تجهيز المقاتلين في سبيل الله وإعداد العدد والعتاد الحربي لنشر الإسلام ودحر الكفر والفساد ورفع راية العدل بين الناس حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله.
6- مساعدة المسلم المسافر إذا انقطع في طريقه ولم يجد ما يكفيه مؤنة سفره فيعطى من الزكاة ما يسد حاجته حتى يعود إلى داره.
7- تطهير المال وتنميته والمحافظة عليه ووقايته من الآفات ببركة طاعة الله وتعظيم أمره والإحسان إلى خلقه.
هذه جملة من الحكم السامية والأهداف النبيلة التي شرعت لها صدقة الزكاة وغيرها كثير إذا لا يحيط بأسرار الشرع وحكمه إلا الله عز وجل.
ثالثًا: الأموال التي تجب فيها الزكاة:
تجب الزكاة في أربعة أشياء:
الأول: الخارج من الأرض من الحبوب والثمار لقوله تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ{ [البقرة: 267]. وقوله تعالى: }وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ{ [الأنعام: 141]. وأعظم حقوق المال الزكاة وقال النبي e: «وفيما سقت السماء والعيون أو كان عثريًّا العشر وفيما سقي بالنضح نصف العشر» [رواه البخاري وغيره].
الثاني: الأثمان كالذهب والفضة والأوراق النقدية لقوله تعالى: }وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ{ [التوبة: 34].
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي e قال: «ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد» والمراد بحقها الزكاة لأنه ورد في رواية أخرى «ما من صاحب كنز لا يؤدي زكاته».
الثالث: عروض التجارة: وهي كل ما أعد للتكسب والتجارة من عقار وحيوان وطعام وشراب وسيارات وغيرها من أصناف المال فيقومها صاحبها بما تساوي عند رأس الحول ويخرج ربع عشر قيمتها سواء كانت قيمتها بقدر ثمنها الذي اشتراها به أم أقل أم أكثر ويجب على أصحاب المحلات التجارية كأهل البقالات والسيارات وقطع الغيار أن يحصوا ما في محلاتهم من البضائع إحصاء دقيقًا شاملاً للصغير والكبير ويخرجوا زكاتها فإن شق عليهم ذلك احتاطوا وأخرجوا ما يكون به براءة ذممهم.
الرابع: بهيمة الأنعام: وهي الإبل والبقر والغنم من ضأن أو ماعز بشرط أن تكون سائمة وأعدت للدر والنسل وبلغت نصابًا والسائمة هي التي ترعى العشب كل السنة أو أكثرها فإن لم تكن سائمة فلا زكاة فيها إلا أن تكون للتجارة وإن أعدت للتكسب بالبيع والشراء فيها فهي عروض تجارة تزكى زكاة العروض سواء كانت سائمة أو معلفة إذا بلغت نصاب التجارة بنفسها أو بضمها إلى تجارته.
رابعًا: مقادير الأنصبة:
1- الحبوب والثمار:
النصاب: خمسة أوسق وتساوي 612 كيلو جرام بالبر الجيد ومقدار الواجب فيه: العشر فيما سقت السماء أو العيون ونصفه فيما سقي بكلفة.
2- النقد أو الأثمان:
(أ) الذهب: عشرون دينارًا وتساوي 85 جرامًا وتعادل أحد عشر جنيهًا سعوديًّا وثلاثة أسباع الجنيه وفيه ربع العشر.
(ب) الفضة: خمس أواق وتساوي 595 جرامًا تعادل 56 ريالاً عربيًّا سعوديًّا. ريال الفضة القديم (المعروف) وفيها ربع العشر.
(ج) الأوراق النقدية: ما يعادل قيمة أحد النصابين الذهب والفضة وفيها ربع العشر.
3- عروض التجارة:
تقدر قيمتها بنصاب الذهب أو الفضة ويخرج ربع عشرها.
4- بهيمة الأنعام:
(أ) الإبل: أقل النصاب فيها خمس وفيها شاة.
(ب) البقر: أقل النصاب ثلاثون، وفيها تبيع أو تبيعة (وهو ما تم له سنة).
(ج) الغنم: أقل النصاب أربعون، وفيها شاة، ومحل تفصيل ذلك كتب الحديث والفقه فلتراجع لمن يريد التوسع.
خامسًا: شروط وجوب الزكاة:
1- الإسلام فلا تجب على كافر أو مرتد.
2- الملك التام للمال المزكى بحيث يكون في يده وتحت تصرفه أو قادر على تحصيله.
3- بلوغ النصاب أي أن يبلغ المال النصاب الذي حدده الشارع وهو يختلف باختلاف الأموال كما سبق وهو تقريبًا في الأثمان وتحديدًا في غيرها.
4- مضي الحول: وهو مضي السنة من يوم ملك النصاب إلا في الخارج من الأرض فزكاته عند استوائه وإلا نتاج السائمة وربح التجارة فحولهما حول أصلهما من حين كمل نصابًا.
5- الحرية فلا تجب الزكاة على عبد لأنه لا يملك بل هو وما تحت يده ملك لسيده.
سادسًا: من فوائد أداء الزكاة:
1- امتثال أمر الله ورسوله وتقديم ما يحبه الله ورسوله على ما تحبه النفس من المال.
2- مضاعفة ثواب العمل }مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ{ [البقرة: 261].
3- الصدقة برهان على الإيمان وعلامة دالة عليه كما في الحديث «والصدقة برهان» رواه مسلم.
4- الطهارة من دنس الذنوب والأخلاق الرذيلة }خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا{ [التوبة: 103].
5- نماء المال وبركته وحفظه والسلامة من شره لما في الحديث «ما نقصت صدقة من مال بل تزيده بل تزيده» (رواه مسلم بلفظ ما نقصت صدقة من مال بدون ذكر الزيادة) وقوله تعالى: }وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ{ [سبأ: 39] وحديث «حصنوا أموالكم بالزكاة» (رواه أبو داود والطبراني في الكبير وغيرهما وأشار السيوطي في الجامع إلى ضعفه) وحديث: «ما تلف مال في بر ولا بحر إلا بسبب منع الزكاة» (رواه الطبراني في الأوسط وصححه السيوطي).
6- المتصدق في ظل صدقته يوم القيامة كما في حديث «إنما يستظل المؤمن يوم القيامة في ظل صدقته» (رواه أحمد والحاكم بلفظ: «كل امرئ في ظل صدقته حتى يقضي بين الناس وصححه السيوطي)، وجاء في السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله «رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه» (رواه البخاري ومسلم).
7- سبب لرحمة الله }وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ{ [الأعراف: 156].
سابعًا: ما جاء في وعيد مانع الزكاة:
1- قوله تعالى: }وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ{ [التوبة: 34، 35].
2- وروى أحمد ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي e قال: «ما من صاحب كنز لا يؤدي زكاته إلا أحمي عليه في نار جهنم فيجعل صفائح فيكوى بها جنبه وجبينه حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار».
3- وروى البخاري أن النبي e قال: «من آتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعًا أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة ثم يأخذ بلهزمتيه يعني شدقيه ثم يقول: أنا مالك أنا كنزك» ثم تلا: }وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ{ [آل عمران: 180].
4- وروى مسلم قوله e: «ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم ولا يؤدي زكاتها إلا جاءت يوم القيامة أعظم ما كانت وأسمنه تنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها كما نفدت عليه أخراها عادت عليه أولاها حتى يقضى بين الناس».
ثامنًا: تنبيهات:
الأول: يصح دفع الزكاة لأحد الأصناف الثمانية ولا يجب توزيعها عليهم كلهم حال وجودهم.
الثاني: يجوز إعطاء الغارم ما يسدد كل دينه أو بعضه.
الثالث: لا تعطى الزكاة لكافر أصلي أو مرتد ولا تارك الصلاة للقول بكفره وهو الراجح.
الرابع: لا يجوز إعطاء الزكاة لغني لقوله e: «لا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب» (رواه أحمد وأبو داود).
الخامس: لا يصح إعطاء الزكاة لمن تجب النفقة عليهم كالوالدين والولد والزوجة.
السادس: يجوز للمرأة أن تعطي زكاتها لزوجها إذا كان فقيرًا لقصة إعطاء امرأة عبد الله بن مسعود الصدقة لزوجها عبد الله وإقرار النبي e على ذلك (رواه البخاري).
السابع: لا تنقل الزكاة من بلد إلى آخر إلا من ضرورة تستدعي ذلك كمجاعة أو عدم وجود فقير في بلد المال أو إمداد المجاهدين أو ينقلها الإمام للمصلحة العامة.
الثامن: من استفاد مالاً في غير بلده ووجبت عليه الزكاة فيه أخرج الزكاة في بلد المال ولا ينقلها لبلده إلا لضرورة تستدعي ذلك كما سبق.
التاسع: يجوز إعطاء الفقير من الزكاة ما يكفيه لعدة أشهر أو لسنة كاملة.
العاشر: تجب الزكاة في الذهب والفضة وسواء كانت نقودًا أو سبائك أو حليًّا يلبس أو يعار أو غير ذلك لعموم الأدلة الدالة على وجوب الزكاة فيها بدون تفصيل، ومن أهل العلم من قال: إن الحلي الذي أعد للبس والإعارة لا زكاة فيه والأول أرجح أدلة والأخذ به أحوط.
الحادي عشر: لا زكاة فيما أعده الإنسان لحاجته من طعام وشراب وفرش ومسكن وحيوانات وسيارة ولباس ودليل ذلك كله قوله e: «ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة» متفق عليه، ويستثنى من ذلك حلي الذهب والفضة على ما سبق.
الثاني عشر: ما أعد للأجرة من عقارات وسيارات ونحوها فزكاتها في أجرتها إذا كانت نقودًا وحال عليها الحول وبلغت قيمتها نصابًا بنفسها أو بضمها إلى ما عنده من جنسها.
والله أعلم وصلى الله على محمد.
متى تكون التجارة عبادة؟ وما هي آدابها؟
1- أخي المسلم إن كنت تاجرًا فإن بإمكانك أن تحول تجارتك إلى عبادة إذا قصدت جلب حوائج المسلمين وقضاء أغراضهم ثم صدقت في تجارتك سعرًا ووصفًا وعرضًا ولم تغش في تقديمها ولا بيعها ولم تكن من التجار الكاذبين الذين يبيعون باليمين ويشترون سلعهم ولكنهم يمحقون بركة أموالهم ويتعرضون لغضب خالقهم.
2- وروى الإمام مسلم قوله e: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم» ذكر منهم «المنفق سلعته بالحلف الكاذب».
فالتاجر الذي يحلف بالله أنه يبيع عليك السلعة برأس مالها كاذب لأنه ليس هناك تاجر يبيع برأس المال وإلا فما قيمة التجارة حينئذ.
3- إن التجارة تعني البحث عن الربح لا الإبقاء على رأس المال، وإذا كان التاجر ممن ينفق سلعته بالحلف الكاذب فلا يمكن أن يبارك له في ماله بما يمحق الله بركته ليس في المال وحده، وإنما في الأولاد والصحة والعمر والأهل وعندما يلقى الله عز وجل فسيلقاه وهو غاضب عليه لأنه اقتطع مال امرئ مسلم بيمين كاذبة جاء في الحديث: «من اقتطع مال امرئ مسلم بيمينه لقي الله وهو عليه غضبان» (رواه الترمذي، وروى أحمد ومسلم «من اقتطع أرضا ظالمًا لقي الله وهو عليه غضبان» لأنه حلف بالله فنفقت سلعته ولكن الله محق بركتها.
4- فيا أخي التاجر: لا تحلف فإن الرزق على الله }إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين{ فليست اليمين التي تحلفها هي سبب رزقك، وإن نفقت السلعة باليمين الكاذبة الفاجرة محقت بركتها.
5- أيها التاجر: اتق الله أولاً في جلب البضاعة الجيدة وفي عزلها عن البضاعة الرديئة وفي بيان صفتها للمشتري جيدة كانت أو رديئة وفي عدم زيادة السعر أو المبالغة فيه لأنك بذلك تظلم عباد الله ولكن عليك أن تقنع بالقليل يبارك لك الله فيه وخاصة في ضروريات الناس التي لا ينبغي استغلال حاجة الناس إليها بزيادة الأسعار واحتكار السلعة فالمحتكر ممحوق والجالب مرزوق فإياك إياك من ذلك.
6- أخي التاجر المسلم: إنك لست ملزمًا بإخبار الناس بثمن شرائك للسلعة ولكن عليك أن لا تكذب عليهم وأن تكون صادقًا في تعاملك وبيعك وشرائك فبالصدق تكسب ثقة الناس وتجلبهم إليك.
7- هناك كثير من التجار الذين يخافون الله عز وجل فمنذ أن يفتح باب محله التجاري يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم يا فتاح يا عليم يا رزاق يا كريم أرزقنا طاعتك وجنبنا معصيتك فإذا ما دخل إلى المحل وعنده جهاز المذياع استمع إلى إذاعة القرآن الكريم أو إلى الأشرطة الإسلامية المباركة وظل يذكر الله تعالى.
8- لقد كان السلف الصالح يبيعون ويشترون وكان التاجر منهم إذا باع على أحد الناس ثم جاءه الآخر أرسله ليشتري من جاره التاجر الثاني لأنهم كانوا يؤمنون بأن الله هو الرزاق وهو المعطي وهو المانع وكانت هذه أخلاقهم يوم أن عرفوا قيمة حياتهم أما أخلاقنا اليوم فهي أخلاق الشياطين فهناك من يصيح بأعلى صوته قائلاً الطيب عندي والرديء عند جاري، والبعض لا يريد أن يشركه أحد في هذه التجارة فترى محله على امتداد شارع كامل، ولوحة المحل تغطي مساحة هائلة لأنه لا يريد الرزق لسواه ولا يحب أن يرزق معه أحد.
وهذا حسد والاحتكار ظلم والعياذ بالله، إن التاجر المسلم يجب أن يكون أمينًا لا يغش في المكيال ولا يطفف في الميزان ولا يغش في السلعة ولا يراقب مراقبي الجهات المختصة ويخاف منهم أكثر من خوفه من الله.
9- إن التاجر لا يجعل تجارته مشغلة له عن طاعة الله، فعليه أن يغلق محله بمجرد سماعه للأذان وأن يتجه إلى المسجد ليتاجر مع الله التجارة الرابحة، وأن لا يكون كمن ينفر ويتضايق من رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعليه أن يجيب داعي الرحمن ومنادي الإيمان لما روته أم المؤمنين عائشة قالت: «كان صلى الله عليه وسلم يحدثنا ونحدثه، ويؤنسنا، فإذا سمع حي على الصلاة حي على الفلاح قام كأنه لا يعرف منا أحدًا» فعندما تسمع يا أخا الإسلام النداء فعليك أن تجيب مسرعًا دونما تردد أو تكاسل أو تأخر فلو أن موظفًا دعي من قبل مديره لما تأخر عن إجابته وإن حدث وتأخر لسبب ما فإنه إذا دعي للمرة الثانية أسرع إلى الإجابة مخافة أن يعتبره المدير موظفًا مهملاً أو مستهترًا بالأنظمة والتعليمات، ولذلك يحرص على إجابته ورضاه، أما من دعي إلى الله سبحانه وتعالى خمس عشرة مرة في كل وقت فلم يجب أو قفل باب المحل على نفسه في الداخل فإنما يحبس نفسه كالشيطان الحبيس أو كالقرد النجس الذي يختفي ويتوارى عن أعين البشر ناسيًا أو متناسيًا أن الله يراه ويعلم حاله.
10- وهناك صنف يغلق باب المحل ولكنه لم يذهب إلى المسجد وإنما يقف على قارعة الطريق والشمس تحرقه، والشيطان يحتويه والملائكة تسخط عليه وتلعنه، فإذا ما انتهى الناس من صلاتهم جرى إلى المحل ليفتح أبوابه فهذا والعياذ بالله صنف شيطاني.
11- أخي التاجر إذا دَخَلَتْ عليك المرأة المتبرجة التي لا محرم لها فلا تبع عليها «فما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما»، ولا تعتقد أن الرزق في البيع على المرأة وإنما الرزق بيد الله سبحانه واعلم أن مثل هذه الحالة امتحان لك فكن على حذر من حبائل الشيطان وكيده، لأنه ثالثكما ولا بد أن يلوثكما وإن كنتما طاهرين بنجاسته بينكما فيا أيها التاجر لا تبع على متبرجة ولا تبع على امرأة بدون محرم واتق الله في أعراض المسلمين.
[رسالة إلى التجار والموظفين للشيخ سعيد بن مسفر القحطاني وفقه الله].
12- احذر من التعامل بالربا سواء كان عن طريق البنوك أو عن طريق المساهمات المشبوهة وإياك والكسب الحرام عن طريق بيع المحرمات كالدخان وآلات اللهو وأشرطة الغناء، والفيديو وغيرها مما حرم الله تعالى ونبيه e فالنبي e يقول: «كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به» (رواه البخاري).
1- البيوع المنهي عنها([4])
1- إذا كان البيع والشراء يزاحمان العبادة أي يأخذان وقت العبادة بأن يشغل التاجر بالبيع والشراء ويتأخر عن الصلاة مع الجماعة في المسجد بحيث تفوته الصلاة أو يفوته بعضها فإن هذا منهي عنه.
2- ومن البيوع المنهي عنها: بيع السلع المحرمة لأن الله سبحانه وتعالى إذا حرم شيئًا حرم ثمنه وذلك بأن يبيع شيئًا منهيًّا عن بيعه فقد نهى e عن بيع الميتة والخمر والخنزير والأصنام فمن باع الميتة أي اللحوم التي لم تُذَكَّ ذكاة شرعية فإنه يكون قد باع الميتة واستفاد ثمنًا حرامًا.
3- ومن البيوع المنهي عنها: بيع آلات اللهو والطرب باختلاف أنواعها مثل المعازف والعود وأجهزة الموسيقى وجميع آلات اللهو والطرب التي تستخدم لذلك وإن سميت بأسماء أخرى كأدوات الفن فهذه الآلات والأجهزة حرام على المسلم أن يبيعها لأنه يجب إتلافها وأن لا تبقى في بلاد المسلمين فكيف تباع وكيف يأكل ثمنها هذا من المحرمات.
4- ومن البيوع المنهي عنها بيع الصور فالنبي e نهى عن بيع الأصنام، والأصنام المراد بها الصور لأن الأصنام في الأصل ما كانت على صور تماثيل سواء كانت تماثيل خيول أو طيور أو بهائم أو آدميين وكل ما له روح فبيع صورته حرام وثمنها حرام فقد لعن e المصورين وأخبر أنهم أشد الناس عذابًا يوم القيامة وكذلك المجلات المصورة لا يجوز بيعها.
5- ومن البيوع المنهي عنها الأشرطة التي سجلت فيها الأغاني الخليعة بأصوات المطربين والمطربات وتصاحبها الموسيقى والتي تشتمل على ذكر العشق والغرام والتشبب بالنساء فهذه الأغاني حرام استماعها وتسجيلها وبيعها وثمنها من الكسب الحرام والسحت الذي نهى رسول الله e عنه أشد النهي؛ لأنها تنشر الفساد والرذيلة وتفسد الأخلاق وتوصل الشر إلى بيوت المسلمين.
6- ومن البيوع المنهي عنها: بيع ما يستغله المشتري في محرم فإذا علم البائع أن المشتري يستغل المبيع في محرم فهذا البيع حرام وباطل لأنه من التعاون على الإثم والعدوان والله يقول: }وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ{ [المائدة: 2].
7- ومن البيوع المنهي عنها: أن يبيع الإنسان ما ليس عنده فمثلاً يأتي المشتري إلى التاجر ويطلب منه سلعة معينة وهذه السلعة غير موجودة عند هذا التاجر ويتفقان على العقد ومقدار الثمن عاجلاً أو مؤجلاً والسلعة لا تزال ليست ملكًا للتاجر أو البائع ثم يذهب التاجر ويشتري هذه السلعة ويسلمها للمشتري بعد أن يتفقا على الثمن ويعقدان ويحددان القيمة عاجلاً أو مؤجلاً فمثل هذا البيع حرام.
لماذا؟ لأنه باع ما ليس عنده وباع شيئًا قبل أن يملكه إذا كانت السلعة معينة أو باع دينًا بدين إذا كانت السلعة غير معينة وثمنها مؤجل، وقد نهى رسول الله e عن ذلك حينما جاء إلى النبي e حكيم بن حزام رضي الله عنه فقال: يا رسول الله الرجل يأتيني ويطلب مني البيع وليس عندي ثم أذهب إلى السوق وأشتريه له فقال e «لا تبع ما ليس عندك».
فهذا نهي قاطع فلا يجوز للإنسان أن يبيع شيئًا معينًا إلا وهو يملكه قبل العقد سواء باعه حاضرًا أو مؤجلاً.
8- ومن البيوع المنهي عنها: بيع العينة، وما هو بيع العينة؟ هو أن تبيع سلعة على شخص بثمن مؤجل ثم تشتريها منه بثمن حال أقل من المؤجل تسلمه له، فإذا حل المؤجل تستوفيه منه. هذا هو بيع العينة سمي عينة لأن عين المبيع رجعت إلى صاحبها وهذا حرام لأنه احتيال على الربا كأنك بعت دراهم حالة بدراهم مؤجلة أكثر منها وجعلت السلعة مجرد حيلة ووسيلة إلى الربا.
9- ومن البيوع المنهي عنها النجش. وما معنى النجش؟ النجش معناه أن تعرض السلعة بالمزاد العلني ثم يأتي شخص ويزيد فيها وهو لا يريد شراءها وإنما يريد أن يرفع ثمنها على الزبائن ومن أجل أن يغرر بالمشترين سواء اتفق مع البائع على ذلك أو لم يتفق فمن سام السلعة وهو لا يريد شراءها وإنما يريد أن يرفع قيمتها على الزبائن فهذا هو الناجش الذي خالف نهي الرسول e وفعله وهذا حرام قال e «ولا تناجشوا» رواه البخاري ومسلم.
10- ومن البيوع المنهي عنها: بيع المسلم على بيع أخيه قال e: «ولا يبع بعضكم على بيع بعض» كيف يكون ذلك؟ مثلاً إذا جاء إنسان يريد سلعة واشتراها من أحد التجار ولكن ترك له الخيار يومين أو ثلاثة أو أكثر فلا يجوز أن يأتي تاجر آخر ويتدخل ويقول للمشتري: اترك هذه السلعة وأنا أعطيك مثلها وأحسن منها بأرخص فهذا حرام لأنه بيع على بيع أخيه.
11- ومن البيوع المنهي عنها: بيوع الغرر أن تغر أخاك المسلم بأن تبيعه سلعة فيها عيوب وأنت تعلم هذه العيوب التي فيها ولا تعلمه بها فهذا البيع لا يجوز وهو من التغرير والتدليس والغش.
نسأل الله عز وجل لنا ولكم العفو والعافية والسلامة وأن يجعل رزقنا حلالاً وأن يجعل مكسبنا حلالاً وأن يرزقنا من واسع فضله.
اللهم أغننا بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك واغفر لنا وارحمنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
2- البيوع المنهي عنها([5])
من البيوع المنهي عنها:
لما كان من مقاصد الشريعة صيانة الأموال والحقوق وحفظها من التعدي بكل صوره وضعت الضوابط والقيود على البيع، فكل ما لم تتوفر فيه تلك القيود والشروط فهو من البيوع المنهي عنها، وهي كثيرة في الماضي والحاضر، وأكثرها يشتمل على غرر وجهالة تضر بأحد ا لمتبايعين- وهذه جملة من البيوع التي نهى الشارع عنها:
1- بيع المجهول كقوله: بعتك أحدى هاتين السلعتين من غير تعيين أو بعتك ما في الحقيبة بكذا ولا يعلم المشتري ما فيها وذلك لما فيه من الغرر لحديث مسلم: «نهى رسول الله e عن بيع الغرر».
2- بيع المعدوم وذلك كالذي ستحمله شجرته أو دابته.
3- بيع ما لا يملك لأنه لا ولاية له عليه إلا إذا كان وكيلاً أو مأذونًا فيه وذلك لحديث: «لا تبع ما ليس عندك» (صحيح رواه أحمد في مسنده).
ويدخل فيه أيضًا بيع السلعة قبل قبضها لحديث: «لا تبع طعامًا حتى تشتريه وتستوفيه» (صحيح رواه أحمد في مسنده).
4- بيع المجهول كبيع الحصاة والمنابة وهو أن يقول ارم هذه الحصاة وأي ثوب وقعت عليه فهو لك بكذا، وفي الحديث الشريف: «نهى رسول الله e عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر» (رواه مسلم).
5- بيع ما هو محرم كالتماثيل والآلات الموسيقية والصور، و«قد نهى النبي e عن بيع الخمر والميتة والأصنام»، (متفق عليه)، وقس عليه الباقي.
6- بيع ما فيه عون على معصية كبيع العنب لمن يتخذه خمرًا وبيع السلاح في الفتنة وأهل الحرب، وبيع العطورات لمن يتخذها للسكر.
7- الغش في البيع للحديث الصحيح الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه: أن النبي e مر على صبرة من طعام فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللاً فقال: «ما هذا؟» قال أصابته السماء يا رسول الله فقال: «أفلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس؟ من غشنا فليس منا» (أخرجه مسلم)
ويدخل في ذلك كل أنواع الغش والتدليس وتطفيف الكيل والميزان وحبس اللبن في الضرع بقصد الغش قال تعالى: }وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ{ [المطففين: 1-3].
8- بيع المضطر والمكره، وكل تصرفاتهما من إجارة ومزارعة فهي فاسدة.
9- البيع بالغبن الفاحش عن طريق اليمين الباطلة واستغلال البسطاء والمغفلين ببيعهم المتاع بأكثر من قيمته أو الشراء منهم بأقل من القيمة والمغبون إذا خدع فله رد ما اشتراه.
10- بيع المسلم على بيع أخيه وشراؤه على شرائه لحديث «ولا يبع بعضكم على بيع بعض» (متفق عليه) كقوله لمن اشترى شيئًا بعشرة أعطيك إياه بتسعة، أو لمن باع بتسعة عندي بعشرة وفي أثناء المزايدة لا بأس.
11- بيع النجش وهو الزيادة في السلعة دون قصد شرائها وإنما للإيقاع بالمشتري لحديث «ولا تناجشوا» (رواه البخاري ومسلم).
12- بيع بيعتين في بيعة مثل أن يقول إنسان لآخر: بعتك هذا المنزل على أن تبيعني الشيء الفلاني بكذا لحديث «نهى رسول الله e عن بيع بيعتين في بيعة» (رواه أحمد والنسائي وصححه الترمذي وابن ماجه) ويدخل في ذلك كل ما كان فيه إيهام كقوله: بعتك هذا الثوب بخمسة ريالات حالاًّ أو بعشرة مؤجلاً ثم لم يوضح البيعة الممضاة.
13- بيع الدين بالدين، وهو أن يبيع شيئًا مؤجلاً بثمن مؤجل، أو يبيع مؤجلا بثمن لم يقبض في مجلس العقد.
14- بيع العينة، وهو أن يبيع رجل سلعة بثمن معلوم إلى أجل مسمى، ثم يشتريها حالا بأقل من الثمن الذي باعها به.
15- بيع الحاضر للبادي وتلقي الركبان قبل وصولهم إلى الأسواق.
16- البيع عند النداء الأخير لصلاة الجمعة لقوله تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ{ [الجمعة: 9].
17- بيع المحاقلة كأن يبيع زرعًا في سنبله بحب كيلا.. إلخ.
18- بيع الثنيا وهو أن يبيع شيئًا ويستثني بعضه مثل إذا باع بستانًا فلا يصح أن يستثني منه نخلة أو شجرة غير معلومة «لنهيه e عن الثنيا إلا أن تعلم» (رواه الخمسة).
19- البيع المتضمن للشرط الفاسد كشرط بيع آخر أو سلف أو قرض أو إجارة أو شركة لأن ذلك يدخل في المنهي عنه، ولحديث «لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع» (صححه الترمذي).
وكذا كان ما كان في معنى ذلك مثل بعتك هذا على أن تبيعني سلعتك، قال ابن مسعود (صفقتان في صفقة ربا) وهذا قول الجمهور قاله في الشرح، وإن شرط أن لا خسارة عليه أو متى نفق المبيع وإلا رده بطل الشرط وحده والبيع صحيح.
20- بيع الثمرة قبل بدو صلاحها لما في ذلك من كونها عرضة للتلف والآفة، وفي الحديث «نهى رسول الله e عن المحاقلة» وهي بيع الثمر قبل نضجه فإن بدا نضج بعضه صح.
وهكذا يجب على المسلم أن يتعلم أحكام البيوع قبل ممارستها حتى لا يقع في الحرام وكل جسم نبت من سحت فالنار أولى به والله أعلم([6]).
3- بيان أنواع من البيوع ممنوعة([7])
منع رسول الله e أنواعًا من البيع لما فيها من الغرر المؤدي إلى أكل أموال الناس بالباطل والغش المفضي إلى إثارة الأحقاد والنزاع والخصومات بين المسلمين من ذلك:
1- بيع السلعة قبل قبضها: لا يجوز للمسلم أن يشتري سلعة ثم يبيعها قبل قبضها ممن اشتراها منه، لقوله e: «إذا اشتريت شيئًا فلا تبعه حتى تقبضه» (رواه أحمد والطبراني وفي إسناده مقال وهو صالح).
وقوله: «من ابتاع طعامًا فلا يبعه حتى يستوفيه»، قال ابن عباس: «ولا أحسب كل شيء إلا مثله» (رواه البخاري).
2- بيع المسلم على المسلم: لا يجوز للمسلم أن يشتري أخوه المسلم بضاعة بخمسة مثلاً فيقول له: ردها إلى صاحبها وأنا أبيعها لك بأربعة، كما لا يجوز أن يقول لصاحب السلعة: افسخ البيع وأنا اشتريها منك بستة وذلك لقوله e: «لا يبع بعضكم على بيع بعض» متفق عليه.
3- بيع النجش([8]) لا يجوز للمسلم أن يعطي في سلعة شيئًا وهو لا يريد شراءها، وإنما من أجل أن يقتدي به السوام فيغرر بالمشتري، كما لا يجوز أن يقول لمن يريد شراءها: إنها مشتراة بكذا وكذا كاذبًا ليغرر بالمشتري وسواء تواطأ مع صاحبها أم لا، لقول ابن عمر رضي الله عنهما: «نهى رسول الله e عن النجش»، وقوله e «ولا تناجشوا» (متفق عليه).
4- البيع المحرم والنجس: لا يجوز للمسلم أن يبيع محرمًا ولا نجسًا، ولا مفضيًا إلى حرام، فلا يجوز بيع خمر ولا خنزير، ولا صورة ولا ميتة، ولا صنم، ولا عنب لمن يتخذه خمرًا لقوله e: «إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام». وقوله: «لعن الله المصورين». وقوله: «من حبس العنب أيام القطاف حتى يبيعها من يهودي أو نصراني، أو ممن يتخذها خمرًا فقد تقحم النار على بصيرة». [رواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن].
5-بيع الغرر: لا يجوز بيع ما فيه غرر، فلا يباع سمك في الماء، ولا صوف على ظهر شاة، ولا جنين في بطن. ولا لبن في ضرع، ولا ثمرة قبل بدو صلاحها، ولا حب قبل اشتداده، ولا سلعة بدون النظر إليها أو تقليبها وفحصها إن كانت حاضرة، أو بدون وصفها ومعرفة نوعها وكميتها إن كانت غائبة، وذلك لقوله e: «لا تشتروا السمك في الماء فإنه غرر» [رواه أحمد وفي سنده مقال وله شاهد يصلح به].
وقول ابن عمر رضي الله عنه: «نهي رسول الله e أن يباع ثمر حتى يطعم، أو صوف على ظهر، أو لبن في ضرع، أو سمن في لبن» [رواه البيهقي والدارقطني وهو صالح].
وقوله: نهى رسول الله e عن بيع الثمرة حتى تُزْهى؟ قال: تحمر. وقال: «إذا منع الله الثمرة فبم تستحل مال أخيك» [متفق عليه].
وقول أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: «نهى رسول الله e عن الملامسة والمنابذة في البيع. والملامسة لمس الرجل ثوب الآخر بيده بالليل أو النهار ولا يقلبه. والمنابذة أن ينبذ إلى الرجل ثوبه، وينبذ الآخر ثوبه، ويكون ذلك بيعهما من غير نظر، ولا فحص، ولا تقليب» [متفق عليه].
6- بيع بيعتين في بيعة: لا يجوز للمسلم أن يعقد بيعتين في بيعة واحدة، يل يعقد كل صفقة على حدة، لما في ذلك من الإيهام المؤدي إلى أذية المسلم، أو أكل ماله بدون حق، ولعقد بيعتين في بيعة صور، منها أن يقول له: بعتك الشيء بعشرة حالا، أو بخمسة عشر إلى أجل ويمضي البيع، ولم يبين له أي البيعتين أمضاها. ومنها أن يقول له: بعتك هذا المنزل مثلاً بكذا، على أن تبيعني كذا وبكذا. ومنها أن يبيعه أحد شيئين مختلفين بدينار مثلاً ويمضي العقد، ولم يعرف المشتري أي الشيئين قد اشترى، لما روي عنه e: «أنه نهى عن بيعتين في بيعة» [رواه أحمد والترمذي وصححه].
7-بيع العربون: لا يجوز للمسلم أن يبيع بيع عربون، أو يأخذ العربون بحال، لما روي عنه e: «أنه نهى عن بيع العربون» [رواه مالك في الموطأ وغيره]. قال مالك في بيانه هو أن يشتري الرجل الشيء، أو يكتري الدابة، ثم يقول: (أعطيتك دينارًا على أني إن تركت السلعة أو الكراء فما أعطيتك لك).
8- بيع ما ليس عنده: لا يجوز للمسلم أن يبيع سلعة ليست عنده، أو شيئًا قبل أن يملكه لما قد يؤدي إليه ذلك من أذية البائع والمشتري في حال عدم الحصول على السلعة المبيعة، ولذا قال e: «لا تبع ما ليس عندك» [رواه أصحاب السنن وصححه الترمذي]. «ونهى عن بيع الشيء قبل قبضه» [رواه البيهقي والحاكم وهو صحيح].
9-بيع الدين بالدين: لا يجوز للمسلم أن يبيع دينًا بدين، إذ هو في حكم بيع المعدوم بالمعدوم والإسلام لا يجيز هذا. ومثال بيع الدين بالدين: أن يكون لك على رجل قنطارين إلى أجل فتبيعه إلى آخر بمائة ريال إلى أجل. ومثال آخر: أن يكون لك على رجل شاة إلى أجل فلما حل الأجل يعجز المدين عن أدائها لك، فيقول: بعنيها بخمسين ريالاً إلى أجل آخر، فتكون قد بعته دينا بدين، «وقد نهى رسول الله e عن بيع الكالئ بالكالئ- أي الدين بالدين-» [رواه البيهقي والحاكم وهو صحيح].
10-بيع العينة: لا يجوز للمسلم أن يبيع شيئًا أجل، ثم يشتريه ممن باعه له بثمن أقل مما باعه به، لأنه إذا باعه إياه بعشرة، ثم اشتراه منه بخمسة يكون كمن أعطى خمسة إلى أجل بعشرة وهذا عين ربا النسيئة المحرم بالكتاب والسنة والإجماع، وذلك لقوله e: «إذا ضن الناس بالدينار والدرهم وتبايعوا بالعينة واتبعوا أذناب البقر وتركوا الجهاد في سبيل الله أنزل الله بهم بلاء فلا يرفعه حتى يراجعوا دينهم» [رواه أحمد وأبو داود وصححه ابن القطان].
وقالت امرأة لعائشة: إني بعت غلامًا من زيد بم الأرقم بثمانمائة درهم نسيئة إلى أجل وإني اشتريته منه بستمائة درهم نقدًا. فقالت لها عائشة رضي الله عنها: «بئس ما اشتريت وبئس ما بعت، إن جهاده مع رسول الله e قد بطل إلا أن يتوب» [رواه الدارقطني وفي سنده ضعيف].
11-بيع الحاضر للبادي: إذا أتى البادي أو الغريب عن البلد بسلعة يريد أن يبيعها في السوق بسعر يومها لا يجوز للحاضر أن يقول له: اترك السلعة عندي وأنا أبيعها لك بعد يوم أو أيام بأكثر من سعر اليوم، والناس في حاجة إلى تلك السلعة لقوله e: «لا يبع حاضر لباد، دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض» [متفق عليه].
12-الشراء من الركبان: لا يجوز للمسلم أن يسمع بالسلعة قادمة إلى البلد فيخرج ليتلقاها من الركبان خارج البلد فيشتريها منهم هناك، ثم يدخلها فيبيعها كما شاء، لما في ذلك من التغرير بأصحاب السلعة، والإضرار بأهل البلد من تجار وغيرهم، ولذا قال رسول الله e: «لا تلقوا الركبان، ولا يبع حاضر لباد» [متفق عليه].
13-بيع المصرَّاة: لا يجوز للمسلم أن يُصًرٍّي الشاة أو البقرة، أو الناقة، بمعنى يجمع لبنها في ضرعها أيامًا لترى وكأنها حلوب، فيرغب الناس في شرائها فيبيعها، لما في ذلك من الغش والخديعة، قال e: «لا تصروا الإبل والغنم، فمن ابتاعها بعد ذلك فهو بخير النظرين، بعد أن يحلبها إن رضيها أمسكها، وإن سخطها ردها وصاعًا من تمر» [متفق عليه].
14-البيع عند النداء الأخير لصلاة الجمعة: لا يجوز للمسلم أن يبيع شيئًا، أو يشتري، وقد نودي لصلاة الجمعة النداء الأخير الذي يكون معه الإمام على المنبر، لقوله تعالى: }يَا أَيّها الَّذينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ{ [الجمعة: 9].
15- بيع المزابنة أو المحاقلة: لا يجوز للمسلم أن يبيع عنبًا في الكرم خرصًا بزبيب كيلاً، ولا زرعًا في سنبله بحب كيلاً، ولا رطبًا في النخل بتمر كيلا إلا بيع العرايا فقد رخص فيه النبي e، وهو أن يهب المسلم لأخيه المسلم نخلة أو نخلات لا يتجاوز تمرهن خمسة أوسق، ثم يتضرر بدخوله عليه كلما أراد أن يجني من رطبه، فيشتريها منه بخرصها تمرًا، ودليل الأول قول ابن عمر رضي الله عنهما: «نهى رسول الله عن المزابنة أن يبيع ثمر حائطه([9]) إن كان نخلاً بتمر كيلا، وإن كان كرمًا([10]) أن يبيعه بزبيب كيلاً، وإن كان زرعًا أن يبيعه بطعام([11]) كيلا، نهى عن ذلك كله» [رواه البخاري].
ودليل ثاني: قول زيد بن ثابت رضي الله عنه أن النبي e: «رخص لصاحب العرية أن يبيعها بخرصها» [رواه البخاري].
16-بيع الثنيا: لا يجوز للمسلم أن يبيع شيئًا ويستثني بعضه إلا أن يكون ما يستثنيه معلومًا، فإذا باع بستانًا مثلاً لا يصح أن يستثني منه نخلة أو شجرة غير معلومة، لما في ذلك من الغرر المحرم، وذلك لقول جابر: «نهى رسول الله e عن المحاقلة والمزابنة، والثنيا إلا أن تعلم» [رواه الترمذي وصححه].
الأعمال والمكاسب المحرمة
من الأعمال والمكاسب التي حرمها الله تعالى ما يلي:
1-الرشوة: قال e: «لعن الله الراشي والمرتشي في الحكم» [رواه الإمام أحمد في مسنده وغيره وهو حديث صحيح].
والتحريم يشمل الآخذ والمعطي والواسطة بينهما، وهي محرمة بأية صورة كانت، وأسوأ الرشوة ما كان هدية من أحد الخصمين إلى القاضي أو الحاكم، يراد بها إبطال حق أو ضياعه. والرشوة عمومًا تفسد سلوك الموظف فيسيء التعامل مع المراجعين حتى يضطرهم إلى بذل الرشوة لأن مجرد التفكير فيها يدفع إلى التفكير في ابتكار طرق غير مشروعة للحصول عليها، ولو عن طريق الإساءة إلى المسلمين ومن هنا تظهر علة تحريمها.
2-إنكار الودائع والأمانات وجحدها والتطاول على حقوق الناس التي بذمته أو تحت عهدته، وأكل مال اليتيم وهو من السبع الموبقات التي حذر منها الرسول e والتي قال تعالى فيها: }إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا{ [النساء: 10].
3- التصرف في الولاية على أوقاف المسلمين وأملاكهم العامة تصرفًا يضر ويضيع الحق ومن ذلك الخيانة واستغلال نفوذ الوظيفة أو الحكم أو التعاون مع أصحاب رؤوس الأموال للسيطرة على السوق.
4- احتكار أقوات الناس لحديث الرسول e: «الجالب مرزوق والمحتكر ملعون» [رواه ابن ماجة والحاكم].
وحديث: «لا يحتكر إلا خاطئ» [أخرجه مسلم في صحيحه].
وحديث: «ومن احتكر الطعام أربعين ليلة فقد برئ الله منه» [رواه أحمد والحاكم وابن أبي شيبة والبزار].
وقال في المغني: الاحتكار حرام /4-305.
5- ومن ذلك التواطؤ مع الشركات في أخذ امتيازات هي من حق المسلمين كافة مما يفوت على المسلمين فرص العمل والكسب.
6- ومن ذلك السرقة والنهب والاحتيال بأية صورة كانت.
7- ومما حرم الإسلام على اتباعه الاشتغال ببعض الحرف. وحرم ما يحصل من ريعها، كأجرة الساحر وأجرة الفاحشة للبغي وأجرة الرقص والغناء والتمثيل.
8- العمل في البنوك الربوية باعتبار أنه تعاون على إدارة أعمالها وهو تعاون على الإثم والعدوان وكذا العمل في أندية القمار أو أندية العري ونحوها مما يكون في أصله محرمًا، وكذلك ما يتحصل من القمار واليانصيب والميسر.
9- ومن الدخول المحرمة أن يحصل غني على الصدقة والزكاة وهو لا يستحقها لقوله e: «لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي» [رواه النسائي].
الغصب:
فمن المكاسب المحرمة ما يؤخذ غصبًا والغصب هو الاستيلاء على مال غيره قهرًا بغير حق وهو محرم بالكتاب والسنة والإجماع، وفي خطبة يوم النحر بمنى: «إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا» [متفق عليه].
وعن سعيد بن زيد t أن رسول الله e قال: «ومن اقتطع شبرًا من الأرض ظلمًا طوقه الله إياه يوم القيامة من سبع أرضين» [متفق عليه].
وحكم الشرع في الغاصب أنه يتحمل مسئولية رد ما اغتصبه لمالكه بنمائه طيلة استيلائه عليه، وعليه الضمان إن تلف. قاله أكثر أهل العلم.
ومن أتلف ولو سهوًا مالاً لغيره ضمنه كما لو غصبه ومن استولى على حق الغير فهو عدوان قال تعالى: }وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ{ [البقرة: 188].
ومن اقتنى كلبًا عقورًا أو أسدًا فأتلف شيئًا ضمنه، ولا يضمن رب بهيمة غير ضارية ما أتلفته نهارا من الأموال والأبدان لحديث: «العجماء جرحها جبار» [متفق عليه]. يعني هدرًا.
ويضمن سائق أو قائد قادر على التصرف في دابته أو سيارته.
ويضمن المالك ما أتلفته دابته ليلاً بتفريطه في عدم حفظها ومن قتل صائلاً ولو آدميًّا دفعًا عن نفسه أو ماله أو عرضه لم يضمنه إن لم يندفع إلا بالقتل لما روي ابن عمر عن النبي e: «من أريد ماله بغير حق فقاتل فَقُتِلَ فهو شهيد» [رواه الخلال بإسناده]. ولولا الدفاع عن النفس والعرض والمال لاستولى قطاع الطريق والظلمة والفساق على الأنفس.
وقال في الشرح: فإن كانت بهيمة ولم يمكن دفعها إلا بقتلها جاز له قتلها إجماعًا ولا يضمنها.
ومن أتلف لمسلم شيئًا من الأدوات الممنوعة شرعًا كآلات اللهو وأوعية الخمر وكتب السحر لم يضمن في الجميع لأنها لا قيمة لها شرعًا فيحرم بيعها وبالتالي ليس لها حرمة والله أعلم.
فصل
في النهي عن البيع المفضي إلى محرم
يحرم البيع والشراء والمساومة والدراسة والصناعة والبناء والزراعة وسائر الأعمال بعد الأذان الثاني لصلاة الجمعة للقريب من المسجد والبعيد عنه في الوقت الذي يدرك فيه الخطبة والصلاة ويكره بعد الأذان لغيرها من الصلوات الخمس لوجوب أدائها في المساجد وترك ما يفوتها من البيع والشراء والبناء وغير ذلك.
ويحرم بيع العنب ونحوه لمن يجعله خمرًا وفيه الوعيد الشديد وبيع السلاح في الفتنة بين المسلمين وعلى الخوارج والبغاة وقطاع الطرق، وبيع العبد المسلم للكافر، ومضارة المسلم لأخيه وجاره في بيعه بأقل من السعر المعتاد لجلب الزبون إليه وحرمان جاره كقوله للرجل الذي يريد شراء البضاعة من دكان جاره بعشرة أنا أبيعك مثلها بتسعة وزيادته في الشراء لحرمانه أيضًا كقوله لمن يريد بيع البضاعة عليه بتسعين: أنا أشتريها منك بمائة.
وإن احتاج الإنسان إلى نقود لشراء بيت أو أرض أو سيارة ونحو ذلك ولم يجد من يقرضه فاشترى بضاعة تساوي عشرة آلاف بأكثر منها بلا تحديد إلى سنة ونقلها من دكان البائع إلى السوق فباعها فيه جاز للحاجة باعها على البائع فهي بيع العينة الربوية، وإن اتفق معه على بيعه البضاعة أو الأرض ونحو ذلك العشر بأحد عشر أو باثني عشر إلى سنة فهو بيع دراهم بدراهم وذلك عين الربا. وإن قال: بعتك هذه البضاعة بألف إلى سنة أو بتسعمائة نقدًا جاز.
ويحرم التسعير إلا عند الحاجة إذا زاد التجار في البضاعة عن القيمة المعتادة بلا سبب فَلِوَليِّ الأمر إلزامهم بالسعر المذكور وتأديب المخالف بما يردعه واحتكار التاجر البضاعة سنة فأكثر انتظارًا للغلاء والناس يحتاجون إليها فيمنع من ذلك ويلزم بالبيع كما يبيع الناس. وامتياز التاجر باستيراد بضاعة يختص بالبيع فيها كيف شاء فيمنع من ذلك ويفسح المجال للعدد من الناس في توريدها لتوسعة أسباب الرزق الحلال عليهم وحصول التنافس والبيع بالربح القليل والمنع من البيوع المحرمة والسلامة من الجشع والتفاني في جمع المال الذي كَثْرَتُه سبب للطغيان والعذاب في الآخرة وصدق الله إذ يقول: }كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى * إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى{ [العلق: 6-8].
فصل: في النهي عن التصرف في المبيع بالبيع قبل قبضه ونقله من مكانه
إذا اشترى الإنسان طعامًا ونحوه مما يحتاج إلى كيل أو وزن أو عد أو ذرع فكاله أو وزنه أو عده أو ذرعه أو تولى البائع ذلك صح البيع ولزمه تسليم الثمن وقبض المبيع ونقله من مكانه إلى بيته أو غيره وإن كان معروف الكيل أو الوزن أو العد أو الذرع بالكتابة عليه أو اشترى جزافًا كالتمر في الزنبيل أو البر في الكيس ونحو ذلك فليس عليه إلا تسليم الثمن ونقله من مكانه كالطعام وإن اشترط المشتري على البائع نقله إلى بيته أو دكانه فعليه ذلك.
ولا يحل للمشتري بيع قبل قبضه ونقله من مكانه وله رهنه وهبته والصدقة به ونحو ذلك وإن تلف قبل قبضه بسرقة أو حريق أو غير ذلك أو منعه البائع من قبضه حتى تلف فهو من ضمانه وإن تلفت الثمار على رؤوس النخل أو الشجر بجائحة رجع المشتري على البائع بالثمن. والقبض في النقود والحلي والجواهر ونحو ذلك بتسليمه في يد المشتري. وفي العقار كالبيت والدكان. والبستان والسيارة والحيوان بتسليم المفاتيح والتخلية بينه وبين المشتري، ويستحب للبائع إقالة المشتري لاستغنائه عن البضاعة أو عدم وجود الثمن ونحو ذلك.
مختصر القول في المكاسب
من المكاسب المجتمع على تحريمها الربا ومهور البغاء، والسحت والرشاوي وأخذ الأجرة على النياحة والغناء، وعلى الكهانة وادعاء الغيب وإخبار السماء وعلى الزَّمْر واللعب والباطل كله، ومن كَسْب الحرام المجتمع عليه أيضًا الغصب والسرقة وكل مالا تطيب به نفس مالكه من مال مسلم أو ذمي، وينبغي للمسلم أن يجتنب الشبهات، فإن فعل ذلك فقد استبرأ لدينه، ولا يقطع بتحريم شيء من الشبهات إلا بما بان تحريمه وارتفعت الشبهة فيه، والورع عنه مع ذلك أفضل وأقرب للتقوى، ولو بايع رجل رجلاً ممن يتهم بمال حرام لم يفسخ بيعه إلا أن يكون البيع وقع على شيء بعينه يعرف أنه حرام فإن كان ذلك فسخ البيع فيه، ولا بأس بأكل طعام من ماله حلال وحرام وإذا كان الأغلب منه الحرام وجب اجتنابه في الورع ولا يقطع أنه حرام إلا أن يعرف شيء بعينه حرامًا وكسب الحجام ليس بحرام لأن رسول الله e أعطاه على ذلك ولا يعطيه حرامًا واختلاف الآثار فيه عن النبي e يدل على أن فيه بعض الدناءة([12]).
من البيوع المحرم بيعها وثمنها
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أنه سمع النبي e عام الفتح وهو بمكة يقول: «إن الله عز وجل ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام»، فقيل: يا رسول الله! أرأيت شحوم الميتة فإنه يطلي بها السفن، ويدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس؟ قال: «لا، هو حرام»، ثم قال رسول الله e عند ذلك: «قاتل الله اليهود، إن الله حرم عليهم الشحوم فأجملوه، ثم باعوه فأكلوا ثمنه» أخرجه البخاري ومسلم.
قوله e: «إن الله عز وجل ورسوله حرم بيع الخمر» قال القرطبي: إنه e تأدب فلم يجمع بينه وبين اسم الله في ضمير الاثنين.
وقال الحافظ بن حجر العسقلاني: وقد صح حديث أنس: «إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية».
قوله: (أرأيت شحوم الميتة فإنه يطلى بها السفن، ويدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس؟ قال: لا، هو حرام) أي البيع.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بلغ عمر رضي الله عنه أن فلانًا باع خمرًا فقال: قاتل الله فلانًا، ألم يعلم أن رسول الله e قال: «قاتل الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها»؟ (متفق عليه) زاد أبو داود: «وإن الله إذا حرم أكل شيء حرم ثمنه».
قوله: (فأجملوه) أي أذابوه، وفي الحديث إبطال الحيل والوسائل إلى المحرم. والأصنام، جمع صنم، وهو ما كان مصورًا والوثن: ما له جثة، فبينهما عموم وخصوص وجهي، فإن كان مصورًا فهو وثن وصنم.
قال ابن حجر: والظاهر أن النهي عن بيعها للمبالغة في التنفير عنها ويلتحق بها في الحكم الصلبان التي تعظمها النصارى ويحرم نحت جميع ذلك وصنعته.
وقال ابن رجب: فالحاصل أن ما حرم الله الانتفاع به فإنه يحرم بيعه وأكل ثمنه كما جاء مصرحًا به: «إن الله إذا حرم شيئًا حرم ثمنه» وهذه كلمة عامة جامعة تطرد في كل ما كان المقصود من الانتفاع به حرامًا، وهو قسمان:
أحدهما: ما كان الانتفاع به حاصلاً مع بقاء عينه كالأصنام، فإن منفعتها المقصودة منها الشرك بالله وهو أعظم المعاصي على الإطلاق، ويلتحق بذلك ما كانت منفعته محرمة ككتب الشرك والسحر والبدع والضلال، وكذلك الصور المحرمة، وآلات الملاهي المحرمة كالطنبور وكذلك شراء الجواري للغناء.
والقسم الثاني: ما لا ينتفع به مع إتلاف عينه، فإذا كان المقصود الأعظم منه محرمًا فإنه يحرم بيعه كما يحرم بيع الخنزير والخمر والميتة إلى أن قال: وقد اختلف العلماء في الانتفاع بشحوم الميتة، انتهى.
قال في الاختيارات: وقرن الميتة وعظمها وظفرها، وما هو من جنسه كالحافر ونحوه طاهر، وقاله غير واحد من العلماء، ويجوز الانتفاع بالنجاسات، وسواء في ذلك شحم الميتة وغيره، وهو قول الشافعي، وأومأ إليه أحمد في رواية ابن منصور، وقال أيضًا: ويطهر جلد الميتة الطاهرة حال الحياة بالدباغ، وهو رواية عن أحمد، انتهى، والله أعلم([13]).
الربا والصرف([14])
حكمة تحريم الربا وبيان مضاره:
الربا: محرم في كتاب الله تعالى، قال جل شأنه }وَحَرَّمَ الرِّبَا{ [البقرة: 275] وكبيرة من كبائر الذنوب كما في سنة رسول الله e: «الربا نيف وسبعون بابًا، أيسرها: مثل أن ينكح الرجل أمه وإن أربى الربا عرض الرجل المسلم» (رواه ابن ماجه عن ابن مسعود مختصرًا) وهو ظلم للمحتاج ومضاد للصدقة التي لا تتم مصلحة الغني والفقير دنيا وأخرى إلا بها، ويعظمه لعن النبي e آكله وهو: الآخذ وموكله وهو: المحتاج المعطي للزيادة، وكاتبه وشاهديه، لإعانتهم عليه.
ومضاره على المجتمعات البشرية كثيرة دينيًّا ودنيويًّا: منها تضخم المال بطريق غير مشروعة لأنه تضخم على حساب سلب مال الفقير وضمه إلى كنوز الغَنِي، وهو داء فتاك في المجتمعات، وسبب في الخصومات والعداوات وأداة هدامة للنشاط، والعمل الشريف واستثمار الأرض، واستخراج طيباتها، وهو إن زاد مال المرابي حسًّا، فإنه يمحقه معنى، والمعاملة به تنافي الأخلاق الإسلامية، وتهدم جميع الخصائص التي جعلها الله في مقومات المجتمع الإسلامي.
معنى الربا لغة: الزيادة وشرعًا: زيادة في أشياء مخصوصة.
معنى الصرف: بيع نقد بنقد من جنسه أو غيره مأخوذ من الصريف وهو تصويت النقد بالميزان.
الأعيان المنصوص على تحريم الربا فيها بالإجماع ستة: الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح.
وعلة تحريم الربا في الذهب والفضة: الثمنية، وفي الأربعة الباقية: الطعم والكيل أو الطعم والوزن.
يقاس على هذه الأعيان كل ما وافقها في العلة، بأن كان مكيلاً مطعومًا أو موزنًا مطعومًا.
دليل ذلك: حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن النبي e قال: «الذهب بالذهب مثلا بمثل والفضة بالفضة مثلا بمثل، والتمر بالتمر مثلا بمثل والبر بالبر مثلا بمثل، والشعير بالشعير مثلا بمثل، والملح بالملح مثلا بمثل، فمن زاد أو استزاد فقد أربى» (رواه مسلم).
الربا نوعان
1- ربا الفضل:
وهو أن تبيع أو تقرض مالاً أو حبوبًا أو غيرها، على أن يرد من جنسه ذهبًا بذهب أو حبًّا بحب، مع زيادة على المثل، أو منفعة تعود عليك، فإذا اختلفت الأصناف: فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدًا بيد.
ولتجنب الوقوع في ربا الفضل لا بد من توافر شرطين:
(أ) المماثلة في القدر.
(ب) القبض قبل التفرق.
2- ربا النسيئة:
وصورته أن يبع (100) صاع بر بمائتي صاع شعير لمدة سنة حاسبًا الزيادة في مقابل امتداد الأجل المحدد.
وشروط ربا النسيئة: قبض أحد العوضين الربويين المتفاضلين قبل التفرق.
وكلام النوعين محرم بنص القرآن الكريم، والسنة المطهرة.
القرض
بيان فضله وحكمته:
القرض من عقود الإرفاق والقربة التي ندب إليها الشرع واستحبها لحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي e قال: «ما من مسلم يقرض مسلمًا قرضًا مرتين، إلا كان كصدقة مرة» (رواه ابن ماجة عن ابن مسعود رضي الله عنه)، وهو نوع من المعاملات، على غير قياسها، لمصلحة لاحظها الشارع، لانتفاع المقترض بما اقترضه، وهو من باب التيسير على المعسر، الذي نزلت به ضائقة مالية يقترض ليتوسع ويرد إذا أيسر، ففيه تفريج عن أخيه المسلم، وقضاء لحاجته وعون له، فكان مندوبًا إليه كالصدقة عليه.
معناه لغة: القطع.
معناه شرعًا: دفع مال لمن ينتفع به ويرد بدله حين الميسرة.
حكمه: مندوب للمقرض مباح للمقترض وهو نوع من السلم.
كل ما صح بيعه صح قرضه إلا بني آدم.
الإحسان في قضاء القرض
الإحسان في قضاء القرض جائز، إذا لم يكن شرطًا بدليل حديث أبي رافع رضي الله عنه أن رسول الله e استلف من رجل بَكْرًا فقدمت عليه إبل الصدقة، فأمر أبا رافع أن يقضي الرجل بَكْرَهُ، فرجع إليه أبو رافع، فقال: لم أجد فيها إلا خيارًا رباعيًّا، فقال: «أعطوه فإن خير الناس أحسنهم قضاء» [رواه الجماعة إلا البخاري].
ما يلزم المقترض رده
يجب على المقترض أن يرد بدل ما اقترضه، فيرد المثل في المثليات والقيمة في غيرها.
القرض الذي يجر نفعًا
1- كل قرض جر نفعًا فهو حرام، وذلك كأن يسكنه داره أو يعيره دابته، أو يقضيه خيرًا منه بشرط من المقرض.
2- دليله: حديث: «كل قرض جر نفعًا فهو ربا» (رواه الحارث بن أبي أسامة عن علي رضي الله عنه وإسناده ساقط).
3- علته الربوية: لأنه أكل مال بدون مقابل.
التحذير من المعاملات الربوية
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
أخي المسلم يعلم الله أني أحبك وأحب الخير لك. لذلك أسأل الله أن يكون كسبك حلالاً ليكون عملك مقبولاً ودعاؤك مستجابًا.
أخي في الله اقرأ هذه السطور المستمدة من كتاب ربك وسنة نبيك e يتضح لك الشر فتبتعد عنه، أو تتوب إلى الله منه إذا أنت قارفته.
قال الله عز وجل: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ{ [البقرة: 278-279]. وفي الآية دليل على أن المتعامل بالربا محارب لله ورسوله. وفي الحديث الصحيح: «لعن رسول الله e آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه» وقال: «هم سواء». رواه مسلم.
أخي المسلم: ألا يتضح لك من هذا الحديث أن أي كاتب لدى بنك أو تاجر يتعامل بالربا فهذا الكاتب ملعون وكسبه محرم وكذلك شاهدي الربا عليهما اللعنة- واللعنة هي الطرد والإبعاد عن رحمة الله.
عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي e قال: «الربا ثلاثة وسبعون بابًا أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه..» [رواه ابن ماجه والحاكم وصححه]. وعن عبد الله بن سلام رضي الله عنه عن النبي e قال: «الدرهم يصيبه الرجل من الربا أعظم عند الله من ثلاث وثلاثين زنية يزنيها في الإسلام» [رواه الطبراني في الكبير].
وقال الله تعالى: }وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ{ [المائدة: 2].
أخي في الله ألا يتضح لك من هذه الآية الكريمة أن الله يأمرنا بالتعاون على البر وهو كل ما يرضي الله. وينهانا عن التعاون على الإثم والعدوان وهو كل ما يسخط الله ومن أشد ذلك التعاون على نشر الربا..
مثل أن تودع نقودك لدى بنك أو مصرف أو تاجر يستعملونها في الربا ففي مثل هذه الحالة تكون شريكًا معهم في الإثم والعقوبة ولو لم تأخذ ربح ما ربحته نقودك من الربا. فاتق الله في نفسك وأهلك وأولادك ومجتمعك لا تساعد على انتشار الربا بل كن حربًا عليه. ومنفرًا منه.. وإن كان سبق أن تلطخت بشيء منه فاغسله بالتوبة الصادقة. واعلم أنها لا تقبل حتى تتخلى عن كل كسب من الربا: كما يقول الله عز وجل: }وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ{ [البقرة: 279]. فلا يجوز أخذ الأرباح الربوية من البنوك وغيرها والتصدق بها، فالله طيب لا يقبل إلا طيبًا. كذلك أنت يا صاحب العمارة والدكان لا يجوز أن تؤجر محلك لتاجر أو بنك يرابي فأجرة الحرام حرام. فإذا كان الرسول e لعن شاهدي الربا لشهادتهما عليه ولو مرة واحدة، فكيف بك والعمليات الربوية تجري في محلك، يوميًّا على طول السنة، لأنك بتأجير محلك للعصاة تعتبر عاص عليك كفل من الإثم. سوف يسألك الله عن كل عملية ربوية أجريت في محلك وأعظم من ذلك إذا كان المحل وقفًا أو لأيتام فيكون الإثم أعظم، وخوفًا من المسئولية. سجلت لك هذه السطور تذكرة لك والذكرى تنفع المؤمنين.
أخي المسلم: أدعوك إلى التوبة وإخراج العاصي من محلك. وقطع الصلة معه نهائيًّا وأنت أيها الموظف اترك العمل في أي مكان تكتب فيه المعاملات الربوية لتسلم من لعنة الله وغضبه فأبواب الرزق أمامك كثيرة ومن ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه.
اللهم اشهد أني قد بلغت قولك وقول رسولك e خوفًا منك ورغبة في تبصير أخواني للحق والله من وراء القصد وهو حسبنا ونعم الوكيل. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
أخوك في الله
عبد الله بن علي الغضية
حكم الضمان البنكي والتأمين التجاري
فتوى رقم 3249 وتاريخ 9/10/1400هـ
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على محمد وآله وصحبه..
وبعد:
فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على الاستفتاء المقدم لسماحة الرئيس العام من صالح إبراهيم محمد محمود المقيد برقم 1100 في 28/7/1400هـ ونصه: لقد عرض لنا أمر فلا بد فيه من التعامل مع البنك حيث نحتاج إلى كفالة بنكية اسمها كفالة حسن تنفيذ (أي أن يكون البنك ضامنًا حسن تنفيذ الاتفاقية حسب نصوص العقد) وقد فوجئنا بأن البنك يأخذ أجرة مقابل هذه الكفالة (خطاب الضمان) الذي يقدمه ورجعنا لما تيسر لدينا من كتب الفقه البسيطة فوجدنا أن الضمان أو الكفالة (تبرع) فوقعنا في حيرة من أمرنا وأوقفنا المشروع حتى نصل للحكم الشرعي الصحيح مقترنًا بالأدلة الشرعية فرأينا أن نبعث لفضيلتكم لما بلغنا عنكم من العلم والتقوى والورع لذا نرجو من فضيلتكم أن تعلمونا رأيكم مقترنًا بالأدلة الشرعية هل يجوز أخذ أجرة على الكفالة أو الضمان، وكذلك عمليات التأمين على البضائع ضد الحوادث والتأمين على الحياة وما رأي الشرع في مثل هذه العقود.
وأجابت بما يلي:
أولاً: ضمان البنك لكم بربح على المبلغ الذي يضمنكم فيه لمن تلتزمون له بتنفيذ أي عقد لا يجوز لأن الربح الذي يأخذه زيادة ربوبية محرمة والربا كما هو معروف محرم بالكتاب والسنة وإجماع الأمة.
ثانيًا: التأمين التجاري حرام لما يأتي:
1- عقد التأمين التجاري من عقود المعاوضات المالية الاحتمالية المشتملة على الغرر الفاحش لأن المستأمن لا يستطيع أن يعرف وقت العقد مقدار ما يعطي أو يأخذ فقد يدفع قسطًا أو قسطين ثم تقع الكارثة فيستحق ما التزم به المؤمِّن وقد لا تقع الكارثة فيدفع جميع الأقساط ولا يأخذ شيئًا وذلك المؤمن لا يستطيع أن يحدد ما يعطي ويأخذ بالنسبة لكل عقد بمفرده، وقد ورد في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم عن النبي e النهي عن بيع الغرر.
2- عقد التأمين التجاري ضرب من ضروب المقامرة لما فيه من المخاطرة في معاوضات مالية ومن الغرم بلا جناية أو تسبب فيها ومن الغنم بلا مقابل أو مقابل غير مكافئ فإن المستأمن قد يدفع قسطًا من التأمين ثم يقع الحادث فيغرم المؤمِّن كل مبلغ التأمين وقد لا يقع الخطر ومع ذلك يغنم المؤمن أقساط التأمين بلا مقابل وإذا استحكمت فيه الجهالة فكان قمارًا ودخل في عموم النهي عن الميسر في قوله تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ{ [المائدة: 90] والآية التي بعدها.
3- عقد التأمين التجاري يشتمل على ربا الفضل والنَّساء فإن الشركة إذا دفعت للمستأمن أو لورثته أو للمستفيد أكثر مما دفعه من النقود لها فهو ربا فضل والمؤمِّن يدفع ذلك للمستأمن بعد مدة العقد فيكون ربا نَساء وإذا دفعت الشركة للمستأمن مثل ما دفعه لها يكون ربا نساء فقط وكلاهما محرم بالنص والإجماع.
4- عقد التأمين التجاري من الرهان المحرم لأن كلاًّ منهما فيه جهالة وغرر ومقامرة ولم يبح الشرع من الرهان إلا ما فيه نصرة للإسلام وظهور لأعلامه بالحجة والسنان وقد حصر النبي e رخصة الرهان بعوض في ثلاث بقوله e: «لا سبق إلا في خف أو حافر أو نصل» (رواه أحمد وأبو داود والنسائي وصححه ابن حبان) وليس التأمين من ذلك ولا شبيهًا به فكان محرمًا.
5- عقد التأمين التجاري فيه أخذ مال الغير بلا مقابل وأخذ بلا مقابل في عقود المعاوضات التجارية محرم لدخوله في عموم النهي في قوله تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ{ [النساء: 29].
6- في عقد التأمين التجاري الإلزام بما لا يلزم شرعًا فإن المؤمِّن لم يحدث الخطر منه ولم يتسبب في حدوثه وإنما كان منه مجرد التعاقد مع المستأمن على ضمان الخطر على تقدير وقوعه مقابل مبلغ يدفعه المستأمن له والمؤمِّن لن يبذل عملاً للمستأمن فكان حرامًا.
نرجو أن يكون فيما ذكرناه نفع للسائل وكفاية مع العلم بأن ليس لدينا كتب في هذا الموضوع حتى نرسل لكم نسخة منها، ولا نعلم كتابًا مناسبًا في الموضوع نرشدكم إليه. وبالله التوفيق وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
نصيحة
أيها المسلم أنت أخ كريم أنت مسلم عاقل تؤمن بالله واليوم الآخر وتحب ما ينفع وتكره ما يضر وتحب الحلال وتكره الحرام.
اسأل الله تعالى أن يكون كسبك حلالاً ليكون عملك مقبولاً ودعاؤك مستجابًا.
أخي المسلم أذكرك أن المعاملة بالربا حرام سواء عن طريق بيع الجنس بجنسه مع الزيادة في أحدهما أو بغير جنسه مؤجلاً أو غير مقبوض أو بأن يقرضه قرضًا مقابل منفعة، فكل قرض جرَّ نفعًا فهو ربا، أو عن طريق البنوك بالإيداع فيها وأخذ فوائد ربوية أو بالاستقراض منها بفوائد ربوية أو عن طريق المداينة مثلا العشر اثنا عشر أو أقل أو أكثر، أو بقلب الدين على المعسر الواجب إنظاره أو يقول: استدن مني وأوفني أو يبيع سلعة إلى أجل ثم يشتريها بأقل منه نقدًا فكل هذه المعاملات من الربا المحرم الملعون فاعله المتوعد عليه بالوعيد الشديد فإن الربا من كبائر الذنوب، وقد أحل الله البيع وحرم الربا.
فعن جابر رضي الله عنه قال: لعن رسول الله e آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال: «هم سواء» (رواه مسلم وغيره) فاللعن معناه الطرد والإبعاد عن رحمة الله فكل من يتعامل بالربا وكل موظف في بنك يتعامل بالربا أو في متجر يتعامل بالربا فإنه ملعون على لسان محمد e.
وآكل الربا والمتعامل به محارب لله ورسوله ومن حارب الله فهو مهزوم وهو مجلب لسوء الخاتمة نعوذ بالله من ذلك. لذا يجب على المسلم أن يتقي الله في نفسه وأن يبتعد عن المعاملات الربوية وعن جميع أنواع الحرام ومكاسبه وطرقه وأن يتوب إلى الله تعالى قبل أن يموت فيندم حين لا ينفعه الندم، اللهم تب علينا إنك أنت التواب الرحيم اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك وبطاعتك عن معصيتك وبفضلك عمن سواك.
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
فائدة
أما المعاملات المشروعة التي هي حلال ومباحة فهي البيع والشراء بصدق وأمانة والقرض بدون فائدة وبيع السَّلمَ بأن تدفع نقودًا بسلعة معلومة إلى أجل معلوم، ومن الجائز عند الجمهور أن تبيع سلعة بأكثر من ثمنها الحالي إلى أجل معلوم، وفي الحلال بركة وكفاية عن الحرام وبالله التوفيق.
طرق الكسب الحرام
قال الله تعالى: }وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ{ [البقرة: 188].
أي ولا تأخذوا أموالكم أي أموال غيركم، أضافها إليهم لأنه ينبغي للمسلم أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه ويحترم ماله كما يحترم ماله، ولأن أكله لمال غيره يجرئ غيره على أكل ماله عند القدرة، ولما كان أكلها نوعين: نوعًا بحق ونوعًا بباطل وكان المحرم إنما هو أكلها بالباطل قيده تعالى بذلك، ويدخل في ذلك أكلها على وجه الغصب والسرقة والخيانة في وديعة أو عارية أو نحو ذلك، ويدخل فيه أيضًا أخذها على وجه المعاوضة بمعاوضة محرمة كعقود الربا والقمار كلها فإنها من أكل المال بالباطل لأنه ليس في مقابلة عوض مباح، ويدخل في ذلك أخذها بسبب غش في البيع والشراء ونحوها، ويدخل في ذلك استعمال الأجراء وأكل أجرتهم، وكذلك أخذهم أجرة على عمل لم يقوموا بواجبه، ويدخل في ذلك أخذ الأجرة على العبادات والقربات التي لا تصح حتى يقصد بها وجه الله تعالى، ويدخل في ذلك الأخذ من الزكوات والصدقات والأوقاف والوصايا لمن ليس له حق منها أو فوق حقه، فكل هذا ونحوه من أكل المال بالباطل فلا يحل ذلك بوجه من الوجوه حتى ولو حصل فيه النزاع والارتفاع إلى حاكم الشرع وأدلى من يريد أكلها بالباطل بحجة غلبت حجة المحق وحكم له الحاكم بذلك فإن حكم الحاكم لا يبيح محرمًا ولا يحل حرامًا وإنما يحكم على نحو ما يسمع، وإلا فحقائق الأمور باقية فليس في حكم الحاكم للمبطل راحة ولا شبهة ولا استراحة، فمن أدلى إلى الحاكم بحجة باطلة وحكم له بذلك فإنه لا يحل له ويكون أكلاً لمال غيره بالباطل والإثم وهو عالم بذلك فيكون أبلغ في عقوبته وأشد في نكاله، وعلى هذا فالوكيل إذا علم أن موكله مبطل في دعواه لم يحل له أن يخاصم عن الخائن كما قال تعالى: }وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا{ [النساء: 105] اهـ من تفسير ابن سعدي (1/ 110، 111).
لذا حرم الله تناول الحرام من أي وجه كان سواء أكان رشوة أو سرقة أو ربا أو غلولا أو من قمار أو غصب أو اختلاس من وراء وظيفة أو غش أو قيمة شيء محرم أو أجرته كمهر البغي وحلوان الكاهن وكثمن آلات اللهو والصور المحرمة والكتب والمجلات والصحف المشتملة على الإلحاد أو الخلاعة وكثمن الخمر والدخان وكالأجرة على الرقص أو الغناء والعزف وعلى شهادة الزور وما اقتطع بيمين كاذبة أو أخذ بغير حق وإن كان حكم به القاضي إلى غير ذلك من طرق الكسب الحرام.
روى البخاري من حديث خولة الأنصارية أن رسول الله e قال: «إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة» وروى الطبراني عن زيد بن أرقم عن أبي بكر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله e يقول: «كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به»، وفي الحديث: «لا يدخل الجنة جسد غذي بالحرام» (رواه الترمذي).
وروى البيهقي بإسناده إلى رسول الله e قال: «إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم وإن الله يعطي الدنيا من يحب، ومن لا يحب ولا يعطي الدين إلا من يحب فمن أعطاه الله الدين فقد أحبه ولا يكسب عبد مالا حرامًا فينفق منه فيبارك له فيه ولا يتصدق منه فيقبل منه، ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده إلى النار إن الله لا يمحو السيئ بالسيئ ولكن يمحو السيئ بالحسن» (انظر الإرشاد إلى طريق النجاة ص 43 للشيخ عبد الرحمن الحماد العمر).
وفي صحيح مسلم حين ذكر النبي ﷺ «الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنا يستجاب لذلك».
ومن المحرمات أكل الميتة والدم ولحم الخنزير وشرب الخمر ونكاح المحارم ولباس الحرير والذهب للرجال، ومثل الاكتساب المحرم كالربا والميسر وثمن ما لا يحل بيعه وأخذ الأموال المغصوبة بسرقة أو غصب ونحو ذلك.
قال العلماء – رحمهم الله –: ويدخل في هذا الباب المكَّاس والخائن والسارق وآكل الربا وموكله وآكل مال اليتيم وشاهد الزور ومن استعار شيئًا فجحده وآكل الرشوة ومنقص الكيل والوزن ومن باع شيئًا فيه عيب فغطاه والمقامر والساحر والمنجم والمصور والزانية والنائحة والدلال إذا أخذ أجرته بغير إذن البائع. [انظر جامع العلوم والحكم لابن رجب ص 59 وكتاب الكبائر للذهبي ص 117].
وما سوى ذلك فهو حلال مثل أكل الطيبات من الزروع والثمار وبهيمة الأنعام وشرب الأشربة الطيبة ولباس ما يحتاج إليه من القطن والصوف وغيرهما مما أحل الله ورسوله إذا كان اكتسابه بعقد صحيح كالبيع أو ميراث أو هبة أو غنيمة، فالحلال بيِّن والحرام بيِّن والحلال ما أحله الله ورسوله، والحرام ما حرمه الله ورسوله، وقد أحل الله لنا الطيبات النافعة وحرم الخبائث الضارة رحمة بنا وإحسانًا إلينا وقد أنزل الله على نبيه الكتاب وبين فيه للأمة ما تحتاج إليه من حلال وحرام كما قال تعالى: }ونزلنا عليك الكتاب تبيانًا لكل شيء{ [النحل: 89]، وما قُبِضَ رسول الله ﷺ حتى أكمل الله له ولأمته الدين، كما قال تعالى: }الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا{ [المائدة: 3]. فما ترك الله ورسوله حلالاً إلا مبينا ولا حرامًا إلا مُبَيَّنًا. فلله الحمد على ذلك. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
من أحكام المداينة
فتوى رقم 5869 وتاريخ 21/7/1403هـ.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه وبعد:
فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على السؤال المقدم من المستفتي إلى سماحة الرئيس العام والمحال إليها برقم 1297 في 7/6/1403هـ ونصه:
(فيه شخص طلب من شخص آخر أن يدينه لمدة سنة فأخذ الدائن مبلغ مائة ألف ريال وذهب هو والمستدين للتاجر. واشترى الدائن بهذا المبلغ طوائق دوبلين كل أربعين طاقة مشموع عليها جميعًا في صندوق فلما اشتراها الدائن وملكها وحسبها وعرف عددها وهي في مكانها في الدكان قام وباعها على المستدين الذي معه بيعًا مؤجلاً لمدة سنة المائة بمائة وعشرين أو العشرة إحدى عشرة مثلاً. وانتهت المدة واستلم الدائن بعض حقه ثم قيل له: إن في هذه المسألة ربًا فتوقف عن استلام باقي حقه. فالتاجر الذي اشتريت منه هذه البضاعة بنقد اشتراها من المستدين في الحال وسلم له ثمنها إلا شيء بسيط يسمونه السعي فالشراء الأول من صاحب الدكان وبيعها على المستدين وبيع المستدين على صاحب الدكان كل هذه الأمور في مكان واحد ووقت واحد ولكن بعد أن عدها الدائن وملكها وعرف حسابها وكذلك المستدين ملكها وعدّها وعرف حسابها قبل بيعها على صاحب الدكان. فهل في هذه المسألة ربًّا؟ وهل يأخذ الدائن ربحًا مع رأس ماله عن مدة التأجيل؟ وما حكم الدينة بهذه الصورة التي يعمل بها أكثر التجار؟ وفيما لو كانت ليست سليمة من الربا فماذا يعمل بالفائدة؟ وكيف يمكن إقناع المتعاملين بها؟ وهل يوجد بديل عنها؟ أفتونا أجاركم الله من عذاب النار وقنعنا وإياكم بالرزق الحلال وسلام الله عليكم).
وأجابت بما يلي:
بيع صاحب الدكان طاقات القماش على من سمي دائنًا صحيح إذا كانت الطاقات معلومة الصفة والعدد للطرفين وبيع هذا المشتري هذه الطاقات على من طلب منه دينًا إلى أجل غير صحيح على الراجح من أقوال العلماء؛ لأنه باعه إياها قبل قبضها من صاحب الدكان بنقلها من الدكان، ولا يعتبر عدها ومعرفة حسابها قبضًا لها وعلى هذا فليس لمن سمي دائنًا إلا المبلغ مائة ألف وعليه أن يرد الزائد عنها إلى من اشترى منه قبل القبض لأن النبي e نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم([15]).
أما إذا نقلها من سمي دائنًا من الدكان ثم باعها إلى أجل بعد نقلها على من طلب منه مبلغًا فبيعه صحيح ولو كان بأكثر مما اشتراها به من صاحب الدكان وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
من أحكام المداينة وغيرها
فتوى رقم 4789 وتاريخ 9/7/1402هـ
الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله محمد وآله وصحبه وبعد:
فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على الأسئلة الواردة من فلاح بن محمد القحطاني المقيدة بإدارة البحوث برقم 786 في تاريخ 26/4/1402هـ وأجابت عن كل سؤال عقبه:
[س 1] منذ حوالي سبع سنوات حضر إلى شخص وطلب مني إعطاءه دينه على دور الحول وفعلاً قمت بإعطائه ألف ريال عدًّا ونقدًا على أن يدفع لي بعد سنة كاملة تسعين صاعًا قهوة وهذا المبلغ المدفوع لشخص يتيم وأنا وكيل على أمواله ومن أخذ الدينة شخص ثري ولكنه دار الحول ومضى عليه بزيادة ست سنوات ولم يسدد ما في ذمته وصاع القهوة المتفق عليها عند أخذه الدينة بسعر خمسة وثلاثين إلى ثلاثين وهي قهوة يمنية والآن أصبح سعر الصاع للقهوة المدينة سبعين ريالاً أرجو إفتائي بذلك وإبراء ذمتي من ذلك لأنني لا أمتلك من ذلك سوى الخير لصاحب المبلغ وفقكم الله لما فيه الخير والسداد للإسلام والمسلمين.
[ج 1] إذا كان الواقع ما ذكر فعليك أن تطالب المدين بالقهوة التي أسلمت عليه فيها ولا يجوز أن تأخذ عنها عوضًا لا نقدًا ولا غيره من الأعيان إلا إذا كان اليتيم قد أرشد ورضي لنفسه بأخذ رأس المال فيجوز له أخذه أي رأس المال فقط أو المطالبة بالقهوة.
[س 2] عند إصابة شخص لا سمح الله وهي فتاة أو امرأة ثم حضر لها شخص لم يكن لها محرمًا ثم قام بإنقاذها من أي كارثة كانت سواء كانت حريقًا أو غرقًا أو ما شابه ذلك حيث لو كان لم يحضر لها قدمت إلى جوار ربها وبعد مدة حضر لوليها ثم طلب يدها هل تحل له هذه الفتاة أو المرأة أم لا؟
[ج 2] تَسَبُّبُ شخص ما في إنقاذ امرأة من غرق أو حرق أو نحو ذلك لا يصيره محرمًا لها بحال من الأحوال بإجماع المسلمين ولا يمنعه من الزواج بها.
[س 3] ماذا يقول فضيلتكم في الأشخاص الذين يدفعون مبلغ تسعة آلاف ريال فأقل لشخص ما بحيث يدفع له على دور الحول سيارة داتسون؟ وماذا يقول فضيلتكم في الأشخاص الذين يدينون سيارة داتسون بمبلغ اثنين وعشرين ألف ريال مع العلم أن فضيلتكم يفهم بأن الأشخاص الذين يقدمون على هذه الحاجات من الأشخاص المحتاجين؟ أرجو إفتائي بذلك. الله لا يحرمنا وجودكم ولا يحرمكم الأجر والثواب.
[ج 3] (أ) هذا نوع من السلم ولا حرج في ذلك إذا كانت السيارة معلومة بالوصف والأجل معلوم لعموم قوله جل وعلا: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ{ [البقرة: 282].
وقول النبي e: «من أسلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم» [رواه البخاري ومسلم]. وذكر الكيل والوزن على سبيل التمثيل لا الحصر.
(ب) إذا اشترى الإنسان السيارة وقبضها قبضًا شرعيًّا جاز له أن يبيعها بقيمة مؤجلة إلى أجل معلوم أو مقسطة إلى آجال معلومة ولا شيء في ذلك إن شاء الله. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
من أحكام بيع وشراء الذهب
فتوى رقم 7923 وتاريخ 22/12/1404هـ.
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه وبعد:
فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على الأسئلة المقدمة من محمد بن عبد الله العبودي إلى سماحة الرئيس العام والمحالة برقم 2690 في 1/11/1404هـ وأجابت عن كل منها عقبه فيما يلي:
[س 1] إذا بعت الذهب على الزبائن وسلموا لي القيمة بموجب شيك على أحد البنوك فهل يجوز لي أستلام الشيك كقيمة للذهب؟ وهل يعتبر الشيك يدًا بيد حيث إنني لم استلم قيمة الشيك من البنك إلا بعد مدة؟ أم لا يجوز ذلك؟ ويلزمني استلام قيمة الذهب نقدًا وهذا يشق على كثير من الناس.
[ج 1] يعتبر استلام الشيك قبضًا كما في الحوالة دفعًا للحرج.
[س 2] إذا حضر شخص يريد أن يشتري بعض المجوهرات من الذهب ولما وزنت له ما يريد وجد أن المبلغ الذي معه لا يكفي قيمة للذهب فمعلوم في هذه الحالة أنه لا يجوز لي بيعه الذهب وتسليمه له وهو لم يسلمني إلا جزءًا من القيمة لكن إذا كنا في وقت الصباح مثلاً وقال لي: أترك الذهب عندك حتى وقت العصر كي أحضر لك كامل الدراهم واستلم الذهب الذي اشتريته منك ففي هذه الحالة هل يجوز لي أن أترك الذهب على كيسه وحسابه حتى يحضر لاستلامه؟ أم يلزمني أن ألغي العقد وهو إن حضر فهو كسائر المشترين وإلا فلا شيء بيننا؟
[ج 2] لا يجوز أن يبقى الذهب الذي اشتراه منك على حسابه حتى يأتي بالدراهم، بل لم يتم العقد تخلصًا من ربا النسيئة ويبقى الذهب لديك في ملكك فإذا حضر ببقية الدراهم ابتدأتما عقدًا جديدًا يتم في مجلسه التقابض بينكما.
[س 3] إذا اشترى من شخص ذهبًا وسلم قيمته واستلم الذهب ثم جاء بعد مدة وأراد إعادة الذهب واستلام ما سلمه لي فهل يجوز لي ذلك أم لا بد أن أشتريه منه إن رغب بسعر السوق.
[ج 3] إن كان الأمر كما ذكرت جاز ذلك بطريق الإقالة والاستقالة.
[س 4] إذا أحضرت إلي امرأة مجوهرات تريد بيعها علي واشتراء بدل منها فإذا قمت بوزن ذهبها وعلمت ثمنه وأخبرتها بذلك ففي هذه الحالة هل يلزمني أن أقوم بتسليمها ثمن ذهبها وعندما أقوم بوزن ما تريد شراءه استرجع المبلغ منها مرة أخرى على أنه قيمة الذهب الذي اشترته مني أم أنه يكفي أن أعرف قيمة ذهبها وأبيعها ذهبًا بما يساوي تلك القيمة وأعتبره ثمنًا للذهب الذي اشترته دون قيامي بتسليمها قيمة ذهبها حيث أن المجلس واحد ولم يحصل تفرق بينهما.
[ج 4] لا يجوز ذلك بطريق المقاصة في الثمنين مع اختلاف وزن الذهبين بل تبرمان عقدًا شرعيًّا لشرائك ما معها من الذهب ثم يكون لها الخيار في شراء ذهب منك بعقد آخر أو من غيرك مع مراعاة التقابض والتساوي في الوزن عند اتحاد الجنس والتقابض فقط عند اختلاف الجنس.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
حكم بيع وشراء الأسهم
فتوى رقم 4016 وتاريخ 20/10/1401هـ.
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على ما ورد إلى سماحة الرئيس العام من المستفتي دخيل الله سعد الحارثي والمحال إلى اللجنة من الأمانة العامة والسؤال هو: ما حكم شراء الأسهم بأكثر من رأس المال؟ وقد اشتريت بعض الأسهم وبعتها بأكثر من الشراء فما حكم التصرف فيها علمًا بأنه يوجد عندي بعض الأسهم؟
وأجابت بما يلي:
إذا كانت هذه الأسهم لا تمثل نقودًا تمثيلاً كليًّا أو غالبًا وهي معلومة للبائع والمشتري جاز بيعها وشراؤها لعموم أدلة جواز البيع والشراء وإنما تمثل أرضًا أو سيارات أو عمارات ونحو ذلك. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
فضل إنظار المعسر وإبرائه ومسامحته
قال تعالى: }وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ{ [البقرة: 280].
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره: يأمر تعالى بالصبر على المعسر الذي لا يجد وفاء فقال: }وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ{. لا كما كان أهل الجاهلية يقول أحدهم لمدينه إذا حل عليه الدين: إما أن تقضي وإما أن تربي. ثم ندب إلى الوضع عنه ووعد على ذلك الخير والثواب الجزيل، فقال: }وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ{. أي وأن تتركوا رأس المال بالكلية وتعفوا عن المدين خير لكم فستجدون ثوابه مدخرًا لكم عند ربكم أحوج ما تكونون إليه فالتصدق بالإبراء وإن كان تطوعًا خير وأفضل من إنظاره وإن كان فرضًا. وقد وردت أحاديث صحيحة متعددة في فضل إنظار المعسر وإبرائه ومنها:
«من سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينفس عن معسر أو يضع عنه» [رواه مسلم].
و«من أنظر معسرًا أو وضع عنه أنجاه الله من كرب يوم القيامة» [رواه مسلم].
و«كان رجل يداين الناس فكان يقول لفتاه: إذا أتيت معسرًا فتجاوز عنه لعل الله أن يتجاوز عنا قال: فلقي الله فتجاوز عنه» [متفق عليه].
و«من أنظر معسرًا أو وضع عنه أظله الله في ظله» [رواه مسلم].
«الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من السماء» [رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح].
و«لا يرحم الله من لا يرحم الناس» [متفق عليه].
و«لا تنزع الرحمة إلا من شقي» [رواه أحمد والترمذي].
فدلت الآية الكريمة والأحاديث الشريفة على وجوب إنظار المعسر وفضله وأن الصدقة عليه ومسامحته أفضل من إنظاره وأن ذلك من أسباب المغفرة والرضوان. ومن أسباب الفوز بالثواب والسلامة من العقاب وأن رحمة الناس من أسباب رحمة الله. فالجزاء من جنس العمل.
نسأل الله أن يقضي الدين عن المدينين وأن يجزي المحسنين خير الجزاء.
عن أبي سعيد قال أصيب رجل في عهد رسول الله e في ثمار ابتاعها فكثر دينه فقال رسول الله e: «تصدقوا عليه»، فتصدق الناس عليه فلم يبلغ ذلك وفاء دينه فقال رسول الله e لغرمائه: «خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك» [رواه مسلم].
وعن كعب بن مالك رضي الله عنه «أنه تقاضى ابن أبي حدرد دينًا كان له عليه في المسجد فارتفعت أصواتهما حتى سمعهما رسول الله e وهو في بيته فخرج إليهما حتى كشف سقف حجرته فنادى: يا كعب، قال: لبيك يا رسول الله، قال: ضع من دينك هذا وأومأ إليه أي الشطر، قال: لقد فلعت يا رسول الله. قال قم فاقضه» [رواه البخاري].
حسن النية في قضاء الدين من أسباب الإعانة على الوفاء
ومن أعظم الظلم المماطلة بحق عليه مع قدرته على الوفاء لما ثبت في الصحيحين أن رسول الله e قال: «مطل الغني ظلم» وفي رواية: «لَيُّ الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته» واللي: المطل، أي مطل الواجد الذي هو قادر على وفاء دينه؛ «يحل عرضه» أي يبيح أن يذكر بسوء المعاملة ويحل شكايته. «وعقوبته» أي سجنه وحبسه.
ففيه دليل على جواز حبس من عليه الدين حتى يقضيه إذا كان قادرًا على القضاء تأديبًا له وتشديدًا عليه.
وينبغي لمن استدان دينًا أن ينوي الوفاء فالأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى قال عليه الصلاة والسلام «من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه ومن أخذ أموال الناس يريد إتلافها أتلفه الله» (رواه البخاري وغيره).
ويستفاد مما تقدم ما يلي:
1- أن الجزاء من جنس العمل في الخير والشر.
2- عدم المماطلة ممن عليه الدين وترك التسويف إذا كان قادرًا على الوفاء.
3- أن عدم الوفاء ممن يستطيعه ظلم والظلم ظلمات يوم القيامة.
4- الحث على حسن المعاملة ليتجنب المستدين هتك عرضه وشتمه وغيبته وحبسه.
5- أن كل من قدر على أداء ما عليه من حقوق ولم يف، حُشِرَ مع الظالمين المعتدين.
6- أن للنية الطيبة أثر في جلب الرزق وتيسير الوفاء.
7- أن للنية الخبيثة في عدم الوفاء أثر في منع الرزق وتلف المال.
8- أن توطيد العزم على الوفاء سعادة ومن علامات التوفيق للرزق.
فاحرص يا أخي على السلامة من الدين وإذا اضطررت إليه فاستدن بنية الوفاء ليعينك الله عليه ويسهل عليك الوفاء، وإياك أن تغامر فتستدين مبالغ باهظة لا تستطيع وفاءها فتحمل نفسك مالا طاقة لها به من الهم والغم والإثم وسوء العاقبة.
قال الله تعالى: }وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ{ أي لا يأكل بعضكم مال بعض بالباطل، والأكل بالباطل على وجهين.
1- أحدهما أن يكون على جهة الظلم والغصب والخيانة والسرقة.
2- والثاني على جهة الهزل واللعب كالذي يؤخذ في القمار والملاهي ونحو ذلك، وفي صحيح البخاري أن رسول الله e قال: «إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة» وفي هذا الحديث وعيد شديد لمن تحيل على أخذ أموال الناس بغير حق ثم إن الذي يأكل الحرام لا يستجاب له دعاء، نسأل الله العافية.
(انظر كتاب الكبائر للإمام الذهبي ص 128).
التحذير من القمار وشرب المسكر وبيوع الغرر
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه.
أما بعد:
فقد لوحظ قيام بعض المؤسسات والمحلات التجارية بنشر إعلانات في الصحف وغيرها عن تقديم جوائز لمن يشتري من بضائعها المعروضة، مما يغري بعض الناس على الشراء من هذا المحل دون غيره أو يشتري سلعًا ليس له فيها حاجة طمعًا في الحصول على إحدى هذه الجوائز وحيث أن هذا نوع من القمار المحرم شرعًا والمؤدي إلى أكل أموال الناس بالباطل ولما فيه من الإغراء والتسبب في ترويج سلعته وإكساد سلع الآخرين المماثلة ممن لم يقامر مثل مقامرته.
لذلك أحببت تنبيه القراء على أن هذا العمل محرمًا والجائزة التي تحصل عن طريقه محرمة لكونها من الميسر المحرم شرعًا وهو القمار فالواجب على أصحاب التجارة الحذر من هذه المقامرة وليسعهم ما يسع الناس وقد قال سبحانه وتعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرًا{ [النساء: 29، 30].
وهذه المقامرة ليست من التجارة التي تباح بالتراضي بل هي من الميسر الذي حرمه الله لما فيه من أكل المال بالباطل ولما فيه من إيقاع الشحناء والعداوة بين الناس كما قال سبحانه: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ{ [المائدة: 90، 91].
والله أسأل أن يوفقنا وجميع المسلمين لما فيه رضاه وصلاح أمر عباده وأن يعيذنا جميعًا من كل عمل يخالف شرعه إنه جواد كريم وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية
والإفتاء والدعوة والإرشاد
حكم من يشتري البضاعة ويبيعها وهي في مكانها
س: يشتري بعض التجار البضاعة ثم لا يستلمها ولا يعاينها بل يأخذ بها سند بيع وقبض للقيمة ويتركها في مستودعات التاجر الأول الذي اشتراها منه ثم يبيعها التاجر الثاني لغيره وهي في مستودعات التاجر الأول فما حكم ذلك.
الجواب: لا يجوز للمشتري بيع هذه البضاعة ما دامت موجودة في ملك البائع حتى يتسلمها المشتري وينقلها إلى بيته أو إلى السوق لما ثبت عن النبي e من الأحاديث الصحيحة في ذلك، منها قوله e: «لا يحل سلف وبيع ولا بيع ما ليس عندك» (أخرجه الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد صحيح).
ولقوله e لحكيم بن حزام: «لا تبع ما ليس عندك» (أخرجه الخمس إلا أبا داود بإسناد جيد)، ولما ثبت عن زيد بن ثابت عن النبي e أنه نهى عن أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم. (رواه أحمد وأبو داود وصححه ابن حبان والحاكم).
وهكذا من اشتراها من المشتري ليس له أن يبيعها حتى ينقلها إلى بيته أو إلى مكان آخر من السوق للأحاديث المذكورة ولأحاديث أخرى جاءت في المعنى..
والله ولي التوفيق،،،
الشيخ: ابن باز
الدعوة (996).
حكم استقدام العمال وتشغيلهم بجزء من أجورهم
مضمون قرار رقم 103 وتاريخ 28/ 3/ 1403 هـ
الحمد لله والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه.
وبعد:
بحث المجلس موضوع استقدام العمال وتشغيلهم عند غير المستقدمين على أن يكون للمستقدم جزء مشاع من أجورهم أو مبلغ معلوم منها بناء على الأسئلة الكثيرة المتكررة التي ترد إلى الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد واطلع على البحث الذي أعدته اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء وبعد المناقشة وتداول الآراء قرر المجلس أن كل استخدام وتشغيل للمستقدمين يخالف ما أقرته الدولة للمصلحة العامة فهو ممنوع وأن كل ما يأخذه المستقدمون من العمال مقابل تمكينهم من العمل عند غيرهم يعتبر محرمًا؛ لأن الكتاب والسنة قد دلاَّ على وجوب طاعة ولي الأمر بالمعروف ولما يترتب على استخدام العمال على غير الوجه الذي استقدموا من أجله من الفساد الكبير والشر العظيم على المسلمين فوجب منعه.
هذا وبالله التوفيق وصلى الله وسلم على نبينا محمد
حكم التجارة في الدخان والجراك ونحوهما
سؤال وجواب من الفتوى رقم 1407 وتاريخ (9/ 11/ 1396هـ).
س: ما حكم التجارة في الدخان والجراك وأمثالهما وهل تجوز الصدقة والحج وأعمال البر من أثمانها وأرباحها؟
ج: لا تحل التجارة في الدخان والجراك وسائر المحرمات لأنه من الخبائث ولما فيه من الضرر البدني والروحي والمالي وإذا أراد الشخص أن يتصدق به أو يحج أو ينفق في وجوه البر فينبغي له أن يتحرى الطيب من ماله ليتصدق به أو يحج به أو ينفقه في وجوه البر لعموم قوله تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ{ الآية.
وقوله e: «إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا» الحديث.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
رسالة إلى أصحاب التموينات والبقالات
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فإن بيننا رابطة هي أعظم من رباط النسب والرحم والوطن، إنها رابطة الأخوة الإسلامية والصلة الإيمانية التي لا تجمع بيننا فحسب بل وتوجب علينا المحبة والتآلف والتناصح والتعاون على كل أمر فيه نصرة لهذا الدين القويم أو إصلاح لمجتمعنا الكريم وبدافع من هذه الأخوة التي قررها الله تعالى في قوله: }وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ{ [التوبة: 71] رأيت أن أكتب إليك هذه السطور متضمنة التنبيه على بعض الأخطاء التي يغفل عنها أو عن آثارها بعض أصحاب البقالات التي يغفل عنها أو عن آثارها بعض أصحاب البقالات وأنا على يقين من أن هذا التنبيه سيلقى منك قبولاً واهتمامًا لما في قلبك من خشية الله ومحبته، ولحرصك على رضا ربك وطاعة حبيبك e لا سيما وأن خطر هذه الأخطاء يكمن في ضررها على دينك الذي تلقى به ربك يوم تبعث إليه للحساب فتفرح بكل حسنة قدمتها، ولا تملك أمام كل سيئة وإن صغرت إلا الحسرة والندامة.
ولا أشك أن الآخرة أعظم في قلبك من الدنيا وأن دينك أكبر في نفسك من أن تضحي بجزء منه مقابل دراهم قليلة، لكنها الغفلة عن حقارة هذه الدار وعظمة الواحد القهار، وإلا فأي عاقل يرضى بأن يَقْتَحِمَ من الذنوب ما يعرضه لعذاب النار التي أخبر الصادق e: «أن أهون أهلها عذابًا من يوضع تحت قدميه جمرتان يغلي منهما دماغه» (متفق عليه).
أخي وفقك الله: إن من أبرز هذه الأخطاء التي يتساهل فيها البعض بيع الصحف والمجلات التي تحارب الفضيلة والأخلاق وتطلب الربح على حساب المتاجرة بغرائز الشباب ونشر الرذيلة في الأمة عبر صور الغلاف والمقالات التي توافقني أن كاتبها وناشرها لم يهتم بسخط الله ولا بالخلق الكريم، وأنك أخي حفظك الله حين تسمح ببيعها تشارك في مسئولية ترويجها وتحقيق أهداف أصحابها من حيث لا تشعر وثق بأن الله سيبارك لك في بضاعتك وبيعك دون الحاجة إلى أن تخلط بكسبك الحلال مالاً حرامًا: }وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ{ [الطلاق: 2، 3].
ومن الأخطاء أيضًا التي شاعت حتى ظن البعض أنها حلال مباح بيع الدخان الذي قد أفتى العلماء الناصحون بتحريمه لأنه من الخبائث التي تضر بصحة المسلم وبالمقابل يجني أعداء الأمة آلاف الملايين من وراء المتاجرة به في بلاد الإسلام، وأنت بإذن الله لا ترضى بأن تساهم في ذلك مهما در عليك من ربح }قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ{ [المائدة: 100].
أخي المسلم: أعد قراءة هذه السطور بتأمل وتجرد عن كل شيء سوى مراقبة الله وأعلم أن كل حجة لا تنفعك يوم القيامة لا خير فيها }وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ{ [البقرة: 203].
وفي الختام أودعك وأنا أدعو الله أن يبارك في رزقك، وأن يمتعك بالصحة والسعادة، والله يحفظك ويرعاك.
كتبه
الشيخ/ عبد المحسن العبيكان
القاضي بالمحكمة الكبرى/ بالرياض
إلى كل بائع دخان
إذا كان الدخان حرامًا وإذا كان شربه إثمًا فكيف يكون حال بائعه؟!
أخي البائع ما هو عذرك أمام الله يوم القيامة، ماذا ستقول وبماذا ستعتذر؟ هل تقول: هناك الكثير من الناس يبيعه ويشربه وإنني واحد منهم، أو هل ستقول: إن الدولة قد أباحت بيعه وبالتالي هي المسئولة عن ذلك؟ أو ستقول بأنني لو لم أقم بيعه قام غيري بذلك! فالعذر الأول قال الله تعالى فيه: }وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ{ [الأنعام: 116] وقال تعالى: }يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَ * وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَ * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا{ [الأحزاب: 66-68].
وفي العذر الثالث: قال الله تعالى: }قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ{ [المائدة: 100] وقد قال تعالى: }بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ{ [القيامة: 14، 15] أي مهما اعتذر الإنسان يوم القيامة فاعتذاره مردود عليه ولله الحجة البالغة على كل حال.
يا أخي اتق الله في نفسك فهذه كلها أعذار واهية لن تقبل منك يوم القيامة، ولكن هذه مبررات لضميرك ولنفسك الأمارة بالسوء، حيث إنها تتعلق بالأماني وتتعلق بأي عذر لعمل السيئات وهذا من ضعف الإيمان، اتق الله في المال الذي تجنيه من هذه التجارة فأولادك يأكلون منه وقد تتصدق منه فلا يقبله الله منك لأن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا.
وفي حديث لرسول الله e قال: «إن رجلاً أشعث أغبر يدعو الله تعالى ويقول: يا رب يا رب ومأكله حرام ومشربه حرام وملبسه حرام فأنى يستجاب له» أو كما قال عليه أفضل الصلاة والتسليم، أي كيف يستجيب الله لدعاء رجل مأكله حرام؟! وقال رسول الله e: «أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة» (رواه الطبراني في الصغير وأشار المنذري إلى ضعفه).
يا أخي قد تكون أرباحك من الدخان نسبة قليلة مقارنة مع البضائع الأخرى ولكن الحرام القليل يفسد الحلال الكثير، فلو وضعت تفاحة فاسدة مع تفاحة صالحة لأفسدتها، وسوف يسألك أهلك ومن تقوم بالصرف عليهم أمام الله تعالى لأن هذا كسب حرام وسوف يكون وبالاً عليك، فأنت بعملك هذا قد وقعت في الإثم.
فأنت يا من تبيع الدخان قد وقعت تحت نوعين من الظلم، ظلم النفس، فأنت قد ظلمت نفسك ببيعه وشرائه وظلم الغير ببيعه لهم، وظلم أهلك بتغذيتهم من مال حرام، اتق الله يا أخي وتب إليه من قبل أن يأتي يوم لا ينفعك فيه شيء أبدًا، يوم يأتي أهلك ويأتي كل من قمت ببيعهم يحاجُّونك أمام رب العالمين، ترى ماذا يكون ردك؟ وماذا سيكون دفاعك؟
لا تقل لنفسك: إنني لو لم أبعه لباعه غيري، فيا أخي لا تنس قول الله تعالى: }كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ{ [المدثر: 38] فأنت مسئول عن نفسك وعن من تعول ولست مسئولاً عن الآخرين إلا من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
إن شارب الدخان يأثم وسيأتي بك يوم القيامة أمام الله ويقول: اشتريته من هذا فكلاكما في الإثم سواء ولكن إثمك أنت مضاعف فهو عليه إثم شربه ولكن أنت عليك إثم بيعه وترويجه، فبقدر ما تبيع منه، بقدر ما تأثم، فإذا كنت تبيع في اليوم الواحد لعشرين مدخن على سبيل المثال فعليك إثمهم جميعًا من غير أن ينقص من آثامهم شيء، قال رسول الله e: «من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء» (رواه مسلم).
فإذا كنت صاحبًا لهذا المحل فعليك أن تتوب إلى الله تعالى وسوف يبارك الله لك في مالك.
وإذا كنت عاملاً فيه فعليك بنصيحة صاحبه بالتوقف عن بيع الدخان وإذا لم يقبل فعليك أن لا تعمل في هذا المحل، وسوف يرزقك الله عملا غيره لأنك تشترك في الإثم فقد قال الله تعالى: }ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب{ [الطلاق: 2، 3] }وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا{ [الطلاق: 4] وقال تعالى: }فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ{ [البقرة: 275].
فباب التوبة مفتوح فتب يا أخي واتق نارًا وقودها الناس والحجارة ولا يغرنك بالله الغرور.
فكل نفس بما كسبت رهينة، وكل مسئول عن نفسه وعن من يعول أمام الله تعالى.
والدخان أمر سوء، وبيعه من السوء، وقد قال تعالى: }إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ{ [النساء: 17، 18].
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
فتوى
س: ما حكم شراء مجلات عرض الأزياء (البردة) للاستفادة منها في بعض موديلات ملابس النساء الجديدة والمتنوعة وما حكم اقتنائها بعد الاستفادة منها وهي مليئة بصور النساء؟
ج: لا شك أن شراء المجلات التي ليس بها إلا صور محرم لأن اقتناء الصور حرام لقول الرسول e: «لا تدخل الملائكة بيتًا فيه صورة» (رواه البخاري ومسلم وغيرهما) ولأنه لما شاهد الصورة في النمرقة عند عائشة وقف ولم يدخل وعرفت الكراهية في وجهه.
وهذه المجلات التي تعرض الأزياء يجب أن ينظر فيها فما كل زي يكون حلالاً قد يكون هذا الزي متضمنًا لظهور العورة إما لضيقه أو لغير ذلك وقد يكون هذا الزي من ملابس الكفار التي يختصون بها والتشبه بالكفار محرم لقول الرسول e «من تشبه بقوم فهو منهم» (رواه أحمد وأبو داود وإسناده حسن) فالذي أنصح به إخواننا المسلمين عامة ونساء المسلمين خاصة أن يتجنبن هذه الأزياء لأن منها ما يكون تشبهًا بغير المسلمين ومنها ما يكون مشتملاً على ظهور العورة ثم إن تطلع النساء إلى كل زي جديد يستلزم في الغالب أن تنتقل عاداتنا التي منبعها ديننا إلى عادات أخرى متلقاة من غير المسلمين.
(عن رسالة أسئلة مهمة للشيخ محمد الصالح العثيمين ص (24)).
رسالة إلى أغنياء المسلمين
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
فيقول الله تبارك وتعالى: }مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ{ [البقرة: 261].
ويقول رسول الله e: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعي له سائر الجسد بالحمى والسهر» (رواه البخاري في الأدب 27، ومسلم 66).
ويقول e: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا» وشبك بين أصابعه (البخاري صلاة 88، ومسلم 25).
ويقول e: «من جهز غازيًا فقد غزا ومن خلفه في أهله بخير فقد غزا» (البخاري جزء 38 ومسلم جزء 125).
فمساعدة المجاهدين والمهاجرين الأفغان من أفضل القربات ومن أعظم الأعمال الصالحات من الزكاة وغيرها ومن حكمة الزكاة في الإسلام والصدقات أن يشعر المسلم برابطة تجذبه نحو أخيه لأنه يشعر بما يؤلمه ويحس بما يقع عليه من كوارث ومصائب فيرق له قلبه ويعطف عليه ليدفع مما أعطاه الله بنفس راضية، وقلبه مطمئن بالإيمان.
والمجاهدون الأفغان والمهاجرون منهم، وفقهم الله جميعًا يعانون مشكلات في حياتهم فرغم أن عدوهم وعدو الدين الإسلامي يضربهم بقوته وأسلحته وبكل ما يستطيع فإنهم بحمد الله صامدون ومصرون على مواصلة الجهاد في سبيل الله كما تتحدث عنهم الأخبار والصحف، لم يضعفوا ولم تلن شكيمتهم، إلا أن مشكلتهم نتجت من الدمار الذي حل بديارهم والتخريب الذي أحدثته أسلحة الروس وطائراتهم والفاقة التي حلت بأهليهم، مما تسبب في هجرة جماعية إلى الباكستان فقد ذكرت الأنباء الأخيرة بأن عدد اللاجئين الأفغان وصل إلى ثلاثة ملايين كلهم هربوا من ديارهم وأماكن رزقهم وأصبحوا بدون مأوى ولا مصدر رزق إلا ما ييسره الله ممن أفاء الله عليه بنعمه ليجود بما يستطيع.
وإنها لدعوة أوجهها لإخواننا المسلمين في كل مكان، بأن يقدموا لإخوانهم الأفغان مما آتاهم الله من رزق ومال بالصدقات التي لا يراد بها إلا وجه الله، ومنها الزكاة التي فرضها الله في أموالهم حقًّا لمن حددهم الله جل وعلا في سورة التوبة وهم ثمانية، يدخل إخواننا المجاهدون وأيضًا المهاجرون الأفغان في ضمنهم.
والله تبارك وتعالى عندما فرض الحق في مال الغني لأخيه المسلم في آيات كثيرة من كتاب الكريم كقوله تعالى: }وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ{ [المعارج: 24، 25]، وقوله تعالى: }آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ{ [الحديد: 7].
فإنه سبحانه وتعالى يثيب المسلم على ما يقدم لإخوانه ثوابًا عاجلاً وثوابًا أخروريًّا يجد جزاءه عنده في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم كما ويدفع عنه في الدنيا بعض المصائب التي لولا الله سبحانه وتعالى ثم الصدقات والإحسان لحلت به أو بماله أو بولده فدفع الله بلاءها بصدقته الطيبة وعمله الصالح يقول الرسول e: «ما نقص مال من صدقة» ويقول عليه الصلاة والسلام: «إن الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار» ويقول: «اتقوا النار ولو بشق تمرة».
وإخوانكم الأفغان أيها المسلمون يقاسون آلام الجوع والغربة والحرب الفردي فهم في أشد الحاجة إلى الكساء والطعام، وفي حاجة إلى الدواء كما أن المجاهدين منهم في أشد الضرورة إلى هذه الأشياء وإلى السلاح الذي يقاتلون به أعداء الله أعداءهم فجودوا عليهم أيها المسلمون مما أعطاكم الله واعطفوا عليهم يبارك الله لكم، وتأسوا برسول الله e في اهتمامه بمن في مثل حالة المهاجرين الأفغان الذين طردوا من ديارهم وبيوتهم، ثم هذه النفقة تؤجرون عليها وتخلف عليكم كما قال سبحانه وتعالى: }وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ{ وقال النبي e: «يقول الله عز وجل: يا ابن آدم أنفق نُنْفِقُ عليك».
نسأل الله عز وجل أن يضاعف أجركم ويتقبل منكم ما تجودون به وأن يعين المجاهدين الأفغان ويثبت أقدامهم في جهادهم وأن ينصرهم على عدو الإسلام وعدوهم إنه سميع مجيب وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية
والإفتاء والدعوة والإرشاد
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
فوائد غض البصر
البصر من نعم الله العظمى التي أنعم بها على الإنسان لكي يشكرها ويتمتع بها في شئون حياته ويستعين بها على أمور دينه ودنياه ولا يعرف قدر هذه النعمة حق المعرفة إلا من ابتلي بذهاب بصره، والبصر أداة خير إذا استعمل فيما شرع له النظر إليه والتفكر فيه }قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ{ [يونس: 101] وقد يكون وسيلة شر على صاحبه إذا استعمله في المحرمات والنظر إلى العورات وفضول زينة الحياة الدنيا نظرة إعجاب }وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ{ [طه: 131].
لذا أمر المؤمنين بالغض من أبصارهم فقال تعالى: }قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا{ [النور: 30، 31].
فأمر المؤمنين بما يمنعهم من الوقوع في ما يخل بالإيمان وهو غض الأبصار عن النظر المحرم إلى العورات وإلى النساء الأجنبيات، ولما كان إطلاق النظر وسيلة إلى الوقوع في الزنا أمر الله بحفظ الفروج، بعد الأمر بغض الأبصار عن الوطء المحرم في قبل أو دبر وعن التمكين من مس الفروج والنظر إليها وأخبر أن غض الأبصار وحفظ الفروج أطهر وأطيب وأنمى للأعمال فإن من غض بصره وحفظ فرجه طهر من الخبث الذي يدنس به أهل الفواحش وزكت أعماله بسبب ترك المحرم الذي تطمع به النفس الأمارة بالسوء وتدعو إليه فمن ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه ومن غض بصره أنار الله بصيرته، ولما أمر الله المؤمنين بغض أبصارهم وحفظ فروجهم أمر المؤمنات بذلك، وأن لا يظهرن ما يدعو إلى الافتتان بهن من الزينة والحلي والثياب الجميلة وجميع البدن إلا ما ظهر منها كالثياب الظاهرة التي لا يمكن إخفاؤها (تفسير ابن سعدي 5/ 201، 202) ط1.
فكما أنه يجب على الرجل أن يغض بصره عن النساء فكذلك المرأة يجب عليها أن تغض طرفها عن الرجال فقد دخل ابن أم مكتوم الأعمى على النبي e وعنده امرأتان من نسائه فأمرهما بالاحتجاب منه فقالتا: يا سول الله أليس هو أعمى لا يبصرنا ولا يعرفنا؟ فقال e «أفعمياوان أنتما؟ ألستما تبصرانه؟» (رواه أبو داود والترمذي، وقال حديث حسن صحيح).
فإذا وجب الاحتجاب عن الأعمى فكيف بغيره([16]) والنظرة بمنزلة الشرارة من النار تسري في الحشيش اليابس فإن لم تحرقه كله أحرقت بعضه وبمنزلة السهم من الرمية كما قيل:
كل الحوادث مبدؤها من النظر | ومعظم النار من مستصغر الشرر | |
كم نظرة فتكت في قلب صاحبها | فتك السهام بلا قوس ولا وتر | |
يسر مقلته ما ضر مهجته | لا مرحبًا بسرور عاد بالضرر |
ولما كان النظر من أقرب الوسائل إلى المحرم اقتضت الشريعة تحريمه وإباحته في مواضع الحاجة كنظر الخاطب إلى مخطوبته وفي مسند الإمام أحمد عن النبي e أنه قال: «النظر سهم مسموم من سهام إبليس فمن غض بصره عن محاسن امرأة أورث الله قلبه حلاوة يجدها إلى يوم يلقاه» -أو كما، قال وقال جرير بن عبد الله: «سألت النبي e عن نظرة الفجأة فأمرني أن اصرف بصري» (رواه مسلم) ونظرة الفجأة هي النظرة الأولى التي تقع بغير قصد من الناظر فما لم يتعمده القلب لا يؤاخذ عليه فإذا نظر ثانية متعمدًا أثم فأمر النبي e عند نظرة الفجأة أن يصرف بصره ولا يستديم النظر فإن استدامته كتكريره.
ففتنة النظر أصل كل فتنة كما ثبت في الصحيحين من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما أن النبي e قال: «ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء».
وفي الصحيح: «كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة فالعين تزني وزناهما النظر» الحديث (رواه البخاري ومسلم).
فالعين تعصي بالنظر المحرم وذلك زناها وثبت عنه e أنه قال: «يا علي لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليست لك الآخرة» (رواه أحمد)
وكلما تواصلت النظرات كانت كالماء يسقي الشجرة فلا تزال شجرة الحب تنمو حتى يفسد القلب ويعرض عن الفكر فيما ينفعه فيخرج بصاحبه إلى المحن ويوجب له ارتكاب المحظورات والفتن ويُلْقَى القلب في القلق والسبب في هذا أن الناظر التَذَّتْ عينه بأول نظرة فطلبت المعاودة كأكل الطعام اللذيذ إذا أكل منه لقمة ولو أنه غض بصره أولا لاستراح قلبه.
من فوائد غض البصر
ففي غض البصر منافع كثيرة وفوائد عديدة منها أنه امتثال لأمر الله الذي هو غاية سعادة العبد في دنياه وآخرته، وأنه يمنع وصول أثر السهم المسموم الذي ربما كان فيه هلاكه، ومنها أنه يورث القلب نورًا وإشراقًا كما أن إطلاقه يكسبه ظلمة تظهر في الوجه والجوارح،ومن فوائد غض البصر أنه يخلص القلب من ألم الحسرة فإن من أطلق بصره دامت حسرته، وأنه يورث صحة الفراسة الصادقة التي يميز بها بين الصادق والكاذب، ويفتح له باب العلم والإيمان والمعرفة بالله وأحكامه، ومن ذلك أن غض البصر يورث القلب ثباتًا وشجاعة وفي الأثر أن الذي يخالف هواه يفر الشيطان من ظله، ومنها أنه يورث القلب سرورًا وفرحًا أعظم من اللذة الحاصلة بالنظر، وأنه يخلص القلب من أسر الشهوة فإن الأسير هو أسير هواه وشهوته، وأنه يفرغ القلب للتفكر في مصالحه والاشتغال بها، وإطلاق البصر يشتت عليه ذلك، وإن غض البصر يقوي العقل ويزيده ويثبته وإطلاق البصر وإرساله لا يحصل إلا من خفة العقل وطيشه وعدم ملاحظته للعواقب قال الشاعر:
وأعقل الناس من لم يرتكب عملا حتى يفكر ما تجني عواقبه
وغض البصر يخلص القلب من سكر الشهوة ورقدة الغفلة وإطلاق البصر يوجب استحكام الغفلة عن الله والدار الآخرة، وفوائد غض البصر وآفات إرساله أكثر من أن تحصي (روضة المحبين لابن القيم ص90 والجواب الكافي له أيضا ص 205).
والحر تكفيه الإشارة وقد قال تعالى: }إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا{ [الإسراء: 36] }يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ{ [غافر: 19] فليس الإنسان بمهمل ولا مغفول عنه وإن غفل }يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللهُ وَنَسُوهُ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ{ [المجادلة: 6].
ومن المؤسف ما يشاهد في بعض أسواقنا من نساء كاسيات عاريات فاتنات مفتونات قد تجردن من الحياء والشيمة والمروءة بل ومن الإنسانية فابرزن الوجه والرأس والعنق والذراعين والساقين يخترقن الأسواق يمنة ويسرة من غير خجل ولا حياء ويشاهد هناك بعض الشباب المغرورين ينخدعون بهذه المفاتن فيحدقون بهن الأنظار، إنهن بهذه العادات الممقوتة يغرين بناتنا ويفتن أبناءنا ونرجو من المسئولين الكرام أن يتلافوا هذا الخطر الفاحش على أبنائنا وبناتنا وأن يضربوا بيد من حديد على كل من يخالف تعاليم ديننا وتقاليد بلادنا.
إن المرأة في هذه البلاد المسلمة المتمسكة بتعاليم دينها وتحكيم شريعة الله لم تزل وما زالت متحجبة متسترة محتشمة عفيفة امتثالاً لأمر الله واقتداء بسنة رسول الله e ومحافظة على أخلاقها وتقاليدها وشرفها ولذلك ساد الأمن في هذه البلاد على النفس والأهل والمال تحقيقًا لوعد الله المؤمنين بذلك: }وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ{ [النور: 55].
ولعظم نعمة البصر عوض الله من ابتلي بذهاب بصره فصبر الجنة، قال النبي e قال الله تعالى: «إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته منهما الجنة» يريد عينيه (رواه البخاري وغيره).
فعلى المسلم أن يفكر في نعم الله عليه وأن يرعاها حق رعايتها فيعترف بها باطنًا ويتحدث بها ظاهرًا وأن يستعين بها على ما يحبه الله ويرضاه حتى تستقر وتزداد ويثاب عليها في الدنيا والآخرة.. وبالله التوفيق.
اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا ما أبقيتنا.
اللهم طهر قلوبنا من النفاق وأعمالنا من الرياء وألسنتنا من الكذب وأعيننا من الخيانة إنك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور اللهم اجعل حواسنا وجوارحنا شاهدة لنا باكتساب الخيرات لا شاهدة علينا بانتهاك المحرمات اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ومن الذين قالوا سمعنا وأطعنا ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، واغفر لنا وارحمنا إنك أنت الغفور الرحيم.
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
([1]) عن مجلة الدعوة السعودية.
([2]) من كتاب بهجة الناظرين للمؤلف ص 126.
([3]) شروط وجب الزكاة خمسة هي: الإسلام والحرية وملك نصاب واستقراره ومضي الحول (انظر شرح هذه الشروط في كتب الفقه) وسوف يذكرها الكاتب فيما بعد بالتفصيل.
([4]) انظر رسالة (البيوع المنهي عنها في الإسلام) للدكتور صالح الفوزان وفقه الله تعالى.
([5]) أصول المنهج الإسلامي (ص 184)
([6]) ملاحظة سوف يجد القارئ شيئًا من التكرار في بيان البيوع المنهي عنها وذلك لغرض التوضيح والبيان لاختلاف العبارات في ذلك بالزيادة والنقصان والدليل والتعليل.
([7]) منهاج المسلم لأبي بكر الجزائري (ص366).
([8]) النجش لغة: تنفير الصيد من مكانه ليصاد، وفي الشرع، الزيادة في السلعة بدون قصد شرائها وإنما ليوقع السوام عليها فيشتروها.
([9]) الحائط: البستان والحديقة.
([10]) الكرم: العنب.
([11]) المراد بالطعام هنا: الحب.
([12]) من كتاب الكافي في فقه أهل المدينة لابن عبد البر (1/ 444).
([13]) من مختصر الكلام على بلوغ المرام للشيخ فيصل بن عبد العزيز آل مبارك ضمن (المجموعة الجليلة) (ص450) وانظر جامع العلوم والحكم لابن رجب (ص 361).
([14]) من مقرر الفقه للصف الثالث المتوسط.
([15]) قال في بلوغ المرام: رواه أحمد وأبو داود واللفظ له وصححه ابن حبان والحاكم.
([16]) قال أبو داود في سننه (4/ 64) هذا لأزواج النبي e خاصة ألا ترى إلى اعتداد فاطمة بنت قيس عند ابن أم مكتوم الأعمى بأمر النبي e كما في الحديث الذي رواه أحمد وأبو داود والنسائي ومسلم بمعناه (انظر منتقى الأخبار 2/ 654).