×
أهمية التخصص في تولي العمل: ألقى فضيلة الشيخ سعود بن إبراهيم الشريم - حفظه الله - خطبة الجمعة بالمسجد الحرام بتاريخ 24 - 2 - 1432 هـ، والتي تحدَّث فيها عن ضرورة التخصُّص في أي جانب من جوانب الحياة؛ الدينية أو غيرها، وأن ذلك أدعى للاهتمام بهذا الجانب وعدم التقصير فيه، وحذَّر من تدخُّل المرء فيما لا يعنيه وأن يتكلَّم في غير مجاله وتخصُّصه، وأن ذلك يُسبِّبُ فسادًا، وذكر العديد من النماذج المُشرِّفة لاهتمام النبي - صلى الله عليه وسلم – بالتخصُّص في أوساط الصحابة - رضي الله عنهم -.

    أهمية التخصص في تولي العمل

    ألقى فضيلة الشيخ سعود بن إبراهيم الشريم - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "أهمية التخصص في تولِّي العمل"، والتي تحدَّث فيها عن ضرورة التخصُّص في أي جانب من جوانب الحياة؛ الدينية أو غيرها، وأن ذلك أدعى للاهتمام بهذا الجانب وعدم التقصير فيه، وحذَّر من تدخُّل المرء فيما لا يعنيه وأن يتكلَّم في غير مجاله وتخصُّصه، وأن ذلك يُسبِّبُ فسادًا، وذكر العديد من النماذج المُشرِّفة لاهتمام النبي - صلى الله عليه وسلم – بالتخصُّص في أوساط الصحابة - رضي الله عنهم -.

    الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد، أعطى كل شيءٍ خلقَه ثم هدى، له الحمدُ في الأولى والآخرة، وله الحكمُ وإليه تُرجعون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله، وصفيُّه وخليلُه، وخِيرتُه من خلقه، بلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أصحابه والتابعين ومن سار على طريقهم واتبع هداهم إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرا.

    أما بعد:

    فأوصيكم - أيها الناس - بتقوى الله - سبحانه - والاستقامة على دينه، والدعوة إليه، والعمل به، فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [العنكبوت: 17].

    أيها الناس:

    إنه لا نجاح لأي مجتمعٍ مسلمٍ دون تكامل، ولا تكامل دون معرفة كل فرد ما له وما عليه، وما هو من شأنه وما ليس من شأنه، وما هو مهمٌّ وما هو أهم، كما أنه لا استقرار ولا توازُن للمجتمع دون إدراكٍ لقائمة الأولويات ومعرفة ما يجب تحصيلُه من المصالح، وما يجبُ درءُه من المفاسد، وما هو من الاختصاص وما ليس من الاختصاص، ذلك كله كي لا تختلط الأمور، ولا تتبَعثَر المصالح، ولئلا يُصبحُ الناسُ فوضى لا سَراةَ لهم.

    وإن مما يَعنِينا من هذا كله ما يُسمَّى بمبدأ (التخصص)، نعم؛ التخصُّص الذي يعني: اقتصارَ عضوٍ أو فردٍ أو جماعةٍ على فنٍّ معين، أو عملٍ معين، وهو من الضرورات للمجتمع المتكامل؛ حيث يُفرِّق الأعمال والعلوم بين الأفراد، كل فردٍ بما وَهَبَه الله من قدرةٍ ومعرفةٍ في مجاله، أو بما أُوكِل إليه من مصالح المسلمين.

    وهو - بلا شك - يزيد في الإتقان، ويؤدِّي إلى المهارة والجودة، والاكتشاف والاختراع، ويحُدُّ من الفوضى بتنازُع الاختصاص أو تدافُعه، لا سيما إذا كان تنازُع تضادٍّ لا تنازُع تنوُّع.

    ومن تتبَّع أمثلةً من الخِلاف والفُرقة والتنازُع عبر التاريخ والإخفاق في مصالح المسلمين لوَجَد لإهمالِ جانب التخصًُّص دورًا كبيرًا في هذا الإذكاء، وبما أن الشريعة الإسلامية هي شريعةُ التكامل التي لا يعتريها النقصُ بوجهٍ من الوجوه، فإن الباري - جل شأنه - ذكر في كتابه المبين ما يُؤكِّدُ هذا الأمر تأكيدًا لا مجال للتنازُع فيه، فقد قال - سبحانه وتعالى -: وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ [التوبة: 122].

    فقد دلَّت هذه الآية على أنه لا يمكن أن يكون كل الناس علماء، ولا أن يكون كل الناس حُكَّامًا، ولا أن يكونوا كلهم مجاهدين، ولا أن يكونوا كلهم فلاحين أو دارسين أو غير ذلك.

    وقد جاء في آيةٍ أخرى ما يدلُّ على هذا المعنى وعلى أنه يجبُ أن يُردَّ الاختصاص إلى أهله، وألاَّ يُفتاتَ عليهم فيه، فقد قال - سبحانه -: وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا [النساء: 83].

    ولم يقِف التوجيهُ للتخصُّص عند هذا الحد - عباد الله -؛ بل إنه قد جاء في السنة ما يدل على أن الاختصاص ينبغي أن يُردَّ إلى أهله وألاَّ يُتطفَّل عليهم فيه، أو يُنتزَع منهم، وليس ذلك مختصًّا بأمور الدين فحَسْب؛ بل حتى في أمور الدنيا، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في مسألة توبير النخل: «أنتم أعلم بأمور دنياكم»، وكقوله - صلى الله عليه وسلم - في حق الطب: «من تتطبَّبَ ولم يُعلَم منه طبٌّ فهو ضامن».

    فها هو - صلى الله عليه وسلم - هنا يرُدُّ الاختصاص إلى أهله وهو في الوقت نفسه يُحذِّر من التطفُّل عليه؛ بل إنه يتوَّعَدُ المُتطفِّلين عليه بالمُسائلة والمحاسبة، فكيف بالمُقصِّرين فيه من ذوِيه وأهله؟!

    وإن تعجَبوا - عباد الله - فعَجَبٌ فِعلُ بعض المُتطفِّلين على جميع التخصصات، والذين نصَّبوا أنفسَهم من ذوي الإحاطة بجميع الأمور؛ دينيةً كانت أو دنيوية، وجعلوا من أنفسهم حُكَّامًا ومُفتين وأطباء واقتصاديين ومُفكِّرين، وهم لا يَعْدُون كَونَهم كتبةً على ورقٍ مُبتذَل، لا رائدَ لهم فيه إلا التطفُّل، وحبُّ الشهرة، وطلب الرياسة، والثناء بالجُرأة والاقتدار الزائف بإجادة كل فنٍّ وإحسان كل طرحٍ - زعموا -.

    ولو أدَّى ذلك إلى إحداثِ جُذامٍ في حال تطبُّب الزُّكَام، وفَقْئِ العين في حال إزالة القَذَى، حتى أصبح عامةُ الناس لا يُميِّزون في بعض الأحايين بين الطبيب والعالم، والصُّحفي والمفكر والداعي، وبالأخص فيما يتعلَّق بأمور الفتوى والسياسة الشرعية ومصالح المسلمين العامة، ناسين أو جاهلين تربيةَ النبي - صلى الله عليه وسلم - أمَّتَه على احترام التخصُّص وعدم إهماله أو التطفُّل عليه.

    فقد أمر - صلوات الله وسلامه عليه - عبد الله بن زيد -صاحب رؤيا الأذان - أن يُلقِي ذلك على بلال؛ لأنه أندى منه صوتًا، كما أنه - صلوات الله وسلامه عليه - قد رُوِيَ عنه أنه قال: «أفرضُكم زيد»؛ أي: أعلمُكم بالفرائض، وقال - صلوات الله وسلامه عليه -: «أقرؤكُم أُبَيّ»؛ أي: أحسنُكم قراءةً للقرآن، وقد صحَّ عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه أشاد بحسان بن ثابت على أنه أشعر الصحابة، وعلى أن عليًّا أقضَاهم، ومعاذًا أعلمَهم بالحلال والحرام، وأن خالد بن الوليد سيف الله المسلول، وثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «يؤمُّ القومَ أقرؤهم لكتاب الله ..» الحديث.

    والنصوص في ذلك من سنة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - أكثرُ من أن تُحصَى في مثل هذه اللحظات.

    وقد ذكر أهل العلم أن القُضاة لا بُدَّ لهم من أعوانٍ في أمورٍ قد تكون خارجَ اختصاصهم؛ كالطبيب، والمهندس، والمُترجِم، وغير ذلك ،كلٌّ في تخصُّصه ومجاله الذي يُتقِنُه.

    وإنه متى عَسَفَ المرءُ نفسَه إلى غير تخصُّصها أو طبيعتها التي تُحسِنُها فإن العاقبة هي الزَّلَلُ لا محالة، كما قال ابن القيم - رحمه الله - في كتابه "تحفة المودود": "لا تعسِف الشاب بعد أن يكبُر على ما يُنافِي طبعَهُ - أي: تخصُّصه ومُيُوله التي يُجيدُها ويُتقِنُها - لأنه سيقصر فيها أكثر مما يحسن".

    وبعد - يا رعاكم الله -:

    فإن تطفُّل المرء على تخصُّص ليس منه ولا هو من بابَتِه في وِرْد ولا صَدَر لهُوَ عينُ الافتيات والتدخُّل فيما لا يعنِيه، وكفى بهذا سوءًا ووقوعًا في مخالفة هدي النبي - صلى الله عليه وسلم – بقوله: «من حسن إسلام المرءِ تركُه ما لا يَعنِيه».

    ألا إن مِن المُؤسِفِ - عباد الله - أن نُشاهِدَ في عصر المعرفة والتقدُّم المعلوماتي ما يُسيءُ إلى آدابها ويُعكِّرُ صفوَ موردها؛ حيث كثُرَ الخلطُ واللَّغَط، وضعُفَ مفهومُ التخصُّص في أوساط الناس، وأصبح يُشاهَدُ في العِيان التطفُّل على الحاكم، والتطفُّل على العالِم، والتطفُّل على المُصلِح، والتطفُّل على الناصح، كلٌّ يلُتُّ ويعجِن، ويهرِفُ بما لا يعرف، دون هيبةٍ للمرجعية ولا احترامٍ للتخصُّص، والنبي - صلى الله عليه وسلم – يقول: «أعطُوا كلَّ ذي حقٍّ حقَّه».

    وكم من عبقريةٍ - عباد الله - مرَّغَها في الوحل تنازُعٌ دنِيءٌ في الاختصاص، فلربما رأى الدَّنِيءُ أن كلَّ جمالٍ تحدٍّ له، والغبيُّ يرى في الذكاء عُدوانًا عليه، والفاشلُ يرى في النجاح إزراءً به.

    ألا فاتقوا الله - عباد الله -، وحَذَارِ حَذَارِ من الفوضى، فحَذَارِ يا طالب العلم أن تتحدَّث فيما ليس عندك فيه من الله برهان، وحَذَارِ أيها الطبيب أن تتطبَّب فيما لا تعرف، وحَذَارِ أيها الكاتب أن تتطفَّل على موائد العلماء والمصالح العامة وأن تُنصِّبَ نفسَكَ وصيًّا في الطقطقة عليهم ونهش لحومهم، فتتنطَّع في القَذَاة وتتعامَى عن الوَرَم.

    ألا فليعرِف كلُّ امرئٍ قدرَهُ، وليتقِ اللهَ فيما يأخذ وما يَذَر، فرَحِمَ الله امرءًا عرفَ قدرَ نفسه، وقد أحسن من انتهى إلى ما سمع أو علِم أو رأى، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام؛ كالراعي يرعى حول الحِمىَ يُوشِكُ أن يرتع فيه، ولقد أحسن من قال:

    إذا كنت ذا لُبٍّ فحاذِرْ تطفُّلاً

    ولا تَقْفُ شيئًا غير ما أنت عارفُ

    لكي لا ترى من يزدرِيكَ لزَلَّةٍ

    فللناس فيما تدَّعِيه معارِفُ

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [النساء: 59].

    ألا رحِمَ الله امرءًا سمعَ فاعتبر، وأدرك فانتهى، وعلِمَ العاقبة فتفطَّنَ، وحَذِرَ الآخرة ورجا رحمةَ ربه، واستمع القولَ فاتَّبَع أحسَنَه، والله - جل وعلا – يقول: وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا [الإسراء: 36].

    بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، قد قلتُ ما قلت، إن صوابًا فمن الله، وإن خطأً فمن نفسي والشيطان، وأستغفرُ الله إنه كان غفَّارًا.

    الخطبة الثانية

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.

    أما بعد:

    فاتقوا الله - عباد الله -، واعلموا أن مُراعاةَ التخصُّص من أهمِّ مُقوِّمات النجاح والتوازُن والاستقرار؛ حيث لا يبغِي بعضٌ على بعضٍ، ولا يمُوجُ بعضٌ في بعض، فنُقدِّر للحاكم حُكمَه، وللفقيه فقهَه، وللطبيب طِبَّه، وللاقتصادي اقتصادَه، ويجمعُنا في ذلكم كله مظلَّة الشريعة الإسلامية التي تحُضُّ على التناصح والتواصي؛ إذ لا يعنِي التخصُّص ألا يُقصِّر أحدٌ في تخصُّصه، أو لا يعتريه النقص بوجهٍ من الوجوه، كلا؛ فالكمال لله والعصمة لرسوله - صلى الله عليه وسلم -.

    غير أن من الغلط أن يُقصِّر المتخصِّص فلا يُحاسَب على تقصيره، لا سيما إذا كان يتعلَّق بمصالح المسلمين العامة دينيةً كانت أو دنيوية، ومنها: ما رأيناه قبل يومين لإخواننا المُتضرِّرين من السيول الجارفة، والذين أضحَوا ضحيةَ المُقصِّرين والمُستهتِرِين بالأمانة التي أوكَلَها إليهم وليُّ الأمر وحذَّرَهم من التقصير فيها أكثر من مرة، وبيَّن أن المُقصِّر سيُحاسَب، كما أن من الغلط تدافُع التخصُّص؛ لأنه خذلان وإسلامٌ إلى الفوضى، فإذا تنصَّلَ كلُّ أحدٍ عن مسؤوليته فمن المسؤول إذًا؟!

    ولله ما أحسن مالك بن دينار وقد كان يعِظُ في درسه والناس يبكون من حوله، فالتَفَتَ إلى مصحفه فلم يجِده، فقال لمن حوله: "ويحَكُم؛ كلكم يبكي، فمن سرق المصحف؟".

    وإن من الغلط أيضًا تنازُع التخصُّص؛ لأنه تطفُّلٌ وافتياتٌ ودخولٌ فيما لا يعنِي ونشرٌ لفوضى النقد دون مُحاسبة أو رقابة، كما أننا ينبغي أن نعِي جميعًا أن مردَّنا عند التنازُع كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فهما المُهيمِنان علينا وهما اللذان أُمِرنا بالرجوع إليهما عند الخلاف.

    ولا يعني التسليمُ بالتخصُّص أيضًا - ولو كان دنيويًّا - ألاَّ يتدخَّلَ أهلُ العلم والفقه بالنُّصح فيه إذا كان لتدخُّلهم برهانٌ من كتاب الله وسنة رسوله، فهذا النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو لا يقول الشعر لم يصُدَّه ذلك عن بيان الحق وعدم تأخيره عن وقت الحاجة؛ حيث قال - صلوات الله وسلامه عليه -: «أصدقُ كلمةٍ قالها الشاعر كلمةُ لبيد: ألا كلُّ شيءٍ ما خلا الله باطل»؛ رواه مسلم.

    وقد أغفَلَ النبي - صلى الله عليه وسلم - عجُز البيت الذي يقول فيه لبيد: "وكلُّ نعيمٍ لا محالةَ زائلُ"؛ لأن نعيم الجنة لا يزول ولا يحول، وهذا يدلُّ على عدم موافقة النبي - صلى الله عليه وسلم - لعجُز البيت بدلالة الإيماء والتنبيه.

    ثم اعلموا - يا رعاكم الله - أن زجَّ المرء نفسَه فيما لا يُحسِن وما ليس من تخصُّصه لهُوَ مظِنَّةُ حدوث الزَّلَل، واستهداف الناس عليه، والوقوع في هُوَّة الافتيات.

    ورحِمَ الله أبا المُظفَّر السمعاني؛ حيث ردَّ على أحدهم في كتابه "قواطع الأدلة" قائلاً: "فكان الأولَى به - عفا الله عنه - أن يترك الخوضَ في هذا الفن ويُحيله على أهله؛ فإن من خاض فيما ليس من شأنه فأقلُّ ما يُصيبُه افتضاحُه عند أهله".

    ورحِمَ الله الحافظ ابن حجر؛ حيث قال: "ومن تكلَّم في غير فنِّه أتى بالعجائب".

    هذا؛ وصلُّوا - رحمكم الله - على خير البرية وأزكى البشرية: محمد بن عبد الله صاحب الحوض والشفاعة، فقد أمركم الله بأمرٍ بدأ فيه بنفسه، وثنَّى بملائكته المُسبِّحة بقُدسه، وأيَّهَ بكم - أيها المؤمنون -، فقال - جل وعلا -: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56].

    اللهم صلِّ وسلِّم وزِد وبارِك على عبدك ورسولك محمد صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر صحابة نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم -، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وجودك وكرمك يا أرحم الراحمين.

    اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين.

    اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين.

    اللهم فرِّج همَّ المهمومين، ونفِّس كربَ المكروبين، واقضِ الدَّيْن عن المدينين، واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.

    اللهم أصلِح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم أصلِح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم اجمع بين كلمتهم وخالِف كلمة أعدائهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.

    اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمَّتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.

    اللهم وفِّق وليَّ أمرنا لما تُحبُّه وترضاه من الأقوال والأعمال يا حي يا قيوم، اللهم أصلِح بطانته يا ذا الجلال والإكرام، اللهم ألبِسْه الصحةَ والعافية، واجعلهما عونًا له على طاعتك يا حي يا قيوم.

    رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة: 201].

    سبحان ربنا رب العِزَّة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، وآخرُ دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.