×
ألقى فضيلة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ حفظه الله خطبة الجمعة بالمسجد النبوي 17 - 2 - 1432 هـ، والتي تحدَّث فيها عن المِحن والفتن والمصائب التي حلَّت بكثيرٍ من بلدان المسلمين، وذكر سبب هلاك المسلمين وحلول البلايا بهم وهو: البُعد عن منهج الله ومنهج رسوله صلى الله عليه وسلم، والنجاة والسلامة من ذلك كله بالرجوع إلى نصوص الكتاب والسنة، وتطبيقها على الحاكم والمحكوم على حدٍّ سواء.

أسباب الهلاك في الدنيا والآخرة

نبذة مختصرة عن الخطبة:

ألقى فضيلة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "أسباب الهلاك في الدنيا والآخرة"، والتي تحدَّث فيها عن المِحن والفتن والمصائب التي حلَّت بكثيرٍ من بلدان المسلمين، وذكر سبب هلاك المسلمين وحلول البلايا بهم وهو: البُعد عن منهج الله ومنهج رسوله - صلى الله عليه وسلم -، والنجاة والسلامة من ذلك كله بالرجوع إلى نصوص الكتاب والسنة وتطبيقها على الحاكم والمحكوم على حدٍّ سواء.

الخطبة الأولى

الحمد لله العلي الأعلى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في الآخرة والأولى، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله النبي المُصطفى، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابه أهل الطاعة والتقوى.

أما بعد، فيا أيها المسلمون:

أوصيكم ونفسي بتقوى الله - جل وعلا -، فمن لزِمَها جعل الله له من كل ضيقٍ مخرجًا، ومن كل عُسْرٍ يُسرًا، ورزَقَه من حيث لا يحتسِب.

أمة الإسلام:

تُعاني أمتُنا في كثيرٍ من بلدانها المِحَن والفتن والمصائب والتفرُّق والاختلاف مما يندَى له الجبينُ، ويحزنُ له المؤمنون، ألا وإن الأمة اليوم حُكَّامًا ومحكومين بحاجةٍ إلى ما يُصلِح الأوضاع ويرفع الآلام، ويكشِف الغُمَّة، ويمنع الفساد والشرور والفتن التي دبَّت علينا من كل حَدَبٍ وصَوبٍ.

وإن المناداة بأسباب الإصلاح التي يسمعها المسلمون لكثيرةٌ ومتنوعة، لكنها وللأسف لا تنبع من العلاج الحقيقي لواقع هذه الأمة التي لها خصائصُها وثوابتُها وركائزُها.

فيا أمة الإسلام:

يا حُكَّام المسلمين، يا مجتمعات المؤمنين: لقد حان أن تستبصِروا مناهجكم الصحيحة التي اختارَها لكم خالقُكم، ورسمَها لكم نبيُّكم - صلى الله عليه وسلم -.

روى الإمام أحمد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «أتاني جبريل فقال: يا محمد! أمتُك مختلفةٌ بعدك، قال: فقلتُ له: فأين المخرجُ يا جبريل؟ فقال: كتابُ الله ..» الحديث. وفي لفظٍ عند الترمذي من حديث عليٍّ - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «ستكون فتنةٌ»، قال علي: فما المخرج منها يا رسول الله؟ قال: «كتاب الله». وصحَّح بعض أهل العلم وقفَه على عليٍّ - رضي الله عنه -.

معاشر المسلمين:

إن المصائب التي تنزل بمجتمعات المؤمنين سببُها الأوحد: البُعد عن طاعة الله - جل وعلا -، وانتشار السيئات والمُوبِقات الخفية والظاهرة، فما وقوع كثيرٍ من المجتمعات في تحكيم القوانين الوضعية ونبذ القرآن والسنة إلا من صور التولِّي العظيم عن منهج الله، وما ولوج كثيرٍ من وسائل الإعلام في نشر الإلحاد والمجون إلا من الأمثلة الحيَّة للإعراض عن الصراط المستقيم، وحدِّث ولا حرج عن الأمثلة التي تُبرِز التولِّي عن منهج الله - جل وعلا -، يقول - سبحانه -: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا [الفتح: 17].

والعذاب هنا واقعٌ دنيا وأخرى بسبب الإعراض عن منهج الله - سبحانه -، ويقول - جل وعلا -: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [الشورى: 30]، ويقول - سبحانه - أيضًا: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الروم: 41].

قال أهل التفسير: "والمقصود بالفسادِ: فسادُ المعايش ونقصُها، وحلول الآفات بها؛ كالجَدب، والحرق، والغرق، ومحق البركات، وكثرة المضار، وارتفاع الأسعار، وانتشار الظلم، والأوبئة والأمراض".

والناظر لسنة سيد المرسلين - صلى الله عليه وسلم - يجِد أنه حذَّر أمته من أسباب وقوع المِحَن والمصائب؛ فقد روى البخاري عن أبي مالك الأشعري أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «ليكوننَّ من أمتي أقوامٌ يستحِلُّون الحِرَ - أي: الزِّنا -، والحرير، والخمر، والمعازف، ولينزلنَّ أقوامٌ إلى جنب علَم - أي: جبل - يروح عليهم - أي: الراعي - بسارحةٍ لهم من الغنم يأتيهم لحاجة، فيقولون: ارجع إلينا غدًا، فيُبيِّتهم الله - أي: يُهلِكهم -، ويضع العلَم عليهم، ويمسخ آخرين قِرَدةً وخنازير إلى يوم القيامة».

والمعنى: أن من استحلُّوا هذه المعاصي وأمثالَها فهم موعودون بعقوبتين في الدنيا:

وهي هلاك بعضهم بإيقاع الجبل عليهم؛ إشارةً إلى وقوع الزلازل ونحوها.

والثانية: مسخُ آخرين قِردةً وخنازير إلى يوم القيامة.

وفي حديثٍ آخر: يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إذا ظهر الزِّنَا والرِّبا في قريةٍ فقد أحلُّوا بأنفسهم عذاب الله»؛ رواه الحاكم وصحَّحه، ووافقه الذهبي.

واسمعوا - أيها المسلمون - لهذا الحديث العظيم الذي يُعالِجُ مشكلةً أعيا العالمَ حلُّها، وبسببها تقعُ كثيرٌ من المصائب والقلائل، وقد أخبر بسببها من لا ينطِق عن الهوى تفسيرًا لقوله - جل وعلا -: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ [الطلاق: 2، 3]، يقول - صلى الله عليه وسلم -: «وما حكموا بغير ما أنزل الله إلا فشا فيهم الفقر»؛ أخرجه الطبراني، وهو حديثٌ صحيحٌ لغيره.

فيا تُرى؛ أيسمع المسلمون حُكَّامًا ومحكومين لهذا الحديث سماع استجابةٍ، وينطلقون منها إلى نبذ القوانين الوضعية، والدساتير البشرية، ويُقبِلوا قلبًا وقالَبًا على تحكيم الإسلام في كل شأنٍ من شؤونهم؟!

إن أعظم نعمة على مجتمعات المسلمين؛ بل على العالم جميعًا: أن منَّ الله عليهم بنبيٍّ رحيم، بيَّن لهم جميعَ ما يُصلِحُ أحوالَهم، ويُقيم حياتَهم، وتسعَدُ به دنياهم وأخراهم، فبلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، وجعلنا على المحجة البيضاء، فما بالُ المسلمين تجِدُ كثيرًا منهم في شؤون كثيرةٍ من الحياة عن السنة المحمدية مُعرِضون، وعن منهجها وطريقها مُدبِرون؟! فأنَّى لهم حينئذٍ النجاة والسعادة، وكيف يحصلون على الاستقرار والرخاء، والحياة الطيبة؟!

وقد حذَّرَنا ربُّتنا - جل وعلا - بقوله: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور: 63].

قال ابن عباس: "الفتنة: القتل"، وقال عطاء: "الفتنة الزلازل والأهوال"، وقال جعفر بن محمد: "سلطان جائرٌ يُسلَّط عليهم".

وهذه تفاسير بالنوع، وإلا فالأصل أن الفتنة هنا: كل ما يسوء ويضر ويحصل به العذاب دنيا وأخرى.

قال الشوكاني - رحمه الله -: "الفتنةٌ هنا غير مُقيَّدة بنوعٍ من أنواع الفتن"، وقال بعض المُفسِّرين: "والمراد بذلك: أن مخالفة أمره - صلى الله عليه وسلم - مُوجِبة لأحد نوعَي العَذابَيْن الدنيوي والأخروي، ولا يمنع ذلك أن يجمع له الله تعالى من النوعين من العذاب" أعاذنا الله وإياكم من ذلك.

وفي الحديث: «وجُعِل الذِّلَّةُ والصَّغار على من خالَفَ أمري»؛ رواه أحمد بسندٍ صحيحٍ، وذكره البخاري في "الصحيح" مُعلَّقًا.

بارك الله لي ولكم في القرآن، ونفعنا بما فيه وفي السنة من الهدى والفرقان، أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله إمام المتقين، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد، فيا أيها المسلمون:

يقول عليٌّ - رضي الله عنه - وهو الذي تربَّى في مدرسة محمد - صلى الله عليه وسلم -: "ما نزل بلاءٌ إلا بذنب، وما رُفِع إلا بتوبة".

فعلى المسلمين جميعًا حُكَّامًا ومحكومين قبل فوات الأوان أن يتوبوا إلى توبةً صادقة، وأن يصدُقوا مع الله، وأن يستجيبوا لأمره، وأن يكون الخوف منه - سبحانه - هو المُحرِّك لحياتهم، ومنهجُه هو المُهيمِنُ على تصرُّفاتهم وتوجُّهاتهم، وأن يُقيموا حياتَهم على مبادئ الإسلام من العدل التام، والإحسان الكامل، والتراحُم المُتبادَل، والتعاوُن الصادق على الخير والهدى بين الحُكَّام والمحكومين في ظل اتباعٍ كامل لأحكام الشريعة الغرَّاء، فبذلك وحده تزدهِرُ حياتُهم، وتستقِرُّ أوضاعُهم، وتصلُح شؤونهم، ويعيشون في حياةٍ سعيدةٍ طيبةٍ مُطمئنَّة يسودُها الحب والتلاحُم والتراحُم، في أمنٍ فردي واجتماعي، وأمنٍ فكري وسياسي، وأمنٍ دنيوي وأخروي، الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ [الأنعام: 82]، مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل: 97].

أيها المسلمون:

إن أفضل الأعمال: الإكثار من الصلاة والتسليم على النبي محمد، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على نبينا وحبيبنا محمد، وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين، والأئمة المهديين، وعن الصحابة والآل أجمعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أذِلَّ الشرك والمشركين، اللهم عليك بأعداء الدين، اللهم عليك بأعداء الدين، اللهم عليك بأعداء الدين.

اللهم أصلِح أوضاعَنا وأوضاع المسلمين، اللهم أصلِح أحوالنا وأحوال المسلمين في كل مكان، اللهم ولِّ على المسلمين خيارَهم، اللهم ولِّ على المسلمين خيارَهم، اللهم اجعل ولايتهم فيمن يخافك ويتَّقيك، اللهم اجعل ولايتهم فيمن يخافك ويتَّقيك يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم اجعل ولاة أمور المسلمين رحمةً على رعاياهم، اللهم اجمع بينهم وبين رعاياهم على القرآن والسنة يا رحمن يا رحيم.

اللهم وفِّق وليَّ أمرنا لما تحبُّ وترضى، اللهم وارزقه الصحة والعافية يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات.

اللهم عُمَّ بالأمن والرخاء جميعَ بلاد المسلمين، اللهم اجعل بلاد المسلمين في كل مكان آمنةً مطمئنة رخاءً سخاءً يا أرحم الراحمين.

اللهم آتِنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنةً، وقِنا عذاب النار.

اللهم أغِثْنا، اللهم أغِثْنا، اللهم أغِثْنا، اللهم أغِثْنا، اللهم أغِثْنا، اللهم أغِثْنا، اللهم أغِثْنا يا ذا الجلال والإكرام، اللهم لا تحرمنا فضلك، اللهم لا تحرمنا فضلك، اللهم لا تحرمنا فضلك.

اللهم يا ذا الجلال والإكرام لا غِنى لنا عن بركتك، اللهم أنزِل علينا المطر، اللهم أنزِل علينا المطر، اللهم أنزِل علينا المطر، اللهم اجعلها سُقيا رحمة لا سُقيا هدمٍ ولا غرق ولا بلاءٍ يا ذا الجلال والإكرام.

عباد الله:

اذكروا الله ذكرًا كثيرًا، وسبِّحُوه بُكرةً وأصيلاً.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.