×
صحوة الأمة بالتمسك بالكتاب والسنة: ألقى فضيلة الشيخ صلاح البدير - حفظه الله - خطبة الجمعة بالمسجد النبوي بتاريخ 1 - 3 - 1432 هـ، والتي تحدَّث فيها عن الأمة والظروف التي تمرُّ بها في هذه الآوِنة، وأن استعادتها لمجدها وعِزَّتها وقوتها لن تكون إلا بالعودة الحقيقية للكتاب والسنة بفهم سلف الأمة.

    صحوة الأمة بالتمسك بالكتاب والسنة

    ألقى فضيلة الشيخ صلاح البدير - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "صحوة الأمة بالتمسك بالكتاب والسنة"، والتي تحدَّث فيها عن الأمة والظروف التي تمرُّ بها في هذه الآوِنة، وأن استعادتها لمجدها وعِزَّتها وقوتها لن تكون إلا بالعودة الحقيقية للكتاب والسنة بفهم سلف الأمة.

    الخطبة الأولى

    الحمد لله، الحمد لله العظيم في قدره، العزيز في قهره، العليم بحال العبد في سره وجهره، يسمع أنين المظلوم عند ضعف صبره، ويجود عليه بإعانته ونصره، أحمده على القدر خيره وشره، وأشكره على القضاء حُلوه ومُرِّه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الآيات الباهرة، وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ [الروم: 25]، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله جاهد في الله حق جهاده طول عمره وسائر دهره، صلَّى الله عليه وعلى سائر آله وأصحابه ما جاد السحابُ بقطره وطلَّ الربيع بزهره، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

    أما بعد، فيا أيها المسلمون:

    اتقوا الله؛ فإن تقواه أفضل مُكتَسَب، وطاعته أعلى نسَب، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران: 102].

    أيها المسلمون:

    المؤمن مهما تفاقم الشر، وتراقَى الخطرُ والضُّرُّ فإنه يعلم أن ما قُضِي كائن، وما قُدِّر واجب، وما سُطِّر منتَظر، ومهما يشأ الله يكُن، وما يحكم به الله يحِقُّ، لا رافع لما وضع، ولا واضِع لما رفع، ولا مانع لما أعطى، ولا مُعطِي لما منع، وما شاء ربُّنا صنع.

    فلا محيص عن القدر المقدور، ولا رادَّ للأمر المسطور، ولا مانع للكتاب المزبور، أقدارٌ مورودة لله في أثنائها الفرَجُ القريب، وهو السميع المُجيب، لا يُقابَلُ أمره إلا بالرضا، والصبر على ما قضى، ولا يُقابَل البلاءُ الجسيم إلا بالإيمان والتسليم، والله بعباده لطيف، وفضلُه بهم مُطيف.

    أيها المسلمون:

    الأمم تتقلَّبُ في أطوارٍ وأطباق، ما بين عِزَّةٍ وذلَّة، وكثرةٍ وقِلَّة، وغِنًى وفقر، وعلمٍ وصناعة، وجهلٍ وإضاعة، وأحوالٍ مُتقلِّبة مُشاعة، والأمة الواعية مهما عانَت من ضرَّاء، أو عالَجَت من بلاء، أو كابَدَت من كيد أعداء؛ فإنها سرعان ما تُفيق من غفلتها، وتصحو من رقدتها، وتقوم من نكبَتها، فتُقيم المائت، وتُقوِّم الحائت، وترتق الفَتق، وتقطع الوهَى والخرق، لتعود عزيزة الجانب لا يتجاسَرُ عليها غادِر، ولا ينالُها عدوٌّ ماكر.

    والأمة اليوم تمرُّ بأحرج مواقفها وأصعب ظروفها وأشد خُطوبها، العنف يتفجَّر في أراضيها، والفتن تدور في نواحيها، تُشتِّتُ نظامها، وتشعَب التئامها.

    ومهما تفرَّقت الأجواء، وتبايَنَت الآراء، وتناثَرت القلوب، واختلفت الألسُن؛ وقع الخطرُ بأكملِه، وجثَا العدو بكلكلِه.

    أيها المسلمون:

    إن على الأمة أن تُعيد صياغة الحياة في بلادها وفق رسالة الإسلام، وأن تسُوس الدنيا بالدين، وأن تسعى لإصلاح أوضاعها إصلاحًا شاملاً كاملاً، عقديًّا وأخلاقيًّا، وسلوكيًّا واجتماعيًّا، واقتصاديًّا وسياسيًّا، حتى لا تتحول جهودها في مواجهة التحديَّات والمؤمرات سلسلةً من الذل والإحباطات، والصدمات والانتكاسات.

    وإن الإصلاح الصادق ليس إصلاحًا تُحرِّكُه بواعثُ وقتية، أو مُلابَساتٌ ظرفية، وإنما هو إصلاحٌ صادرٌ عن إيمانٍ راسخ، وعقيدةٍ صادقة، واستشعارٍ بعظمة الواجب، وأمانة المسؤولية، يوم يسأل الله كلَّ عبدٍ عما استرعاه أدَّى أم تعدَّى!

    وعلى الأمة وهي تتلمَّسُ معالم الإصلاح ومنهجه ومُقوِّماته وأُسسه ووسائله أن تعرِض أوضاعها الحاضرة وحياتها المعاصرة على نصوص الكتاب والسنة؛ لأنها الميزان الحق، والمقياس الصد على تقدُّم الأمم وتأخُّرها، وزَينِها وشينِها، وصوابها وخطئها.

    قال بعض أهل العلم: "من لم يزِن أفعالَه وأحوالَه في كل وقتٍ بالكتاب والسنة فلا تعُدُّوه في ديوان الرجال".

    وعلى الأمة أن تأخذ الرأي والمشورة من رجالها الأوفياء، وعلمائها الأمناء الذين ليس لهم بائقة، ولا يُخاف منهم غائلة، وهم ضمير الأمة، وغيظُ عدوِّها، وحُرَّاسُ عقيدتها والفضيلة فيها، حتى يصدُر التدبير عن دينٍ مشروع، وتجتمع الكلمة على رأيٍ متبوع.

    ومتى تقاعَسَت الأمة عن تدارُك أخطائها وأهمَلَت في مُعالجات مُشكلاتها خسِرَت أمنَها واستقرارها، ووقعت في أزماتٍ وتحدِّيات، وفوضَى ومواجهات لا تُحمَد عُقباها، ولا يُعرَف مُنتهاها.

    أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئةٍ، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

    الخطبة الثانية

    الحمد لله بارئ البريَّات، عالم الخفيَّات، أحمده حمدًا بالغًا أمد التمام ومُنتهاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا معبود بحقٍّ سواه، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله وصفيُّه ونجيُّه ومُرتضاه، أرسله حين دَرَسَت أعلام الهدى، وظهرت أعلامُ الرَّدَى، وانطَمَس منهاجُ الحق وعفا، وأشرفَ مصباحُ الصدق على الانطِفا، فأعلى من الدين معالمه وفتح به قلوبًا غُلفًا، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه خلفاء الدين وحُلفاء اليقين، صلاةً وسلامًا دائمَيْن ممتدَّين متلازمَيْن إلى يوم الدين.

    أما بعد، فيا أيها المسلمون:

    اتقوا الله فقد نجا من اتقى، وضلَّ من قادَه الهوى، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب: 70، 71].

    أيها المسلمون:

    أحسن الكلام في الشكوى سؤال المولى زوال البلوى، فاستدفِعوا أمواج البلاء بالتضرُّع والدعاء والتوبة والإنابة والرجوع إلى الله تعالى، وكُفُّوا عن المعاصي المُهلِكة، والذنوب المُوبِقة، وتوبوا توبةً صادقة.

    وصلُّوا وسلِّموا على خير الورى، فمن صلَّى عليه صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرًا.

    اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة، أصحاب السنة المُتَّبَعة: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الآل والصحابة أجمعين، والتابعين لهم وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وجُودك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.

    اللهم أعِزَّ الإسلام وانصر المسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام وانصر المسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام وانصر المسلمين، ودمِّر أعداء الدين، وانصر عبادك المُوحِّدين، ودمِّر الطُّغاة والمُعتدين والمُفسدين يا رب العالمين.

    اللهم أدِم على بلاد الحرمين الشريفين أمنَها ورخاءَها، وعِزَّها واستقرارها، ووفِّق قادتها لما فيه عِزُّ الإسلام وصلاحُ المسلمين يا رب العالمين.

    اللهم عُمَّ بالأمن والرخاء والاستقرار جميعَ أوطان المسلمين، اللهم عُمَّ بالأمن والرخاء والاستقرار جميعَ أوطان المسلمين يا أرحم الراحمين.

    اللهم إنا نعوذ بك من مُضِلاَّت الفتن، اللهم إنا نعوذ بك من مُضِلاَّت الفتن، ونزَغات الشياطين، وتسلُّط أعداء الدين يا رب العالمين.

    اللهم اجعل مصر وأهلها في ضمانك وأمانك، اللهم اجعل مصر وأهلها في ضمانك وأمانك وإحسانك يا أرحم الراحمين، اللهم اجعل مصر وأهلها في ضمانك وأمانك وإحسانك يا أرحم الراحمين، اللهم اجعل لأهل مصر من كل همٍّ فرَجًا، ومن كل ضيقٍ مخرجًا، ومن كل بلاءٍ عافية.

    اللهم أنت ملاذُنا، وأنت عِياذُنا، وعليك اتِّكالُنا، اللهم احفظ أهلنا في مصر من كل سوءٍ ومكروهٍ وفتنة يا كريم يا كريم يا رحيم، اللهم احقِن دماءَهم، وصُن أعراضَهم، واحفظ أموالهم، وأمنَهم، واستقرارَهم، ووحدتهم يا أرحم الراحمين.

    اللهم اكشِف الغُمَّة، اللهم اكشِف الغُمَّة، اللهم اكشِف الغُمَّة، وأطفِئ جمرة الفتنة وشرارة الفوضى ونار الاصطدام يا رب العالمين.

    اللهم اجعل مصر آمنةً مطمئنةً ساكنةً مستقرةً محفوظةً مصونةً عزيزةً بعزِّ الإسلام يا أرحم الراحمين.

    اللهم كُن لإخواننا المُتضرِّرين من السيول في جدة، اللهم كن بهم رحيمًا، ولهم مُعينًا، وارزقهم عظيم السلو والصبر، وجزيل الثواب والأجر، وحُسن العِوَض، وآجِل الخلف وعاجِله يا رب العالمين، وتقبَّل موتاهم في الشهداء، واشفِ مرضاهم يا سميع الدعاء.

    اللهم طهِّر المسجد الأقصى من رِجس يهود، اللهم طهِّر المسجد الأقصى من رِجس يهود، اللهم عليك باليهود الغاصبين، والصهاينة الغادِرين، اللهم عليك بهم فإنهم لا يُعجِزونك، يا رب العالمين.

    اللهم اشفِ مرضانا، وعافِ مُبتلانا، وفُكَّ أسرانا، وارحم موتانا، وانصرنا على من عادانا يا رب العالمين.

    عباد الله:

    إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [النحل: 90].

    فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزِدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.