طريقك إلى الخشوع
التصنيفات
- العقيدة >> العبادة وأنواعها >> العبادات القلبية
- فقه >> العبادات >> الصلاة >> الصلاة فضائل وحكم وأحكام
المصادر
الوصف المفصل
طريقك إلى الخشوع
محمد بن سرار اليامي
تقديم فضيلة الشيخ: سعد بن سعيد بن عبد الله الحجري
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبيده جميع الكرامات، ضاعف الحسنات وغفر السيئات، ورفع الدرجات لأهل الطاعات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، رب الأرض والسماوات، عالم ما في النيات، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، أفضل المخلوقات وخاتم النبوات - صلى الله عليه وسلم - كلما ذكره الذاكرون، وغفل عنه الغافلون وعلى آله وصحبه ومن اتبع سنته إلى يوم الدين.
أما بعد،
فإن من الناس من هو مفتاح للخير، يحب لإخوانه ما يحب لنفسه ويكره من إخوانه ما يكره من نفسه، حياته للبذل والعطاء يرجو رحمة ربه، ويخشى عقابه، وهمه الدعوة إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن، فهو يدعو بقلمه، ويدعو بلسانه، ويدعو ببدنه، ويدعو بتعامله يريد السلامة لإخوانه المسلمين ويريد الحفظ لسفينة النجاة، وهذا دأب أتباع الرسل الذين ورثوا النبوة بالعلم النافع والعمل الصالح وإبلاغ دين الله تعالى يقول - صلى الله عليه وسلم -: «إن العلماء ورثة الأنبياء وأن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر».
ومن المعلوم أن حاجة الناس اليوم إلى العلم وأهله أشد من حاجتهم إلى الطعام والشراب؛ لأن العلماء زاد للقلوب ونور للبصائر وهداة إلى الصراط المستقيم بالإضافة إلى أنهم يحمون عن نار الآخرة؛ ولأهمية الدعوة إلى الله تعالى فإن من وسائلها الدعوة إلى الله تعالى بالعلم والكتابة وممن بذل هذه الوسيلة الأخ الفاضل/ محمد بن سرّار بن علي اليامي في كتيبه الذي أسماه «طريقك للخشوع».
وقد شرفني بمراجعته فراجعته على عجل لكثرة المشاغل فوجدته نافعًا.
أسأل الله أن يجعله من العمل الصالح الذي لا ينقطع بعد الموت وأن يرزقه الإخلاص فيه، وأن ينفعه به وأن ينفع به المسلمين، وأن يفتح به قلوبًا غلفًا وآذانا صمًا، وأعينًا عميًا، وأن يجعله مشكاة خير يستدل به الحيارى ليسلكوا الصراط المستقيم والمنهج القويم.
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
قاله بلسانه وكتبه بقلمه الفقير إلى ربه
الداعية إلى الله تعالى المحتسب بأبها
سعد بن سعيد بن عبد الله الحجري
أبها – آل الغليظ في 10/5/1422ﻫ
تقديم فضيلة الشيخ الدكتور: عبود بن علي بن درع
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
فإن الصلاة عمود الإسلام، والخشوع فيها هو روحها الأعظم وبقدر خشوع العبد في صلاته، بقدر ما تؤثر الصلاة في أقواله وأفعاله.
وهذه الرسالة تعالج قضية من أخطر القضايا لا سيما في عصرنا الحاضر، لكثرة إخلال العباد بهذه الفريضة العظيمة، ولقد أجاد فضيلة الشيخ/ محمد بن سرار اليامي وفقه الله في معالجة هذا الموضوع وطرحه بأسلوب شيق، وتناسب يفهمه كل مسلم وإني أنصح بقراءتها ونشرها بين المسلمين ذكورًا وإناثًا، لعظم فائدتها، وغزارة معلوماتها، والله الموفق لكل عمل صالح رشيد والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
حرر في 9/6/1422ﻫ
مقدمة
الحمد لله مجيب دعوة المضطرين، قابل عبادة الخاشعين، مجير المستجيرين، ومقيل عثار العاثرين ..
والصلاة والسلام على سيد الخاشعين، وإمام التائبين، وقدوة الخالق أجمعين، محمد ابن عبد الله وعلى آله وصحبه والتابعين ..
وبعد:
أخي المبارك ... أختي المباركة ...
إن السكون، والتذلُّل، والتواضع لله بالقلب والجوارح من أهم المهمات للعبد في الصلاة.
وأما الخشوع، والخضوع، وانصراف القلب عن كل ما سوى الله إلى الله جلَّ وعز، فهو بضاعة أهل الإيمان.
وقد مدح الله جل وعز أهل الخشوع فقال: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ [المؤمنون: 1، 2] .. فهذه منقبةٌ ومحمدةٌ لهم.
فهم أهل الفلاح في الدنيا والآخرة؛ وهم أهل النجاح في المعاملة مع الملك سبحانه.
أخي المبارك .. أختي المباركة ..
إذا علم هذا .. فليعلم أن للخشوع طرائق، وسبل ينبغي لمن أراده أن يسلكها، أجليها فيما يُستقبل من الكلام علَّ الله جل وعز أن ينفعني وإخواني بها، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أخي المبارك .. أختي المباركة ..
إن أردتما أن تكونا خاشعين فما عليكما إلا بهذه الوصفة .. عسى الباري أن ينفع بها.
وأما الخشوع في الصلاة: فهو السكون فيها، وقيل: التذلل والتواضع لله بالقلب والجوارح.
قال تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ [المؤمنون: 1، 2].
أخي المبارك .. أختي المباركة ..
هذه الوسائل والكلمات، أهديها لنفسي، ولكل مسلم ومسلمة ... نعم أبعثها ..
إلى كل من يبحث عن الخشوع، والطمأنينة في صلاته.
وكل من يريد أن يرضي ربه جل وعز.
وكل من أراد أن تنهاه صلاته عن الفحشاء والمنكر.
وكل من أصبحت الصلاة شاقةً عليه.
وكل من أصبحت الصلاة عنده عادة، لا عبادة.
وكل من يجعل وقت الصلاة وقت جمع للحسابات، وتذكر للمواعيد، وحساب للرصيد.
وكل من ثقلت على نفسه الصلاة.
وكل من دخل في الصلاة فخرج منها كما دخل.
إلى كلا هؤلاء، وإلى نفسي المقصرة، أُهدي هذه الوسائل والطرق علَّ الله جل وعز بمنه وكرمه، ولطفه أن يضمنا وإياكم في سلك أهل الخشوع والطمأنينة، إن الله وليُّ ذلك والقادر عليه.
محمـد
* * * *
طريقك للخشوع
معرفة الله تعالى، واستحضار عظمته والخوف منه، وكل من كان بالله أعرف كان منه أخوف، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر: 28]؛ لأنهم أهل العلم به، وبما يقربُ إليه.
أن يعلم أن الصلاة لقاء مع الله ومناجاة له، فعن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا كان أحدكم في الصلاة فإنه يناجي ربه»، فليتأدب مع الله جل وعز.
الإخلاص: فالإخلاص أساس صحة كل العبادات، والرياء يُحبط الأعمال، وقد قال جل وعز: ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ [هود: 7].
قال الفضيل بن عياض: أخلصه وأصوبه، فأخلصهُ ما كان لله جل وعز، وأصوبه ما كان من سُنَّة المعصوم - صلى الله عليه وسلم -.
يقول عليه الصلاة والسلام: «صلوا كما رأيتموني أُصلي».
حضور القلب وتفريغه للرب جل وعز، فقد ثبت في صحيح مسلم عن عمر بن عنبسة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أطال في الوضوء وثوابه، قال: ثم قال: «فإن هو قام وصلى فحمد الله وأثنى عليه ومجَّده بالذي هو له أهل وفرغ قلبه لله، انصرف من خطيئته كهيئته يوم ولدته أمه».
الابتعاد عن التفات القلب والجوارح: ولذا سُئِلَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الالتفات في الصلاة، فقال: «اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد» [رواه البخاري].
والاختلاس: هو الأخذ للشيء على غفلة وفي حين غِرَّة، وسمَّاه اختلاسًا تصويرًا لقُبْح تلك الفعلة بالمختلس؛ لأن المصلي يقبل على ربه والشيطان يترصد فوات ذلك عليه، فإذا التفت استلبه ذلك والالتفات المنهي عنه في الصلاة قسمان:
- التفات القلب عن الله إلى غير الله.
- التفات البصر.
تدبر أفعال وأذكار الصلاة: فإن كل حركة من حركات الصلاة وكل ذكر من أذكارها كفيل بأن يسبب الخشوع في الصلاة.
الطمأنينة وعدم العجلة في الصلاة: قال تعالى: ﴿فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾ [النساء: 103]، فعن أبي قتادة رضي الله عنه قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته، قال: يا رسول الله، كيف يسرق صلاته؟ قال: لا يتم ركوعها ولا سجودها» [رواه أحمد وصححه الألباني رحمه الله].
نشاط الجسم: وهذا يفرضه أدب اللقاء مع الله، وهو تبع لحضور القلب مع الله في الصلاة، ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إذا نعس أحدكم في الصلاة فليرقد حتى يذهب عنه النوم، فإن أحدكم إذا صلَّى وهو ناعس لعلَّه يذهب فيستغفر فيسب نفسه»، هذا في النافلة من قيام ليل، ونحوه، أما الفريضة فتحتاج إلى مجاهدة للنفس، وتربية إيمانية صادقة مع الله.
الابتعاد عن الأمكنة التي لا تحضرها الملائكة: وأفضل الأماكن هي المساجد، ولذا حثَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - على حضور الجماعات في المساجد، بل صلاة الجماعة واجبة على الرجال.
الابتعاد عن كل ما يشغل عن الصلاة: من صوت، أو صورة، أو زخرفة ونقش، أو حر شديد، أو برد شديد، ونحوها ما أمكن.
كراهية الصلاة بحضرة الطعام الذي يريد أكله، ففي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قال: قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «لا يصلين أحدكم بحضرة طعام ولا هو يدافع الأخبثان».
كراهية الصلاة وهو حاقن أو حاقب؛ للحديث السابق.
كراهية النظر إلى ما يلهي المصلي: لما ثبت في صحيح البخاري عن أنس قال: كان قِرامٌ لعائشة سترت به جانب بيتها، فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أميطي عنَّا قرامك هذا، فإنه لا تزال تصاويره تَعرض لي في صلاتي».
يستحب للمصلي الصلاة إلى سُترة: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إذا صلَّى أحدكم إلى سُترة فليدنُ منها لا يقطع الشيطان عليه صلاته» [رواه أبو داود]، والسُّنَّة في الدنو من السترة أن يكون بينهُ وبين السترة ثلاثة أذرع، وبينها وبين موضع سجوده ممرُّ شاه كما ورد في الأحاديث الصحيحة. [انظر كلام ابن حجر رحمه الله في فتح الباري 1/574-579].
تطويل القراءة يساعد على الخشوع في الصلاة، ففي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: قيل للنبي - صلى الله عليه وسلم -: أي الصلاة أفضل؟ قال: «طول القنوت».
حُسن التلاوة: قال البراء رضي الله عنه: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ في العشاء بـ«التين والزيتون»، فما سمعت أحدًا أحسن صوتًا منه.
ومِن حُسن التلاوة حُسن الترتيل.
يستحب إذا مرَّ بآية رحمة أن يسأل الله من فضله، وإذا مرَّ بآية عذاب أن يستعيذ بالله من عذابه، وإذا مرَّ بآية تنزيه لله تعالى نزَّه الله، وإذا مرَّ بآية استغفار استغفر ..
أن يصلي صلاة مودع: فقد ثبت في المسند عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إذا قمت في صلاتك فصلَّ صلاة مودَّع». وكأنها الصلاة الأخيرة في حياتك.
قيامُ الليل، قال الله جل وعز: ﴿وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا﴾ [الفرقان: 64]، فهم أهل الخشوع، والتضرُّع بين يدي الله جل وعز، وقيام الليل من دواعي رقة القلب وخشوعه.
الإكثار من النوافل، فإنها أيضًا من دواعي رقة القلب.
عدم رفع البصر في الصلاة إلى السماء، ففي صحيح البخاري عن أنس، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم» فاشتدَّ قوله عليهم حتى قال: «لينتهينَّ أو يخطفن الله أبصارهم».
عدم البصاق في اتجاه القبلة، لما فيه من قلة الأدب مع الله جل وعز، وسوء معاملة المملوك للملك جل وعز، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إذا كان أحدكم يصلي فلا يبصق قِبَل وجهه، فإن الله قِبَل وجهه إذا صلَّى» [رواه البخاري].
النهي عن التخصر في الصلاة: ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الاختصار في الصلاة. وهو وضع اليد على الخاصرة، لما فيه من سوء الأدب مع الله جل وعز.
العبث بالجوارح: باليد والأنف وغير ذلك من دواعي ذهاب الخشوع، ووقوع القلب في مشغلة.
كراهية التثاؤب في الصلاة: ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «التثاؤب في الصلاة من الشيطان، فإذا تثاءب أحدكم فليكظم ما استطاع».
النهي عن تغطية الفم: لما ثبت في سنن أبي داود عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «نهى أن يغطي الرجل فاه في الصلاة».
دوام محاسبة النفس: وتربيتها على إتمام حق الله جل وعز، وعلى حُسن الأدب معه سبحانه، فإن السعيد من حاسب نفسه قبل يوم الحساب؛ ليخِفَّ يوم القيامة حسابه.
الهمة العالية: التي تتوق لرضا الربّ جلَّ وعز، وترجو ما عنده سبحانه وتتخلى عن هذه الدنيا وسفاسفها ومغرياتها.
إدراك اللذة التي يجدها العباد في صلاتهم: وهذه اللذة كما قال ابن القيم رحمه الله: تقوى بقوة المحبة وتضعف بضعفها، فكلما زاد حبك لله زاد تقديمك لأمره، وكلما نقص الحب لله نقص الامتثال.
التبكير إلى الصلاة: يجعل العبد مهيأ نفسيًا ومعنويًّا وجسديًّا لملاقاة ملك الملوك جل وعز.
أن يستحي العبد من الله أن يتقرب إليه بصلاة جوفاء خالية من الخشوع والخوف، فلو كان بين يدي بشر لاستعدَّ وأعدَّ نفسه للقاء، فكيف به مع الله.
الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم: قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ [فاطر: 6].
معرفة ضعف الإنسان وفقره في حال ركوعه وسجوده، وانطراحه بين يدي ربه ليغفر له، ويعتقه من النار ويتوب عليه، ويتولاه فهو خاضعٌ ذليلٌ فقير لربه دائمًا.
البكاء من خشية الله تبارك وتعالى: قال تعالى: ﴿وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا﴾ [الإسراء: 109]، فهو من جالبات الخشوع وملينات القلب، وفي الحديث: «اقرؤوا القرآن وابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا».
إبعاد كل ما يشغل في موضع الصلاة، كما مرَّ معنا.
الإيمان الصادق والاعتقاد الجازم بما يترتب على الخشوع من فضل عظيم في الدنيا والآخرة، قال الله تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ [المؤمنون: 1، 2]، وسيأتي الكلام على فضل الخشوع فيما يستقبل إن شاء الله.
الإكثار من قراءة القرآن والذكر والاستغفار، كما في الحديث: «لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله، فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله تعالى قسوة للقلب، وإن أبعد الناس من الله القلب القاسي».
وقال تعالى: ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾ [الزمر: 23].
الحرص على مجاهدة الشيطان: ففي صحيح مسلم عن عثمان بن أبي العاص قال: يا رسول الله، إن الشيطان حال بيني وبين صلاتي وبين قراءتي يلبسها عليَّ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ذاك شيطان يُقال له: خِنزب، فإذا أحسسته فتعوَّذ بالله منه».
معرفة حقارة النفس وخستها وكونها عبدًا مسخرًا مربوبًا.
الاهتمام بقدر الصلاة وعظم ثوابها عند الله: قال الله جل وعز: ﴿فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾ [النساء: 103]، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «جُعِلَت قرَّة عيني في الصلاة»، والعناية بإتمام أركانها، وواجباتها، وشروطها، والحرص على البُعد عن منقصاتها، أو مبطلاتها، ولا يحصل هذا إلا بالعلم بها.
تذكر الموت أثناء الصلاة، من دوافع الخضوع والخشوع فيها، قال عليه الصلاة والسلام: «أذكر الموت في صلاتك ...» [ذكره الألباني في السلسلة الصحيحة]، وسبب ذلك من أجل أن يتقن العبدُ عمله، وأن يستشعر عظمة الخالق جلَّ وعز، حتى يلاقيه بقلبٍ حاضرٍ خاشع، لا بقلب ساهٍ لاهي.
أن يدرك المصلي حال الصحابة والسلف الصالح في الصلاة فهذه من دواعي الاقتداء والاهتداء بسيرهم رضوان الله عليهم، فقد كانوا رضوان الله عليهم مثالاً يُحتذى في هذا الأمر، ولذا فلقد كان ابن الزبير إذا قام في الصلاة كأنهُ عود، من الخشوع في القلب والجوارح، بل وكان مسلم بن يسار يصلي في مسجد، فانهدم شق ذلك المسجد فما شعر به، كل هذا لأنه خاشعٌ في صلاته ..
بل ورد عن سعد بن معاذ رضي الله عنه قوله: فيَّ ثلاث خصال، لو كنتُ في سائر أحوالي أكون فيهن، لكنت أنا .. أنا:- إذا كنت في الصلاة لا أُحدث نفسي بغير ما أنا فيه، وإذا سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثًا لا يقع في قلبي ريب أنه الحق، وإذا كنت في جنازة لم أحدث نفسي بغير ما تقول، ويقال لها. [انظر: الفتاوى لابن تيمية 22/605]. اهـ.
الحضور إلى الصلاة بالسكينة والوقار، والهدوء، فهذا أدعى لسكينة النفس وحضور القلب وخشوعه.
معرفة كيفية صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم -،ومطالعة ذاك في مظانه، لقوله عليه الصلاة والسلام: «صلوا كما رأيتموني أصلي».
عدم الإكثار من الطعام والشراب فإنه مذهبٌ لرقة القلب، قاطعٌ للخشوع، مانعٌ للتدبر في الغالب.
زخرفة المساجد وكتابة الآيات على الجدران يشغل القلوب عن الخشوع والزخرفة ضرب من التباهي الذي نهى عنه الشرع، فواضعها مشغلٌ للمصلين عن صلاتهم، وعن الخشوع فيها.
وجود الطمأنينة في الصلاة، وترك العبث، وليس هناك حد محدود للحركة، والقول بتحديد ثلاث حركات قولٌ فيه ضعف.
أخي المبارك .. أختي المباركة ..
إن معرفة فضائل الخشوع من الأمور التي تحثُّ المسلم على فعله، ومنها:
1- قبول العمل.
2- تكفير الذنوب والسيئات.
3- استجابة الدعاء.
4- النصرة من الله.
5- الراحة النفسية، والطمأنينة التي يجدها الخاشع.
6- النشاط الحسي، والمعنوي.
7- أنه من المطالب الشرعية في أعظم أركان الدين العملية.
8- أنه من أسباب الفلاح في الدنيا والآخرة.
9- أنه يخفف أمر الصلاة على العبد، ويحببها إليه.
10- أن أهلهُ من أهل الخير والصلاح في الدارين.
إلى غير ذلك من الفضائل العظيمة للخشوع.
وأخيرًا ...
وبعدما تقدم ... عُلِمَ أن أمر الخشوع أمرٌ عظيم، وشأنه شأن جليل ... لا يحصل عليه إلا من وفقه الله لسلوك سببه.
وفيما سبق ذكر شيء يسير مما قد يعين العبد على الخشوع، اجتهدت فيه وفي جمعه وتصنيفه، أسأل الله العظيم أن يبارك في الجهود، وأن يقبل العمل، وأن يقيل الخطأ، وأن يستر الزَلل، ربنا آتنا ما وعدتنا على رُسُلِكَ، ولا تخزنا يوم القيامة، إنك أنت الوهاب.
اللهم إنا نسألك قلبًا خاشعًا .. ولسانًا ذاكرًا .. ورزقًا حلالاً واسعًا .. يا كريم .. اللهم إنَّا نعوذ بك من قلب لا يخشع، ومن عين لا تدمع، ومن دعاءٍ لا يُسْمَع .. ربنا عليك توكلنا، وإليك أنبنا وإليك المصير.
تمت على يد مقيدها الفقير إلى عفو ربه الغني
محمد بن سرّار بن علي آل دغيش اليامي
غفر الله له ولوالديه وللمسلمين ... أمين ...
في نجد عمرها الله بالطاعة وحرسها من كل سوء - آمين –
ص. ب: 122586 الرياض: 11731
البريد الإلكتروني: [email protected]