×
هدي محمد صلى الله عليه وسلم في عبادته ومعاملاته وأخلاقه: إن هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - هو التطبيق العملي لهذا الدين, فقد اجتمع في هديه - صلى الله عليه وسلم - كل تلك الخصائص التي جعلت من دين الإسلام دينًا سهل الإعتناق والتطبيق، وذلك لشموله لجميع مناحي الحياة التعبدية والعملية والأخلاقية، المادية والروحية، وهذا الكتاب عبارة عن اختصار لما أورده الإمام ابن قيم الجوزية في كتابة زاد المعاد في هدي خير العباد.

هدي محمد ﷺ‬ في عباداته ومعاملاته وأخلاقه

اختصره

د. أحمد بن عثمان المزيد

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، وبعد:

فإن من أعظم نعم الله علينا نعمةَ الإسلام, فهو دين الفطرة والوسطية, دينٌ شامل كامل, دين العلم والأخلاق, دينٌ صالح لكل زمان ومكان, دين اليسر والرحمة, دينٌ فيه حَلٌّ لجميع المشكلات.

فما أحوجنا في هذا العصر خصوصًا لتبيين خصائص هذا الدين ومحاسنه للعالم أجمع؛ ليظهر لهم الصورة الحقيقية الناصعة لدين الإسلام.

وإن هدي محمد ﷺ هو التطبيق العملي لهذا الدين, فقد اجتمع في هديه ﷺ كل تلك الخصائص التي جعلت من دين الإسلام دينًا سهل الاعتناق والتطبيق؛ وذلك لشموله لجميع مناحي الحياة التعبدية والعملية والأخلاقية, المادية والروحية.

وفي هذا الكتاب([1]) الذي انتقيته من كتاب (زاد المعاد في هدي خير العباد للإمام ابن القيم) ([2]) - الذي يُعد من أفضل ما كُتب في هدي النبي ﷺ - تقريب لهديه في سائر جوانب حياته؛ لنقتدي به ونسير على هديه ﷺ.

نسأل الله الإخلاص والقبول, وأن يبارك في هذا الكتاب...

د. أحمد بن عثمان المزيد


1-هَدْيُهُ صلى الله عليه وسلم في الطَّهَارَةِ وَقَضَاءِ الحَاجَةِ([3])

أ – هَدْيُهُ صلى الله عليه وسلم في قَضَاءِ الحاجَةِ:

1- كان إذا دخلَ الخلاء قال: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الخُبُثِ والخَبَائِثِ» [ق]، وإذا خرج يقول: «غُفْرَانَكَ» [د, ت, جه].

2- وكانَ أكثرَ ما يبولُ وهو قاعدٌ.

3- وكان يستنجي بالماءِ تارةً, ويَسْتَجْمِرُ بالأحجارِ تارةً, ويجمعُ بينهما تارةً.

4- وكان يستنجي ويستجمرُ بشِمالِه.

5- وكان إذا اسْتَنْجَى بالماءِ ضَرَبَ يَدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الأرضِ.

6- وكان إِذَا ذَهَبَ في سَفَرِه للحاجةِ انطلقَ حَتَّى يتوارَى عَنْ أَصْحَابِهِ.

7- وكان يستتِر بالهدفِ تارةً وبِحَائِشِ النَّخْلِ تارةً، وبشجرِ الوادي تارةً.

8 – وكان يرتاد لبوْلِه الموضعَ الدَّمِثَ [اللَّيِّنَ الرخو من الأرض].

9- وكان إِذَا جَلَسَ لحاجتِه لم يرفعْ ثوبَهُ حتى يَدْنُوَ مِنَ الأرضِ.

10 – وكانَ إِذَا سَلَّم عليه أحدٌ وهو يبولُ لم يَرُدَّ عليه.

ب – هَدْيُهُ صلى الله عليه وسلم في الوُضُوءِ([4]) :

1- كان يتوضأ لكل صلاةٍ في غالبِ أحيانِه, وربما صَلَّى الصَّلواتِ بِوُضُوءٍ واحدٍ.

2- وكان يتوضأُ بالْمُدِّ([5]) تارةً, وبثُلُثَيْهِ تارةً, وبأزيَد منه تارةً.

3- وكان من أيسرِ الناس صَبًّا لماء الوضوءِ ويُحَذِّرُ أمته مِنَ الإسرافِ فيه.

4- وكان يتوضأُ مرةً مرةً, ومرتينِ مرتينِ, وثلاثًا ثلاثًا, وفي بعضِ الأعضاءِ مرتينِ وبعضِهما ثلاثًا, ولم يتجاوز الثلاثَ قَطُّ.

5- وكان يتمضمضُ ويستنشقُ تارةً بغَرفة، وتارةً بغَرفتينِ, وتارةً بثلاث, وكان يصلُ بين المضمضةِ والاستنشاقِ.

6- وكان يستنشقُ باليمينِ ويستنثرُ باليسرى.

7 – ولم يتوضأ إلا تمضمضَ واستنشقَ.

8 – وكان يمسحُ رأسهُ كلَّه, وتارةً يُقْبِل بيديه ويُدْبِر.

9 – وكان إذا مسحَ على ناصيتِه كَمَّل على العِمَامَةِ.

10 – وكان يمسحُ أذنيه – ظاهرَهما وباطنَهما – مع رأسه.

11- وكان يغسلُ رِجْلَيْهِ إذا لم يكونَا في خُفَّيْنِ ولا جَوْرَبَيْنِ.

12- وكان وُضُوؤه مُرَتَّـبًا متواليًا ولم يُخِلّ به مرة واحدة.

13- وكان يبدأ وضوءَه بالتَّسْمِيَةِ, ويقول في آخره: «أَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحده لا شَرِيكَ لَهُ, وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ, اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنَ التوَّابِينَ واجْعَلْنِي مِنَ المُتَطَهِّرِينَ» [ت].

ويقول: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ, أَشْهَدُ أَنْ لاَ إلهَ إِلَّا أَنْتَ, أَسْتَغْفِرُكَ وأَتُوبُ إلَيْكَ».

14- ولم يَقُلْ في أوله: نَوَيْتُ رفعَ الحَدثِ ولا استباحةَ الصَّلاةِ, لا هوَ ولا أحدٌ من أصحابِه الْبَتَّةَ.

15- ولم يَكُنْ يتجاوز المِرْفَقَيْنِ والكعبينِ.

16 – ولم يكن يعتاد تنشيفَ أعضائِهِ.

17- وكان يُخَلِّلُ لِحْيَتَهُ أحيانًا, ولم يُوَاظِبْ على ذلك.

18 – وكان يخللُ بينَ الأصابعِ, ولم يكن يحافظ على ذلك.

19 – ولم يَكُنْ من هَدْيه أن يُصَبَّ عليه الماءُ كلما توضأ, ولكن تارةً يَصُبُّ على نفسِه, وربما عاونَهُ مَنْ يَصُبُّ عليه أحيانًا لحاجةٍ.

ج – هَدْيُهُ صلى الله عليه وسلم في الْمسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ([6]):

1- صَحَّ عنه أنه مسح في الحضر والسفر, وَوَقَّتَ للمقيم يومًا وليلةً, وللمسافر ثلاثةَ أيامٍ ولياليهنَّ.

2- وكان يمسحُ ظَاهِرَ الخُفَّيْنِ, ومَسَحَ عَلَى الجوْرَبينِ, وَمَسَحَ على العِمَامَةِ مُقْتَصِرًا عليها, ومع الناصيةِ.

3- ولم يكن يتكلفُ ضِدَّ الحالة التي عليها قدماه, بل إن كانتا في الخفين مَسَحَ, وإن كانتا مكشوفتين غَسَلَ.

د- هَدْيُهُ صلى الله عليه وسلم في التُّيَمُّمِ([7]):

1- كان يتيمم بالأرضِ التي يُصَلِّي عليها ترابًا كانت أَوْ سَبِخَةً أَوْ رملًا, ويقول: «حَيْثُمَا أَدْرَكَتْ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي الصَّلاةُ فَعِنْدَهُ مَسْجِدُهُ وَطَهُورُهُ»[حم].

2- ولم يكن يحمل الترابَ في السفرِ الطويل, ولا أمرَ به.

3- ولم يَصحَّ عنه التيممُ لكل صلاةٍ, ولا أمَرَ به, بل أطلقَ التيممَ وجعله قائمًا مقامَ الوضوءِ.

4- وكان يتيممُ بضربةٍ واحدةٍ للوجهِ والكفينِ.


2-هَدْيُهُ صلى الله عليه وسلم في الصَّلاَةِ([8])

أ – هَدْيُهُ صلى الله عليه وسلم في الاِسْتِفْتَاحِ والْقِرَاءَةِ:

1- كان إذا قام إلى الصلاة قال: «اللهُ أكْبَرُ», ولم يقل شيئًا قبلها, ولا تَلَفَّظَ بالنِّيةِ الْبَتَّةَ.

2- وكان يرفعُ يديه معها ممدودتي الأصابعِ مستقبلًا بهما القبلةَ إلى فروع أُذْنَيْهِ – وإلى مِنْكَبَيْهِ -؛ ثم يضعُ اليُمْنَى على ظهرِ اليُسْرَى.

3- وكان يستفتحُ تارةً: بــ «اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ المَشْرِقِ والـمَغْرِبِ, اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بالماءِ والثَّلْجِ والْبَردِ, اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنَ الذُّنُوبِ والخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ» [ق].

وتارة يقول: «وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاواتِ والأرْضَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ, إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ العَالَمِينَ, لَا شَرِيكَ لَهُ, وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ, وَأَنَا أَوَّلُ المُسْلِمِيْنَ» [م].

4- وكان يقول بعد الاستفتاح: «أَعُوذُ باللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ» ثم يقرأ الفاتحة.

5- وكان له سكتتانِ: سكتةٌ بين التكبيرةِ والقراءةِ, واختُلِفَ في الثانيةِ, فرُوي أنها بعدَ الفاتحة ورُوي أنها قبلَ الركوعِ.

6- فإذا فرغَ من قراءةِ الفاتحةِ أخذَ في سورةٍ غَيْرِها, وكان يُطيلُها تارةً, ويخففها لعارض من سَفَرٍ أو غيرِه, ويتوسَّطُ فيها غالبًا.

7- وكان يقرأ في الفجرِ بنحوِ ستينَ آيةً إلى مائة, وصلَّاها بسورةِ «ق»، وصلَّاها بسورة «الروم»، وصلَّاها بسورة ﴿ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ﴾ وصلَّاها بسورة: ﴿ إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا ﴾ في الركعتين كلتيهما, وصلاها بـ «المعوِّذَتَيْنِ»، وكان في السفرِ, وصلَّاها فاستفتح سورةَ «المؤمنون» حتى إذا بَلَغَ ذِكْرَ موسى وهارونَ في الركعةِ الأُولى أخذتهُ سَعْلَةٌ فَرَكَعَ.

8 – وكان يُصليها يومَ الجمعةِ بــ ﴿الم﴾. السَّجدة، و﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا ﴾ .

9 – وأما الظهر فكان يُطيلُ قراءتَها أحيانًا, وأما العصر فعلى النصف مِنْ قراءةِ الظهرِ إذا طالت, وبقدْرِها إذا قَصُرَت.

10 – وأما المغرب فَصَلَّاها مرةً بــ «الطورِ»، ومرة بــ «المُرْسَلَاتِ».

11- وأما العشاء فقرأ فيها بــ ﴿ وَالتِّينِ﴾ ، ووقَّت لمعاذ فيها بــ ﴿ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا ﴾ و ﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى﴾ و ﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى ﴾, ونحوهاوأنْكَرَ عليه قراءتَهُ فيها بــ «البقرة».

12- وكان مِنْ هَدْيِهِ قراءةُ السورة كاملةً, وربما قرأَها في الركعتينِ, وربما قرأَ أوَّلَ السورةِ, وأمَّا قراءة أواخرِ السورة وأوساطِها, فلم يُحْفَطَ عنه.

وأما قراءةُ السورتين في ركعةٍ فكان يفعله في النافلةِ, وأما قراءةُ سورةٍ واحدةٍ في الركعتين معًا فَقَلَّمَا كان يفعله, وكان لا يُعَيِّنُ سورةً في الصَّلاةِ بِعَيْنِها لا يقرأُ إلا بها, إلَّا في الجمعةِ والعيدينِ.

13- وَقَنَتَ في الفجرِ بَعْدَ الركوعِ شهرًا ثم تَرَكَ, وكان قنوتُه لعارضٍ, فَلَمَّا زالَ تَرَكَهُ, فكان هَدْيه القنوتُ في النوازِلِ خاصةً, ولم يَكُنْ يَخُصُّه بالفجرِ.

ب – هَدْيُهُ صلى الله عليه وسلم في كيْفِيَّةِ الصَّلاةِ([9]):

1- كان يُطِيْلُ الركعةَ الأولى على الثانيةِ مِنْ كُلِّ صَلَاةٍ.

2- وكان إذا فرغَ من القراءةِ سَكَتَ بقدر ما يَتَرادُّ إليه نَفَسُه ثم رفعَ يَدَيْهِ وَكَبَّرَ رَاكِعًا, ووضعَ كَفَّيه على رُكبتيه كالقابض عليهما, ووتَّر يديه فَنَحَّاهُمَا على جَنْبَيْهِ, وبَسَط ظهره وَمَدَّه واعتدل فلم يَنْصِبْ رأسه ولم يَخْفِضْه, بل حيالَ ظَهْرِهِ.

3- وكان يَقُولُ: «سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ» [م] وتارةً يقولُ في ذلك: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي» [ق], وكان يقول أيضًا: «سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ المَلائِكَةِ والرُّوحِ» [ق].

4- وكان ركُوعُه المعتادُ مقدارَ عشر تسبيحاتٍ, وسجوده كذلك, وتارةً يجعل الركوعَ والسجودَ بقدرِ القيامِ, ولكن كان يفعلهُ أحيانًا في صلاةِ الليلِ وحدَه, فَهَدْيُه الغالبُ في الصَّلاةِ تعديلُ الصَّلاة وتناسبُها.

5- وكان يرفعُ رأسه قائلًا: «سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ» [ق]، وَيَرْفَعُ يديه ويقيم صُلْبَهُ, وكذلك إذا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السجودِ, وقال: «لَا تُجْزِئُ صَلَاةٌ لَا يُقِيمُ فِيهَا الرَّجُلُ صُلْبَهُ في الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ» [د، ت, ن, جه]، فإذا استوى قال: «رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ»، وربما قال: «رَبَّنَا لَكَ الحَمْدُ», وربما قال: «اللَّهُمَّ رَبَّنَا لك الحَمْدُ».

6 – وكانَ يطيلُ هَذَا الرُّكْنَ بِقَدْرِ الرُّكُوعِ, ويقول فيه: «اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ مِلْءَ السَّمَاوَاتِ وَمِلْءَ الأَرْضِ, وَمِلْءَ مَا بَيْنَهُمَا, وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيءٍ بَعْدُ, أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالمجدِ, أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ, وَكُلُّنَا لَكَ عَبْدٌ, لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجدُّ» [م].

7 – ثم كان يُكَبِّرُ وَيَخِرُّ ساجدًا, ولا يرفعُ يَدَيْهِ, وكان يضعُ رُكْبَتَيْهِ ثم يديه بَعْدَهُمَا, ثم جَبْهَتَهُ وأَنْفَه, وكان يسجدُ على جبهتِهِ وأنفِه دُوْنَ كَوْرِ العِمَامَةِ, وكانَ يَسْجُدُ على الأرضِ كثيرًا, وعلى الماءِ والطِّينِ, وعلى الخُمْرَةِ([10]) المُتَّخَذَةِ مِنْ خُوص النخلِ, وعلى الحصيرِ المتخذ منه, وعلى الفَرْوَةِ المَدْبُوغَةِ.

8 – وكان إذا سجدَ مَكَّن جبهته وأنفه من الأرضِ, ونحَّى يديه عن جَنْبَيْهِ, وجافاهما حتى يُرى بياضُ إِبْطَيْهِ.

9 – وكان يضعُ يده حَذْوَ مِنْكَبَيْهِ وأُذُنيه ويعتدلُ في سجوده, ويستقبلُ بأطرافِ أصابعِ رِجْلَيْهِ القبلةَ, ويَبْسُط كَفَّيْهِ وأصابعه, ولا يُفَرِّج بينُهما ولا يقبضهُمَا.

10 – وكان يقول: «سُبْحَانَكَ اللهُمَّ رَبَّنَا وبِحَمْدِكَ, اللَّهُمَّ اغْفِرْلِي» [ق], ويقول: «سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ المَلَائكةِ والرُّوحِ» [م].

11 – ثم يرفعُ رأسَهُ مُكَبِّرًا غيرَ رافعٍ يَدَيْهِ, ثم يجلسُ مُفْتَرِشًا يَفْرِشُ اليُسْرَى ويجلسُ عليها, وَيَنْصِبُ اليُمنى, ويضعُ يديه علَى فَخِذَيْهِ, ويجعل مِرْفَقَيْهِ على فَخذَيْهِ, وطرف يده على رُكْبَتِهِ, ويقبضُ اثنتينِ مِنْ أَصابِعه ويُحَلِّقُ حَلْقَةً, ثم يرفعُ أُصبعه يدعو بها ويُـحَرِّكها, ثم يقول: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي, وارْحَمْنِي, وَاجْبُرنِي, وَاهْدِنِي, وَارْزُقْنِي» [د, ت, جه].

12 – وكان هَدْيُهُ صلى الله عليه وسلم إطالةَ هذا الركنِ بِقَدْرِ السُّجُودِ.

13 – ثم ينهضُ عَلَى صُدُورِ قدميه, مُعتمدًا على فخذيه, فإذا نَهَضَ افتتحَ القراءةَ, ولم يسكت كما يسكُتُ عند الاستفتاحِ, ثم يصلي الثانيةَ كالأولى إِلَّا في أربعةِ أشياءَ: السكوتِ, والاستفتاحِ, وتكبيرةِ الإحرامِ, وتطويلها فكان يطيلُ الركعةَ الأُولى على الثانيةِ, وربما كان يطيلُها حتى لا يسمع وَقْعَ قَدَمٍ.

14 – فإذا جَلَسَ للتشهدِ وضعَ يده اليُسْرَى على فخذه الأيسر, ويَدَهُ اليُمْنَى على فخذه الأيمن, وأشار بالسَّبَّابَةِ, وكان لا يَنْصِبُها نصبًا, ولا يُنيمها, بل يَحنيها شيئًا يسيرًا ويحركها, ويقبض الخِنْصَر والِبنْصَر, ويُحَلِّقُ الوسطَى مع الإبهامِ, ويرفعُ السَّبَّابَةَ يدعو بها ويرمي ببصَرِهِ إليها.

15 – وكان يتشهدُ دائمًا في هذه الجِلْسَةِ ويُعَلِّمُ أصحَابَهُ أن يقولوا: «التَّحِيَّاتُ للهِ وَالصَّلَواتُ والطَّيِّبَاتُ, السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّها النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وبَرَكَاتُهُ, السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ, أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ, وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ» [ق] وكان يُخَفِّفُه جدًّا كأنه يُصَلِّي على الرَّضَفِ – وهي الحجارة المحماة – ثم كان ينهضُ مُكَبِّرًا على صُدُورِ قدميه وعلى رُكْبَتَيْهِ مُعْتَمِدًا على فخذيه, وكان يرفعُ يَدَهُ في هذا الموضعِ, ثم يقرأ الفاتحةَ وحدَها، وربما قرأ في الركعتينِ الأُخْرَيينِ بشيءٍ فوقَ الفاتحةِ.

16 – وكان صلى الله عليه وسلم إذا جلسَ في التشهدِ الأخيرِ, جَلَسَ مُتَوَرِّكًا([11]), وكان يُفْضِي بِوَرِكِهِ إلى الأرضِ, ويُخْرِجُ قَدَمَهُ مِنْ ناحيةٍ واحدةٍ. [د].

ويجعلِ اليُسْرَى تَحْتَ فَخِذِه وساقِه وينصبُ اليُمْنَى, وَرُبَّما فَرَشَها أَحْيَانًا.

ووضعَ يَدَهُ اليُمْنَى على فخذه اليُمنَى, وَضَمَّ أَصَابِعَهُ الثلاث ونَصَبَ السَّبَّابة.

وكان يَدْعُو في صلاته فيقول: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ, وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيْحِ الدَّجَّالِ, وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتنَةِ المحيَا والمماتِ, اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ المأثَمِ والمَغْرَمِ»([12]) [خ].

ثم كان يُسَلِّمُ عَنْ يمينه: السلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ, وَعَنْ يَسَارِهِ كذلك.

17 – وَأَمَرَ المصَلِّي أَنْ يَسْتَتِر وَلَوْ بسهمٍ أو عَصَا, وكان يُرَكِّزُ الحربةَ في السَّفَرِ والبَرِيَّةِ فيُصَلِّي إليها فتكون سُتْرَتَهُ وكان يَعْرِضُ راحِلَتَهُ فَيُصَلِّي إليها, وكان يأخذُ الرَّحْلَ فَيَعْدِلُه ويُصَلِّي إلى آخِرَتِهِ.

18 – وكان إذا صَلَّى إلى جدارٍ جَعَلَ بينه وبينه قَدْرَ مَمرِّ الشَّاةِ, ولم يَكُنْ يتباعدُ مِنْهُ, بَلْ أَمَرَ بالقربِ مِنَ السُّتْرَةِ.

ج – هَدْيُهُ صلى الله عليه وسلم في أفعاله في الصَّلاةِ.. ([13]):

1- لم يكَنْ مِنْ هَدْيِه الالتفاتُ في الصَّلاةِ.

2- ولم يَكُنْ مِنْ هَدْيِهِ تغميضُ عَيْنَيْهِ في الصَّلاةِ.

3- وكان إذا قامَ في الصلاةِ طَأطَأَ رَأْسَهُ, وكان يدخلُ في الصلاةِ وهو يريدُ إطالتَها فيسمعُ بكاءَ الصبيِّ فيخفِّفُهَا مخافَةَ أَنْ يَشُقَّ على أُمِّهِ.

4 – وكان يُصَلِّي الفرضَ وهو حاملٌ أُمَامَةَ بنتَ ابنتِه على عاتقه, إذا قام حملها, وإذا ركعَ وسجدَ وضعَها.

5 – وكان يُصَلِّي فيجيءُ الحسنُ أَو الحسينُ فيركبُ ظهرَه, فيطيلُ السجدةَ كراهيةَ أَنْ يُلْقِيَه عَنْ ظَهْرِهِ.

6 – وكان يصلي فتجيءُ عائشةُ فيمشي فيفتح لها البابَ, ثُمَّ يرجِعُ إلى مُصَلَّاهُ.

7- وكان يردُّ السلامَ في الصلاةِ بالإشارةِ.

8 – وكان ينفخُ في صلاتِهِ, وكان يبكي فيها, ويَتنَحْنح لحاجةٍ.

9 – وكان يصلي حافيًا تارةً, ومنتعلًا أخرى, وأَمَرَ بالصلاة في النَّعل مخالفةً لليهودِ.

10 – وكان يُصَلِّي في الثَّوبِ الواحدِ تارةً وفي الثوبينِ تارةً وهو أكثر.

د- هَدْيُهُ صلى الله عليه وسلم في أَفْعَالِهِ بَعْدَ الصَّلاةِ([14]) :

1- كان إذا سَلَّم استغفرَ ثلاثًا, ثم قال: «اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلامُ وَمِنْكَ السَّلَامُ تَبَارَكْتَ يَا ذَا الجَلالِ والإِكْرَامِ» [م]، ولم يمكثُ مُسْتَقْبِلَ القِبلةَ إلَّا مقدارَ ما يقولُ ذلك, بَلْ يسرعُ الانتقالَ إلى المأمومينَ, وكان يَنْفَتِلُ عَنْ يمينه وعن يساره.

2- وكان إذا صَلَّى الفجرَ جَلَسَ في مُصَلاَّهُ حتى تَطْلُعَ الشمسُ.

3 – وكان يقولُ دُبُرَ كُلِّ صلاةٍ مكتوبة: «لَا إلهَ إلَّا اللهُ, وَحدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ, لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شيءٍ قَدِيرٌ, اللَّهُمَّ لَا مانعَ لِمَا أَعْطَيْتَ, وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ ولا يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدِّ» [ق] «ولَا حَوْلَ ولَا قُوَّةَ إلَّا باللهِ, لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ, وَلَا نَعْبُدُ إِلَّا إياهُ, لَهُ النِّعْمَةُ وَلَهُ الفَضْلُ, وَلَهُ الثَّنَاءُ الْحَسَنُ, لَا إلهَ إلَّا اللهُ, مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ» [م].

4 – وَنَدَبَ أُمَّته أَنْ يقولوا دُبُرَ كُلِّ صلاةٍ مكتوبةٍ: «سبحانَ اللهِ» ثلاثًا وثلاثين, و«الحمدُ للهِ» ثلاثًا وثلاثين, و«اللهُ أكبرُ» ثلاثًا وثلاثين, وتمامُ المائةِ: «لا إلهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ, لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَديرٌ».

هـ - هَدْيُهُ صلى الله عليه وسلم في التَّطوُّعِ وَقِيَامِ اللَّيْلِ([15]):

1- كان يُصَلِّي عامةَ السننِ والتطوعِ الذي لا سببَ له في بيتِه, لا سيما سنةَ المغربِ.

2- وكان يحافظُ على عَشْرِ ركعاتٍ في الحَضَرِ دائمًا: ركعتينِ قَبْلَ الظهرِ, وركعتينِ بعدَها, وركعتينِ بعد المغربِ, وركعتينِ بعد العِشاءِ في بيته, وركعتينِ قَبْلَ صلاةِ الفجرِ.

3- وكانت محافظتُه على سنةِ الفجرِ أشد مِنْ جميعِ النوافلِ, ولم يَكُنْ يَدَعُها هي والوتر, لا حَضَرًا ولَا سَفَرًا, ولم يُنْقَل أنه صَلَّى في السفرِ راتبةً غَيْرَهما.

4- وكان يضطجعُ بعد سنةِ الفجرِ على شِقه الأيمنِ.

5- وكان يُصَلِّي أحيانًا قبل الظهر أربعًا, ولما فاتته الركعتانِ بعد الظهرِ قضاها بعد العصرِ.

6- وكان أكثرُ صلاتِه بالليل قائمًا, وربما يصلِّي قاعِدًا, وربما يقرأ قاعدًا فإذا بَقِي يسيرٌ مِنْ قِرَاءته قامَ فركعَ قائمًا.

7 – وكان يُصلي ثماني ركعاتٍ, يُسَلِّمُ بعد كُلِّ ركعتين, ثم يُوتِرُ بخمسٍ سَرْدًا متوالياتٍ, لا يجلسُ إلَّا فِي آخِرِهنَّ, أَوْ يُوتِرُ بتسعِ ركعاتٍ يَسْرِدُ منهن ثمانيًا لا يجلس إلا في الثامنةِ, ثم ينهضُ ولا يسلم, ثم يصلي التاسعة, ثم يقعدُ فيتشهدُ ويسلمُ, ثم يصلي بعدها ركعتينِ بعد ما يُسَلِّمُ, أو يُوتِرُ بسبعٍ كالتِّسْعِ المذكورةِ ثم يُصَلِّي بعدها ركعتين جالسًا.

8 – وكان يُوتِرُ أوَّل الليلِ ووسطَهُ وآخِرَه, وقال: «اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ باللَّيْلِ وِتْرًا» [ق].

9 – وكانَ يُصَلِّي بَعْدَ الوِتْرِ ركعتينِ جالسًا تارةً وتارةً يقرأ فيهما جالسًا, فإذا أرادَ أَنْ يركعَ قامَ فَرَكَعَ.

10 – وكان إذا غلبه نومٌ أو وَجَعٌ صَلَّى من النهارِ اثنتي عشرةَ ركعةً.

11- وقام ليلةً بآيةٍ يتلوها ويردِّدُها حتى الصَّباحِ.

12- وكان يُسِرُّ بالقرآنِ في صلاة الليل تارةً, ويَجْهَرُ تارةً, ويطيلُ القيامَ تارةً, ويخفِّفُهُ تارةً.

13- وكان يقرأ في الوتر بــ ﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ﴾ و﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ﴾، و﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾، فإذا سلم قال: «سبحان الملك القدوس» ثَلَاثَ مَرَّاتٍ, يَمدُّ صَوْتَهُ في الثَّالِثَةِ ويرفع [د، ن, جه].


3- هَدْيُهُ صلى الله عليه وسلم في الجُمُعَةِ([16])

1- كانَ مِنْ هَدْيِهِ تعظيمُ يوم الجمعة وتشريفُه وتخصيصُه بخصائص؛ منها: الاغتسال في يَوْمِها, وأَنْ يلبسَ فيه أحسنَ ثيابِه, والإنصاتُ للخطبة وجوبًا, وكثرةُ الصلاة على النبي ﷺ‬.

2- وكان يخرجُ إذا اجتمعوا فَيُسَلِّمُ عليهم, ثم يصعدُ المنبرَ ويستقبلُهم بوجهِه ويُسَلِّمُ عليهم, ثم يجلسُ, ويأخذُ بلالٌ في الأذانِ, فإذا فرغَ منه قام فَخَطَبَ مِنْ غير فَصْلٍ بين الأذانِ والخُطبةِ, وكان يَخْطُبُ مَعْتَمِدًا على قوسٍ أَوْ عصا قبل أَنْ يَتَّخِذَ المنبرَ.

3- وكان يَخْطُبُ قائمًا, ثم يجلسُ جِلْسَةً خفيفةً، ثم يقومُ فيخطبُ الثانيةَ.

4- وكان يأمرُ بالدُّنوِّ مِنْهُ والإنصاتِ, ويخبرُ الرجلَ إذا قال لصاحِبِه: أَنْصِتْ, فَقَدْ لَغَا, وَمَنْ لَغَا فَلَا جُمُعَةَ لَهُ.

5- وكان إذا خَطَبَ احمرَّتْ عَيْنَاه وَعَلَا صوتُه واشْتَدَّ غضبُه حَتَّى كأنه مُنْذِرُ جَيْشٍ.

6- وكان يقولُ في خُطْبَتِه: «أما بعدُ» وَيُقْصِرُ الخطبةَ ويطيلُ الصلاةَ.

7 – وكان يعلِّمُ أصحابَه في خطبتِه قواعدَ الإسلامِ وشرائعَه, ويأمرُهم وينهاهم إِذَا عَرَضَ لَهُ أَمرٌ أو نهيٌ.

8 – وكان يقطعُ خُطْبَتَهُ للحاجةِ تَعْرِضُ, أو لإجابةِ مَنْ يَسْألُه, ثم يعودُ إلى خُطْبَتِهِ فَيُتِمُّها, وكان رُبَّمَا نَزَلَ عَنِ المنبرِ لحاجةٍ ثم يعودُ, وكانَ يأمرُهم بمقتضى الحالِ في خطبتِه, فإذا رَأَى منهم ذَا فاقة أو حاجةٍ, أمرَهم بالصدقةِ وَحَضَّهم عليها.

9 – وكان يشيرُ بِأُصبعه السَّبَّابة في خُطْبَتِهِ عند ذِكْرِ الله وكانَ إِذَا قَحَطَ المطرُ يَسْتَسْقِي في خُطْبَتِهِ.

10 – وكان إذا صَلَّى الجمعةَ دَخَلَ منزلَهُ, فَصَلَّى ركعتين سُنَّتَهَا, وَأَمَرَ مَنْ صَلَّاها أَنْ يُصَلِّي بعدها أربعًا.


4-هَدْيُهُ صلى الله عليه وسلم في العِيْدَيْنِ([17])

1- كان يُصَلِّي العيدينِ في المصَلَّى, وكان يَلْبَسُ أجملَ ثيابه.

2- وكان يأكلُ في عيدِ الفطرِ قبل خروجِه تَمَراتٍ, ويأكلهن وِتْرًا, وأما في الأضحى فكانَ لا يَطْعَمُ حتى يرجِعَ مِنَ المصَلَّى, فيأكلُ مِنْ أُضْحِيَتِهِ, وكان يؤخِّرُ صلاة عيد الفطرِ ويعجِّلُ الأضحى.

3- وكان يخرُجُ ماشيًا, والعَنَزَةُ تُحْمَلُ بَيْنَ يديه, فإذا وصلَ نُصِبَت ليُصَلِّيَ إليها.

4- وكان إذا انتَهى إلى المصلَّى أخذ في الصَّلاة بغير أذانٍ ولا إقامةٍ, ولا يقول: الصلاةُ جامعةٌ, ولم يَكُنْ هو ولا أصحابُه يُصَلُّونَ إذا انْتَهَوا إلى المصلَّى شيئًا قبلَها ولا بعدَها.

5- وكان يبدأُ بالصلاةِ قَبْلَ الخُطبَةِ، يُصَلِّي ركعتين, يُكَبِّرُ في الأولى سبعًا مُتوالية بتكبيرة الإحرام, يسكُتُ بين كُلِّ تكبيرتين سكتةً يسيرة, ولم يُحْفَظْ عنه ذكْرٌ معينٌ بين التكبيراتِ, فإذا أَتَمَّ التكبيرَ أخَذَ في القراءةِ, فإذا فَرَغَ كَبَّرَ وَرَكَعَ, ثم يكبِّر في الثانيةِ خمسًا متوالية, ثم يأخذُ في القراءةِ, فَإِذَا انصرفَ خَطَبَ في الناسِ وَهُمْ جلوسٌ عَلَى صفوفِهم, فيعظُهم ويأمرُهم وينهاهُم, وكان يقرأُ بـ «ق» و«اقْتَرَبَتِ» كاملتين, وتارةً بـ«سَبِّحِ» و«الغَاشيَة».

6- وكان يخطبُ على الأرضِ, ولم يَكُنْ هناك مِنْبَرٌ.

7 – وَرَخَّصَ في عدم الجلوسِ للخطبةِ, وأَنْ يجتزئوا بصلاةِ العيدِ عَنِ الجُمُعَةِ إذا وَقَعَ العيدُ يَوْمَها.

8 – وكان يُخالفُ الطريقَ يَوْمَ العيدِ.


5- هَدْيُهُ صلى الله عليه وسلم في الْكُسُوفِ([18])

1- لما كَسَفَتِ الشَّمْسُ خَرَجَ إلى المسجد مُسرِعًا فَزِعًا يجرُّ رداءَه, فتقدَّم وصلَّى ركعتين, قرأ في الأولى بالفاتحةِ وسورةٍ طويلةٍ, وجَهَرَ بالقراءةِ، ثم رَكَعَ فأطالَ الرُّكُوعَ, ثم رَفَعَ فأطالَ القيامَ, وهو دون القيامِ الأولِ, وقال لما رَفَعَ رأسه من الركوع: «سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ, رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ» ثم أَخَذَ في القراءةِ ثُمَّ رَكَعَ فأطالَ الركوعَ, وهو دون الركوعِ الأولِ, ثم رَفَعَ رأسه مِنَ الركوعِ، ثم سَجَدَ سجدةً طويلةً فأطالَ السجودَ, ثم فعلَ في الركعةِ الأُخْرَى مِثْلَ ما فَعَلَ في الركعةِ الأولى, فكان في كُلِّ ركعةٍ ركوعانِ وسجودانِ, ثم انصرفَ فَخَطبَ بهم خُطْبَةً بَلِيغَةً.

2- وَأَمَرَ في الكسوفِ بِذِكْرِ اللهِ والصلاةِ والدعاءِ والاستغفارِ والصدقةِ والعِتَاقَةِ.


6- هَدْيُهُ صلى الله عليه وسلم في الاستِسْقَاءِ([19])

1- كان يَسْتَسْقِي عَلَى المنبر في أثناءِ الخطبةِ, وكانَ يستسقي في غيرِ الجُمُعَةِ, واستسقى وهو جالسٌ في المسجدِ ورَفَعَ يَدَيْهِ وَدَعَا اللهَ عَزَّ وَجَلَّ.

2- وَحُفِطَ مِنْ دُعَائِهِ في الاستسقاءِ: «اللَّهُمَّ اسْقِ عِبَادَكَ وبَهَائِمَكَ وانْشُر رَحْمَتَكَ وَأَحْي بَلَدَكَ المَيَّتَ» [د]، «اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا([20]) مَرِيئًا([21]) مَريعًا([22])نَافعًا غَيْرَ ضَارٍ, عَاجلًا غَيْرَ آجِلٍ» [د].

3- وكانَ إذَا رأَى الغَيْمَ والريحَ عُرِفَ ذلك في وجهِه، فأقبلَ وأَدْبَرَ, فإذا أَمْطَرَت سُرِّيَ عنه.

4- وكان إذا رأى المطر قال: «اللَّهُمَّ صَيِّبًا نافعًا» [ق]، ويَحْسِرُ ثَوْبَه حتى يُصِيبَه مِنَ المطرِ، فسُئِل عن ذلك: فقال: «لأنَّهُ حَديثُ عَهْدٍ بِرَبِّه» [م].

5- ولَمَّا كَثُرَ المطر سألوه الاستصحاء, فاستصحى لهم, وقال: «اللَّهُمَّ حَوَالَينَا وَلَا عَلَيْنَا, اللَّهُمَّ عَلَى الظّرابِ([23])، والآكَامِ([24])، والجِبَالِ, وبُطونِ الأَوْدِيةِ, وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ» [ق].


7 – هَدْيُهُ صلى الله عليه وسلم في صَلاَةِ الخَوْفِ([25])

1- كَانَ مِنْ هَدْيِهِ إذا كان العَدُوُّ بينه وبين القبلةِ أَنْ يَصُفَّ المسلمينَ خَلْفَه صَفَّيْنِ, فَيُكَبِّرَ وَيُكَبِّرُوا جميعًا, ثم يَرْكعوا ويَرفعوا جميعًا, ثم يَسْجُد أَوَّلَ الصفِّ الذي يليه خاصة, ويقوم الصفُّ المؤخَّر مواجِهَ العدو, فإذا نَهَضَ للثانيةِ سَجَدَ الصفُّ المؤخَّرُ سجَدَتَينِ, ثم قاموا فتقدَّمُوا إلى مكانِ الصفِّ الأولِ, وتأخَّرَ الصفُّ الأوَّلُ مكانهم؛ لتحصلَ فضيلةُ الصفِّ الأوَّلِ للطائفتينِ؛ وليدركَ الصفُّ الثاني معه السجدتين في الثانيةِ, فإذا رَكَعَ صَنَعَ الطائفَتانِ كما صَنَعُوا أَوَّلَ مرةٍ, فإذا جَلَسَ للتشهدِ سَجَدَ الصفُّ المؤخَّرُ سجدتين, ولحقوهُ في التشهدِ, فَسَلَّمَ بهم جميعًا.

2- وَإِنْ كانَ في غير جِهَةِ القِبلة؛ فإنه تارةً يجعلُهم فِرْقَتَين: فرقةً بإزاءِ العدُوِّ, وفرقةً تُصَلِّي معه, فَتُصَلِّي معه إِحْدَى الفرقتينِ ركعةً, ثم تَنْصَرِفُ في صلاتِها إلى مكانِ الفِرْقَةِ الأُخْرَى, وتجيءُ الأخرى إلى مكان هذِه, فَتُصَلِّي معه الركعةَ الثانيةَ ثم يُسَلِّم, وتقضي كُلُّ طائفةٍ ركعةً بعدَ سلامِ الإمامِ.

3- وتارةً كان يُصَلِّي بإحدى الطائفتين ركعةً, ثم يقومُ إلى الثانية, وتقضي هي ركعة وهو واقفٌ, وتَسُلِّمُ قبل ركوعِه, وتأتي الطائفةُ الأُخْرَى فتصلي معه الركعةَ الثانيةَ, فإذا جَلَسَ في التشهدِ قَامَتْ فَقَضَتْ ركعةً، وهو ينتظرُها في التشهدِ, فإذا تشهدَتْ سَلَّم بهم.

4- وتارةً كان يُصلي بإحدى الطائفتينِ ركعتينِ وَيُسَلِّمُ بهم, وتأتي الأُخرى فيصلي بهم ركعتين ويُسَلِّم بهم.

5- وتارةً كان يُصَلِّي بإحدى الطائفتين ركعةً, ثم تذهبُ ولا تَقْضِي شيئًا, وتجيءُ الأخْرَى فيصلي بهم ركعةً ولا تقضي شيئًا, فيكونُ له ركعتانِ, ولهم ركعةً ركعة.


8- هَدْيُهُ صلى الله عليه وسلم في تَجْهِيزِ الْمَيِّتِ([26])

1- كان هَدْيُهُ في الجنائزِ أَكْمَلَ هَدْيِ, مخالفًا لهدي سائِرِ الأُمَمِ, مُشتملًا على الإحسانِ إلى الميتِ وإلى أهلِهِ وأقارِبه, فَأَوَّلُ ذلك تعاهدُه في مرضِه, وتذكيرُه الآخرةَ, وأمرُه بالوصيةِ والتوبةِ, وأَمْرُ مَنْ حَضَره بتلقينه شهادةَ أَنْ لَا إِلهَ إلَّا اللهُ؛ لتكونَ آخرَ كلامِه.

2- وكان أَرْضَى الخلقِ عَنِ اللهِ في قضائِهِ وأعظمَهم له حَمْدًا, وَبَكَى لموتِ ابنه إبراهيمَ رأفَةً به, ورحمةً له ورقَّةً عليه، والقلبُ ممتلئٌ بالرِّضا عن اللهِ وشكرِه, واللسانُ مشتغلٌ بِذِكْرِهِ وحَمْدِه. ويقول: «تَدْمَعُ العَيْنُ وَيَحْزَنُ القَلْبُ وَلَا نَقُولُ إلَّا ما يُرْضِي الرَّبَّ» [ق].

3- وَنَهَى عَنْ لَطْمِ الخُدُودِ, وَرَفْعِ الصَّوْتِ بالنياحةِ والنَّدبِ.

4- وكانَ مِنْ هَدْيِهِ الإسراعُ بتجهيزِ الميِّتِ إلى الله, وتطهيرِه وتنظيفِه وتكفِينه في ثيابِ البياضِ.

5- وكان من هديه تغطيةُ وَجْهِ الميتِ وبدنِه، وتغميضُ عينيه.

6- وكان رُبَّما يُقَبِّلُ الميتَ.

7- وكان يَأمُرُ بغسلِ الميت ثلاثًا أو خمسًا أو أكثر بحسب ما يراه الغَاسِلُ, ويأمر بالكافورِ في الغسلةِ الأخيرةِ.

8 – وكان لا يُغَسِّلُ الشَّهيد قَتِيْلَ المعركةِ, وكان يَنْزِعُ عَنِ الشهداءِ الجلودَ والحديدَ, ويدفُنهم في ثيابِهم ولا يُصَلِّي عليهم.

9 – وأَمَرَ بِغَسْلِ الْمُحْرِمِ بماءٍ وسدرٍ, ويُكفَّن في ثوبِ إحرامِه, ونَهَى عن تَطييبِه وتغطيةِ رأسِه.

10 – وكان يأمرُ وَلِيَّ الميتِ أن يُحْسِنَ كَفَنَهُ ويُكفّنه في البياض, ونَهَى عن المغالاةِ في الكَفَنِ.

11- وكان إذا قَصَّرَ الكفنُ عن سَتْرِ جميعِ البدنِ غطَّى رأسَهُ, وَجَعَلَ على رِجْلَيْهِ شيئًا من العُشْبِ.

أ – هَدْيُهُ صلى الله عليه وسلم في الصَّلاةِ عَلَى الْمَيِّتِ([27]) :

1- كان يُصَلِّي على الميِّتِ خارجَ المسجدِ, ورُبَّما صَلَّى عليه في المسجدِ, ولَكِنْ لم يَكُنْ ذلك من هَدْيِهِ الراتِبِ.

2- وكان إذا قُدِمَ عليه بِمَيِّتٍ سَأَلَ: «هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟» [ق] فَإِنْ لم يَكُنْ عليه دَيْنٌ صَلَّى عَلَيْهِ, وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لم يُصَلِّ عَلَيْهِ, وَأَمَرَ أصحَابه أن يُصَلُّوا عليه.

ولما فَتَحَ اللهُ عليه كانَ يُصَلِّي على المَدينِ وَيَتَحَمَّلُ دَيْنَه, وَيَدَعُ مَالَهُ لورثتِهِ.

3- وكان إذا أخذ في الصلاة كَبَّرَ وَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عليه وَدَعَا, وكان يُكَبِّرُ أربعَ تكبيراتٍ وَكَبَّرَ خَمْسًا.

4- وكان يأمرُ بإخلاصِ الدُّعاءِ للميتِ, وَحُفِظَ مِنْ دُعَائِه: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا, وَصَغِيْرِنَا وَكَبِيرنَا, وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا, وَشَاهِدِنَا وَغَائِبنَا, اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيهِ عَلَى الإِسْلَامِ, وَمَنْ تَوفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الإيمانِ, اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُ» [ت, ن, جه].

وحُفِظَ أيضًا مِنْ دُعَائِهِ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ, وَارْحَمْهُ, وَعَافِهِ, واعْفُ عَنْهُ, وَأَكْرِمْ نُزُلَه, وَوَسِّعْ مُدْخَلَه, واغْسِلْهُ بالماءِ والثَّلْجِ والبَـرَدِ, وَنَقِّهِ مِنَ الخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوبُ الأبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ, وأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ, وَأَهْلًا خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ, وَزَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ, وأَدْخِلْهُ الجَنَّةَ وَأَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ وَمِنْ عَذَابِ النَّارِ» [م].

5- وكان يقومُ عِنْدَ رأسِ الرجلِ, وَوَسَطِ المرأةِ.

6- وكان يُصَلِّي عَلَى الطفلِ, ولا يُصَلِّي عَلَى مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ, ولاَ عَلَى مَن غَلَّ مِنَ الغنيمةِ.

7 – وَصَلَّى على المرأةِ الجُهنِيَّةِ التي رَجَمَها.

8 – وَصَلَّى عَلَى النجاشي صلاتَهُ على الميِّتِ, ولم يَكُنْ مِنْ هَدْيِهِ الصلاةُ عَلَى كُلِّ مَيِّتٍ غَائِبٍ.

9 – وكان مِنْ هَدْيِه إذا فاته الصلاةُ عَلَى الجنازةِ صَلَّى عَلَى القبرِ.

ب – هَدْيُهُ صلى الله عليه وسلم في الدَّفْنِ وَتَوَابِعِه([28]):

1- كان إذا صَلَّى على الميت تَبِعَه إلى المقابرِ ماشيًا أمامَهُ, وسَنَّ للراكبِ أَنْ يكونَ وراءَها, وإِنْ كَانَ ماشيًا يَكُونُ قَرِيبًا مِنْهَا, إمَّا خَلْفَهَا أو أَمَامها, أو عَنْ يمينها أو عَنْ شِمَالِها, وكانَ يأمُرُ بالإسراعِ بها.

2- وكان لا يجلسُ حَتَّى تُوضعَ.

3- وأمر بالقيام للجنازةِ لمّا مَرَّتْ به, وصَحَّ عنه أنه قَعَدَ.

4- وكان من هَدْيِه ألا يدفنَ الميتَ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ, ولا عِنْدَ غُروبها ولا حينَ يَقُومُ قائمُ الظهيرةِ.

5- وكان مِنْ هَدْيِه اللَّحْدُ, وتعميقُ القَبْرِ, وتوسيعُه عند رأسِ الميتِ ورِجْلَيْهِ.

6- وكان يحثُو الترابَ على الميتِ إذا دُفِنَ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ ثلاثًا.

7 – وكان إذا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ الميتِ قام على قبرِه وسَأَلَ له التَّثْبِيتَ, وأَمَرَ أصحابَه بذلك.

8 – ولم يكن يجلِس يقرأ على القبرِ ولا يُلَقِّنُ الميتَ.

9 – وكان من هَدْيِهِ تَرْك نَعْي الميتِ, بل كانَ يَنْهَى عَنْهُ.

ج – هَدْيُهُ صلى الله عليه وسلم في المَقَابِرِ وَالتَّعْزِيَةِ([29]):

1- لَـمْ يَكُنْ مِنْ هَدْيِهِ تعليةُ القبورِ ولا بناؤُها ولا تطيينُها, ولا بناءُ القِبَابِ عليها.

2- وبعث عليًّا إلى اليمنِ أَنْ لَا يَدَعَ تِمْثَالًا إلا طَمَسَهُ, ولا قَبْرًا مُشْرِفًا إلا سَوَّاه, فكانت سُنَّتَهُ تسويةُ القبورِ المُشرِفَةِ كُلِّها.

3- ونَهَى أَنْ يُجَصَّصَ القبرُ, وأَنْ يُبنى عليه, وأن يُكتبَ عليه.

4- وكانَ يُعَلِّمُ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَعْرِفَ قَبْرَهُ بِصَخْرَةٍ.

5- وَنَهَى عن اتخاذِ القبورِ مساجد, وإيقادِ السُّرْجِ عليها, ولَعن فاعِلَهُ.

6- وَنَهَى عَنِ الصَّلاةِ إليها, ونَهَى أَنْ يُتَّخَذَ قَبْرُهُ عيدًا.

7- وكان من هديه أنْ لا تُهَانَ القبورُ ولا تُوطَأَ, ولا يُجْلَسَ عليها, ولا يُتكأ عليها, ولا تُعظَّم.

8 – وكان يزورُ قبورَ أصحابه للدعاءِ لهم, والاستغفارِ لهم, وسَنَّ للزائرِ أَنْ يقول: «السَّلامُ عَلَيْكُم أَهْلَ الدِّيَارِ مِنَ المؤمنينَ والمسلمينَ, وإنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ, نَسْأَلُ اللهَ لَنَا ولكُمُ العَافِيَةَ» [م].

9 – وكان مِنْ هديه تعزيةُ أَهْلِ الميتِ, ولم يكن مِنْ هَدْيِه أَنْ يجتمعَ للعزاءِ ويُقْرأَ له القرآن, لا عندَ القبرِ ولا غَيْرِهِ.

10 – وكان مِنْ هَدْيِهِ أَنَّ أَهْلَ الميت لا يتكلفون الطعامَ للناسِ, بَلْ أَمَرَ أَنْ يَصْنَعَ الناسُ لهم طعامًا.


9 – هَدْيُهُ صلى الله عليه وسلم فِي الزَّكَاةِ وَالصَّدقَاتِ([30])

أ- هَدْيُهُ صلى الله عليه وسلم في الزَّكَاةِ:

1- هديه فيها أكملُ الهدي في وَقتِهَا وَقَدْرِها ونِصَابِها، ومَنْ تَجِبُ عليه ومَصْرِفِها, رَاعَى فيها مصلحةَ أربابِ الأموالِ ومصلحةَ المساكين, ففرض في أموالِ الأغنياءِ ما يَكْفِي الفقراءَ مِنْ غَيْرِ إجحافٍ.

2- وكان إذا عَلِمَ مِنَ الرَّجُلِ أَنَّه مِنْ أَهْلِهَا أعطاهُ وإِنْ سَأَله منها مَنْ لا يعرف حالَه أعطاهُ بعد أَنْ يُخْبِرَهُ أنه لا حَظَّ فيها لِغَنِيٍّ ولا لقويٍّ مُكْتَسِبٍ.

3- وكان مِنْ هَدْيِهِ تَفْرِيقُها على المستحقينَ في بلدِ المالِ, وما فَضُلَ عنهم منها حُمِلَ إليه فَفَرَّقَه.

4- ولم يكن يبعثُهم إلَّا إلى أهلِ الأموالِ الظاهرةِ منَ المواشي والزروعِ والثمارِ.

5- وكان يبعثُ الخَارِصَ يخرُصُ على أهل النخيلِ ثَمَرَ نَخِيلِهم, وعَلَى أَهْلِ الكُروم كُرُومهم, ويَنْظُر كَمْ يجيء منه وسقًا([31])، فيحسِب عليهم من الزكاةِ بقدرِه, والخرص: الحزر والتخمين.

6- ولم يَكُنْ مِنْ هَدْيِه أَخْذُها من الخيلِ ولا الرقيقِ, ولا البغالِ ولا الحميرِ, ولا الخُضْرَوات, ولا الفواكه التي لا تُكال ولا تُدَّخر, إلا العنب والرُّطب, فلم يفرقْ بَيْن رُطَبِه وَيَابِسِه.

7 – ولم يكن مِنْ هَدْيِهِ أخْذُ كرائِمِ الأموالِ, بل وسَطَه.

8 – وكان ينهى المتصدِّقَ أَنْ يشتريَ صدقتَه, وكان يُبيحُ للغني أن يأكلَ منها إذا أهداها إليه الفقير.

9 – وكان يستدينُ لمصالح المسلمينَ عَلَى الصدقةِ أحيانًا, وكان يستسلفُ الصدقةَ مِنْ أَرْبَابِهَا أحيانًا.

10 – وكان إذا جاءَ الرَّجُلُ بالزَّكَاةِ دَعَا له, يقول: «اللَّهُمَّ بَارِك فيه وفي إِبِلِه» [ن], وتارة يقول: «اللهم صَلِّ عليه» [ق].

ب – هَدْيُهُ صلى الله عليه وسلم في زَكَاةِ الْفِطْرِ([32]) :

1- فَرَضَ زكاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيْرٍ أَوْ أَقِطٍ أَوْ زَبِيبٍ.

2- وكانَ مِنْ هَدْيِهِ إخراجُها قَبْلَ صَلاةِ العيدِ, وقال: «مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلاةِ فَهِيَ زَكاةٌ مَقْبُولة, ومَنْ أَدَّاها بَعْدَ الصَّلاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدقَاتِ» [د].

3- وكانَ مِنْ هَدْيِهِ تخصيصُ المساكينِ بها, ولَمْ يَكُنْ يَقْسِمها على الأَصنافِ الثمانيةِ.

ج – هَدْيُهُ صلى الله عليه وسلم في صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ([33]) :

1- كان أعظمَ النَّاسِ صدقةً بِمَا مَلَكَتْ يَدهُ وكان لا يَسْتَكثِر شيئًا أعطاه الله, ولا يَسْتَقِلُّه.

2- وكان لا يسألُه أحدٌ شيئًا عنده إلا أعطاه, قليلًا كان أو كثيرًا.

3- وكان سُرورُه وفرحُه بما يعطيه أعظم من سرور الآخِذِ بما أخذه.

4- وكان إذا عَرَضَ له مُحْتَاجٌ آثَرَهُ عَلَى نَفْسِه, تارةً بطعامه, وتارةً بلباسِه.

5- وكان مَنْ خَالَطَه لا يَمْلِك نَفْسَه مِنَ السَّمَاحَةِ.

6- وكان يُنَوِّعُ في أصنافِ إعطائِهِ وَصَدَقَتِهِ, فتارةً بالهدية، وتارةً بالصدقةِ, وتارةً بالهِبَةِ, وتارةً بشراءِ الشيءِ ثم يُعْطِي البائعَ السِّلْعَةَ والثمنَ, وتارةً يَقْتَرِضُ الشيءَ فَيَرُدُّ أكثرَ منه, وتارةً يَقْبَلُ الهديةَ ويُكَافِئُ عليها بأكثرَ منها.


10- هَدْيُهُ صلى الله عليه وسلم فـي الصَّــوْمِ

أ – هديُهُ صلى الله عليه وسلم في صَوْمِ رَمَضَانَ([34]) :

1- كان من هديه أنه لا يَدْخُلُ في صوم رمضان إلا بِرُؤيةٍ مُحَقَّقةٍ, أو بشهادةِ شاهدٍ, فَإِنْ لم يَكُنْ رُؤْيةٌ ولا شهادةٌ أكملَ عِدَّةَ شعبانَ ثلاثينَ.

2- وكان إِذَا حالَ ليلةَ الثلاثين دُونَ مَنْظَرِهِ سحابٌ أكملَ شعبانَ ثلاثينَ, ولم يكن يصوم يومَ الإغْمَامِ, ولا أَمَرَ به.

3- وكان مِنْ هَدْيِهِ الخروج مِنْهُ بشهادةِ اثنينِ.

4- وكان إِذَا شَهِدَ شَاهِدانِ برؤيَتِه بعد خروج وَقْتِ العيدِ أَفْطَرَ وَأَمَرَهُم بالفطرِ, وصَلَّى العيدَ بعد الغَد في وَقْتِها.

5- وكان يُعَجِّل الفطرَ, ويحثُّ عليه, ويَتَسَحَّرُ ويحُثُّ عليه, ويؤخِّرُه ويُرَغِّبُ في تأخِيره.

6- وكان يُفْطِرُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ, وكانَ فِطْرُه على رُطَبَاتٍ إِنْ وَجَدَها, فَإِنْ لَمْ يَجِدْها, فَعَلَى تَمَرَاتٍ, فَإِنْ لَمْ يجد فَعَلَى حَسَواتٍ مِنْ ماءٍ.

7 – وكانَ يَقُولُ إِذَا أَفْطَرَ: «ذَهَبَ الظَّمَأُ, وابْتَلَّتِ العُرُوقُ, وثَبَتَ الأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى» [د].

8 – وكان مِنْ هَدْيه في شهرِ رَمَضَانَ الإكثارُ من أنواعِ العبادةِ, وكانَ جبريلُ يُدَارِسُه القرآنَ في رمضانَ.

9 – وكان يُكْثرُ فيه مِنَ الصَّدَقَةِ والإحسانِ وتِلاوَةِ القرآنِ والصَّلاةِ والذِّكْرِ والاعْتِكَافِ.

10 – وكان يَخُصُّه مِنَ العباداتِ بما لا يَخُصُّ به غَيْرَه, حَتَّى إنه ليُواصل فيه أَحْيَانًا, وكان ينهى أصحابَه عن الوِصَال, وَأَذِنَ فيه إلى السَّحَرِ.

ب – هَدْيُهُ صلى الله عليه وسلم في مَا يُحْظَرُ وَمَا يُبَاحُ فِي الصَّوْمِ:

1- نَهَى الصائمَ عن الرَّفَثِ والصَّخَبِ والسِّبَابِ, وجوابِ السِّبَابِ, وأَمَره أنْ يقولَ لِمَنْ سابَّه: إِنِّي صَائمٌ.

2- وسافَرَ في رَمَضَان فَصَامَ وَأَفْطَرَ, وَخَيَّر أَصْحَابَه بين الأمرين.

3- وكان يأمُرهم بالفِطْرِ إِذَا دَنَوا مِنَ العَدُوِّ.

4- ولم يَكُنْ مِنْ هَدْيِهِ تقديرُ المسافةِ التي يُفْطِرُ فيها الصائمُ بِحَدٍّ.

5- وكان الصحابةُ حِينَ يُنْشِئُون السَّفَرَ يُفْطِرُون مِنْ غَيْرِ اعتبارِ مجاوزةِ البيوتِ, ويخبرونَ أَنَّ ذلك هَدْيُهُ وسُنته صلى الله عليه وسلم.

6- وكان يُدْرِكُهُ الفجرُ وهو جُنُبٌ مِنْ أَهْلِهِ, فيغتسلُ بَعْدَ الفجرِ ويصومُ.

7- وكان يُقَبِّلُ بعضَ أزواجِهِ وهو صائمٌ في رمضانَ.

8 – وكان يستاكُ وهو صائمٌ, ويتمضمضُ ويستنشقُ وهو صائمٌ, وكان يَصُبُّ على رأسِهِ الماءَ وهو صائمٌ.

9 – وكانَ مِنْ هَدْيِه إسقاطُ القضاءِ عَمَّن أَكَلَ أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا.

10 – وَرَخَّصَ للمريضِ والمسافرِ أَنْ يَفْطُرا وَيَقْضِيا, والحاملُ والمرضعُ إِذَا خَافَتا عَلَى أَنْفُسِهمَا كذلك.

ج – هَدْيُهُ صلى الله عليه وسلم في صَوْمِ التَّطَوُّعِ:

1- كان هديه فيه أكملَ الهدي, وأعظمَ تحصيلٍ للمقصودِ وأسهلَه على النفوسِ فكان يصومُ حتى يُقَالَ: لا يُفْطِرُ, وَيُفْطِرُ حَتَّى يُقَال: لا يَصُومُ. وما استكمل صيامَ شهرٍ غَيْرَ رمضانَ, وما كان يصومُ في شهرٍ أكثرَ مما كان يصومُ في شعبان, ولم يَكُنْ يخرُجُ عن شهرٍ حتى يَصُومَ منه.

2- وكان مِنْ هديه كَرَاهِيَةُ تخصيصِ يَوْمِ الجُمُعَةِ بالصَّومِ, وكان يَتَحرَّى صِيَامَ الاثنينِ والخميسِ.

3- وكان لا يُفْطِرُ أَيَّامَ البِيضِ في حَضَرٍ ولا سَفَرٍ وكان يَحُضُّ على صيامِها.

4- وكان يَصُومُ مِنْ غُرَّةِ كُلِّ شَهْرٍ ثلاثةَ أيامٍ.

5- وقال في ستة شوال: «صِيَامُهَا مَعَ رَمَضَانَ يَعْدِلُ صِيَامَ الدَّهْرِ» [م] وكان يَتَحَرَّى صومَ يومِ عاشوراءَ على سائرِ الأيامِ, وأخبر أن صومه يكفر السنة الماضية [م].

6- وقال في يوم عرفة: «صَيَامُه يُكَفِّرُ السَّنَةَ الماضية والبَاقِيَةَ» [م]، وكان مِنْ هَدْيِهِ إفطارُ يومِ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ.

7 – ولم يَكُنْ مِنْ هديه صيامُ الدهر, بل قال: «مَنْ صامَ الدَّهْرَ لا صَامَ وَلَا أَفْطَرَ» [ن].

8 – وكان أحيانًا ينوي صَوْمَ التَّطوعِ ثم يُفْطِر, وكانَ يدْخُلُ عَلَى أَهْلِهِ فيقول: «هَلْ عِنْدَكُمْ شَيءٌ؟» فإن قالوا: لَا, قال: «إِنِّي إِذًا صائِمٌ» [م].

9 – وقال: «إِذَا دُعِي أَحَدُكم إلى طَعَامٍ وَهُوَ صائِمٌ فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ» [م].

د – هَدْيُهُ صلى الله عليه وسلم في الاعْتِكَافِ([35]) :

1- كانَ يَعْتكِفُ العشرَ الأواخرَ مِنْ رمضانَ حَتَّى توفاه الله عزَّ وجلَّ, وتَرَكَهُ مَرَّةً فَقَضَاهُ في شوالَ.

2- واعْتَكَفَ مَرةً في العَشْرِ الأُول، ثم الأَوْسَطِ, ثم العَشْرِ الأواخِرِ يلتمسُ ليلةَ القَدْرِ, ثم تَبَيَّنَ له أَنَّهَا في العَشْرِ الأَوَاخِرِ, فَدَاومَ عَلَى الاعتكافِ حَتَّى لَحِقَ بَرَبِّه عَزَّ وجلَّ.

3- ولم يَفْعَلْهُ إِلَّا مَعَ الصَّومِ.

4- وكان يَأْمُرُ بخباءٍ فيُضْرَبُ لَه في المسجدِ يَخْلُو فيه.

5- وكانَ إِذَا أَرَادَ الاعتكافَ صَلَّى الفجرَ ثُمَّ دَخَلَهُ.

6- وكان إذا اعْتَكَفَ طُرِح له فِرَاشُه وَسَرِيرُه في مُعْتَكَفِهِ, وكانَ يَدْخُلُ قُبَّتَهُ وَحْدَهُ.

7 – وكان لا يدخلُ بَيْتَه إِلَّا لحاجةِ الإنسانِ.

8 – وكان يُخرج رأسَه إلى بيتِ عائشةَ فَتُرَجِّلُه وهي حائضٌ.

9 – وكان بعضُ أزواجِه تزورُه وهو مُعتكِفٌ, فإذا قَامتْ تَذْهَبُ قَامَ مَعَها يَقْلِبُها وكانَ ذَلِكَ لَيْلًا.

10 – ولم يَكُنْ يُبَاشِرُ امرأةً مِنْ نِسَائِه وهو مُعْتكِفٌ لا بِقُبْلَةٍ ولا غَيْرِها.

11- وكان يَعْتكِفُ كُلَّ سنةٍ عشرةَ أيامٍ, فَلَمَّا كانَ العامُ الذي قُبِضَ فيه اعتكفَ عِشْرِينَ يَوْمًا.

11 – هَدْيُهُ صلى الله عليه وسلم في الحَجِّ والعُمْرَةِ([36])

أ – هَدْيُهُ صلى الله عليه وسلم في العُمْرَةِ:

1 – اعتمر أرْبَعَ مَرَّاتٍ؛ إحداها: عُمْرَةُ الحُدَيْبِيَّةِ, فَصَدَّهُ المشرِكُونَ عَنِ البيتِ, فَنَحَرَ وَحَلَقَ حَيْثُ صُدَّ, وحلَّ.

والثانية: عُمْرَةُ القَضَاءِ؛ حيثُ قَضَاهَا في العامِ المقبلِ.

والثالثة: عُمْرَتُه التي قَرَنَها مع حَجَّتِه.

والرابعة: عُمْرَتُه مِنَ الجِعْرَانَةِ.

2- ولم يكن في عُمَرِهِ عُمْرَةٌ واحدةٌ خارجًا مِنْ مَكَّةَ, وإنما كانت كُلُّها داخلًا إلى مكة.

3- ولم يُحْفَظْ عَنْه أَنَّه اعْتَمَرَ في السنة إلا مرةً واحدةً, ولم يَعْتَمِرْ في سنةٍ مَرَّتَيْنِ.

4- وكانت عُمره كُلُّها في أَشْهُرِ الحَجِّ.

5 – وقال: «عُمْرَةٌ في رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةً» [ق].

ب – هَدْيُهُ صلى الله عليه وسلم في الْحَجِّ([37]) :

1- لـما فُرِضَ الحجُّ بَادَرَ إليه مِنْ غَيرِ تأخيرٍ, ولم يَحُجَّ إلا حَجَّةً واحدةً, وحَجَّ قارنًا.

2- وأهلَّ بالنُّسَكِ بعد صلاةِ الظهرِ ثُمَّ لبّى فقال: «لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ, لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ, إِنَّ الحَمْدَ والنِّعْمَةَ لَكَ والمُلْكَ لا شَرِيكَ لَكَ» [م]، وَرَفَعَ صَوْتَه بهذه التلبيةِ حَتَّى سَمِعَها أصحابُه وأَمَرهم بِأَمْرِ اللهِ أَنْ يَرْفَعُوا أصواتَهم بها, ولَزِمَ تلبيتَهُ والناسُ يَزيدُون فيها ويُنْقِصُون ولا يُنْكِرُ عَلَيْهِمْ.

3- وخيَّر أصْحَابَه عند الإحرامِ بين الأنساكِ الثلاثةِ, ثم نَدَبَهم عند دُنُوِّهم مِنْ مَكَّةَ إلى فسخِ الحجِّ والقِرَانِ إلى العُمرةِ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ معه هَدْيٌ.

4- وكان حَجُّه على رَحْل؛ لا في مَحْمَلٍ ولا هَوْدَجٍ, وزِمَالَتُه تحته أي: طَعامُه ومتاعُه.

فلما كان بمكةَ أمَرَ أمرًا حتمًا من لا هَدْي معه أَنْ يجعلها عُمْرَةً ويحلّ من إحرامه, وَمَنْ معه هَدْيٌ أَنْ يُقِيمَ على إحرامه, ثم نَهَضَ إلى أَنْ نَزَلَ بذي طُوَى, فباتَ بها ليلةَ الأحدِ لأربعٍ خَلْوَنَ مِنْ ذِي الحجةِ وصلَّى بها الصبحَ, ثم اغتسلَ مِنْ يومه, ودخلَ مكةَ نهارًا مِنْ أعلاها مِنَ الثنيةِ العُلْيَا التي تُشْرِفُ على الحجونِ.

فلما دخل المسجد عَمَد إلى البيتِ, ولَمْ يَرْكَعْ تَحِيَّة المسجدِ, فَلَمَّا حَاذَى الحجرَ الأسودَ اسْتَلَمَهُ، ولَمْ يُزاحِمْ عليه, ثم أَخَذَ عَنْ يمينه, وجَعَلَ البيتَ عَنْ يَسَارِهِ, ولَمْ يَدْعُ عِنْدَ البابِ بدعاءٍ, ولا تحت الميزابِ ولا عند ظَهْرِ الكعبةِ وأركانِها, وحُفِظَ عنه بين الركنين: «رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنيا حَسَنَةً وفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وِقِنَا عَذَابَ النَّارِ»، ولم يُوَقِّتْ للطوافِ ذِكْرًا مُعَينًا غير هذا.

وَرَمَلَ في طوافِه هَذَا, الثلاثة الأشواط الأُول, وكان يُسْرِع في مَشْيِه, ويُقارِبُ بين خُطَاهُ, واضطبعَ بِرِدَائِهِ فَجَعَلَ طَرْفَيْهِ على أَحَدِ كَتِفَيْهِ وأَبْدَى كَتِفَهُ الأُخْرَى وَمَنْكِبَه.

وكُلَّمَا حَاذَى الحجرَ الأسودَ أشارَ إليه أو اسْتَلَمَهُ بِمْحجَنِه وقَبَّلَ المحْجَن – وهو عَصًا مَحْنِيْة الرَّأسِ – وقال: «اللهُ أُكْبَرُ».

واسْتَلَمَ الرُّكْنَ اليَمَانِيَّ ولم يُقَبِّلْهُ ولَمْ يُقَبِّلْ يَدَهُ عِنْدَ اسْتِلامِه.

فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ طَوافِهِ, جَاءَ خَلْفَ المقامِ, فقرأ: â وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ۖá [البقرة:125], فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ, والمَقَامُ بينه وبينَ البيتِ؛ قرأ فيهما بعد الفاتحةِ بسورتي الإخلاص – وهما: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَá وâ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌá ، فلمَّا فَرَغَ مِنْ صَلاتِهِ أَقْبَلَ إلى الحجرِ الأسودِ فاسْتَلَمَهُ.

ثم خَرَجَ إلى الصفا, فَلَمَّا قَرُبَ منه قَرَأ: â إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِá [البقرة: 159]، «أَبْدأُ بِمَا بَدَأَ اللهُ بِهِ», ثُمَّ رَقَى عليه حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ فاستقبلَ القبلةَ فوَحَّدَ اللهَ وَكَبَّرَه وقال: «لا إله إلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ, لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شيءٍ قدير, لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ أَنْجَزَ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَه وَهَزَمَ الأحْزَابَ وحْدَه» [د, ت, ن, جه]. ثم دعا بين ذلك. وقال مثلَ هذا ثلاثَ مراتٍ.

ثُمَّ نَزَلَ إلى المروةِ يمشي, فَلَمَّا انْصَبَّت قدماه في بطن الوادي سَعَى حَتَّى إذا جاوزَ الوادي وَأَصْعَد مَشَى – وذلك بين المِيْلَيْنِ الأَخْضَرَيِنِ – وابتدأ سَعْيَه ماشيًا, ثم أَتَمَّهُ رَاكِبًا لما كَثُرَ عَلَيْهِ النَّاسُ.

وكان إذا وَصَلَ إلى المروةِ رَقَى عليها, واستقبلَ البيتَ, وكَبَّرَ الله وَوَحَّدَهُ وَفَعَلَ كَمَا فَعَلَ عَلَى الصَّفَا.

فَلَمَّا أَكْمَلَ سَعْيَه عِنْدَ المروةِ, أَمَرَ كُلَّ مَنْ لا هَدْي مَعَه أَنْ يَحلَّ الحِلَّ كُلَّه حَتْمًا ولا بُدَّ, قارنًا أَوْ مُفْرِدًا.

وَلَمْ يحلّ هو مِنْ أَجْلِ هَدْيِه وقال: «لَو اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي ما اسْتَدْبَرْتُ لَمَا سُقْتُ الهَدْيَ وَلَجَعَلْتُها عُمْرَةً» [ق].

ودَعَا للمُحَلِّقين بالمغفرة ثلاثًا, وللمُقَصِّرين مرةً.

وكان يُصَلِّي مُدة مُقامِه بمكةَ إلى يوم التروية بمنزلِه بِظَاهِرِ مكةَ بالمسلمين يَقْصُرُ الصَّلاةَ.

فلما كان يومُ الترويةِ ضُحًى تَوَجَّه بِمَنْ مَعَهُ إلى مِنًى, فأَحْرَمَ بالحجِّ مَنْ كانَ أَحَلَّ منهم مِنْ رِحَالِهم.

فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى مِنًى نَزَلَ بها وصلَّى بها الظهرَ والعصرَ وبات بها, فلما طلعتِ الشمسُ سارَ منها إلى عرفةَ – ومن أصحابه الملبِّي والمكبِّرُ وهو يسمعُ ذلك ولا يُنْكِرُ على أحدٍ – فوجد القُبَّة قد ضُرِبَتْ له بِنَمِرَة بأمرِه – ونمرة ليست مِنْ عَرفة وهي قرية شَرْقِيّ عرفة – فَنَزَلَ بها, حتى إذا زالت الشمسُ, أمر بناقته القَصواء فَرُحِلتْ, ثم سار حتى أتى بَطْن الوادي من أرض عُرَنَةً, فخطبَ النَّاسَ وهو على راحِلته خُطبة واحدةً عظيمةً قَرَّر فيها قواعِدَ الإسلامِ, وَهَدَمَ فيها قواعِدَ الشِّرْكِ والجاهِليةِ, وقَرَّرَ فيها تَحريمَ المحرَّماتِ التي اتفقتِ المِللُ على تحريمها, ووضعَ أمورَ الجاهليةِ ورِبَا الجاهليةِ تَحْتَ قَدمَيْهِ, وأَوْصَاهُمْ بالنساءِ خيرًا, وأَوْصَى الأمةَ بالاعتصامِ بكتابِ الله, واسْتَنْطَقَهُم واسْتَشْهَد الله عليهم أنه قد بَلَّغَ وأَدَّى ونَصَحَ.

فَلَمَّا أتمَّ الخطبةَ أمَرَ بلالًا فأذَّنَ, ثم أقام الصلاة, فَصَلَّى الظهر ركعتين أَسَرَّ فيهما بالقراءةِ – وكان يومَ الجمعةِ – ثم أقامَ فصلَّى العصرَ ركعتينِ ومعه أهل مكَّة ولم يأمرهم بالإتمامِ ولا بِتَرْكِ الجمعِ.

فلمَّا فرغَ مِنْ صلاتِه رَكِبَ حتى أَتَى الموقفَ, ولمَّا شَكَّ الناسُ في صيامِه يومَ عرفةَ أرسلت إليه ميمونة بحِلاب وهو واقِفٌ في الموقفِ, فشَرِبَ منه والناس ينظرونَ, ووقَفَ في ذَيْلِ الجبلِ عند الصخراتِ, واستقبلَ القِبْلَةَ, وجَعَلَ حَبْلَ المُشَاةِ بَيْنَ يَدَيْهِ, وكانَ عَلَى بَعِيره, فأَخَذَ في الدُّعَاء والتضرُّع والابْتِهَالِ إلى غُرُوبِ الشَّمسِ.

وَأَمَرَ الناسَ أَنْ يَرْفَعُوا عَنْ بَطْنِ عُرَنَةَ وقال: «وَقَفْتُ هَا هُنَا وَعَرَفَةُ كُلُّها مَوْقِفٌ» [م].

وكانَ في دُعَائِهِ رافعًا يديه إلى صدرهِ كاستطعامِ المسكينِ وقال: «خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءِ يَوْمِ عَرَفَةَ, وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا والنبيونَ قَبْلِي: لَا إلهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ, لَهُ الملكُ وَلَهُ الحَمْدُ وهو عَلَى كُلِّ شيءٍ قَدِيرٌ» [ت].

فَلَمَّا غَرَبَتِ الشمسُ استحكَم غروبُها بحيثُ ذَهَبَت الصُّفْرَةُ, أفاضَ مِنْ عَرَفَةَ بالسكينةِ مُرْدِفًا أسامةَ بنَ زيدٍ خَلْفَهُ, وَضَمَّ إليه زِمَامَ ناقتِه حَتَّى إِنَّ رَأسَهَا ليُصِيبُ طَرَفَ رَحْلِهِ وهو يقول: «أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ بالسَّكِينَةِ؛ فَإِنَّ البِرَّ لَيْسَ بالإيضَاعِ» [خ]، أي: ليس بالإسراع.

وأفاضَ مِنْ طَرِيقِ المَأزِمَيْنِ, ودخل عرفةَ مِنْ طَريقِ ضَبٍّ, ثم جَعَلَ يسيرُ العَنَقَ وهو – السَّيرُ بَيْنَ السَّرِيعِ والبَطِيء – فإذا وَجَدَ مُتَّسَعًا أسْرَعَ.

وَكَانَ يُلَبِّي في مسيرِه ولم يقطع التَّلبيةَ, ونزلَ أثناءَ الطريقِ فبالَ وتوضأَ وضوءًا خفيفًا, ثم سارَ ولَمْ يُصَلّ حتى أتى مُزْدَلِفَةَ فتوضأَ وضوءَ الصَّلاةِ, ثم أَمَرَ بالأذانِ ثم أقامَ, فَصَلَّى المغربَ قَبْلَ حطِّ الرِّحَالِ وتَبْرِيكِ الجِمَالِ, فَلَمَّا حطُّوا رِحَالهم أمَرَ فأقيمتِ الصَّلاةُ, ثم صَلَّى العشاءَ بإقامةٍ بلا أذانٍ, ولَمْ يُصَلّ بينهما شيئًا, ثم نامَ حَتَّى أصبحَ, ولَمْ يُحْي تلكَ الليلةَ.

وَأَذِنَ في تلك الليلةِ عِنْدَ غيابِ القمرِ لِضَعَفَةِ أهْلِهِ أن يَتَقَدَّمُوا إلى مِنًى قَبْلَ طُلُوعِ الفجر, وأَمَرهم أَلَّا يَرْمُوا حتى تَطلُعَ الشَّمْس.

فَلَمَّا طلعَ الفجرُ صَلَّاها في أوَّلِ الوقتِ بأذانٍ وإقامةٍ, ثم رَكِبَ حَتَّى أَتَى مَوْقِفَه عند المَشْعَرِ الحَرَامِ وأعلمَ النَّاسَ أَنَّ مُزْدَلِفَة كُلَّها موقِفٌ, فاستقبلَ القبلةَ وأخذَ في الدُّعاءِ والتضرُّع والتكبيرِ والتهليلِ والذِّكْرِ حتى أسْفَرَ جِدَّا, ثم سَارَ مِنْ مُزْدَلِفَةَ قبلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مُرْدِفًا للفضلِ بن عباس.

وفي طريقه أمرض ابنَ عباسٍ أَنْ يَلْقُطَ له حَصى الجمارِ, سبعَ حصياتٍ؛ فَجَعَلَ يَنْقُضُهُنَّ في كَفِّهِ ويَقُولُ: «بِأَمْثَالِ هؤلاءِ فارْمُوا وإيَّاكُم والغُلُوَّ في الدِّين...» [ن, جه].

فَلَمَّا أَتَى بَطْنَ مُحَسِّر أسرعَ السَّيْرَ, وسلكَ الطريقَ الوُسْطَى التي تخرجُ على الجمرةِ الكُبْرى, حَتَّى أتى مِنًى وهو يُلَبِّي حتى شرعَ في الرَّمْي, فَرَمَى جمرةَ العقبةِ راكبًا بعد طلوعِ الشمس, مِنْ أسفل الوادي وجعلَ البيتَ عَنْ يَسَارِهِ ومنًى عَنْ يمينِه, يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ.

ثم رجعَ مِنًى فخطبَ الناسَ خُطْبَةً بليغةً أَعْلَمَهُم فيها بُحْرمَةِ يومِ النَّحْرِ وفضلِه وحرمةِ مكةَ, وأمَرَهُم بالسمعِ والطاعةِ لمن قادَهم بكتابِ الله, وعَلَّمَهُم مَنَاسِكَهُم, ثم انصرفَ إلى المنحرِ بمنًى فنحَرَ ثلاثًا وستين بَدَنَة بيدِه, وكان ينحرُها قائمةً معقولة يدها اليسرى, ثم أمسكَ وأَمَرَ عليًّا أن ينحرَ ما بقي مِنَ المائةِ, ثم أمرَ عليًّا أَنْ يَتَصَدَّقَ بها في المساكينِ وألَّا يُعْطِي الجزارَ في جِزَارَتِها شيئًا منها.

وأَعْلَمَهُم أَنَّ مِنًى كُلَّها مَنْحَرٌ, وفِجَاج مكةَ طريقٌ ومنحرٌ.

فَلَمَّا أَكْمَلَ نَحْرَهُ استدعَى الحَلَّاق فَحَلَقَ رَأسَهُ فَبَدَأ بالشِّقِّ الأيمنِ, فأعطاهُ أبَا طلحةَ ثم الأيسَر, فدفعَ شَعْرَهُ إلى أبي طلحةَ وقال: «اقْسِمْهُ بَيْنَ النَّاسِ» [ق].

ودَعَا للمُحَلِّقِين بالمَغْفِرَةِ ثَلاثًا,ولِلمُقَصِّرِين مَرَّةً, وَطَيَّبَتْه عائشةُ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ.

ثم أفاضَ إلى مَكَّةَ قبل الظهرِ راكبًا, فطاف طوافَ الإفَاضَةِ, ولم يَطُفْ غَيْرَه ولم يَسْعَ معه, ولم يَرْمَلْ فيه ولا في طوافِ الوداعِ وإنَّما رَمَلَ في القدومِ فقط.

ثم أَتَى زَمْزَمَ بعد أَنْ قَضى طوافَهَ وَهُمْ يَسْقُون, فناولُوه الدَّلْوَ فَشَرِبَ وهو قائمٌ, ثم رجعَ إلى مِنًى فباتَ بها, واختُلِفَ أين صَلَّى الظهرَ يومئذٍ؛ فَنقلَ ابنُ عمر أنه صَلَّى الظهرَ بِمنًى, وقال جابرٌ وعائشةُ صَلَّاه بمكةَ.

فَلَمَّا أصبحَ انتظرَ زوالَ الشَّمْسِ فَلَمَّا زَالَت مَشَى مِنْ رَحْلِه إلى الجمارِ, ولَمْ يَرْكَبْ, فبدأ بالجمرةِ الأولى التي تلي مَسْجِدَ الخَيْفِ, فرمَاهَا بسبعٍ حَصَياتٍ, يقولُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ: «اللهُ أكْبَرُ».

ثم تقدَّمَ على الجمرةِ أمامها حتى أسهلَ, فقام مُسْتَقْبِلَ القِبْلَة ثم رفعَ يديه ودَعَا دُعَاءً طويلًا بقدرِ سُورةِ البقرةِ.

ثم أتَى إلى الجمرةِ الوُسْطَى فَرَمَاهَا كذلك, ثم انحدرَ ذاتَ اليَسارِ مما يَلي الوادي, فوقفَ مستقبِلَ القِبلةِ رافعًا يديه قريبًا مِنْ وقُوفِه الأولِ.

ثم أتى الجمرةَ الثالثةَ وهي العَقبة فاستبطن الوَادِيَ, واستعرض الجَمرة فجعل البَيْتَ عَنْ يَسارِه ومِنًى عن يمينه فرماها بسبعِ حَصَياتٍ كذلك.

فَلَمَّا أكملَ الرَّمْيَ رَجَعَ وَلَمْ يَقِفْ عِنْدَها.

وغالبُ الظَّنِّ أَنَّهُ كان يَرْمِي قَبْلَ أَنْ يُصَلِّي الظهرَ ثُمَّ يَرْجِع فَيُصَلِّي, وأَذِنَ للعباسِ بالمبيتِ بمكةَ ليالي مِنًى من أَجْلِ سِقَايَتِهِ.

ولم يَتَعَجَّلْ في يومين, بل تأَخَّرَ حَتَّى أكمل رَمْيَ أَيَّامِ التشريق الثلاثةِ, وأفاضَ بَعْدَ الظهرِ إلى المُحَصَّبِ, فَصَلَّى الظهرَ والعصرَ والمغربَ والعشاءَ, وَرَقَدَ رقدةً ثم نَهَضَ إلى مَكَّةَ فطافَ للوداعِ ليلًا سَحَرًا, ولَمْ يَرْمَلْ في هذا الطوافِ, وَرَخَّصَ لِصَفِيَّةَ لمَّا حَاضَتْ, فَلَمْ تَطُفْ للودَاعِ.

وَأَعْمَرَ عائشةَ تلك الليلةَ من التنعيم تَطْييبًا لنفسِها بِصُحْبَةِ أخيها عبد الرحمن, فلمَّا فَرَغَتْ مِنْ عُمْرَتِها ليلًا نَادَى بالرَّحِيلِ في أَصْحَابِهِ, فَارْتَحَلَ النَّاسُ.


12- هَدْيُهُ صلى الله عليه وسلم في الْهَدَايَا والضَّحايَا والْعَقِيقَة([38])

أ – هَدْيُهُ صلى الله عليه وسلم في الهَدَايَا:

1- أَهْدَى الغَنَمَ, وأَهْدَى الإِبِلَ, وأَهْدَى عَنْ نِسَائِه البقر وأهدى في مُقَامِهِ, وفي حَجَّتِه, وفي عُمْرَتِه.

2- وكانت سُنَّتُه تَقْلِيد الغَنَمِ دُونَ إِشْعَارها, وإذا بَعث بهدْيه وهو مُقيمٌ لم يَحْرُمْ عليه منه شيء كان منه حلالًا.

3- وكان إذا أهْدَى الإِبلَ قَلَّدَها([39]) وَأَشْعَرَها([40])، فيشُقُّ صفحة سَنَامِها الأيمنِ يسيرًا, حتى يَسِيلَ الدَّمُ.

4- وإذا بعث بهدي أمرَ رسولَهُ إذا أَشْرَفَ على عَطَبٍ شيءٌ منه أن يَنْحَرَه, ثم يَصْبغَ نعلَه في دمه, ثم يجعلَه على صفحته, ولا يأكلُ منه ولاَ أحدٌ من رُفقته, ثم يَقْسِمُ لحمَهُ.

5- وكان يُشَرِّكُ بين أصحابِه في الهدْي: البدنةُ عن سبعةٍ, والبقرةُ عن سبعةٍ.

6- وأباحَ لسائقِ الهدي ركوبَه بالمعروفِ إذا احتاجَ حَتَّى يَجِدَ غَيْرَه.

7 – وكان هديُه نحرَ الإبل قيامًا, معقولَة يَدها اليسرى, وكان يُسَمِّي الله عِنْدَ نَحْرِهِ, ويُكَبِّر.

8 – وكان يذبحُ نُسُكه بيدِه, وربما وكَّلَ في بعضه.

9 – وكان إذا ذَبَحَ الغنمَ وضعَ قَدَمَهُ عَلَى صِفَاحِها, ثم سَمَّى وكَبَّرَ ونَحَرَ.

10- وأباحَ لأمتِه أَنْ يأكُلوا مِنْ هَدَاياهم وضَحَايَاهُم ويتزوَّدُوا منها.

11 – وكان رُبَّما قَسَّمَ لُحومَ الهدي, ورُبَّما قال: «مَنْ شَاءَ اقْتَطَعَ».

12- وكان مِنْ هَدْيِه ذَبْحُ هَدْي العُمرةِ عند المروءةِ, وهَدي القِرانِ بمنًى.

ولم يَنْحَر هديه قَطُّ إلَّا بعد أَنْ حَلَّ, ولَمْ يَنْحَره – أيضًا – إلَّا بَعْدَ طلوعِ الشَّمْسِ وبعد الرَّمْي, ولم يُرَخِّص في النَّحرِ قَبْلَ طلوعِ الشمسِ الْبَتَّةَ.

ب- هَدْيُهُ صلى الله عليه وسلم في الأضَاحِي([41]) :

1- لَمْ يَكُنْ يَدَعُ الأضحيةَ, وكان يُضَحِّي بكبشين, وكان ينحرُهما بعد صلاة العيد, وقال: «كُلُّ أيَّامِ التَّشْرِيقِ ذَبْحٌ» [حم].

2- وَأَخْبَرَ أَنَّ مَنْ «ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاةِ فَلَيْسَ مِنَ النُّسُكِ في شَيءٍ, وإنَّمَا هُوَ لَحْمٌ قَدَّمَهُ لأَهْلِهِ» [ق].

3- وأَمَرَهم أَنْ يَذْبَحُوا الجَذَعَ مِنَ الضَّأنِ – وهو ما أَتَمَّ ستةَ أشهرٍ – والثَّنِيَّ مِمَّا سِوَاهُ – والثني من الإبلِ: مَا استكمَل خَمْسَ سِنِيْنَ, ومِنَ البقرِ: مَا دَخَلَ في السنة الثالثةِ.

4- وكان مِنْ هَدْيه اختيارُ الأضحيةِ واستحسانُها وسلامتُها من العيوبِ, ونَهَى أَنْ يُضَحَّى بمقطوعةِ الأُذُنِ ومكسورةِ القَرْنِ, والعوراءِ والعرجاءِ والكسيرةِ والجعفاءِ. وأَمَرَ أَنْ تُسْتَشْرَفَ العَيْنُ والأُذُنُ – أي: يُنْظَر إلى سلامتِها -.

5- وأمَرَ مَنْ أَرَادَ التضحيةَ أَلَّا يأخذَ مِنْ شَعْرِهِ وَبَشرِه شيئًا إذا دخلَ العَشْرُ.

6- وكان مِنْ هَدْيِه أَنْ يُضَحِّيَ بالمُصَلَّى.

7 – وكان مِنْ هَدْيِه أَنَّ الشَّاةَ تُجْزِئ عن الرجلِ وعن أهلِ بيتِه ولو كَثُرَ عددُهم.

ج – هَدْيُهُ صلى الله عليه وسلم في العَقِيقَةِ([42]) :

1- صَحَّ عَنْه: «كُلُّ غُلَامٍ رَهِينَةٌ بِعَقِيقَتِهِ تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ السَّابِع, وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ وَيُسَمَّى» [د, ت, ن].

2- وقال: «عَنِ الغُلَامِ شَاتَانِ, وَعَنِ الجَارِيَةِ شَاةٌ» [د, ن].


13 – هَدْيُهُ صلى الله عليه وسلم في بَيْعِهِ وَشِرَائِهِ وتَعَامُلاَتِهِ([43])

1- باعَ صلى الله عليه وسلم واشْتَرَى, وكان شراؤُه أكثرَ مِنْ بيعِه بعدَ الرسالةِ. آجرَ واستأجَر, ووكَّلَ وتوكَّلَ, وكان توكيلُه أكثرَ مِنْ تَوَكُّلِهِ.

2- واشترى بالثمنِ الحالِّ والمؤجَّل, وَتَشَفَّعَ وشُفِّع إليه، واستدانَ بِرَهْنٍ وبِغَيْرِ رَهْنٍ, واستعارَ.

3- ووهبَ واتَّهَبَ, وأَهْدَى وَقَبِل الهديةَ وأثابَ عليهَا, وإنْ لم يُرِدْهَا اعتذرَ إلى مُهْدِيهَا, وكانت الملوك تُهدِي إليه, فيقبلُ هدايَاهُم, وَيَقْسِمُها بين أصحابِه.

4- وكان أحسنَ الناس معاملةً, وكان إذا استسلف من أحدٍ سلفًا قَضَى خيرًا منه, ودعا له بالبركة في أهلِه ومالِه واقترضَ بعيرًا فجاءَ صاحبُه يتقاضَاهُ, فأغلظَ للنبي ﷺ‬ فَهَمَّ به أصحابُه فقال: «دَعُوهُ؛ فإنَّ لِصَاحِبِ الحَقِّ مَقَالًا» [ق].

5- كانَ لا تزيدُه شِدَّةُ الجهلِ عليه إلا حلمًا, وأَمَرَ من اشتدَّ غضبُه أن يُطْفِيَ جَمْرَةَ الغضب بالوضوءِ, وبالقُعودِ إِنْ كان قائمًا, والاستعاذةِ بالله من الشيطانِ.

6- وكانَ لا يَتَكَبَّرُ على أحدٍ, بل يتواضعُ لأصحابِه ويبذلُ السلامَ للصغيرِ والكبيرِ.

7 – وكان يُمازحُ ويقول في مزاحِه الحقَّ, ويورِّي ولا يقولُ في توريتِه إلا الحقَّ.

8 – وسابقَ بنفسه على الإقدامِ, وخَصَفَ نعلَه بيدِه، ورفَعَ ثوبَه بِيدِه, ورقع دلوه, وحَلَبَ شاته, وفَلَى ثوبَه, وخَدَمَ أهلَهُ ونفسَهُ, وحَمَلَ مع أصحابِه اللَّبِنَ في بناءِ المسجدِ.

9- وكان أشرحَ الخلقِ صدرًا, وأطيبَهم نفسًا.

10 – وما خُيِّر بين أمرينِ إلا اختارَ أيسرَهُمَا ما لم يَكُنْ مَأثَمًا.

11- ولم يكن ينتصرُ من مَظْلِمَةٍ ظُلِمَها قطُّ ما لم يُنْتَهك من محارمِ اللهِ شيءٌ, فإذا انتُهِكت محارم اللهِ لم يقم لغضبه شيءٌ.

12- وكان يُشيرُ وَيَسْتَشِيرُ, ويعودُ المريضَ, ويشهدُ الجِنَازَةَ, ويجيبُ الدعوةَ, ويمشي مع الأرملةِ والمسكينِ والضعيفِ في قضاءِ حوائجهم.

13- وكان يدعو لِمَنْ تقرَّبَ إليه بما يحبُّ, وقال: «من صُنع إليه معروفٌ فقالَ لفاعله: جزاكَ اللهُ خيرًا, فقد أبلغَ في الثناءِ» [ت].


14- هَدْيُهُ صلى الله عليه وسلم في النِّكَاحِ والمعاشَرَةِ([44])

1- صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «حُبِّبَ إِلَيَّ مِنْ دُنْيَاكم: النِّسَاءُ والطِّيبُ, وجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي في الصَّلاةِ» [ن]، وقال: «يا مَعْشَرَ الشبابِ, مَنِ استطاعَ مِنْكُم الباءةَ فَلْيَتَزَوَّج» [ق]، وقال: «تَزَوَّجوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ» [د].

2- وكانت سيرته مع أزواجه حسن المعاشرة, وحسن الخلق, وكان يقول:«خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ,وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي» [ت, جه].

3- وكان إِذَا هَوِيَتْ إحداهُنَّ شيئًا لا محذورَ فيهِ تابعَها عَلَيْهِ, وكان يُسَرِّبُ إلى عائشةَ بناتِ الأنصار يلعبن معها, وكانت إذا شربت من الإناءِ أَخَذَهُ فوضعَ فَمهُ في موضعِ فَمِهَا وشَرِبَ, وكان يتكئ في حِجرِها, ويقرأُ القرآنَ ورأسه في حِجْرِها, ورُبَّما كانت حائضًا, وكان يأمرُها فَتَتَّزِرُ ثم يُباشرها.

4- وكان إِذَا صَلَّى العصرَ دارَ على نسائِه؛ فَدَنَا مِنْهُنَّ واستقرأَ أحوالهنَّ, فإذا جاءَ الليلُ انقلبَ إلى بيتِ صاحبةِ النَّوْبَةِ فَخَصَّهَا بالليلِ.

5- وكانَ يَقْسِم بينهنَّ في المبيتِ والإيواءِ والنفقةِ، وكان رُبّما مدَّ يَدَهُ إلى بعضِ نسائِه في حضرةِ باقيهنَّ([45]).

6- وكانَ يأْتِي أهلَهُ آخرَ الليلِ وأوَّلَهُ، وإذا جامعَ أوَّل الليلِ فكان ربما اغتسلَ ونامَ, وربما توضَّأَ ونامَ, وقال: «ملعونٌ مَنْ أَتَى المرأةَ في دُبُرِها» [د]، وقال: «لَوْ أَنَّ أحدَكُم إذا أرادَ أَنْ يأتيَ أهلَهُ قال: اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشيطانَ وَجَنِّبِ الشيطانَ ما رزقتَنا؛ فإنَّهُ إِنْ يُقَدَّر بينهما ولدٌ في ذلك لم يَضُرَّه شيطانٌ أبدًا» [ق].

7- وقال: «إذا أفادَ أحدُكُم امرأةً أو خادمًا أو دابةً فليَأخُذ بِنَاصِيتِها ولْيَدْعُ الله بالبركةِ وَلْيُسَمِّ الله عزَّ وجلَّ, وَلْيَقُل: اللهمَّ إِنِّي أسألُكَ خَيْرَها وخَيْرَ ما جُبلَتْ عليه, وأعوذُ بك من شَرِّهَا وَشَرِّ ما جُبِلَتْ عَلَيْهِ» [د, جه].

8 – وكان يقولُ للمتزوجِ: «باركَ الله لكَ, وباركَ عَلَيْكَ, وجَمعَ بينكُمَا عَلَى خَيْرٍ» [د, ت, جه].

9 – وكان إذَا أرادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بين نسائِه, فَأَيَّتُهنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بها معه, ولَمْ يَقْضِ للبواقِي شيئًا.

10 – ولم يكنْ من هَدْيه الاعتناءُ بالمساكنِ وتشييدها وَتَعْلِيَتها وزخرفتها وتَوْسِيعها.

11- وطلَّق صلى الله عليه وسلم وراجعَ, وآلَى إيلاءً مُؤقتًا بشهرٍ, ولم يُظَاهِر أبدًا.


15- هَدْيُهُ صلى الله عليه وسلم فِي الطَّعَامِ والشَّرَابِ([46])

أ – هَدْيُهُ صلى الله عليه وسلم في الطَّعامِ:

1- كان لا يردُّ موجودًا ولا يتكلَّفُ مفقودًا, فما قُرِّبَ إليه شيءٌ من الطيباتِ إلا أَكَلَهُ إلَّا أَنْ تَعَافَهُ نَفْسُه؛ فيترُكَه مِنْ غَيْرِ تحريمٍ, ولا يَحْمِل نَفْسَهُ عليه على كُرْهٍ, وما عابَ طَعَامًا قَطُّ, إِنْ اشتهَاهُ أَكَلَهُ وإلا تَرَكَهُ, كما تركَ أَكْلَ الضَّبِّ لمَّا لم يَعْتَدْهُ.

2- وكان يأكلُ ما تَيَسَّرَ, فَإِنْ أعْوَزَهُ صَبَرَ, حتى إنَّهُ ليربُط على بطنِه الْحَجَرَ من الجوعِ, ويُرى الهلالُ والهلالُ والهلالُ ولا يُوْقَد في بيتِه نَارٌ.

3- ولم يَكُنْ مِنْ هَدْيه حبسُ النفسِ على نوعٍ واحدٍ مِنَ الأغذيةِ لا يَتَعدَّاهُ إلى مَا سواه.

4- وَأَكَلَ الحلوى والعسَلَ, وكان يحبهما, وأَكَلَ لحمَ الْجَزُورِ, والضأنِ, والدَّجَاجِ, ولحم الْحُبَّارَى، ولحم حمارِ الوَحْشِ, والأرنبِ, وطعامَ البحرِ, وأَكَلَ الشِّواءَ, وأكلَ الرُّطَبَ والتَّمْرَ, وأكل الثَّرِيدَ؛ وهو: الخبزُ باللحمِ, وأكل الخبزَ بالزيتِ, وأكل القثاءَ بالرطبِ, وأكل الدُّبَّاءَ المطبوخة وكان يحبُّها, وأكل القديدَ, وأكل التَّمرَ بالزُّبْدِ.

5- وكان يُحِبُّ اللحمَ, وأحبُّه إليه الذراعُ ومَقْدِمُ الشاةِ.

6- وكان يأكلُ من فاكهةِ بلدِه عندَ مجيئِها ولا يحتمي عَنْهَا.

7 – وكان معظمُ مَطْعمِه يُوضَعُ عَلَى الأرضِ في السُّفْرَةِ.

8 – وكان يأمُر بأكلِ باليمينِ, وينهى عن الأكلِ بالشمالِ, ويقول: «إِنَّ الشيطانَ يأكلُ بِشِمَالِهِ, ويشربُ بشماله» [م].

9 – وكان يأكُلُ بأصابِعِه الثَّلاث, ويلعقُها إذا فَرَغَ.

10 – وكان لا يأكل مُتَّكئًا – والاتَّكَاءُ على ثلاثةِ أنواعٍ؛ أحدُها: الاتكاءُ على الجنبِ, والثاني: التربُّع, والثالث: الاتكاء عَلَى إِحْدَى يديه وأكلُه بالأُخرَى, والثلاث مذمومة-, وكان يأكلُ وهو مُقْعٍ -، والإقعاءُ: أنْ يجلسَ على أَلْيَتَيْهِ ناصبًا ساقَيْه – وقال: «إنَّمَا أَجْلِسُ كَمَا يَجْلِسُ الْعَبْدُ وآكُلُ كَمَا يأكُلُ العَبْدُ».

11- وكان إذَا وَضَعَ يَدَهُ في الطعامِ قال: «بِسْمِ اللهِ»، ويأمرُ الآكلَ بالتسميةِ, وقال: «إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُم فليذكر اسْم اللهِ تعالى, فإِنْ نَسِي أَنْ يَذْكُرَ اسم اللهِ في أوَّلِهِ؛ فليقل: بِسْمِ اللهِ في أوَّلِهِ وآخرِهِ». [ت].

12- وقال: «إِنَّ الشيطانَ ليستَحِلُّ الطعامَ أَنْ لا يُذْكَر اسمُ الله عليهِ» [م].

13- وكان يتحدَّثُ على طعامِه, ويُكَرِّرُ على أضيافِه عَرْضَ الأكلِ عليهم مِرارًا؛ كما يَفْعَلُه أهلُ الْكَرَمِ.

14- وكان إذا رُفِعَ الطعامُ مِنْ بَيْنِ يديهِ يقول: «الحمدُ للهِ حَمْدًا كثيرًا طيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ غَيْرَ مَكْفِيٍّ ولا مُوَدَّعٍ ولا مُسْتَغْنًى عَنْهُ رَبُّنَا» [خ].

15- وكان إِذَا أَكَلَ عِنْدَ قومٍ لم يَخْرُج حَتَّى يدعو لهم, ويقول: «أَفْطَرَ عِنْدَكُم الصَّائِمُونَ, وأَكَلَ طَعَامَكُم الأبْرَارُ, وَصَلَّتْ عَلَيْكُمُ الملاَئكَةُ» [د].

16- وكان يَدْعُو لِمَنْ يُضِيف المساكينَ وَيُثْنِي عليهم.

17 – وكانَ لا يأنَفُ مِن مُؤاكلة أحدٍ صغيرًا كان أو كبيرًا, حُرًّا أو عبدًا, أعرابيًّا أو مهاجرًا.

18 – وكان إذا قُرِّب إليه طعامٌ وهو صائمٌ, قال: «إِنِّي صائم» [ق]، وأمَرَ من قُرِّبَ إليه الطعام وهو صائم أن يُصَلِّيَ؛ أي: يدعو لمن قَدَّمَهُ, وإِنْ كَان مُفْطِرًا أَنْ يأكلَ مِنْهُ.

19 – وكان إذا دُعِيَ لطعامٍ وَتَبِعَهُ أحدٌ أعلمَ به رَبَّ المنزلِ, وقال: «إِنَّ هَذَا تَبِعَنَا؛ فَإِنْ شِئْتَ تأذَنُ له، وَإِنْ شِئْتَ رَجَعَ» [خ].

20 – وأَمَرَ من شَكَوْا إليه أنهم لا يشبعُونَ أن يجتمِعُوا على طعامهم ولا يتفرَّقُوا, وأَنْ يذكُروا اسمَ اللهِ عليه يبارك لهم فيه.

21 – وقال: «مَا مَلأَ آدمِيٌّ وعاءً شرًّا مِنْ بَطْنٍ, بِحَسْبِ ابنِ آدمَ لُقَيْمَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَه؛ فَإِنْ كانَ لَا بُدَّ فاعلًا، فثلثٌ لطعامِهِ, وثلثٌ لشرابِه, وثلثٌ لِنَفَسِهِ» [ت, جه].

22- ودخلَ منزلَهُ ليلةً, فالتمسَ طعامًا فَلَمْ يجِدْه, فقال: «اللَّهُمَّ أَطْعِم مَنْ أَطْعَمَنِي, واسقِ مَنْ سَقَانِي» [م].

ب – هَدْيُهُ صلى الله عليه وسلم في الشَّرَابِ([47]) :

1- كانَ هديهُ في الشرابِ من أكملِ هدي يُحْفَظُ به الصحةُ, وكان أحبُّ الشرابِ إليه الحُلْوَ البارِدَ. وكان يشربُ اللبنَ خالصًا تارةً, ومشوبًا بالماءِ أخرى، ويقول: «اللَّهُمَّ باركْ لَنَا فيه وَزِدْنَا مِنْهُ, فَإِنَّهُ لَيْسَ شَيءٌ يُجْزِئُ مِنَ الطَّعَامِ والشَّرَابِ إلا اللَّبنَ» [ت].

2- ولم يَكُنْ مِنْ هديه أَنْ يشربَ على طعامِه, وكان يُنْبَذُ لَهُ أَوَّلَ الليلِ ويشربُه إذا أصبحَ يومَه ذَلِكَ، والليلةَ التي تجيءُ, والغَدَ والليلةَ الأخرى, والغَد إلى العصرِ؛ فَإِنْ بَقِيَ منه شيءٌ سقاه الخادمَ أو أمر به فَصُبَّ.

(والنبيذ: هو ما يُطْرَحُ فيه تَمْرٌ يُحَلِّيهِ. ولم يكن يشربه بَعْدَ ثلاثٍ خوفًا من تَغَيُّرِه إلى الإسكارِ).

3- وكان من هديه المعتاد الشربُ قاعدًا, وزجرَ عن الشربِ قائمًا, وشربَ مرةً قائمًا, فقيل: لعذرٍ, وقيل: نسخ لنهيِه, وقيل: لجوازِ الأمْرَيْن.

4- وكان يتنفسُ في الشرابِ ثلاثًا, ويقول: «إِنَّهُ أَرْوَى وَأَمْرَأُ, وَأبْرَأُ» [م]، ومعنى تنفسِه في الشرابِ: إبانتُه القَدَحَ عَنْ فيهِ وتنفُسِه خارجَه كما في جاء قوله: «إِذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَتَنَفَّسْ في القَدَحِ, ولكِنْ لِيُبن الإِنَاءَ عَنْ فِيه» [ت, جه], ونَهَى أَنْ يُشربَ من ثُلمة القَدَح, ومِنْ فِي السقاءِ. «والثُّلَمَة: الفرجة والشق».

5- وكان يُسَمِّي إذا شرب ويحمد الله إذا فرغ, وقال: «إِنَّ اللهَ ليرضَى عن العبدِ يأكلُ الأَكْلَةَ يَحْمَدُه عليهَا, ويشربُ الشَّربةَ يحمدُه عَليهَا» [م].

6- وكان يُسْتَعذَبُ لَهُ الماءُ «وهو الطَّيِّبُ الذي لا ملوحةَ فيهِ» ويختارُ البائتَ مِنْهُ.

7 – وكانَ إِذَا شَرِبَ ناولَ مَنْ عَلَى يمينه وإنْ كانَ مَنْ على يسارِه أكبرَ منهُ.

8 – وأمرَ بتخميرِ الإناءِ «أي: تغطيته»، وإيكائِه, وَلَوْ أَنْ يَعْرِضَ عَلِيهِ عُودًا, وأَنْ يُذْكَرَ اسمُ اللهِ عِندَ ذلك. «والإيكاءُ: ربطُ فتحةِ الوعاءِ وشدُّها».

16- هَدْيُهُ صلى الله عليه وسلم فِي الدَّعْوَةِ([48])

1- وكان يَدعُو إلى الله ليلًا ونهارًا وسِرًّا وجهارًا, وأقامَ بمكةَ ثلاثَ سنينَ مِنْ أَوَّلِ نُبُوَّتِه يدعو إلى اللهِ مُسْتَخْفِيًا, ولما أُنْزِلَ عليه â فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ á [الحجر: 94] صَدَعَ بأمر الله, لا تَأخُذُه في اللهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ, فَدَعَا إلى اللهِ الكبيرَ والصغيرَ والحرَّ والعبدَ, والذَّكرَ والأنثَى, والجنَّ والإنْسَ.

2- ولما اشْتَدَّ على أصحابِه العذابُ بمكةَ أَذِنَ لهم بالهجرةِ إلى الحَبَشَةِ.

3- وخرجَ إلى الطائفِ رجاءَ أَنْ يَنْصُرُوه, ودَعَاهُم إلى اللهِ, فَلَمْ يَرَ مؤيدًا ولا ناصِرًا, وَآذَوْهُ أَشَدَّ الأذَى, ونالُوا مِنْهُ ما لم يَنَلْهُ من قَوْمِهِ, وأخرجُوه إلى مكةَ, فَدَخَلها في جوارِ مُطعمِ بْنِ عَدِيِّ.

4- وَظَلَّ يَدْعُو عَشْرَ سنينَ جهرًا, يوافي المواسمَ كُلَّ عامٍ, يتبع الحُجَّاجَ في منازِلهم, وفي المواسِمِ بعُكاظ ومجِنَّةَ وذي المجازِ, حَتَّى إِنَّه لَيَسْأَل عَنِ القبائل ومنازِلها قبيلةً قبيلةً.

5- ثُمَّ لَقِيَ عِنْدَ العَقَبَةِ سِتَّةَ نَفَرٍ كُلهم مِنَ الخزرجِ, فَدَعَاهُم إلى الإسلامِ, فَأَسْلَمُوا ثم رجَعُوا إلى المدينةِ, فَدَعَوا الناسَ إلى الإسلامِ فَفَشَا فيها حتَّى لَمْ يَبْقَ دارٌ إلَّا وَقَدْ دَخَلَها الإسلامُ.

6- ولما كان العامُ المقبلُ جاءَ منهم اثنا عَشَرَ رَجُلًا, فَوَاعَدَهم بيعةَ العقبةِ, فبايعوه على السمع والطاعةِ والنَّفقَةِ, والأمرِ بالمعروفِ والنَّهي عَنِ المنكرِ, وأَنْ يَقُولُوا في الله لا تأخذهم فيه لَوْمَةُ لائِمٍ, وأَنْ يَنْصُرُوه ويَمْنَعُوه مما يمنعونَ منه أَنْفُسَهُم وأَزْوَاجَهُم وأبناءَهم ولهم الجَنَّةُ, ثم انصرَفُوا إلى المدينةِ, وبَعَثَ معهم ابنَ أُمِّ مَكْتُومٍ, ومُصْعَبَ بْنَ عُمَير يُعَلِّمَان القرآن, ويدعوانِ إلى اللهِ, فأسلمَ عَلَى يديهما بَشَرٌ كثيرٌ, منهم أُسَيْدُ بنُ حُضَيْرٍ, وسعدُ بنُ مُعاذ.

7 – ثم أَذِنَ ﷺ‬ للمسلمينَ في الهجرةِ إلى المدينةِ, فبادَرَ الناسُ, ثم تَبِعَهُم هو وصاحبُه.

8 – وآخَى بين المهاجرينَ والأنصارِ, وكانوا تسعينَ رَجُلًا.

أ – هَدْيُهُ ﷺ‬ في الأَمَانِ والصُّلْحِ ومُعَامَلَةِ الرُّسُلِ([49]):

1- ثبَتَ عنه صلى الله عليه وسلم أَنَّه قَالَ: «ذِمَّةُ المُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بها أدْنَاهُم» [ق]، وقال: «مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمٍ عَهْدٌ؛ فَلَا يَحُلَّنَّ عُقْدَةً وَلَا يَشُدَّهَا حَتَّى يَمْضِي أَمَدُهُ, أَوْ يَنْبِذَ إِلَيْهِم عَلَى سَوَاء» [د, ت].

2- وقال: «مَنْ أَمَّنَ رَجُلًا عَلَى نَفْسِهِ فَقَتَلَهُ, فَأَنَا بَرِيءٌ مِنَ القَاتِلِ» [جه].

3- ولما قَدِمَ عليه رسولَا مُسَيْلِمَةَ, فَتَكَلَّمَا بما قالا, قال: «لَوْلَا أَنَّ الرُّسَلَ لا تُقْتَل, لَضَرَبْتُ أَعناقَكُما» [د] فَجَرت سُنَّتُه أَنْ لا يُقتلَ رسولٌ.

4- وكان لا يَحْبِسُ الرسولَ عِنْدَه إذا اختارَ دينه, بَلْ يَرُدُّهُ.

5- وكان إذا عَاهَدَ أعداؤه واحدًا من أصحابه على عهد لا يَضُرُّ بالمسلمينَ بغيرِ رِضَاهُ أمْضَاهُ.

6- وصالحَ قريشًا على وضعِ الحربِ عشرَ سنينَ على أَنَّ مَنْ جَاءَه مُسْلِمًا رَدَّهُ, ومن جَاءهم مِنْ عِنْدَه لا يردُّونه فنسخَ اللهُ ذلك في حقِّ النساء, وأَمَرَ بامتحانهِنَّ, فمن عَلِمُوا أنها مؤمِنةٌ لم تُرَدّ.

7- وأَمَرَ المسلمينَ أن يَردُّوا عَلَى مَنْ ارْتَدَّتْ امرأتُه مَهْرَها إذا عاقَبُوا؛ بِأَنْ يجب عليهم رد مهر المهاجرةِ؛ فيردونه إلى مَنْ ارْتَدَّتْ امرأَتُه.

8 – وكان لا يمنعُهم أَنْ يأخُذُوا مَنْ أَتَى إليه من الرِّجَال, ولا يُكْرِهُهُ على العَوْدِ, ولا يأمُرُه به, وإذا قَتَلَ مِنْهُم أو أَخَذَ مالًا وقد فَضَلَ عَنْ يَدِه, ولمَّا يَلْحَق بهم لم يُنْكَر عليه ذلك, ولم يَضْمَنْه لهم.

9 – وَصَالَحَ أَهْلَ خيبرَ لمَّا ظهر عليهم على أَنْ يُحْلِيهُم منها, ولَهُمْ مَا حَمَلَتْ رِكَابُهم, ولرسولِ الله صلى الله عليه وسلم الصَّفراءُ([50]) والبيضَاء([51]) والسلاحُ.

10 – وَصَالَحهم على الأرضِ على الشَّطْرِ مِنْ كُلِّ ما يَخْرُجُ مِنْهَا ولهم الشَّطْرُ, وعَلَى أَنْ يُقِرَّهُم فيها ما شَاءَ, وكانَ يبعُ كُلَّ عامٍ مَنْ يُخْرِصُ عليهم الثمار, فَيَنْظُرُ كَمْ يَجْنِي منها, فيضمِّنهم نصيبَ المسلمينَ ويتصرفُونَ فيها.

ب – هَدْيُهُ صلى الله عليه وسلم في دَعْوَةِ الْمُلوكِ وَإِرِسَالِ الرُّسُلِ وَالْكُتُبِ إِلَيْهِمْ([52]):

1- لما رَجَعَ من الحديبيَّةِ كَتَبَ إلى ملوكِ الأرضِ, وأَرْسَلَ إِلَيْهِم رُسَلَهُ؛ فَكَتَبَ إلى ملكِ الرُّومِ, وبَعَثَ إليه, وهَمَّ بالإسلامِ وكادَ ولَمْ يَفْعَلْ.

2- وَبَعَثَ إلى النَّجَاشِيِّ, فأَسْلَمَ.

3- وَبَعَثَ أَبَا موسى الأشعري, ومعاذَ بن جبلٍ إلى اليمنِ, فَأَسْلَمَ عامةُ أهْلِهَا طَوْعًا مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ.

ج – هَدْيُهُ صلى الله عليه وسلم في مُعَامَلَةِ المُنافِقِينَ([53]):

1- كان يَقْبَلُ علانيتهم ويَكل سرائِرَهم إلى الله, ويُجَاهِدُهم بالحُجَّةِ, ويُعْرِضُ عَنْهُمْ, ويُغْلِظُ عليهم, ويُبَلِّغُ بالقولِ البليغِ إلى نُفُوسِهم.

2- وتَرَكَ قَتْلَهم, تأليفًا للقلوبِ, وقال: «لا, يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أصْحَابَهُ» [ق].


17 – هَدْيُهُ صلى الله عليه وسلم في الذِّكرِ([54])

كان أكملَ النَّاسِ ذِكْرًا لله عزَّ وجلَّ, بَلْ كانَ كلامُه كُلُّه في ذِكْرِ الله وما والَاه, وكانَ أَمْرُهُ وَنَهْيُه وتشريعُه للأمةِ ذِكْرًا منه لله, وسكوتُه ذكرًا منه له بقلبه, فكان ذكرُه لله يجري مع أنفاسِه قائمًا وقاعدًا وعلى جنبه وفي مشيه وركوبِه وسيْرِه ونزولِه وَظَعْنِهِ وإقامته صلى الله عليه وسلم .

أ – هَدْيُهُ صلى الله عليه وسلم في الذِّكرِ إِذَا أَصْبَحَ أو أمْسَى:

1- وكان إذا أصبح قال: «أصبحنا على فطرة الإسلام, وكلمة الإخلاص, ودين نبينا محمد ﷺ‬ وملة أبينا إبراهيم حنيفًا مسلمًا وما كان مِنَ المشركين» [حم]. وكان يقول: «اللهم بك أصبحنا وبك أمسينا, وبك نحيا ونموت وإليك النشور» [د, ت, جه] وقال: «إِذَا أصبحَ أَحَدُكُم فليقل: أَصْبَحْنَا وأَصْبَحَ المُلْكُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ, اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَ هذا الْيَومِ فَتْحَهُ وَنَصْرَهُ ونُورَهُ وَبَرَكَتَه وهِدَايَتَهُ, وَأعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ ما فيهِ وَشَرِّ مَا بَعْدَهُ, ثُمَّ إِذَا أَمْسَى, فَلْيَقُلْ مِثْلَ ذلِكَ» [د].

2- وقال: «سَيِّدُ الاسْتِغْفَارِ أَنْ يَقُولَ العبدُ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي, لَا إلهَ إلَّا أَنْتَ خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ, وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ ما اسْتَطَعْتُ, أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ, أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ, وَأَبُوءُ بِذَنْبِي؛ فَاغْفِرْ لي؛ إِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ, مَنْ قَالَهَا حِينَ يُصْبِحُ موقِنًا بِهَا, فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ, دَخَلَ الجَنّةَ, وَمَنْ قَالَهَا حِينَ يُمْسِي مُوقِنًا بِهَا, فَمَاتَ مِنْ لَيْلَتِهِ, دَخَلَ الجنَّةَ» [خ].

3- وقال: «مَنْ قَالَ حين يُصْبِحُ: لَا إلهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ, لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شيءٍ قَدِيرٌ في الْيَومِ مائَةَ مَرَّةٍ, كَانَتْ لَهُ عَدلَ عَشرِ رِقَابٍ, وكُتِبَ لَهُ مائةُ حَسَنَةٍ, ومُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئةٍ, وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ يَومَهُ ذَلِكَ حتى يُمْسِيَ, وَلَمْ يَأتِ أَحَدٌ بِأَفْضَل مِمَّا جَاءَ به إلَّا رَجُلٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْهُ» [ق].

4- وكان يدعو حين يصبح وحين يمسي بهذه الدعوات: «اللَّهُمَّ إِنِّي أسألُكَ العَافِيَةَ في الدُّنْيَا والآخِرَةِ, اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْألُكَ العَفْوَ والعافيةَ في ديني ودُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِي, اللَّهُمَّ اسْتُر عَوْرَاتِي, وآمِنْ رَوْعَاتِي, اللّهُمَّ احْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ ومِنْ خَلْفِي وَعَنْ يَمِيني وَعَنْ شِمَالي, وَمِنْ فَوقِي, وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي» [د, جه].

5- وقال: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَقُولُ في صَبَاحِ كُلِّ يَوْمٍ ومَسَاءِ كُلِّ ليْلَةٍ: بِسْمِ اللهِ الَّذِي لا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شيءٌ في الأرض وَلَا في السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ, ثَلَاثَ مَرَّاتٍ, إلَّا لَمْ يَضُرَّهُ شيءٌ» [د, ت, جه].

6- وقال له أبو بكر: عَلِّمْنِي مَا أقولُ إِذَا أَصبحتُ وإذا أمسيتُ قالَ لَهُ قُلْ: «اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاواتِ والأرضِ, عَالِمَ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ, رَبَّ كُلِّ شيءٍ وَمَلِيكَهُ ومَالِكه, أَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إلَّا أنْتَ, أعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ نفسِي, وَمِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ وَشِرْكِه, وَأَنْ أقْتَرِفَ عَلَى نَفْسِي سُوءًا أَوْ أَجُرَّهُ إِلَى مُسْلِمٍ». قالَ: «قُلْها إِذَا أَصْبَحْتَ وِإِذَا أَمْسَيْتَ وَإِذَا أَخَذْتَ مَضْجَعَكَ» [د, ت].

ب – هَدْيُهُ صلى الله عليه وسلم في الذِّكْر إذَا خَرَجَ مِنْ بَيتِهِ أَو دَخَلَ([55]):

1- كان إذا خرج من بيته يقول: «بِسْمِ اللهِ, توكلتُ على اللهِ, اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَضِلَّ أوْ أُضَلَّ أَوْ أزلَّ أَوْ أُزَلَّ, أَوْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ أو أَجهلَ أَوْ يُجْهَلَ عَليَّ» [ت, ن, جه].

2- وقال: «مَنْ قَالَ إِذَا خَرَجَ مِنْ بيتِه: بِسْمِ اللهِ, تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ ولا حَوْلَ ولَا قُوَّةَ إِلَّا باللهِ؛ يُقَالُ له: هُديتَ وكُفيتَ, ووقيتَ, وتَنَحَّى عَنْهُ الشيطانُ» [د, ت].

3- وإذا خرج إلى الفجر قال: «اللَّهُمَّ اجْعَل في قلبِي نورًا, واجْعَل في لسَانِي نورًا, واجْعَل في سَمْعِي نورًا, واجْعَل في بَصَرِي نورًا, واجْعَل مِنْ خَلْفِي نُورًا, وَمِنْ أَمَامِي نُورًا, واجْعَل مِنْ فَوْقِي نُورًا, واجْعَل مِنْ تَحْتِي نُورًا, اللَّهُمَّ أَعْظِمَ لي نُورًا» [ق].

4- وقال: «إِذَا وَلَجَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَ الْمَوْلِجِ وَخَيْرَ الْمَخْرَجِ, بِسْمِ اللهِ وَلَجْنَا, وَعَلَى اللهِ رَبِّنَا تَوَكَّلْنَا ثُمَّ لِيُسَلِّمْ عَلَى أَهْلِهِ» [د].

ج – هَدْيُهُ صلى الله عليه وسلم في الذِّكْر عِنْدَ دُخُولِ المَسْجِدِ وَالخُرُوجِ مِنْهُ([56]):

1- كانَ إذَا دَخَلَ المَسْجِدَ قَال: «أَعُوذُ باللهِ العظيم, وبوجهه الكريم, وسلطانِه القديم مِنَ الشيطانِ الرجيمِ, قالَ: فَإِذَا قَالَ ذلك قال الشيطانُ: حُفِظَ مِنِّي سَائِرَ اليومِ» [د].

2- وقال: «إِذَا دخلَ أحدُكُم المسجدَ فَلْيُسَلِّم عَلَى النبي صلى الله عليه وسلم, ولَيَقُلْ: اللَّهُمَّ افْتَح لي أبوابَ رحمتِكَ, فإذا خَرَجَ؛ فليقل: اللَّهُمَّ إِنِّي أسألُك مِنْ فَضْلِكَ» [د, جه].

د – هَدْيُهُ صلى الله عليه وسلم في ذِكْرِ رُؤيةِ الْهِلال([57]) :

كانَ إذا رَأى الهلال يقول: «اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنَا بِالأَمْنِ وَالإيمانِ, وَالسَّلَامَةِ والإسْلَامِ, رَبِّي وَربُّكَ اللهُ» [ت].

هـ - هَدْيُهُ صلى الله عليه وسلم في الذِّكر عِنْدَ العُطاس والتثاؤبِ([58]) :

ثبت عنه صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ يُحِبُّ العُطَاسَ, وَيَكْرُه التَّثَاؤُبَ, فَإِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ وَحَمِدَ الله, كَانَ حَقًّا عَلَى كلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَه أَنْ يَقُولَ له: يَرْحَمُكَ اللهُ, وأَمَّا التَّثَاؤُبُ؛ فإنَّما هو منَ الشَّيْطَانِ؛ فَإذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُم فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاع؛ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا تَثَاءَبَ, ضَحِكَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ» [خ].

2- وكان إذا عَطَس وَضَعَ يَدَهُ أَوْ ثَوْبَهُ عَلَى فِيهِ, وَخَفَضَ أَوْ غَضَّ بها صوته. [د, ت].

3- وكان إذا عَطَس فقيل له: يَرْحَمُكَ اللهُ, قال: «يَرْحَمُنا اللهُ وإياكم, ويَغْفِرُ لَنَا وَلَكُمْ».

4- وقال: «إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ: الحمدُ للهِ, وَلْيَقُلْ لَهُ أَخُوهُ أَوْ صَاحِبُهُ: يَرْحَمُكَ اللهُ, فَإِذَا قَالَ لَه: يَرْحَمُكَ اللهُ, فَلْيَقُلْ: يَهْدِيكُمُ اللهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ» [خ].

5- وقال: «إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُم فَحَمِدَه اللهَ فَشَمِّتُوهُ, فَإِنْ لَمْ يَحْمَدِ الله فَلَا تُشَمِّتُوهُ» [م]. وكان إذا زادَ العاطسُ عن ثلاثِ مراتٍ لَمْ يُشَمِّتْهُ وقال: «هَذَا رَجُلٌ مَزْكُومٌ» [م].

6- وصح عنه: «أَنَّ اليَهُودَ كَانُوا يَتَعَاطَسُونَ عِنْدَهُ, يَرْجُون أَنْ يَقُولَ لَهُمْ: يَرْحَمُكُمُ اللهُ, فَكَانَ يقولُ: يَهْدِيكُمُ اللهُ وَيُصْلحُ بالَكُم» [ت].

و – هَدْيُهُ صلى الله عليه وسلم فيمَا يقُولُ مَنْ رَأىَ مُبْتَلًى([59]):

قال صلى الله عليه وسلم:«مَا مَنْ رَجُلٍ رَأَى مُبْتَلًى, فقال: الحَمْدُ لله الَّذِي عَافَانِي مِمَّا ابتلاكَ بِهِ وَفَضَّلَنِي عَلَى كثيرٍ مِمَّن خَلَقَ تَفْضِيلًا, إِلَّا لَمْ يُصِبْه ذَلِكَ البلاءُ كَائنًا مَا كَانَ» [د, ت].

ز- هَدْيُهُ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ سَمَاعِ نَهِيق الْحِمَار وَصِيَاحِ الدِّيكة([60]):

أَمَرَ أُمَّتَه إذا سَمِعُوا نَهِيقَ الحِمَارِ أَنْ يَتَعَوَّذُوا باللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ, وإِذَا سَمِعُوا صِيَاحَ الدِّيكَةِ أَنْ يَسْأَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ [ق].

ح – هَدْيُهُ صلى الله عليه وسلم فيما يَقُولُهُ وَيَفْعَلُهُ من اشتَدَّ غَضَبُه([61]):

أَمَرَ مَن اشْتَدَّ غَضَبُه بالوُضُوء، والقعودِ إنْ كانَ قائمًا, والاضطجاع إِنْ كان قَاعِدًا, والاستعاذةِ باللهِ مِنَ الشيطانِ الرجيمِ.


18 – هَدْيُهُ صلى الله عليه وسلم في الآذَانِ وأذكارِهِ([62])

1- سَنَّ التأذينَ بترجيعٍ وبغيرِ ترجيعٍ, وشَرَعَ الإقامةَ مَثْنَى وفُرَادَى, ولم يُفْرِد كلمةَ «قَدْ قَامَتِ الصَّلاةُ» الْبَتَّةَ.

2- وشَرَعَ لأمَّتِهِ أَنْ يقولَ السامعُ كما يقول المؤذن إلا في لفظ «حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ, وَحَيَّ عَلَى الفَلَاحِ» فَصَحَّ عنه إبدالهُما بــ «لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا باللهِ».

3- وأَخْبَرَ أَنَّهُ مَنْ قَالَ حِيْنَ يسمعُ الأذانَ: «وَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إلَّا اللهُ, وَأنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، رَضِيتُ بالله رَبًّا وبالإسلامِ دينًا وبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا» مَنْ قَالَ ذلِكَ غُفِرَ لَهُ ذَنْبَهُ. [م].

4- وَشَرَعَ للسَّامِعِ أَنْ يُصَلِّي عَلَى النبي ﷺ‬ بَعْدَ فراغِهِ مِنْ إِجَابَةِ المؤذنِ وأَنْ يقول: «اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلاةِ القَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الوَسِيلَةَ والفَضِيلَةَ، وابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الذي وَعَدْتَهُ» [خ].

5- وأخبر أَنَّ الدُّعَاءَ لا يُرَدُّ بينَ الأذانِ والإقَامةِ.


19- هَدْيُهُ صلى الله عليه وسلم في الذكر في ذي الحجة([63])

كان يُكْثِرُ الدعاء في عَشْرِ ذي الحِجَّة, ويأمرُ فيه بالإكثارِ مِنَ التهليلِ والتكبيرِ والتحميدِ.


20 – هَدْيُهُ صلى الله عليه وسلم في قِرَاءَةِ الْقُرآنِ([64])

1- كان له حزبٌ يقرؤه ولا يُخِلُّ به.

2- وكانت قراءتُه تَرْتِيلًا, لا هذًّا([65]) ولا عَجِلَة بل قراءةً مُفَسَّرةً حرفًا حرفًا.

3- وكان يُقَطِّع قراءته ويقفُ عند كُلِّ آيةٍ، وكان يُرتِّلُ السورةَ حتى تكونَ أطولَ مِنْ أطولِ منها.

4- وكان يَمدُّ عند حروفِ المدِّ, فيمد ﴿ ٱلرَّحْمَٰنِ ﴾، ويمد ﴿ ٱلرَّحِيمِ ﴾.

5- وكان يستعيذُ بالله من الشيطانِ الرجيم في أوَّلِ قراءتِه فيقول: «أَعُوذُ باللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ»، ورُبَّمَا كان يقول: «اللَّهُمَّ إِنِّي أعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ مِنْ هَمْزِهِ وَنَفْخِهِ وَنَفْثِهِ» [د, جه].

6- وكان يَقْرأُ القرآنَ قائمًا وقاعدًا ومضطجعًا ومتوضئًا ومحدثًا, ولم يكُنْ يمنعُه مِنْ قراءتِه إلا الجنابةُ.

7 – وكانَ يَتَغَنَّى بالقرآنِ، ويقول: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالقُرآنِ» [خ]، وقال: «زَيِّنُوا القُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ» [د, ن, جه].

8 – وكانَ يُحِبُّ أَنْ يسمعَ القرآنَ مِنْ غَيْرِهِ.

9 – وكانَ إذا مَرَّ بآيةِ سَجْدَةٍ كَبَّرَ وَسَجَدَ([66] وربما قال في سجوده: «سَجَدَ وَجْهِي للذي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ, وَشَقَّ سمعَه وبصرَه بحولِه وقوتِه» [د, ت, ن]، وربما قال: «اللَّهُمَّ احْطُطْ عَنِّي بها وِزْرًا, واكتُبْ لي بها أجرًا, واجعلها لي عندك ذُخْرًا, وَتَقَبَّلْها مِنِّي كَمَا تَقَبَّلْتَها مِنْ عَبْدِكَ دَاود» [ت, جه]، ولم يُنْقَلْ عَنْهُ أَنَّه كانَ يُكَبِّرُ للرفعِ مِنْ هَذَا السجودِ, ولا تَشَهَّدَ ولا سَلَّمَ الْبَتَّة.

21- هديه صلى الله عليه وسلم في خطبته([67])

كان إذا خطب احمرّتْ عيناه, وعلا صوته, واشتدَّ غضبُه, حتى كأنَّه مُنْذِرُ جَيْشٍ, يقول: «صَبَّحكم ومسَّاكم» [م], ويقول: «بُعثتُ أنا والساعة كهاتين» [ق]، وكان يقرن بين السَّبَّابة والوُسْطَى, ويقول: «أما بعدُ... فإن خير الحديث كتاب الله, وخير الهدْي هَدْيُ محمد صلى الله عليه وسلم, وشَرَّ الأُمُورِ محدثاتها, وكلّ بدعة ضلالة» [م].

وكان لا يخطب خطبة إلا افتتحها بحمد الله.

كان يُعلِّم أصحابه خطبة الحاجة: «الحمدُ لله نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِيْنُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ, وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئاتِ أعمالِنَا, مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ, وَمَنْ يُضْلِلْ فلا هَادِيَ لَهُ, وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلهَ إلَّا اللهُ, وأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ»، ثم يقرأ الآيات الثلاث: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ﴾ [الأحزاب: 70] [د, ت, ن, جه].

3- وكانَ يعلِّمُهم الاستخارةَ في الأمورِ كُلِّها, كما يعلمُهم السورةَ مِنَ القرآنِ فقال: «إِذَا همَّ أحدُكُم بالأمرِ فَلْيَرْكَع رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الفريضةِ, ثُمَّ ليقل: اللَّهُمَّ إِنِّي أستخيرُكَ بعلمكَ وأستقدرُكَ بقدرتِك وأسألُكَ مِنْ فضلِكَ العظيمِ, فإنَّكَ تقدرُ ولا أقدرُ, وتعلمُ ولا أعلمُ, وأنْتَ عَلَّامُ الغيوبِ, اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تعلمُ أَنَّ هذا الأمرَ – وَيُسَمِّي حَاجَتَهَ – خَيْرٌ لي في ديني ومعاشِي وعاقبةِ أَمْرِي – أو قال: عاجِلِه وآجِلِه – فاقْدُرْهُ لي وَيَسِّرْهُ لي, ثم بَارِكْ لي فيه, وإِنْ كُنْتَ تعلمُ أَنَّ هذا الأمرَ شَرٌّ لي في ديني ومعاشي وعاقبةِ أمري – أو قال: عاجِله وآجله – فاصرفْهُ عني واصرفْنِي عَنْهُ واقْدُرْ لي الخيرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ» [خ].

22- هَدْيُهُ صلى الله عليه وسلم في النَّومِ والاستيقاظِ والرُّؤى([68])

1- كان ينامُ على الفراشِ تارةً, وعلى النِّطَع([69]) تارةً، وعلى الحصيرِ تارةً, وعلى الأرضِ تارةً, وعلى السريرِ تارةً, وكان فراشُه أَدَمًا([70]) حَشْوُه لِيْفٌ, وكذا وِسَادَتُهُ.

2- ولم يَكُنْ يأخذُ مِن النومِ فوقَ القدرِ المحتاجِ إليهِ، ولا يمنعُ نَفْسَهُ من القدرِ المحتاج إليهِ.

3- وكان ينامُ أَوَّلَ الليلِ ويقومُ آخِرَه, وربما سَهِرَ أَوَّلَ الليلِ في مصالحِ المسلمينَ.

4- وكان إذا عَرَّسَ([71]) بليلٍ اضطجعَ على شِقِّهِ الأيمنِ, وإذا عَرَّسَ قُبَيْلَ الصبحِ نَصَبَ ذِرَاعَهُ ووضعَ رأسهُ عَلَى كَفِّهِ.

5- وكانَ إذا نامَ لم يُوقظوه حتى يكونَ هو الذي يَسْتَيْقِظ، وكانت تنامُ عيناهُ ولا ينامُ قلبُه.

6- وكان إذا أَوَى إلى فراشِه للنومِ قال: «باسمكَ اللَّهُمَّ أَحْيَا وأموتُ» [خ]، وكان يجمعُ كَفَّيْهِ ثم ينفُثُ فِيهِما, وكان يقرأُ فيهما: المعوذتينِ والإخلاص, ثم يمسحُ بِهمَا ما استطاعَ من جسدِه, يبدأ بهما على رأسِه ووجهِه, وما أقبلَ من جسدِه, يفعلُ ذلك ثلاثَ مراتٍ. [خ].

7 – وكان ينامُ على شقهِ الأيمنِ, ويضعُ يَدَهُ تحتَ خَدِّه الأيمن, ثم يقول: «اللَّهُمَّ قِني عَذَابَكَ يَوْمَ تَبْعُثُ عِبَادَكَ» [د, ت]. وقال لبعض أصحابه: «إذا أتيتَ مَضْجَعَكَ فتوضَأ وضُوءَكَ للصلاةِ ثم اضطجِع على شِقَّكَ الأيمنِ ثُمَّ قُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أسلمتُ نَفْسِي إليكَ, ووجَّهتُ وَجْهِي إليكَ, وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إليكَ, وألجأتُ ظهري إليكَ, رغبةً ورهبةً إليكَ, لا ملجأ ولا مَنْجَى مِنْكَ إِلَّا إليكَ, آمنتُ بِكَتَابِكَ الذي أنزلتَ, وبنبيكَ الذي أرسلتَ, واجْعَلْهُنَّ آخِرَ كلامِكَ, فإنْ مِتَّ مِنْ ليتِك مِتَّ على الْفِطْرَةِ» [ق].

8- وكانَ إذا قامَ مِنَ الليل قال: «اللَّهُمَّ رَبَّ جبريلَ, وميكائيلَ, وإسرافيلَ فَاطِرَ السَّماواتِ والأَرْضِ، عالمَ الغيبِ والشهادةِ, أنتَ تحكمُ بَيْنَ عبادِك فِيْمَا كانوا فيهِ يختلفونَ, اهْدِني لما اخْتُلِفَ فيه من الحقِّ بإذنِكَ, إنك تهدي مَنْ تشاءُ إلى صراطٍ مستقيم» [م].

9 – وكان إذا انتبه من نومه قال: «الحَمْدُ للهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النُّشُور»، وَيَتَسَوَّك، وربما قرأَ العشر آيات من آخر آل عمران [ق].

10 – وكان يستيقظُ إذا صاحَ الصارخُ – وهو الدِّيكُ -؛ فيحمدُ اللهَ ويكَبِّرُه ويُهَلِّلُه ويدْعُوه.

11- وقال: «الرُّؤيا الصالحةُ مِنَ الله, والحلمُ من الشيطانِ, فَمَنْ رَأَى رُؤْيَا يكرَهُ منها شيئًا, فلينْفُث عن يسارِه ثلاثًا, وليتعوَّذ بالله من الشيطانِ؛ فإنها لا تضرُّه, ولا يُخْبر بها أحدًا, وإِنْ رَأَى رُؤْيَا حسنةً, فَلْيَسْتَبْشِر, ولا يُخبِر بها إلا مَنْ يُحبُّ» [ق]، وأَمَرَ مَنْ رَأَى ما يَكْرَهُ أَنْ يتحولَ عَنْ جنبِه الذي كانَ عَلَيْهِ, وأَنْ يُصَلِّي.


23- هَدْيُهُ صلى الله عليه وسلم في الفِطْرَةِ واللِّبَاسِ وَالْهَيْئَةِ والزِّينَةِ([72])

1- كان صلى الله عليه وسلم يكثرُ التَّطَيُّبَ ويحبُ الطيبَ, ولا يَرُدُّهُ, وكانَ أحبَّ الطيبِ إليهِ المِسْكُ.

2- وكان يحبُّ السِّواكَ, وكان يستاكُ مفطرًا وصائمًا, ويستاكُ عِنْدَ الانتباهِ من النومِ, وعِنْدَ الوُضُوْءِ, وَعِنْدَ الصلاةِ وعِنْدَ دخولِ المنزلِ.

3- وكان صلى الله عليه وسلم يكتحل وقال: «خَيْرُ أكحالِكُم الإثْمدُ, يَجْلُو البصَر, وينبت الشَّعْرَ» [د, جه].

4- وكان يرجِّل([73]) نَفْسَهُ تارةً, وترجِّله عائشةُ تارةً, وكان هَدْيُهُ في حَلْقِ رأسِهِ: تَرْك شعره أو أَخْذَهُ كُلِّه.

5- ولم يُحْفَظْ عنه حَلْقُ رأسِهِ إلَّا في نُسُكٍ, وكان شَعْرُهُ فوقَ الجُمَّةِ, ودونَ الوفرةِ, وكانت جُمَّتُهُ تَضْرِبُ شحمةَ أذنيه.

6- ونهى عن الْقَزْعِ([74]).

7 – وقال: «خالفوا المشركينَ, ووفِّرُوا اللِّحى وأحفوا الشَّاربَ» [ق].

8 – وكانَ يلبسُ ما تَيَسَّرَ من اللباس: من الصوفِ تارةً, والقطنِ تارةً, والكِتَّانِ تارةً, وكانَ أحبَّ اللباسِ إليه القميصُ.

9 – ولبس البرودَ([75]) اليمانيةَ, والبُردَ الأخضر, ولَبِسَ الجبةَ والقَباءَ([76]) والسراويلَ والإزارَ والرِّداءَ, والخفَّ والنَّعلَ والعمامةَ.

10 – وكان يَتَلَحَّى([77]) بالعمامةِ تَحْتَ الحنكِ, وأرخَى الذؤابةَ مِنْ خَلْفِه تارةً وتركَها تارةً.

11- ولَبِسَ الأسودَ, ولبس حُلَّةً حمراء, والحُلَّةُ: إزارٌ ورداءٌ.

12- ولبسَ خاتمًا من فضةٍ, وكان يجعلُ فَصَّهُ مما يلي باطنَ كَفِّه.

13- وكان إذا اسْتَجَد ثوبًا سَمَّاهُ باسمه, وقال: «اللَّهُمَّ أَنْتَ كَسَوْتَنِي هَذَا القَمِيْصَ أَو الرِّدَاءَ أو العمامَةَ, أَسألُكَ خَيْرَهُ وَخَيْرَ مَا صُنِعَ لَهُ, وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهِ وَشَرِّ ما صُنِعَ لَهُ» [د, ت].

14- وكانَ إذَا لَبِسَ قيمصَهُ بدأَ بميامِنِه.

15- وكان يعجبُه التَّيمُّنُ في تَنَعُّلِهِ وَتَرَجُّلِهِ وطهورِه وَأَخْذِهِ وَعَطَائِهِ.

16- وكان هَدْيُهُ صلى الله عليه وسلم إذا عطس وضع يده أو ثوبه على فيه, وغَضَّ به صوتَه.

17 – وكان صلى الله عليه وسلم أشدَّ حياءً من العذراءِ في خِدْرِهَا([78]) .

18 – وكان يَضْحَكُ مما يُضْحَكُ منه, وكان جُلَّ ضَحِكِهِ التبسمُ, فكان نهايةُ ضَحِكِهِ أَنْ تَبْدُوَ نواجِذُه, وكان بكاؤُه من جنس ضَحكِهِ, لم يكن بشهيقٍ ورفع صوتٍ, كما لم يكن ضَحِكُه قهقهةً, ولكن كانت عَيْنَاهُ تدمَعُ ويُسمعُ لصدرِه أَزِيزٌ.


24- هَدْيُهُ صلى الله عليه وسلم في السَّلامِ والاسْتِئْذَانِ([79])

1- كان مِنْ هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم السلامُ عند المجيء إلى القوم، والسلامُ عند الانصراف عنهم, وأَمَرَ بإفشاءِ السلام.

2- وقال: «يُسَلّمُ الصغيرُ على الكبيرِ, والمارُّ على القاعِد، والراكبُ على الماشي, والقليلُ على الكثيرِ» [ق].

3- وكان يبدأُ مَنْ لَقِيهُ بالسلامِ, وإذا سَلَّم عليه أحدٌ رَدَّ عليه مِثلَها أو أحسنَ على الفورِ إلا لعذرٍ؛ مثل: الصلاةِ أو قضاءِ الحاجةِ.

4- وكان يقول في الابتداء: «السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةٌ اللهِ» [خ]، ويَكرَهُ أَنْ يقولَ المبتدئُ: عليكَ السَّلامُ, وكانَ يردُّ عَلَى الْمُسَلِّمِ: «وَعَلَيكَ السلام» بالواوِ.

5- وكَانَ مِنْ هَدْيه في السلامِ على الجمعِ الكثير الذينَ لا يبلغُهم سلامٌ واحدٌ أن يُسَلِّم ثلاثًا.

6- وكان مِنْ هَدْيِهِ أَنَّ الدَّاخِلَ إلى المسجدِ يبتدئُ بِرَكْعَتَيْنِ تحيةَ المسجدِ ثُمَّ يجيءُ فَيُسَلِّمُ عَلَى القوم.

7- ولم يكنْ يردُّ السلامَ بيدِه ولا برأسِه ولا أُصبعِه إلَّا في الصلاةِ؛ فإنَّهُ رَدَّ فيها بالإشارةِ.

8 – ومرَّ بصبيان فَسَلَّمَ عليهم, وَمَرَّ بنسوةٍ فَسَلَّمَ عليهنَّ, وكانَ الصحابةُ ينصرفونَ مِنَ الجمعةِ فيمرونَ على عجوزٍ في طريقهم, فيسلمونَ عليها.

9 – وكان يُحَمِّل السلامَ للغائبِ ويتحمَّلُ السلامَ, وإذا بَلَّغَهُ أحدٌ السلام عن غيره أن يَرُدَّ عليه: وعلى المبَلِّغ.

10 – وقيل له: الرَّجلُ يَلْقَى أخَاه أَيَنْحَنِي له؟ قال: «لا»، قِيلَ: أيلتزمُه وَيُقَبُّله؟ قال: «لا»، قيل: أَيُصافِحُه؟ قال: «نَعَم» [ت].

11- ولم يَكُنْ ليفجأَ أَهْلَهُ بغتةً يتخوَّنُهم, وكان يُسَلِّم عَلَيهِم, وكان إذا دَخَلَ بدأَ بالسؤالِ, أو سألَ عَنْهُمْ.

12- وكان إذا دخلَ على أهلِه بالليلِ سَلَّمَ تسليمًا يُسْمعُ اليقظانَ ولا يُوقظ النائم [م].

13- وكان من هَدْيِه أنَّ المستأذَنَ إذا قيل له: مَنْ أَنْت؟ يقول: فلانٌ ابنُ فلانٍ, أو يذكرُ كُنيَتَه أو لَقَبَهُ, ولا يقول: أَنَا.

14- وكان إِذَا استأذنَ يستأذنُ ثلاثًا؛ فإِنْ لم يُؤذَنْ لَهُ يَنْصَرِف.

15- وكان يُعَلِّم أصحابَه التسليمَ قَبْلَ الاستئذانِ.

16- وكان إذا أتَى بابَ قومٍ لم يستقبل البابَ مِنْ تلقاءِ وجهِه, ولكنْ من رُكْنِهِ الأيمن أو الأيسرِ.

وقال: «إِنَّمَا جُعِلَ الاسْتِئذَانُ مِنْ أَجْلِ البَصَرِ» [ق].


25- هَدْيُهُ صلى الله عليه وسلم في كلامه وسُكُوتِهِ, وفي حِفْظِهِ الْمَنْطِق واختِيار الألْفَاظِ والأسْمَاءِ([80])

1- كان صلى الله عليه وسلم أفصحَ الخلقِ وأعذبَهم كلامًا وأسرعَهم أداءً وأحلَاهم مَنْطِقًا.

2- وكان طويلَ السكوتِ لا يتكلم في غير حاجة, ولا يتكلم فيما لا يعنيه, ولا يتكلم إلا فيما يرجو ثوابَهُ.

3- وكان يتكلمُ بجوامعِ الكلمِ, وبكلامٍ مُفَصَّلٍ يَعُدُّهُ الْعَادُّ, ليس بِهَذٍّ مسرعٍ لا يُحْفَظُ, ولا منقطعٍ تخللهُ السكتاتُ.

4- وكان يتخيَّرُ في خِطَابِهِ ويختارُ لأمتِه أحسنَ الألفاظِ وأبعَدَها عن ألفاظِ أهلِ الجفاء وَالْفُحْشِ.

5- وكان يكرهُ أَنْ يُسْتَعْمَلَ اللفظُ الشريفُ في حقِّ مَنْ ليس كذلك, وأن يُسْتَعْملَ اللفظُ المكروهُ في حقِّ من ليس مِنْ أهلِه, فَمنعَ أن يُقَالَ للمنافقِ: سَيِّدٌ، ومَنَعَ تسميةَ أبي جهلٍ: بأبي الحكم, وأنْ يُقال للسلطانِ: ملكُ الملوكِ أو خليفةُ الله.

6- وأرشدَ مَنْ مَسَّهُ شيءٌ مِنَ الشَّيْطَانِ أَنْ يقولَ: باسمِ اللهِ, ولا يلعنُهُ أو يَسُبُّهُ ولا يقولُ: تَعِسَ الشيطانُ, ونحو ذلك.

7 – وكانَ يستحبُّ الاسمَ الحسنَ, وأَمرَ إذا أَبردُوا إليه بَريدًا أن يكونَ حَسنَ الاسمِ, حسنَ الوجهِ, وكانَ يأخذُ المعانِي من أسمائها, ويربطُ بَيْنَ الاسمِ والمُسَمَّى.

8- وقال: «إِنَّ أَحَبَّ أَسْمَائِكُم إِلَى اللهِ: عَبْدُ اللهِ, وعَبْدُ الرحمنِ, وأَصْدَقُهَا: حَارِثٌ, وَهَمَّامٌ, وأَقْبَحُهَا: حَرْبٌ وَمُرَّةٌ» [م].

9 – وَغَيَّرَ اسمَ «عاصية»، وقال: «أنتِ جَميلةٌ»، وغيَّر اسم «أَصْرمَ»: بـ «زُرعة»، ولمَّا قدم المدينة واسمها «يَثْرِب» غيّره: بـ «طِيْبَة».

10 – وكان يُكَنِّي أصحابَه, ورُبَّما كَنَّى الصغيرَ, وكنَّى بعضَ نسائِه.

11- وكان من هَدْيه صلى الله عليه وسلم تكنيةُ مَنْ لَهُ ولدٌ, ومَنْ لا وَلَدَ لَهُ وقال: «تَسَمَّوْا باسْمِي, ولاَ تَكنَّوا بِكُنْيَتِي» [ق].

12- ونَهَى أَنْ يُهْجَرَ اسمُ «العشاءِ» ويَغْلُبُ عليها اسمُ «العتَمَةِ»، ونَهَى عَنْ تسميةِ العنبِ كَرْمًا, وقال: «الكَرْمُ: قلبُ المؤمنِ» [ق].

13- ونَهَى أَنْ يُقالَ: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا, وَمَا شاءَ الله وشِئْتَ, وأَنْ يُحْلَفَ بِغَيْرِ اللهِ, ومِنَ الإكثارِ مِنَ الحلفِ, وأَنْ يقولَ في حلفِه: هو يهوديٌّ ونحوه إِنْ فَعَلَ كذا, وأنْ يقولَ السيِّدُ لمملوكه: عَبْدِي وأَمَتِي, وأَنْ يقولَ الرَّجُلُ: خَبُثَتْ نَفْسِي, أو تَعِسَ الشَّيْطَانُ, وعن قول: اللهمَّ اغْفِرْ لي إِنْ شِئْتَ.

14- ونَهَى عن سبِّ الدَّهرِ, وعَنْ سَبِّ الرِّيحِ, وسَبِّ الحُمَّى, وَسَبِّ الدِّيكِ, وَمِنَ الدُّعَاءِ بِدَعْوَى الجاهليةِ؛ كالدُّعاءِ إِلى القبائلِ والعصبيةِ لَهَا.


26- هَدْيُهُ صلى الله عليه وسلم في مَشْيِهِ وَجُلُوسِهِ([81])

1- كان إذا مشى تَكَفَّأَ تَكَفُّؤًا([82])؛ كأنما ينحطُّ([83]) مِنْ صَبَبٍ([84])، وكان أسرعَ الناسِ مشيةً وأحسنَها وأسكنَها.

2- وكان يمشي حافيًا ومتنعلًا.

3- وكان يركبُ الإبلَ والخيلَ, والبغالَ والحميرَ، وركبَ الفرسَ مسرجةً تارةً, وعُريًا تارةً, وكان يُرْدِفُ خلفَه وأمامَه.

4- وكان يجلسُ على الأرضِ وعلَى الحصيرِ وعلى البساطِ.

5- وكان يَتَّكِئُ على الوسادَةِ, ورُبَّمَا اتَّكَأَ على يسارِهِ, ورُبَّمَا اتَّكَأَ على يمينِه.

6- وكان يجلسُ القرفصاءَ, وكان يستلقي أحيانًا, ورُبَّمَا وضعَ إحدى رِجْلَيْهِ على الأُخْرَى, وكان إذا احتاجَ تَوَكَّأَ على بعضِ أصحابِه مِنَ الضَّعفِ.

7 – ونهى أنْ يقعَد الرجلُ بين الظلِّ والشَّمْسِ.

8 – وَكَرِهَ لأهلِ المجلسِ أَنْ يخلوَ مجلسُهم مِنْ ذكرِ اللهِ, وقال: «مَنْ قَعَدَ مَقْعَدًا لَمْ يَذْكُر اللهَ فيهِ كانتْ عليه مِنَ اللهِ تِرَةً...» [د]. والتِّرَة: الحَسْرَة.

9 – وقال: «مَنْ جَلَسَ في مجلسٍ فكثُر فيهِ لَغَطُهُ فقالَ قبلَ أَنْ يقومَ مِنْ مجلسه: سبحانكَ اللَّهُمَّ وبحمدكَ, أشهدُ أَنْ لَا إلهَ إِلَّا أَنْتَ, أستغفرُكَ وأتوبُ إليك؛ إلَّا غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ في مجلسِه ذَلِكَ» [د, ت].


27 – هديه صلى الله عليه وسلم وهدْيُ أصحابه سجودُ الشكر عند تجدُّد نعمة تسرُّ, أو اندفاع نقمة

وبُشِّر صلى الله عليه وسلم بحاجة, فخرَّ لله ساجدًا [جه].

28 – هَدْيُهُ صلى الله عليه وسلم في علاجِ الكَربِ والهَمِّ والغَمِّ والحزنِ([85])

1- كان يقولُ عند الكرب: «لَا إلهَ إلَّا اللهُ العَظِيمُ الحَلِيمُ, لَا إلهَ إلَّا اللهُ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمُ, لَا إلهَ إلَّا اللهُ رَبُّ السَّمَاواتِ السَّبْعِ, ورَبُّ الأرضِ رَبُّ العَرْشِ الكَرِيمُ» [ق].

2- وكان إذا حَزَبَه أمر قال: «يا حَيُّ يا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أستَغيثُ» [ت]، وقال: «دَعَواتُ المَكْرُوبِ: اللَّهُمَّ رَحمَتَكَ أَرجُو؛ فَلَا تَكِلْنِي إلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ, وأصْلِحْ لِي شَأنِي كُلَّهُ, لَا إلهَ إلَّا أَنْتَ» [د].

«وكان إِذَا حَزَبَه أَمْرٌ صَلَّى» [د].

3- وقال: «ما أصابَ عَبْدًا هَمٌّ ولَا حَزنٌ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ, ابنُ عَبْدِكَ, ابْنُ أمتك, نَاصِيَتِي بِيَدِكَ, مَاضٍ فِيَّ حكْمُكَ, عَدْلٌ فيَّ قَضَاؤُكَ, أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ, سَمِّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ, أَوْ أَنْزَلْتَه في كِتَابِكَ, أو عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِك, أو اسْتأثَرتَ بِهِ في عِلْمِ الغَيْبِ عِنْدَكَ: أَنْ تَجْعَلَ القُرآنَ العَظِيمَ رَبيعَ قَلبي, وَنُورَ صَدْرِي, وجلاءَ حُزْنِي, وذهابَ هَمِّي – إلَّا أَذْهَبَ اللهُ حُزْنَهُ وَهَمَّه, وأبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَحًا» [حم].

4- وكان يعلمهم عند الفزع: «أعوذُ بكلماتِ اللهِ التامةِ من غضبِه وعقابِه وَشَرِّ عبادِه, ومِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ, وأعوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُون» [د, ت].

5- وقال: «مَا مِنْ أَحَدٍ تُصِيبُه مُصِيبةٌ فَيَقُولُ: إِنَّا للهِ وإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون, اللَّهُمَّ أجُرْنِي في مُصِيبَتِي واخْلُفْ لِي خَيْرًا منها – إلا أَجرَه([86])اللهُ في مُصِيبَتِه, وأَخْلَفَ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا» [م].


29 – هدْيُه صلى الله عليه وسلم في السَّفَرِ([87])

1- كان يستحبُّ الخروجَ للسفرِ أوَّلِ النهارِ, وفي يومِ الخميسِ.

2- وكان يكرهُ للمسافرِ وحْدَهُ أَنْ يسيرَ بالليلِ, وَيَكرَهُ السفرَ للواحدِ.

3- وأَمَرَ المسافرينَ إذا كانوا ثلاثةً أَنْ يُؤَمِّرُوا أحَدَهُم.

4- وكان إذا رَكِبَ راحلَته كَبَّر ثلاثًا, ثم قال: «سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنينَ وَإِنَّا إلى رَبِّنَا لمُنْقَلِبُونَ»، ثم يقول:«اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فِي سفَرِي هذا البِرَّ والتقوى, ومن العملِ مَا تَرْضَى اللَّهُمَّ هَوِّن عَليْنَا سَفَرَنَا هَذَا واطْوِ عَنَّا بُعْدَه, اللَّهُمَّ أَنْتَ الصاحبُ في السفرِ, والخليفةُ في الأهلِ, اللَّهُمَّ اصْحَبْنَا في سَفَرِنَا واخْلُفْنَا في أهْلِنَا» [م]، وكان إذا رَجَعَ مِنَ السَّفرِ زادَ: «آيبونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ» [م].

5- وكان إذا عَلَا الثَّنَايَا كَبَّرَ, وإذا هَبَطَ الأَوْدِيَةِ سَبَّحَ، وقال له رجل: إني أريدُ سَفَرًا, قال: «أُوصِيكَ بتَقْوَى اللهِ والتكبيرِ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ» [ت, جه].

6- وكان إذا بدا له الفجر في السّفر قال: «سَمَّعَ سَامِعٌ بِحَمْدِ الله وحُسْنِ بِلَائِهِ عَلَيْنَا, ربَّنَا صَاحِبْنَا وأَفْضِلْ عَلَيْنَا عَائِذًا باللهِ مِنَ النَّارِ» [م].

7 – وكان إذا ودَّع أصحابَه في السَّفَرِ يقولُ لأحَدِهم: «أَستَوْدِعُ اللهَ دِينَكَ وَأَمَانَتَكَ وخَواتِيمَ أَعْمَالِكَ» [د, ت].

8 – وقال: «إِذَا نَزَلَ أَحَدُكُم مَنْزِلًا, فليقل: «أعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ»؛ فَإِنَّهُ لا يَضُرُّهُ شَيءٌ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْهُ [م].

9 – وَكَانَ يَأمُرُ المُسَافِرَ إِذَا قَضى نَهْمَتَهُ مِنْ سَفَرِهِ أَنْ يُعَجِّلَ الرجوعَ إِلَى أهْلِهِ.

10 – وَكَانَ يَنْهَى المَرْأَةَ أنْ تُسَافِرَ بغَيْرِ مَحْرَمٍ, وَلَوْ مَسَافَةَ بَرِيدٍ([88])، ويَنْهَى أَنْ يُسَافَرَ بالقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ العَدُوِّ مَخَافَةَ أَنْ يَنَالَهُ العَدُوُّ.

11- وَمَنَعَ مِنْ إقامةِ المسلمِ بَيْنَ المشركينَ إذا قَدِرَ على الهجرةِ, وقال: «أَنَا بريءٌ مِنْ كُلِّ مسلمٍ يُقيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ المشركين» [د, ت, ن, جه]، وقال: «مَنْ جَامعَ المشركَ وسَكَنَ مَعَهُ فَهُوَ مِثْلُهُ» [د].

12- وكان سَفَرُهُ أربعةَ أسفارٍ: سفرٌ للهجرةِ, وسَفَرٌ للجهادِ – وهو أكثرُها -؛ وسفرٌ للعمرةِ, وسفرٌ للحجِ.

13- وكان يَقْصرُ الرُّباعيةَ في سفرِهِ, فيُصليها ركعتين مِنْ حين يخرُج إلى أَنْ يرجعَ, وكان يقتصرُ على الفرضِ ما عَدَا الوترِ وسُنَّةِ الفجرِ.

14- ولم يَحُدَّ لأمته مسافةً محدودةً للقصرِ والفِطْرِ.

15- ولم يَكُنْ من هَدْيِهِ الجمعُ راكبًا في سفره, ولا الجمعُ حالَ نزولِه, وإنما كان الجمعُ إذا جَدَّ به السيرُ, وإذا سارَ عقيب الصلاة, وكان إذا ارتحلَ قبل أن تزيغَ الشمسُ أَخَّرَ الظهرَ إلى وقتِ العصرِ ثم نزلَ فجمعَ بينهُما, فإنْ زالت الشمسُ قَبْل أَنْ يرتحلَ صلَّى الظهرَ ثم رَكِبَ, وكانَ إذا أعجلَهُ السيرُ أَخَّرَ المغربَ حتى يجمعَ بينها وبين العشاءِ في وقتِ العشاءِ.

16- وكانَ يُصَلِّي التطوعَ بالليلِ والنهارِ على راحلتهِ في السفرِ قبل أيِّ وجهٍ توجهت به, فيركعُ ويسجدُ عليها إيماءً, ويجعلُ سجودَه أخفضَ من ركوعِه.

17 – وسافَر في رمضانَ وأفطرَ وخَيَّر الصحابةَ بينَ الأمرين.

18 – وكان يَلْبَسُ الخفافَ في السفرِ دائمًا أو أغلب أحواله.

19 – ونَهَى أن يطرُقَ الرجلُ أهلَهُ ليلًا إذا طالتْ غَيْبَتُه عَنْهُمْ.

20 – وقال: «لا تَصْحَبُ الملائِكةُ رُفْقَةً فيها كَلْبٌ ولا جَرَسٌ» [م].

21- وكان إذا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدأَ بالمسجدِ فَرَكَعَ فيه رَكْعَتَيْنِ, وكان يُلَقَّى بالوِلْدَانِ مِنْ أهلِ بَيْتِهِ.

22- وكان يعتنقُ القادمَ من سفرِه, ويقبِّلُهُ إذا كان مِنْ أَهْلِهِ.


30 – هَدْيُهُ صلى الله عليه وسلم في الطِّبِّ والتَّدَاوِي وَعِيَادَةِ المَرضَى([89])

1- كانَ مِنْ هديِهِ فعلُ التداوي في نَفْسِهِ, والأمْرُ به لِمَنْ أصابَهُ مرضٌ مِنْ أهلِه وأصحابِه.

2- وقال: «مَا أَنْزَلَ اللهُ مِنْ دَاءٍ إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً» [خ]، وقال: «يا عبادَ اللهِ تَدَاوَوْا» [د, ت, جه].

3- وكان علاجُه للمرض ثلاثةُ أنواع: أحدُها: بالأدويةِ الطبيعيةِ, والثاني: بالأدويةِ الإلهيةِ, والثالثُ: بالمركبِ من الأمرين.

4- ونَهَى عَن التَّدَاوِي بالخمرِ, ونَهَى عَن التَّدَاوِي بالخبيثِ.

5- وكان يعودُ مَنْ مَرِضَ مِنْ أصحابِهِ, وعادَ غلامًا كان يخدمُه مِنْ أَهْلِ الكتابِ, وعادَ عَمَّه وهو مشركٌ, وعَرضَ عليهما الإسلامَ, فأسلمَ اليهوديُّ ولم يُسْلِمْ عَمُّه.

6- وكانَ يدنُو مِنَ المريضِ ويجلسُ عِنْدَ رأسِه ويسأله عَنْ حالِه.

7 – ولم يكنْ مِنْ هَدْيِه أَنْ يَخُصَّ يَومًا من الأيام بعيادةِ المريضِ, ولا وقتًا من الأوقاتِ, وشَرَعَ لأمتِه عيادةَ المرضى ليلًا ونهارًا, وفي سائرِ الأوقاتِ.

أ – هَدْيُهُ صلى الله عليه وسلم في الْعِلاجِ بالأدويةِ الطَّبِيعيةِ([90]):

1- قال صلى الله عليه وسلم : «إِنَّمَا الحُمَّى – أو شِدَّةُ الحُمَّى – مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ؛ فَأَبرِدُوها بالماءِ» [ق].

2- وقال: «إذا حُمَّ أَحَدُكُمْ فليسنَّ([91]) عَلَيْهِ المَاءَ البَارِدَ ثَلاثَ لَيالٍ مِنَ السَّحَرِ».

3- وكان إذا حُمَّ دَعَا بقِربة من ماءٍ, فأفرغَها على رأسِه فاغتسلَ.

وذُكِرَتْ الحُمّى عنده ذاتَ مرةٍ, فَسَبَّهَا رجلٌ, فقال: «لا تَسُبَّها؛ فإنَّها تَنْفِي الذُّنُوبَ كَمَا تَنْفِي النَّارُ خَبَثَ الحَدِيدِ» [جه].

4- وأتاه رجلٌ فقال: إنَّ أخي يشتكِي بطنَه – وفي روايةٍ: استطلق بطنُه – فقال: «اسْقِهِ عَسَلًا» [ق]، وكان يشوْبه([92]) بالماءِ على الريقِ.

5- واشتكى قومٌ اجْتَوَوُا المدينةَ من داءِ الاستسقاءِ, فقال: «لو خرجتُم إلى إِبِلِ الصدقةِ فشربتُم مِنْ أَبْوَالِهَا وألبانِهَا» ففعلُوا وصحُّوا [ق].

والجَوَى: داءٌ من أدواءِ الجوفِ, والاستسقاءُ: مرضٌ يسبِّبُ انتفاخَ البطنِ.

6- ولما جُرِحَ في أُحدٍ أَخَذَتْ فاطمةُ قطعةَ حصيرٍ فأحرقتَها حَتَّى إذا صارتْ رمادًا ألصقَتْهَ بالجرحِ, فاستمسَكَ الدَّمُ.

وبعثَ إلى أُبَيِّ بن كعبٍ طبيبًا فقطعَ له عِرْقًا وكواهُ عليه. وقال: «الشِّفَاءُ في ثَلاثٍ: شرْبَةِ عَسَلٍ, وشرْطَةِ مِحْجَمٍ وكَيَّةِ نَارٍ, وأَنْهَى أُمَّتي عَن الكَيِّ» [خ]، وقال: «ومَا أحِبُّ أَنْ أَكْتَوِي» [ق]. إشارةٌ إلى أَنْ يُؤخِّرَ الأخذ به حتى تدفعَ الضرورةُ إليهِ, لِمَا فيه من استعجالِ الألمِ الشديدِ.

7 – وَاحْتَجَمَ ﷺ‬ وأعطى الحَجَّامَ أَجْرَهُ, وقال: «خَيْرُ مَا تَداوَيْتُم بِهِ الحِجَامَة» [ق]. واحْتَجَمَ وهو مُحْرِمٌ في رأسِه لصداعٍ, واحتجمَ في وَرِكِه من وثءٍ([93]) كان به.

وكان يحتجم ثلاثًا: واحدة على كَاهلِهِ واثنتين على الأَخْدَعَيْنِ([94]).

واحتجم على الكَاهِلِ ثلاثًا لَمَّا أَكَلَ من الشَّاةِ المسمومةِ وأمرَ أصحابَه بالحجامةِ.

8 – وما شَكَى إليه أحدٌ وَجَعًا في رأسِه إِلَّا قال له: «احْتَجِمْ»، ولا شَكَى إليه وَجَعًا في رِجْلَيْه إلا قال له: «اخْتَضِبْ بالحِنَّاءِ» [د].

9 – وفي سُنن الترمذي عن سَلْمَى أُمِّ رافعٍ خادمةِ النبي ﷺ‬ قالت: (وكان لا يصيبُه قرحة ولا شوكة إلا وضع عليها الحناء) [ت].

10 – وقال: «دَوَاءُ عِرْقِ النِّسَا ألْيَةُ شَاةٍ تُشْرَبُ على الرِّيقِ في كُلِّ يَوْمٍ جُزْءٌ» [جه].

وعِرْق النِّسا: وجعٌ يبتدئ من مِفْصَلِ الوَرِكِ، وينزل مِنْ خَلفٍ على الفَخِذِ.

11- وقال في علاج يُبْسِ الطبع واحتياجِه إلى ما يُمَشِّيه ويلينه: «عَلَيْكُمْ بالسَّنَا([95]) والسَّنُّوت؛([96]) فإنَّ فيهما شِفَاءً مِنْ كُلِّ داءٍ إِلَّا السَّامَ» وهو الموت [جه].

12- وقال: «خَيْرُ أَكْحَالِكم الإثْمد: يجلو البصر, وينبت الشعر» [د, جه].

والإثمد: هو الكحل الأسود.

13- وقال: «مَنْ تَصَبَّحَ بسبعِ تَمَرَاتٍ مِنْ تَمْرِ العَاليةِ لم يَضُرَّهُ ذَلِكَ اليَوْمَ سُمٌّ ولا سِحْرٌ» [ق].

14- وقال: «لا تُكْرِهوا مَرْضاكُم عَلَى الطَّعَامِ والشَّرابِ, فَإِنَّ اللهَ يُطْعِمُهُم وَيَسْقِيْهِم» [ت, جه].

15- وحَمَى النَّبِيُّ صهيبًا من التَّمر, وأَنْكَرَ عَليه أَكْلَهُ وهو أرمد, وأقَرَّه على تَمَرَاتٍ يسيرة, وحَمَى عليًّا من الرُّطب لما أصابه الرَّمد.

16- وقال: «إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُم فامْقُلُوه؛ فإنَّ في أَحَدِ جَنَاحَيْهِ داءً وفي الآخرِ شِفَاءً» [خ].

17 – وقال: «التَّلْبِيْنَةُ مَجَمَّةٌ([97]) لِفُؤادِ المرِيضِ تَذْهَبُ ببعضِ الحُزْنِ» [ق].

والتلبينة حِسَاءٌ مُتَّخَذٌ مِنْ دقيقِ الشعيرِ بِنُخالتِه.

18 – وقال: «عَلَيْكُم بِهذِه الحَبَّةِ السَّوْدَاءِ؛ فَإِنَّ فيها شِفَاءً مِنْ كُلِّ داءٍ إلا السَّامَ» [ق].

19 – وقال: «فِرَّ من المجذومِ كما تفرُّ من الأسدِ» [خ]، وقال: «لا يوردن ممرضٌ على مصحٍّ» [ق].

20- وكان في وفد ثقيفٍ رجلٌ مجذومٌ, فأرسل إليه النبي ﷺ‬: «ارْجِعْ فَقَد بايعنَاكَ» [م].

ب- هَدْيُهُ صلى الله عليه وسلم في الْعِلاَجِ بِالأدْوِيَةِ الإلهِيَّةِ([98]):

1- كانَ يَتَعَوَّذُ مِنَ الجانِّ, ومِنْ عَيْنِ الإنسانِ, وأَمَرَ بالرقيةِ مِنَ العينِ, وقال: «العَيْنُ حَقٌّ وَلَوْ كَانَ شَيءٌ سَابق القَدَر لَسَبَقَتْهُ العينُ, وإذا اسْتُغْسِل أَحَدُكُمْ فَلْيَغْتَسِلْ» [م].

2- ورأى جاريةً في وجهها سفعة فقال: «استرقوا لها؛ فإنَّ بها النظرةَ» [ق].

والسَّفْعةُ؛ أي: النظرة من الجنِّ.

3- وقال لبعض أصحابِه لما رَقَى اللديغَ بالفاتحةِ فبرأ: «وما يُدريك أنها رُقْيَة» [ق].

4- وجاءه رجلٌ فقال: لدغتني عقربٌ البارحةَ, فقال: «أما لو قُلْتَ حِينَ أَمْسَيْتَ: أَعُوذُ بِكَلِماتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ, لَمْ تَضُرَّك» [م].

جـ - هديه صلى الله عليه وسلم في العلاج الميسر النافع المركّب([99]):

وكان إذا اشتكىَ الإنسانُ أو كانت به قُرْحَةٌ أو جُرْحٌ, وضَعَ سبَّابَتَهُ على الأرضِ, ثم رفعها وقال: «بِسْمِ اللهِ تُرْبَةُ أَرْضِنَا, بِريقةِ بَعْضِنَا يُشْفَى سَقِيمُنَا, بإِذْنِ رَبِّنَا» [ق].

6- وشكى له بعض صحابته وجعًا, فقال له: «ضَعْ يَدَكَ عَلَى الَّذِي تَأَلَّمَ مِنْ جَسَدِكَ, وقُلْ: سبع مرات: أَعُوذُ بِعِزَّةِ اللهِ وقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ وأُحَاذِرُ» [م].

وكان يُعوِّذُ بعضَ أهلِه يمسحُ بيدِه اليُمنى ويقول: «اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ أَذْهِبِ البَاسَ, واشْفِ أَنْتَ الشَّافِي, لَا شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ, شِفَاءً لا يُغَادِرُ سَقَمًا» [ق].

وكان إذا دخل على المريض يقول: «لَا بأسَ طهورٌ إنْ شَاءَ اللهُ» [خ].

تَمَّ بِحَمْدِ اللهِ.


([1]) سيتم – بمشيئة الله تعالى – ترجمة الكتاب لأهم اللغات العالمية, وإتاحته على الإنترنت؛ ليسهل انتشاره والإفادة منه في سائر أنحاء العالم وسيتبعه إن شاء الله كتاب "خصائص الإسلامي ومحاسنه".

([2]) قمت باختصار عزو الأحاديث النبوية, فما كان في الصحيحين رمزت له بالرمز "ق"، والبخاري "خ" ومسلم "م" وأبي داود "د"، والترمذي "ت"، والنسائي "ن", وابن ماجه "جه", والمسند "حم" .

([3]) زاد المعاد (1/163).

([4]) زاد المعاد (1/184).

([5]) المدُّ: مِلْء كفَّي الإنسان المعتدل إذا ملأهما ومدَّ يده بهما. (ج) أمداد.

([6]) زاد المعاد (1/192).

([7]) زاد المعاد (1/192).

([8]) زاد المعاد (1/194).

([9]) زاد المعاد (1/208).

([10]) الخمرة: حصيرة صغيرة من السَّعَف.

([11]) التورُّك: تورَّك في الصلاة: وضع وَرِكَه اليمنى على رجله اليمنى منصوبة, مُصَوِّبًا أطراف أصابعها إلى القبلة, وألصق وَرِكَهُ اليسرى بالأرض مُخْرجًا لرجله اليسرى من جهة يمينه.

([12]) المغرم: الدَّين الذي يعجز عن أدائه.

([13]) زاد المعاد (1/241).

([14]) زاد المعاد (1/285).

([15]) زاد المعاد (1/311).

([16]) زاد المعاد (1/353).

([17]) زاد المعاد (1/425).

([18]) زاد المعاد (1/433).

([19]) زاد المعاد (1/439).

([20]) مغيثًا: الغوث: العون والإنقاذ.

([21]) مريئًا: هنيئًا محمود العواقب.

([22]) مريعًا: خصبًا غزيرًا.

([23]) الظراب: هي الروابي الصغار, مفردها: ظِرب.

([24]) الآكام: مفردها أكمة, وهي الهضبة.

([25]) زاد المعاد (1/510).

([26]) زاد المعاد (1/479).

([27]) زاد المعاد (1/485).

([28]) زاد المعاد (1/498، 502).

([29]) زاد المعاد (1/504).

([30]) زاد المعاد (2/5).

([31]) الوسق: ما قدره ستون صاعًا من تمر أو نحوه, وهو ما يعادل 221.61 كجم تقريبًا.

([32]) زاد المعاد (2/18).

([33]) زاد المعاد (2/21).

([34]) زاد المعاد (2/30).

([35]) زاد المعاد (2/82).

([36]) زاد المعاد (2/86).

([37]) زاد المعاد (2/96).

([38]) زاد المعاد (2/285).

([39]) التقليد: وضْعُ قِلادةٍ في عُنُق الهدي علامة على إهدائها للحرمِ.

([40]) الإشْعَار: جَرْحُ الهدي بعلامةٍ تُمَيِّزُها.

([41]) زاد المعاد (2/289).

([42]) زاد المعاد (2/296).

([43]) زاد المعاد (1/154).

([44]) زاد المعاد (1/154).

([45]) زاد المعاد (1/194).

([46]) زاد المعاد (1/142، 362).

([47]) زاد المعاد (2/366)، (4/209).

([48]) زاد المعاد (3/11، 44).

([49]) زاد المعاد (3/112).

([50]) الصفراء: الذهب.

([51]) البيضاء: الفضة.

([52]) زاد المعاد (3/141).

([53]) زاد المعاد (3/143).

([54]) زاد المعاد (2/332).

([55]) زاد المعاد (2/235).

([56]) زاد المعاد (2/336).

([57]) زاد المعاد (2/361).

([58]) زاد المعاد (2/371، 397).

([59]) زاد المعاد (2/417).

([60]) زاد المعاد (2/426).

([61]) زاد المعاد (2/423).

([62]) زاد المعاد (2/417).

([63]) زاد المعاد (2/360).

([64]) زاد المعاد (1/463).

([65]) الهذُّ: السرعة في القراءة والإفراط في العجلة.

([66]) زاد المعاد (1/351).

([67]) زاد المعاد (1/179).

([68]) زاد المعاد (1/149).

([69]) النِّطع: بساط من جلد.

([70]) الأدَم: الجلد المدبوغ.

([71]) التعريس: نزول المسافر آخر الليل للنوم والاستراحة.

([72]) زاد المعاد (2/167).

([73]) التَّرْجِيلُ: هو تسريحُ الرأسِ واللحيةِ وتنظيفُه وتحسينُه.

([74]) القزع: حلق بعض الرأس.

([75]) جمع بُرد: وهي ثوب فيه خطوط.

([76]) القَبَاءُ: ثوبٌ ضيق الكمين والوسط مشقوق من خلفه, يلبس في السفر والحرب؛ لأنه أعون على الحركة.

([77]) يتلحَّى: التلحّي: هو جعل بعض العمامة تحت الحنك.

([78]) الخدر: ستر يكون في ناحية البيت.

([79]) زاد المعاد (2/371).

([80]) زاد المعاد (1/175, 2/320).

([81]) زاد المعاد (1/161).

([82]) تكفأ: تمايل إلى الأمام.

([83]) ينحطُّ: أي يسقط.

([84]) زاد المعاد (2/417).

([85]) زاد المعاد (4/180).

([86]) في الزاد: أجاره, والمثبت من مسند الإمام أحمد, والحديث في صحيح مسلم أيضًا.

([87]) زاد المعاد (1/444).

([88]) البريد: ما يقارب اثني عشر ميلًا.

([89]) زاد المعاد (4/9).

([90]) زاد المعاد (4/23).

([91]) في الأصل: «فَلْيَرُشَّ» والمُثْبَتُ من كتبِ السنة, و«السنُّ» صبُّ الماءِ.

([92]) يشوبه: يخلطه.

([93]) الوثء: وجع يصيب العضو من غير كسر.

([94]) الأخدع: عرق في جانب العنق, والكاهل: ما بين الكتفين من الظهر.

([95]) السَّنَا: نبات يُستعمل كدواء.

([96]) السَّنُّوت: العسل, وقيل: الكمون.

([97]) ما يجلب الراحة.

([98]) زاد المعاد (4/149).

([99]) زاد المعاد (4/171).