×
رفع اليدين في الصلاة : كتاب للإمام ابن القيم - رحمه الله - تكلم فيه عن مسألة رفع اليدين في الصلاة؛ فحرر الأقوال فيها، ووازن بينها.

 رفع اليدين في الصلاة

آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (20) رفع اليدين في الصلاة تأليف الإمام أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية (691 - 751) تحقيق علي بن محمد العمران وفق المنهج المعتمد من الشيخ العلامة بكر بن عبد الله أبو زيد رحمه الله تعالى دار عطاءات العلم - دار ابن حزم

(المقدمة/1)


 مقدمة التحقيق

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا الأمين، وعلى آله وصحابته أجمعين إلى يوم الدين، وبعد: فهذا بحث جليل أفرده الإمام شمس الدين أبو عبدالله محمد بن أبي بكر المشهور بابن قيِّم الجوزية (ت 751) رحمه الله تعالى، في مسألة فقهية واحدة، وهي مسألة: رفع اليدين في الصلاة، وجَعَل الخلافَ فيها معقودًا بين فريقين: الأول: جماهير العلماء من الصحابة والتابعين والأئمة، القائلين بأن رفع اليدين في الركوع، والرفع منه، والقيام من الركعتين سنة ثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. والفريق الثاني: بعض العلماء من الحنفية وغيرهم، القائلين بعدم سنية رفع اليدين في تلك المواضع. فحرَّر الأقوال في المسألة، وذكر دلائلها النّقلية والعقليّة، واستقصى فيها ما شاء له أن يستقصي، واستدلَّ لكلِّ مذهب بما يعجَز أصحابه أن يستدلوا له، وناقشَ مواقف الفُرَقاء منها، وبما أجاب به كلُّ فريق، ووازن بين تلك المذاهب، فنظر فيها نظر المُنصف المريد للحقِّ. ولئن كان المؤلِّف لم يصرِّح باختياره وترجيحه لأحد القولين في المسألة ــ فيما بين أيدينا من الكتاب على الأقل (1) ــ فإنه يقود القارئ _________ (1) إذ ربما صرح به في مقدمة الكتاب المفقودة.

(المقدمة/5)


إلى الرأي الراجح، ويأخذ بيده إلى الصواب دون أن يلجئه إليه إلجاءً، وسبيله في ذلك: كثرة الأدلة، وقوَّة الحجج التي يسوقها لطرفي النزاع، وسداد الأجوبة، ورد الاعتراضات، وهذا ظاهر في كتابنا بحمد الله تعالى لا خفاء به، إذ استغرق الاستدلال والاحتجاج للقائلين بالرفع أكثر من (200) صفحة، وللفريق الآخر نحو (33) صفحة. على أن المؤلف قد نصَّ على اختياره في عدد من كتبه، وصرَّح بذلك تصريحًا لا مزيدَ عليه في كتابه «زاد المعاد»: (1/ 218 - 219) قال: «وروى رفع اليدين عنه في هذه المواطن الثلاثة (يعني للإحرام والركوع والرفع منه) نحوٌ من ثلاثين نفسًا، واتفق على روايتها العشرة، ولم يثبت عنه خلاف ذلك ألبتة، بل كان ذلك هديه دائمًا إلى أن فارق الدنيا، ولم يصح عنه حديث البراء: «ثم لا يعود» بل هي من زيادة يزيد بن [أبي] زياد. فليس تَرْك ابنِ مسعودٍ الرفعَ مما يُقدَّم على هديه المعلوم، فقد تُرِك من فِعْل ابن مسعود في الصلاة أشياء ليس معارضها مقاربًا ولا مدانيًا للرّفع، فقد تُرِك من فعله التطبيق والافتراش في السجود، ووقوفه إمامًا بين الاثنين في وسطهما دون التقدم عليهما، وصلاته الفرض في البيت بأصحابه بغير أذان ولا إقامة لأجل تأخير الأمراء. وأين الأحاديث في خلاف ذلك من الأحاديث التي في الرفع كثرةً وصحةً وصراحةً وعملًا، وبالله التوفيق» اهـ. وللمصنِّف رحمه الله اهتمام بإفراد جُملةٍ من المسائل الفقهية بمؤلفات خاصة، ينتهِج فيها نهجًا واحدًا من تحرير الأقوال، واستيعاب الأدلة، والنظر فيها على طريقة الاجتهاد، وترجيح ما ينصره الدليل والبرهان، مثل: «إغاثة اللهفان

(المقدمة/6)


في حكم طلاق الغضبان»، و «حكم إغمام هلال رمضان»، و «نكاح المحرم»، و «حكم تارك الصلاة»، و «ما يحلّ ويحرم من لباس الحرير»، وغيرها. وقد تأخَّر طبعُ هذا الكتاب مع وجود نسخته الخطيَّة على طَرَف الثُّمام، بل هي بأيدي الباحثين منذ زمن ليس بالقصير (1) = بسبب أن نسخته الوحيدة ــ آنذاك ــ كان لا يمكن الاعتماد عليها؛ لنقصها، ولكثرة البياضات والخروم فيها، ولكونها حديثة النَّسْخ. ولم يكن في النية الجازمة التوجُّه لأخراج هذا الكتاب ضمن هذه السلسلة من مؤلفات الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في هذا الوقت على الأقل؛ للأسباب السالفة ذاتها، ولكن لما يسَّر الله تعالى الحصول على نسخة نفيسة للكتاب، وظهر أنها أصل تلك النسخة المتأخرة= قويَ العزمُ على تحقيق الكتاب، وسَلْكه ضمن كتب هذا المشروع المبارك إن شاء الله تعالى. على أنه لم يحصل تمامُ الفرح بها؛ إذ النقص حاصل فيها أيضًا، لكنها نسخة نفيسة بخط أحد تلاميذ المصنف، ونَسَخها من خطه، وكتَبها في حياة مؤلفها (كما سيأتي بالتفصيل عند الكلام عليها). وقد تفضل الأخ الكريم الشيخ عبدالله بن محمد المديفر بإخباري بأمر هذه النسخة حالَ وقوفه عليها، ثم بادر بتصويرها وإرسالها على ( CD) فجزاه الله خيرًا ونفع به. _________ (1) انظر «ابن قيم الجوزية: حياته آثاره موارده» (ص 251 - 252) لشيخنا العلامة بكر ابن عبدالله أبو زيد رحمه الله تعالى.

(المقدمة/7)


وبين يدي الكتاب سأقدم عدة مباحث هي: - تمهيد، وفيه: سبب عناية العلماء بهذه المسألة، وذكر المؤلفات فيها. - مباحث دراسة الكتاب، وفيها: - اسم الكتاب. - تاريخ تأليفه. - إثبات نسبته للمؤلف. - عرض موضوعات الكتاب. - موارد الكتاب. - وصف النسخ الخطية. - طبعات الكتاب. - منهج التحقيق. - نماذج من النسخ الخطية. وفي آخر الكتاب توَّجْنا العملَ بفهارس مفصَّلة؛ لفظية وعلمية، كما هو دأبنا في هذه السلسلة. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. كتبه عليّ بن محمّد العِمْران في 28/جمادى الآخرة/1430 مكة المكرمة حرسها الله للتواصل: [email protected]

(المقدمة/8)


تمهيد في سبب عناية العلماء بهذه المسألة، وذكر المؤلفات فيها * سبب عناية العلماء بهذه المسألة ألَّف جمعٌ من العلماء المتقدِّمين والمتأخِّرين مصنَّفات مفردة في هذه المسألة، ولم يقتصر التأليف فيها على مذهبٍ دون آخر، بل ألّف فيها أصحاب المذاهب الأربعة وغيرها، وقد أشار إلى سبب عنايتهم بذلك عدد منهم، قال الإمام أبو زكريا النواوي الشافعي (676): «اعلم أن هذه مسألة مهمة جدًّا، فإن كلَّ مسلم يحتاج إليها في كل يوم مرَّات متكاثرات، لا سيّما طالب الآخرة ومكثر الصلاة؛ ولهذا اعتنى العلماء بها أشدّ اعتناء، حتى صنَّف الإمام أبو عبدالله البخاريُّ كتابًا كبيرًا في إثبات الرفع في هذين الموضعين والإنكار الشديد على من خالف ذلك، فهو كتاب نفيس ... » (1). وكذلك الحافظ زين الدين ابن رجب الحنبلي (795) قال: «وسبب اعتنائهم بذلك: أنَّ جميعَ أمصار المسلمين، كالحجاز واليمن ومصر والعراق كانَ عامَّة أهلها يرون رفع الأيدي في الصلاة عند الرّكوع والرَّفع منه، سوى أهل الكوفة، فكانوا لا يرفعون أيديهم في الصلاة إلا في افتتاح الصلاة خاصَّة، فاعتنى علماء الأمصار بهذه المسألة، والاحتجاج لها، والرَّدّ على من خالفها. _________ (1) «المجموع شرح المهذب»: (3/ 399).

(المقدمة/9)


قال الأوزاعي: ما اجتمع عليه علماء أهل الحجاز والشام والبصرة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانَ يرفع يديه حذو منكبيه حين يكبر لافتتاح الصلاة، وحين يكبِّر للرُّكوع، وإذا رفع رأسَه من الرُّكوع، إلا أهل الكوفة، فإنهم خالفوا في ذلك أئمتهم. خرجه ابن جرير وغيره. وقال البخاري في كتابه «رفع اليدين» بعد أن روى الآثار في المسألة: فهؤلاء أهل مكة والمدينة واليمن والعراق قد اتفقوا على رفع الأيدي. وقال محمد بن نصر المروزي: لا نعلم مصرًا من الأمصار تركوا الرَّفع بأجمعهم في الخفض والرَّفع منه، إلا أهل الكوفة» (1). انتهى كلامه.

  *المؤلفات في المسألة:

وهذا ذِكْر من ألف من العلماءفي هذه المسألة، مرتبين على حسب وفياتهم: 1 - أبو عبدالله محمد بن إسماعيل البخاري (ت 256). له «جزء رفع اليدين». مطبوع. 2 - أحمد بن عَمرو البزَّار (ت 292) (2). 3 - محمد بن نصر المروزي (ت 294) (3). _________ (1) «فتح الباري»: (4/ 304) لابن رجب. (2) ذكره ابن عبد البر في «الاستذكار»: (1/ 410 - دار الكتب). (3) نقل منه ابن عبدالبر في «التمهيد»: (9/ 213)، وذكره في «الاستذكار»: (1/ 410)، والذهبي في «السير»: (14/ 37)، وقال الصفدي في «الوافي»: (5/ 76 - إحياء التراث): إنه في أربع مجلدات. ووصفه بعض العلماء بأنه من المعجزات!! ونقل منه المصنف (ص 135) بواسطة ابن عبدالبر فيما يظهر.

(المقدمة/10)


4 - أحمد بن شعيب النسائي (ت 303) (1). 5 - أبو نُعَيم أحمد بن عبدالله الأصفهاني الشافعي (ت 430) (2). 6 - أبو عبدالله الحاكم النيسابوري الشافعي (ت 405)، ذكره البيهقي في «مناقب أحمد» (3). 7 - أحمد بن الحسين البيهقي الشافعي (ت 458) (4). 8 - أبو زكريا محيي الدين النواوي الشافعي (ت 676) ذكر في «المجموع»: (3/ 399) أنه سيجمع في هذه المسألة كتابًا مستقلًّا. 9 - تقي الدين السبكي الشافعي (ت 756) له رسالة في أحاديث رفع اليدين (5). مطبوع. وهو رد على الأتقاني الآتي ذكره. 10 - أمير كاتب بن أمير عمر بن العميد أمير غازي أبو حنيفة الأتقاني الحنفي (ت 758). صنف في رفع اليدين عند الركوع والرفع، وادّعى _________ (1) ذكره ابن رجب في «فتح الباري»: (4/ 304). (2) ذكره السمعاني في «التحبير»: (1/ 178)، وعنه الذهبي في «السير»: (19/ 306). (3) انظر «فتح الباري» (4/ 322) لابن رجب. (4) ذكره النواوي في «المجموع»: (3/ 399) وقال: إنه سيذكر مهمات مقاصده. (5) ذكرها ابنه في ترجمته من «طبقات الشافعية»: (10/ 311) باسم أحاديث رفع اليدين. وقد طبعت في «مجموعة الرسائل المنيرية»: (1/ 253 - 256). وهي في ثلاث صفحات. ولها نسختان في مركز الملك فيصل.

(المقدمة/11)


بطلان صلاة من فعل ذلك، فردَّ عليه السبكي بكتابه السالف، ثم ردَّ هو على السبكي في جزء (1). 11 - عمر بن عيسى بن عمر زين الدين المعروف بابن الباريني الشافعي (ت 764). له كتاب: إيضاح أقوى المذهبين في رفع اليدين. مطبوع (2). 12 - عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله العقيلي الطالبي الهاشمي الشافعي (ت 769). له كتاب مطول على مسألة رفع اليدين، ثم لخَّصه في كرَّاس واحد (3). 13 - أحمد بن حسن بن عبدالله بن أبي عمر المقدسي ابن قاضي الجبل الحنبلي (ت 771)، من بنى قدامة وتلميذ شيخ الإسلام ابن تيمية، له رسالة في مسألة رفع اليدين (4). 14 - محمود بن أحمد بن مسعود جمال الدين أبو الثناء القنوي الدمشقي الحنفي (ت 771). له مقدمة في رفع اليدين في الصلاة (5). _________ (1) «الدرر الكامنة»: (1/ 415). و «الفوائد البهية»: (ص 50 - 51) للكنوي، وانظر تعليقه في نقد الأتقاني. ورده على السبكي له نسخة خطية في مكتبة الحرم المكي. و (أتقان) إحدى قصبات فاراب، وضبطها ابن تغري بردي بفتح الهمزة وسكون التاء. «المنهل الصافي»: (3/ 103). ومن كتابه عدة نسخ خطية، انظر «الفهرس الشامل- الفقه وأصوله»: (4/ 403). (2) صدر عن دار البخاري عام 1412 في (202 صفحة) بتحقيق الدكتور عبدالعزيز الأحمدي. (3) انظر «غاية النهاية في طبقات القراء»: (1/ 190). (4) انظر «الدرر الكامنة» (1/ 121)، و «معجم الكتب» (ص 110) ليوسف بن عبدالهادي. وترجمته في «المقصد الأرشد»: (1/ 92 - 95)، و «المنهج الأحمد»: (5/ 135 - 137) ولم يذكرا الكتاب. (5) انظر «تاج التراجم»: (ص 290).

(المقدمة/12)


15 - أحمد بن محمد بن إسماعيل، أبو هاشم المصري الظاهري مذهبًا، التيميّ (1)، المعروف بابن البرهان (ت 798). له مسألة رفع اليدين في السجود (2). قال ابن ناصر الدين: له مصنف لطيف في رفع اليدين في الصلاة (3). قال السخاوي: أملاه وهو في الحبس بغير مطالعة، مما يدل على وفور اطلاعه. 16 - قاسم بن قطلوبغا زين الدين، وربما لقِّب الشرف، أبو العدل السودوني الحنفي (ت 879)، أفرد مسألة رفع اليدين برسالة (4). 17 - يوسف بن إسكندر بن محمد أبو المحاسن، الحلبي، الحنفي (ت 929). ألف رسالة في تقوية مذهب الإمام أبي حنيفة في عدم رفع اليدين قبل الركوع وبعده (5). 18 - عبد الرحمن بن عبد الكريم بن إبراهيم بن علي بن زياد الغيثي المقصري، الشافعي (ت 975). من مؤلفاته: إثبات سنة رفع اليدين عند الإحرام والركوع والاعتدال والقيام من الركعتين (6). 19 - شهاب الدين الخفاجي (ت 1069) له: النفحة القدسية في _________ (1) نسبة لابن تيمية، ونُسِب إليه لأنه ــ كما قال السخاوي ــ نظر في كلام ابن تيمية فغلب عليه، بحيث صار لا يعتقد أن أحدًا أعلم منه. (2) انظر «الضوء اللامع»: (2/ 97). (3) انظر «توضيح المشتبه»: (6/ 8). (4) «الضوء اللامع»: (6/ 187). (5) «الكواكب السائرة بأعيان المئة العاشرة»: (1/ 197). (6) «النور السافر عن أخبار القرن العاشر»: (ص 309)

(المقدمة/13)


حديث رواه السادة الحنفية وطعن فيه من خالفهم من السادة الشافعية (1). 20 - علي بن محمد بن عثمان الشمعة الشافعي (ت 1219). له رسالة في رفع اليدين في الصلاة، سماها: رفع التعدِّي عن رفع الأيدي (2). 21 - الشاة أبو إسحاق بن أبي الغوث الفاروقي (ت 1234)، له رسالة «نور العينين في إثبات رفع اليدين»، كانت نسخة منه عند صاحب «عون المعبود» (3). 22 - محمد إسماعيل بن عبدالغني بن وليّ الله الدِّهْلوي الهندي (ت 1246). من مؤلفاته: تنوير العينين في إثبات رفع اليدين. طبع (4). 23 - مجد الدين المؤيدي (ت 1332) له: رفع الملام في رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام. مخطوطة باليمن (5). 24 - محمد المكِّي ابن عزُّوز المالكي (ت 1334) له: تنوير الحوالك في أنَّ رفع اليدين في الصلاة هو الرَّاجح من مذهب الإمام مالك (6). 25 - أنور شاه الكشميري الحنفي (ت 1352). له: نيل الفرقدين في _________ (1) له نسخة في المكتبة التيمورية ضمن مجموع رقم (331/ 14). (2) «الأعلام»: (5/ 19). (3) انظر كتاب «حركة التأليف باللغة العربية في الإقليم الشمالي الهندي» (ص 166) للدكتور جميل أحمد. (4) في الهند عام 1299 هـ في (48 ص)، وأخرى عام 1374 هـ في (36 ص). انظر «معجم المطبوعات العربية في شبه القارة الهندية»: (ص 408 - 409) للدكتور أحمد خان. (5) ذكره الحبشي في «معجم الموضوعات المطروقة»: (1/ 563) وترجمته في «هجر العلم»: (3/ 1205 - 1206). (6) ذكره في «إيضاح المكنون»: (1/ 28، 333).

(المقدمة/14)


مسألة رفع اليدين، طبعت في (125) صفحة، ثم أردفها برسالة أخرى سماها: بسط اليدين لنيل الفرقدين في (64) صفحة (1). 26 - مشتاق أحمد بن مخدوم بخش الحنفي (ت 1360) له: قرة العين بتحقيق رفع اليدين (2). 27 - يحيى بن محمد بن لُطْف المَعْمَري (ت 1370) له: الكلم المتمم في وجوب الرفع والضم (3). 28 - النقض والإبرام في عدم استحباب رفع اليدين في غير تكبيرة الإحرام. ذكره حاجي خليفة بلا نسبة (4). 29 - التحقيق الراسخ في أن أحاديث الرفع ليس لها ناسخ. ذكره المباركفوري في «مرعاة المفاتيح» (5) قال: ولبعض شيوخنا تأليف مفرد مستقل في مسألة رفع اليدين وسماه. 30 - حبيب الله السندي (ت 1420) له رسالة سماها: الكشف عن كشف الرّين عن مسألة رفع اليدين (6). 31 - ابن زياد (؟) له: إثبات سنة رفع اليدين عند الإحرام والركوع (7). _________ (1) انظر مقدمة «التصريح بما تواتر في نزول المسيح» (ص 30). (2) «نزهة الخواطر»: (3/ 1380 - ط ابن حزم) للحسني. (3) «هجر العلم ومعاقله في اليمن»: (4/ 2088 - 2094) لشيخنا القاضي إسماعيل الأكوع رحمه الله. (4) انظر «كشف الظنون»: (2/ 1975). (5) «مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح»: (3/ 85). (6) طبعت عام 1413 عن دار الكتاب والسنة في (136 صفحة). (7) «معجم الموضوعات المطروقة»: (1/ 563) للحبشي.

(المقدمة/15)


مباحث دراسة الكتاب * اسم الكتاب غالب المصادر تنصُّ على أنّ اسم كتابنا هذا هو: (رفع اليدين في الصلاة). ذكر ذلك تلميذه زين الدين ابن رجب الحنبلي (795) في «الذيل على طبقات الحنابلة»: (5/ 175 - ط العثيمين)، ومعاصره خليل الصفدي (761) في كتابيه «الوافي بالوفيات»: (2/ 196)، و «أعيان العصر»: (4/ 369) وقال عنه: «سفر متوسط»، فالظاهر أنه اطلع عليه. والسيوطي (911) في «بغية الوعاة»: (1/ 63)، والعليمي (928) في «المنهج الأحمد»: (5/ 95)، والداوودي (945) في «طبقات المفسرين»: (2/ 96)، وابن العماد في «شذرات الذهب»: (6/ 170)، والحاج خليفة (1067) في «كشف الظنون» (911) (1)، والقنوجي في «أبجد العلوم»: (3/ 142). واقْتَصَرَت بعضُ المصادر على تسميته بـ (رفع اليدين). كما في آخر نسخة الأصل التي بخطِّ أحد تلاميذ المصنِّف قال: «تمَّ كتاب رفع اليدين تأليف شيخنا الإمام العلامة شمس الدين ... » (2). وكما ذكر ابن رجب في _________ (1) وذكر قبل ذلك (ص 909) كتاب «رفع التنزيل» ونسبه لابن القيم، وتَبِعه من نَقَل عنه، ولا يعدو أن يكون تصحيفًا عن «رفع اليدين». (2) (ق 100). أما العنوان المكتوب على أول المخطوط (كتاب رفع اليدين في الصلاة) فهو بخط متأخر لأحد المطالعين أو ملاك النسخة. وسيأتي أن النسخة قد سقط منها عدة أوراق من أولها ذهبت بصفحة العنوان وما بعدها.

(المقدمة/16)


«المنتقى من شيوخ والده شهاب الدين ابن رجب» (ص 101)، والحافظ ابن حجر (852) في «الدرر الكامنة»: (3/ 402)، والشوكاني (1250) في «البدر الطالع»: (2/ 144) ومادته من ابن حجر. ولا يعدُّ هذا خلافًا في التسمية؛ إذ لا يعدو أن يكون إغفال قوله (في الصلاة) اختصارًا منهم للتسمية. * تاريخ تأليفه من المتيقَّن أن المؤلف قد كتب هذا الكتاب قبل سنة (740)، وهو التاريخ الذي كُتِبت فيه نسخة الأصل كما ذكر ناسخها وهو من تلاميذه، ونقلها من خط ابن القيم نفسه. (وسيأتي نقل كلامه). لكن لم أعثر على ما يفيد في تحديد التاريخ الذي ألفه فيه بدقة، ومن بعض القرائن قد نلمس ما يفيد في الأمر، فهناك مبحث طويل في الرد على ابن القطان الفاسي ذكره المصنف هنا (ص 152 - 154، 225 - 241) وذكره أيضًا في كتابه الآخر «تهذيب سنن أبي داود»: (1/ 354 - 374) بالعبارات نفسها، وكتاب تهذيب السنن ألفه ابن القيم أيام مقامه في مكة المكرمة سنة (732). فهل هو متقدم على هذا الكتاب؟ أو أن كتابنا متقدم عليه؟ الأمر محتمل لكني أميل إلى الأول؛ لأنه لو كان ألف هذا الكتاب أولًا لكان أشار في تهذيب السنن عند ذكر المسألة أنه قد أفرد فيها مصنّفًا خاصًّا. وعليه فيكون تأريخ تأليفه بين سنتي (732 و 740) والله أعلم.

(المقدمة/17)


* إثبات نسبته للمؤلف الكتاب ثابت النسبة لمؤلفه الإمام ابن القيم، وذلك من وجوه عديدة: الأول: ما هو مكتوب في آخر نسخة الأصل، قال ناسخها في خاتمتها: «تمَّ كتاب «رفع اليدين» تأليف شيخنا الإمام العلامة شمس الدين أبي عبدالله محمد بن أبي بكر الزُّرعي المعروف بابن قيِّم الجوزية، أمتع الله بفوائده ورضي الله عنه، في يوم الاثنين منتصف شعبان سنة أربعين وسبعمائة بمدينة حلب حرسها الله تعالى وسائر بلاد الإسلام. ونقلت هذه النسخة إلا يسيرًا منها وهو دون خمس ورقات من أصل المؤلف الذي بخطِّه، وقوبلت به» اهـ. فأفادنا هذا النصُّ عدَّة أمور: أنها مكتوبة في حياة المؤلف في سنة (740 هـ) أي قبل وفاته بأحد عشر عامًا، وأنّ كاتِبها من تلاميذه، ونقلها من نسخته التي بخطِّه. فهذه الأمور لو أردنا الاكتفاء بها في إثبات نسبة الكتاب للمؤلِّف لكفت، ولله الحمد. الثاني: ذَكَر غالبُ من ترجم للمؤلف ــ سبقَ ذكرُهم عند الكلام على تسميته ــ أنّ له كتابًا بهذا العنوان، ووصفه تلميذه ابن رجب بأنَّه مجلَّد، ووصفه معاصره الصفديُّ بأنه مجلَّد متوسِّط، وهذا يوافق صفة الكتاب التي وصلت إلينا. الثالث: أن بعض مباحث الكتاب متطابقة تمامًا مع ما في كتب الشيخ الأخرى، وذلك في عدة مواضع، نكتفي بذكر مثالين واضحين:

(المقدمة/18)


الأول: عند كلام المصنِّف على حديث أبي حُميد السَّاعديّ (ص 152 - 154، 225 - 241) وما أعلَّه به ابن القطّان الفاسي، وساق كلامه بطوله، ثم أجاب عنه بكلام مفصل طويل= فقد ذكر المصنف هذا المبحث بتمامه في كتابه الآخر «تهذيب سنن أبي داود»: (1/ 354 - 374). وقد استفدت من هذا المبحث فائدة مهمة؛ إذ وقع في نسختنا خرم في الورقتين (81، 82) فاستفدنا تكملته من هذا الموضع. الثاني: أنّ المؤلِّف (ص 167 - 178) تكلَّم على جملة من المسائل التي خالف فيها الصحابي ما رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وموقف الفقهاء منها= وذكر المصنف هذا المبحث بتمامه في كتابه «إعلام الموقعين عن رب العالمين»: (4/ 394 - 409). الرابع: أنه نقل عن شيخه أبي الحجَّاج يوسف بن عبدالرحمن المِزِّي (ت 742) (كما في ص 194، 206، 236) وذلك من كتابه «تهذيب الكمال في أسماء الرجال»، وابن القيم ينقل عن شيخه المزِّي في كتبه الأخرى (كما في زاد المعاد: 1/ 435، 5/ 722. والفروسية: 10، 229. والوابل الصيب: 286. وجلاء الأفهام: 26، 81، 288، وغيرها). * * *

(المقدمة/19)


* عرض موضوعات بالكتاب - بدأ المؤلف كتابه بمقدمة ــ كما هي عادة المصنّفين ــ، لكنها ساقطة من أصلنا في نحو ثمان ورقات. - تبدأ النسخة بذكر بقيَّة حُجج من قال بعدم رفع الأيدي (ص 3 - 4)، وبقي منها في نسختنا حُجَّتان فقط، والبقية مما أصابه التلف. وجملة ما ذكره المؤلف من حججهم سبع عشرة حجّةً، عرفنا عددها جميعًا من كلام المؤلف بعد ذلك في الرّدّ عليها واحدة واحدة بقوله: (وأما قولهم ... وأما حديث فلان .. ) حتى استوفاها جميعًا بالذكر والنقض، فبلغت سبع عشرة حجة، وكانت آخر حُجَّتين منها هما اللتان بقيتا في نسختنا (1). - ثم ذكر أجوبة القائلين برفع الأيدي، فذكر أولًا الأحاديث التي اعتمد عليها القائلون بالرفع، وهي ثمانية وثلاثون حديثًا عن الصحابة رضي الله عنهم، فسمَّاهم أولًا ثم ساق أحاديثهم بألفاظها، وذكر من أخرجها، وتكلم على درجتها من حيث القوَّة والضعف، ثم ذكر الموقوفات على الصحابة، وآثار السلف (ص 4 - 33). - ثم أخذ في الجواب عن الأحاديث والحجج التي استدلَّ بها القائلون بعدم الرَّفع، فأجاب عنها حديثًا حديثًا، وحجّة حجّة، فأتى عليها _________ (1) وقد ذكرنا في أول الكتاب في حاشيته هذه الحجج الخمس عشرة السَّاقطة من نسختنا، وذلك من كلام المؤلف عندما ساقها للرد عليها، وسقناها بنحو سياقه وترتيبه لها.

(المقدمة/20)


من جهة ثبوت الدليل، ومن جهة ثبوت الدلالة، وتكلم على أسانيدها ومتونها وعللها، حتى قارب كلامه المئة صفحة في هذه الطبعة (ص 34 - 128)، فاستغرق هذا المبحث أكثر من ثلث الكتاب. - وبعدما انتهى من ذلك العَرْض المُسهب، بدأ بذكر أجوبة القائلين بالخفض على أحاديث وحُجج القائلين بالرّفع، والكلام عليها واحدًا واحدًا، والكلام على الآثار التي استدلُّوا بها. (ص 128 - 156). - ثم كرَّ بردود القائلين بالرَّفع على ما أورده القائلون بعدمه، والجواب عن تضعيفهم لأحاديث الرفع وإثبات صحَّتها. وقد استغرق هذا البحث أكثر من ثمانين صفحة في هذه الطبعة (ص 157 - 241). وبهذا البحث يكون المؤلِّف قد انتهى من ذكر الخلاف في هذه المسألة، ومِن ذِكْر أدلَّة وحُجَج الفريقين، ونقاش كلِّ فريق لأدلة خصمه. - ثم تطرَّق المؤلف لبعض المسائل الخلافية عند القائلين برفع الأيدي، فذكر أربعًا منها، وهي: الأولى: من ذهب إلى الرفع عند الافتتاح والركوع والرفع منه وإذا قام من الثنتين (ص 241 - 246). الثانية: من استحبَّ الرفع عند كلّ خفضٍ ورفع (ص 246 - 247). الثالثة: مذهب ابن حزم في وجوب رفع اليدين في تكبيرة الإحرام، وسنيّته فيما عداها. (248 - 255). الرابعة: فيمن يرى الرَّفع كلَّه واجبًا. (ص 255 - 257).

(المقدمة/21)


وختم بمسألة خامسة: في قولِ من أبطل الصلاة بالرفع، فَغَلا في خلاف السنة، والرّدّ عليه. (ص 257 - 258). - ثم ختم المصنِّف كتابه بذكر ثماني عشرة مسألةً تتعلَّق بالرفع وكيفيته وابتدائه وانتهائه، وقال: إنَّه ذكرها ليكون الكتابُ جامعًا لأحكام هذه المسألة كافيًا في معناه. (ص 258 - 282). تنبيه: في مركز جمعة الماجد رقم (4864) سؤال في رفع اليدين عند الركوع والرفع منه، في (4) ورقات، كتب سنة (1085) قال ناسخه في آخره: «انتهى ما وجدته معزوًّا إلى ابن القيّم». وقد اطلع أخي الأستاذ محمد عزير شمس على هذه الرسالة، ونقل لي أولها وآخرها، ومال إلى عدم صحة نسبتها لابن القيم ولا لشيخه. والله أعلم. * * *

(المقدمة/22)


 * موارد الكتاب

ونشير هنا إلى أمرين: 1 - بعض المصادر نقل عنها المصنف كثيرًا بل كاد أن يستوعبها، كما في كتاب البخاري «رفع اليدين» (1)، ومنها ما نقل منه نقولًا طويلة، كما نقل عن كتاب «اختلاف علي وابن مسعود» (ضمن كتاب الأم للشافعي) إذ نقل عنه نحو عشرين صفحة، ونقل عن ابن القطان صفحات، وأكثر النقل عن كتب ابن عبد البر. 2 - بعض المصادر التي لم ينص عليها ذكرناها على الاحتمال (2). يمكن تقسيم الموارد التي اعتمد عليها المؤلف إلى ثلاثة أقسام: الأول: ما صرَّح باسمه. الثاني: ما صرح باسم مؤلفه ولم ينص على كتابه. الثالث: ما لم يصرح به، وعرف بالمقارنة والتطابق. النوع الأول: وفيه الكتب الآتية: _________ (1) واعتمدت في العزو على الطبعة التي خرج أحاديثها الشيخ بديع الدين الراشدي السندي وسماه «جلاء العينين بتخريج روايات البخاري في جزء رفع اليدين» طبع دار ابن حزم الأولى 1416 هـ. وراجعت أيضًا للمقابلة عند الإشكال: نسخة الكتاب العتيقة النفيسة المحفوظة في المكتبة الظاهرية بدمشق، وهي نسخة قديمة كتبت قبل سنة 450 هـ، وعليها ما لايحصى من السماعات والقراءات لكبار المحدثين. (2) وانظر في بقية الملاحظات على الموارد مقدمة تحقيقي لكتاب «بدائع الفوائد»: (1/ 45، 53).

(المقدمة/23)


1 - اختلاف عليّ وابن مسعود: 65 (ضمن الأم للشافعي). 2 - الاستذكار، لابن عبدالبر: 65. * الأم= اختلاف علي وابن مسعود. 3 - الانتقاء، لابن عبدالبر:171 4 - الأوسط، لابن المنذر= الخلاف: 276 5 - التاريخ الكبير، للبخاري: 242، 246 6 - التتمة، للمتولي الشافعي: 281 7 - تهذيب الكمال، للمزي: 194، 206 8 - الثقات؟، لابن حبان: 226، 238 9 - الجامع (الكبير) للقاضي أبي يعلى: 275، 296 10 - الجامع للترمذي: 245، 249 11 - الجامع للخلال: 254 12 - الخلاف؟:286 * الخلاف= الأوسط لابن المنذر 13 - الخلافيات للبيهقي: 27 14 - رفع اليدين، للبخاري: 25، 26، 55، 83، 146، 189، 190،220 15 - السنن لابن ماجه: 16، 19، 21، 22، 123

(المقدمة/24)


16 - السنن للنسائي: 243 17 - السنن لأبي داود: 256، 283، 289، 290 18 - السنن لسعيد بن منصور: 246، 291 19 - السنن للأثرم: 295 20 - شرح الهداية، لأبي البركات ابن تيمية: 257، 296 21 - صحيح ابن خزيمة:18 22 - صحيح البخاري: 24، 115، 253، 255 23 - صحيح مسلم:16، 109، 216، 217 (3)، 288 24 - الصحيح: 180 (خ وم). 25 - الصحيحان: 15، 283، 289 26 - الصلاة (المفرد)، لابن حبان: 57 27 - العلل، لابن أبي حاتم: 51 28 - العلل، للخلال: 53 29 - العلم، للخلال: 275، 276 30 - الكامل، لابن عدي: 159 31 - المدوَّنة: 138 32 - مسائل ابن هانئ عن أحمد: 253، 277

(المقدمة/25)


33 - مسائل أبي داود عن أحمد: 277 34 - مسائل المرّوذي عن أحمد: 274 35 - مسائل حرب الكرماني عن أحمد: 284 36 - مسند أحمد:26، 165، 215، 216، 217، 218، 289 (2)،290 37 - المصنف، لابن أبي شيبة: 84، 242، 260 38 - موطأ مالك: 173، 174، 176 النوع الثاني: الأعلام الذين نقل عنهم نذكر في هذا القسم الأعلام الذين نقل المصنف عنهم دون تعيين اسم الكتاب المنقول عنه، فإن تبين بعد البحث اسم كتابه ووجدنا النقل فيه، ذكرناه بين قوسين ( ... )، وإن لم نجزم باسم الكتاب وضعنا بعده علامة (؟)، وإن كان للعَلَم أكثر من كتاب أو لم نستطع معرفة الكتاب المنقول عنه تركناه غُفْلًا. 1 - ابن أبي شيبة: 144، 263 (المصنف). 2 - ابن الجوزي: 106 (الضعفاء والمتروكون) (1). 3 - ابن القطان الفاسي: 161 - 163 (بيان الوهم والإيهام) 4 - ابن جرير الطبري: 40 (التفسير). _________ (1) وهو معتمده في تراجم الضعفاء، مع كتاب تهذيب الكمال للمزي.

(المقدمة/26)


5 - ابن حبان: 94، 106، 157 (المجروحين). 6 - ابن حزم: 259، 261، 263، 268 (المحلى). 7 - ابن عبدالبر: 47، 135، 172 (التمهيد). و: 135، 168 - 169، 171، 172 (الانتقاء). و: 117، 118، 125، 126، 130 (جامع بيان العلم). و: 135، 219 (الاستذكار). و: 210 (الاستيعاب). 8 - ابن عدي: 44، 226 (الكامل). 9 - ابن يونس: 138 (الجامع). 10 - أبو البركات ابن تيمية: 284 (شرح الهداية؟). 11 - أبو الحجاج المزي: 236 (تهذيب الكمال). 12 - أبو داود: 17، 22، 45، 249، 261، 277 (السنن). و: 294 (المسائل). 13 - البخاري: 15، 120، 180 (الصحيح). و: 29، 34، 37، 44، 56، 86 - 90، 99، 107، 111، 190، 192، 194، 195، 196، 197، 205 (رفع اليدين). 14 - البيهقي: 9، 11، 12، 23، 27، 28، 44، 149 (الكبرى). و:241، 248 (معرفة السنن والآثار). 15 - الترمذي: 61، 218 (الجامع).

(المقدمة/27)


16 - الحاكم: 8، 9، 10، 18، 95، 201 (1). 17 - الخلال: 280 (الجامع؟). 18 - الدارقطني: 154، 295 (السنن). 19 - الذهبي: 205 (الرواة المتكلم فيهم؟). 20 - الرافعي: 282 (العزيز شرح الوجيز؟). 21 - سعيد بن منصور: 16، 296 (السنن؟). 22 - الشافعي: 47 (الأم)، 113 (2)؟ 23 - الطحاوي: 142، 143، 147، 151، 153، 162 (شرح معاني الآثار). و: 147 (شرح مشكل الآثار). 24 - عبدالله بن أحمد: 9 (زوائد المسند). 25 - العقيلي: 159 (الضعفاء). 26 - الغزالي: 288 (الوجيز؟). 27 - القاضي أبو يعلى: 275 (لعله: الجامع)، 278، 293، 294، 296. 28 - محمد بن نصر المروزي: 144، 197 (من كتابه في رفع اليدين، بواسطة التمهيد لابن عبدالبر). _________ (1) ليس النقل من المستدرك فلعله من كتاب آخر له أو نقلها المؤلف بواسطة تلميذه البيهقي. (2) في هذا الموضع نقل المؤلف مناظرة بين الشافعي وبعض أهل الرأي (هو محمد بن الحسن غالبًا)، لكن لم أجدها في الأم، فلعلها مما حكاه عنه البيهقي في «الخلافيات»، فقد أشار ابن الملقن في «البدر المنير» إلى بعضها.

(المقدمة/28)


29 - النسائي: 262 (السنن). 30 - النووي:253 (المجموع)، 283؟ النوع الثالث: مالم يصرِّح فيه باسم الكتاب ولا مؤلِّفه: 1 - الإحكام لابن حزم: 115 - 132 2 - التمهيد: 32 - 34، 144 3 - تهذيب الكمال: 147، 230، 232 - 234، 235، 239 - 240 4 - الجامع لابن عبدالبر: 115 - 132 5 - الجرح والتعديل لابن أبي حاتم: 239؟ 6 - الخلافيات: 50، 52، 84، 92، 95 7 - والسنن الكبرى كلاهما للبيهقي: 47، 49، 50، 87 8 - شرح معاني الآثار للطحاوي:153 9 - الضعفاء للعقيلي:158 10 - الضعفاء والمتروكون لابن الجوزي: 95 - 96، 97، 105، 155، 156 11 - الكامل لابن عدي: 227 12 - المحلى لابن حزم:256 13 - معرفة السنن والآثار: 47، 251

(المقدمة/29)


 * وصف النسخ الخطية

لهذا الكتاب نسختان: الأولى (الأصل): وهي نسخة نفيسة، محفوظة في مكتبة الملك عبدالعزيز بالمدينة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة والسلام ــ مجموعة المكتبة المحمودية، وقد جُلِّد فيها مع كتاب «نظم بلوغ المرام» للأمير الصنعاني، وسجِّلا برقم واحد (913)، وكتب على غلاف المجلد ــ بخط حديث ــ: «من كتب فقه أهل الحديث والأثر: 1 - منظومة بلوغ المرام، لعالم اليمن السيد محمد بن السيد إسماعيل الأمير الصنعاني الأثري. 2 - رسالة في ترجيح رفع اليدين قبل الركوع وبعد الركوع، للحافظ شمس الدين محمد ابن قيم الجوزية الزرعي الدمشقي»، وعلى كتاب الصنعاني عدة تملّكات، وختم المكتبة المحمودية. وكتب على أول نسختنا بخط أقدم من خط كاتب التصدير السابق: «كتاب رفع اليدين في الصلاة لابن قيم الجوزية». والنسخة تقع في (98 ورقة) بحسب الترقيم الموجود على النسخة، ولم يتنبه المرقِّم إلى سقوط ورقتين في أثنائها وهما رقم (81 - 82)، دلَّ على وجود السَّقط انقطاع الكلام، ودلَّ على أنهما ورقتان وليس ورقة واحدة: أنّ المبحث بتمامه ــ ومن ضمنه هذا النصّ ــ موجود في كتاب ابن القيم «تهذيب سنن أبي داود»: (1/ 354 - 374) (ق 39 أ-40 ب) بنصِّه، ومقدارُه يزيد على الورقة يقينًا. فيكون عدد أوراقها (100 ورقة)، وإذا

(المقدمة/30)


حسبنا السقط الواقع في أول النسخة وأنه في ثماني ورقات، يكون عدد أوراقها بتمامها (108 ورقات). وقد رمزتُ لها بـ (الأصل). والنسخة اعتورها أمران: 1 - نقصٌ في موضعين؛ أولهما: نقص في أولها إذ تبدأ بقوله «الانتقال من الركوع ... » فما مقدار النقص؟ فنقول: مقداره سبع إلى ثماني ورقات، دلنا على مقداره التركينة التي التزمها الناسخ لكل عشر ورقات، فنجد أن أول تركينة كانت في رأس الورقة (3) وفيها «ثاني رفع اليدين» هذا يعني أن هناك نحو ثماني ورقات قد سقطت من أول النسخة بما فيها ورقة العنوان. وهذا السقط سببه ما سنذكره في النقطة الثانية. وثانيهما: نقص في الورقتين (81، 82) فهل سقطتا أو تَلِفَتا بسبب شدَّة الرُّطوبة؟ 2 - أنه قد أصاب النسخةَ رطوبةٌ شديدة أدت إلى تلف عدة أوراق من أول الكتاب ــ كما سلف ــ، وإلى تآكل أطراف عدد من أوراق النسخة مما أدى إلى طمس الكثير من الكلمات، ويستمر هذا التآكل المؤثِّر إلى الورقة (26) ثم يبدأ في الانحسار. ثم يبدأ طمس شديد استوعب كامل الورقات (53 - 56) وذهب بكثير من النصوص. وقد حاول أحد المطالعين أو مالكي النسخة أن يستدرك الكلمات المطموسة في عدد من المواضع، وواضح من قاعدة خطِّه أنه من أهل المغرب. والنسخة غاية في الجودة، وفي أعلى درجات الثقة، فهي منسوخة في حياة مؤلفها سنة 740 هـ، وناسخها من تلاميذه، وقد نسخها من نسخة مؤلفها، وقابلها عليها.

(المقدمة/31)


كل ذلك قاله ناسخها في آخرها، ونص كلامه: «تم كتاب رفع اليدين تأليف شيخنا الإمام العلامة شمس الدين أبي عبدالله محمد بن أبي بكر الزرعي المعروف بابن قيم الجوزية، أمتع الله بفوائده ورضي عنه. في يوم الاثنين منتصف شعبان سنة أربعين وسبعمائة بمدينة حلب حرسها الله تعالى وسائر بلاد الإسلام. ونُقلت هذه النسخة إلا يسيرًا منها وهو دون خمس ورقات (1) من أصل المؤلف الذي بخطه، وقوبلت به». خط النسخة واضح متقن قليل الإعجام، بعض كلماتها مضبوطة بالقلم، وللناسخ عناية بالتأكيد على صحة ما يكتب بوضع علامة التصحيح (صح) فوق بعض الكلمات التي قد تشكل أو يظن أنها خطأ، وقد يكررها مرتين زيادة في التنبيه. ودلائل المقابلة واضحة بالبلاغات التي في هامش النسخة، وباللحق في مواضع أخرى. والناسخ وإن لم نعرف من هو، فهو من المشتغلين بالعلم قطعًا إن لم يكن من العلماء، دل على ذلك ما ذكرناه من ميزات النسخة وجودتها. _________ (1) هذه الخمس ورقات التي ليست بخط المؤلف يحتمل أن تكون نقلًا من أحد الكتب، وأرجح أن يكون هو مبحث الرد على كلام ابن القطان الذي ذكره المؤلف في كتابه تهذيب السنن، فكلّف المؤلف بعض طلابه أو غيرهم نقل كلامه من ذاك الكتاب إلى هنا. وهذا أمر قد صنع المؤلف نظيره في كتابه «طريق الهجرتين» في نسخته التي بخطه، انظر مقدمة تحقيقه للشيخ المحقق محمد أجمل الإصلاحي (1/ 57 - 58).

(المقدمة/32)


ومع ذلك لم تسلم من بعض الأخطاء، أو السقط الذي تبين بالمقارنة مع مصادر المؤلف، أو غير ذلك. وفي النسخة تعليقان لأحد المطالعين ــ والظاهر أنه من الحنفية ــ كتبا بخطٍّ مغاير، أثبتناهما في مكانهما. النسخة الثانية (الفرع): نسخة محفوظة في مكتبة الملك فهد الوطنية بالرياض برقم (609/ 86) (1)، وكانت قبل أن تؤول إليها من محفوظات مكتبة الرياض العامة السعودية، ففي الركن الأيسر من الورقة الأولى عليها ختم المكتبة بالرقم نفسه، بتاريخ 30/ 4/1393 هـ، وتحته ختم وقفية الشيخ محمد بن عبداللطيف سنة 1381 هـ. وفي رأس الصفحة بخط الناسخ: «كتاب رفع اليدين في الصلاة، لابن القيم ــ ناقص ــ». ورمزت لها بـ (ف). وتقع في (81 ورقة) أي 162 صفحة من القطع الكبير. وعدد الأسطر في كل صفحة (21 سطرًا) غالبًا. وتبدأ النسخة من قوله: «الانتقال من الركوع ... ». وهي نسخة حديثة النسخ، كتبت سنة (1338 هـ)، ولم يذكر فيها اسم الناسخ، وهي بخطّ واحد عدا الصفحتين (33، 34) فإنهما بخط ضعيف مغاير. _________ (1) وهنا أشكر القائمين على المكتبة وخاصة قسم المخطوطات إذ سمحوا بتصوير النسخة والاستفادة منها.

(المقدمة/33)


والظاهر أن ناسخها ليس من العلماء؛ لكثرة أخطاء النسخة، وعدم إتقانه لنسخ الأصل الذي نقل منه، وكذلك السقط الواقع في عدد من النصوص، هذا مع جودة الأصل وإتقانه، وعليه فلا يمكن الاعتماد عليها في إخراج نصٍّ سليم. وهذه النسخة فرعٌ عن مخطوطة الأصل السَّالف وصفُها؛ إذ هي تبدأ من حيث بدأت، وقد أشار ناسخها إلى ما وقع فيها من الطمس والبياضات فقال في خاتمتها: «بلغ مقابلة وتصحيحًا على نسخة كثيرة البياض جدًّا، فإن حُصِّل نسخة سالمة من البياض فليعد التصحيح» اهـ. وهذا حال نسخة الأصل كما سبق. أما ما يوجد بينهما من الفروق في بعض الكلمات أو السقط في بعض النصوص؛ فهي لا تعدو أن تكون من أخطاء ناسخ الفرع في قراءة الأصل أو ذهوله وانتقال نظره. أما البياضات والنصوص المطموسة الواقعة في الأصل فلم يشتغل ناسخ الفرع ــ غالبًا ــ بإكمالها أو الاجتهاد في قراءتها مع وجود بعض الأحرف التي تدل على الكلمة المطموسة، وحسنًا فعل.

(المقدمة/34)


* طبعات الكتاب للكتاب طبعتان حديثتان: الأولى: طُبعت عن المكتبة الإسلامية للنشر والتوزيع في مصر، الطبعة الأولى سنة 1426 هـ، بتحقيق محمود بن حسين آل مكي الرُّزيقي في 272 صفحة. ولم يفلح في تصحيح الكتاب ولا خدمته. الثانية: طبعت عن دار غراس للنشر والتوزيع في الكويت، الطبعة الأولى سنة 1428 هـ، بتحقيق فيصل بن عبد العزيز الفهد، في 283 صفحة. وكلتا الطبعتين اعتمدت في تحقيق الكتاب على نسخة الفرع المتأخّرة، وقد تقدم ذكر ما فيها من العيوب، وأنه لا يمكن الاعتماد عليها في إخراج نصٍّ سليم. وطبعة الكويت أمثلهما من حيث الاجتهاد في تصحيح النص وخدمته. وقد استفدت منها في مواضع. * * *

(المقدمة/35)


 * منهج التحقيق

1 - اعتمدت في إخراج نص الكتاب على الأصل الجليل الذي نسخه تلميذ المؤلف ونقله من خط مؤلفه، وهو أصل جيد يعتمد عليه، وقد وقعت فيه بعض العيوب من طمس ونقص كما تقدم شرحه، أما الطمس فقد اجتهدت في تكميله بأمور: - بما بقي من أثر الكلمات المطموسة، واستطعت بحمد الله قراءة معظمها ولم يبق منها إلا مواضع قليلة. - بما بقي من حروف الكلمة سواء في أواخرها أو أوائلها. - بالرجوع إلى المصادر التي يقتبس منها المؤلف (انظر موارد الكتاب). - بالرجوع إلى كتبه الأخرى، إذا كان النصّ متشابهًا. - بالنظر في نسخة الفرع، وهو قليل جدًّا. - بالاجتهاد في تقدير الكلمة المطموسة إن لم نستدلّ عليها بإحدى الطرق السابقة. فما أثبتناه بالطريقة الأخيرة، أو سقط من الأصل، واستدركناه من مصادر المؤلف جعلناه بين معكوفين []، وما كان بغيرها أثبتناه مع التنبيه علىه غالبًا. وكان الغرض من ذلك التقليل من المعكوفات حتى لا يتشوَّه نصُّ الكتاب بلا ضرورة ملحَّة.

(المقدمة/36)


ونسخة الأصل ــ على جودتها ــ قد وقع فيها بعض الأخطاء أو السقط، فأصلحته إذا تأكدت من خطئه مع الإشارة إلى ذلك. 2 - قارنت نسخة الفرع بأصلها، ولم أثبت كل ما وقع فيها من خطأ أو سقط، بل أثبت بعضه للدلالة على ما وقع في النسخة من ذلك، وإشارة إلى باقيه، وتنبيهًا إلى ما وقع في الطبعات المأخوذة عنها. 3 - قسَّمت نصّ الكتاب إلى فقرات تسهّل الإفادة منه، وأضفت بعض العناوين بين معكوفتين [] وهي قليلة، وضبطت ما يشكل من نصوص الكتاب، وعزوت الآيات، وخرَّجت الأحاديث والآثار، وعزوت لمصادر المصنف التي ينقل عنها صراحة أو يذكر مؤلفيها، أو عُرِفت بالمقارنة، وقابلتُ النصوصَ المقتبسة مع مصادرها. 4 - كتبت مقدمة للكتاب بينت فيها أهم الجوانب المتعلقة بالكتاب، ثم ختمته بالفهارس المفصلة اللفظية والعلمية. وأشكر أخي الدكتور جمال رمضان حديجان إذ أعانني بصنع الفهارس اللفظية. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. * نماذج من الأصول الخطية

(المقدمة/37)


 [فصل في حجج من قال بعدم رفع الأيدي في الصلاة] (1)

_________ (1) [استدل المؤلف للقائلين بخفض الأيدي في الصلاة بعدد من الأدلة، سقط أكثرها من نسخة الأصل وفرعه، وبقي اثنان، وقد أعادها المصنف في أثناء جوابه عليها واحدًا واحدًا، فنذكرها هنا مع مكان ورودها في الكتاب]: 1 - قال الخافضون أيديهم: قال الله عز وجل: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} [النساء/77]. فأُمر الصحابة بكفّ الأيدي في الصلاة. (ص 39). 2 - وقالوا في حديث البراء بن عازب: إنه - صلى الله عليه وسلم - رفع يديه عند الافتتاح ثم لم يعُد. (ص 43) 3 - وفي حديث ابن مسعود أنه قال: ألا أصلي بكم صلاةَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلم يرفع يديه إلا في أول مرة. (ص 50). 4 - وجاء عن عمر وعلي أنهما لم يرفعا أيديهما في شيء من صلاتهما إلا حين يفتتحان الصلاة. (ص 83). 5 - وروى أبو بكر بن عياش عن حصين عن مجاهد قال: ما رأيتُ ابنَ عمر رافعًا يديه في شيء من صلاته إلا في الاستفتاح. (ص 88). 6 - وروى حماد بن أبي سليمان، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال: صليتُ خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر، فلم يرفعوا أيديهم إلا عند افتتاح الصلاة. (ص 92). 7 - وروى سوَّار بن مصعب عن عطية العوفي: أن أبا سعيد الخدري وابن عمر كانا يرفعان أيديهما أوَّل ما يكبران، ثم لا يعودان. (ص 95). ... = = ... 8 - وفي حديث محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن ابن عباس وابن عمر: لا تُرْفَع الأيدي إلا في سبعة مواطن: في بدء الصلاة، وبعرفة ... الحديث. (ص 97). 9 - وجاء من حديث المسيّب بن واضح، عن ابن المبارك، عن يونس، عن الزهري، عن أنس يرفعه: «من رفع يديه في التكبير فلا صلاة له». (ص 105). 10 - وروى أيضًا المسيّب، عن ابن المبارك، عن يونس، عن الزُّهري، عن سعيد، عن أبي هريرة مرفوعًا: «من رفع يديه في الصلاة، فلا صلاة له». (ص 106). 11 - عن عمر أنه قال: «رفع الأيدي في الصلاة بدعة» (ص 107) 12 - حديث ابن عباس: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرفع يديه كلما ركع وكلما رفع، ثم صار إلى افتتاح الصلاة وترك ما سوى ذلك». (ص 107). 13 - روي عن ابن الزبير: أنه رأى رجلًا يرفع يديه، فقال: هذا شيء فعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم تركه. (ص 107). 14 - وروى مسلم في «صحيحه» عن جابر ابن سَمُرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما لي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيلٍ شُمْس، اسكنوا في الصلاة». (ص 109 - 110). 15 - قالوا: إن أبا هريرة حافظ الأمة، كان لا يرفع يديه، وهو أعلمهم بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (ص 112). 16 - قالوا: والقياس أيضًا يقتضي عدم الرفع ... (ص 114).

(1/3)


[قالوا]: [إن القياس يقتضي عدم الرفع؛ لأن الانتقال من القيام إلى الركوع نظير الانتقال من القيام إلى السجود، وكذلك الانتقال من السجود

(1/4)


إلى القيام والقعود نظير] الانتقال (1) من الركوع إلى القيام سواء، فكما لا يُشرع الرفع في هذا الانتقال، فكذلك [لا يُشرع في الانتقال] (2) الآخر، والشارع حكيم لا يفرِّق بين متماثلَين. قالوا: وأيضًا فأفعال الصلاة معقولة المعنى ظاهرة المراد، فإن القيام وقوفٌ في خدمة الربّ جل جلاله، والركوع خضوع له وتذلُّل لعزته، والسجود أبلغ الخضوع والتذلُّل، ولهذا ورد في الحديث: «أقربُ ما يكونُ العبدُ من ربه وهو ساجد» (3)؛ لأنه أذل ما يكون وأخضعه تذلُّلًا (4) بالأرض، ذلًّا لديه وتواضعًا واستكانةٍ. وأما رفع اليدين فيه (1) فأيُّ معنى فيه، وأي خضوع وذلٍّ واستكانةٍ _________ (1) من هذه الكلمة يبدأ المخطوط في الأصل وفرعه، والناقص منه نحو ثماني ورقات. كما شرحناه في المقدمة. والمثبت قبله بين معكوفين أثبتناه من كلام المصنف في هذا الكتاب (ص/114) عند إعادته ذكر حجج القائلين بالخفض للرد عليها، وباقي الحجج التي سقطت ذكرناها في الحاشية السابقة. (2) هنا لحق في الأصل لم يظهر بسبب الطمس، وبياض في (ف) والإكمال من كلام المصنف نفسه (ص/115). (3) أخرجه مسلم رقم (482) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. (4) أول الكلمة واضح في الأصل، وكتبها في (ف) «مذللا»، وكتب فوقها: لعله. (5) كتبت في الأصل بخط حديث، وترك مكانها في (ف) فراغ.

(1/5)


تُفْهم منه؟ فما أشبه حال (1) فاعله بحال من يريد أن يطير! فهو إلى الكراهة أقرب منه إلى الاستحباب. * * * _________ (1) غير واضحة في الأصل بسبب الطمس، و (ف): «أشيه خاضع». ولعلها ما أثبت.

(1/6)


 [أدلة القائلين بالرفع، وأجوبتهم عن أدلة القائلين بالخفض]

قال الرافعون: لقد أوَيْتم في نُصْرة هذا القول إلى ركن غير شديد، ودعوتم إلى وليمَتِه من الشُّبَه كلَّ ضعيف وتالف وغريب وبعيد! فاستعدُّوا الآن للقاء ما لا قِبَل لكم من أدلة لا تُفَلُّ جيوشُها، ولا تُدقُّ ألويتُها. إن طلَبَت أدركَتْ، وإن طُلِبت أعْجَزَت، من استنصرها (1) نصرَتْه، ومن حاربها قهرَتْه. ومقدَّمو هذه الجيوش: أبو بكر الصدّيق، وعمر بن الخطاب (2)، وعليّ ابن أبي طالب، وطلحة بن عبيدالله، والزبير بن العوَّام، وسعد بن أبي وقَّاص، وسعيد بن زيد، وعبدالرحمن بن عوف، وأبوعبيدة بن الجرَّاح، وعبد الله بن عمر، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأُبيّ بن كعب، وأبو (3) موسى الأشعري، وعبد الله بن عباس، والحسن بن علي بن أبي طالب، وسلمان الفارسي، وسهل بن سعد الساعدي، وأبو سعيد الخُدري، وأبو قَتادة الأنصاري، وعبد الله بن عَمرو بن العاص، وعقبة (4) بن عامر، وبُريدة ابن الحُصيب الأسلمي، وأبو هريرة، وعمّار بن ياسر، وأبو أُمامة، وعُمَير ابن قَتادة الليثي، وأبو مسعود البدري، ومالك بن الحُوَيرث، ووائل بن _________ (1) كذا في الأصل، و (ف): استنصر بها، وأشار في الهامش إلى أن في الأصل كما أثبت. (2) علق في هامش (ف): «لعله: وعثمان بن عفان». ولا وجود له في الأصل، لأن المؤلف لم يذكره ضمن رواة حديث الرفع، وإن ذكره الحاكم والبيهقي، كما سيأتي تفصيله. (3) (ف): «وأبي». (4) «عقبة» مطموس في النسختين.

(1/7)


حُجْر، وأبو حُمَيد الساعدي، وأبو أُسيد السّاعدي، ومحمد بن مَسلمة، وأنس بن مالك، وجابر بن عبد الله، وزياد بن الحارث الصُّدَائي، وأعرابيٌّ من الصحابة، وعائشة، رضي الله عنهم أجمعين. والروايات عنهم بذلك ما بين مرفوع وموقوف، فنذكر المرفوعَ أوَّلًا، ثم نُتبعه الموقوف. فأما حديث أبي بكر الصّدّيق فروى الحاكم أبو عبد الله (1) من حديث أبي إسماعيل الترمذي قال: صلّيت خلف أبي النعمان محمد بن الفضل ــ عارمٍ ــ وكان يكبِّر ويرفع يديه إذا افتتح الصلاة، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع، وكان يُحْسن الصلاة. فلما صلى قلت له: صلاة من هذه؟ فقال: صليت خلف حمَّاد بن زيد، فكان يصلي هكذا، فسألته فقلت: صلاة من هذه؟ فقال: صليت خلف أيوب السختياني فكان يصلي هكذا، فسألته فقلت: صلاة من هذه؟ فقال: صليت (2) [ق 2] مع عطاء بن أبي رباح، فكان يصلي هكذا، فسألته فقال: صليت خلف عبد الله بن الزبير، فكان يصلي هكذا، فسألته فقلت: صلاة من هذه؟ فقال: صليت خلف أبي بكر الصديق، فكان يصلي هكذا: يرفع يديه إذا افتتح الصلاة، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع. وقال: صليت _________ (1) لم أجده في كتبه المطبوعة، وأخرجه البيهقي في «الكبرى»: (2/ 73) من طريق شيخه الحاكم. (2) «خلف أيوب ... صليت» مطموس في الأصل ولم يبق إلا أثر النصف الأول من السطر، ولم يتنبّه في (ف) فأسقط الجملة كاملة.

(1/8)


خلف رسول (1) الله - صلى الله عليه وسلم - فكان يفعل مثل ذلك. رواه الحاكم، عن أبي عبد الله الصفَّار، عن [أبي] (2) إسماعيل. وقال هو والبيهقي (3): رواته (4) ثقات. وقال عبد الله بن أحمد، عن أبيه، عن عبدالرزّاق (5): أخذ أهلُ مكةَ الصلاةَ عن ابن جريج، وأخذها ابن جريج عن عطاء، وأخذ (6) عطاءٌ من ابن الزبير، وأخذ ابن الزبير من أبي بكر، وأخذها أبو بكر من النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال عبدالرزّاق: وكان ابن جريج يرفع يديه (7). _________ (1) (ف): «النبي». (2) سقطت من الأصل و (ف) وقد تقدم على الصواب قريبًا، وهو أبو إسماعيل، محمد بن إسماعيل الترمذي (ت 280). ترجمته في «تهذيب الكمال»: (6/ 242 - ط الأخيرة). (3) «السنن الكبرى»: (2/ 73). (4) مطموسة في الأصل، وأثبتناها من (ف) و سنن البيهقي. (5) (ف): «عبد الله الرازي»! ثم أصلحها إلى «عبد الرازق»! (6) (ف): «وأخذها». (7) أخرجه أحمد (73) بنحوه وليس فيه قول عبدالرزاق: «وكان ابن جريج .. » وفيه قوله: «ما رأيت أحدًا أحسن صلاة من ابن جريج»، ومن طريقه أخرجه ابن عساكر في «تاريخ دمشق»: (40/ 379). ورواه سلمة بن شبيب عن عبد الرزاق: أخرجه الفاكهيُّ في «أخبار مكة» (282)، وابن المنذر في «الأوسط» (1388)، والبيهقي في «الكبرى»: (2/ 73) وذكر قول ابن جريج، وفي «الشعب» (2884). ورواه أبو بكر بن عسكر عنه، أخرجه أبو بكر المروزي في «مسند أبي بكر» (137).

(1/9)


فصل وأما حديث عمر بن الخطاب فقال أبو النَّضْر: حدثنا شعبة، عن الحكم بن عُتَيبة (1) قال: رأيت طاووسًا يرفع يديه في الصلاة إذا افتتحها، وإذا كبر للركوع، وعند رفع رأسه من الركوع، فسألته عن ذلك (2)، فقال: رأيت ابن عمر يفعله، وذكر أن أباه كان يفعله، وذكر عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعله. رواه الحاكم (3)، وقال: تابعه عليُّ بن الجَعْد، وعمَّار بن عبدالجبار، والحكم بن أسلم الحَجَبي (4)، عن شعبة. وأما غُندَر فرواه عن شعبة ولم يذكر [عمر] (5). _________ (1) (ف): «عتبة» تحريف. (2) في مصادر الحديث: «فسألت رجلًا من أصحابه». (3) وعنه البيهقي في «الكبرى»: (2/ 74) لكن من طريق آدم بن أبي إياس عن شعبة. ورواية أبي النضر عند أحمد (5034) ذكرها بعد رواية غندر، قال: «وحدثناه أبو النضر بمعناه». (4) «الحكم» وياء «الحجبي» مطموسة في الأصل، وبيَّض لها في (ف)، وغيرها في (ط المصرية) إلى «آدم بن أبي إياس»! (5) ليس في الأصل، ولعل هناك لحقًا لم يظهر بسبب الطمس في هامش الورقة الأيمن، وفي (ف) بياض بمقدار كلمة. و سيأتي النص عند المؤلف (ص 194). ورواية محمد بن جعفر ــ غندرـ عند أحمد (5033).

(1/10)


قال أبو عبد الله الحاكم: والحديثان محفوظان (1). قال البيهقي (2): ورُوي عن ابن عباس وسعيد بن المسيّب، عن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. فصل وأما حديث عليّ بن أبي طالب فرواه الحاكم (3): من حديث (4) ابن وهب، عن ابن أبي الزناد، عن موسى بن عقبة، عن ابن الفضل (5)، عن الأعرج، عن عبيدالله بن أبي رافع، عن علي: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قام إلى المكتوبة كبَّر ورفع يديه حذو منكبيه (6)، ويصنع مثل ذلك إذا قضى قراءته وأراد أن يركع، ويصنعه (7) إذا _________ (1) نقله عنه تلميذه البيهقي في «السنن»: (2/ 74). (2) لم أجده. لعله في «الخلافيات». وبعده في (ف) بياض بقدر كلمة. (3) وعنه تلميذه البيهقي في «الكبرى»: (2/ 74). وأخرجه أبو داود (744)، والترمذي (3423)، وابن ماجه (864) كلهم من طريق سليمان بن داود الهاشمي عن أبي الزناد به. قال الترمذي: حسن صحيح. (4) «من» مطموسة في الأصل وبياض في (ف)، وتحرّفت فيه «حديث» إلى «حدثنا». (5) «ابن» مطموسة في الأصل، و (ف): «أبي». (6) «حذو منكبيه» مطموسة في الأصل وبيض لها في (ف)، والمثبت من مصادر الحديث. (7) الكلمة مطموسة في الأصل وبياض في (ف).

(1/11)


رفع (1) من الركوع، ولا يرفع يديه في شيء من صلاته وهو قاعد، وإذا قام من السجدتين رفع يديه كذلك وكبر. قال البيهقي: هذا حديث حسن الإسناد. انتهى. ولكن عِلَّته الاختلاف في الاحتجاج بحديث عبد الرحمن بن أبي الزِّناد، وقد وثَّقه مالك وأمر بالكتابة عنه، وهو أعلم به من غيره. وقال يعقوب بن شيبة: ثقة صدوق في حديثه ضعف، وضعَّفه آخرون. وفرَّق علي بن المديني بين ما حدَّث به بالمدينة وما حدث به ببغداد، قال: فما حدث به بالمدينة فهو صحيح، وما حدَّث به ببغداد أفسده البغداديون. فعلى قول علي بن المديني هذا الحديث صحيح؛ لأنه من رواية عبد الله ابن وهب وإنما سمع منه بالمدينة (2). فصل وأما حديث ابـ[ـن عمر فرواه] (3) [ق 3] عن مالك نحو من سبعين ما بين أئمة مشاهير وثقات عدول (4)، عن الزُّهري، عن سالم، عن أبيه: أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه حَذْو مَنْكِبيه، وإذا كبر للركوع، وإذا رفع رأسه من الركوع _________ (1) بعده في (ف): «رأسه» خلاف الأصل. (2) انظر ماسيأتي (ص/147 - 148، 203، 205). (3) ما بين المعكوفين مطموس في الأصل، وتحرف في (ف) إلى: «طلحة بن عبيدالله»! (4) بعده في (ف) بياض بقدر كلمة! ولا طمس في الأصل.

(1/12)


رفعهما كذلك، وقال: «سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد». وكان لا يفعل ذلك في السجود (1). ورواه [عن الزهري] (2) جلُّ أصحابه؛ كالليث، وعُقَيل، ويونس، ومَعْمر، وسفيان بن عُيينة، والأوزاعي، وعبد الله بن المبارك، والزُّبَيدي (3)، ومحمد بن إسحاق، و [ابن جريج] (4)، وشُعَيب بن أبي حمزة، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وعبيدالله بن عمر. _________ (1) أخرجه مالك (198)، والبخاري (735)، ومسلم (390). أقول: رواية مالك في «الموطأ» ليس فيها ذكر الرفع إذا كبر للركوع، قال ابن عبدالبر في «التمهيد»: (9/ 210): «هكذا رواه يحيى عن مالك لم يذكر فيه الرفع عند الانحطاط إلى الركوع وتابعه على ذلك جماعة من الرواة للموطأ عن مالك منهم القعنبي وأبو مصعب .. (وذكر جماعة). ثم قال: ورواه ابن وهب وابن القاسم ويحيى ابن سعيد القطان وابن أبي أويس وعبد الرحمن بن مهدي .. (وذكر جماعة) ثم قال: كل هؤلاء رووه عن مالك فذكروا فيه الرفع عند الانحطاط إلى الركوع، ذكر الدارقطني (الأحاديث التي خولف فيها مالك 18) الطرق عن أكثرهم عن مالك كما ذكرنا، وهو الصواب، وكذلك رواه سائر من رواه عن ابن شهاب. وقال جماعة من أهل العلم: إن إسقاط ذكر الرفع عند الانحطاط في هذا الحديث إنما أتى من مالك، وهو الذي كان ربما وهم فيه؛ لأن جماعةً حُفّاظًا رووا عنه الوجهين جميعًا» اهـ بتصرف واختصار. (2) مطموسة في الأصل وبياض في (ف). ولعله ما أثبت. (3) (ف): «والزبيد» تحريف. (4) طمس بالأصل وبياض في (ف) بقدر كلمة ولعله ما أثبت، وسيذكره المؤلف (ص 190) ضمن الرواة عن الزهري.

(1/13)


واتفق على روايته عن ابن عمر: سالمٌ ابنه، ونافعٌ مولاه، ورواه عن كلٍّ منهما الأئمة الثقات. فهذا حديثٌ لا يشكُّ من له إلمام بالحديث في صحته. وأهلُ الحديث ــ الذين هم أهلُه ــ هذا وأمثالُه عندهم يفيدهم القَطْع، بحيث لا يشكُّون في وصوله إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كما لا يشكون في هجرته إلى المدينة، وفي غزواته المشهورة؛ كبدر وأحد وخيبر والفتح وحُنين، والقدحُ عندهم في ذلك بمنزلة القدح في الضروريات بالشُّبَه والخيالات، ولهذا كلّ من صنَّف في الصحيح يخرِّج هذا الحديث. قال حافظ الأمَّة عليّ بن المديني فيه: هذا الحديث عندي حجة على الخلق، كلّ من سمعه فعليه أن يعمل به؛ لأنه ليس في إسناده شيء (1). _________ (1) أخرجه البيهقي في «الخلافيات- مختصره للخمي»: (2/ 69) قال: «روى الحاكم أبو عبد الله عن أبي الحسن بن عبدوس عن عثمان بن سعيد الدارمي، قال: سمعت علي بن المديني يقول في حديث سفيان هذا عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال سفيان: حفظته عن الزهري كما أنك ها هنا. قال علي بن المديني: هذا الحديث .. وذكر كلامه. قال علي بن المديني: لم أزل أعمل به منذ أنا صبي. قال الدارمي: وبه نأخذ، قال أبو الحسن: وبه نأخذ، قال الحاكم: وبه نأخذ، قال البيهقي: وبه آخذ». وانظر «البدر المنير» لابن الملقن (3/ 464). قلت: وقد روى البخاري عن ابن المديني نحو هذه العبارة كما سيأتي. وكان لابن المديني اهتمام بهذه المسألة، انظر قصته مع شيخه أبي الوليد الطيالسي في «تاريخ الإسلام»: (16/ 439 - ط تدمري) للذهبي.

(1/14)


قال البخاري (1): حدثنا عيّاش، حدثنا عبد الأعلى، حدثنا عبيدالله، عن نافع: أن ابن عمر كان إذا دخل في الصلاة كبَّر ورفع يديه، وإذا ركع رفع يديه، وإذا قال: «سمع الله لمن حمده» رفع يديه، وإذا قام من الركعتين رفع يديه، ورفع ذلك ابنُ عمر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال البخاري (2): ورواه حماد بن سلمة، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. ورواه ابن طهمان، عن أيوب، [وموسى بن] (3) عقبة، ــ يعني: عن نافع ــ عن ابن عمر مختصرًا. فصل وأما حديث مالك بن الحُوَيرث ففي «الصحيحين» (4) من حديث أبي قِلابة، أنه رأى مالك بن الحُوَيرث إذا صلى كبَّر ورفع يديه، وإذا أراد أن يركع رفع يديه، وإذا رفع رأسه من الركوع رفع يديه، وحدَّث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صنع هكذا. _________ (1) في «الصحيح» (739)، و «رفع اليدين» (ق 28 - الظاهرية)، و (ص/109). (2) في «الصحيح» عقب الحديث (739). (3) «وموسى بن» مطموس في الأصل، فأكمله أحد المطالعين بخط أندلسيّ بـ «السختياني عن» فأفسد الإسناد! وصوابه ما أثبته كما في الصحيح. (4) البخاري رقم (737)، ومسلم رقم (391).

(1/15)


فصل وأما حديث وائل بن حُجْر فرواه مسلم في «صحيحه» (1): أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - حين دخل في الصلاة كبَّر، ثم التحف بثوبه، ثم وضع يده اليمنى على يده اليسرى، فلما أراد أن يركع أخرج يديه من الثوب ورفعهما فكبر، فلما قال: «سمع الله لمن حمده» رفع يديه، فلما سَجَد سَجَد بين كفيه. فصل وأما حديث أبي هريرة فقال سعيد بن منصور: حدثنا (2) إسماعيل بن عياش، عن صالح بن كيسان (3)، عن الأعرج [ق 4]، عن أبي هريرة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة، وحين يركع، وحين يسجد. _________ (1) رقم (401). والرواية فيه: «أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - (رفع يديه) حين ... ». (2) مختصرة في الأصل «ثنا»، و (ف): «عن» خطأ. (3) من «بن منصور .. إلى كيسان» أصابته رطوبة في الأصل ذهبت بالكلام، فكُتب بخط متأخر مسترشدًا بما بقي من أثر الأصل.

(1/16)


ورواه (1) ابن ماجه في «سننه» (2) عن عثمان بن أبي شيبة، وهشام بن عمّار كلاهما عن إسماعيل بن عيّاش (3). وقال أبو داود (4): حدثنا عبد الملك بن شُعَيب بن الليث، حدثنا أبي، عن (5) جدِّي، عن يحيى بن أيوب، عن عبد الملك بن عبد العزيز بن جُريج، عن ابن (6) شهاب، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، عن أبي هريرة قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كبر للصلاة جعل يديه حذو منكبيه، وإذا ركع فعل مثل ذلك، وإذا رفع للسجود فعل مثل ذلك، وإذا قام من الركعتين فعل مثل ذلك. وهذا إسناد صحيح لا مَطْعَن فيه (7). _________ (1) (ف): «رواه». (2) رقم (860). وأخرجه أحمد (6163) من طريق الحكم بن نافع، والبخاري في «الرفع» (ص/114) من طريق عبد الله بن يزيد كلاهما عن إسماعيل بن عياش به. (3) «بن عياش» مطموسة في الأصل. والمثبت من مصادر الحديث. (4) (738). (5) «أبي عن» مطموسة في الأصل وبياض في (ف). والمثبت من المصادر. (6) «عن ابن» مطموسة في الأصل والمثبت من (ف) والمصادر. (7) وقال المصنف فيما سيأتي (ص 222)، وفي «تهذيب سنن أبي داود»: (1/ 375): «هذا الحديث على شرط مسلم، فقد احتج بيحيى بن أيوب، ورواه عن الزهري جماعة». وأصله في الصحيحين.

(1/17)


فصل وأما حديث أنس بن مالك فقال ابن خزيمة في «صحيحه» (1): حدثنا محمد بن يحيى بن فيَّاض، حدثنا عبد الوهاب الثقفي، عن حميد، عن أنس: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يرفع يديه إذا كبر وإذا رفع رأسه. وهذا أيضًا إسناد صحيح. فصل وأما حديث جابر بن عبد الله فرواه الحاكم (2) من حديث حفص بن عبد الله السُّلَمي ــ وقد احتجَّ به _________ (1) لم أقف عليه في المطبوع، وعزاه له الحافظ في «إتحاف المهرة» رقم (889). وأخرجه ابن حبان كما في «الإتحاف» أيضًا، والدارقطني: (1/ 290) وقال: «لم يروه عن حميد مرفوعًا غير عبد الوهاب، والصواب من فعل أنس». وقال ابن دقيق العيد في «الإمام»: رواه البيهقي في «الخلافيات» من جهة ابن خزيمة عن محمد بن يحيى بن فياض عن عبد الوهاب الثقفي به، وزاد فيه: «وإذا رفع رأسه من الركوع» اهـ. وهذه اللفظة لم ترد في النسختين. انظر «نصب الراية»: (1/ 413)، و «البدر المنير»: (3/ 438)، و «التلخيص»: (1/ 232). والحديث أخرجه البخاري في «رفع اليدين» (26)، وابن ماجه رقم (866)، وغيرهم، وفي الحديث اختلاف في ألفاظه. (2) ليس في «المستدرك» المطبوع، لكن رواه البيهقي في «خلافياته» ثم قال ــ فيما نقله ابن الملقن في «البدر المنير»: (3/ 469) ــ: «قال الحاكم: هذا حديث لم نكتبه من حديث سفيان الثوري عن أبي الزبير إلا عن شيخنا أبي العباس محمد بن أحمد بن محبوب التاجر وهو ثقة مأمون، وإنما نعرفه من حديث إبراهيم بن طهمان، عن أبي الزبير» اهـ. ثم ذكر ما نقله المصنف عن الحاكم هنا، لكن معزوًّا إلى البيهقي.

(1/18)


البخاري ــ عن إبراهيم بن طَهْمان، عن أبي الزُّبير، عن جابر: أنه كان يرفع يديه عند التكبير حين يفتتح الصلاة، وإذا ركع، وإذا استوى قائمًا من ركوعه، وكان لا يفعل ذلك إذا رفع رأسه من السجود، ويقول: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعل ذلك. قال الحاكم: وهذا رواه أبو حذيفة (1) موسى بن مسعود النَّهدي، عن إبراهيم بن طهمان. وهو حديث صحيح رواته (2) عن آخرهم ثقات. ورواه ابن ماجه في «سننه» (3) عن محمد بن يحيى، عن أبي حذيفة (4). فصل أما حديث أبي موسى الأشعري فرواه الحاكم من حديث زيد بن حُبَاب (5)، عن حماد بن سلمة، عن _________ (1) «أبو حذيفة» مطموسة في الأصل مع بقاء التاء في آخرها، وهي بياض في (ف). (2) «صحيح روا» مطموس في الأصل وبياض في (ف). وما أثبته من «نصب الراية»: (1/ 114)، و «البدر المنير»: (3/ 469) حيث نقلا العبارة من «الخلافيات» للبيهقي. (3) رقم (868). (4) «يحيى عن أبي حذيفة» مطموس في الأصل وبياض في (ف). والاستدراك من سنن ابن ماجه. (5) الأصل: «خباب» بالمعجمة، و (ف): «زياد بن خباب عن سلمة»! وكتب في الهامش: «خ زيد». والصحيح بالحاء المهملة المضمومة كما في مصادر ترجمته.

(1/19)


الأزرق بن قيس (1)، عن حِطَّان بن عبد الله، عن أبي موسى، قال: ألا أُعلِّمكم صلاةَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقام فاستفتح فرفع يديه وكبر، ثم ركع ورفع يديه، ثم قال: «سمع الله لمن حمده» ورفع يديه. ثم قال: هكذا فاصنعوا (2). ولهذا الحديث علتان: إحداهما: أنه من رواية محمد بن حُميد الرازي، وهو حافظ جبل، لكنه ضعيف (3). الثانية: أن ابن (4) المبارك رواه عن حمَّاد بن سلمة موقوفًا لم يجاوز به أبا موسى. _________ (1) «بن قيس» مطموسة في الأصل، وترك لها في (ف) مكانًا ثم أضرب عن ذلك وأطال حرف (عن) هكذا حتى تملأ الفراغ الذي تركه بادئ الأمر! والمثبت من مصادر الحديث. (2) ليس في «المستدرك»، وأخرجه الدارقطني: (1/ 292) عن النضر بن شميل عن حماد به. وأخرجه البيهقي (لعله في الخلافيات) عن محمد بن حميد الرازي عن زيد ابن الحباب عن حماد به. وأخرجه البيهقي من طريق ابن المبارك، وابن المنذر في «الأوسط»: (3/ 134) من طريق حجاج كلاهما عن حماد بن سلمة، فوقفاه على أبي موسى. وانظر «نصب الراية»: (1/ 115). (3) انظر «تهذيب الكمال»: (6/ 285 - 287). وستأتي ترجمته (ص 229 - 230). (4) «ابن» سقطت من الأصل و (ف).

(1/20)


فصل وأما حديث عُمير بن حبيب الليثي فقال ابن ماجه في «سننه» (1): حدثنا هشام بن عمَّار، حدثنا رِفْدَة بن قُضاعة الغسَّاني، حدثنا الأوزاعي، عن عبد الله بن [عُبيد بن] عُمَير، عن أبيه، عن جدّه عُمير بن حبيب (2)، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرفع يديه مع كلِّ تكبيرة في الصلاة المكتوبة. _________ (1) رقم (861). وأخرجه من طريق هشام: ابنُ أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» رقم (910)، والطبراني في «الكبير»: (17/ 48 - 49)، وأبو نعيم في «معرفة الصحابة» رقم (5283). والعقيلي في «الضعفاء»: (2/ 65) وقال: «هذا إسناد لا يعرف إلا من حديث رفدة هذا». وقال أحمد ويحيى: «ليس بصحيح ولا نعرف عُبيد بن عُمير يحدّث عن أبيه عن جده شيئًا، ولا غير جدِّه، ولا نعرف رِفْدة بن قُضاعة. وقال يحيى: رِفْدة بن قُضاعة قد سمعتُ منه وهو شيخ ضعيف، ولو كان جاء بهذا رجل معروفٌ مثل هِقْل كان عسى». نقله الخلال كما سيأتي (ص/254). وقال الذهبي: «هذا منكر ورفدة ليس بشيء». «أحاديث مختارة» (72). وانظر «مصباح الزجاجة» (319). (2) قال الحافظ أبو الحجاج المزي في «تهذيبه»: (5/ 493) بعد أن ساق هذه الرواية: «هكذا وقع في هذه الرواية، والصواب: عُمَير بن قتادة، وهو معروف مشهور، وأما عُمَير ابن حبيب فهو جد أبي جعفر الخطمي عُمَير بن يزيد بن عُمَير بن حبيب بن خماشة، وهو صحابي أيضًا، وليس له عندهم رواية» اهـ. وقد تقدم ذكره (ص 7) على الصواب.

(1/21)


فصل وأما حديث ابن [ق 5] عباس فقال أبو داود (1): حدثنا قُتيبة بن سعيد، حدثنا ابن لهيعة، عن ابن (2) هُبيرة، عن ميمون المكي، أنه رأى عبد الله بن الزبير وصلى بهم (3)، يشير بكفيه حين يقوم، وحين يركع، وحين يسجد، وحين ينهض (4) للقيام، فيقوم فيشير بيديه. فانطلقتُ إلى ابن عباس وقلت (5): إني رأيتُ ابنَ الزبير صلى صلاةً لم أرَ أحدًا يصليها، فوصفتُ له هذه (6) الإشارة. فقال: إن أحببتَ أن تنظر إلى صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاقتدِ بصلاة عبد الله بن الزبير. وقال ابن ماجه في «سننه» (7): حدثنا أيوب بن محمد الهاشمي، حدثنا عمر بن رياح (8)، عن عبد الله بن طاووس، عن أبيه، عن ابن عباس: أن _________ (1) رقم (739). وأخرجه أحمد رقم (2627)، والطبراني في «الكبير»: (11/ 133). وفيه ابن لهيعة ضعيف الحديث، وقد اختلط. (2) في «السنن»: «أبي»، وهو عبد الله بن هبيرة أبو هبيرة السبئي المصري، أخرج له مسلم والأربعة وهو ثقة ت (126). انظر «تهذيب الكمال»: (4/ 310). (3) مطموسة في الأصل، والمثبت من السنن. (4) مطموسة في الأصل، وغير محررة في (ف)، والمثبت من السنن. (5) (ف) والسنن: «فقلت». (6) «فوصفت» مطموسة في الأصل، و «فوصفت له هذه» بياض في (ف). (7) رقم (865). (8) في الأصل وفرعه «رباح» بالموحدة، والمثبت من كتاب ابن ماجه ومصادر ترجمته. انظر «المؤتلف والمختلف»: (3/ 173) للدارقطني.

(1/22)


رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يرفع يديه عند كل تكبيرة. فصل وأما حديث البراء بن عازب فروى إبراهيم بن بشَّار، عن سفيان، حدثنا يزيد بن [أبي] (1) زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء بن عازب قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا افتتح الصلاة رفع يديه، وإذا أراد أن يركع، وإذا رفع رأسه من الركوع. قال سفيان: فلما قَدِمت الكوفة، سمعته يقول: «يرفع يديه إذا افتتح الصلاة ثم لا يعود»، فظننت أنهم لقَّنُوه. ذكره البيهقي وغيره (2). وسيأتي ــ إن شاء الله ــ إشباعُ الكلامِ عليه (3). _________ (1) «أبي» سقطت من الأصل وفرعه، ومن «زاد المعاد» للمؤلف (1/ 219) واستدركت من مصادر التخريج. (2) «السنن الكبرى»: (2/ 77). وأخرجه البخاري في «رفع اليدين» (ص 84)، وأحمد رقم (18487)، وأبو داود رقم (750)، وغيرهم من طرق عن يزيد بن أبي زياد به. (3) انظر (ص/43 - 50). و «البدر المنير»: (3/ 487)، وحاشية «المسند»: (30/ 441 - 442).

(1/23)


فصل وأما حديث أبي حُميد السَّاعديّ في عشرة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ففي «صحيح البخاري» (1) من حديث محمد بن عمرو بن عطاء (2)، قال: سمعت أبا حُميد الساعدي في عشرة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ــ منهم أبو قتادة ــ قال أبو حميد: أنا أعلمكم بصلاة (3) رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قالوا: فَلِمَ؟ فوالله ما كنتَ أكثرنا له تَبَعَة (4)، ولا أقدمنا له صحبةً، قال: بلى، قالوا: فاعرض، فقال: كان (5) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام إلى الصلاة رفع يديه حتى يحاذي بهما مَنْكِبيه، ثم كبَّر حتى يقرّ كلُّ عظم في موضعه معتدلًا، ثم يقرأ، ثم يكبر فيرفع يديه حتى يحاذي بهما مَنْكِبيه، ثم يركع ويضع راحتيه على ركبتيه، ثم يعتدل فلا ينصب رأسه ولا يُقْنِع، ثم يرفع _________ (1) رقم (828) لكنه مختصر. وأخرجه جميع أصحاب السنن، وهذا لفظ أبي داود (730). (2) «عطاء» مطموسة في الأصل وبياض في (ف). والمثبت من مصادر الحديث. (3) «بصلاة» مطموسة في الأصل وبياض في (ف). والمثبت من المصادر. (4) «أكثرنا» مطموسة في الأصل، و «أكثرنا له تبعة» بياض في (ف). (5) «فقال» مطموسة في الأصل، و «فقال كان» بياض في (ف).

(1/24)


رأسه، فيقول: «سمع الله لمن حمده»، ثم يرفع يديه حتى تحاذي (1) مَنْكِبيه معتدلًا، ثم يقول: «الله أكبر»، ثم يهوي إلى الأرض فيجافي يديه عن جنبيه، ثم يرفع رأسه ويثني رجله اليسرى فيقعد عليها، ويفتح (2) أصابع رجليه إذا سجد، ثم يسجد، ثم يقول: «الله أكبر»، ويرفع ويثني رجله اليسرى فيقعد عليها حتى يرجع كلُّ عظم إلى موضعه، ثم يصنع في الأخرى مثل ذلك، ثم إذا قام من الركعتين كبَّر، ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه كما كبَّر عند افتتاح [ق 6] الصلاة، ثم يصنع ذلك في بقية صلاته، حتى إذا كانت السجدة التي فيها التسليم أخَّر رجلَه اليسرى، وقعد متورِّكًا على شِقِّه الأيسر. قالوا: صدقت، هكذا كان يصلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فصل وأما حديث أبي أُسَيد وسَهْل بن سعد السَّاعدي وأبي قَتادة ففي حديث أبي حميد هذا أن هؤلاء من العشرة الذين صدَّقوا أبا حُميد، وتصديقهم إياه رواية منهم لما رواه. قال البخاري في كتاب «رفع اليدين» (3): حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا عبد الملك بن عمرو (4)، حدثنا فُلَيح بن سليمان، حدثنا عباس بن سهل، قال: اجتمع أبو حُميد، وأبو أسيد، وسهل بن سعد، ومحمد بن مسلمة، فذكروا صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. الحديث. _________ (1) كتب في الأصل بعده «بهما يديه» ثم ضرب عليها. (2) بالحاء المهملة، وفي رواية الخطابي: «يفتخ» بالخاء. (3) (ق 5) و (ص/40). (4) بياض في (ف).

(1/25)


فصل وأما خبر الأعرابي الذي رأى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فقال الإمام أحمد في «مسنده» (1): حدثنا هاشم وبَهْز، قالا: حدثنا سليمان بن المغيرة، عن حُمَيد بن هلال، قال: حدثني من سمع الأعرابي قال: رأيتُ رسول - صلى الله عليه وسلم - يصلي، قال (2): فرفع رأسَه من الركوع، ورفع كفيه، حتى حاذتا أو بلغتا فروعَ أُذنيه كأنهما مِرْوحتان. قال: ورأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي وعليه نعلان من بَقَرٍ، فتَفَل عن يساره، ثم حكَّ حيث تفلَ بِنَعْله (3). فصل وأما الموقوفات؛ فقال البخاري في «كتاب الرفع» (4): «يروى عن سبعة (5) عشر نفسًا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أنهم كانوا يرفعون أيديهم عند الركوع، منهم أبو قتادة الأنصاري، وأبو أُسيد الساعدي البدري، ومحمد ابن مَسْلَمة البدري، وسهل بن سعد الساعدي، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي، وأنس بن مالك _________ (1) رقم (20056). (2) سقطت من (ف). (3) المسند رقم (20057) بالإسناد نفسه. (4) (ق 4) و (ص/22 - 23). (5) (ف): «روي عن شعبة»!

(1/26)


خادم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -, وأبو هريرة الدوسي، وعبد الله بن عَمرو بن العاص، وعبد الله بن الزبير بن العوَّام القرشي، ووائل بن حُجْر الحضرمي، ومالك ابن الحويرث، وأبو موسى الأشعري، وأبو حميد الساعدي» (1). زاد البيهقي (2): «وعن أبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وجابر بن عبد الله، وعقبة بن عامر الجهني، وعبد الله بن جابر البياضي». وقال في كتاب «الخلافيات» (3): «وقد رُوِيت هذه السُّنة عن أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي ــ وذَكَر باقي العشرة ــ ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت ــ وعدَّ الصحابةَ الذين صدَّرْنا بذكرهم ــ ثم قال: كلهم عن النبي - صلى الله عليه وسلم -». وهذا يقتضي أن كل ما رُوِي عنهم في هذه (4) السُّنة مرفوع. قلت: وقد تتبعت المرفوعات فوجدتها ما تقدم ذكرُها، ولا ريبَ أن هنا مرفوعات غيرها لم أقف عليها، فمن وقف عليها فلْيُلْحِقها بالكتاب معزوَّةً إلى مواضعها (5). _________ (1) الكلمات في النص السابق وهي: «الأنصاري .. ، سهل بن سـ .. ، عباس بن .. ، عبد الله [بن الزبير]، وابن الحويرث». مطموسة في الأصل وبياض في (ف). والإكمال من كتاب البخاري وكتب الرجال. (2) في «السنن الكبرى»: (2/ 74). (3) انظر «مختصر الخلافيات»: (2/ 72) للخمي. (4) «هذه» سقطت من (ف). (5) قال الحافظ العراقي في «شرح ألفيته»: (ص 332): «وقد جمعت رواته فبلغوا نحو الخمسين، لكن ابن عبد البر في «التمهيد: 9/ 216» اقتصر على ثلاثة عشر، والسلفي قال: رواه سبعة عشر، ومن علم حجة على من لم يعلم» وانظر «طرح التثريب»: (2/ 264) له. وقال الشافعي في «الأم»: (2/ 234، 8/ 712) إنهم ثلاثة عشر أو أربعة عشر. واستحسنه ورجحه الحافظ ابن رجب. وقال الحاكم أبو عبد الله: لا يعلم سنة اتفق على روايتها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخلفاء الأربعة ثم باقي العشرة الذين شهد لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالجنة فمن بعدهم من أكابر الصحابة على تفرقهم في البلاد الشاسعة غير هذه السنة. وقال ابن الجوزي: روى أحاديث رفع اليدين في المواطن الثلاثة نحو من ثلاثين صحابيًّا، فسردهم .. انظر «البدر المنير»: (3/ 475 - 478). وقال ابن رجب في «فتح الباري»: (4/ 309): إن عبارة الحاكم ونظائرها فيها تسامح شديد! وفي «تاريخ دمشق»: (22/ 24) لابن عساكر: عن أبي حازم الأعرج قال: رأيت سهل بن سعد الساعدي في ألف من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرفع يديه في كل خفض ورفع.

(1/27)


والظاهر بل المقطوع به أن الصحابة [ق 7] إنما فعلوا ذلك مستندين إلى ما شاهدوه من النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ إذ رَفْع اليدين في الصلاة ليس مما يؤخذ بالرأي والاجتهاد. وهم كانوا أعلم بالله ورسوله أن يزيدوا في الصلاة زيادةً من أنفسهم لا يستندون فيها إلى من تعلَّموا منه الصلاة. وعليه يُحْمل (1) قول البيهقي والحاكم: إن الآثار بذلك (2) عنهم مروية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. _________ (1) سقطت من (ف). ومطموسة في الأصل وكتبت بخط حديث. (2) (ف): «تدلك» تحريف.

(1/28)


قال البخاري (1): «وقال الحسن وحُميد بن هلال: كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرفعون أيديهم. ولم يستثن أحدًا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - دون أحد، ولم يثبت عند أهل العلم عن أحدٍ من (2) أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه لم يرفع يديه. ويروى أيضًا عن عدةٍ من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ما وصفنا (3). وكذلك رويناه عن عِدَّة من علماء أهل مكة والحجاز، وأهل (4) العراق والشام والبصرة واليمن، وعِدَّة من أهل خراسان. منهم: سعيد بن جُبير، وعطاء بن أبي رباح، ومجاهد، والقاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وعمر بن عبد العزيز، والنعمان بن أبي عيَّاش، والحسن، وابن سيرين، وطاووس، ومكحول، وعبد الله بن دينار، ونافع، وعبيد الله بن عبد الله بن عمر، والحسن بن مسلم، وقيس بن سعد، وعِدَّة كثيرة. وكذلك يروى عن أم الدرداء: أنها كانت ترفع يديها. وقد كان ابن المبارك يرفع يديه، وكذلك عامة أصحاب ابن المبارك، منهم: علي بن الحسن، وعبد الله بن عثمان، ويحيى بن يحيى، ومحدِّثو _________ (1) «رفع اليدين»: (ق 4 - 5) و (ص/31 - 38). (2) «عن أحد» لحق في الأصل لم يظهر بسبب الطمس، والاستدراك من «كتاب رفع اليدين» للبخاري. (3) الكلمات الآتيه: «بن هلال .. ، أيديهم ولم .. ، يثبت» ــ عدا «أيديهم ولم» فإنها واضحة في (ف) ــ مطموسة في الأصل وبياض في (ف)، والاستدراك من كتاب البخاري. (4) ليست في «رفع اليدين».

(1/29)


أهل [بخارى] (1)؛ منهم: عيسى بن موسى، وكعب بن سعيد، ومحمد بن سلَّام، وعبد الله بن محمد المُسْندي، وعدّة ممن لا يُحصى لا اختلاف بين من وصفنا (2) من أهل العلم. وكان عبد الله بن الزبير، وعلي بن عبد الله، ويحيى بن معين، وأحمد ابن حنبل، وإسحاق بن راهويه يثبتون عامة هذه الأحاديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويرونها حقًّا، وهؤلاء أهل العلم من أهل زمانهم (3). وكذلك يُروى عن عبد الله بن عمر بن الخطاب (4). قال عليّ بن عبد الله ــ وكان أعلم أهل زمانه ــ: رفعُ الأيدي حقٌّ على المسلمين بما روى الزهري عن سالم عن أبيه» (5). وسئل طاووس عن رفع اليدين في الصلاة، فقال: رأينا عبد الله _________ (1) الأصل و (ف): «الحجاز». والصحيح المثبت كما في كتاب البخاري، ومن ذكر من العلماء كلهم من بخارى. وسيأتي النص على الصواب (ص 196). «ومحدثو» مطموسة في الأصل وبياض في (ف). (2) الأصل و (ف): «وصفها». والمثبت من كتاب البخاري. وسيأتي على الصواب (ص 196). (3) هذه الكلمات أو أكثرها مطموسة في الأصل وبياض في (ف): (بن المبارك .. ، ومحدثو .. ، لا اختلا .. ، علي بن عبـ .. ، يثبتون) والاستدراك من كتاب «رفع اليدين». ومما سيأتي (ص 196). و «سلام» تحرفت في (ف) إلى «سلامة» وقدم ذكره قبل «كعب بن سعيد». (4) بعده في كتاب «رفع اليدين»: (ص 37) للبخاري: «أخبرنا علي بن عبد الله، حدثنا سفيان، حدثنا الزهري، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يرفع يديه إذا كبر، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع، ولا يفعل ذلك بين السجدتين». (5) هنا ينتهي كلام البخاري.

(1/30)


وعبد الله وعبد الله يرفعون أيديهم إذا افتتحوا وإذا ركعوا وإذا رفعوا. لعبدالله بن عباس، وعبد الله بن الزُّبير، وعبد الله بن عمر. ذكره البيهقي (1). وقال الحسن: كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كأنما أيديهم مراوح في صلاتهم، إذا ركعوا وإذا رفعوا رؤوسهم (2). وقال ابن وهب: أخبرني عياض بن عبد الله الفهري: أن عبد الله بن عمر كان يقول [ق 8]: «لكل شيء زينة، وزينة الصلاة التكبير ورفع الأيدي فيها» (3). وذكر عن ابن لهيعة، عن ابن عجلان، عن النعمان بن أبي عياش قال: كان يقال: لكلّ شيء زينة، وزينة الصلاة التكبير ورفع الأيدي عند الافتتاح، وحين يريد أن يركع، وحين يريد أن يرفع (4). وقال عقبة بن عامر: له بكل إصبع عشر حسناتٍ (5). _________ (1) في «الخلافيات»، انظر «مختصره»: (2/ 72 - 73) للخمي. وأخرجه البخاري في «رفع اليدين» (ص 74) بنحوه، وعبدالرزاق في «المصنف»: (2/ 69). (2) أخرجه البخاري في «رفع اليدين» (ص 75)، وابن أبي شيبة: (2447)، والبيهقي في «الكبرى»: (2/ 75)، و «الخلافيات- مختصره»: (2/ 74). وانظر «نصب الراية»: (1/ 416). (3) أخرجه الأثرم بسنده إلى ابن وهب، ذكره ابن عبد البر في «التمهيد»: (9/ 225). (4) أخرجه البخاري في «رفع اليدين» (ص/116)، والأثرم كما ذكر ابن عبد البر في «التمهيد»: (9/ 225). (5) «عشر حسنات» مطموسة في الأصل و (ف). والأثر ذكره أحمد في «مسائل ابنه عبدالله» (323) قال: يروى عن عقبة بن عامر ... وأخرجه الطبراني في «الكبير»: (17/ 297) لكن بلفظ: «يكتب في كل إشارة يشيرها الرجل بيديه في الصلاة بكل إصبع حسنة أو درجة». قال الهيثمي في «المجمع»: (2/ 272): إسناده حسن. وانظر «التمهيد»: (9/ 225).

(1/31)


وكان عبد الله بن عمر إذا رأى من لم يرفع (1) حَصَبَه. قال أحمد: حدثنا الوليد بن مسلم، قال: سمعت زيد بن [واقد] (2) قال: سمعت نافعًا قال: كان ابن عمر ... فذكره (3). وقال أحمد بن حنبل: حدثنا (4) إسماعيل بن عُلَيَّة، عن محمد بن إسحاق، عن الأعرج قال: رأيت أبا هريرة يرفع يديه إذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع. وحدثنا هُشَيم، حدثنا أبو حمزة (5) قال: رأيت ابنَ عباس يرفع يديه إذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع. وحدثنا أبو حذيفة، حدثنا إبراهيم بن طهمان، عن أبي الزبير قال: كان جابر بن عبد الله، إذا كبَّر رفع يديه، وإذا رفع رأسه من الركوع رفع يديه، وزعم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يفعل ذلك. _________ (1) كتب الناسخ فوق (يرفع): صح. (2) الأصل و (ف): «رافع». والتصحيح من مصادر التخريج وكتب الرجال. (3) رواه عن الإمام أحمد ابنه عبد الله في «مسائله» (322)، والأثرمُ، كما في «التمهيد»: (9/ 224). وأخرجه الحميدي في «مسنده»: (627)، ومن طريقه البخاري في «رفع اليدين» (ص 53)، والدارقطني: (1/ 289) كلهم من طريق الوليد بن مسلم به. وصححه النووي في «المجموع»: (3/ 405). (4) «سمعت [نافعًا]، حدثنا» طمس في الأصل وبياض في (ف). (5) الأصل و (ف): «أبو جمرة» بالجيم والراء المهملة، والصواب ما أثبت، وهو عمران بن أبي عطاء القصّاب، مولى بني أسد. ترجمته في «التاريخ الكبير»: (6/ 412)، و «تهذيب الكمال»: (5/ 486). وانظر مصادر الأثر (مصنف عبدالرزاق: 2/ 69، وجزء البخاري 61).

(1/32)


وحدثنا رَوح بن عُبادة، عن زكريا بن إسحاق، عن أبي الزبير قال: رأيت ابن عمر وابن الزبير يرفعان أيديهما إذا ركعا وإذا رفعا. وحدثنا معاذ بن معاذ، وابن أبي عدي، وغُنْدَر، عن شعبة (1)، عن قتادة، عن الحسن (2) قال: كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرفعون أيديهم في الصلاة إذا ركعوا، وإذا رفعوا، كأنها المراوح. وحدثنا يحيى بن آدم، عن ابن المبارك، عن عكرمة بن عمار قال: رأيت (3) القاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله يرفعان أيديهما إذا ركعا، وإذا رفعا رؤوسهما. وحدثنا أبو النَّضر، عن الربيع بن صَبِيح (4) قال: رأيت عطاء، وطاووسًا، ومجاهدًا، والحسن، وابن سيرين، ونافعًا (5)، وابن أبي نَجِيح، والحسن بن مسلم، وقتادة يرفعون أيديهم عند الركوع وعند الرفع منه. قال أحمد: ورأيت مُعتمر بن سليمان، ويحيى بن سعيد، وعبدالرحمن _________ (1) كذا في الأصل و (ف) ومطبوعة «رفع اليدين» (ص 75)، و «التمهيد»: (9/ 217)، والذي في «مصنف ابن أبي شيبة»: (2447)، و «سنن البيهقي»: (2/ 417)، وذكره ابن حزم في «المحلى»: (4/ 89)، وابن الجوزي في «التحقيق»: (1/ 332) وغيرها: «سعيد» بدلًا من «شعبة»، وهو الصحيح، وهو سعيد بن أبي عَروبة. (2) (ف): «أنس» خطأ. وأثر الحسن تقدم تخريجه (ص 31). (3) طمست في الأصل وبياض في (ف). (4) طمست في الأصل وبياض في (ف). (5) طمست في الأصل وبياض في (ف).

(1/33)


ابن مهدي، وإسماعيل بن عُلَيَّة يرفعون أيديهم عند الركوع، وإذا رفعوا رؤوسهم. وقال الأثرم: [حدثنا أحمد] (1)، حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد ابن زيد، عن هشام، عن الحسن ومحمد بن سيرين: أنهما كانا يرفعان أيديهما إذا كَبَّرا [وإذا ركعا] وإذا رفعا. قال محمد: هو من تمام الصلاة (2). وقال أبو زرعة الدمشقي (3): حدثنا أبو مُسْهِر، حدثنا عبد الله بن العلاء ابن [زَبْر] (4)، عن عَمرو بن مهاجر، عن عمر بن عبد العزيز قال: إن كنا لَنُؤدَّب عليها بالمدينة؛ يعني: إذا لم يرفعوا أيديهم في الصلاة. [ق 9] وقال البخاري (5): «حدثنا عبد الله بن صالح، حدثنا الليث، حدثنا نافع: أن عبد الله بن عمر كان إذا استقبل الصلاة رفع يديه، وإذا ركع، وإذا رفع رأسَه من الركوع، وإذا قام من السجدتين كبر ورفع يديه». _________ (1) مابين المعكوفين هنا وما بعده سقط من الأصل و (ف) والاستدراك من «التمهيد»: (9/ 218). (2) كل الآثار السابقة ذكرها ابن عبدالبر في «التمهيد»: (9/ 217 - 218) من رواية الأثرم عن الإمام أحمد. والأثر الأخير رواه البخاري في كتاب الرفع: (ص/97). (3) في «تاريخه»: (1/ 346 - 347). ومن طريقه ابن عبد البر في «التمهيد»: (9/ 219). ولفظه: عن عمرو بن مهاجر: أن عبد الله بن عامر استأذن على عمر بن عبد العزيز، فلم يأذن له، وقال: الذي ضرب أخاه ــ يعني عطية بن قيس ــ أن رفع يديه؟ إن كنا لنؤدَّب عليها بالمدينة. ورواه البخاري في «الرفع» (ص 57) من طريق عبدالأعلى بن مسهر. (4) الأصل و (ف): «زيد» تصحيف، والتصويب من مصادر الأثر وكتب الرجال. (5) «رفع اليدين» (ص/53).

(1/34)


قال البخاري (1): «وحدثنا مالك بن إسماعيل، حدثنا شريك، عن ليث، عن عطاء قال: رأيت ابن عباس، وابن الزبير، وأبا سعيد، وجابرًا يرفعون أيديهم إذا افتتحوا الصلاة وإذا ركعوا. وحدثنا مُسدَّد، حدثنا (2) عبدالواحد بن زياد، عن عاصم الأحول قال: رأيت أنس بن مالك إذا افتتح الصلاة كبَّر ورفع يديه، ويرفع كلما ركع ورفع (3) رأسه من الركوع. وحدثنا خطَّاب بن عثمان، حدثنا إسماعيل [بن عياش، عن عبد ربه بن سليمان بن عمير] (4) قال: رأيت أمَّ الدرداء ترفع يديها في الصلاة حَذْو مَنْكِبيها. وحدثنا محمد بن مقاتل، حدثنا عبد الله بن المبارك، أخبرنا إسماعيل، _________ (1) «رفع اليدين» (ص/60 - 67). (2) «ليث عن»، «برًا يرفعون»، «حدثنا» مطموسة في الأصل وبياض في (ف). (3) الأصل و (ف): «ويرفع» والمثبت من كتاب البخاري. (4) الأصل و (ف): «إسماعيل بن عبد الله عن سليمان بن عمار»! وبعده في الأصل علامة التخريج ولم يظهر بالهامش شيء بسبب الطمس. والمثبت من «رفع اليدين» (ص 66)، و «التاريخ الكبير»: (6/ 77). وفي صدر ترجمته من التاريخ وقع اسم جده «عمر» بدلًا من «عمير» وعلق الشيخ المعلمي قائلا: «كذا في الاصل، ويأتى بعد: عمير، وكذا هو في التهذيب فقال: سليمان بن عمير بن زيتون الدمشقي، وقال ابن أبى حاتم: سليمان بن زيتون، فلعل الاختلاف في عمر وعمير أيضًا - والله أعلم». أقول: وكذا هو في «الثقات»: (7/ 153) لابن حبان، و «تهذيب الكمال»: (4/ 360) «عمير». وعبدربه هذا قال الذهبي: مجهول.

(1/35)


حدثني عبد ربه (1) بن سليمان، قال: رأيت أم الدرداء ترفع يديها في الصلاة حذو منكبيها حين تفتتح الصلاة وحين تركع، وإذا قال (2): سمع الله لمن حمده، رفعت يديها وقالت: ربنا ولك الحمد (3). قال البخاري: ونساء بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أعلم (4) من هؤلاء حين رفعن أيديهنَّ في الصلاة. قال البخاري: ويروى عن عمر بن الخطاب عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعن جابر بن عبد الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعن عُبَيد بن عُمير عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (5)، وعن أبي موسى عن النبي - صلى الله عليه وسلم -= أنه كان يرفع يديه عند الركوع وإذا رفع منه. قال البخاري: وفيما ذكرنا كفاية لمن يفهمه إن شاء الله تعالى (6). وحدثنا محمد بن مقاتل، حدثنا عبد الله، عن ابن جريج قال: أخبرني _________ (1) كانت في الأصل: «حدثني عبد الله». ثم ضرب على لفظ الجلالة وكتب فوقه: «ربه». وأسقطها جملةً من (ف). (2) الأصل و (ف): «قالت» والتصحيح من كتاب البخاري. (3) وأخرجه البخاري في «تاريخه»: (6/ 78) مختصرًا. وابن أبي شيبةفي «المصنف»: (2485). (4) في كتاب «الرفع»: «هن أعلم». (5) «عن أبيه» «وعن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -» سقطت من (ف). (6) «تعالى» مطموسة في الأصل وبياض في (ف) والاستدراك من كتاب البخاري.

(1/36)


الحسن بن (1) مسلم: أنه سمع طاووسًا يُسألُ عن رفع اليدين في الصلاة؟ قال: رأيت عبد الله، وعبد الله, وعبد الله يرفعون أيديهم في الصلاة، لعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزّبير» (2). قال البخاري (3): «ولم يثبت عند أهل البَصَر (4) ممن أدركنا من أهل الحجاز وأهل العراق؛ منهم عبد الله بن الزبير، وعلي بن عبد الله، ويحيى ابن معين، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، هؤلاء أهل العلم من أهل زمانهم، فلم يثبت عند (5) أحد منهم عَلِمْتُه في ترك رفع الأيدي (6) عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا عن أحد من أصحابه أنه لم يرفع يديه. حدثنا محمد بن مقاتل، حدثنا عبد الله، أبنا هشام، عن الحسن وابن سيرين أنهما كانا يقولان: إذا كبَّر أحدُكم للصلاة فليرفع يديه حين يكبر وحين يرفع رأسه من الركوع. وكان ابن سيرين يقول: هو من تمام الصلاة (7). _________ (1) «الحسن بن» طمست في الأصل، وسقطت من (ف)، والاستدراك من كتاب رفع اليدين للبخاري. (2) تقدم تخريجه (ص 31). (3) كلام البخاري من هنا إلى آخر الفصل في «رفع اليدين»: (ص 96 - 98). (4) كذا في الأصل، وفي (ف): «البصرة» تحريف، وفي كتاب البخاري: «النظر». (5) (ف): «عن». (6) في كتاب الرفع: «منهم علمنا». و «الأيدي» كتبها في الأصل: «اليدين» ثم ضرب عليها وأصلحها في الهامش بما هو مثبت. (7) تقدم تخريجه (ص 34).

(1/37)


قال البخاري [ق 10]: وكان ابن المبارك يرفع يديه، وهو أكبر (1) أهل زمانه علمًا فيما نعرف، ولو لم يكن عند من لا يعلم من السلف علمًا (2)، فاقتدى بابن المبارك فيما اتَّبع فيه الرسولَ وأصحابه والتابعين، لكان أولى به [من] أن يأتمَّ (3) بقول من لا يعلم». * * * _________ (1) كتاب الرفع (ط): «أكثر». و (خ) مهملة النقط. (2) كذا في الأصل و (ف)، ومثله في كتاب البخاري (ط، مخ). والوجه «علم» بالرفع. (3) «من» ليست في الأصل وفرعه، والعبارة في كتاب «الرفع ــ ط، خ»: «أولى به من أن يثبته .. ».

(1/38)


 فصلٌ [في الردّ على حُجج الخافضين أيديهم] (1)

قالوا: وأما ما استدللتم به على ترك [الرفع، فهي] (2) أدلة باطلة، ونحن نبيّن بطلانها بعون الله ومشيئته. * فأما [استدلالكم] بقوله عز وجل: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} [النساء/77]. فنسأل الله العافية مما ابتُلي به من حَمَلَه فَرْطُ التعصُّب و [تكذيب] المعصوم في كلِّ ما قاله على أن افترى على الله (3) ما لم يُرِدْه [من كلامه]، وحرَّف المعنى عن مواضعه، إذ لم يجد إلى تحريف اللفظ سبيلًا، وحَمَل الآية على الخطأ الصريح والجهل القبيح، الذي يوجبُ إساءةَ الظنِّ بخيار الأمة وأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأنهم أُمِروا بكفِّ الأيدي في الصلاة، فسمعوا وعصوا، وأصرُّوا على الرفع، حتى كان بعضهم يحصب من لم يرفع، وكان بعضهم يؤدِّب من لم يرفع، فقابلوا أمرَ الله بالعصيان، وتلقَّوه بالمخالفة والزيادة في الصلاة، مع أنه أمرٌ لا غرض فيه للنفوس (4)، ولا لذَّة _________ (1) انظر هامش (ص 3 - 4) في سرد هذه الحجج. (2) مابين المعكوفين هنا وما بعده مطموس في الأصل وبياض في (ف)، ولعله ما أثبت. (3) كتب في الأصل «الكذب» ثم ضرب عليها. وصنع مثله في (ف). (4) (ف): «للنفوس فيه».

(1/39)


ولا شهوة تحمل على المخالفة، فأقْدَمَ سادةُ الأمة وخيارُها على مخالفة هذا الأمر وعصيانه، ووُفِّق له ولأمثاله غيرُهم! وإن قلتم: لم يفهموا من الآية ذلك، ولو فهموه لصاروا إليه، والله تعالى (1) قد يخصّ بفهم كتابه من يشاء. قيل لكم: أَجَلْ والله ما خَطَر هذا بقلب رجل واحد منهم ولا فَهِمَه من الآية قطّ، بل (2) ولا فهمه منها من أُنْزِل عليه الوحي قط، ولا خَطَر بباله ولا [طرأ على] (3) قلبه الكريم. والتعصُّبُ والحميَّةُ متى وصل إلى هذا الحدِّ فقد [تعرَّض] صاحبُه من الله لِمَا لا قِبَل له به، ولم يكن له خصم إلا الله ورسوله، [نسأل] الله العافية وحُسْن العاقبة. وهذا التفسير المكذوب [المفترى] (4) لم يذهب إليه أحدٌ، لا من الأولين، ولا من الآخرين من جميع [من تكلَّم] في تفسير القرآن على اختلاف طبقاتهم، بل كلّهم مجمعون على [أنها] نزلت في كفِّ الأيدي عن القتال. قال ابن جرير (5): «هم قوم من أصحاب (6) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانوا آمنوا _________ (1) (ف): «والله سبحانه وتعالى قد يخصص». (2) كلمتان مطموستان، وأثرهما يدل على ما أثبت. (3) كلمتان لم تظهرا ولعلهما ما أثبت. (4) كلمة مطموسة، ولعلها ما أثبت. (5) هذا النقل بطوله من تفسير ابن جرير: (7/ 230 - 233 ط دار هجر) مع بعض التصرف والاختصار. (6) (ف): «أصحاب كتاب .. »!

(1/40)


به وصدَّقوه قبل أن تُفْرَض عليهم (1) الصلاة والزكاة، وكانوا يسألون الله أن يَفْرِض عليهم القتال، فلما فُرِض عليهم شقَّ ذلك عليهم، وقالوا ما أخبر الله عنهم في كتابه. فتأويل قوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ} [النساء/77]: ألم ترَ بقلبك يامحمد (2) فتَعْلَم، إلى الذين قيل لهم من أصحابك حين سألوك أن تسأل ربَّك أن يَفْرض عليهم القتال: {كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ} فأمْسِكُوها عن قتال المشركين وحَرْبهم {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ}. يقول: وأدوا الصلاة التي فرضها الله عليكم بحدودها، {وَآتُوا الزَّكَاةَ}. يقول: وأعطوا الزكاة أهلها الذين جعل الله لهم في أموالكم تطهيرًا لأبدانكم= كرهوا ما أُمِروا به من كفِّ الأيدي عن قتال المشركين، وشقَّ [ق 11] ذلك عليهم، {فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ}. يقول: فلما فُرِض عليهم القتال الذي كانوا يسألون أن يُفْرَض عليهم، {إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ}، يعني: جماعة منهم، {يَخْشَوْنَ النَّاسَ}. [يقول: يخافون الناس] (3) أن يقاتلوهم، كخشيتهم الله أو أشدَّ خشيةً، {وَقَالُوا} جزعًا من _________ (1) في تفسير ابن جرير: «قبل أن يُفرض عليهم [زيادة من نسخة: الجهاد] وقد فرض عليهم الصلاة .. ». (2) «يا محمد» سقط من (ف). (3) ما بين المعكوفين هنا وما سيأتي سقط من الأصل أو طمس بسبب الرطوبة. والإكمال من تفسير ابن جرير.

(1/41)


القتال الذي فَرَض الله عليهم: {لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ}؟ [ركونًا] منهم إلى الدنيا، وإيثارًا للدَّعَة فيها والخَفْض على مكروه [لقاء العدوّ] ومشقَّة حربهم وقتالهم، {لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ} [النساء/77] يعني: [إلى أن] يموتوا على فُرُشهم وفي منازلهم. قال: وبنحو الذي قلنا: إن هذه [الآية] نزلت فيه قال أهل التأويل». ثم ذكر من طريق عمرو بن دينار [عن] عكرمة عن ابن عباس: أن عبد الرحمن بن عوف وأصحابه أتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: يا رسول الله، كنَّا في عزّةٍ ونحن مشركون، فلما آمنّا صرنا أذلَّة، فقال: «إني أمرت بالعفو فلا تقاتلوا»، فلما حوَّله الله إلى المدينة، أُمِر بالقتال فكفُّوا، فأنزل الله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ} الآية [النساء/77]. ومن طريق حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ} عن الناس {فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ}: نزلت في أناس من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال ابن جريج: وقوله: {وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ} [النساء/77].قال: إلى أن نموت موتًا هو الأجل القريب. وذكر عن قتادة أنها في أُناس من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - تسرَّعوا إلى القتال، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذٍ بمكة قبل الهجرة، فنهاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك. قال:

(1/42)


ثم أُمِروا بذلك (1)، قال: [فلما] كانت الهجرة وأُمروا بالقتال كَرِه القومُ ذلك، فصنعوا منه [ما تسمعون]، فقال الله عز وجل: {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا} [النساء/77]. وعن السُّدي نحو ذلك. قال: وقال [آخرون: بل] نزلت هذه الآية وآيات بعدها في اليهود، ثم ذكر من طريق [شِبْل، عن] ابن أبي نَجيح، عن مجاهد {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ} إلى قوله: {لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء/77 - 83]: ما بين ذلك في اليهود. ثم روى عن محمد بن سعد، عن أبيه، عن عمه، عن أبيه، عن أبيه (2)، عن ابن عباس: نهى الله هذه الأمة أن يصنعوا صنيعهم. وأقوال جميع المفسرين في هذه الآية على هذا المعنى تدور، وما أشبه استدلال من استدلَّ بها على ترك رفع اليدين في الصلاة باستدلال من استدل بقوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ} [الماعون/4] على ذم أهل الصلاة، واكتفى من الآية بكلمة. فصل * وأما حديث البراء بن عازب: أنه - صلى الله عليه وسلم - رفع يديه عند الافتتاح ثم لم _________ (1) كذا في الأصل وبعض نسخ التفسير، وفي الأخرى: «قال: لم أومر بذلك». (2) صحَّح عليها في الأصل.

(1/43)


يَعُد (1). فهذه اللفظة قد حكم ببطلانها ووقوع الغلط أئمةُ الإسلام والحديث؛ كعبد الله بن المبارك، ويحيى بن معين، والبخاري، وعلي بن المديني، وعبد الله بن الزُّبير الحُمَيدي، وعثمان بن سعيد الدارمي، والإمام أحمد، وأبي داود، والترمذي، والشافعي [ق 12]، وابن خزيمة، والدارقطني، والحاكم، والبيهقي، وخلق سواهم، ونحن نذكر كلامهم في ذلك. فأما الطريق الأولى: ففيها محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وهو ضعيف عندهم لا يُحْتجّ بحديثه. ذكر ابن عدي (2)، عن عبد الله (3) بن أحمد قال: سألت أبي عن ابن أبي ليلى فقال: مضطرب الحـ [ـديث]. وقال ابن معين: سيئ الحفظ ضعيف الحديث (4). وقال [يحيى بن] يعلى المُحَاربي: طَرَح زائدةُ حديثَ ابنِ أبي ليلى. وقال الـ [ـسعدي] (5): ابن أبي ليلى واهي الحديث سيئ الحفظ. وقال أبو داود [عن شعبة] (6): ما [رأيت] أحدًا أسوأ حفظًا من ابن أبي _________ (1) أخرج البخاري في «رفع اليدين» (ص 84)، وأبو داود (749)، والدارقطني: (1/ 293)، وغيرهم. (2) في كتابه «الكامل»: (6/ 183). (3) (ف): «عبدالله الرحمن»! (4) انظر بعض الأقوال في «الضعفاء والمتروكون»: (3/ 76) لابن الجوزي، و «تهذيب الكمال»: (6/ 403). (5) السعدي: هو أبو يعقوب الجوزجاني، ذكره في كتابه «أحوال الرجال» (ص/71). (6) سقط من الأصل والاستدراك من «الكامل»: (6/ 183)، و «تهذيب التهذيب»: (9/ 269). وأبو داود هو الطيالسي.

(1/44)


ليلى. وقال النسائي: ليس بالقوي (1). وقال أبو حاتم الرازي: شُغِل بالقضاء فساء حفظُه، ولا يُتهم بشيء من الكذب، إنما يُنكر عليه كثرة الخطأ، فلا يحتجُّ به (2). وقال ابن حبان: كان فاحش الخطأ رديء الحفظ، فكثرت المناكير في حديثه، فاستحقَّ الترْك، ترَكه أحمد ويحيى (3). وقال الدارقطني: هو رديء الحفظ كثير الوهم (4). وقد قال أبو داود بعد تخريج هذا الحديث: هذا الحديث ليس بصحيح (5). * * * وأما الطريق الثانية: ففيها يزيد بن أبي زياد أبو عبد الله الهاشمي. _________ (1) «الضعفاء والمتروكون» (ص/232). (2) «الجرح والتعديل»: (7/ 323). (3) «المجروحين»: (2/ 244). (4) «السنن»: (2/ 362) للدارقطني. (5) «السنن» بعد رقم (752).

(1/45)


قال البخاري (1): «قال سفيان ــ هو ابن عيينة ــ: لما كبر الشيخ ــ يعني: يزيدًا ــ لقّنوه «ثم لم يعد». فقال: «ثم لم يعد» (2). قال البخاري: وكذلك روى الحفَّاظ ممن سمع من يزيد بن أبي زياد قديمًا [منهم] الثوري وشعبة وزهير، ليس فيه: «ثم لم يعد». حدثنا [محمد] بن يوسف، ثنا سفيان، عن يزيد بن أبي زياد، عن ابن أبي ليلى، عن [البراء قال]: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يرفع يديه إذا كبَّر حَذْو [أذنيه] (3). قال البخاري: وروى وكيع عن ابن أبي ليلى، عن أخيه عيسى [والحكم] ابن عُتَيبة (4)، عن ابن أبي ليلى، عن البراء قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يرفع يديه إذا كبر، ثم لم يرفع (5). قال البخاري: [وإنما] روى ابن أبي ليلى هذا من حفظه. فأما من حدَّث عن ابن أبي ليلى من كتابه، فإنما حَدَّث عن ابن أبي ليلى عن يزيد، فرجع الحديث إلى تلقين يزيد، والمحفوظ عنه ما رواه الثوري وشعبة وابن عُيينة قديمًا» انتهى. _________ (1) «رفع اليدين» (ص 84 - 90). ووقع في الأصل: «ألقنوه» بزيادة الهمزة. (2) ونقله الحميدي في «مسنده» (741). (3) وأخرجه من طريق الثوري عبدُالرزاق في «المصنف»: (2/ 70)، ومن طريقه أحمد (18702). (4) «الحكم» مطموسة و «عتيبة» تحرفت إلى «عيينة» والتصحيح من كتاب «الرفع» وغيره. وسيأتي عند المصنف على الصواب (ص/160). (5) رواه ابن أبي شيبة رقم (2455) قال: حدثنا وكيع به وسيأتي (ص 160).

(1/46)


وقال عثمان بن سعيد الدارمي: سألت أحمد بن حنبل عن هذا الحديث فقال: لا يصح هذا الحديث (1). وقال محمد بن يحيى الذُّهلي: سمعت أحمد بن حنبل يقول: هذا حديث واهٍ (2). ورواه الشافعي (3) عن ابن عيينة، عن يزيد، ولفظه: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا افتتح الصلاة رفع يديه. قال ابن عيينة: ثم قدمت الكوفة، فلقيت يزيد بها (4) فسمعته يحدِّث بهذا، وزاد فيه: «ثم لا يعود» (5)، وظننت أنهم قد لقَّنوه. قال الشافعي: وذهب سفيان إلى تغليط يزيد (6). وقال ابن عبدالبر (7): تفرد به يزيد بن أبي زياد [ق 13] ورواه شعبة، _________ (1) رواه عنه البيهقي في «الكبرى»: (2/ 76). (2) رواه البيهقي عنه في «معرفة السنن»: (1/ 548). هكذا وقع بالأصل «محمد بن يحيى الذهلي»، والذي في كتاب البيهقي النقل عن ابنه «يحيى بن محمد بن يحيى» الملقب: حَيكان، وهو كذلك في «تهذيب السنن»: (1/ 380 - ط. المعارف) للمؤلف. فلعله وهم من الناسخ. (3) في «الأم»: (2/ 236). (4) الأصل: «يزيدًا» مصروفة. وقوله: «بها فسمعته» لحق في الهامش لم يظهر إلا آخره. (5) في «الأم»: «ثم لم يعد». (6) وبقية كلام الشافعي: «وذهب سفيان إلى تغليط يزيد في هذا الحديث ويقول: كأنه لقن هذا الحرف الآخر فَلَقِنَه، ولم يكن سفيان يصف يزيد بالحفظ لذلك». (7) في «التمهيد»: (9/ 219 - 220).

(1/47)


والثوري، وابن عيينة، وهُشَيم، وخالد بن عبد الله، لم يذكر أحدٌ منهم: «ثم لا يعود». وقال يحيى بن معين: يزيد بن أبي زياد ضعيف الحديث (1). وقال ابن عدي: ليس بذلك (2). وقال عبد الله بن الزّبير: قلنا للمحتجِّ بهذا (3): إنما رواه يزيد، ويَزيد يزيدُ. وقال أحمد: لا يصح عنه هذا الحديث. وقال الدارمي: ومما يحقِّق قول سفيان ــ أنهم لقَّنوه هذه الكلمة ــ: أن الثوري و [زهير بن] معاوية وهُشَيمًا وغيرهم من أهل العلم لم يجيئوا بها، إنما جاء [بها من] سمع منه بأَخَرةٍ (4). قال البيهقي (5): «وقد رواه إبراهيم بن بشَّار، عن سفيان، ثنا يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء بن عازب قال: رأيت _________ (1) نقلها في «الكامل»: (7/ 275) من رواية أحمد بن علي بن المثنى. (2) كذا بالأصلين، والذي في «الكامل»: (7/ 275): «عن عبد الله بن أحمد عن أبيه: يزيد بن أبي زياد حديثه ليس بذاك». والذي قاله ابن عدي في آخر ترجمته (7/ 176): «ومع ضعفه يكتب حديثه». (3) سقط من (ف). (4) نقله البيهقي في «الكبرى»: (2/ 76). وانظر «تهذيب السنن»: (1/ 382) للمؤلف. (5) المصدر نفسه: (2/ 77).

(1/48)


النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا افتتح الصلاة رفع يديه، وإذا أراد أن يركع، وإذا رفع رأسه من الركوع. قال سفيان: فلما قدمتُ الكوفةَ سمعته يقول: يرفع يديه إذا افتتح الصلاة ثم لا يعود. فظننتُ أنهم لقَّنوه». انتهى. فهذه ثلاثة أوجه عن يزيد، فلو قُدِّر أنه من الحفّاظ الأثبات وقد اختلف حديثه؛ لوجب تركه والرجوع إلى الأحاديث الثابتة (1) التي لم تختلف، مثل حديث الزُّهري عن سالم عن أبيه ونحوه، فمعارضتها بمثل هذا الحديث الواهي المضطرب معارضة باطلة. وقال الدارقطني (2): إنما لُقِّن يزيد في آخر عمره: «ثم لا يعود» فتلقَّنه، وكان قد اختلط. وقال سليمان الشاذكوني: سمعت سفيان بن عُيينة يقول: اجتمع الأوزاعي والثوري بمنى، فقال الأوزاعي للثوري: لِمَ لا ترفع يديك [في] خفض الركوع ورفعه؟ فقال الثوري: حدثنا يزيد بن أبي زياد. قال الأوزاعي: أروي لك عن الزهري، عن سالم، عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وتعارضني بيزيد بن أبي زياد، ويزيد رجل ضعيف الحديث، وحديثُه مخالف للسنة! قال: فاحْمارّ وجهُ سفيان. قال الأوزاعي: كأنك كرهتَ ما قلتُ! قال الثوريُّ: نعم، قال الأوزاعي: قم بنا إلى المقام نَلْتَعِن أيُّنا على _________ (1) (ف): «الثانية» خطأ. (2) في «السنن»: (1/ 294).

(1/49)


الحقّ، قال: فتبسَّم الثوريُّ لمَّا رأى الأوزاعيَّ احتدَّ (1). قال الحاكم: ثم يعارضه ما روى إبراهيم بن بشَّار عن سفيان بن عيينة، عن يزيد بن أبي زياد، فذكر الحديث وزاد فيه ذِكْر الرفع عند الركوع وبعده. قال سفيان: فلما قدمتُ الكوفة سمعتُه يقول: «ثم لا يعود»، فظننتُ أنهم لقَّنوه (2). قال الحاكم: لا أعلم ساق المتن بهذه الزيادة عن سفيان بن عيينة غير إبراهيم بن بشَّار الرَّمادي، وهو ثقة مأمون من الطبقة الأولى من أصحاب ابنِ عُيينة، جالس ابنَ عُيينة نيفًا وأربعين سنة (3). فصل وأما حديث ابن مسعود أنه قال: ألا أصلي بكم [ق 14] صلاةَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلم يرفع يديه إلا في (4) أول مرة (5). _________ (1) أخرجه البيهقي في «الكبرى»: (2/ 82). (2) ذكره عنه البيهقي في «الكبرى»: (2/ 77)، وفي «الخلافيات - كما في مختصره»: (2/ 80) للخمي. وانظر «البدر المنير»: (3/ 488 - 489)، و «نصب الراية»: (1/ 402 - 403). (3) نقله عنه البيهقي «الخلافيات - مختصره»: (2/ 80 - 81) للخمي. وانظر «البدر المنير»: (3/ 489)، و «نصب الراية»: (1/ 403). (4) سقطت من (ف). (5) أخرجه أحمد في «المسند» رقم (3681)، وأبو داود (748، 751)، والترمذي رقم (257)، والنسائي في «الصغرى» (1058)، و «الكبرى» (649، 1100)، وابن أبي شيبة في «المصنف» رقم (2456)، والبيهقي في «الكبرى»: (2/ 78) وغيرهم. وقال أبو داود عقبه: «ليس هو بصحيح على هذا اللفظ».

(1/50)


حديثٌ لا يثبت، تكلم فيه أئمة أهل (1) الحديث؛ فقال ابن المبارك: لا يثبت هذا الحديث (2). وقال غيره: لم يسمع عبد [الرحمن] بن الأسود من علقمة هذا الحديث. قال سفيان بن عبد [الملك]: سمعت ابنَ المبارك لم يُثْبِت حديث ابن مسعود. وقال عـ [ـبدالرحمن] ابن أبي حاتم في كتاب «العلل» (3): سألت أبي عن هذا الحديث، فقال [أبي: هذا] خطأ، يقال: وَهِمَ فيه الثوري. وروى هذا الحديث جماعةٌ عن عاصم، فقالوا كلهم: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - افتتح فرفع [يديه] ثم ركع وطَبَّق (4)، ولم يقل أحدٌ ما روى الثوري. _________ (1) سقطت من (ف). (2) ذكره الترمذي عقب الحديث، والدارقطني: (1/ 293) مختصرًا، وأسنده البيهقي عن الحاكم مطولًا، في «الخلافيات- مختصره»: (2/ 75)، وفي «السنن الكبرى»: (2/ 79) ونصه: «عن سفيان بن عبد الملك قال: سمعت عبد الله بن المبارك يقول: لم يثبت عندي حديث ابن مسعود: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رفع يديه أول مرة ثم لم يرجع. وقد ثبت عندي حديث رفع اليدين، ذكره عبيد الله ومالك ومعمر وابن أبي حفصة عن الزهري عن سالم عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال: وأراه واسعًا. ثم قال عبد الله: كأني أنظر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يرفع يديه في الصلاة لكثرة الأحاديث وجودة الأسانيد». وذكره في «نصب الراية»: (1/ 394) وانظرحاشيته. (3) رقم (258). (4) بعده في العلل: «وجعلها بين ركبتيه». وفي الأصل كتب أولًا: «فطبق» بالفاء، ثم وضع فوقها علامة التضبيب وكتبها مرة أخرى بالواو. وهي في «تهذيب السنن» و «العلل» بالفاء.

(1/51)


وقال الحاكم: خبر ابن مسعود مختصر، وعاصم بن كُلَيب لم يُخرَّج حديثه في الصحيح (1). قلت: وليس كما قال الحاكم، فقد احتجَّ به مسلم، إلا أنه ليس في الحفظ بذاك. وأما إنكار سماع عبد الرحمن من علقمة فليس بشيء، فقد سمع منه وهو ثقة، وأُدْخِل على عائشة وهو صبي (2)، ولكن معارضة سالمٍ عن أبيه _________ (1) ذكره المصنف في «تهذيب السنن»: (1/ 377). ونقله عنه تلميذه البيهقي في «الخلافيات- مختصره»: (2/ 75)، والزيلعي في «نصب الراية»: (1/ 395) نقلًا عن السنن للبيهقي، ولم أجده فيه. ونصه في «الخلافيات»: «هذا الخبر مختصر من أصله، وعاصم بن كليب لم يخرج حديثه في الصحيحين (كذا وصوابه: الصحيح) وذلك أنه كان يختصر الأخبار ويؤديها على المعنى، وهذه اللفظة (لم يعد) غير محفوظة في الخبر». وعلق البيهقي: «يريد ــ والله أعلم ــ صحيح البخاري لأن مسلمًا قد أخرج حديثه عن أبي بردة عن علي رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في مسألة الحلي والسواد» اهـ. قلت: كذا (الحلي والسواد) ولعله مصحّف عن: (الهدى والسداد). وأراد البيهقي حديث مسلم رقم (2725): «عن عاصم بن كليب عن أبي بردة عن علي قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: قل: اللهم اهدني وسددني، واذكُر بالهدى هدايتَك الطريق، والسداد سدادَ السهم». (2) قال ابن دقيق العيد في رد هذه العلة: «إنه غير قادح، فإنه عن رجل مجهول، وقد تتبعت هذا القائل فلم أجده، ولا ذكره ابن أبي حاتم في مراسيله، وإنما ذكره في كتاب الجرح والتعديل) 5/ 209)، فقال: وعبد الرحمن بن الأسود، دخل على عائشة وهو صغير، ولم يسمع منها، وروى عن أبيه وعلقمة، ولم يقل: إنه مرسل، وذكره ابن حبان في كتاب الثقات (5/ 78)، وقال: إنه مات سنة تسع وتسعين، وكان سنه سن إبراهيم النخعي، فإذا كان سنه سن النخعي، فما المانع من سماعه عن علقمة، مع الاتفاق على سماع النخعي منه؟! ومع هذا كله، فقد صرح الحافظ أبو بكر الخطيب في كتاب المتفق والمفترق (رقم 814) في ترجمة عبد الرحمن هذا، أنه سمع أباه وعلقمة، انتهى». نقله في «نصب الراية»: (1/ 395) عن كتاب «الإمام» وليس في المطبوع منه.

(1/52)


ونافع عنه بعاصم بن كُلَيب عن عبد الرحمن بن الأسود، مع كون هذا مثبتًا متضمنًا لزيادة علم، وخبرُ عاصمٍ نافٍ= معارضة فاسدة. وقال الأثرم: قال أبو عبد الله: كان وكيع يقول في الحديث: «يعني» وربما طرح «يعني» وذكر تفسير (1) الحديث. ثم قال أحمد: [عن] عاصم ابن كليب سمعته (2) منه، يعني من وكيع غير مرة [فيه «ثم لم يعد»، فقال لي أبو عبد الرحمن الوكيعي (3): كان وكيع يقول فيه «يعني: ثم لم يعد» وتبسَّم أحمد] (4). وقال الخلال في كتاب «العلل»: أخبرنا المرُّوذي أن أبا عبد الله سُئل عن حديث عاصم بن كُليب عن عبد الرحمن بن الأسود (5)،عن علقمة، عن عبد الله، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الرفع، [و] قال: «ثم لا يعود». قال: رواه مرة كذا ومرة كذا، وكأنّه ضعَّف قولَه: «ثم لا يعود» (6). _________ (1) كذا في الأصل و (ف) وهو الصواب، وفي «تهذيب السنن»: (ق 41 - المحمودية) والمطبوعة: (1/ 377): «نفس» تصحيف. (2) الأصل: «سمعه» والمثبت من «تهذيب السنن». (3) هو: أحمد بن جعفر الكوفي الوكيعي الضرير (ت 215). «تاريخ بغداد»: (4/ 58)، و «السير»: (10/ 575 - 576). (4) ما بين المعكوفات مستدرك من «تهذيب السنن»: (1/ 377 - 378) للمصنف، وانظر «العلل»: (1/ 370) لأحمد. (5) كتب أولًا: «ابن أبي ليلى» ثم ضرب عليها. (6) بنحوه في «العلل»: (1/ 370 - 371)، و «التمهيد»: (9/ 219).

(1/53)


وقال غير المرُّوذي: وقال [أبو عبد الله] (1): وكيع يَثْبِجُ (2) الحديث؛ لأنه كان يحمل على نفسه في حفظ الحديث. وأنكروا روايته: «ثم لا يعود» (3). قال الخلال: وأخبرنا عبد الله (4)، قال: ذكرتُ لأبي حديث الثوري، عن حُصَين، عن إبراهيم، عن عبد الله: أنه كان يرفع يديه في أول الصلاة ثم لا يعود، فقال: حدثناه هُشَيم، عن حُصَين، عن إبراهيم، لم يَجُزْ به إبراهيم. وهُشيمٌ أعلم بحديث حصين (5). قال الخلال: وقال غير عبد الله: قلت لأبي عبد الله: أفيثبتُ عن عبد الله بن مسعود بإسنادٍ موصول؟ قال: لا، إنما هو عن إبراهيم عن عبد الله، يعني: منقطع. _________ (1) زيادة متعينة، وانظر «العلل»: (1/ 371) لأحمد. (2) الأصل و (ف): «يقبّح» تحريف قبيح! والمثبت من «العلل»: (1/ 371) لأحمد رواية ابنه عبد الله، و «بيان الوهم والإيهام»: (3/ 367). ومعنى «يثبج الحديث» يعني يضطرب فيه ولا يبينه. (3) انظر «العلل»: (1/ 371). قال ابن القطان الفاسي في «بيان الوهم»: (3/ 365): «وإنما المنكر فيه على وكيع زيادة: (ثم لا يعود) قالوا: إنه كان يقولها من قِبَل نفسه. وتارة لم يقلها، وتارة أتبعها الحديث، كأنها من كلام ابن مسعود. وأبو عبد الله المروزي، الذي توهم أبو محمد عبد الحق أنه ضعف الحديث المذكور، إنما اعتنى بتضعيف هذه اللفظة، وكذلك أحمد بن حنبل وغيره. فأما الحديث دونها فصحيح كما قال الدارقطني». (4) هو ابن أحمد وكلامه في «العلل»: (1/ 370). (5) حديث الثوري أخرجه عبدالرزاق: (2/ 71)، وحديث هشيم أخرجه ابن أبي شيبة رقم (2460).

(1/54)


قال الخلال: وقال عبد الله (1): ذكرتُ لأبي حديث محمد بن جابر، عن حماد، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله في الرفع (2)، فقال: هذا ابن جابر وأيشٍ حديثُه! هذا حديث منكر، أنكره جدًّا. قال عبد الله (3): وسألت يحيى بن معين عن محمد بن جابر، فذَمَّه، [ق 15] وقال: لا يحدِّث عنه إلا من هو شرٌّ منه. قال البخاري في كتاب «الرفع» (4): «وقال يحيى بن آدم: نظرت في كتاب عبد الله بن إدريس عن عاصم بن كُليب ليس فيه: «ثم لم يَعُد بَعْد» (5). _________ (1) في «العلل»: (1/ 373 - 374). و «المسائل» (1/ 241 - 242): (2) أخرجه الدارقطني: (1/ 295)، والبيهقي: (2/ 79)، وابن عدي في «الكامل»: (6/ 152). قال الدارقطني عقبه: «تفرد به محمد بن جابر وكان ضعيفًا عن حماد عن إبراهيم. وغير حماد يرويه عن إبراهيم مرسلًا عن عبد الله من فعله غير مرفوع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو الصواب». ونقل البيهقي في «معرفة السنن»: (1/ 552) تضعيفه عن الحاكم. (3) في «العلل»: (1/ 374)، و «المسائل»: (1/ 242). (4) (ص/79 - 80). (5) قول يحيى بن آدم نقله البخاري عن الإمام أحمد، وذكره أحمد في «العلل»: (1/ 370) رواية عبد الله، لكن لفظه فيه: «قال أحمد: حدثنا يحيى بن آدم قال: أملاه عَلَيّ عبدُ الله بن إدريس من كتابه عن عاصم بن كليب عن عبد الرحمن بن الأسود قال: حدثنا علقمة عن عبد الله قال: علمنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصلاة فكبر ورفع يديه ثم ركع وطبق يديه وجعلهما بين ركبتيه ... [يعني: فلم يقل: ثم لا يعود] حدثني عاصم بن كُليب هكذا».

(1/55)


قال البخاري: فهذا أصح لأن الكتاب أحفظ عند أهل العلم؛ لأن الرجل ربما حدث بالشيء ثم نظر إلى الكتاب فيكون كما في الكتاب». وقد ذكر البخاري أن المحفوظ في حديث ابن مسعود الرفع عند التكبير والسكوت عن غيره، وفرَّق بين السكوت والنهي؛ فرواه بعضهم بالمعنى، وظن أن سكوته عن ذكر الرفع إخبار بعدم العود إليه، فقال: «ثم لم يعد». قال البخاري: «[حدثنا الحسن بن الربيع] (1)، حدثنا ابن إدريس، عن عاصم بن كُليب، عن عبد الرحمن بن الأسود قال: ثنا علقمة: أن عبد الله قال: علَّمنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقام فكبّر ورفع يديه، ثم ركع فطبَّق يديه وجعلهما بين ركبتيه، فبلغ ذلك سعدًا فقال: صدق أخي قد كنا نفعل ذلك في أول الإسلام، ثم أُمرنا بهذا (2). قال البخاري: وهذا هو المحفوظ عند أهل النظر من حديث عبد الله ابن مسعود». وناهيك بقول إمام السنة على الإطلاق: إن هذا هو المحفوظ، ويدل على أن تلك الروايات بأسرها غير محفوظة، وأنها خطأ وسهو، ورُوِيَت على المعنى من غير مطابقةٍ له (3). _________ (1) سقط من الأصل، و مستدرك من كتاب البخاري (ص 83). (2) أخرجه ابن أبي شيبة رقم (2555)، وأحمد في «المسند» (3974)، و «العلل»: (1/ 370)، وأبو داود (747)، والنسائي (1031)، وابن خزيمة (595) وغيرهم. (3) وانظر «المنار المنيف»: (ص/133) للمصنف.

(1/56)


فصل وظن بعضُهم أنَّ الرفعَ منسوخ من قوله: قد كنا نفعل ذلك في أول الإسلام، وهذا من فرط قصوره في السنة؛ إذ الإشارة فيه (1) إلى التطبيق (2) وأنه كان في أول الإسلام، ثم أُمروا بوضع الأيدي على (3) الرُّكَب. وضعَّفَ أيضًا هذا الحديث أبو حاتم البُسْتي في كتابٍ أفرده في الصلاة، فقال فيه: وهذا الحديث له علة توهِّنه؛ لأن وكيعًا اختصره من حديث طويل، ولفظة «لم يعد» إنما كان وكيع يقولها في آخر الحديث مِنْ قِبَله، وقَبْلها: يعني (4)، فربما أسقط «يعني». وقد تقدم تضعيف البخاري وابن المبارك وأحمد بن حنبل ويحيى ابن آدم، وضعفه الدارمي والحميدي الكبير، والدارقطني والبيهقي. وهؤلاء أئمة هذا الشأن في زمانهم. قال البخاري (5): «ولم يثبت عند أهل النظر ممن أدركنا من أهل _________ (1) طمست في الأصل وبقي بعض أثرها، وسقطت من (ف). (2) التطبيق هو: أن يجعل المصلي إحدى كفيه على الأخرى، ثم يجعلهما بين ركبتيه إذا ركع. قاله في «المغني»: (2/ 175). (3) مطموسة في الأصل. (4) «يعني» ملحقة في الهامش ولم تظهر بسبب الطمس، والمثبت من «تهذيب السنن»: (1/ 378) للمؤلف فقد نقل النص نفسه هناك. (5) كتاب «الرفع»: (ص/96). وعنده تقديم أثر الحسن وابن سيرين على حديث ابن عمر رضي الله عنهما. وأخرجه أيضًا البخاري في «صحيحه» رقم (738)، ومسلم رقم (390).

(1/57)


الحجاز وأهل العراق، منهم عبد الله بن الزبير، وعلي بن عبد الله بن جعفر، ويحيى بن معين، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن إبراهيم، هؤلاء أهل العلم من أهل زمانهم، فلم يثبت عند أحدٍ منهم علمتُه في ترك رفع الأيدي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا عن أحدٍ من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لم يرفع يديه. حدثنا أبو اليمان، ثنا شُعَيب، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [إذا] (1) افتتح التكبير في الصلاة رفع يديه حين يكبر، حتى يجعلهما حذو منكبيه، وإذا كبر للركوع فعل مثل ذلك، وإذا قال: «سمع الله لمن حمده» فعل مثل ذلك، وقال: «ربَّنا [ق 16] ولك الحمد»، ولا يفعل ذلك حين يسجد ولا حين يرفع رأسه من السجود. ثم ذكر عن الحسن وابن سيرين أنهما كانا يقولان: هو من تمام الصلاة (2). وإنما ذكرنا هذا لئلا يُحْمَل كلامُ البخاري وهؤلاء الأئمة على أنّ [المراد] تكبيرة الافتتاح خاصة، فإنهم إنما قصدوا الردَّ على من أنكر الرفع عند الركوع والرفع منه، فإياه قصدوا وإبطال قوله عَـ [ـنَوا] (3). _________ (1) مستدرك من كتاب «الرفع». (2) تقدم (ص/34). (3) ما بين المعكوفات في هذه الفقرة مطموس بالأصل وبياض في (ف)، ولعله ما أثبت.

(1/58)


قال الرافعون: ولو سلّمنا ــ على طريق التنزُّل ــ صحّةَ حديث ابن مسعود، لم يكن فيه حجة، كما لم يكن فيه حجة على استحباب التطبيق في الركوع، مع أنه لم يخالفه من الأحاديث كأحاديث الرفع. و [ما] ذكرتم من ترجيح حديث ابن مسعود في ترك الرفع لزمكم مثله سواء في التطبيق. ولو كان التطبيق مذهبكم لنصرتموه بهذه الطريق كما نصرتم ترك الرفع، فإنكم تدورون مع نُصْرة المذهب حيث كان. فإن قلتم: التطبيق منسوخ. قلنا: فما الذي جعله منسوخًا دون ترك الرفع، وهما في حديث واحد، وأحاديث الرفع أكثر من أحاديث وضع الأيدي على الرُّكَب وأصح، واشتهارُها في الأمة بحيث لا تخفى؟ فإن قلتم: قدمنا قول سعد: «ثم أُمِرْنا بالرُّكَب» على فِعل ابن مسعود في التطبيق. قيل: فهلَّا قدمتم أحاديث من ذكرنا أحاديثَهم والآثار عنهم بذلك على ترك ابن مسعود الرفع، وقلتم: خفي على ابن مسعود الرفعُ كما خفي عليه ترك التطبيق؟! فإن قلتم: رفع اليدين [أمر ظاهر] يُشاهِدُه من وراء الإمام، وأَخْذُ الرُّكب في الركوع لا [يطلع عليه] (1) من وراء الإمام فهو في مظنة الخفاء. _________ (1) ما بين المعكوفات طمس في الأصل، وبدت بعض آثاره، فلعله ما أثبت.

(1/59)


قلنا: أجل، ولذلك [روى] رفعَ اليدين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مَن ذَكَرْنا من الصحابة، [واقتدى] الناسُ بصلاته وفعلوه من بعده، ولولا أنه أمر ظاهر ... (1) يُرَى [لما] أقدموا عليه بلا مشاهدة منهم له، كيف وقد [رواه عنه] - صلى الله عليه وسلم - من رواه منهم، والباقون إنما فعلوا ذلك مستندين إلى مشاهدته، ففعلهم في مثل هذا يجري مجرى الرواية؛ لأنهم أعلم بالله وأَتْبَع لرسوله من أن يزيدوا في الصلاة فعلًا منهم من غير توقيفٍ عليه من نبيهم - صلى الله عليه وسلم -. ولو قيل: إن عملهم هنا أبلغ من الرواية لكان قولًا (2)؛ لأن الرواية المجرَّدة يتطرَّق إليها من احتمال النَّسْخ وغيره ما لا يتطرَّق إلى العمل المتوارَث، وهو بحمد الله واضح. قالوا: وقد ترك الناس من عمل ابن مسعود مسائل في الصلاة (3): إحداها: التطبيق (4). الثانية: وقوفه في وسط المأمومين إذا كانا اثنين، والسُّنة أن يتقدمهما كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث جابر، فروى مسلم في «صحيحه» (5) عنه قال: قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليصلي، فجئت فقمت عن يساره، فأخذ بيدي _________ (1) لحق لعله بمقدار كلمة لم يظهر بسبب الطمس. وما بين المعكوفات في هذه الفقرة مطموس في الأصل، وبقيت بعض آثاره، استأنست بها فيما أثبتّ. (2) يعني: معتبرًا. (3) انظر «زاد المعاد»: (1/ 218 - 219) للمصنف. (4) تقدم معناه (ص/57). (5) رقم (3010) ضمن حديث طويل.

(1/60)


فأدارني حتى أقامني عن يمينه، ثم جاء جبَّار [ق 17] بن صخر فقام عن يسار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخذ بأيدينا جميعًا، فدفعنا حتى أقامنا خلفه. وفي الترمذي (1) عن سَمُرة بن جندب قال: أمَرَنا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كنا ثلاثة أن [يتقدَّمنا] أحدُنا. وخفي على ابن مسعود هذا، فكان يقف في الوسط، و [يجعل] أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره، ويقول: هكذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصنع (2). _________ (1) رقم (233). وما بين المعكوفين منه وطمس بالأصل. وأخرجه الطبراني في «الكبير»: (7/ 228) وقال الترمذي عقبه: «حديث سمرة حديث حسن غريب. والعمل على هذا عند أهل العلم، قالوا: إذا كانوا ثلاثة قام رجلان خلف الإمام. وروي عن ابن مسعود أنه صلى بعلقمة والأسود فأقام أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره، ورواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقد تكلم بعض الناس في إسماعيل بن مسلم المكي من قبل حفظه» اهـ. (2) أخرجه مسلم رقم (534)، وأبو داود رقم (613)، والنسائي رقم (800). قال الزيلعي في «نصب الراية»: (2/ 33 - 34): «قال المنذري في مختصره: قال ابن عبدالبر (التمهيد 1/ 267): هذا الحديث لا يصح رفعه، والصحيح عندهم التوقيف على ابن مسعود، أنه صلى كذلك بعلقمة والأسود. قال: وهذا الذي أشار إليه أبو عمر قد أخرجه مسلم في «صحيحه» أن ابن مسعود صلى بعلقمة، والأسود، وهو موقوف، وقال بعضهم: (ونقل كلام الحازمي الآتي ذكره قريبًا). ثم نقل نحوه عن النووي. = = قلت: كأنهما ذهلا، فإن مسلمًا أخرجه من ثلاث طرق، لم يرفعه في الأوليين، ورفعه في الثالثة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقال فيه: هكذا فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والدليل عليه (ونقل كلام الترمذي المتقدم). ورواه البيهقي وأحمد من طريق محمد بن إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه، قال: دخلت أنا وعلقمة على ابن مسعود بالهاجرة، فلما زالت الشمس أقام الصلاة، فقمت أنا وصاحبي خلفه، فأخذ بيدي وبيد صاحبي، فجعلنا عن يمينه. ويساره، وقام بيننا، وقال: هكذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصنع إذا كانوا ثلاثة، انتهى. وضُعِّف بابن إسحاق، وقد عنعن، وهو مدلس. وأجيب عن حديث ابن مسعود هذا بثلاثة أجوبة أحدها: أن ابن مسعود لم يبلغه حديث أنس في صلاته مع النبي - صلى الله عليه وسلم - واليتيم. الثاني: أنه كان لضيق المسجد ... والثالث: ذكره البيهقي في «المعرفة» (2/ 379)، قال: وقد قيل: إنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي وأبو ذر عن يمينه، كل واحد يصلي لنفسه، فقام ابن مسعود خلفهما، فأومأ إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - بشماله، فظن عبد الله أن ذلك سنة الموقف، ولم يعلم أنه لا يؤمهما، وعلمه أبو ذر، حتى قال، فيما روي عنه: يصلي كل رجل منا لنفسه، وذهب الجمهور إلى ترجيح رواية غيره على روايته بكثرة العدد، والقائلين به، وبسلامته من الأحكام المنسوخة، انتهى. وقال الحازمي في كتابه «الناسخ والمنسوخ» (1/ 407): وحديث ابن مسعود منسوخ، لأنه إنما تعلم هذه الصلاة من النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو بمكة، وفيها التطبيق، وأحكام أخرى هي الآن متروكة، وهذا الحكم من جملتها، ولما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة تركه، بدليل ما أخرجه مسلم (3010) عن عبادة الوليد عن جابر (وقد سبق الحديث) قال: وهذا دال على أن هذا الحكم هو الآخر، لأن جابرًا إنما شهد المشاهد التي كانت بعد بدر، ثم في قيام ابن صخر عن يسار النبي - صلى الله عليه وسلم - أيضًا دلالة على أن الحكم الأول كان مشروعًا، وأن ابن صخر كان يستعمل الحكم الأول حتى منع منه، وعرف الحكم الثاني» انتهى كلام الزيلعي بتصرف. وما بين الأقواس من تعليقي.

(1/61)


قالوا: فهلَّا [كان] (1) هذا هو الأولى من التقدُّم؟ لأن عبد الله أعلم بالنبي - صلى الله عليه وسلم - و [بسنته]، وليس ثَمَّ ما يعارض حديثه هذا إلا حديث جابر وحديث سَمُرة على ما فيه، وأين هذا المعارض من أحاديث رفع اليدين؟! المسألة الثالثة: مما تُرِك من عمل ابن مسعود رضي الله عنه في الصلاة (2): الاكتفاءُ بالتشهُّد وانقضاء الصلاة به دون التحلل بالتسليم. وقد روى خمسة عشر نفسًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه كان يسلِّم عن يمينه وعن يساره: «السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله» (3)، ولم يثبت عنه خلاف ذلك البتة. وثبت عنه أنه قال: «وتحليلها التسليم» (4). وهذا مضافٌ يقتضي أن لا تحليل لها غيره، فهذا قوله وهذا عمله. _________ (1) لحق لم يظهر بسبب الطمس ولعله ما ذكرته. وما بين المعكوفين بعده مطموس في الأصل، واجتهدتُ في إكماله. (2) «في الصلاة» سقط من (ف). (3) أخرجه مسلم من حديث جابر بن سمرة (431)، وبنحوه عن ابن مسعود (581)، وسعد بن أبي وقاص (582). وقد ذكر المصنف الصحابة الذين رووا التسليم في كتابه «زاد المعاد»: (1/ 258). (4) أخرجه أحمد (1006)، وأبو داود (618)، والترمذي (3)، وابن ماجه (275) من حديث علي رضي الله عنه. والحديث صححه الترمذي والحاكم والنووي وابن حجر. وله شاهد من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. أخرجه الترمذي (238)، وابن ماجه (276).

(1/63)


فتُرِك قولُ ابن مسعود: «إذا قضيت التشهد فقد تمَّت صلاتك، فإن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد» (1). المسألة الرابعة مما تُرِك من عمله: تَرْك الإقامة إذا صلى في البيت دون المسجد والناس [مع استحبـ] ـاب الإقامة، وليس فيها من الأحاديث ما في رفع اليدين. [قالـ] ـوا: فليكن ترك رفع اليدين مسألةً خامسة. وليس أحدٌ إلا [مأخو] ذٌ من قوله ومتروك إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، [ولا] يحلّ ترك [صريح] (2) قولِه الصحيح عنه إلا بناسخ مُتَيقَّن لا شبهةَ فيه، ولا نترك قوله لقول أحد _________ (1) أخرجه أحمد (4006)، وأبو داود (970)، وابن حبان رقم (1961)، والدارقطني: (1/ 352)، والبيهقي: (2/ 174). قال الدارقطني عقبه: «ورواه زهير بن معاوية عن الحسن بن الحر فزاد في آخره كلامًا وهو قوله: «إذا قلت هذا أو فعلت هذا فقد قضيت صلاتك فإن شئت أن تقوم فقم وإن شئت أن تقعد فاقعد» فأدرجه بعضهم عن زهير في الحديث ووصله بكلام النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفصله شبابة عن زهير وجعله من كلام عبد الله بن مسعود. وقوله أشبه بالصواب من قول من أدرجه في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن ابن ثوبان رواه عن الحسن بن الحر كذلك وجعل آخره من قول ابن مسعود، ولاتفاق حسين الجعفي وابن عجلان ومحمد بن أبان في روايتهم عن الحسن بن الحر على ترك ذكره في آخر الحديث مع اتفاق كل من روى التشهد عن علقمة وعن غيره عن عبد الله بن مسعود على ذلك. والله أعلم». «العلل»: (5/ 127) للدارقطني، وانظر «تهذيب السنن»: (1/ 132 - 133) للمصنف، و «الخلاصة»: (1/ 449) للنووي. (2) هنا لحق بالأصل لم يظهر بسبب الطمس، ولعله ما أثبت. وما بين المعكوفات طمس بالأصل بقيت بعض حروفه، فلعله ما أثبت.

(1/64)


سواه البتة. قال أبو عمر في كتاب «الاستذكار» (1): «وما أعلم أحدًا من الصحابة إلا وقد شذَّ عنه من عِلْم الخاصة الوارد بنقل الآحاد أشياء حفظها غيرُه، وذلك على من بعدهم أَجْوَز، والإحاطة ممتنعة عن كلِّ أحد». قالوا: وكم تركتم من أقوال ابن مسعود ولم تأخذوا بها في الفرائض وغيرها، فلم تقولوا بشيء من المسائل الخمس التي انفرد بها ابن مسعود! وروى الشافعي في كتاب «اختلاف علي وابن مسعود» (2) عن الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن عبد الله أنه قال: «الماءُ من الماءِ». ثم قال الشافعي: ولسنا ولا إياهم نقول بهذا، نقول: إذا [مسَّ] (3) الختانُ الختانَ فقد وجب الغسلُ. قال: وهذا القول كان في أول الإسلام ثم نُسِخ. قال الشافعي (4): أخبرنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن شقيق، عن _________ (1) (1/ 23 - دارالكتب العلمية) وفي طبعته أخطاء تصحح من هنا. (2) ضمن كتاب «الأم»: (8/ 394 - ط دار الوفاء). وقد لخص المصنف هذا الكتاب من هنا إلى (ص 83). (3) لحق لم يظهر بالأصل وأكملناه من «الأم». (4) «الأم»: (8/ 395). وما بين المعكوفات هنا وما سيأتي مطموس في الأصل، أثبتناه من كتاب الأم، مستأنسين بما بقي من آثاره في الأصل.

(1/65)


عبد الله قال: الجنب لا يتيمم. قال: وليسوا يقولون بهذا، ولا نعلم أحدًا يقول به. ونحن نروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - [ق 18] أنه أمر الجنب أن يتيمم. ورواه [ابن عُليَّة، عن عوف، عن أبي] رجاء، عن عِمران بن حُصَين: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - [أمر رجلًا أصابته] جنابة أن يتيمم ويصلي. ثم ذكر الشافعي (1) عن مغيرة [عن إبراهيم عن عبد الله] قال: بيع الأمة طلاقُها. قال: وهم يثبتون مرسل إبراهيم، ويروون عنه أنه قال: إذا قلتُ: «قال عبد الله»، فقد حدثني [غير واحد] من أصحابنا (2). وهم لا يقولون بقول عبد الله هذا، ويقولون: [لا يكون] بيع الأمة طلاقها، وهكذا نقول، ونحتجّ بحديث بريرة: أنّ عائشة [اشترتها] ولها زوج ثم أعتقتها، فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - لها الخيار، [ولو] كان بيعها طلاقها لم يكن للخيار معنى، وكانت قد بانت من زوجها بالشراء. قال الشافعي (3): وأخبرنا عَمرو بن الهيثم، عن شعبة، عن الحكم، عن سالم بن أبي الجعد، عن أبيه، عن ابن مسعود في الرجل يزني بامرأة ثم يتزوَّجها، قال: لا يزالان زانيين. _________ (1) في «الأم»: (8/ 435). (2) «الأم»: «أصحابه». (3) «الأم»: (8/ 435).

(1/66)


قال: ولسنا ولا إياهم نقول بهذا، هما آثمان حين زنيا، ومصيبان الحلال حين تناكحا غير زانيين (1). أخبرنا شريك، عن أبي حَصين، عن يحيى بن وثَّاب، عن مسروق، عن عبد الله قال: إذا قال الرجل لامرأته: استلحقي بأهلك، أو وهبها لأهلها فقبلوها، فهي تطليقة، وهو أحق بها. (2) وهم يخالفونه ويزعمون أنها تطليقة بائنة. أخبرنا (3) عبيدالله بن موسى، عن ابن أبي ليلى، عن [طلحة، عن إبر] اهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال: لا يكون طلاق بائن إلا [خُلْع أو] إيلاء. وهم يخالفونه في عامة الطلاق فيجعلونه بائنًا، [وأما نحـ] ـن فنجعل الطلاق كلّه (4) يملك فيه الرَّجْعة إلا طلاق الخلع. ورُوِي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن عمر في البتة: أنها واحدة [يملك فيـ] ـها الرجعة. وأخبرنا هُشَيم (5)، عن إسماعيل بن أبي خالد، [عن] الشعبي، وعن مغيرة، عن إبراهيم، عن عبد الله في الخيار: إن اختارت [نفسـ] ـها فواحدة وهو أحق بها. وهكذا نقول، وهم يخالفونه ويرون الطلاق فيه بائنًا. وأخبرنا حفص، عن الأعمش، عن إبراهيم: [في «اختاري» و «أمرك _________ (1) بعده في «الأم»: «وقد قال عمر وابن عباس نحو هذا». (2) قبله في «الأم»: «وبهذا نقول إذا أراد الطلاق». (3) «الأم»: (8/ 437). (4) «الأم»: «له». (5) «الأم»: (8/ 438).

(1/67)


بيدك» سواء. وبهذا نقول، وهم يخالفونه فيفرقون بينهما. أبو معاوية ويعلى، عن الأعمش، عن إبراهيم] (1)، عن مسروق: أن امرأةً قالت لزوجها: لو أن الأمر الذي بيدك بيدي لطلَّقَتُ (2)، قال: قد جعلتُ الأمر إليك، فطلَّقت نفسَها ثلاثًا، فسأل عُمر عبد الله عن ذلك فقال: هي واحدة وهو أحق بها. وقال (3) عمر: وأنا أرى ذلك. وبهذا نقول إذا جعل الأمر إليها، ثم قال: لم أُرِد إلا واحدة، فالقول قوله، وهي تطليقة يملك فيها الرجعة. وهم يخالفون هذا فيجعلونها واحدة بائنة. وأخبرنا (4) هُشَيم، عن سيَّار وأبي حيان، عن الشعبي: أن رجلًا قال: من يذبح للقوم شاة فأزوجه أول بنت تولد لي. فذبح لهم رجل من القوم، فأجاز عبد الله النكاح. ولسنا ولا إياهم ولا أحد من الناس عَلِمْتُه يقول بهذا، [ق 19] يجعلون للذابح أجر مثله، ولا يكون هذا نكاحًا. قلت (5): حَمَل الشافعي رحمه الله قوله: «من يذبح» على أنه أراد الإجارة، والظاهر أنه أراد من يذبح لهم من ماله شاة فجعلها مهرًا لابنته. وأخبرنا [هُشيم]، عن منصور، عن إبراهيم، عن ابن مسعود قال: كان _________ (1) مابين المعكوفين ساقط من الأصل و (ف) وهو انتقال نظر، ومستدرك من «الأم». (2) «الأم»: «طلقت نفسي». (3) في الأصل كتب فوقها: «كذا» فأقحمها ناسخ (ف) في متن الكلام! فصار النص: «وكذا قال عمر. وأنا أرى ذلك» وهو خطأ. وفي الأم: «فقال عمر: ... ». (4) «الأم»: (8/ 439). (5) هذا التعليق للمصنف.

(1/68)


يكره أن يطأ [الرجل] أَمَته إذا فجرت أو يطأها وهي مُشركة. وهم لا يقولون بهذا، و [يقولون]: لا بأس أن يطأ قبل الفجور وبعده. أخبرنا هشيم، عن ابن أبي ليلى، عن الشعبي، عن عبد الله في الحامل المتوفى عنها: لها النفقة [من] جميع المال. ولسنا ولا أحد (1) يقول بهذا، إذا مات الميت وجب الميراث لأهله. ثم روى الشافعي (2) عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن عبد الله قال: لابأس بالدرهم بالدرهمين. ولسنا ولا إياهم نقول بهذا، نقول بالأحاديث التي رُويت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه نهى [عن الفضة] (3) بالفضة إلا مِثلًا بمثل، وعن الذهب بالذهب إلا مِثلًا بمثل. وقد كان عبد الله لقي أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فنهوه، فلما رجع قال: ما أرى به بأسًا وما أنا بفاعله. أخبرنا (4) هشيم، عن سليمان التيمي، عن أبي عثمان، عن ابن مسعود قال: من ابتاع مُصَرَّاة فهو بالخيار، إن شاء ردَّها وصاعًا من طعام. وهكذا نقول وبهذا مضت السنة. وهم يزعمون أنه إذا حلبها فليس له ردها؛ لأنه قد أخذ منها شيئًا. أخبرنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن زيد بن وهب، عن عبد الله أنه قال في أم الولد: تُعْتق من [نصيـ] ـب ولدها. ولسنا ولا إياهم نقول بهذا، _________ (1) الأصل: «أحدًا» خطأ. (2) «الأم»: (8/ 442). (3) سقطت العبارة من الأصل. (4) «الأم»: (8/ 443).

(1/69)


نقول بحديث عمر: [أنه] أعتق أمهات الأولاد إذا مات ساداتهن، ونقول جميعًا: تعتق من رأس المال. أخبرنا ابن عُلية، عن حماد، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله: أنه كره شراء المصاحف وبيعها. وليسوا يقولون بهذا، [ولا] يرون بأسًا ببيعها وشرائها. ومن الناس من لا يرى بشرائها بأسًا, ونحن نكره بيعها. ثم ذكر الشافعي (1)، [عن شعبة]، عن الأعمش، عن شقيق، عن عبد الله في جراحات الرجال (2) والنساء: تستوي في السن والمُوضِحة، وما خلا فعلى النصف. وهم يخالفون هذا فيقولون: على النصف من كل شيء. أخبرنا (3) سعيد، عن أبي مَعْشَر، عن إبراهيم، عن عبد الله في الذي يُقْتَص منه فيموت، قال: على الذي اقتصَّ منه الدية، ويُرْفَع عنه بقدر جِراحته. وليسوا يقولون بهذا، بل نقول نحن وهم: لا شيء على المقتص؛ لأنه فعل فعلًا كان له أن يفعله. أخبرنا (4) أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم قال: كان عمر وعبد الله يورِّثان الأرحام (5) دون الموالي، وكان عليٌّ أشدهم في ذلك. _________ (1) «الأم»: (8/ 448). وما بين المعكوفين لحق لم يظهر والإكمال من «الأم». (2) الأصل و (ف): «الرجل». والمثبت من «الأم». (3) «الأم»: (8/ 449). (4) السابق: (8/ 453 - 454). (5) كتب في الأصل: «ذوي الأرحام» ثم ضرب على ذوي.

(1/70)


وليسوا يقولون بهذا، يقولون: إذا لم يكن أهل فرائض مسماة ولا عَصَبة [ق 20] ورَّثْنا الموالي، ونقول نحن: لا يرث أحد غير من قد سَمَّينا (1) له فريضة أو عَصَبة. أخبرنا (2) وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم: أن عبد الله شرَّك. وهم يخالفون ويقولون: لانُشَرِّك. ثم [روى] عن عبد الله في ابنتين وبناتِ ابن وبني ابن: للبنتين الثلثان، [وما بقي] فلبني الابن دون البنات. وكذلك قال في الأخوات والإ [خوة للأب] مع الأخوات لأب وأم. قال: ولسنا ولا أحد (3) عَلِمْتُه يقول بهذا، إنما يقول الناس: للبنتين والأخوات (4) الثلثان، وما بقي [فَلِبَني] الابن وبنات الابن، أو للإخوة والأخوات [من الأب] (5) للذَّكر مثل حظِّ الأنثيين. أخبرنا (6) أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم قال: كان (7) عبد الله يُشَرِّك الجدَّ مع الإخوة، فإذا كثروا أوفاه السدس. ولسنا ولا أحد نقول بهذا، أما نحن فنقول: إنه إذا كان مع الإخوة لم ننقصه من الثلث، وأما _________ (1) العبارة في «الأم»: «لا نورث أحدًا غير من سميت ... ». ثم قال: «وهم يورثون الأرحام وليسوا بعصبة ولا مسمى لهم إذا لم تكن موال وقالوا: القول قول زيد والقياس عليه». (2) «الأم»: (8/ 455). (3) الأصل: «أحدًا». (4) «الأم»: «للبنات أو الأخوات». (5) زيادة من «الأم». (6) «الأم»: (8/ 456). (7) تكررت في الأصل.

(1/71)


بعضهم فكان يطرح الإخوة ويكمل (1) المال للجد، وبذلك يقولون. أخبرنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم قال: كان عبد الله يجعل الأكدَريَّة من ثمانية أسهم؛ للأمِّ سهم، وللجدِّ سهم، وللأخت ثلاثة أسهم، وللزوج ثلاثة أسهم. ولسنا ولا أحد يقول بهذا. أخبرنا (2) رجل، عن شعبة، عن الحكم، عن إبراهيم، عن عبد الله قال: أهل الكتاب والمملوكون يَحْجُبون ولا يرثون. وليسوا يقولون بهذا، بل يقولون بقول زيد: لا يَحْجُبون ولا يرثون. أخبرنا (3) سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم: أن عبد الله سئل عن رجل مات وترك أباه مملوكًا، ولم يدع وارثًا، قال: يُشْتَرى من ماله ثم يُعْتَق ويُدْفَع إليه ما ترك. وليسوا يقولون بهذا، يقولون: لا يرث المملوك ولا يورث، ونحن نقول: ماله في بيت المال، وكذلك يقولون هم إن لم يوص (4). أخبرنا (5) حمَّاد بن خالد، عن يونس بن أبي إسحاق، عن أبيه، عن أبي الأحوص قال: قال عبد الله: إذا أدى المكاتَب قيمته فهو حرٌّ. وهم لا يقولون بذلك. _________ (1) في بعض نسخ «الأم»: «وكمل»، وفي الأخرى: «ويجعل». (2) «الأم»: (8/ 457). (3) «السابق»: (8/ 458). (4) «الأم»: «يوص به». (5) السابق: (8/ 460). وليس فيه: «وهم لا يقولون بذلك» بل فيه: «ونحن نروي عن زيد بن ثابت وابن عمر وعائشة: أنه عبد ما بقي».

(1/72)


أخبرنا (1) سفيان، عن مُطرِّف، عن الشعبي، عن ابن مسعود: أنه كان لا يرى على الذي يُصيب وليدةَ امرأته حدًّا ولا عُقْرًا. أخبرنا رجل، عن شعبة، عن منصور، عن رِبْعي، عن عبد الله: أن رجلًا أتاه فذكر له أنه أصاب جارية امرأته، فقال: استغفِرِ الله ولا تَعُد. وهم يخالفون هذا (2). ثم ذكر (3) عن ابن مسعود: أنه وجد امرأةً مع رجل في لحافها على فراشها، فضربه خمسين، فشكوه إلى عمر، فقال: لِمَ فعلت ذلك؟ قال: لأني أرى ذلك، قال عمر: وأنا أرى ذلك. قال الشافعي: وأصحابنا يذهبون إلى أنه يبلغ بالتعزير هذا وأكثر منه إلى ما دون الثمانين بقدر الذنوب. وهم يقولون: لا يبلغ بالتعزير في شيء أربعين، ويخالفون ما رووا عن [ق 21] عمر وابن مسعود. أخبرنا (4) يزيد بن هارون، عن ابن أبي عَرُوبة، عن حمَّاد، عن إبراهيم، عن عبد الله في أم ولد تزني بعد موت سيدها: تُجْلَد وتُنفى. وهم لا يقولون بهذا، يقولون: لا يُنفى أحدٌ زانٍ ولا غيره. ونحن نقول بنفي الزاني _________ (1) «الأم»: (8/ 473). والعُقر هو دية فرج المرأة. «الصحاح»: (2/ 755)، و «مقاييس اللغة»: (4/ 92). (2) بعده في «الأم»: «ويقولون: تعزر». (3) «الأم»: (8/ 474). (4) السابق: (8/ 475).

(1/73)


لسنَّة (1) رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، و [لما] روي عن أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعبد الله بن مسعود، و [أُبَي] بن كعب، وأبي الدرداء، وعمر بن عبد العزيز، كلهم قد رأوا النفي. أخبرنا جرير، عن منصور، عن زيد بن وهب: أن عبد الله دخل المسجد، والإمام راكع، فركع ثم دبَّ راكعًا (2). وهكذا نقول، وقد فعل هذا زيد بن ثابت، وهم ينهون عن هذا ويخالفونه. أخبرنا (3) ابن عُيينة، عن عَمرو (4) بن دينار، عن أبي عبيدة قال: كان عبد الله يصلي الصبح نحوًا من صلاة أمير المؤمنين ــ يعني ابن الزبير ــ بِغَلَس (5). أخبرنا رجل، عن شعبة، عن سلمة بن كُهَيل، عن أبي عمرو الشيباني قال: كان عبد الله يصلي بنا الصبح بِسَواد ــ أو قال: بغلس ــ فيقرأ سورتين، وبهذا جاءت السنة وهو قولنا، وهم يخالفونه ويقولون: بل يُسْفِر. حدثنا (6) محمد بن عُبيدٍ، عن محمد بن إسحاق، عن عبد الرحمن _________ (1) «الأم»: «ينفى الزاني بسنة ... ». (2) ثم ساقه الشافعي بسند آخر عن عبد الله بن مسعود. (3) «الأم»: (8/ 476). (4) في الأصل: «عمير»! وكتب فوقها (واو) صغيرة، والمثبت من الأم. (5) «الأم»: «وكان ابن الزبير يغلس». (6) «الأم»: (8/ 482).

(1/74)


ابن الأسود، عن أبيه: أن عبد الله صلى به وبعلقمة، فأقام أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره، وقال: هكذا كان يفعل النبي - صلى الله عليه وسلم -. وليسوا يقولون بهذا، ونحن معهم نقول: يكونون خلف الإمام. الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة والأسود قالا: دخلنا على عبد الله في داره فصلى بنا، فلما ركع طَبَّق بين كفيه فجعلهما بين فخذيه، فلما انصرف، قال: كأني أنظر إلى اختلاف أصابع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين فخذيه، وأقامَ أحدَنا عن يمينه والآخر عن يساره. وليسوا يأخذون بهذا ولا نحن. ثم ذكر أخْذَه بحديث أبي حُميد الساعدي: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ركع وضع يديه على ركبتيه. ثم قال (1): أخبرنا ابن عُلَيَّة، عن محمد بن إسحاق، حدثني [علي بن] (2) يحيى بن خلَّاد الزُّرَقي، عن أبيه، عن عمه رفاعة بن رافع: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لرجل: «إذا ركعت فضع يديك على ركبتيك». شعبة، عن عَمْرو بن مرَّة، عن عبد الله بن سلمة قال: صلى عبد الله بأصحابه الجمعة ضحًى، وقال: خشيتُ الحرَّ عليكم. وليسوا يقولون بهذا ولا يقول به أحد. صلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، والأئمة بعده في كل جمعة بعد زوال الشمس. _________ (1) «الأم»: (8/ 484). (2) سقط من الأصل و (ف) وهو في «الأم». والحديث أخرجه أحمد (18995)، وأبو داود (859)، والترمذي (302) وقال: حديث حسن.

(1/75)


قلت (1): ذهب إلى هذا عبد الله بن الزبير، وهو مذهب الإمام أحمد. قال (2): أخبرنا يحيى بن عباد، عن شعبة، عن إبراهيم بن مهاجر، عن إبراهيم النخعي، عن الأسود، عن عبد الله: أنه كان يوتر بخمس أو سبعٍ. أخبرنا سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عبد الله (3): كان يكره [ق 22] أن يكون ثلاثًا وتر ولكن خمسًا أو سبعًا. وليسوا يقولون بهذا، يقولون: صلاة الليل مثنى مثنى إلا الوتر، فإنه ثلاثٌ موصولات، لا يُصلى الوتر أكثر من ثلاث، وأما نحن فنقول بالسنة الثابتة. أخبرنا (4) هُشيم، عن حُصين، عن خارجة بن الصَّلْت: أن ابن مسعود ركع فمرَّ به رجل، فقال: السلام عليك يا أبا عبد الرحمن، فقال عبد الله: صدق الله ورسوله، فلما قضى صلاته قيل له: كأن الرجل راعك (5)، قال: أجل، إني سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لا تقوم الساعة حتى تُتَّخذ المساجد طرقًا، وحتى يسلم الرجل [على] (6) الرجل للمعرفة». وليسوا يقولون بهذا، وهذا عندهم نقضٌ للصلاة إذا تكلَّم بمثل هذا يريد به الجواب. وهم لا يروون خلاف هذا عن أحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، وابن _________ (1) القائل هو المصنف. وانظر «المغني»: (3/ 239). (2) «الأم»: (8/ 485). (3) في الأصل علامة تصحيح فوق «عبد الله» و «يكون». (4) «الأم»: (8/ 487). (5) الأصل و (ف): «أراعك» وهو خطأ فالفعل ثلاثي. (6) لحق في الأصل لم يظهر بسبب الطمس، وأثبتناه من «الأم».

(1/76)


مسعود روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - النهي عن الكلام في الصلاة، ولو كان هذا عنده من الكلام المنهي عنه لم يتكلم به. أخبرنا (1) أبو معاوية عن الأعمش، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله قال: إذا أدركتَ ركعةً من الجمعة فأضِفْ إليها أخرى، وإذا فاتك الركوع فصلِّ أربعًا. وبهذا نقول؛ لأنه موافق معنى ما رُوِّينا عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقد خالفوا هذا يعني فقالوا: [إنه إذا لم يدرك الخطبة صلى أربعًا، رجع بعضهم إلى أن قال مثل قولنا، وقال بعضهم]: إذا أدرك الإمام في شيء من الصلاة ــ وإن كان جالسًا ــ صلى ركعتين [فخالف هذا الحديث والذي قبله] (2). أخبرنا (3) رجل، عن الأعمش، عن مُسيّب بن رافع، عن عامر بن عبدة قال: قال عبد الله: هُيّئت عظام ابن آدم للسجود، فاسجدوا حتى بالمرافق. وليسوا يقولون بهذا، يقولون: لا نعلم أحدًا يقول بهذا. أخبرنا (4) ابن مهدي، عن سفيان، عن الأعمش، عن عُمارة، عن الأسود قال: كان عبد الله لايقصر الصلاة إلا في حج أو عمرة. وهم يخالفون هذا ويقولون: تُقْصر الصلاة في كل سفر بلغ ثلاثًا، وغيرهم يقول: كل سفر بلغ ليلتين. _________ (1) «الأم»: (8/ 489). (2) مابين المعكوفات مستدرك من «الأم». (3) «الأم»: (8/ 490). (4) السابق: (8/ 492).

(1/77)


أخبرنا إسحاق بن يوسف وغيره، عن محمد بن قيس، عن عمران بن عمير مولى ابن مسعود، عن أبيه قال: سافرتُ مع ابن مسعود إلى ضيعةٍ بالقادسية، فقصر الصلاة بالنجف. وليسوا ولا أحد من المفتين (1) يقول بهذا. أما هم فيقولون: لا تُقْصر الصلاة في أقل من ثلاث ليالٍ قواصد، ولا نعلمهم يروون هذا عن أحدٍ ممَّن مضى ممَّن قوله حجة، بل يروون عن حذيفة خلاف قولهم. أخبرنا (2) ابنُ مهدي، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن الأسود: أن عبد الله (3) كان يكبر في صلاة الصبح من يوم عرفة إلى صلاة العصر من يوم النحر. وليسوا يقولون بهذا، يقولون: يكبِّر من صلاة الصبح يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق. أخبرنا (4) ابن مهدي، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن سُليم بن حنظلة قال: قرأت السجدة عند عبد الله، فنظرتُ إليه، فقال: أنت أعلم _________ (1) كذا في الأصل، وفي «الأم»: «المفتيين» بيائين، وانظر تعليق الشيخ أحمد شاكر على هذا الجمع في شرحه على «الرسالة»: (ص/278) للشافعي. (2) «الأم»: (8/ 495). وساقه أيضًا بعده بسند آخر. (3) في هامش الأصل تعليق نصه: «قد ذكر في كتب الحنفية كلها أو غالبها أن مذهب أبي حنيفة مثل مذهب ابن مسعود، وأما صاحباه فمذهبهما ما ذكره المصنف، فكأنه اشتبه عليه الأمر» اهـ. قلت: الكلام ليس للمصنف وإنما هو للشافعي. (4) «الأم»: (8/ 496).

(1/78)


[ق 23] فإذا سجدت نسجدها (1). وبهذا نقول، ليست السجدة بواجبة على من قرأ ومن سمع، وأحبّ إلينا أن يسجد، فإذا سجد القارئ أحببنا للسامع أن يسجد، وقد رُوِّينا هذا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن عمر، ورووا هم ذلك عن ابن مسعود. وهم يخالفون هذا، ويزعمون أنها واجبة على السامع (2) أن يسجد وإن لم يسجد الإمام، فيخالفون روايتهم عن ابن مسعود، وروايتنا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعمر. أخبرنا ابن عيينة، عن عَبْدة، عن زِرِّ بن حُبَيش، عن ابن مسعود: أنه كان لا يسجد في (ص) ويقول: إنها توبة نبيّ (3). وهم يخالفون ابن مسعود، ويقولون: هي واجبة. أخبرنا (4) ابن عُلَية، عن داود، عن الشعبي، عن علقمة، عن عبد الله في الصلاة على الجنائز: لا وقت ولا عَدَد. ثم روى عنه أنه صلى على ميت، فكبر عليه خمسًا. ثم قال: فخالفوا ابن مسعود في هذا، وقالوا: يكبر أربعًا. أخبرنا (5) هُشَيم، عن يزيد بن أبي زياد، عن أبي جُحَيفة، عن عبد الله: أنه كان إذا رفع رأسه من الركوع قال: «اللهم ربنا لك الحمد ملء السموات _________ (1) «الأم»: «سجدنا». (2) صحح عليها في الأصل. (3) ثم ساق الشافعي عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سجدها. (4) «الأم»: (8/ 498). (5) «الأم»: (8/ 499).

(1/79)


وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد. ونحن نستحب هذا ونقول به؛ لأنه موافقٌ ما رُوي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهم يكرهون هذا كراهية شديدة. ثم روى (1) عن ابن مسعود أنه كان يقرأ بفاتحة الكتاب على الجنائز، قال: وهم يخالفون هذا فلا يقرؤون على الجنائز. أخبرنا (2) هُشَيم، عن حُصَين قال: أخبرني الهيثم سمع ابن مسعود يقول: لأن أجلس على الرَّضْف أحبّ إليّ من أن أتربَّع في الصلاة. وهم يقولون: قيام صلاة الجالس التربيع (3). قال: ونحن نكره ما كَرِه ابنُ مسعود من تربُّع الرجلِ في الصلاة، وهم يخالفون ابن مسعود ويستحبون التربُّع في الصلاة. أخبرنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن يزيد قال: صلى عثمان بمنى أربعًا، فقال عبد الله: صليتُ مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ركعتين، ومع أبي بكر ركعتين، ومع عمر ركعتين، ثم تفرقت بكم الطرق. قال الأعمش: فحدثني معاوية بن قُرّة: أن عبد الله صلاها بعدُ أربعًا، وقيل له: عِبْتَ على عثمان وتصلي أربعًا؟ قال: الخلاف شرٌّ. وهم يقولون: لا يصلح للمسافر أن يصلي أربعًا، وإن صلى أربعًا فلم _________ (1) «الأم»: (8/ 500). (2) السابق: (8/ 501 - 502). الرَّضْف: الحجارة المُحْماة. (3) «الأم»: «التربع».

(1/80)


يجلس في الثانية (1) مقدار التشهد فسدت [صلاته] (2)، فيروون عن عبد الله أنه فَعَل ما إنْ فَعَلَه أحدٌ فسدت صلاته. أخبرنا حفص، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن يزيد قال: كان عبد الله يكره أن يقرأ القرآن في أقل من ثلاث. وهم يستحبون أن يقرأ في أقل من ثلاث. حدثنا (3) وكيع، عن سفيان، عن أبي [ق 24] إسحاق، عن عبد الرحمن ابن يزيد قال: رأيتُ عبد الله يحكّ المعوّذتين من المصحف، ويقول (4): لا تخلطوا به ما ليس منه. وهم يروون عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قرأ بهما في صلاة الصبح، وهما مكتوبتان في المصحف الذي جُمِع في عهد أبي بكر، ثم كان عند عمر، ثم عند حفصة، ثم جمع عثمانُ عليه الناسَ (5). أخبرنا ابنُ مهديّ وغيره، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن هُبيرة، قال: _________ (1) الأصل وفرعه: «الثالثة»، وكتب فوقها: كذا، والمثبت من «الأم»: (8/ 502). وهنا تعليق في هامش الأصل بخط مغاير نصه: «ليس ... في فعل ابن مسعود أنه لم يجلس في الثالثة حتى يرد ما أورد بل الظاهر أنه جلس. فهذا الاعتراض ساقط فافهم». (2) سقطت من الأصل. ومستدركة من «الأم». (3) «الأم»: (8/ 503). (4) الأصل: «ويقولوا». وفي الأم و (ف) على الصواب. (5) بعده في «الأم»: «وهما من كتاب الله عز وجل، وأنا أحب أن أقرأ بهما في صلاتي».

(1/81)


كان عبد الله يعطينا العطاء في زُبُلٍ (1) صغار، ثم يأخذ منها زكاة. وهم يقولون: لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول، ولا يؤخذ من العطاء. ونحن نروي عن أبي بكر أنه كان لا يأخذ من العطاء زكاة، وعن عمر وعثمان، ونقول بذلك (2). أخبرنا (3) ابن عُيينة، عن منصور، عن أبي وائل، عن مسروق، عن عبد الله: أنه لبَّى على الصفا في عمرةٍ بعدما طاف بالبيت. وليسوا ولا أحد من الناس علمناه يقول بهذا، إنما اختلف الناسُ عندنا؛ فمنهم من يقطع التلبية في العمرة إذا دخل الحرم، وهو قول ابن عمر. ومنهم من قال: إذا استلم الركن، وهو قول ابن عباس. وبهذا نقول ويقولون. أخبرنا (4) سفيان، عن عبدالكريم الجَزَري، عن أبي عُبيدة، عن عبد الله: أنه حكم في اليربوع جَفْرًا أو جَفْرة. وهم يخالفونه، ويقولون: يُحْكَم فيه بقيمته في الموضع الذي يُصاب فيه. _________ (1) جمع زَبيل، وهو الوعاء. (2) الأصل: «ذلك» والمثبت من «الأم». (3) «الأم»: (8/ 510). (4) السابق: (8/ 512).

(1/82)


قال الشافعي (1): وعبد الله كان يكره القِران ــ يعني في الحج ــ وهم يستحبونه. وحَكَى (2) عن عبد الله أنه كان يزكِّي مالَ اليتيم، وهم يقولون: لا زكاةَ فيه. والمقصودُ بهذا كله: أنهم قد خالفوا ابن مسعود في هذا وأكثر منه، فما بالهم يحتجُّون به في ترك الرفع، فإن كان قوله حجة فهو حجة عليهم في هذه المسائل وغيرها، وإن لم يكن حجة بطل استدلالهم به في ترك الرفع، فهلّا كان عبد الله بن مسعود في هذه المسائل ونحوها من أفقه الصحابة وأعلمهم برسول الله - صلى الله عليه وسلم -! حتى كأنّه من كثرة دخوله وخروجه عليه كأنَّه من أهل البيت، فهلَّا كان ذلك التعظيم والتقديم موجبًا لموافقته رضي الله عنه في هذه المسائل وغيرها؟! فصل * قالوا: وأما الأثر عن عمر وعليّ في ترك الرفع، فأثرٌ باطل لا يصح عنهما، طعنَ فيه إمامُ أهل الحديث والسنة محمد بن إسماعيل البخاري، وقال في «كتابه» (3): لا يصح عن أحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. _________ (1) «الأم»: (8/ 508). (2) السابق: (8/ 505). وبه ينتهي النقل من كتاب «الأم - كتاب اختلاف علي وعبد الله ابن مسعود» وأوله (ص 65). (3) «رفع اليدين» (ص/129).

(1/83)


فإن قيل: رواه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (1): حدثنا يحيى بن آدم، عن الحسن بن عيَّاش، عن عبد الملك بن أبجر، عن الزُّبير بن عدي، عن إبراهيم، عن الأسود قال: صليتُ مع عمر فلم يرفع يديه في شيء من صلاته إلا حين افتتح الصلاة. [قال عبد الملك] (2): ورأيتُ الشعبيَّ وإبراهيمَ [ق 25] وأبا إسحاق لا يرفعون إلا حين يفتتحون الصلاة. فهذا سندٌ صحيح على شرط مسلم، وعبدالملك هو ابن سعيد بن حيَّان (3) بن أبجر. قيل: لا يثبت هذا عن عمر. قال الحاكم: «هذه رواية شاذة لا تقوم بها الحجة، ولا تُعَارَض بها الأخبار الصحيحة المأثورة عن طاووس عن ابن عمر، عن عمر: أنه كان يرفع يديه في الركوع. وقد روى سفيان الثوري هذا الحديث عن الزبير بن عدي، فقال فيه: إن عمر كان يرفع يديه في الركوع إلى المنكبين ولم يزد» (4). _________ (1) رقم (2469). والطحاوي في «شرح المشكل»: (15/ 50) وفي «شرح المعاني»: (1/ 227). (2) سقط من الأصل، واستدركناه من المصادر. (3) الأصل وفرعه: «عثمان» تحريف، والتصحيح من «تهذيب الكمال»: (4/ 553)، و «التهذيب»: (6/ 394). (4) نقله عنه تلميذه البيهقي في «الخلافيات» كما في «مختصره»: (2/ 87). وحديث الثوري أخرجه عبدالرزاق (2532)، والبيهقي في «الكبرى»: (2/ 25). وقد قال ابن أبي حاتم في «العلل» (256): إنه سأل أباه وأبا زرعة عن حديثٍ رواه يحيى ابن آدم، عن الحسن بن عياش، عن ابن أبجر، عن الأسود، عن عمر: أنه كان يرفع يديه = = في أول تكبيرة ثم لايعود. هل هو صحيح أو يدفعه حديث الثوري عن الزبير بن عدي عن إِبراهيم عن الأسود عن عمر: أنه كان يرفع يديه في افتتاح الصلاة حتى تبلغا منكبيه فقط؟ فقالا: سفيان أحفظ. وقال أبو زُرعة: هذا أصح، يعنى حديث سفيان عن الزبير بن عدي عن إِبراهيم عن الأسود عن عمر. اهـ. وانظر «نصب الراية»: (1/ 405).

(1/84)


قلت: وحسن بن عياش هو أخو أبي بكر بن عياش، وليس بالحافظ فيُقْبَل تفرُّده عن عمر بمثل هذا، ومخالفته للثابت عن عمر. وقد قال عثمان بن سعيد الدارمي: ليسا في الحديث بذاك (1). ولا ريب أنه إن لم يكن دون أخيه في الحفظ والإتقان فليس فوقه، وإذا تفرَّد إسماعيل بن عيّاش (2) أو أخوه بحديث ولا سيما إن كان عن غير الشاميين، لم يحتجّ به أهل الحديث. ولا يصح في مثل هذا أن يقال: «على شرط مسلم» حتى يكون الذي روى عنه حسنٌ في الصحيح هو الذي روى عنه بعينه في الحديث الذي جُعِل على شرطه، فليس مجرَّد وجود الرَّجل في أيِّ إسنادٍ اتفق إذا كان من رجال الصحيح بموجب جَعْل ذلك الإسناد على شرط الصحيح. فينبغي _________ (1) ذكره الدارمي في «تاريخه»: (ص/101). وعنه في «الجرح والتعديل»: (3/ 30) وبقية كلامه: «وهما من أهل الصدق والأمانة». (2) كذا في الأصل و (ف). وهو وهم أو سبق قلم، فإنّ الكلام على حسن بن عياش وأخيه أبي بكر (وقد اختلف في اسمه على أنحاء كثيرة) بن عياش الكوفيَّين، وليس على إسماعيل بن عياش الشامي، الذي تكلم النقاد في روايته عن غير الشاميين. فينبغي أن يكون النص هكذا: «وإذا تفرد [حسن] بن عياش أو أخوه بحديث، لم يحتج به أهل الحديث».

(1/85)


التفطُّن لهذا، فإن كثيرًا من الناس يغلطون فيه (1). والذي رواه مسلم للحسن بن عيَّاش هو حديثه (2) عن جعفر بن محمد عن أبيه، عن جابر بن عبد الله قال: كنا نصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - الجمعة ثم نريح النواضح (3). فشرط مسلم في هذا أن يروي الحسن، عن جعفر بن محمد، عن أبيه حديثًا لم يروه مسلم، ومن لم يراع هذا حَكَم بتصحيح أحاديث لا يصححها أصحاب الصحيح، ولا هي من شرطهم، كما يفعل الحاكم وغيره. وأما الأثر عن علي (4) فباطل أيضًا، قال البخاري: لا يصح (5). وقال عثمان بن سعيد الدارمي: هذا قد رُوي من هذا الطريق الواهي. _________ (1) وهذا رأي جمهور العلماء، وخالف العراقي فلم يشترط إلا صفات الرواة وليس أعيانهم. انظر «ابن القيم وجهوده في خدمة السنة»: (1/ 366 - 367)، و «التقييد والإيضاح»: (ص/29 - 30) للعراقي، و «النكت على ابن الصلاح»: (1/ 313 - 314) لابن حجر. (2) تحرفت في (ف) إلى «حذيفة». (3) حديث رقم (858). والنواضح: جمع ناضح، وهو البعير الذي يُستقى به. (4) أخرجه ابن أبي شيبة (2457)، وأحمد في «العلل»: (1/ 374)، والطحاوي في «مشكل الآثار»: (15/ 33)، والبيهقي في «الكبرى»: (2/ 80) و «معرفة السنن»: (1/ 550). وصححه الزيلعي في «نصب الراية»: (1/ 406). (5) الذي في كتاب «الرفع»: (ص/46) كما سينقله المصنف: «وحديث عبيدالله أصح .. ». يعني حديثه عن علي في إثبات رفع الأيدي.

(1/86)


وقد روى عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، عن عبيدالله بن أبي رافع، عن علي: أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يرفعهما عند الركوع (1). فليس الظنُّ بعلي رضي الله عنه أن يختار فِعْله على فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولكن ليس أبو بكر النَّهْشَلي ممن يُحتجّ بروايته وتثبت بها سنة لم يأتِ بها غيرُه. والصواب: عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل بن حُجْر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بخلاف هذا، كما رواه الناسُ عن عاصم (2). قال البخاري (3): «وروى أبو بكر النَّهْشليّ، عن عاصم بن كُلَيب، عن أبيه: أن عليًّا رفع يديه في أول التكبيرة، ثم لم يَعُد. وحديث عبيدالله أصح ــ يعني حديث عبيدالله بن أبي رافع ــ مع أن [ق 26] حديث كليب هذا لم يحفظ رفع الأيدي، وحديث عبيدالله هو شاهدٌ. فإذا روى رجلان عن محدّث أحدهما قال: رأيته فَعَل، والآخر قال: لم أره فَعَل، فالذي قال: رأيته فعل هو شاهد، والذي قال: لم يفعل فليس بشاهد؛ لأنه لم يحفظ الفعل» (4). _________ (1) بعده في «الكبرى» و «المعرفة»: «وبعدما يرفع رأسه من الركوع». وحديثه أخرجه البخاري في كتاب الرفع: (ص 22)، وأبو داود (744)، والترمذي (3423)، وابن ماجه (864)، وابن خزيمة (584)، والطحاوي في «مشكل الآثار»: (15/ 30). (2) كلام الدارمي ذكره البيهقي في «الخلافيات - مختصره»: (2/ 86 - 87). وفي «الكبرى»: (2/ 80 - 81) و «المعرفة»: (1/ 550) بنحوه. (3) «رفع اليدين»: (ص/46 - 48). (4) كتب في الأصل «العلم» ثم وضع عليها خطًّا، وكتب في هامش النسخة شيئًا لم يظهر بسبب الطمس، فلعله ما أثبت من كتاب الرفع.

(1/87)


* قالوا: وأما رواية أبي بكر بن عيّاش، عن حُصين، عن مجاهد قال: ما رأيتُ ابنَ عمر رافعًا يديه في شيء من صلاته إلا في الاستفتاح (1). فالصحيح عن ابن عمر خلاف ذلك، فقد روى مالك، عن نافع، عنه أنه كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه، وإذا رفع رأسه من الركوع. رواه البخاري عن إسماعيل بن أبي أويس عن مالك (2). ورواه عبيدالله، عن نافع، عنه أنه كان يرفع يديه إذا دخل في الصلاة، وإذا ركع وإذا قال: «سمع الله لمن حمده»، وإذا قام من الركعتين يرفعهما. ذكره البخاري أيضًا (3). وقال البخاري (4): «ثنا عبد الله بن صالح، ثنا الليث، ثنا نافع: أن عبد الله كان إذا استقبل الصلاة رفع يديه، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع، وإذا قام من السجدتين كبر ورفع يديه. _________ (1) أخرجه البخاري في «الرفع»: (ص/54) معلقًا بصيغة التمريض، ووصله ابن أبي شيبة (2467)، والطحاوي في «شرح المعاني»: (1/ 225). ثم نقل البخاري عن ابن معين قوله: «حديث أبي بكر عن حصين إنما هو توهم منه لا أصل له». وانظر «معرفة السنن والآثار»: (1/ 556 - 557) للبيهقي. وسيذكره المؤلف (ص/107) بلفظ: «صليت خلف ابن عمر سنتين ... ». وقال: إنها مختلقة موضوعة. وقال الذهبي في «تنقيح التحقيق»: (1/ 137): هذا منكر. (2) «كتاب الرفع» (ص/125)، وهو في «الموطأ» (196) لمالك. (3) «كتاب الرفع» (ص/131)، وهو في «صحيحه» (739). (4) «كتاب الرفع» (ص/53).

(1/88)


وقال البخاري (1): «ثنا أبو النعمان، ثنا عبدالواحد بن زياد، ثنا مُحَارب بن دِثار قال: رأيت عبد الله بن عمر إذا افتتح الصلاة كبَّر ورفع يديه، وإذا أراد أن يركع رفع يديه، [وإذا رفع رأسه من الركوع. حدثنا العيَّاش بن الوليد، حدثنا عبدالأعلى، حدثنا عبيدالله، عن نافع، عن ابن عمر: أنه كبَّر ورفع يديه، وإذا ركع رفع يديه] (2)، وإذا قال: «سمع الله لمن حمده» رفع يديه، ويرفع ذلك ابنُ عمر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -». وقال البخاري (3): «ثنا إبراهيم بن المنذر، ثنا مَعْمَر (4)، ثنا إبراهيم بن طَهْمان (5)، عن أبي الزُّبير قال: رأيتُ ابنَ عمر حين قام رفعَ يديه حتى تحاذي (6) أذنيه، وحين يرفع رأسَه من الركوع واستوى قائمًا فعل مثل ذلك». قال البخاري (7): «ولم يثبت عند أهل البَصَر (8) ممن أدركنا من أهل الحجاز وأهل العراق؛ منهم عبد الله بن الزبير، وعلي بن عبد الله بن جعفر، _________ (1) «كتاب الرفع» (ص/109). (2) ما بين المعكوفين ساقط من الأصل و (ف) واستدركته من «رفع اليدين». (3) «كتاب الرفع» (ص/111). (4) الأصل و (ف): «معن»! والتصحيح من كتاب «الرفع». (5) هذا الإسناد فيه سقط وتحريف في (ف). (6) صحح عليها في الأصل. (7) «كتاب الرفع» (ص/96). (8) كتاب «الرفع»: «النظر»، (ف): «البصرة»!

(1/89)


ويحيى بن معين، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن إبراهيم، هؤلاء أهل العلم من أهل زمانهم، فلم يثبت عند أحدٍ منهم عَلِمْتُه في ترك رفع الأيدي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا عن أحدٍ من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لم يرفع يديه». وقال إسحاق بن راهويه: ثنا محمد بن فُضَيل، عن عاصم بن كُليب، عن مُحَارب بن دِثار قال: رأيتُ ابنَ عمر يرفع يديه في الركوع، فقلت له في ذلك، فقال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام في (1) الركعتين كَبَّر ورفع يديه (2). وقال ابن جريج: أخبرني الحسن بن مسلم: أنه سمع طاووسًا يُسْأل عن رفع اليدين في الصلاة فقال: رأيتُ عبد الله وعبد الله وعبد الله يرفعون أيديهم في الصلاة= لعبدالله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير (3). قال طاووس: التكبيرة الأولى [ق 27] التي للاستفتاح باليدين أرفع مما سواهما بالتكبير. قال ابنُ جريج: قلتُ لعطاء: أبَلَغَكم أن التكبيرة الأولى أرفع مما سواهما في التكبير؟ قال: لا (4). _________ (1) «كتاب الرفع»: «من». (2) أخرجه البخاري في «الرفع» (ص/69)، وابن أبي شيبة (2454)، وعبدالرزاق: (2/ 69)، وأبو داود (743). (3) تقدم (ص/31). (4) أخرجه البخاري في «الرفع» (ص/74)، وعبدالرزاق (2/ 70 رقم 2526، 2527).

(1/90)


قال البخاري (1): «ويروى عن أبي بكر بن عيّاش، عن حُصين، عن مجاهد: أنه لم ير ابن عمر رفع يديه إلا في أول التكبيرة، وروى عنه أهل العلم أنه لم يحفظ من ابن عمر إلا أن يكون ابن عمر سها كبعض ما يسهو الرجلُ في الصلاة في الشيء بعد الشيء، كما أنّ ابن عمر (2) نسي القراءةَ في الصلاة، وكما أنّ أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ربّما يسهون في الصلاة، فيُسَلِّمون في الركعتين والثلاث. ألا ترى أنّ ابن عمر كان يرمي من لا يرفع يديه بالحصى، فكيف يترك ابنُ عمر شيئًا يأمر به غيرَه؟ وقد رأى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فعله»؟! ثم قال في موضع آخر (3): «والذي قال أبو بكر بن عياش، عن حُصين، عن مجاهد: ما رأيتُ ابنَ عمر رافعًا يديه في شيء من الصلاة إلا في التكبيرة الأولى، فقد خولف في ذلك عن مجاهد. قال وكيع، عن الربيع بن صُبيح: رأيت مجاهدًا رفع يديه (4) إذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع. وقال جرير، عن ليث، عن مجاهد: أنه كان يرفع يديه. وهذا أحفظ عند أهل العلم. _________ (1) (ص/54). (2) في كتاب الرفع: «عمر». (3) (ص/150 - 151). (4) في سياق البيهقي لكلام البخاري في كتاب «المعرفة»: (1/ 556) هذه الزيادة في هذا الموضع قوله: [وقال عبد الرحمن بن مهدي، عن الربيع: رأيت مجاهدًا يرفع يديه]. وليست في كتاب البخاري.

(1/91)


قال صدقة: إن الذي روى حديثَ مجاهد عن ابن عمر: أنه لم يرفع يديه إلا أول التكبيرة= كأنَّ صاحِبَه قد تغيَّر بأخَرَة، والذي رواه الربيع وليثٌ أولى، مع أن طاووسًا وسالمًا ونافعًا وأبا الزبير ومُحارِب بن دِثار وغيرهم قالوا: رأينا ابن عمر يرفع يديه إذا كبر وإذا ركع» (1). قال أبو عبد الله الحاكم: والمحفوظ في ذلك عن أبي بكر بن عيَّاش إنما هو عن عبد الله بن مسعود، لا عن عبد الله بن عمر (2). فصل * وأما حديث حماد بن أبي سليمان، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال: صليتُ خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر، فلم يرفعوا أيديهم إلا عند افتتاح الصلاة (3). فقال الحاكم (4): هذا إسناد مقلوب، رواه إسحاق بن إسرائيل، عن _________ (1) انتهى النقل من كتاب البخاري. (2) نقله عنه البيهقي في «الخلافيات - مختصره»: (2/ 86). (3) أخرجه أبو يعلى (5017)، والدارقطني: (1/ 295)، وابن حبان في «المجروحين»: (2/ 270)، وابن عدي: (6/ 152)، والبيهقي في «الكبرى»: (2/ 79) و «المعرفة»: (1/ 552). قال المؤلف في «المنار المنيف»: (ص/133): منقطع لايصح. وذكره غير واحد في الموضوعات منهم ابن الجوزي (962). (4) نقل كلام الحاكم في هذا الحديث البيهقيُّ في «الخلافيات- مختصره»: (2/ 78 - 79) مع بعض الاختلاف. وانظر «نصب الراية»: (1/ 396 - 397)، و «البدر المنير»: (3/ 495).

(1/92)


محمد بن جابر، عن حماد. ومحمد بن جابر بن سَيَّار السُّحَيْمي قال ابن معين: عَمِي واختلط، فحدَّث بما ليس من حديثه (1). قال الحاكم: وهذا من أحسن ما قيل فيه، فإنه كان يسرق الحديث مِنْ كلِّ من يُذاكره به، فيرويه، حتى كثرت المناكير والموضوعات في حديثه. قال الحاكم: ولو كان هذا محفوظًا لبادر بروايته أبو حنيفة وسفيان الثوري عن حماد؛ إذ كان يوافقُ مذهبَهما. وقال يحيى بن معين: محمد بن جابر هذا ضعيف (2). وضعَّفه النسائي وقال: ليس بشيء (3). وقال الإمام أحمد: لا يحدِّث عنه إلا من هو شرٌّ منه (4). وقال البخاري: ليس بالقوي يتكلَّمون فيه (5). [ق 28] وقال عَمْرو بن علي: صدوق إلا أنه كثير الوهم متروك الحديث (6). _________ (1) «تاريخ الدوري» (2647). وغالب الأقوال فيه نقلها المؤلف من «الكامل في الضعفاء»: (6/ 147 - 148) لابن عدي. (2) «تاريخ الدوري» (3496). (3) في «الضعفاء والمتروكون»: (ص/233): «ضعيف». (4) «تهذيب التهذيب»: (9/ 116). (5) «التاريخ الكبير»: (1/ 53)، و «الضعفاء»: (ص/103). وليس فيهما «يتكلمون فيه». (6) نقله في «الجرح والتعديل»: (7/ 219) دون قوله «متروك الحديث».

(1/93)


وقال الرازي: ساء حفظه فكان يُلَقَّن (1). وقال ابن حبان: كان أعمى يُلْحَق في كتبه ما ليس من حديثه، ويَسْرق ما ذُوكِرَ به فيحدّث به (2). وقال غيره: قد روى هذا الحديث حماد، عن إبراهيم: أنَّ ابن مسعود كان لا يرفع يديه فقط (3). وهذا موقوف منقطع وهو المشهور، فوصَلَه هذا الضعيف السُّحَيمي، ورَفَعَه وأخطأ فيه (4). وقد تقدَّم [أن] (5) الصحيح أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا يرفعان أيديهما (6). _________ (1) «الجرح والتعديل»: (7/ 219). وبقية كلامه: «ذهب كتبه في آخر عمره، وساء حفظه وكان يلقن، وكان عبد الرحمن بن مهدى يحدث عنه ثم تركه بعد، وكان يروي أحاديث مناكير، وهو معروف بالسماع جيد اللقاء رأوا في كتبه لحقًا، وحديثه عن حماد فيه اضطراب، روى عنه عشرة من الثقات». (2) «المجروحين»: (2/ 270). ومصدر المؤلف في هذه الترجمة «الضعفاء والمتروكون»: (3/ 45 - 46) لابن الجوزي. (3) كتب فوقها في الأصل: «كذا». ولعلها: «قط». (4) قال الدارقطني: (1/ 295): «تفرد به محمد بن جابر وكان ضعيفًا عن حماد عن إبراهيم. وغير حماد يرويه عن إبراهيم مرسلًا عن عبد الله من فعله غير مرفوع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو الصواب». (5) طمس في الأصل، ولعله ما أثبت. (6) انظر (ص 8 - 10، 27).

(1/94)


قال الحاكم: والعجب من ابن جابر أنه لم يرضَ بأن وَصَل هذا المنقطع حين زاد ذلك، فأسنده إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم لم يقنعه ذلك إلى أن وصله بذكر أبي بكر وعمر رضي الله عنهما! فصل * وأما ما رواه سوَّار بن مصعب، عن عطيّة العَوفي: أنّ أبا سعيد الخدري وابن عمر كانا يرفعان أيديهما أوَّل ما يكبّران، ثم لا يعودان (1). فقال الحاكم: هذا خبرٌ لا يستحلُّ الاحتجاجَ به من يرجع إلى أدنى معرفةٍ بالرجال، فإن عطية بن سعد العوفي ذاهبٌ بمرَّةٍ. وأما سوَّار بن مصعب فإنه أسوأ حالًا منه. قلت: أما عطيّة فإنّه عطيّة بن سعد أبو الحسن الكوفي، ضعَّفه الثوري، وهُشَيم، ويحيى بن معين، والإمام أحمد، وأبو حاتم الرازي، وأبو عبد الرحمن النسائي (2). قال مسلم: قال أحمد ــ وذكر عطيةَ العوفي فقال ــ: هو ضعيف الحديث، ثم قال: بلغني أن عطية كان يأتي الكلبي، ويسأله عن التفسير، وكان يكنيه بأبي سعيد، فيقول: قال أبو سعيد. وكان هُشيم يضعِّف حديثه. وقال أحمد: ثنا أبو _________ (1) أخرجه البيهقي في «الخلافيات - مختصره»: (2/ 87) ونقل كلام الحاكم الآتي. وانظر «نصب الراية»: (1/ 406)، و «البدر المنير»: (3/ 484). (2) انظر «الضعفاء»: (2/ 180) لابن الجوزي، وهو مصدره في الترجمة عدا نقل مسلم عن أحمد. و «تهذيب الكمال»: (5/ 184)، و «تهذيب التهذيب»: (7/ 225).

(1/95)


أحمد الزُّبيري، قال: سمعت الكلبي قال: كنَّاني عطيةُ «أبو سعيد» (1). قال ابن حبان (2): سمع من أبي سعيد الخدري أحاديث، فلما مات جعل يجالس الكلبي، وإذا قال الكلبي: «قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -» حَفِظ ذلك عنه، ورواه عنه، وكناه أبو سعيد، فيُظَنّ أنه أراد الخدري وإنما أراد الكلبي. لا يحل كَتْبُ حديثهِ إلا على التعجُّب. وأما سوَّار بن مصعب أبو عبد الله الهَمَذاني الكوفي، فقال يحيى والنسائي والدارقطني: متروك الحديث (3). وقال يحيى مرَّةً: ليس بثقة، ولا يُكْتَب حديثه، وقال مرة: ليس بشيء (4). وقال البخاري: منكر الحديث (5). وقال أبو داود: ليس بثقة (6). _________ (1) نقله عن مسلم المزيُّ وابن حجر في كتابيهما. وهو بلفظه في «العلل»: (1/ 548) لأحمد رواية عبد الله، ونقله عنه غير واحد. (2) «المجروحين»: (2/ 176) بنحوه. (3) انظر على التوالي: «الضعفاء»: (2/ 31) لابن الجوزي، وقد تفرد بحكاية هذا القول عن ابن معين. و «الضعفاء والمتروكون»: (ص/187) للنسائي، و «سنن الدارقطني»: (1/ 128). (4) الرواية الأولى لابن أبي مريم عنه في «الكامل»: (3/ 454)، والثانية للدوري «تاريخه» (2068). (5) «التاريخ الكبير»: (4/ 169). (6) «سؤالات الآجري لأبي داود»: (2/ 298). قلت: ومصدر المؤلف في الترجمة «الضعفاء»: (2/ 31 - 32) لابن الجوزي.

(1/96)


قلت: وليس هذا بسوَّار بن مصعب الرازي الذي يحدِّث عن أحمد بن حرب وطبقته. فصل * وأما حديث محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن ابن عباس وابن عمر: لا تُرْفَع الأيدي إلا في سبعة مواطن: في بدء الصلاة، وبعرفة ... الحديث (1). _________ (1) علقه البخاري في «رفع اليدين»: (ص/134). قال البوصيري في «إتحاف الخيرة المهرة»: (3/ 186): «رواه محمد بن يحيى بن أبي عمر والبيهقي بسند فيه انقطاع». وأخرجه البزار (الكشف: 1/ 251)، والبيهقي (5/ 73) معلقًا من طريق ابن أبي ليلى عن نافع عن ابن عمر، وعن الحكم عن مقسم عن ابن عباس مرفوعًا وموقوفًا: «لا ترفع الأيدي إلا في سبعة مواطن في افتتاح الصلاة واستقبال القبلة وعلى الصفا والمروة وبعرفات وبجَمْع وفي المقامين وعند الجمرتين». وفي رواية: والموقفين بدل المقامين ... قال البخاري: قال شعبة: لم يسمع الحكم هذا من مقسم. قال البزار: «وهذا حديث قد رواه غير واحد موقوفًا، وابن أبي ليلى لم يكن بالحافظ، وإنما قال: ترفع الأيدي، ولم يقل: لا ترفع الأيدي إلا في هذه المواضع. انتهى. نقله العيني في «شرح أبي داود»: (3/ 299). وقد أخرجه الشافعي من رواية ابن جريج عن مقسم فذكر نحوه، وهكذا أخرجه الطبراني في «الكبير»: (11/ 385) من طريق محمد بن عمران بن أبي ليلى عن أبيه عن ابن أبي ليلى به. وأخرجه ابن أبي شيبة (2465) عن ابن فضيل عن عطاء ابن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس موقوفًا.

(1/97)


فقال الحاكم (1): هذا حديث واهٍ من وجوه: أولها: تفرُّد ابن أبي ليلى بروايته [ق 29]، وقد اتفق أهل الحديث على ترك الاحتجاج بروايته. والثاني: [رواية وكيع عن ابن أبي ليلى بالوقف على ابن عباس. الثالث:] رواية جماعة من التابعين بالأسانيد الصحيحة عن ابن عمر، وابن عباس أنهما كانا يرفعان أيديهما عند الركوع، وبعد رفع الرأس منه، كما تقدم [وأسندناه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. والوجه الرابع لوهن هذا الحديث: أن شعبة بن الحجاج قال: لم يسمع الحكم بن مِقْسَم إلا أربعة أحاديث وليس هذا الحديث منها] (2). [الخامس]: أن في جميع روايات هذا الحديث غير هذه الرواية: «تُرْفَع الأيدي في سبعة مواطن»، وليس هذا الحديث منها (3). وقد تواترت الأخبار المأثورة بأن الأيدي ترفع في مواطن كثيرة غير المواطن السبعة، فمنها: الاستسقاء، ودعاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لدوس، ورفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الدعاء في الصلاة وأمره بها، ورفع اليدين في القنوت. _________ (1) نقل قول الحاكم البيهقي في «الخلافيات - مختصره»: (2/ 82 - 83). والزيلعي في «نصب الراية»: (1/ 391)، وابن الملقن في «البدر المنير»: (3/ 497). وقد وقع في الأصل سقط أكملناه من المصادر. (2) مابين المعكوفات سقط من الأصل وأثبتناه من «مختصر الخلافيات»: (2/ 82 ــ 83). (3) كذا في الأصل، وفي «مختصر الخلافيات»: « .. وليس في رواية منها: لا ترفع الأيدي إلا في سبعة مواطن».

(1/98)


وقال البخاري (1): «وقال وكيع، عن ابن أبي ليلى، عن نافع، عن ابن عمر. [وعن ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن مِقْسَم، عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال] (2): «لا تُرْفَع الأيدي إلا في سبعة مواطن: في افتتاح الصلاة، واستقبال القبلة، وعلى الصفا والمروة، وبعرفات، وجَمْع، وفي المقامين، وعند الجمرتين». وقال علي بن مُسْهِر [و] المُحاربي، عن ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن مِقْسَم، عن ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقال شعبة: إن الحكم لم يسمع من مِقْسَم إلا أربعة أحاديث ليس منها هذا الحديث. وليس هذا من المحفوظ عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن أصحابَ نافعٍ خالفوا، وحديث الحكم عن مِقْسم مرسل. وقد روى طاووس وأبو حمزة (3) وعطاء: أنهم رأوا ابنَ عباس يرفع يديه عند الركوع، وإذا رفع رأسه من الركوع. مع أن حديث ابن أبي ليلى لو صحّ قوله: «تُرْفَع الأيدي في سبعة مواطن»، لم يقل في حديث وكيع: لا تُرْفع إلا في هذه المواطن. فتُرفع في هذه المواضع، وعند الركوع، وإذا رفع رأسه، حتى تُسْتَعمل _________ (1) هذا النقل عن الإمام البخاري من هنا إلى آخر الفصل (ص 104) من كتاب «رفع اليدين»: (ص/134 - 149). وهناك بعض الفروق نبهنا إلى أهمها. (2) ما بينهما سقط من الأصل واستدركناه من كتاب البخاري. (3) انظر التعليق (ص 32).

(1/99)


هذه الأحاديث كلها، وليس هذا من المتضاد. وقد قال هؤلاء: إن الأيدي تُرْفع في تكبيرات العيدين؛ الفطر والأضحى، وهي (1) أربع عشرة تكبيرة في قولهم. وليس هذا في حديث ابن أبي ليلى. وهذا مما يدل على أنهم لم يعتمدوا على حديث ابن أبي ليلى. وقال بعض الكوفيين: يرفع يديه في تكبيرات الجنازة، وهي (2) أربع تكبيرات. وهذه كلها زيادة على (3) ابنِ أبي ليلى. وقد رُوي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من غير وجه: أنه كان يرفع يديه (4) سوى هذه السبعة. ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يرفع يديه في الاستسقاء. حدثنا مسدد، ثنا أبو عوانة، عن سِماك بن حَرْب، عن عكرمة، عن عائشة ــ زعم أنه سمع منها ــ: أنها رأت النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعو رافعًا يديه، يقول: «إنما أنا بشر فلا تعاقبني، أيّما رجلٍ من المؤمنين آذيته وشتمته فلا تعاقبني به (5)». حدثنا علي، ثنا سفيان، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة _________ (1) في الأصل «وفي» وصحح عليها، والمثبت من كتاب البخاري. (2) بعده في الأصل «في» زائدة، وليست في كتاب البخاري. (3) صحح عليه في الأصل. (4) صحح عليه في الأصل. وفي مطبوعة كتاب البخاري زاد [في] بين معكوفين «يديه [في] سوى» وهو تصرف من الطابع. (5) في كتاب الرفع: «أو شتمته فلا تعاقبني فيه».

(1/100)


[ق 30] قال: استقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القبلة وتهيّأ ورفعَ يديه وقال: «اللهم اهدِ دَوْسًا وائتِ بهم». حدثنا أبو النعمان، ثنا حماد بن زيد، ثنا الحجاج الصواف، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله: أن الطفيل بن عَمْرو قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: هل لك في حِصْن ومَنَعة حِصْن دوس؟ فأبى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لِما ذَخَر الله للأنصار، وهاجر الطُّفَيل وهاجر معه رجل من قومه، فمرض الرجل، (1) فأخذ مِشْقصًا فقطع وَدْجَيه فمات، فرآه الطفيل في المنام، فقال: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي بهجرتي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: ما شأن يديك؟ قال: قيل لي: إنَّا لن نصلح منك ما أفسدت من نفسك، فقصَّها الطفيلُ على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: «اللهم وليديه فاغفر» ورفع يديه. حدثنا قتيبة، ثنا عبد العزيز بن محمد، عن علقمة بن أبي علقمة، عن أُمّه، عن عائشة أنها قالت: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة، فأرسلتُ بريرةَ في أثَره لتنظر أين يذهب، فسلك نحو البقيع ــ بقيعِ الغَرْقد ــ فوقف في أدنى البقيع، ثم رفع يديه ثم انصرف، فرجَعَت بريرة فأخبرتني، فلما أصبحتُ سألتُه فقلت: يا رسول الله، أين خرجت الليلة؟ قال: «بُعِثْت إلى أهل البقيع لأصلي عليهم». حدثنا مسلم، ثنا شعبة، عن عبد ربِّه بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم قال: أخبرني من رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعو عند أحجار الزيت باسطًا كفيه. _________ (1) بعده في كتاب الرفع: «فجاء إلى قرن .. ».

(1/101)


حدثنا يحيى بن موسى، ثنا عبدالحميد، ثنا إسماعيل ــ هو ابن (1) عبد الملك ــ عن ابن أبي مُليكة، عن عائشة قالت: رأيتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - رافعًا يديه حتى بدّى ضَبْعَيه يدعو، فرُدَّ عثمان رضي الله عنه. حدثنا أبو نعيم، ثنا الفضيل بن مرزوق، عن عدي بن ثابت، عن أبي حازم، عن أبي هريرة قال: ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - الرجلَ يُطيلُ السفرَ، أشعثَ أغبرَ يمدّ يديه إلى الله عز وجل: ياربّ ياربّ (2)، مطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنَّى يُستجاب لذلك. حدثنا مسلم، ثنا عبد الله بن داود، عن نُعَيم بن حكيم، عن (3) أبي مريم، عن علي قال: رأيت امرأة الوليد جاءت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - تشكو إليه زوجَها أنه يضربها, فقال لها: «اذهبي إليه فقولي له: كيتَ وكيتَ»، فذهبت ثم رجعت، فقالت: إنه عاد يضربني، فقال لها: «اذهبي فقولي له: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول لك»، فذهبت ثم عادت، فقالت: إنه يضربني، فقال: «اذهبي فقولي له: كيتَ وكيتَ»، فقالت: إنه يضربني، فقال: «اذهبي فقولي له: كيتَ وكيتَ»، فقالت: إنه يضربني، فرفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده (4) فقال: «اللهم عليك الوليدَ». حدثنا محمد بن [ق 31] سلام، ثنا إسماعيل بن جعفر، عن حميد، عن _________ (1) الأصل وفرعه: «ابن أبي» خطأ. والتصويب من «تهذيب الكمال»: (1/ 242). (2) صحح عليها في الأصل. (3) الأصل وفرعه: «ابن أبي» والتصويب من «تهذيب الكمال»: (8/ 425). (4) كتب فوقها في الأصل: «كذا».

(1/102)


أنس قال: قَحِط المطرُ عامًا، فقام بعض المسلمين إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم جمعة، فقالوا (1): يا رسول الله، قَحِط المطرُ وأَجْدبت الأرضُ وهلك المالُ، فرفع يديه وما نرى في السماء سحابة، فمدَّ يديه حتى رأيتُ بياضَ إبطيه يستسقي الله عز وجل، فما صلّينا الجمعةَ حتى أهمَّ الشابَّ القريبَ الدار الرجوعُ إلى أهله، فدامَت جمعةً حتى كانت الجمعة التي تليها، قال (2): يا رسول الله، تهدّمت البيوتُ، وحُبِس الرُّكبان. فتبسَّم لسرعة مَلالة ابنِ آدم، وقال بيده: «اللهم حوالينا ولا علينا». فتكشَّطت عن المدينة. حدثنا مسدد، ثنا يحيى بن سعيد، عن جعفر، قال: حدثني أبو عثمان قال: كنا نجيء، وعمر يؤمّ الناسَ، ثم يقنت بنا بعد الركوع، يرفع يديه، حتى يبدو كفاه، ويُخرِج ضبعيه. حدثنا قَبِيصة، ثنا سفيان، عن أبي عليّ ــ هو جعفر بن ميمون بيَّاع الأنماط ــ قال: سمعت أبا عثمان، قال: كان عمر يرفع يديه في القنوت. حدثنا عبدالرحيم المُحاربي، ثنا زائدة، عن ليث، [عن] (3) عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه، عن عبد الله: أنه كان يقرأ في آخر ركعة من الوتر: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ثم يرفع يديه، فيقنت قبل الركعة. _________ (1) صحح عليها في الأصل. وفي كتاب الرفع «فقال». (2) صحح عليها في الأصل. (3) الأصل وفرعه: «وعبد الرحمن» والتصحيح من كتاب البخاري (146)، وابن أبي شيبة (7027).

(1/103)


قال البخاري: فهذه الأحاديث كلها صحيحة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، لا يخالف بعضُها بعضًا، وليس منها متضاد، لأنها في مواطن مختلفة. قال ثابت: عن أنس، ما رأيتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - يرفع يديه في الدعاء إلا في الاستسقاء. فأخبر أنسٌ بما كان عنده وما رأى من النبي - صلى الله عليه وسلم -، وليس هذا بمخالفٍ لرفع الأيدي في أول التكبيرة. وقد ذكر أيضًا أنسٌ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يرفعُ يديه إذا كبَّر وإذا ركع. وقوله: «في الدعاء» سوى الصلاة وسوى رفع الأيدي في القنوت. حدثنا محمد بن بشَّار، عن يحيى بن سعيد، عن حُميد، عن أنس: أنه كان يرفع يديه عند الركوع» (1). قلت: مقصود البخاري بهذا تبيين بطلان حديث: «لا تُرْفع الأيدي إلا في سبعة مواطن»، وأنه قد جاء رفع الأيدي في غير هذه المواطن السبعة. وأحاديث رفع الأيدي في الدعاء كثيرة تبلغ أربعينَ حديثًا، جمعها شيخُنا أبو عبد الله محمد بن أبي الفتح البعلي (2) في جزءٍ. _________ (1) هنا انتهى النقل من كتاب رفع اليدين. (2) محمد بن أبي الفتح أبو عبد الله البعلي الحنبلي (645 - 709) صاحب كتاب «المطلع على أبواب المقنع»، و «شرح الجرجانية». ترجمته في «معجم الشيوخ»: (896) للذهبي، و «الذيل على طبقات الحنابلة»: (4/ 372). وصحح الناسخ على «البعلي» في الأصل.

(1/104)


فصل وأما ما احتجّوا به من حديث المسيّب بن واضح، عن ابن المبارك، عن يونس، عن الزهري، عن أنس يرفعه: «من رفع يديه في التكبير فلا صلاة له» (1). فسوَّد اللهُ وجهَ واضعه الكذَّاب يوم يلقاه، وهو محمد بن عُكّاشة واضعه على المسيّب بن واضح (2). قال الدارقطني [ق 32]: كان يضع الحديث (3). وقال أبو زرعة: كان كذّابًا (4). وقال ابن معين وأبو حاتم الرازي: كان كذّابًا (5). وقال البخاري: منكر الحديث (6). وقال ابن عدي: يروي عن الأوزاعي أحاديث مناكير موضوعة (7). _________ (1) ذكره الحاكم في «المدخل إلى الإكليل» (48)، وعنه ابن الجوزي في «الموضوعات» (964)، وفي «التحقيق»: (1/ 334) (2) وقال المصنف نحوه في «المنار المنيف» (135). (3) «الضعفاء» (488). (4) «الجرح والتعديل»: (8/ 52). (5) نقله ابن الجوزي في «الضعفاء»: (3/ 40)، وابن حجر في «التهذيب»: (9/ 381). (6) «التاريخ الكبير»: (1/ 40). (7) «الكامل»: (6/ 167 - 169).

(1/105)


وقال ابن حبان (1): يروي المقلوبات، لا يُكتب حديثه إلا للاعتبار. قال أبو الفرج ابن الجوزي (2): وقد غَلِط فيه ابن حبان فذكره في ترجمتين، فقال تارة: محمد بن إسحاق العكاشي من ولد عُكّاشة، يضع الحديث، وقال تارة: محمد بن مِحْصَن يضع الحديث. وهما واحد؛ لأنه محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن محمد بن عُكّاشة بن محصن، وهو يُنسب في أكثر الحديث إلى عُكّاشة. قلت: ولهم آخر يقال له: محمد بن عُكّاشة، كوفيّ ضعَّفه الدارقطني (3). وأما الحديث الآخر عن المسيّب، عن ابن المبارك، عن يونس، عن الزُّهري، عن سعيد، عن أبي هريرة مرفوعًا: «من رفع يديه في الصلاة، فلا صلاة له» (4). فمِنْ وَضْع الدّجال الخبيث المأمون بن أحمد السلمي. قال ابن حبان (5): كان دجّالًا من الدجَّالين، ظاهر أحواله مذهب الكراميين، وباطنها لا يوقف على حقيقته، حدّث عمن لم يره. _________ (1) «المجروحين»: (2/ 284). (2) «الضعفاء والمتروكون»: (3/ 86). (3) في «الضعفاء» (489). وهذه الترجمة بتمامها من «الضعفاء»: (3/ 40، 86) لابن الجوزي. (4) أخرجه ابن حبان في «المجروحين»: (3/ 46)، وابن الجوزي في «التحقيق»: (1/ 334)، و «الموضوعات» (963). (5) «المجروحين»: (3/ 45).

(1/106)


* وأما ما رووا عن عمر أنه قال: «رفع الأيدي في الصلاة بدعة» (1)، فمِنْ وَضْع بعض الغُلاة المنحرفين عن السنة، وكذلك المرويّ عن علي (2). والصحيح عن عمر وعلي يكذّب الروايةَ عنهما بخلافه. وكذلك ما رووه عن مجاهد أنه قال: صليت خلف ابن عمر سنتين فلم يرفع يديه إلا في التكبيرة الأولى (3). وقد تقدم من الروايات الصحيحة عن ابن عمر ما يشهد بكَذِبِ هذه الرواية، وأنها مُخْتَلقة موضوعة عليه. * وأما حديث ابن عباس: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرفع يديه كلما ركع وكلما رفع، ثم صار إلى افتتاح الصلاة وترك ما سوى ذلك» (4)، فلا يُعرف (5) له إسناد وهو موضوع بلا ريب. * وأما ما رُوي عن ابن الزّبير: أنه رأى رجلًا يرفع يديه، فقال: هذا شيء فعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم تركه (6). فلا يُعرف هذا ولا الذي قبله في شيء من كتب الحديث والآثار التي يُعتمد عليها. _________ (1) ذكره ابن الجوزي في «التحقيق»: (1/ 334). (2) تقدم تخريجه (ص/86). (3) تقدم تخريجه (ص/88). (4) ذكره ابن الجوزي في «التحقيق»: (1/ 334). (5) الأصل وفرعه: «يُرفع» ولا معنى له، والصواب ما أثبت بدليل قول ابن الجوزي في «التحقيق» عقب إيراده مع أثر ابن الزبير: «لا يعرفان أصلًا .. ». (6) ذكره ابن الجوزي أيضًا (1/ 334).

(1/107)


ومثل هذا لا يجوز الاحتجاجُ به باتفاق أهل العلم، فضلًا عن أن تعارَض به الأحاديثُ الصحيحة الثابتة المستفيضة التي لا يمكن دفعُها، التي هي متواترة تواترًا خاصًّا عند أهل الحديث، يقطعون بها أعظم من قَطْع أتْباع الأئمة بما اشتهر من فتاوى أئمتهم بكثير؛ إذ توفُّر هِمم الصحابة والتابعين ومن بعدهم على نقلها وإظهارها وبثِّها في الأمة، وحرصهم على ذلك أعظم من توفّر هِمم أتْباع الأئمة على نقل فتاويهم وبثّها وإظهارها في الأمة، بما لا نسبةَ بينهما، فإذا جاز [ق 33] أن يقال: مذهب أبي حنيفة ترك رفع اليدين عند الركوع والرّفع منه، ومُستند هذه الإضافة نقل ثلاثة أو أربعة عنه، فلا يشكّ أصحابُه أنَّ هذا مذهبه وقوله، فكيف بالنقل المستفيض المتواتر عند أهل العلم بالحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه بالرفع؟ فأين النقلُ من النقل، والكثرةُ من الكثرة، والاستفاضةُ من الاستفاضة؟! قال البخاري (1): ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعله وروايته عن أصحابه. يُروى عن سبعة عشر نفسًا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أنهم كانوا يرفعون أيديهم عند الركوع ... وعدَّهم. ثم قال: وقال الحسن وحُمَيد بن هلال: كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرفعون أيديهم. فلم يستثن أحدًا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - دون أحد، ولم يثبت عند أحدٍ من أهل العلم عن أحدٍ من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه لم يرفع يديه. _________ (1) «رفع اليدين» (ص/20 - 33). باختصار وتصرف. وأول الكلام عنه هكذا: «ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من فعله وقوله ومن فعل أصحابه وروايتهم كذلك .. ».

(1/108)


ويروى أيضًا عن عِدّة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما وصفنا. وكذلك رُوِّيناه عن عِدّة من علماء أهل مكة، وأهل الحجاز، وأهل العراق، وأهل الشام، والبصرة، واليمن، وعِدّة من أهل خُراسان. وكذلك يروى عن أم الدرداء أنها كانت ترفع يديها. ثم قال: وكان عبد الله بن الزبير، وعلي بن عبد الله، ويحيى بن معين، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن إبراهيم يثبتون عامة هذه الأحاديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويرونها حقًّا. وهؤلاء أهل العلم من أهل زمانهم (1). قلت (2): ومن المعلوم جواز إضافة القول بذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، [وأنهم] يرون هذا، وأن يُقال: القولُ بالرفع في هذه المواضع هو قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه. فصل * قالوا: وأما استدلالكم بما رواه مسلم في «صحيحه» (3) عن جابر ابن سَمُرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما لي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيلٍ شُمْس، اسكنوا في الصلاة»، فمن جنس الاستدلال بقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} [النساء/77]. _________ (1) سبق نص البخاري بطوله (ص 29 - 30). (2) التعليق لابن القيم. (3) رقم (430).

(1/109)


فيا لله العجب! كيف ينكر عليهم رفع الأيدي عند الركوع والرفع منه ــ بزعمكم ــ وهو يفعله دائمًا، وهم يشاهدونه ويأخذونه عنه، ويفعلونه في حياته وبعده، ويَحْصُب بعضُهم من لم يفعله، ويخبر عمر بن عبد العزيز: أنهم كانوا يؤدَّبون على تركه؟! وكيف لم يَنْتهوا عنه بعد هذا النهي؟! وكيف فهموا من هذا الترك الرفع عند الركوع والرفع منه، ولم يفهموا تركه عند الافتتاح؟! أفترى إذا رُفِعت الأيدي عند الافتتاح لم تكن كأذناب الخيل؟! وإذا رُفِعت للركوع صارت حينئذٍ كأذناب الخيل فيتناولها النهي؟! إن هذا من عَجب (1) العَجَب! وأعجبُ منه أن يكون قد نهاهم عنه وأمرهم بضده، ولم يثبت عن أحدٍ منهم أنه أطاع هذا الأمر وانتهى عما نهى عنه، إلا ما يُروى [ق 34] عن ابن مسعود وحده إن صح. وأعجبُ منهما رواية الصحابة عنه - صلى الله عليه وسلم - الرفعَ الذي قد نهى عنه ــ بزعمكم ــ وتبليغه للأمة وتعليمهم إياه وإشاعتهم له مع كونه منهيًّا عنه! فليتأمل المُنصف ما تبلغ نُصرةُ أقوال الرجال والتعصّب للمذاهب بصاحبها، فنسأل الله التوفيق بمنّه وكرمه. _________ (1) كذا في الأصل، ولعلها: «أعجب».

(1/110)


قالوا (1): ولا ندري أعَلِمَ صاحبُ هذا الاستدلال سبب الحديث، وأن القوم كانوا إذا سلَّموا من الصلاة رفع أحدُهم يدَه اليمنى مشيرًا بها إلى مَنْ عن يمينه، ثم رفع اليسرى مشيرًا بها إلى مَن عن شماله كذلك، فنُهوا عن ذلك وأُمِروا بالاقتصار على السلام، وقيل لهم: إنما يكفي أحدكم أن يسلّم على أخيه مِن عن يمينه وعن شماله: السلامُ عليكم ورحمة الله، السلامُ عليكم ورحمة الله، أم لم يعلم أن ذلك هو المنهيّ عنه؟ فإن كان لا يدري فتلك مصيبة ... وإن كان يدري فالمصيبة أعظم (2) قال إمام السُّنة محمد بن إسماعيل البخاري (3): «وأما احتجاج من لا يعلم بحديث وكيع، عن الأعمش، عن المسيّب بن رافع، عن تميم بن طَرَفَة، عن جابر بن سَمُرة، قال: دخل علينا النبي - صلى الله عليه وسلم - ونحن رافعو (4) أيدينا في الصلاة فقال: «ما لي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شُمْس اسكنوا في الصلاة» (5)، فإنما كان هذا في التشهد لا في القيام، كان يُسَلِّم بعضُهم على بعض، فنهى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عن رفع الأيدي في التشهد. ولا يحتجُّ بمثل هذا من له حظٌّ من العلم، هذا معروف مشهور لا اختلاف فيه. _________ (1) أي القائلون بالرفع. (2) البيت نحوه في قصيدة لصفي الدين الحلي (750) «ديوانه» (ص 65 - صادر)، وضمَّنه المؤلف قصيدته الميمية في كتابه «طريق الهجرتين»: (1/ 112). (3) «رفع اليدين» (ص/90 - 95). (4) في كتاب البخاري وغيره «رافعي». (5) تقدم تخريجه (ص 109) وهو عند مسلم.

(1/111)


ولو كان كما ذهب إليه، لكان رفع الأيدي في أول تكبيرة كذلك، وأيضًا تكبيرات صلاة العيد منهيٌّ عنها؛ لأنه لم يَسْتثن رفعًا دون رَفْع، وقد بيَّنه حديثٌ حدَّثناه أبو نعيم، قال: ثنا مِسْعر، عن عبيدالله (1) بن القِبْطِيَّة، قال: سمعت جابر بن سَمُرة يقول: كنا إذا صلينا خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - قلنا: السلام عليكم، السلام عليكم ــ وأشار مِسْعرٌ بيده ــ فقال: «ما بال هؤلاء يرفعون (2) أيديهم كأنها أذنابُ خَيلٍ شُمْس، إنما يكفي أحدهم أن يضع يده على فَخِذِه، ثم يسلِّم على أخيه مِنْ عن يمينه ومِنْ عن شماله». فليحذر امرؤٌ أن يتأوَّل أن يقول (3) على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما لم يقل، قال الله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور/63]». انتهى كلام البخاري. فصل * وأما قولكم: إن أبا هريرة حافظ الأمة، كان لا يرفع يديه، وهو أعلمهم بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فيقال: من العجب العُجاب أن يكون أبو هريرة ــ لو صحّ عنه ما ذكرتم في هذا الموضع ــ حافظ الأمة وأعلمها بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حتى يُقدَّم _________ (1) الأصل و (ف): «عبدالله» تحريف، والمثبت من كتاب البخاري ومصادر ترجمته. «التاريخ الكبير»: (5/ 396)، و «الجرح والتعديل»: (5/ 331). (2) «كتاب الرفع-ط» «يومِئون»، و (ف، ومخطوطة الرفع) غير محررة. (3) «كتاب الرفع-مخ» (ق 13) كما هنا، وفي المطبوع: «أو يتقوّل».

(1/112)


فعله على تلك الأحاديث الثابتة المستفيضة! وعلى فِعْل مَن ذكرنا فِعْله من الصحابة الذين هم أكثر منه عددًا، وأعظم منه قدرًا، وأعلم منه برسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ق 35] وسنته، وهم الخلفاء الراشدون ومن ذُكِر معهم! ثم إذا روى حديثَ المُصرَّاة المخالف لقولكم، رُدّ حديثُه بأنه لم يكن من فقهاء الصحابة، ومستندُ الردِّ رواية أبي هريرة له؛ لأن الفقه لم يكن شأنه. قال الشافعي (1): «كلَّمْتُ محمد بن الحسن في مسألة المُصرَّاة، _________ (1) لم أجده في «الأم» ولعله فيما ساقه البيهقي في «كتاب الخلافيات» من مناظرات الشافعي مع محمد بن الحسن كما أشار إليها ابن الملقن في «البدر المنير»: (3/ 503). وللشافعي في الأم (3/ 213) مناظرة مع محمد بن الحسن فيها تثبيت رواية أبي هريرة والاحتجاج لها، نسوقها بنصها: «قال (محمد): فكيف تنقض الملك الصحيح؟ فقلت: نقضته بما لا ينبغي لي ولا لك ولا لمسلم عَلِمَه إلا أن ينقضه به. قال: وما هو؟ قلت: سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال: أفرأيت إن لم أثبت لك الخبر. قلت: إذًا تصير إلى موضع الجهل أو المعاندة. قال: إنما رواه أبو هريرة وحده، فقلت: ما نعرف فيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - رواية إلا عن أبي هريرة وحده، وإن في ذلك لكفاية تثبتُ بمثلها السنة. قال: أفتوجدنا أن الناس يثبتون لأبي هريرة رواية لم يروها غيره أو لغيره؟ قلت: نعم، قال: وأين هي؟ قلت: قال أبو هريرة: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها» فأخذنا نحن وأنت به ولم يروه أحد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - تثبت روايته غيره. قال: أجل ولكن الناس أجمعوا عليها. فقلت: فذلك أوجب للحجة عليك أن يجتمع الناس على حديث أبي هريرة وحده ولا يذهبون فيه إلى توهينه بأن الله عز وجل يقول: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} الآية، وقال: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ}. = ... وقلت له: وروى أبو هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعًا». فأخذنا بحديثه كله وأخذت بجملته فقلت: الكلب ينجس الماء القليل إذا ولغ فيه، ولم توهّنه بأن أبا قتادة روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الهرّة أنها لا تنجّس الماء. ونحن وأنت نقول: لا تؤكل الهرة فتجعل الكلب قياسًا عليها فلا تنجس الماء بولوغ الكلب، ولم يروه إلا أبو هريرة. فقال: قبلنا هذا لأن الناس قبلوه. قلت: فإذا قبلوه في موضع ومواضع وجب عليك وعليهم قبول خبره في موضع غيره، وإلا فأنت تتحكم فتقبل ما شئت وترد ما شئت. قال: فقال: قد عرفنا أن أبا هريرة روى أشياء لم يروها غيره مما ذكرت وحديث المصرّاة وحديث الأجير وغيره أفتعلم غيره انفرد برواية؟ قلت: نعم أبو سعيد الخدري روى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ليس فيما دون خمسة أوسق ... » انتهى الغرض منه.

(1/113)


فاحتججتُ عليه بالحديث، فقال: هذا حديثٌ رواه أبو هريرة، فكان الذي فرَّ إليه شرًّا مما فرّ منه». هذا ولم يخالف أبا هريرة في هذا الحديث أحدٌ، ولا روى أحدٌ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - خلافَ ما روى، فهلَّا كان هنا حافظ الأمة وأعلمها بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -!! والله المستعان. فصل *وأما قولكم: إنَّ القياس يقتضي عدم الرفع؛ لأن الانتقال من القيام إلى الركوع نظير الانتقال من القيام إلى السجود، وكذلك الانتقال من السجود إلى القيام والقعود نظير الانتقال من الركوع (1) إلى القيام سواء، _________ (1) (ف): «من القيام الركوع» خطأ.

(1/114)


فكما لا يُشْرع الرفع في هذا الانتقال، فكذا لا يُشرع في الانتقال الآخر. قالوا: فهذا هو القياس والرأي الفاسد الذي أجمع السلفُ على ذَمِّه، وهو يتضمَّن الجمعَ بين ما فرَّق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينه، والتفريقَ بين ما جمع بينه, فإنَّ السنة قد فرَّقت بين الموضعين، فالرأي الذي يتضمن التسوية بينهما رأيٌ باطل وقياس فاسد لا يحلّ اعتباره، وهذا وأمثاله ممن يتناوله ما رواه البخاري في «صحيحه» (1) من حديث عبد الله بن عَمرو بن العاص، قال: سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن الله لا ينزعُ العلم بعد إذ أعطاهموه انتزاعًا، ولكن ينتزعه منهم مع قبض العلماء بعلمهم، فيبقى ناسٌ جهَّال فيُسْتفتون فيفتون برأيهم فيَضلون ويُضِلون». وفي رواية: «لا ينزع الله العلمَ من صدور الرجال، ولكن ينتزع العلم بموت العلماء، فإذا لم يبقَ عالم اتخذ الناسُ رؤوسًا جُهّالًا فقالوا بالرأي فضلّوا وأضلّوا» (2). وفي رواية: «فأفتوا بغير علم» (3). وهو صريح في أن «الرأي» غيرُ علمٍ، ولاسيما رأيٌ يخالف ما جاء به _________ (1) رقم (7372). وأخرجه مسلم أيضًا رقم (2673). (2) أخرجه ابن حزم في «الإحكام في أصول الأحكام»: (6/ 39). قال ابن حزم: «حدثنا حمام بن أحمد ثنا عبد الله بن محمد بن علي الباجي ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا أحمد بن مسلم نا أبو ثور إبراهيم بن خالد الكلبي ثنا وكيع عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا ينزع الله العلم من ... » باللفظ الذي ساقه المؤلف. وذكره المؤلف بلفظه في كتابه «إعلام الموقعين»: (2/ 95). (3) عند البخاري (100)، ومسلم الموضع السالف.

(1/115)


رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من العلم. وروى عبد الرزاق، ثنا سفيان الثوري، ثنا عبد الأعلى، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من قال في القرآن برأيه فليتبوَّأ مقعدَه من النار» (1). وقال عَبْدُ بن حُميد: ثنا أبو أسامة، عن نافع بن عمر الجُمَحي، عن بن أبي مُليكة، قال: قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: «أيّ أرضٍ تُقِلّني وأيُّ سماءٍ تُظِلّني إن قلتُ في آيةٍ من كتاب الله برأيي أو بما لا أعلم» (2). _________ (1) أخرجه عبد الرزاق في «تفسيره» (2)، والترمذي (2950) وحسنه، وأبو داود - كما في «تحفة الأشراف»: (4/ 423) للمزي ــ وهذا الحديث ليس في مطبوعة السنن التي بأيدينا، لأنها من رواية اللؤلؤي، وهذا الحديث وقع في رواية ابن العبد، كما نبه الحافظ العراقي في «المغني عن حمل الأسفار»: (1/ 39). وأخرجه النسائي في الكبرى (8030)، وابن جرير: (1/ 72)، وابن حزم في «الإحكام»: (6/ 38). (2) أخرجه من هذه الطريق ابن حزم في «الإحكام»: (6/ 41). وأخرجه من طريق ابن أبي مليكة سعيد بن منصور: (1/ 168)، والبيهقي في «المدخل إلى السنن» (792). وابن أبي مليكة لم يسمع من أبي بكر رضي الله عنه. وجاء من طرق أخرى عن أبي بكر ولا تخلو من مقال. تنبيه: هكذا ساق المصنف هذا الأثر، وكذلك فعل في «إعلام الموقعين»: (2/ 99 - 100) وغيره من كتبه، لكن لفظه في المصادر السالفة: « .. من كتاب الله بغير ما أراد الله» فلعله انتقال نظر من المؤلف عند النقل من كتاب ابن حزم، إذ ساقه بإسناده إلى ابن أبي مليكة قال: قال أبو بكر الصديق: أي أرض تقلني وأي سماء تظلني إن قلت في آية من كتاب الله بغير ما أراد. ثم ساق بإسناده إلى أبي معمر عن أبي بكر الصديق قال: أية أرض تقلني وأي سماء تظلني إن قلت في كتاب الله برأيي أو بما لا أعلم.

(1/116)


وذكر أبو عمر بن عبد البر (1) من حديث حمَّاد بن زيد، عن سعيد ابن أبي صدقة، عن ابن سيرين قال: لم يكن أحدٌ (2) أهْيَب لما لا يعلم من أبي بكر الصديق [ق 36]، ولم يكن أحدٌ بعد أبي بكر أَهْيَب لما لا يعلم من عمر، وأن أبا بكر نزلت به قضية، فلم يجد في كتاب الله تعالى منها أصلًا، ولا في السنة أثرًا، فاجتهد رأيه، ثم قال: «هذا رأيي، فإن كان صوابًا فمن الله، وإن كان خطأً فمني، وأستغفر الله». قالوا: فهذا رأي صدِّيقيّ لم يخالف أثرًا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو يجوّز أن يكون خطأً، يُستغفرَ منه، فكيف برأيٍ غير صدِّيقيّ يخالف الأحاديث الثابتة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه؟! وقال عمر رضي الله عنه: «أيها الناس، اتهموا الرأي على الدين، فلقد رأيتُني وإني لأردّ أمرَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برأيي، أجتهدُ ولا آلو، وذلك يوم أبي جندل والكتاب يُكْتب، فقال: اكتبوا بسم الله الرحمن الرحيم، فقالوا: نكتب: باسمك اللهم، فرضي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبيتُ، فقال: يا عمر، تراني قد رضيتُ وتأبى؟» (3). _________ (1) في «جامع بيان العلم وفضله»: (2/ 830). (2) بعده في «الجامع»: «بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -». وليست في الأصل ولا فيما نقله المصنف في «إعلام الموقعين»: (2/ 101). (3) رواه أحمد في «فضائل الصحابة» (558)، والطبراني في «الكبير»: (1/ 72)، وابن حزم في «الإحكام»: (6/ 46)، والبيهقي في «المدخل» (217).

(1/117)


وقال ابنُ وهب: ثنا يونس بن يزيد، عن الزهري: أن عمر بن الخطاب قال ــ وهو على المنبر ــ: «يا أيها الناس إنما كان رأي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مصيبًا؛ لأن الله عز وجل كان يُرِيه، وإنما هو مِنّا الظنُّ والتكلّف» (1). وذكر أبو عمر بن عبدالبر (2) من حديث عَمرو بن حُريث، قال: قال عمر بن الخطاب: إياكم وأصحاب الرأي، فإنهم أعداء السّنن، أعْيتهم الأحاديثُ أن يحفظوها فقالوا بالرأي، فضلّوا وأضَلّوا. وقال محمد بن إبراهيم التيمي، عن عمر بن الخطاب: أصبح أصحاب الرأي أعداء السنن، أعْيتهم أن يعوها، وتفَلّتت أن يرووها فاشتقُّوها (3) بالرأي (4). وقال مسروق: كتبَ كاتبٌ لعمر بن الخطاب: هذا ما أرى اللهُ عمرَ، فقال: بئس ما قلت، قل: هذا ما رأى عمر. وفي رواية: هذا ما رأى اللهُ ورأى عمرُ، فقال: بئس ما قلت، إن يكن صوابًا فمن الله، وإن يكن خطأ فمن عمر (5). _________ (1) أخرجه ابن عبدالبر في «الجامع»: (2/ 1041)، وابن حزم في «الإحكام»: (6/ 42). (2) «الجامع»: (2/ 1042)، وأخرجه ابن حزم في «الإحكام»: (6/ 42). (3) كذا بالأصل وبعض نسخ «الجامع»، وفي «الجامع» و «إعلام الموقعين»: (2/ 102): «فاستبقوها». وفي «الإحكام»: «فاستقوها». (4) «الجامع»: (2/ 1042)، وأخرجه ابن حزم في «الإحكام»: (6/ 43). (5) رواه البيهقي في «الكبرى»: (10/ 116)، وابن حزم في «الإحكام»: (6/ 48). قال الحافظ في «التلخيص»: (4/ 214): إسناده صحيح.

(1/118)


وقال ابن وهب: أخبرني ابنُ لهيعة، عن عبد الله (1) بن أبي جعفر قال: قال عمر بن الخطاب: السُّنة ما سَنَّه اللهُ ورسولُه، لا تجعلوا خطأ الرأي سنة للأمة (2). وذكر أبو بكر بن أبي شيبة (3) من حديث رفاعة بن رافع قال: بينا أنا عند عمر بن الخطاب، إذ دخل عليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين، هذا زيد ابن ثابت يفتي الناسَ في المسجد برأيه في الغسل من الجنابة، فقال عمر: علَيَّ به، فجاء زيد، فلما رآه عمر قال: أي عُدَيّ (4) نفسِه! قد بلغتَ أن تفتي الناسَ برأيك؟ قال: يا أمير المؤمنين، والله ما فعلت، ولكن سمعت من أعمامي حديثًا حدَّثتُ به؛ من أبي أيوب، ومن أُبيّ بن كعب، ومن رِفاعة بن رافع. فأقبل عمر على رِفاعة بن رافع، فقال: وقد كنتم تفعلون ذلك إذا أصابَ أحدُكم من المرأة فأكْسَل لم يغتسل؟ قال: قد كنا نفعل ذلك في عهد رسول [ق 37] الله - صلى الله عليه وسلم -، فلم يأتنا فيه من الله تحريم، ولم يكن فيه من النبي - صلى الله عليه وسلم - نَهْي، فقال عمر: ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلم ذلك؟ قال: لا أدري، فأمر عمر بالمهاجرين والأنصار فجُمِعوا له فشاورهم، فأشار الناس أنْ لا غُسل _________ (1) كذا في الأصل و «إعلام الموقعين»: (2/ 101)، والصحيح «عبيدالله» كما في «الجامع»، ومصادر ترجمته، انظر «الجرح والتعديل»: (5/ 310)، و «تهذيب الكمال»: (5/ 30). (2) أخرجه ابن عبد البر في «الجامع»: (2/ 1047)، ومن طريقه ابن حزم في «الإحكام»: (6/ 51). وقال المصنف في «الإعلام» عن هذه الآثار: «وأسانيد هذه الآثار عن عمر في غاية الصحة». (3) رقم (952). وأخرجه أحمد (21096)، والطبراني في «الكبير»: (5/ 34 - 35). (4) كذا في الأصل مصغرًا.

(1/119)


إلا ما كان من معاذٍ وعليٍّ، فإنهما قالا: إذا جاوز الختانُ الختانَ فقد وجبَ الغُسْل، فقال عمر: هذا وأنتم أصحاب بدر قد اختلفتم فمن بعدكم أشد اختلافًا، فقال علي: يا أمير المؤمنين، إنه ليس أحد أعلم بهذا من شأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أزواجه، فأرسل إلى حفصة، فقالت: لا عِلم لي بهذا، فأرسل إلى عائشة، فقالت: إذا جاوز (1) الختانُ الختانَ فقد وجب الغُسْل، فقال عمر: لا أسمع برجل فعل ذلك إلا أوجعته ضربًا. وقال حمّاد بن سَلَمة، عن حُميد، عن أبي رجاء العُطاردي، أن أبا موسى الأشعري رضي الله عنه قال: من كان عنده عِلم فليعلّمه الناس، وإن لم يعلم فلا يقولنّ ما ليس له به علم، فيكون من المُتكلّفين ويمرق من الدّين (2). وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: لو كان الدّين بالرأي لكان أسفل الخفّ أولى بالمسح من أعلاه (3). وقال البخاري (4): ثنا موسى بن إسماعيل، أنا أبو عوانة، عن الأعمش، عن أبي وائل، قال: قال سهل بن حُنيف: أيها الناس، اتهموا رأيكم على دينكم، لقد _________ (1) الأصل وفرعه: «وجب»، والمثبت من «المصنف» وغيره. (2) أخرجه ابن سعد في «الطبقات»: (4/ 102)، والدارمي في «السنن» (180). وفي سنده انقطاع. (3) أخرجه أبو داود (162)، وأحمد (737)، وابن أبي شيبة (1907)، وغيرهم. وقال الحافظ في «التلخيص»: (1/ 169): «إسناده صحيح». (4) «الصحيح» (7308)، وأخرجه مسلم (1785).

(1/120)


رأيتُني يومَ أبي جندل، ولو أستطيع أن أردّ أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لرددته. وقال ابن وهب: حدثني بِشْر بن بكر، عن الأوزاعي، عن عَبْدة بن أبي لُبابة، عن ابن عباس قال: من أحْدَث رأيًا ليس في كتاب الله، ولم تمضِ به سنةُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يدرِ على ما هو منه إذا لقي الله عز وجل (1). وقد سئل ابنُ مسعود عن المُفوِّضة شهرًا يُخْتَلَفُ فيها إليه، فقال بعد ذلك: سأقول (2) فيها برأيي، فإن كان صوابًا فمن الله وحده، وإن كان خطأً فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منه بريء (3). فلم يجزم برأيه أنه صواب يجب اتباعه، فضلًا عن أن يقدم على سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، بل جوَّز أن يكون خطأً، والله بريء منه ورسوله، هذا وهو رأي حَبْر الأمة وعالمها. وقال يحيى بن سعيد: ثنا مُجالد، عن الشعبي، عن مسروق قال: قال ابن مسعود: يذهب العلماء ويبقى قوم يفتون برأيهم (4). وذكر حماد بن سلمة، عن أيوب السّخْتياني، عن أبي قلابة، عن يزيد _________ (1) رواه ابن وضَّاح في «البدع والنهي عنها» (ص/45)، وابن حزم في «الإحكام»: (6/ 46)، والدارمي (160)، والبيهقي في «المدخل» (190). (2) (ف): «ذلك أن أقول». (3) أخرجه أحمد (4276)، وأبو داود (2116)، وغيرهما. وصححه المصنف في «الإعلام»: (2/ 107). وصحح على «بريء» في الأصل. (4) أخرجه بلفظه ابن حزم في «الإحكام»: (6/ 49)، وبنحوه ابن عبدالبر في «الجامع»: (2/ 1044).

(1/121)


ابن عَميرة (1)، عن معاذ بن جبل قال: تكون فتنٌ يكثر فيها المال ويُفتح فيها القرآن، حتى يقرأه الرجل والمرأة، والصغير والكبير، والمؤمن والمنافق، فيقرؤه [ق 38] الرجل فلا يُتَّبع، فيقول: والله لأقرأنَّه علانيةً، فيقرؤه علانية فلا يُتّبع، فيتخذ مسجدًا أو يبتدع كلامًا ليس في كتاب الله ولا من سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإياكم وإياه فإنه بدعة وضلالة. قاله معاذ ثلاث مرات (2). وما أحسن ما قال سفيان بن عيينة: اجتهاد الرأي مشاورة أهل العلم، لا أن يقول برأيه. حكاه إسحاقُ بن راهويه عنه (3). وكتب عمر بن عبد العزيز إلى الناس: إنه لا رأي لأحد مع سُنةٍ سنَّها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (4). وقال ابن وضَّاح: ثنا يوسف بن عدي، ثنا عَبيدة (5) بن حميد، عن عطاء بن السائب قال: قال الربيع بن خُثَيم: إياكم أن يقول الرجل لشيء: إن الله حرم هذا، أو نهى عنه، فيقول الله عز وجل: كذبت لم أحرّمه، ولم أنْه _________ (1) الأصل وفرعه: «عمير». والتصويب من مصادر الترجمة، انظر «التاريخ الكبير»: (8/ 350)، و «تهذيب الكمال»: (8/ 144). (2) أخرجه أبو داود (4611)، والدارمي في «السنن» (205)، وابن وضَّاح: (ص/33)، واللالكائي: (117). من طرق عن معاذ، بألفاظ مختلفة. (3) أخرجه ابن حزم في «الإحكام»: (6/ 36). (4) أخرجه الدارمي (446)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه»: (556)، وابن عبدالبر في «الجامع»: (1/ 781)، وابن حزم في «الإحكام»: (6/ 53). (5) الأصل وفرعه: «عبد» والتصحيح من مصادر الترجمة، انظر «تهذيب الكمال»: (5/ 85) وفروعه.

(1/122)


عنه، أو يقول: إن الله عز وجل أحل هذا أو أمر به (1)، فيقول الله عز وجل: كذبتَ لم أحلّه ولم آمر به (2). وقال أبو نضرة: سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن بن عوف يقول للحسن البصري: بلغني أنك تفتي برأيك، فلا تُفْتِ إلا أن تكون سنة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو كتابًا منزّلًا (3). وقال شقيق بن سلمة: إياك ومجالسة من يقول: أرأيت أرأيت (4). وقال الزهري: دعوا السنة تمضي، لا تعرضوا لها بالرأي (5). وقال عروة بن الزبير: ما زال أمر بني إسرائيل معتدلًا، حتى نشأ فيهم المولّدون أبناء سبايا الأمم، فأخذوا فيهم بالرأي فأضلوهم (6). ورواه ابن ماجه في كتاب «السنن» (7) مرفوعًا فقال: ثنا سويد بن _________ (1) في الأصلين: «أو نهى عنه ... ولم أنه عنه»، والمثبت من مصادر الخبر و «إعلام الموقعين». (2) أخرجه من هذا الطريق ابن عبدالبر في «الجامع»: (2/ 1075)، ومن طريقه ابن حزم في «الإحكام»: (6/ 53). (3) أخرجه الدارمي (165)، وابن حزم في «الإحكام»: (6/ 54). (4) أخرجه البخاري في «الأوسط»: (3/ 44)، وابن حزم في «الإحكام»: (6/ 55). (5) أخرجه ابن حزم في «الإحكام»: (6/ 55). (6) أخرجه الدارمي (122)، والبيهقي في «المدخل» (222)، وابن عبدالبر في «الجامع»: (2/ 1047)، وابن حزم في «الإحكام»: (6/ 55). (7) رقم (56). قال البوصيري في «مصباح الزجاجة»: (1/ 50): «هذا إسناد ضعيف لضعف ابن أبي الرجال واسمه حارثة بن محمد بن عبد الرحمن». وأخرجه البزار (6/ 402)، وأبو نعيم في «معرفة الصحابة»: (3/ 198)، قال الهيثمي في «المجمع»: (1/ 432): «رواه البزار وفيه قيس بن الربيع وثقه شعبة والثوري ... = = ... وضعفه جماعة. وقال ابن القطان: هذا إسناد حسن».وأخرجه ابن أبي شيبة (38747) من طريق وكيع موقوفًا على ابن عمرو.

(1/123)


سعيد، ثنا ابن أبي الرِّجال، عن الأوزاعي, عن عَبْدة بن أبي لبابة، عن عبد الله بن عَمرو بن العاص قال: سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لم يزل أمر بني إسرائيل معتدلًا حتى نشأ فيهم المولّدون، وأبناء سبايا الأمم، فقالوا بالرأي فضلوا وأضلوا». ورواه محمد بن إسحاق الصغاني، عن المُسَيَّبي، عن عبد الله بن محمد بن يحيى بن عروة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «ما هلكت بنو إسرائيل حتى كثر فيهم المولَّدون أبناء سبايا الأمم، فأخذوا في دينهم بالمقاييس فهلكوا وأهلكوا» (1). وذكر ابن وهب، عن ابن شهاب أنه ذكر ما وقع الناسُ فيه من الرأي، وتركهم السنن، فقال: إن اليهود والنصارى إنما انسلخوا من العلم الذي بأيديهم، حين (2) اشتقّوا الرأي وأخذوا فيه (3). وقال الأوزاعي: عليك بآثار من مضى وإن رفضك الناس، وإياك وآراء الرجال وإن زخرفوا لك القول (4). _________ (1) أخرجه الخطيب في «الفقيه والمتفقه» (474). (2) الأصل و (ف): «حتى» والتصحيح من مصادر الأثر. وفي «الإعلام»: «حين اتبعوا». (3) ذكره ابن عبدالبر في «الجامع»: (2/ 1051). وفيه: «استبقوا الرأي». (4) أخرجه ابن عبدالبر في «الجامع»: (2/ 1071)، وعنه ابن حزم في «الإحكام»: (6/ 52 - 53). والآجري في «الشريعة»: (127)، والبيهقي في «المدخل»: (233).

(1/124)


وقال ابن أبي عمران شيخُ الطحاوي وأستاذُه، عن أبي يوسف والحسن [ق 39] بن زياد قالا: قال أبو حنيفة: عِلْمُنا هذا رأي وهو أحسن ما قدرنا عليه، ومن جاءنا بأحسن منه قبلناه منه (1). وذكر أبو عمر بن عبدالبر (2) عن معن بن عيسى قال: سمعت مالك بن أنس يقول: إنما أنا بشر أخطئ وأصيب، فانظروا في رأيي، فكلما وافق القرآن والسنة فخذوا به، وما لم يوافق [الكتاب و] السنة فاتركوه. ولقد أصاب القائل بأنا نناشدهم الله واحدًا واحدًا، هل يفعلون هكذا؟ فوالله لئن قالوا: نعم؛ ليعلمنَّ اللهُ تعالى وأنفسُهم أنهم كاذبون، وإن قالوا: لا، أو سكتوا؛ فقد خالفوا ما يدّعون اتباعَه، وبالله التوفيق. وقال القعنبي: دخلتُ على مالك بن أنس في مرضه الذي مات فيه فسلّمت ثم جلست، فرأيته يبكي، فقلت: يا أبا عبد الله، ما الذي يُبْكيك؟ فقال لي: يا ابن قَعْنب، وما لي لا أبكي ومن أحقّ بالبكاء منّي! والله لوَدِدت أني ضُرِبْتُ بكلّ مسألة أفتيتُ فيها برأيي سوطًا سوطًا، وقد كانت لي سَعَة فيما سُبِقْت إليه وليتني لم أُفْتِ بالرأي (3). _________ (1) ذكره ابن عبدالبر في «الانتقاء» (257 - 258) بنحوه. ونقله المصنف في «الإعلام»: (2/ 143). (2) «الجامع»: (1/ 775). وما بين المعكوفين منه. (3) رواه ابن حزم في «الإحكام»: (6/ 57) بلفظه، وابن عبدالبر في «الجامع»: (2/ 1072).

(1/125)


وذكر أبو عمر (1) عن محمد بن خليفة، عن الآجُرِّي، عن أبي بكر بن أبي داود، عن أحمد بن سنان قال: سمعت الشافعي يقول: مَثَلُ الذي ينظر في الرأي ثم يتوب، كَمَثَل المجنون الذي عولج حتى برئ، فأعْقَلُ ما يكون قد هاج به. وقال الإمام أحمد: لا تكاد ترى أحدًا ينظر في الرأي إلا وفي قلبه دَغَل (2). وذكر أبو عمربن عبدالبر (3)، عن عبد الرحمن بن يحيى، عن أبي علي الأسيوطي، عن محمد بن جعفر الأنباري (4)، عن عبد الله بن الإمام أحمد عن أبيه: دينُ النبيّ محمدٍ أخبارُ ... نِعْم المَطيّة للفتى الآثارُ لا ترغبنّ عن الحديثِ وأهلِه ... فالرأي ليلٌ والحديث نهارُ ولربما جَهِل الفتى طرق الهدى ... والشمسُ طالعة لها أنوارُ _________ (1) في «الجامع»: (2/ 1053)، وعنه ابن حزم في «الإحكام»: (6/ 53) وفيه: فإغفل. (2) رواه ابن عبدالبر في «الجامع»: (2/ 1054). عن عبد الله بن الإمام أحمد عن أبيه، ورواه ابن حزم في «الإحكام»: (6/ 53) من طريق ابن عبدالبر لكن جعله عن أبي داود السجستاني عن الإمام أحمد. وصحح إسناده ابن حجر في «النكت»: (1/ 437). والدغل: الفساد. (3) في «الجامع»: (1/ 782). وذكر الأبيات اللالكائي في «شرح الاعتقاد» (1/ 149)، والهروي في «ذم الكلام»: (2/ 274)، والخطيب في «شرف أهل الحديث» (76) ونُسِبت في كل مصدر إلى قائل. (4) في «الجامع»: «الإخباري».

(1/126)


دع عنك آراءَ الرجال فما لها ... حدٌّ تحيطُ به ولا مِقدارُ وهذا البيت الأخير لغير أحمد من المتأخرين. وذكر عبد الله بن المبارك، ثنا عيسى بن يونس بن (1) أبي إسحاق السبيعي، عن حَريز بن عثمان، عن عبد الرحمن بن جُبير بن نُفَير، عن أبيه، عن عوف بن مالك الأشجعي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «تفرّقت أمتي على بضع وسبعين فرقة، أعظمُها فتنةً على أمتي: قومٌ يقيسون الأمور برأيهم فيُحِلُّون الحرام ويحرِّمون الحلال» (2). _________ (1) الأصل و (ف): «عن» خطأ والتصحيح من مصادر الخبر. (2) أخرجه من رواية نعيم بن حماد عن ابن المبارك به ابن عبدالبر في «الجامع» (2/ 1038)، وابن حزم في «المحلى»: (1/ 62) و «الإحكام»: (8/ 25). وعامة من أخرجه يروونه عن نعيم عن عيسى بن يونس به، أخرجه البزار (7/ 2390)، والطبراني في «الكبير»: (18/ 50)، وابن عدي: (1/ 185)، والحاكم: (3/ 631، 4/ 477)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (473)، وابن عبدالبر: (2/ 891). قال أبو زرعة الدمشقي في «تاريخه»: (1/ 622): «قلت لابن معين في حديث نعيم هذا، فأنكره. قلت: من أين يُؤتى؟ قال: شُبِّه له». قال الخطيب في «تاريخه»: (13/ 307 - 308): «وقال محمد بن علي بن حمزة: سألت يحيى بن معين عن هذا، فقال: ليس له أصل، ونعيم ثقة، قلت: كيف يحدث ثقة بباطل؟ قال: شُبِّه له. قال الخطيب: وافق نعيمًا عليه عبدُ الله بن جعفر الرقي، وسويد بن سعيد، ويروى عن عمرو بن عيسى بن يونس، كلهم عن عيسى». وقال ابن عدي في «الكامل»: (3/ 429) في حديث سويد: «إنما يعرف هذا بنعيم، وتكلم الناس فيه من أجله، ثم رواه رجل خراساني يقال له: الحكم بن المبارك ... = = ... أبو صالح الخواستي، ويقال: إنه لا بأس به، ثم سرقه قوم ضعفاء يعرفون بسرقة الحديث، منهم عبد الوهاب بن الضحاك، والنضر بن طاهر، وثالثهم سويد». وذكر الخطيب جماعةً رووه عن عيسى بن يونس لكن قال ابن عدي إنهم سرقوه من نعيم. وبنحو ذلك قال البزار والبيهقي وابن عبدالبر وغيرهم. ومع ذلك فقد صححه الحاكم وقال: إنه على شرط الشيخين ولم يخرجاه! وانظر «تهذيب الكمال»: (7/ 351 - 352)، و «السير»: (10/ 600 - 602)، و «التنكيل»: (1/ 496 - 497).

(1/127)


وقال ابن وهب: بلغني عن ابن مسعود أنه قال: ليس عام إلا والذي بعده شرٌّ منه، لا أقول: عام أَمْطر من عام، ولا عام أَخْصب من عام، ولا أمير خير من أمير، ولكن ذهاب خياركم وعلمائكم، ثم يحدث قومٌ يقيسون الأمور برأيهم، فيُهْدَم الإسلامُ وينثلم (1). [ق 40] وذكر أبو بكر بن أبي شيبة، عن مجاهد قال: نهى عمر بن الخطاب عن المكايلة. قال مجاهد: هي المقايسة (2). _________ (1) أخرجه الدارمي (194)، وابن وضاح في «البدع والنهي عنها» (ص 40)، والطبراني في «الكبير»: (9/ 105)، والبيهقي في «المدخل» (205)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (483)، وابن عبدالبر في «الجامع»: (2/ 1044). من طريق مجالد بن سعيد، عن الشعبي، عن مسروق، عن ابن مسعود بمثله. قال الحافظ ابن حجر في «الفتح»: (13/ 20): «أخرجه الطبراني بسند جيد». لكن فيه مجالد بن سعيد فيه ضعف وقد تغير بأخرة، وله شواهد ذكرها السخاوي في «المقاصد الحسنة» (324). (2) أخرجه من طريق ابن أبي شيبة الخطيب في «الفقيه والمتفقه» (481). وأخرجه الدارمي (203)، وزهير بن حرب في «العلم» (65)، والبيهقي في «المدخل» (211). وفي إسناده ليث بن أبي سُليم ضعيف.

(1/128)


وقال سعيد بن منصور: ثنا سفيان ــ هو ابن عُيينة ــ عن مُجالِد، عن مسروق (1) قال: قال عبد الله بن مسعود: إياكم وأرأيتَ أرأيتَ، و (2) إنما هلك من قبلكم بأرأيت وأرأيت، ولا تقيسوا شيئًا فتزلّ قدمٌ بعد ثبوتها، وإذا سُئل أحدُكم عما لا يعلم فليقل: لا أعلم، فإنه ثلث العلم (3). وذكر البخاريّ (4) عن جابر بن زيد قال: لقيني ابن عمر، فقال: يا جابر، إنك من فقهاء البصرة تُسْتفتى فلا تُفْتِ إلا بكتابٍ ناطق أو سنةٍ ماضية. وذكر مالكٌ، عن نافع، عن ابن عمر أنه قال: العلم ثلاثة (5): كتاب الله الناطق، وسنة ماضية، ولا أدري (6). _________ (1) كذا وقع الإسناد في الأصل وفرعه، وهذا إنما هو سند الحديث السالف «ليس عام .. » فلعله انتقال نظر من الناسخ وإسناده كما في الطبراني « ... سعيد بن منصور ثنا خلف بن خليفة ثنا أبو يزيد عن الشعبي عن ابن مسعود». (2) صحح عليها في الأصل. (3) أخرجه من هذا الطريق الطبراني في «الكبير»: (9/ 105)، قال الهيثمي في «المجمع»: (1/ 432): الشعبي لم يسمع من ابن مسعود، وفيه جابر الجعفي وهو ضعيف. (4) في «التاريخ الكبير»: (2/ 204). (5) الأصل: «ثلاث» والتصويب من المصادر. (6) أخرجه البسوي في «المعرفة»: (3/ 392)، والطبراني في «الأوسط» (1005)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (1111)، وابن حزم في «الإحكام»: (8/ 29 - 30)، ومن طريقه الحميدي في «جذوة المقتبس» (ص 230) كلهم من طريق عمر بن عصام عن مالك به. ووقع عند الطبراني «عمر بن حصين» تحريف. و طاهر (كذا وصوابه: عمر) بن عصام ذكره ابن أبي حاتم: (6/ 128) ولم يذكر فيه شيئًا. لكن في إسناد ابن حزم توثيق لعمر من أحد رجال الإسناد وهذا سياقه: « ... حدثنا إبراهيم بن المنذر، قال: ... = = ... نا عمر بن عصام ــ قال طاهر: وكان ثقة ــ عن مالك». وطاهر هو: ابن عبد العزيز الرعيني أبو الحسن، محدث من أهل قرطبة (ت 304). ترجمته في «الجذوة». ورواه عن مالك أحمدُ بن إسماعيل السهمي عند ابن عدي: (1/ 176) وهو يحدث عن مالك بالبواطيل وعُدَّ هذا من منكراته.

(1/129)


وذكر ابنُ وهب عن مَسْلمة بن عُلَيّ: أن شُريحًا القاضي قال: السنة سبقت قياسَكم (1). وذكر ابن عبدالبر (2)، عن الشعبي، عن مسروق قال: لا أقيس شيئًا بشيء، قلت: لِمَهْ؟ قال: أخاف أن تزلّ رجلي. وفي رواية عنه: إني أخاف أن تزلّ قدمي بعد ثبوتها (3). وذكر أبو عمر (4) أيضًا عن الشعبي: إيَّاكم والمقايسة، فوالذي نفسي بيده لئن أخذتم بالمقايسة، لتحلّنّ الحرام ولتحرّمنّ الحلال، ولكن ما بلغكم عن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاحفظوه. _________ (1) أخرجه ابن حزم في «الإحكام»: (8/ 32) من هذه الطريق، وفيه مسلمة بن عُلَي متروك الحديث. وأخرجه الدارمي (204)، ومن طريقه ابن عساكر في «تاريخه»: (23/ 39) ضمن قصة. وفي إسناده أبو بكر الهذلي متروك. وذكره ابن عبدالبر في «الجامع»: (2/ 1050) دون إسناد. (2) «الجامع»: (2/ 1048). وعنه ابن حزم في «الإحكام»: (8/ 32). وأخرجه الخطيب في «الفقيه والمتفقه» (489). (3) «الجامع»: (2/ 893). (4) «الجامع»: (2/ 1047)، وعنه ابن حزم في «الإحكام»: (8/ 32 - 33). وأخرجه الدارمي (110)، بنحوه، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (497) ببعضه. وفيه عيسى الحناط متروك.

(1/130)


وذكر سعيدُ بن منصور، عن الشعبي: السنة لم توضع بالقياس (1). وقال يحيى بن سعيد القطان: ثنا [صالح] (2) بن مسلم قال: قال لي الشعبي: إنما هلكتم حين تركتم الآثار، وأخذتم بالمقاييس، لقد بَغّض إليّ هذا المسجد ــ فلهو أبغض إليّ من كُناسة أهلي ــ هؤلاء الصَّعافقة (3). قال بعض أهل العلم: «الصعافقة» الذين يتخذون تجارةً غير محمودة، ويقحمون في المضايق بلا رَوِيّة (4). وقال عطاء وغيره في قوله عز وجل: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} (5) [النساء/59]: إلى كتاب الله وسنة رسوله (6). وقال ميمون بن مِهران: يُرَدُّ إلى الرسول ما دام حيًّا، فإذا قُبِض فإلى _________ (1) أخرجه البيهقي في «المدخل» (227)، وابن حزم في «المحلى»: (1/ 89)، و «الإحكام»: (8/ 33). (2) الأصل وفرعه: «محمد» والتصويب من مصادر الأثر. (3) أخرجه من هذا الطريق البيهقي في «المدخل» (228، 215)، ومن طرق أخرى الخطيب في «الفقيه والمتفقه» (499، 500)، وابن سعد في «الطبقات»: (8/ 369 - 370). (4) قال ابن الأثير في «النهاية»: (3/ 57): «هم الذين يدخلون في السوق بلا رأس مال، فإذا اشترى التاجر شيئًا دخل معه فيه. واحدهم صعفق ... أراد أن هؤلاء لا علم عندهم، فهم بمنزلة التجار الذين ليس لهم رأس مال». (5) الآية في الأصل إلى قوله: (واليوم) وعليها علامة التصحيح، وأكملها في (ف). (6) أخرجه الطبري: (7/ 175). وابن عبد البر في «الجامع»: (1/ 765).

(1/131)


سنته (1). وذكر أبو زرعة الدمشقي (2)، ثنا يزيد بن عبدربه قال: سمعت وكيع ابن الجرَّاح يقول ليحيى بن صالح الوُحاظي: احذر الرأي، فإني سمعتُ أبا حنيفة يقول: البول في المسجد أحسن من بعض قياسهم. وذكر الطحاوي، ثنا الحسن بن غُلَيب، ثنا عمران بن أبي عِمران، ثنا يحيى بن سُلَيم (3) الطائفي، حدثني داود بن أبي هند قال: سمعت محمد ابن سيرين يقول: القياس شؤم، وأول من قاس إبليس، وإنما عُبِدت الشمسُ والقمر بالقياس (4). قالوا: والآثار في هذا أضعاف [ق 41] أضعاف (5) ما ذكرناه، ولا ريب أن هذا الذمّ يتناول القياس الباطل المتضمّن خلاف السنن الثابتة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، الذي يقدمه أصحابه عليها ويردونها به. قالوا: ولا ريبَ أن السنة الصحيحة الصريحة جاءت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بالرفع في موضع، وتركه في موضع، والقياس الصحيح إنما يكون على _________ (1) أخرجه الطبري: (7/ 186). وابن عبد البر في «الجامع»: (1/ 766). (2) في «تاريخه»: (1/ 507). ومن طريقه الخطيب في «الفقيه والمتفقه» (560)، وابن حزم في «الإحكام»: (8/ 35 - 36). (3) الأصل وفرعه: «سلمان» والمثبت من مصادر الأثر. (4) أخرجه من هذا الطريق ابن حزم في «الإحكام»: (8/ 32). ومن طرق أخرى الدارمي (195)، وابن جرير: (8/ 131)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (506). (5) صحح عليها في الأصل، وسقطت من (ف).

(1/132)


أصل ثابتٍ بالسنة، فإذا تضمّن القياس مخالفة ما ثبت بالسنة كان باطلًا في نفسه فكيف يُقدّم على السنة؟! قالوا: وأين في القياس الذي ذكرتموه أيضًا اختصاص الرفع بالتكبيرة الأولى دون سائر الانتقالات، وما للقياس وهذا التخصيص؟ ولو قال لكم قائل: أول الركعة كآخرها، ولهذا يبتدئها بالتكبير ويختمها بالتكبير، فكما لا يسوغ الرفع بعد انتهاء الركعة لا (1) يسوغ في ابتدائها. وأيضًا الدخول في الصلاة أحد طرفيها، فلا يسوغ فيه رفع اليدين كطرف الخروج منها. أكنتم تقبلون هذا القياس مع أنه من جنس قياسكم لا فرق بينهما؟ وإن رددتموه لمخالفته السنة الصريحة، لزمكم ردّ ما ذكرتموه من القياس لأجل مخالفة السنة الصحيحة (2) الصريحة، ولا فرق بينهما ألبتة، وبالله التوفيق. فصل * قالوا: وأما قولكم: إن أفعال الصلاة معقولة المعنى ظاهرة العبودية، وأيُّ معنى في رفع اليدين؟ وأي خضوع واستكانة فيه؟ فما أشبه حال فاعله بحال من يريد الطيران! فهذا من الكلام الباطل الذي تُصان عنه وعن أمثاله سنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تُعارَضَ به، وأن تُضْرَب لها به الأمثال، وهل هذا إلا اعتراضٌ مَحْضٌ _________ (1) (ف): «كذلك لا ... ». (2) سقطت من (ف).

(1/133)


على السنة ودَفْع لها بالرَّاح؟ ثم نقول: فإذا كان الأمر كما زعمتم، فِلمَ رفعتم أيديكم في أول الصلاة؟ وهلّا حكمتم بترك الرفع في هذا المحل لِمَا ذكرتموه؟ وإن كان الرافع يشبه من يريد أن يطير، فلِمَ سوَّغتم له أن يطير في أول الصلاة ولم تسوّغوا له الطيران عند الركوع والرفع منه؟! وبهذا أجابَ عبد الله بن المبارك لأبي حنيفة ــ رحمهما الله ــ حين صلى إلى جانبه، فرفع يديه عند الركوع والرفع منه، فلمَّا سلَّم قال له أبو حنيفة: أتريد أن تطير؟ فقال عبد الله: لو أردت أن أطير لطرت أول مرة! (1) قالوا: والرفع هو من زينة الصلاة ومحاسنها، وله بكل إشارة عشر حسنات. قال عقبة بن عامر: له بكل إشارة عشر حسنات، ذكره الإمام أحمد عنه (2). وقال عبد الله بن عمر: لكل شيء زينة، وزينة الصلاة رفع الأيدي عند الافتتاح، وحين يريد أن يركع، وحين يريد أن يرفع (3). وقال [ق 42] الشافعي وقد سُئل عن معنى رفع اليدين في الصلاة، فقال: _________ (1) أخرجه الكوسج عن إسحاق بن راهويه في «مسائله»: (9/ 4844)، والبيهقي في «الكبرى»: (2/ 82)، وابن عبدالبر في «التمهيد»: (9/ 229)، والبخاري في كتاب «الرفع» (ص 107) معلقًا. (2) تقدم (ص/31). (3) تقدم (ص/31).

(1/134)


هو تعظيم لأمر الله وزينة للصلاة واتباع للسنة (1). وقال ابن عبدالبر (2): معنى رفع اليدين في الافتتاح وغيره: خضوع واستكانة، وابتهال وتعظيم لله عز وجل، واتباع لسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وقد قال بعض العلماء: إنه من زينة الصلاة. ذكر ابن وهب قال: أخبرني عياض بن عبد الله الفهري، أن عبد الله بن عمر كان يقول: لكل شيء زينة، وزينة الصلاة التكبير ورفع الأيدي فيها (3). وعن ابن لهيعة، عن ابن عجلان، عن النعمان بن أبي عياش قال: كان يقال: لكل شيء زينة، وزينة الصلاة التكبير ورفع الأيدي عند الافتتاح، وحين يريد أن يركع، وحين يريد أن يرفع (4). وقال عقبة بن عامر: له بكل إصبع حسنة. وقد ذكر الناس لذلك عللًا وحِكمًا كثيرة، لا تجري على علل الفقهاء وما يذكرونه من الحِكَم والمناسبات، فرأينا ترك ذكرها أولى، وليس المُعوَّل إلا على اتباع السنة، والتسليم للعبودية، والبراءة من الامتثال بدون ظهور الحكمة، فإنَّ هذا يقدح في العبودية، ويخرج عن الامتثال، بل تُتَلقى السنة بالسمع والطاعة والإذعان، سواء ظهر لنا وجه حُكمه أو لم يظهر. _________ (1) انظر «الأم»: (8/ 711) بنحوه. وانظر «معرفة السنن»: (1/ 561 - 562)، و «الكبرى»: (2/ 82) للبيهقي. (2) في «الاستذكار»: (1/ 407). (3) سلف قريبًا. (4) تقدم (ص/31).

(1/135)


ولو رُدَّت السنن بعدم ظهور الحكمة والمناسبة، لكان ذلك ردًّا على الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وخروجًا عن المتابعة، وخَلعًا لرِبْقة العبودية من العنق، ولو ساغ للعبد أن لا يقبل من السنة إلا ما رأى فيه الحكمة والمناسبة؛ لبطل الدين وتلاعب به المبطلون، وصار عُرضةً لردّ الرادين، وعياذًا بالله من هذا الرأي الباطل، وبالله التوفيق. * * *

(1/136)


 فصل [في أجوبة القائلين بالخفض على أدلة القائلين بالرفع]

قال الخافضون أيديهم: لقد استنفد الرميُ سهامَكم، ولم تدعوا حَجَرًا ولا مَدَرًا ولا قِشَعًا (1) إلا رميتمونا به، وظننتم أن الدولة كانت لكم في هذه الكرَّة، وأن الهزيمة بلغت بمنازعيكم إلى حيث أمِنْتُم كَرَّتهم، وأن الحرب قد وضعت أوزارَها، وقد برَدَت الغنائمُ لأربابها، وهيهات! الآن حَمِيَ الوطيس، واستدارت رَحى الحرب، وقال الفرسان: هل من مبارز؟ فاستعدّوا الآن للقاءِ كمينٍ من جيوش المناظرة لم يكن لكم في حساب، فإن ثبتّم له وكسرتموه، كنتم أولى بالحق في هذه المسألة منّا، وإلا فالرجوع إلى الحق أولى بكم، وبالله المستعان. [ق 43] (2) فأما حديث [عبدالله بن عمر الذي] عليه تُعوِّلون وبه تصولون، فهذا الحـ[ـديث، يرويه] ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعنه نافع، وعنه مالك [ ... ... ] إمام أهل المدينة في وقته، وأهلها يقتدون به. وقد قال ابن القاسم: سألتُ مالكًا عن رفع اليدين عند الركوع والرفع منه؟ [فقال: يرفع في أول] مرة. وذهب إلى أن الحديث منسوخ. _________ (1) القِشع: جمع قَشْع أو قشعة، وهو ما يقلع عن وجه الأرض من المدر والحجر وغيرها. «لسان العرب»: (8/ 274). (2) هذه الورقة (43 أ) أصابتها رطوبة شديدة فذهبت ببعض كلماتها، فاجتهدت في إكمالها بين معكوفات مستعينًا بما بقي من آثارها.

(1/137)


وقال مالك في «المدونة» (1): لا أعرف رفع اليدين في شيء من التكبير في خفضٍ ولا رفع إلا في افتتاح الصلاة شيئًا خفيفًا. قال ابن يونس: يريد به لا يعرف [العمل به] (2). قال ابن القاسم: وكان مالك يرى رفع اليدين في الصلاة ضعيفًا, وقال: إن كان ففي الإحرام (3). وقد قال الشافعي ليونس بن عبدالأعلى: إذا رأيت [مُتقدّم أهل] المدينة [على شئ فلا يدخل عليك شك أنه الحق (4)] (5). وقال عبد الرحمن بن مهدي: السنة المتقدمة عن (6) أهل المدينة خير من الحديث (7). وقال رجل لأبي بكر بن حزم: [ما أدري] كيف أصنع بالاختلاف؟ فقال: يا _________ (1) (1/ 71). (2) «الجامع» لابن يونس: (2/ 496 - رسالة لم تطبع). واستفدت العزو إليها من طبعة الكويت. (3) ذكره في «المدونة»: (1/ 71)، و «تهذيبها»: (1/ 89). وانظر «التمهيد»: (9/ 212)، و «الاستذكار»: (1/ 408)، و «اختلاف أقوال مالك وأصحابه»: (ص/107 - 108) ثلاثتها لابن عبد البر. (4) تحتمل في الأصل: «يدخلك شك أنه الحق». (5) أخرجه ابن عبدالبر في «التمهيد»: (1/ 79). (6) الأصل: «من». (7) أخرجه ابن عبدالبر في «التمهيد»: (1/ 79).

(1/138)


ابن أخي إذا وجدتَ أهل المدينة مجمعين على أمر فلا تشكّ أنه الحق (1). فهذا مالك إمام دار الهجرة [الذي] ضرب الناسُ أكبادَ الإبل في زمانه فلم يجدوا عالمًا أعلم منه. قال الشافعي: إذا جاء الأثر فمالك النجم (2). وقال ابن معين: كان مالك من حجج الله على خلقه (3). وقال النسائي: أُمناء الله على علم رسوله: شعبة ومالك ويحيى القطان (4). قال محمد بن رُمح: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في المنام منذ أكثر من خمسين سنة، فقلت: يا رسول الله، إن مالكًا والليث يختلفان فبأيهما نأخذ؟ قال: مالك مالك (5). وقال الدراوردي: رأيت في منامي أني دخلت مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فوافيت رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يخطبُ الناسَ؛ إذ أقبل مالكُ بن أنس، فدخل من باب المسجد، فلما أبصره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إليّ إليّ حتى دنا منه، فسلّ _________ (1) ذكره ابن عبدالبر في «الجامع»: (2/ 1113). (2) أخرجه ابن أبي حاتم في «تقدمة الجرح والتعديل»: (1/ 14)، وابن عبدالبر في «التمهيد»: (1/ 63). (3) ذكره في «التمهيد»: (1/ 74)، وفي «السير»: (8/ 94). (4) أخرجه ابن عبدالبر في «التمهيد»: (1/ 62). (5) ذكره ابن عبدالبر في «الانتقاء»: (ص/76).

(1/139)


خاتمه من خِنصره، فوضعه في خِنصر مالك (1). وقال مصعب بن عبد الله الزُّبيري عن أبيه: كنت جالسًا مع مالك في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إذ أتاه رجل فقال: أيكم مالك بن أنس؟ فقالوا: هذا، فسلّم عليه واعتنقه وضمّه إلى صدره، وقال: والله لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - البارحة جالسًا في هذا الموضع، فقال: ائتوا بمالك فأُتيَ بك تُرْعَد فرائصُك، فقال: ليس بك بأسٌ يا أبا عبد الله ــ وكَنَّاك ــ وقال: اجلس فجلست، قال: افتح حجرك ففتحته، فملأه مِسكًا منثورًا، وقال: ضمه إليك وبثّه في أمتي. قال: فبكى [ق 44] مالك، وقال: الرؤيا تسرّ ولا تغرّ، وإن صدقت رؤياك فهو العلم الذي أودعني الله عز وجل (2). وذكر أبو عمر بن عبدالبر (3): أن رجلًا رأى في المنام أن الناس اجتمعوا في جَبّانة الإسكندرية يرمون في غَرَض، فكلهم يخطئ الغرض، وإذا برجل يرمي فيصيب القرطاس، فقلت: من هذا؟ فقالوا: هذا مالك بن أنس. قالوا (4): وقد أنكر مالكٌ الرفعَ ورآه ضعيفًا، وهو راوي الحديث وأعلم به، وهذا يدل على نسخه عنده. وراوي الحديث إذا عمل بخلافه دلّ _________ (1) أخرجه ابن نقطة في «التقييد لرواة السنن والمسانيد»: (2/ 236)، وذكره ابن عبدالبر في «الانتقاء»: (ص/78). (2) أخرجه ابن عبدالبر في «الانتقاء»: (ص/78 - 79). (3) في «الانتقاء»: (ص/79). (4) أي من يرون عدم الرفع.

(1/140)


على ضعف الحديث أو نسخه؛ إذ لولا ذلك لقدح في عدالته، فبطلت روايته. ولم يزل أئمةُ الحديث يعلِّلون الحديث بمخالفة مذهب الراوي له، كما علل البخاريُّ حديثَ الزُّهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة في الفأرة تقع في السمن، فقال: «إن كان جامدًا فألقوها وما حولها، وإن كان مائعًا، فلا تقربوه» (1) = بأن ابنَ شِهاب سُئل عن الفأرة تقع في السمن؛ فقال: تُلقى وما حولها، ويؤكل السمن ولم يفصِّل (2). وكذلك مخالفة ابن عمر أيضًا للحديث كما روى أبو بكر بن أبي شيبة _________ (1) أخرجه أحمد (7177)، وأبو داود (3842)، وابن حبان (1393، 1394) من طرق عن معمر عن الزهري به. وقد علل الأئمة رواية معمر هذه وقالوا: إن الصواب: عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، عن ميمونة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه البخاري من طرق عن الزهري (235، 236، 5538، 5540). قال أبو عيسى الترمذي عقب إخراجه لحديث ميمونة (1798) من رواية معمر هذه: «وهو حديث غير محفوظ. ثم قال: وسمعتُ محمد بن إسماعيل (أي البخاري) يقول: وحديث معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وذكر فيه: أنه سئل عنه، فقال: «إذا كان جامدًا فألقوها وما حولها، وإن كان مائعًا فلا تقربوه» = هذا خطأ، أخطأ فيه معمر، قال: والصحيح حديث الزهري، عن عبيد الله، عن ابن عباس، عن ميمونة» اهـ. (2) أخرجه البخاري عنه (5539) باب: إذا وقعت الفأرة في السمن الجامد أو الذائب. وانظر: «تهذيب السنن»: (4/ 1837 - 1846) للمصنف، و «فتح الباري»: (1/ 344، 9/ 668 - 670) لابن حجر.

(1/141)


في «مصنفه» (1): حدثنا أبو بكر بن عياش عن حُصين عن مجاهد قال: ما رأيت ابنَ عمر يرفع يديه إلا في أول ما يفتتح. وهذا سند صحيح على شرط مسلم. قال الطحاويّ (2): «فهذا ابن عمر قد رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يرفع يديه، ثم قد ترك هو الرفع بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلا يكون ذلك إلا وقد ثبت عنده نسخ ما قد رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - فعلَه، وقامت عليه الحجة بذلك. قال: فإن قال قائل: هذا حديث منكر. قيل له: وما دلَّك (3) على ذلك؟ فلن يجد إلى ذلك سبيلًا. فإن قال: فإنّ طاووسًا قد ذكر أنه رأى ابن عمر يفعل ما يوافق ما رُوي عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من ذلك (4). قيل له: فقد ذكر طاووسٌ ذلك، وقد خالفه مجاهد. فقد يجوز أن يكون ابن عمر فعل ما رآه طاووس يفعله قبل أن تقوم عنده الحجةُ بنسخه، ثم قامت عنده الحجة بنسخه، فتركه وفعل ما ذكره مجاهد. هكذا ينبغي أن يُحمل ما روي عنهم، ويُنفى عنه الوهم، حتى يتحقق _________ (1) رقم (2467). وقد تقدم تخريجه، وأنه حديث منكر (ص 88 - 92، 107). (2) في «شرح معاني الآثار»: (1/ 225 - 226). (3) كذا في الأصل وكتاب الطحاوي، وفي (ف): «دليلك». (4) تقدم تخريج أثر طاووس (ص/31).

(1/142)


ذلك، وإلا سقط أكثر الروايات» (1). وكذلك عمر بن الخطَّاب، قال ابن أبي شيبة: حدثنا يحيى بن آدم، عن الحسن بن عيَّاش، عن عبد الملك بن أبجر، عن الزُّبير بن عدي، عن إبراهيم، عن الأسود قال: صليت مع عمر فلم يرفع يديه في شيء من صلاته إلا حين افتتح الصلاة، [قال عبد الملك] (2): ورأيتُ الشعبي وإبراهيم وأبا إسحاق لا يرفعون (3) إلا حين يفتتحون الصلاة (4). وهذا سند صحيح على شرط مسلم أيضًا. وذكر الطحاوي (5) عن أبي بكر بن عيَّاش قال: ما رأيت فقيهًا قط يرفع يديه في غير التكبيرة الأولى. وقال أيضًا (6): ثبت (7) عن عمر بن [ق 45] الخطاب أنه لم يرفع يديه إلا في التكبيرة الأولى. فهؤلاء أهل المدينة قاطبةً، وهم القاطنون في مهبط الوحي، ومحلّ _________ (1) انتهى كلام الطحاوي. (2) سقط من الأصل، واستدركناه من المصادر. وانظر (ص/84). (3) صحح عليها في الأصل. (4) تقدم تخريجه (ص/84). (5) في «شرح معاني الآثار»: (1/ 228). (6) المصدر نفسه: (1/ 227). (7) في الأصل بلا نقط، و (ف): «نبئت» خطأ، لأن الطحاوي صحح الأثر عن عمر، فكيف يقول «نبئت»؟ فالصواب ما أثبت.

(1/143)


التنزيل، ومأْرِز الإيمان، ومقرّ الأحكام، المشاهدون لأسباب التنزيل، المطّلِعون على قرائن الأحوال، وقد وافقهم على تركه فقهاء الكوفة قديمًا وحديثًا. قال محمد بن نصر المروزي (1): لا نعلم مِصرًا (2) من الأمصار تركوا بأجمعهم رفعَ اليدين عند الخفض والرفع في الصلاة إلا أهل الكوفة، فكلهم لا يرفع إلا في الإحرام، فمنهم علي وابن مسعود وأصحابهما. قال ابن أبي شيبة (3): حدثنا وكيع وأبو أسامة، عن شعبة، عن أبي إسحاق قال: كان أصحاب عبد الله وأصحاب عليّ لا يرفعون أيديهم إلا في افتتاح الصلاة. قال وكيع: ثم لا يعودون. قال الشعبي: ما كان أفقه صاحبًا من عبد الله بن مسعود (4). وقال سعيد بن جُبير: كان أصحاب عبد الله سُرُج هذه القرية (5). ومنهم الشعبي. روى ابن أبي شيبة، عن ابن المبارك، عن أشْعث بن سوَّار، عن _________ (1) في كتابه في رفع اليدين من كتابه الكبير. كما ذكر ابن عبدالبر في «التمهيد»: (9/ 213). أما كتابه «اختلاف العلماء» (ص 48) فلم يذكر فيه إلا قول سفيان والأوزاعي ومذهب الجمهور في الرفع. (2) (ف): «أحدًا». (3) رقم (2461). (4) أخرجه ابن سعد في «الطبقات»: (8/ 134)، وابن عساكر في «تاريخه»: (33/ 158). (5) أخرجه ابن سعد في «الطبقات»: (8/ 132).

(1/144)


الشعبي: أنه كان يرفع يديه في أول تكبيرة ثم لا يرفعهما (1). قال مكحول: ما رأيتُ أعلمَ بسنةٍ ماضية من الشعبي (2). ومنهم إمام أهل الكوفة سفيان الثوري، كان لا يرفع يديه (3). وقد قال أبو عاصم: سفيان الثوري أمير المؤمنين في الحديث (4). ولو كان الرفع ثابتًا غير منسوخ لما خفي على هؤلاء الأعلام، مع كثرتهم وكثرة من نزل بالكوفة من الصحابة، فقد ذكر بعض الحفَّاظ أنه نزل بها أربعمائة منهم، والناسُ في العلم تَبَعٌ لهذين المِصرَين المدينة والكوفة، وفقهاؤهما أئمة الناس، وهذان المِصران هما اللذان كانا يتباريان، ويردّ بعضُهم على بعض، وكان علماء الكوفة ينا ظرون علماء المدينة ويبارونهم، وكان علماء المدينة لا يرون مقابلتهم غير علماء الكوفة , فإياهم يقصدون ولهم يستعِدُّون، فَمَن الناسُ غير هؤلاء؟! _________ (1) رقم (2469). (2) أخرجه ابن سعد في «الطبقات»: (8/ 372)، والخطيب في «تاريخ بغداد»: (12/ 230). أقول: وقد قالها مكحول أيضًا في الزهري. أخرجه ابن أبي حاتم: (8/ 73)، وأبو نعيم في «الحلية»: (3/ 360). (3) ذكره عنه البخاري في كتاب «الرفع» (ص/128)، والترمذي في «الجامع»: (2/ 43)، وابن عبدالبر في «التمهيد»: (9/ 213). (4) ذكره النووي في «تهذيب الأسماء واللغات»: (1/ 222)، والعيني في «شرح أبي داود»: (1/ 70). وقد وصفه بذلك غير واحد من أئمة الحديث، انظر «الجرح والتعديل»: (1/ 118، 4/ 225)، و «الكامل»: (1/ 81) لابن عدي.

(1/145)


فصل * قالوا (1): وأما حديث أبي بكر الصديق (2)، فلو كان محفوظًا بهذا الإسناد، لكان في الصحاح والمسانيد، وكتب السنن، ولمَّا لم يَرْوِهِ أحد منهم وإسناده في الشهرة كالشمس، دلَّ على أن في الوسط شيئًا. ويا سبحان الله! المصنِّفون في هذا الباب مثل البخاري وغيره يذكرون حديث وائل بن حُجر، ومالك بن الحويرث، وآثارًا عمن هو دون الصدِّيق، ويكون عندهم عن الصديق الأكبر وخليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثل هذا، ويصبرون عن إخراجه ورَمْي منازعهم به وإبدائه وإعادته! هذا مما تكاد تُحيله طِباع أهل العلم وعاداتهم. والبخاري في كتاب «رفع اليدين» احتجّ بما هو من شرطه في الصحيح، وبما ليس من شرطه، فكيف [ق 46] يكون في الباب هذا الحديث العظيم بهذا الإسناد القويم الشهير، ثم لا يذكره ولا يشير إليه ألبتة؟! * قالوا: وأما حديث عمر بن الخطاب (3)؛ فكذلك الكلام فيه أيضًا، مع زيادة أخرى تدلُّ على ضعفه، وبَيِّنٌ (4) أن الثابت عن عمر هو ما رواه إبراهيم عن الأسود، قال: صليت مع عمر فلم يرفع يديه في شيء من _________ (1) أي من يرون عدم الرفع. وسيأتي (ص 167) نقض المؤلف لحججهم هذه بعد أن يسردها واحدة واحدة. (2) تقدم تخريجه (ص/8 - 9). (3) تقدم تخريجه (ص/10 - 11). (4) (ف): «وتبين».

(1/146)


صلاته، إلا حين افتتح الصلاة. ذكره ابن أبي شيبة عنه بإسناد صحيح (1). ويدل على ضعفه أيضًا: أن أعلم الناس بشعبة، وأخصّ الناس به، وأحفظهم لحديثه: غُنْدَر رواه عنه عن الحكم بن عُتيبة، عن طاووس، عن ابن عمر، لم يجاوزه به، وهو أثبت في شعبة من أبي النضر (2). * وأما حديث عليّ بن أبي طالب (3)؛ ففي سنده عبد الرحمن بن أبي الزناد، قال الإمام أحمد: هو مضطرب الحديث، وقال أيضًا هو وأبو حاتم: لا يُحتجّ بحديثه، وقال عَمرو بن علي: تركه ابن مهدي , وقال ابن المديني: كان عند أصحابنا ضعيفًا (4). قال الطحاوي (5): حديث عبد الرحمن هذا لا اختلافَ بين أهل العلم بالحديث أنه خطأ منه على موسى بن عقبة، وأنّ أصلَه الذي رواه الأثباتُ (6) عن موسى بن عُقبة ــ منهم ابن جُريج ــ ليس فيه مِن ذِكْر الرفعِ شيء. قال الطحاوي (7): «ثنا ابن أبي داود، ثنا أحمد بن يونس، ثنا أبو بكر النَّهْشَلي، عن عاصم، عن أبيه ــ وكان من أصحاب عليّ ــ عن عليّ رضي الله _________ (1) تقدم الكلام على هذه الرواية، وحُكم العلماء عليها بالشذوذ (ص/84 - 86). (2) تقدم (ص/10 - 11) كلام الحاكم أنه تابع أبا النضر ثلاثة من أصحاب شعبة، وتصحيحه لكلا الطريقين، وسيأتي نقض المؤلف لهذه الحجة (ص/201). (3) تقدم تخريجه (ص/11 - 12). (4) ذكر هذه الأقوال وغيرها المزي في «تهذيب الكمال»: (4/ 400). (5) لم أجد كلامه بنصه، وهو بمعناه في «شرح المشكل»: (15/ 31 - 32). (6) (ف): «الاثنان» تحريف. (7) «شرح معاني الآثار»: (1/ 225).

(1/147)


عنه: أنه كان يرفع يديه في أول تكبيرة من الصلاة ثم لا يرفع بعد. فحديث عاصم بن كُليب هذا قد دلَّ أن حديث ابن أبي الزناد على أحد وجهين: إما أن يكون في نفسه سقيمًا، أوْ لا يكون فيه ذكر الرفع أصلًا، كما رواه عنه غيره، فإنَّ ابن (1) خزيمة حدثنا قال: ثنا عبد الله بن رجاء. وحدثنا ابن أبي داود، ثنا عبد الله بن صالح والوهبي قالوا: ثنا عبد العزيز بن أبي سلمة، عن عبد الله بن الفضل. فذكروا مثل حديث ابن أبي الزناد في إسناده ومتنه، ولم يذكروا الرفعَ في شيء من ذلك. فإن كان هذا هو المحفوظ، وحديث ابن أبي الزناد خطأ؛ فقد ارتفع بذلك أن يجبَ لكم بحديثٍ خطأ حجةٌ. وإن كان ما روى ابن أبي الزناد صحيحًا؛ لأنه زاد على ما روى غيره، فإن عليًّا لم يكن ليرى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يرفع ثم يترك هو الرفع بعده إلا وقد ثبت عنه نسخ الرفع، فحديث عليّ إذا صحّ ففيه أكبر الحجة لقول من لا يرى الرفع» (2). فصل * قالوا: وأما حديث مالك بن الحويرث (3)، فحديثٌ مضطربُ المتن، إذ في بعض ألفاظه: «حتى يحاذي بهما أذنيه»، وفي بعضها: «فروع أذنيه». _________ (1) الأصل و (ف): «ابن أبي» خطأ. (2) انتهى كلام الطحاوي. وهو أيضًا بنحوه في «شرح المشكل»: (15/ 33 - 34). (3) تقدم تخريجه (ص/15).

(1/148)


قال البيهقي (1): «ورواه إسماعيل بن عُليَّة، عن سعيد بن أبي عروبة, وقال: «رفع يديه حتى يجعلهما قريبًا من أذنيه»، وكذلك قاله هشام الدَّستوائي، عن قتادة (2)، ورواه [ق 47] شعبة، عن قتادة، فقال: «حتى يحاذي بهما فروعَ أُذنيه»، وفي رواية: «حذو مَنْكِبيه»» (3). وإذا كان قد اضطربت ألفاظه، عُلِم أنه غير محفوظ، فسقط الاحتجاجُ به. قالوا: وأيضًا لعلّ مالك بن الحُويرث فعل ذلك مرةً أو مرتين، فكيف يُقدَّم حديثه على حديث من لم يزل يصلي معه حضرًا وسفرًا إلى أن مات - صلى الله عليه وسلم - وهو عبد الله بن مسعود؟ ولعله قد صلى معه أكثر من عشرين ألف صلاة. ومثل هذا الترجيح لو كان من جانبكم لاسْتَطَلْتُم به غاية الاستطالة، ولناديتم به علينا، والله المستعان. _________ (1) في «السنن الكبرى»: (2/ 25). (2) بعده في السنن: « .. في إحدى الروايتين عنه وقال في الرواية الأخرى: إلى فروع أذنيه، ورواه شعبة ... ». (3) بعده في «سنن البيهقي»: «وإذا اختلفت هذه الروايات فإما أن يؤخذ بالجميع فيخير بينهما، وإما أن تترك رواية من اختلفت الرواية عليه، ويؤخذ برواية من لم يختلف عليه. قال الشافعى رحمه الله: لأنها أثبت إسنادًا، وأنها حديث عدد، والعدد أولى بالحفظ من الواحد».

(1/149)


فصل قالوا: وأما حديث وائل بن حُجْر (1)؛ فقال الطحاوي (2): «قد ضادَّه إبراهيم بما ذكر عن عبد الله أنه لم يكن رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعل ما ذكر، فعبد الله أقدم صحبةً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأفهم بأفعاله من وائل (3)، قد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحبّ أن يليه المهاجرون ليحفظوا عنه. حدثنا علي بن مَعْبد، ثنا عبد الله بن بكر، ثنا حُميد، عن أنس قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحبُّ أن يليه المهاجرون والأنصار ليحفظوا عنه. وكما حدثنا أبو بكرة، ثنا عبد الله بن بكر، فذكر بإسناده مثله، وقال: «ليَلِني منكم أولو الأحلام والنُّهى». كما حدثنا إبراهيم بن مرزوق، ثنا بِشْر بن عُمر (4)، ثنا شعبة، قال: أخبرني سليمان، قال: سمعت عُمارة بن عمير يحدث عن أبي معمر، عن أبي مسعود الأنصاري، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[يقول]: «لِيَلِني منكم أولو الأحلام والنُّهى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم». وكما حدثنا أبو بكرة وابن مرزوق قالا: ثنا وهب بن جرير، ثنا شعبة، _________ (1) تقدم تخريجه (ص/16). (2) «شرح معاني الآثار»: (1/ 226 - 227). (3) صحح الناسخ على «وأفهم» و «وائل». (4) الأصل و (ف): «عمرو» خطأ والتصحيح من «تهذيب الكمال»: (1/ 355)، وكتاب الطحاوي.

(1/150)


عن أبي جمرة (1)، عن إياس، عن قيس بن عُبَاد قال: قال لي أُبيّ بن كعب: قال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «كونوا في الصف الذي يليني». فعبدالله كان من أولئك الذين كانوا يَقْرُبون من النبي - صلى الله عليه وسلم -، ليَعْلَموا أفعاله في الصلاة كيف هي، ليعلِّموا الناسَ ذلك، فما حكوا من ذلك فهو أولى مما جاء به من كان أبعد منهم في الصلاة. قال الطحاوي: فإن قالوا: ما ذكرتموه عن إبراهيم، عن عبد الله غير متَّصل. قيل لهم: كان إبراهيم إذا أرسل عن عبد الله لم يرسله إلا بعد صحته عنده، وتواتُر (2) الرواية عن عبد الله. فقد قال له الأعمش: إذا حدثتني فأَسْنِد، فقال: إذا قلتُ لكَ: قال عبد الله، فلم أقل ذلك حتى حدثنيه جماعةٌ عن عبد الله، وإذا قلت: حدثني فلان عن عبد الله، فهو الذي حدثني. حدثنا بذلك إبراهيم بن مرزوق، ثنا وهب أو بِشر بن عُمر ــ شكَّ أبو جعفر ــ عن شعبة، عن الأعمش بذلك. فأخبر أن ما أرسله عن عبد الله، فمَخْرجه عنده أصحّ من مخرج ما ذكره عن رجل بعينه عن عبد الله، فكذلك هذا الذي أرسله عن عبد الله لم يرسله إلا [ق 48] ومخرجه عنده أصح من مخرج ما يرويه عن رجل بعينه _________ (1) بالجيم والراء المهملة، واسمه نصر بن عمران البصري. ترجمته في «التاريخ الكبير»: (8/ 91 - الكنى)، و «الجرح والتعديل»: (8/ 465). ووقع في (ف) وكتاب الطحاوي: «أبو حمزة» وهو تحريف. (2) كذا في الأصل. وغيَّرها في (ف): «وتواترت». وما في الأصل هو الصواب، والمعنى أن إبراهيم لا يرسل حتى تصح الرواية وتتواتر عن عبد الله.

(1/151)


عن عبد الله. ومع ذلك فقد روِّيناه متصلًا في حديث عبد الرحمن بن الأسود، وكذلك كان يفعل عبد الله في سائر صلاته (1). وقد رُوي ذلك (2) عن عمر بن الخطاب. ثم ذكر حديثَ الحسن بن عياش، عن عبد الملك بن أبجر، عن الزُّبير ابن عدي، عن إبراهيم، عن الأسود: رأيت عُمر بن الخطاب يرفع يديه في أول تكبيرة، ثم لا يعود. قال: وهو حديث صحيح؛ لأن الحسن بن عياش , وإن كان هذا الحديث إنما دار عليه فإنه ثقة حجة، قد ذكر ذلك يحيى بن معين وغيره. أَفَترى عمرَ بن الخطاب خفي عليه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يرفع يديه في الركوع والسجود، وعَلِم ذلك من هو دونه، ومن هو معه يراه يفعل غير ما رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعل، ثم لا ينكر ذلك عليه! هذا عندنا مُحال. وفِعْل عمر هذا وتَرْك أصحابِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إياه على ذلك دليلٌ صحيح أن ذلك هو الحقّ الذي لا ينبغي لأحدٍ خلافه» (3). _________ (1) بعده في «شرح المعاني»: «حدثنا بن أبي داود قال ثنا أحمد بن يونس قال ثنا أبو الأحوص عن حصين عن إبراهيم قال: كان عبد الله لا يرفع يديه في شيء من الصلاة إلا في الافتتاح». (2) في «شرح المعاني»: «مثل ذلك». (3) انتهى كلام الطحاوي.

(1/152)


فصل * وأما حديث أبي هريرة (1)؛ فمن رواته إسماعيل بن عياش، عن صالح بن كيسان، وأنتم لا تحتجُّون برواية إسماعيل بن عيَّاش عن غير الشاميين، فكيف تحتجون علينا بما لو احْتَجَجْنا به عليكم لدفعتموه وأنكرتموه (2)؟! وأما الطريق الأخرى؛ ففيها يحيى بن أيوب، وهو الغافقي، قال أبو حاتم الرّازي: محلُّه الصِّدق ولا يحتجّ به (3)، وقال النسائيّ: ليس بذلك القويّ (4). فصل * وأما حديث أنس بن مالك (5)؛ فقال الطحاوي (6): لم يرفعه أحد إلا عبد الوهاب الثقفي، والحُفَّاظ يوقفونه على أنس. قال الطحاوي: وعبدالوهاب إذا انفرد بالحديث لم يكن عند أهله _________ (1) تقدم تخريجه (ص/16 - 17). (2) هذه الحجة للطحاوي في «شرح المعاني»: (1/ 227). (3) «الجرح والتعديل»: (9/ 128). (4) «الضعفاء والمتروكون» (ص/248). (5) تقدم تخريجه (ص/18). (6) في «شرح المعاني»: (1/ 227).

(1/153)


حجة، يقال: إنه كان يحدِّث من كتب الناس ولا يحفظ ذلك الحفظ (1). وقال عُقبة بن مُكْرَم: اختلط قبل موته بثلاث سنين أو أربع (2). وذكر الدارقطني أنه لم يروه عن حميد مرفوعًا غير عبد الوهاب، ثم قال: والصواب من فِعْل أنس (3). [فصل] * وأما حديث جابر بن عبد الله (4)؛ فمداره على أبي الزبير، ولم يقل فيه: سمعت جابرًا، وأبو الزبير مدلِّس، وأنتم تقولون: لا يُحتج بعنعنة المدلِّس حتى يصرِّح بالسماع، ولهذا لم يخرج البخاري حديثَه، ولم يحتجّ به. فصل * وأما حديث أبي موسى الأشعري (5)؛ ففيه محمد بن حُميد الرّازي. _________ (1) لم أجد كلامه في كتابيه، وقد وجدت نحوه لعبد الرحمن بن مهدي قال: «عبدالوهاب الثقفي، وجرير بن عبد الحميد، ومعتمر بن سليمان، وعبد الأعلى السامي أمرهم في الحديث واحد: يحدثون من كتب الناس ولا يحفظون ذلك الحفظ». انظر «الكامل»: (1/ 110). (2) ذكره في «تاريخ بغداد»: (11/ 20)، و «تهذيب الكمال»: (5/ 18). (3) انظر «سنن الدراقطني»: (1/ 290). (4) تقدم تخريجه (ص/18 - 19). (5) تقدم تخريجه (ص/19 - 20).

(1/154)


قال أبو زرعة: كذّاب، وكذلك كذَّبه ابنُ وارة (1). قال النسائي: ليس بثقة (2). وقال ابن حبان: يتفرَّد عن الثقات بالمقلوبات (3). وقال صالح بن محمد الأسدي: ما رأيت أحدًا أحذق بالكذب منه ومن الشاذَكُوني (4). على أن ابن [ق 49] المبارك رواه عن حماد بن سلمة موقوفًا على أبي موسى، وهو الصواب. فما محمد بن حُميد وأمثاله ممن يتقدم على ابن المبارك! فصل * وأما حديث عُمير بن حبيب الليثي (5)؛ ففيه رِفْدة بن قُضاعة الغسَّاني الدمشقي، تفرّد به ابن ماجه. _________ (1) هذه الترجمة من «الضعفاء»: (3/ 54) لابن الجوزي. قلت: قول أبي زرعة وابن وارة ذكره عنهما ابن حبان في «المجروحين»: (2/ 303 - 304) في قصة لهما مع الإمام أحمد. (2) «تهذيب الكمال»: (6/ 286). (3) «المجروحين»: (2/ 303). (4) «تهذيب الكمال»: (6/ 286). (5) تقدم تخريجه (ص/21).

(1/155)


قال أبو حاتم: منكر الحديث (1). وقال البخاري: في حديثه بعض المناكير لا يتابع في حديثه (2). وقال النسائي: ليس بالقوي (3). وقال العُقيلي: لا يتابع على حديثه (4). وقال الدارقطني: متروك (5). فصل * وأما حديث ابن عباس (6)؛ ففي حديث أبي داود: عبد الله بن لهيعة. وفي حديث ابن ماجه: عمر بن رياح (7) أبو حفص الضرير البصري، يقال له: عمر بن أبي عمر. قال الفلَّاس: هو دجَّال. وقال النسائي والدارقطني: هو متروك. _________ (1) «الجرح والتعديل»: (3/ 523). (2) «التاريخ الكبير»: (3/ 343) «الأوسط»: (4/ 808). (3) «الضعفاء والمتروكون»: (ص/177). (4) «الضعفاء»: (2/ 65). (5) «تهذيب الكمال»: (2/ 488). (6) تقدم تخرجه (ص/22). (7) الأصل وفرعه: «رباح» بالموحدة، خطأ، وانظر ترجمته وأقوال النقاد فيه في «الضعفاء»: (2/ 208) لابن الجوزي، والمصنف ينقل منه. وفي «تهذيب الكمال»: (5/ 349).

(1/156)


وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الثقات لا يحل كَتْب حديثه إلا على التعجّب (1). فصل * وأما حديث البراء بن عازب (2)؛ فهو عُمدتنا في المسألة، ومن أكبر حُجَجنا عليكم، فكيف تحتجون به علينا؟ وأما رواية إبراهيم بن بشَّار له عن سفيان، ثنا يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء بن عازب قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا افتتح الصلاة رفع يديه، وإذا أراد أن يركع، وإذا رفع رأسه من الركوع= فقد خالف إبراهيمُ بن بشَّار الناسَ في هذا الحديث، وتفرَّد به عن ابن عيينة بهذا السياق. قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي يقول: كأنَّ سفيان الذي يرويه عنه إبراهيم بن بشَّار ليس هو سفيان بن عُيينة (3). وقال أيضًا: سمعتُ أبي ذكر إبراهيم بن بشَّار الرَّمادي، فقال: كان يحضر معنا عند سفيان بن عيينة، وكان يُمِلُّ على الناس ما يسمعون من سفيان، وكان ربما أَمَلَّ عليهم ما لم يسمعوا، ويقول: كأنه يغيِّر الألفاظ _________ (1) «المجروحين»: (2/ 86). (2) تقدم تخرجه (ص/23). (3) نقله عنه العقيلي في «الضعفاء»: (1/ 47).

(1/157)


فتكون زيادة ليس في الحديث، أو كما قال. قال (1) أبي: فقلت له يومًا: ألا تتقي الله، ويحك تُمِلّ عليهم ما لم يسمعوا، ولم يحمده أبي في ذلك، وذمَّه في ذلك ذمًّا شديدًا (2). وقال معاوية بن صالح: سألت يحيى بن معين عنه، فقال: ليس بشيء لم يكن يكتب عند سفيان، وما رأيتُ في يده قلمًا قط، وكان يملي على الناس ما لم يقله سفيان (3). وقال عباس عن يحيى بن معين: رأيت الرمادي ينظر في كتاب، وابن عيينة يقرأ ولا يغيِّر شيئًا، ليس معه ألواح ولا دواة (4). وقال النسائي: ليس بالقوي (5). وقال أبو الفتح الأزدي: صدوق لكنه يهم في الحديث بعد الحديث (6). قلت: ولا ريب أن له أوهامًا في حديثه عن ابن عيينة، منها: حديثه عنه عن عَمرٍو وابنِ جريجٍ عن عطاء، عن أبي هريرة مرفوعًا: «لا تمتلئ جهنم _________ (1) سقطت «قال» من العلل وكتاب العقيلي فصار النص «أو كما قال أبي. فقلت .. ». وما في الأصل أجود. (2) «العلل ومعرفة الرجال»: (3/ 438) رواية عبد الله. (3) ذكره العقيلي في كتابه. (4) «تاريخ عباس الدوري» (361). (5) «الضعفاء والمتروكون»: (ص/148). (6) «تهذيب الكمال»: (1/ 103).

(1/158)


حتى تكون كذا وكذا، فينزوي بعضها إلى بعض وتقول: قطٍ قطٍ». قال العقيلي (1): «ليس لهذا أصل في حديث ابن عيينة عن عمرو، ولا عن ابن جريج، إنما عند ابن عيينة عن عَمرو عن عطاء حديثان: «لا تسبوا الدهر»، و «عُذِّبت امرأة في هِرَّة» جميعًا موقوفين. وعنده عن ابن جريج عن عطاء عن أبي هريرة حديثان: أحدهما: «[في كل] (2) صلاة قراءة ... »، والثاني: «إذا كنت إمامًا فخفِّف». موقوف. وقال العُقَيلي في حديثه عن سفيان، عن بُريد [بن عبد الله] بن أبي بردة، [عن أبي بردة] (3)، عن أبي موسى: «كلكم راع ... »: هذا أيضًا ليس له أصل (يعني بهذا الإسناد) ولم يتابعه عليه أحد عن ابن عيينة. وعند ابن عيينة عن بُرَيد أربعة أحاديث، ليس عنده غيرها. وليس هذا الحديث منها (4). قالوا (5): وحديث يزيد بن أبي زياد، عن ابن أبي ليلى، عن البراء، قد رواه عن يزيد سبعةٌ كلهم قالوا: رفع يديه في أول مرة، ثم لم يعد. قال ابن عدي في «كامله» (6): رواه هشيم وشريك وجماعة معهما عن يزيد عن ابن أبي ليلى، عن البراء، وقالوا فيه: «ثم لم يعد». _________ (1) «الضعفاء»: (1/ 48). (2) بياض بالأصل و (ف). والاستدراك من «الضعفاء» للعقيلي. (3) سقط من الأصل و (ف). ومستدرك من كتاب العقيلي. (4) «الضعفاء»: (1/ 49 - 50). (5) أي القائلون بعدم الرفع. (6) (7/ 276) و (خ 3/ق 255).

(1/159)


ورواه النّضْر بن شُميل، عن إسرائيل، عن يونس، عن يزيد كذلك، ورواه سفيان بن عُيينة كذلك، وابن عيينة لم يشهد على يزيد بإقراره أنه تلقّن، وإنما ظنّ ظنًّا. ويزيد خرّج له مسلم، فكيف يُرَدُّ قوله بالظن ويُنْسَب إلى أنه زاد في الحديث زيادةً من عنده؟! قالوا: ولو فرضنا أنه حدَّث به أولًا من غير ذكر: «ثم لا يعود» كما ذكر ابنُ عُيينة، فما المانع من قبول الزيادة من الثقة؟ فإنه يجوز أن يحدِّث الراوي ببعض الحديث ثم يكمله، ويجوز أن يكون قد نسي الزيادة أولًا ثم ذَكَرها فحذفها لمَّا نسيها، وحدَّث بها لما ذكرها، فلا يسوغ تضعيفه بالظن المجرَّد. كيف وقد تابعه على هذه الزيادة غيره؟! كما قال ابن أبي شيبة في «مصنفه» (1): حدثنا وكيع، عن ابن أبي ليلى، عن الحكم وعيسى، عن ابن أبي ليلى، عن البراء: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه ثم لا يرفعهما حتى يفرغ. ورواه أبو داود (2) من طريق ابن أبي ليلى، عن أخيه عيسى، عن الحكم. وبالجملة: فيزيد ثقة، ولم يثبت تضعيفه بما يوجب ردَّ حديثه. فصل * وأما حديث أبي حُميد الساعدي في عشرةٍ من أصحاب النبي _________ (1) رقم (2455). (2) رقم (752) وقال عقبه: هذا الحديث ليس بصحيح. وانظر ما سبق (ص/44 - 45).

(1/160)


- صلى الله عليه وسلم - (1)، فهو وإن كان قد رواه البخاريُّ وغيره من أصحاب الصحيح والسنن والمسانِد، فهو حديث له علة عجيبة دقيقة لا يَفْطن إليها إلا فرسان هذا الشأن، ونحن نذكر علَّته ليُعْلَم حاله. قال ابن القطان (2): «هذا الحديث من رواية عبدالحميد بن جعفر، عن محمد بن عَمرو، صدوقٌ (3)، وثَّقه يحيى بن سعيد، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، [ق 51] وأخرج له مسلم، وضعَّفه يحيى بن سعيد في روايةٍ عنه، وكان الثوري يحمل عليه من أجل القَدَر (4)، فيجب التثبُّت فيما روى من قوله: «فيهم (5) أبو قتادة»، فإن أبا قتادة توفي في زمن علي، وصلى عليه عليٌّ، وهو ممن قُتِل معه، وسِنّ محمد بن عَمرو مقصّرة عن إدراك ذلك. وقيل في وفاة أبي قتادة غير ذلك؛ أنه توفي سنة أربع وخمسين، وليس بصحيح، بل الصحيحُ ما ذكرناه. وقُتِل عليٌّ سنة أربعين، ذكر هذا التعليل _________ (1) تقدم تخريجه (ص/24). (2) هو: أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الملك الفاسي (ت 628 هـ)، وهذا النقل بطوله من كتابه «بيان الوهم والإيهام الواقعين في كتاب الأحكام»: (2/ 462 - 466) مع بعض التصرف. وقد ذكر المصنف كلام ابن القطان هذا بطوله في «تهذيب السنن»: (1/ 354 - 374) ثم رد عليه كما سيأتي (ص/236 - 252) في هذا الكتاب. (3) في كتاب ابن القطان: «وجملة أمره أنه من أهل الصدق .. ». (4) بعده في كتاب ابن القطان: «وزعموا أنه ممن خرج مع محمد بن عبد الله بن حسن بن حسن؛ فلأجل هذا من حاله يجب ... ». (5) صحح عليها في الأصل.

(1/161)


أبو جعفر الطحاوي (1). قال الطحاوي: والذي زاده محمد بن عَمرو غير معروف ولا متصل؛ لأنَّ في حديثه أنه حضر أبا حُميد وأبا قتادة، ووفاة أبي قتادة قبل ذلك بدهر طويل؛ لأنه قُتِل مع عليّ، وصلى عليه، فأين سِنّ محمد بن عَمرو من هذا؟! قال الطحاوي: وعبدالحميد بن جعفر ضعيف (2). قال ابن القطان: ويزيد هذا المعنى تأكيدًا أن عطَّاف بن خالد روى هذا الحديث فقال: ثنا محمد بن عَمرو بن عطاء، ثنا رجل: أنه وجد عشرة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - جلوسًا ... فذكر نحو حديث أبي عاصم. وعطَّاف بن خالد هذا مدنيٌّ ليس بدون عبدالحميد بن جعفر، وإن كان البخاريّ حكى أن مالكًا لم يَحْمَده، وذلك لا يضرّه؛ لأن ذلك غير مُفسَّر من مالك بأمر يجب لأجله ترك روايته. قال: وقد اعترض الطبريُّ في ذلك على مالك بما ذكرناه من عدم تفسير الجَرح [و] (3) بأمرٍ آخر لا نراه صوابًا , وهو أن قال: وحتى لو كان مالك قد فسَّر لم يجب أن نترك بتجريحه رواية عطَّاف, حتى يكون معه مُجرِّحٌ آخر. قال ابن القطان: وإنما لم نره صوابًا لوجهين: أحدهما: أن هذا المذهب ليس بصحيح، بل إذا جَرَّح واحدٌ بما هو _________ (1) في «شرح معاني الآثار»: (1/ 261). (2) «معاني الآثار»: (1/ 259) وسياق كلامه حكاية التضعيف عن غيره. (3) سقطت من الأصل، وأثبتناها من «بيان الوهم».

(1/162)


جُرحة قُبِل، فإنه نَقْلٌ منه لحالٍ سيئةٍ تسقطُ بها العدالة، ولا يحتاج في النقل إلى تعدُّد الرواة. والوجه الثاني: أن ابن مهدي أيضًا لم يرض عطافًا، لكن لم يفسِّر بماذا لم يرضه، فلو قبلنا قوله فيه قلَّدناه في رأيٍ لا في رواية، وغير مالك وابن مهدي يوثِّقه. قال أبو طالب عن أحمد: هو من أهل المدينة، ثقة صحيح الحديث، روى نحو مائة حديث. وقال ابن معين: صالح الحديث ليس به بأس. وقد قال ابن معين: من قلت: ليس به بأس، فهو عندي ثقة. وقال أبو زرعة: ليس به بأس. وقال أبو حاتم: ليس بذاك (1). قال ابن القطان: ولعله أحسن حالًا من عبدالحميد بن جعفر. وهو قد بَيَّن أن بَيْن محمد بن عَمرو وبين أولئك الصحابة رجلًا. قال: ولو كان هذا عندي محتاجًا إليه في هذا الحديث للقضاء بانقطاعه لكتبته في المَدْرك الذي قد فرغت منه، ولكنه غير محتاج إليه للمتقرِّر من تاريخ (2) وفاة أبي قتادة، وتقاصُر سنّ محمد بن عَمرو عن إدراك حياته _________ (1) انظر الأقوال فيه في «الجرح والتعديل»: (7/ 32)، و «تهذيب الكمال»: (5/ 182 - 183). (2) «في المدرك ... تاريخ» سقط من (ف).

(1/163)


رجلًا، فإنما جاءت رواية عطَّاف عاضدةً لما قد صحَّ وفرغ منه. قال: وقد رواه عيسى بن عبد الله بن مالك، عن محمد بن عمرو فقال فيه: عن عيَّاش أو عباس بن سهل الساعدي: أنه كان في مجلس فيه أبوه (1)، وأبو هريرة، وأبو أُسيد، وأبو حُميد، ولم يذكر فيه من الفرق بين الجلوسين (2) [ق 52] ما ذكره عبدالحميد بن جعفر. ذكره أبو داود (3). وقد رواه البخاري في «صحيحه» (4): حدثنا يحيى بن بُكَير، ثنا الليث، سمع يزيد بن أبي حبيب ويزيد بن محمد، سمع (5) محمد بن عَمرو بن حَلْحَلة، سمع محمد بن عَمرو بن عطاء: أنه كان جالسًا في نفر من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، فذكروا صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال أبو حميد: أنا كنت أحفظكم لصلاة النبي - صلى الله عليه وسلم -، رأيته إذا كبر ... فذكر الحديث. ولا ذِكْر فيه لأبي قتادة، ولكن ليس فيه ذِكْرٌ لسماعه من أبي حميد، وإن كان ذلك ظاهره». هذا آخر كلامه. _________ (1) في الأصل وفرعه: «أبو قتادة» وهم، والمثبت من «السنن» و «بيان الوهم والإيهام» وقد جاء مصرّحًا باسمه في رواية أبي داود الأخرى (734). (2) الأصل وفرعه: «الجلوس»، والمثبت من كتاب ابن القطان. (3) «السنن» (733). (4) رقم (828). (5) صحح عليها في الأصل. وقوله: «سمع محمد بن» سقط من (ف).

(1/164)


فصل * وأما حديث الأعرابي الذي رواه الإمام أحمد في «مسنده» (1) عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه لمَّا رفعَ رأسَه من الركوع رفع كفيه. فإن ساعدناكم على قبول رواية الصحابي المجهول الذي لم يسمَّ، كرجل وأعرابي؛ إذ الصحابة كلُّهم عدول، فلا يضر جهالة أحدهم. فمَن ساعدكم على قبول رواية المجهول الذي سمع منه؟ فإن حُميد بن هلال لم يَذْكر من حال من حدَّثه ما يجب به قبول روايته، ولا عرَّف به ألبتة، ومثل هذا لا يحتجُّ بحديثه حَدِيثيٌّ. * وأما الآثار التي ذكرتموها عن الصحابة رضي الله عنهم، فقد ذكرنا عن أعلمهم وأعرفهم بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، وهم عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود= عدم الرفع في غير التكبيرة الأولى، وناهيك بهؤلاء الثلاثة عِلمًا ونُبلًا وجلالةً واقتداءً بالنبي - صلى الله عليه وسلم -! قال الطحاوي (2): «أَفَتَرَى عمر بن الخطاب رضي الله عنه خفي عليه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يرفع يديه في الركوع والسجود، وعَلِم ذلك من هو دونه، ومن هو معه يراه يفعل غير ما رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعل ثم لا ينكر ذلك عليه؟ هذا عندنا مُحال. _________ (1) رقم (20056). وانظر ما سبق (ص/26). (2) «شرح معاني الآثار»: (1/ 227).

(1/165)


وفِعْل عمر هذا وتَرْك أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إياه على ذلك، دليل صحيح أن ذلك هو الحق الذي لا ينبغي لأحد خلافه. حدثنا ابن أبي داود، ثنا الحِمَّاني، ثنا يحيى بن آدم، عن الحسن بن عيَّاش، عن عبد الملك بن أبْجَر، عن الزُّبير بن عَدِي، عن إبراهيم، عن الأسود قال: رأيت عمر بن الخطَّاب يرفع يديه في أول تكبيرة ثم لا يعود. قال: ورأيت الشعبيَّ وإبراهيم يفعلان ذلك. قال الطحاوي: وهذا حديث صحيح؛ لأن الحسن بن عياش، وإن كان هذا الحديث إنما دار عليه فإنه ثقة حجة، ذكر ذلك يحيى بن معين وغيره». * * * *

(1/166)


 [فصل في أجوبة القائلين بالرفع عن أدلة القائلين بعدمه] 

قال الرافعون: صدقتم، الآن حَمِي الوطيس، ودارت رحى الحرب، وتنادت الأبطال: نَزَالِ نَزَالِ، وآن لأنصار الحديث أن لا تأخذهم في الله لومة لائم، ولا يتحيَّزوا إلى فئة غير رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، بحيث يجعلون قوله المُحكَم، وما خالفه من النصوص متشابهًا إن أمكن تأويله و تخريجه على الوجوه البعيدة المُسْتكرهة، خرَّجوه عليها وإلا أمَرُّوه على ظاهره ووَكَلوا علمَه إلى من قلَّدوه، وقالوا: هو أعلم بالنصوص مِنَّا، فاسمعوا الآن جوابَ ما أرعدتم به وأبرقتم [ق 53] وقمتم فيه وقعدتم ... (1) كانت لكم في تلك المسألة ... (2) لانسلِّم لكم، وأنه لا ... لهم قدرًا ... (3) جئناكم بما لا قِبل لكم به ولا طاقة لكم ... (4) العزيز الحكيم. * فأما ردّكم حديث ابن عمر بمخالفة مالك وأهل المدينة له، وأن هذا _________ (1) الأوراق (53 أ-63 أ) من الأصل أصابتها رطوبة متفاوتة في الشدة، ذهبت بكثير من الكلمات، وبقيت بعض حروفها، استأنسنا بها في القراءة، وبالمصادر التي نقل منها المؤلف. وفي هذا الموضع ثلاث كلمات مطموسة في الأصل. ولصعوبة القراءة في هذه الورقة ترك ناسخ (ف) ثلثي (ص 80) بياضًا، من هنا إلى قوله في الصفحة التالية: «وحدثني ابن وهب». (2) نحو سطر مطموس في الأصل. (3) نحو نصف سطر مطموس في الأصل. (4) نحو نصف سطر مطموس في الأصل.

(1/167)


يدلّ على نسخه وإلا لم يخالفه مالك ... مع اتباعه وتحرِّيه، فجوابه من وجوه: أحدها: أن مالكًا لم يخالفه بل ذهب إليه وعمِل بموجبه حتى مات. هذا الذي رواه عنه أخصُّ أصحابه وأعلمهم به وألزمهم له، حتى إن بعض أئمة المالكية قال: مذهب مالك رفع اليدين في هذه المواضع، ومذهب القاسميّة عدم الرفع. قال أبو عمر بن عبدالبر (1): «روى ابن وهب والوليد بن مسلم وسعيد ابن أبي مريم وأشهب وأبو المصعب عن مالك: أنه كان يرفع يديه على حديث ابن عمر (2) إلى أن مات. فحدثنا (3) عبدالوارث بن سفيان، ثنا قاسم بن أصبغ، ثنا أبو عبيدة بن أحمد، ثنا يونس بن عبدالأعلى، ثنا أشهب بن عبد العزيز قال: صحبتُ مالكَ بن أنس قبل موته بسنة، فما مات إلا وهو يرفع يديه. فقيل ليونس: وصف أشهب رفع اليدين عن مالك؟ قال: سُئِل أشهب عنه غير مرّة، فكان يقول: يرفع يديه إذا أحرم، وإذا أراد أن يركع، وإذا قال: «سمع الله لمن حمده». قال يونس: وحدثني ابن وهب قال: صَحِبت مالك بن أنس في طريق _________ (1) في «التمهيد»: (9/ 213). (2) في التمهيد زيادة: «هذا». (3) انظر «التمهيد»: (9/ 222).

(1/168)


الحج، فلما كان بموضعٍ ذكرَه يونس، دنت ناقتي من ناقته، فقلت: يا أبا عبد الله كيف يرفع المصلي يديه في الصلاة؟ فقال: وعن هذا تسألني، ما أحب أن أسمعه منك، ثم قال: إذا أحرم، وإذا أراد أن يركع، وإذا قال سمع الله لمن حمده. قال أبو عبيدة: سمعت هذا من يونس بن عبدالأعلى غير مرة. وفي «المستخرجة من سماع أشهب، وابن نافع عن مالك» قال: يرفع المصلي يديه إذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع، وقال: سمع الله لمن حمده. قال: ليس الرفع بلازم وفي ذلك سَعَة (1). وقال محمد بن جرير الطبري: ثنا يونس بن عبدالأعلى، عن أشهب، عن مالك مثل ذلك، وزاد: ويرفع من وراء الإمام أيديهم إذا قال: «سمع الله لمن حمده»، قال: وليس رفع اليدين بلازم وفي ذلك سَعَة. قال أبو عمر: وثنا أحمد بن محمد، ثنا وَهْب بن مسرَّة، ثنا ابن وضَّاح، ثنا أبو الطاهر أحمد بن عمرو، ثنا ابن وهب قال: رأيتُ مالك بن أنس يرفع يديه في كلِّ خفضٍ ورفع، أو قال: كلما خَفَض ورَفَع، فلم تزل تلك صلاته. وحدثنا أحمد بن محمد بن أحمد، ثنا أحمد بن سعيد، ثنا أحمد بن خالد، وسعيد بن عثمان: أنهما سمعا يحيى بن عمرو (2) يقول: سمعت أبا المصعب [الزهري] يقول: رأيت مالك بن أنس يرفع يديه إذا قال: «سمع الله لمن حمده»، على حديث ابن عمر. _________ (1) انظر «البيان والتحصيل»: (1/ 470). (2) في «التمهيد»: «عمر».

(1/169)


وقال محمد بن عبدالحكم: الذي [ق 54] آخذ به في رفع اليدين: أن أرفع (1) على حديث ابن عمر. قال: ولم يرو أحد عن مالك مثل رواية ابن القاسم في رفع اليدين» (2). ورواه مَعْن بن عيسى القزَّاز أيضًا عن مالك. فهؤلاء سبعة من أصحاب مالك. فأما أشْهَب بن عبد العزيز فكان من أفقه أصحابه وأشدّهم انتحالًا لمذهبه ونُصْرةً له، حتى إنه كان يدعو على الشافعي ويقول: اللهمّ أمِتْه حتى لا يذهب علم مالك. قال محمد بن عبد الله بن عبدالحكم: سمعت أشهب يدعو على الشافعي بالموت، فذكرت ذلك للشافعي فقال متمثِّلًا: تمنَّى رجالٌ أن أموت وإن أَمُت ... فتلك سبيلٌ لست فيها بأوحَدِ فقل للذي يَبْقَى (3) خلافَ الذي مضى ... تهيَّأ لأخرى مثلها فكأنْ قَد قال: فمات الشافعي، ثم مات أشهب بعده بثمانية عشر يومًا (4). والمقصود: أن شدة النصرة لمذهب مالك حَمَلَتْه على الدعاء على الشافعي لمَّا خالف مالكًا، وهو قد حكى عن مالك أن مذهبه رفع اليدين _________ (1) الأصل: «الرفع» والمثبت من التمهيد. (2) آخر النقل من التمهيد. وانظر «اختلاف أقوال مالك وأصحابه» (ص/107 - 108) لابن عبدالبر. (3) هكذا في الأصل وفي عدة مصادر، وفي أخرى: «يبغي». (4) ذكر القصة ابن عبدالبر في «الانتقاء» (ص/97)، وهي في «تاريخ ابن عساكر»: (51/ 428 - 429)، و «وفيات الأعيان»: (1/ 239)، و «السير»: (10/ 72).

(1/170)


عند الركوع والرفع منه. [ومع ذلك] فأشهب في الفقه والجلالة والإمامة بالمنزلة التي لا تخفى. وقد [فضَّله] ابنُ عبدالحكم على ابن القاسم في الفقه. قال أبو عمر بن عبدالبر في كتاب «الانتقاء» (1): «ثنا إبراهيم بن شاكر ثنا عبد الله بن عثمان، قال: ثنا سعد بن معاذ، قال: سمعت محمد بن عبد الله بن عبدالحكم يقول: أشهب أفقه من (2) ابن القاسم مئة مرَّة. قال: وحدثني أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي، عن أبيه: أنه ذكر قول محمد بن عبد الله بن عبدالحكم لمحمد بن عمر بن لبابة، فقال: ليس هذا عندنا، كما قال محمد، وإنما قاله لأن أشهب شيخه ومعلمه. قال أبو عمر: أشهب شيخه وابن القاسم شيخه، وهو أعلم بهما لكثرة مجالسته لهما وأخذه عنهما». وأما الإمام عبد الله بن وهب، فهو من أجلِّ أصحاب مالك أو أجلّهم على الإطلاق، وكان مالك يُجِلّه ويعظّمه ويسمِّيه: الفقيه. قال ابن أبي حاتم: سمعت أبا زرعة يقول: ابن وهب أفقه من ابن القاسم (3). _________ (1) (ص/97 - 98). (2) «ومع ذلك فأشهب ... أفقه من» بياض في (ف). (3) كذا في الأصل و «الانتقاء» (ص/94). والذي في «الجرح والتعديل»: (5/ 190): «قال عبدالرحمن (ابن أبي حاتم): سمعت أبا زرعة يقول: سمعت ابن بكير يقول: ابن وهب أفقه من ابن القاسم». وهو الذي نقله الأئمة في كتبهم كالمزي في «تهذيبه»: (4/ 319) والذهبي في «السير»: (9/ 225).

(1/171)


قال أبو عمر (1): يقولون: إن مالكًا لم يكتب إلى أحد كتابًا يُعَنْوِنه بـ «الفقيه» إلا إلى ابن وهب. وكان رجلًا صالحًا خائفًا لله تعالى، كان سبب موته أنه قُرئ عليه كتاب الأهوال من «جامعه»، فأخذه شيء كالغَشْي، فحُمِل إلى داره، فلم يزل كذلك إلى أن قضى نَحْبَه. قال أبو زرعة: نظرت في حديث ابن وهب ثمانين ألف (2) حديث من حديثه عن المصريين وغيرهم، فما أعلم أني رأيت له حديثًا لا أصل له، وهو ثقة (3). قال أبو عمر: وقد قيل: إن مالكًا روى عنه عن ابن لهيعة حديث: بيع العُرْبان، والله أعلم (4). _________ (1) في «الانتقاء»: (ص 94). (2) صحح عليها في الأصل. (3) «الجرح والتعديل»: (5/ 190). وذكره في «الانتقاء»: (ص 94). (4) أخرجه مالك في «الموطأ» (1781)، وأبو داود (3502)، وابن ماجه (2192). أقول: هذا الحديث رواه «مالك عن الثقة عنده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع العربان». قال ابن عبدالبر في «التمهيد»: (24/ 176): «هكذا قال يحيى عن مالك عن الثقة عنده في هذا الحديث عن عمرو بن شعيب، وتابعه قوم منهم ابن عبد الحكم. وقال القعنبي والتنيسي وجماعة عن مالك: إنه بلغه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ... وقد تكلم الناس في الثقة عنده في هذا الموضع، وأشبه ما قيل فيه أنه أخذه عن ابن لهيعة، أو عن ابن وهب عن ابن لهيعة؛ لأن ابن لهيعة سمعه عن عمرو بن شعيب ورواه عنه، حدث به عن ابنِ لهيعة ابنُ وهبٍ وغيره .. ». وانظر «الانتقاء»: (ص/93).

(1/172)


وأما ابن نافع فهو عبد الله بن نافع الصائغ (1)، وكان من أعلم الناس بمذهب مالك. قال أبو خيثمة: سمعت يحيى بن معين [ق 55] يقول: هو ثقة. وقال أبو طالب: سألت أحمد بن حنبل عن عبد الله بن نافع، فقال: لم يكن صاحب حديث كان صاحب رأي مالك، وكان يفتي أهل المدينة برأي مالك، ولم يكن في الحديث بذاك (2). هذا إن كان المذكور في «المستخرجة» من سماع أشهب ونافع عن مالك هو الصائغ، وإن كان عبد الله بن نافع الزّبيري (3) فهو ثقة. قال ابن أبي خيثمة: سمعت يحيى بن معين يقول: صدوق ليس به بأس. وكان يحيى بن يحيى الأندلسي يسأله عن تفسير «الموطأ». قال الزبير بن بكَّار: كان المنظور إليه من قريش بالمدينة في حين وفاته في هديه وفقهه وفضله. _________ (1) ترجمته في «الانتقاء» (ص/102 - 103)، و «تهذيب الكمال»: (4/ 302). (2) نقله عنه في «الجرح والتعديل»: (5/ 184). (3) ترجمته في «الانتقاء» (ص/103 - 104)، و «تهذيب الكمال»: (4/ 301 - 302).

(1/173)


وأما أبو المصعب أحمد بن أبي بكر بن الحارث بن زرارة بن مصعب ابن عبد الرحمن بن عوف (1)؛ فمن الطبقة الأولى من أصحاب مالك. قال أبو زرعة وأبو حاتم: صدوق (2). وقال الزُّبير بن بكَّار: مات وهو فقيه أهل المدينة غير مُدافع. فهؤلاء الأربعة وهم: ابن وهب، وأشهب، وعبد الله بن نافع، وأبو مصعب الزُّبيري، من الطبقة الأولى من أهل الفقه من كبار أصحاب مالك. وأما مَعْن بن عيسى القزَّاز (3)؛ فمن الثقات، ومن حُفَّاظ أصحاب مالك، وممن روى عنه «الموطأ». والوليد بن مسلم (4) من ثقات المحدِّثين، وهو من الطبقة الثانية من أصحاب مالك. وهؤلاء كلهم رووا عنه الرفع على حديث ابن عمر، وانفرد ابن القاسم وحدَه برواية ترك الرفع، فإن حاكمناكم إلى قواعد أهل الحديث، حكموا لنا عليكم؛ إذ سبعة أثبات أئمة حُفَّاظ أولى أن يُؤخَذ بقولهم من واحد يتطرَّق الوهم إليه دونهم أولى من العكس. _________ (1) ترجمته في «الانتقاء» (ص/111 - 112)، و «تهذيب الكمال»: (1/ 33). (2) «الجرح والتعديل»: (2/ 43). (3) ترجمته في «تهذيب الكمال»: (7/ 188). (4) ترجمته في «تهذيب الكمال»: (7/ 486).

(1/174)


وإن حاكمناكم إلى قواعد الفقهاء، حكموا لنا عليكم أيضًا، فإن شهادة سبعة على الإثبات أولى أن يُؤخَذ بها، وتُقَدَّم على شهادة واحدٍ على النفي، وهذا لأصحاب مالك خاصةً أَلْزَم، فإنهم يرجِّحون بكثرة العدد في الشهادة على ما رواه مُطَرِّف وابن الماجِشون عن مالك. وإن حاكمناكم إلى قواعد الأصوليين، حكموا لنا عليكم، فإن الظن المستفاد من إخبار سبعة بشيء أقوى من الظنِّ المُستفاد من إخبار واحد، ومن هاهنا قال بعض أئمة المالكية: مذهب المالكية رفع اليدين على حديث ابن عمر، ومذهب القاسمية تركه (1). وقال أبو عمر بن عبدالبر (2): «قال أحمد بن خالد: كان عندنا بقرطبة جماعةٌ من علمائنا يرفعون أيديهم في الصلاة على حديث ابن عمر ورواية من روى ذلك عن مالك، وجماعةٌ لايرفعون إلا في الإحرام على رواية ابن القاسم، فما عاب هؤلاء على هؤلاء ولا هؤلاء على هؤلاء». وقد تقدم (3) قول محمد بن عبد الله بن عبدالحكم: إنه لم يَرْو أحدٌ عن مالك مثل رواية ابن القاسم في رفع اليدين. قال ابن عبدالبر: «سمعت شيخَنا أبا عمر أحمد بن عبد الملك بن هاشم يقول (4): كان إسحاق بن إبراهيم شيخنا، يرفع يديه كلما [ق 56] _________ (1) انظر ما سبق (ص/168). (2) في «التمهيد»: (9/ 223). (3) (ص/170). (4) (ف): «أبا عمر عبد الملك يقول» سقط وتغيير!

(1/175)


خَفَض ورفع على حديث ابن عمر في «الموطأ». وكان أفضل من رأيت وأفقههم وأصحهم علمًا ودينًا. قال أبو عمر: فقلت له: فلم لا ترفع أنت فنقتدي بك؟ فقال لي: لا أخالف رواية ابن القاسم؛ لأن الجماعة عندنا اليوم عليها، ومخالفة الجماعة فيما قد أُبِيح لنا ليس من شِيَم الأئمة، والرفع متروك عندنا اليوم (1)». فقد أخبر من تَرَك الرفعَ عن عُذْره، وأبان أنه لا عذر له سواه. ومعلوم قطعًا أن عذر الرافعين أصحّ من هذا العذر عند الله ورسوله وعباده المؤمنين، ولا يستوي عذرُ من أخبر أن تركه للرفع الثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وعن أصحابه، وعن إمامه برواية العدد الكثير عنه، ثم يتركه برواية واحد عن مالك، وبِتَرْك أهل بلده لهذه السنة. وعذرُ من رفعَ وقدَّم السنن الثابتة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وعن أصحابه، والرواية الشهيرة عن إمامه التي رواتها أكثر وأحْفَظ. فهذا جوابهم (2) عن قولكم: إن مالكًا راوي الحديث، وقد ترك العمل به. وجوابٌ ثانٍ: أنه لو فُرِض صحة ما ذكرتم عن مالك ــ وحاشا وكلا ــ لم يكن موجبًا لترك العمل بالحديث؛ لأن الأخذ بما رواه الحافظ لا بما رآه. هذا قول الجمهور، وهذا لأن روايته حجة، ورأيه ليس بحجة، وترك _________ (1) «والرفع متروك عندنا اليوم» ليست في مطبوعة «التمهيد». (2) في الأصل غير واضحة بسبب الرطوبة، و (ف): «جوابكم» والصحيح ما أثبت.

(1/176)


الحجة لِما ليس بحجة باطل [والأخذ بما رواه] إذا كان ثقةً حافظًا [أكثر بعدًا] عن الخطأ ورأيه ليس بمعصوم. فلا نترك ما ضُمِنَت لنا فيه العصمة (1) إلى ما لم تُضمن لنا فيه. وأيضًا: إن مخالفته لما رواه يجوز أن يكون بنسيانٍ، أو غلطٍ، أو قيام مُعارضٍ عندَه ظنَّه راجحًا وليس كذلك، أو لحمله ما رواه على غير ظاهره، أو لاعتقاده نسخَه، أو لعدم صحته عنده، فتعيينُ احتمال النسخ من بين هذه الاحتمالات (2) تحكُّم لا معنى له. وأيضًا: فإنَّ هذا المَدْرَك لو كان صحيحًا، لكان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أولى به؛ لأنهم أعلم بالتأويل وبالناسخ والمنسوخ، فكان أحدهم إذا روى حديثًا وأفتى بخلافه= أُخِذ بفتواه، وتُرِك ما رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (3). وقد روى ابن عباس ــ حبر الأمة وعالمُها ــ حديثَ بَريرة (4) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خيَّرها لمّا بيعت وعَتَقَت بين المُقام مع زوجها وبين فَسْخ النكاح، فاختارت فسخ النكاح، ولم يكن بيعها طلاقًا لها. ثم أفتى هو وجماعة من _________ (1) «وترك الحجة ... فيه العصمة» بياض في (ف). (2) الأصل و (ف): «الاحتمال». (3) الأمثلة الآتية في مخالفة الراوي لما رواه ذكرها المصنف أيضًا في «إعلام الموقعين»: (4/ 394 - 409). (4) أخرجه البخاري (5283)، وأحمد (1844)، والدارمي (2338)، وأبو داود (2231)، وابن ماجه (2075)، والنَّسائي (5417).

(1/177)


الصحابة (1) بأنَّ بيع الأمة طلاقها، فأخذ الأئمةُ الأربعة وغيرُهم بروايته دون فتواه ومذهبه، وهذا هو الواجب لِما قدَّمناه، إذ ما رواه حُجَّةٌ يجب اتباعها، وليس مذهبه الذي قد نازعه فيه غيره حجة يُقدَّم على النص. هذا، وهو من قد استُجيبت فيه دعوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، بأن يفقِّهه الله في الدين ويعلِّمه التأويل، فكيف تكون روايةٌ عن إمام قد خالفها روايةُ جماعةٍ عنه، وخالفه غيره من الأئمه مُقدَّمةً على النصوص الثابتة الصحيحة؟! والله المستعان. وقد احتجُّوا (2) على أن القيء يفطِّر الصائم بالحديث الذي رواه [ق 57] أبو داود والترمذي وغيرهما، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من ذَرَعه القيء فليس عليه قضاء، ومن استقاء عامدًا فعليه القضاء» (3). وهو حديث حسن. وقد روى يحيى ابن أبي كثير، عن عمر بن الحكم: أن أبا هريرة كان لا _________ (1) «من الصحابة» تكررت في الأصل. (2) (ف): «اتفقوا» خطأ. (3) أخرجه أبو داود (2380)، والترمذي (720)، وابن ماجه (2676). قال الترمذي: «حديث أبي هريرة حديث حسنٌ غريبٌ، لا نعرفه من حديث هشام، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، إلا من حديث عيسى بن يونس. وقال محمد (يعني البخاري): لا أراه محفوظًا. قال الترمذي: وقد رُويَ هذا الحديث من غير وجه عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا يصح إسناده» اهـ. وصححه ابن حبان والحاكم والنووي، وحسنه المنذري وابن المُلقِّن والمصنف. انظر «البدر المنير»: (5/ 660 - 661).

(1/178)


يرى القيء يفطِّر الصائم (1). فأخذوا برواية أبي هريرة، وتركوا رأيه ومذهبه. وأيضًا: فقد روى ابن عباس أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرهم أن يرملوا الأشواط الثلاثة في عُمرة القضاء، وأن يمشوا بين الركنين (2). وقال ابن عباس: ليس الرَّمَل بسنة (3). وهو راوي الخبر، فأخذ الناسُ بروايته وتركوا رأيه. _________ (1) قال البخاري في صحيحه قبل رقم (1938): «قال لي يحيى بن صالح ثنا معاوية بن سلام ثنا يحيى عن عمر بن الحكم بن ثوبان عن أبي هريرة رضي الله عنه: إذا قاء فلا يفطر إنما يُخْرج ولا يُولج. قال: ويذكر عن أبي هريرة أنه يفطر والأول أصح». وانظر «تغليق التعليق»: (3/ 175 - 178)، و «الفتح»: (4/ 175). (2) أخرجه البخاري (1602)، ومسلم (1266). (3) أخرج مسلم (1264) «عن أبي الطفيل: قلت لابن عباس: أرأيت هذا الرمل بالبيت ثلاثة أطواف ومشي أربعة أطواف أسنة هو؟ فإن قومك يزعمون أنه سنة، فقال: صدقوا وكذبوا .. » الحديث. قال النووي: «يعني صدقوا في أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعله وكذبوا في قولهم: إنه سنة مقصودة متأكدة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يجعله سنة مطلوبة دائمًا على تكرر السنين، وإنما أمر به تلك السنة لإظهار القوة عند الكفار، وقد زال ذلك المعنى. هذا معنى كلام ابن عباس. وهذا الذي قاله من كون (الرّمَل) ليس سنة مقصودة هو مذهبه، وخالفه جميع العلماء من الصحابة والتابعين وأتباعهم ومن بعدهم فقالوا: هو سنة في الطوفات الثلاث من السبع، فإن تركه فقد ترك سنة وفاتته فضيلة، ويصح طوافه ولا دمَ عليه». «شرح مسلم»: (9/ 10).

(1/179)


وأيضًا: فقد ثبت في «الصحيح» (1) عن عائشة أنّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أمرها لمَّا حاضت أن تقضي المناسك، وتفعل ما يفعل الحاج غير أن لا تطوف بالبيت. وقد روى سعيد بن منصور، ثنا أبو عوانة، عن أبي بِشر عن عطاء قال: حاضت امرأة وهي تطوف مع عائشة أم المؤمنين، فحاضت في الطواف، فأتمَّت بها عائشة بقية طوافها (2). فأخذ الناس برواية عائشة وتركوا رأيها. وأيضًا: فقد روى ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه قيل له في الذبح والحلق والرمي والتقديم والتأخير؟ فقال: «لا حرج». متفق عليه (3). وفي رواية للبخاري (4): سأله رجل فقال: حلقتُ قبل أن أذبح، فقال: «اذبح ولا حرج». وقال: رميتُ بعدما أمسيت، فقال: «لا حرج». وفي أخرى للبخاري أيضًا: زرت قبل أن أرمي، قال: «لا حرج». قال: حلقت قبل أن أذبح، قال: «لا حرج». قال: ذبحت قبل أن أرمي، قال: «لا حرج». وصحّ عن ابن عباس فيما قدِّم من أفعال الحج أو أُخِّرَ دَمٌ (5)، فأخذوا _________ (1) البخاري (305)، ومسلم (1211). (2) ذكره من طريق سعيد بن منصور ابن حزم في «المحلى»: (7/ 180)، وذكره الزيلعي في «نصب الراية»: (3/ 128) نقلًا عن «الإمام» لابن دقيق العيد. وصححه المصنف في «إعلام الموقعين»: (4/ 395). (3) البخاري (1721)، ومسلم (1307). (4) (1723). والتي بعدها (1722). و «أمسيت» بياض في (ف). (5) أخرج ابن أبي شيبة (15188)، والطحاوي في «مشكل الآثار»: (15/ 288) من = = ... طريق إبراهيم بن مهاجر، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: من قدّم شيئًا من حجه أو أخَّره، فليُهرق لذلك دمًا. وفيه إبراهيم بن مهاجر لين الحفظ.

(1/180)


بروايته، وتركوا رأيه. وأخذَ أصحابُ أبي حنيفة بحديث ابن عباس مرفوعًا: «كلُّ الطلاق جائز إلا طلاق المَعْتوه» (1). وهو حديث ضعيفٌ باتفاق أهل الحديث، فيه عطاء بن عجلان ضعيف جدًّا. وقد صحَّ عن ابن عباس أنه قال: ليس لمكره ولا لمضطهد طلاق (2). فأخذوا بروايته التي لم تثبت عنه وتركوا رأيه، مع أنه صحيح عنه، وقالوا: الاعتبار بما رواه لا بما رآه. وأيضًا: فقد رُوي عن ابن عمر: أنَّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الغَرَر (3). _________ (1) أخرجه ابن عدي في الكامل: (5/ 366) من طريق عطاء بن عجلان عن عكرمة بن خالد به. وأخرجه الترمذي (1191)، ومن طريقه ابن الجوزي في «العلل المتناهية» (1069) من طريق مروان بن معاوية الفزاري عن عطاء بن عجلان، عن عكرمة بن خالد عن أبي هريرة بنحوه. فجعله من مسند أبي هريرة. قال الترمذي: «هذا حديث لا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث عطاء بن عجلان وعطاء بن عجلان ضعيف ذاهب الحديث». أقول: بل اتُّهِم بالكذب، وقال البخاري وأبو حاتم: منكر الحديث. وأخرجه ابن أبي شيبة (18213، 18214)، وغيره عن عليّ موقوفًا عليه بسند صحيح. (2) أخرجه ابن أبي شيبة (18330) وفي سنده عبد الله بن طلحة، لم يُذكر بجرح ولا تعديل، وذكره ابن حبان في «الثقات». انظر «تهذيب التهذيب»: (5/ 236). (3) أخرجه أحمد (6307)، وابن أبي شيبة (20886)، والبيهقي: (5/ 338)، وأصله في الصحيحين، البخاري (2256)، ومسلم (1514).

(1/181)


وصحَّ عن ابن عمر: أنه اشترى جملًا شاردًا (1). فأخذ الناسُ بروايته وتركوا رأيه، ولم يقولوا في هذه المواضع وأمثالها: لم يخالف الراوي الحديث إلا وهو منسوخ عنده. ونخصُّ أصحابَ مالك بأن عليًّا روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة «تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم» (2). ورُوي عنه أنه لم يرَ التسليمَ من الصلاة فرضًا (3). فأخذوا بروايته ولم يلتفتوا إلى مذهبه، ولم يقولوا: مخالفته للحديث تدل على نسخه عنده. ونخصُّ أصحابَ أبي حنيفة بأنه قد صحَّ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من طريق علي. وابن عباس: أن الصلاة الوسطى صلاة العصر (4). وقد ثبت عن عليٍّ وابن عباس أنها الصبح (5)، فلم يلتفتوا إلى مذهبهما، وأخذوا بروايتهما. _________ (1) أخرجه ابن أبي شيبة (20894)، وعنه ابن حزم في «المحلى»: (8/ 391). (2) تقدم تخريجه (ص/63). (3) أخرج الطحاوي في «شرح معاني الآثار»: (1/ 273) من طريق عاصم بن ضمرة عن علي رضي الله عنه قال: إذا رفع رأسه من آخر سجدة فقد تمت صلاته. (4) حديث علي أخرجه البخاري (2931)، ومسلم (627). وحديث ابن عباس أخرجه أحمد (2745)، والطبراني في «الكبير»: (11/ 329). (5) أخرجه عنهما مالك في «الموطأ» (370) بلاغًا، وأخرجه موصولًا عن ابن عباس ابنُ أبي شيبة (8717) وغيره. أما علي رضي الله عنه فكأنه رجع عن هذا القول، فقد قال أحمد في «المسند» (1314): «حدثنا بهز حدثنا همام عن قتادة عن أبي حسان عن عَبيدة قال: كنا نرى أن صلاة الوسطى صلاة الصبح قال: فحدثنا علي رضي الله عنه أنهم يوم الأحزاب ... = = ... اقتتلوا وحبسونا عن صلاة العصر فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «اللهم املأ قبورهم نارًا أو املأ بطونهم نارًا كما حبسونا عن صلاة الوسطى». قال: فعرفنا يومئذ أن صلاة الوسطى صلاة العصر». وأخرجه الطحاوي في «شرح المعاني»: (1/ 173) من طريق آخر عن علي.

(1/182)


وأيضًا: فقد صحَّ [ق 58] عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: التحريم في الرّضاع بلبن الفحل في قصة أبي القُعَيس (1). وصحَّ عنها أنها أفتت بخلافه، وأنه كان يدخل عليها من أرضعته بناتُ إخوتها، ولا يدخل عليها من أرضعته نساءُ إخوتها (2). فأخذَ الناسُ بروايتها، وتركوا رأيها ومذهبَها. وأيضًا: فقد صحَّ عن عائشة من رواية البخاري وغيره: «فُرِضَت الصلاة ركعتين ركعتين فزيد في صلاة الحَضَر وأُقِرَّت صلاة السَّفر» (3). فهذه رواية منها لابتداء فرض الصلاة. وصحَّ عنها أنها أتمَّت في السفر (4). فأخذَ أصحابُ أبي حنيفة ومالك بروايتها، وقدموها على رأيها وفعلها. ونخصُّ أصحاب أبي حنيفة، أنهم أخذوا بحديثين ضعيفين جدًّا عن أبي موسى، وجابر: الأمر بالوضوء من الضحك في الصلاة (5). وقد صحَّ _________ (1) أخرجه البخاري (4796)، ومسلم (1445). (2) أخرجه مالك (1775). (3) أخرجه البخاري (350)، ومسلم (685). (4) رواه البخاري (1090)، ومسلم (685/ 3). (5) حديث أبي موسى أخرجه الطبراني في «الكبير» - كما في «نصب الر اية: 1/ 47» - قال الهيثمي في «مجمع الزوائد»: (1/ 251): «فيه محمد بن عبد الملك الدقيقي ولم أر من ترجمه وبقية رجاله موثقون». وفي هامش الأصل: (قلت: قد ترجمه ... = = ... المزي في التهذيب (6/ 415) وهو ثقة لا طعن فيه، وعلة الحديث إنما هي الانقطاع فإن راويه لم يسمعه من أبي موسى). وحديث جابر أخرجه الدارقطني: (1/ 172)، ومن طريقه ابن الجوزي في «العلل المتناهية» (611). وقال الدارقطني عقبه: «قال لنا أبو بكر النيسابوري: هذا حديث منكر فلا يصح والصحيح عن جابر خلافه. ثم قال: يزيد بن سنان ضعيف ويكنى بأبي فروة الرهاوي وابنه ضعيف أيضًا، وقد وهم في هذا الحديث في موضعين أحدهما: في رفعه إياه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، والآخر في لفظه، والصحيح عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر من قوله: من ضحك في الصلاة أعاد الصلاة ولم يعد الوضوء. وكذلك رواه عن الأعمش جماعة من الرفعاء الثقات، منهم سفيان الثوري وأبو معاوية الضرير ووكيع ... ».

(1/183)


عنهما أنهما قالا: لا وضوء من ذلك (1). فلم يلتفتوا إلى مذهبهما الصحيح عنهما، وقدَّموا عليه روايتهما التي لم تثبت عنهما. وأيضًا: فروت عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكل لحمًا ولم يتوضأ (2). وصحَّ عنها بأصحّ إسنادٍ إيجاب الوضوء من كلّ ما مسَّت النارُ (3)، فلم يلتفتوا إلى رأيها، وقدّموا عليه روايتَها. وأيضًا: فقد روت عائشة وابن عباس وأبو هريرة: إباحة المسح على _________ (1) أثر أبي موسى أخرجه ابن أبي شيبة (3935)، والدارقطني: (1/ 174). وأثر جابر أخرجه ابن أبي شيبة (3929). والدارقطني: (1/ 172). بأسانيد صحيحة. (2) أخرجه أحمد (25282)، وابن أبي شيبة (550)، والبيهقي: (1/ 154) ولفظه: «كان - صلى الله عليه وسلم - يمر على القدر فيأخذ منها العرق فيأكل منه ثم ينطلق إلى الصلاة ولا يتوضأ ولا يمضمض». (3) أخرجه ابن أبي شيبة (557)، وعبدالرزاق: (1/ 174).

(1/184)


الخُفَّين (1). وصحّ عنهم ثلاثتهم المنعُ من المسح جملةً (2). وأخذ الجمهورُ بروايتهم دون رأيهم. ورُوي عن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا يُقتصّ لولد من والده» (3)، وجاء عنه رضي الله عنه: لأقصنّ للولد من الوالد (4)، فلم يروا مذهبه ورأيه موجبًا لترك روايته. وأيضًا: فاحتجوا بمنع بيع أمهات الأولاد بالخبرين عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أيُّما رجلٍ ولدت منه أَمَتُه فهي مُعْتَقة عن دبرٍ منه» (5)، وأنه ذُكِرَت أمُّ إبراهيم عند النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: «أعتقها ولدها» (6). وقد صحَّ عن _________ (1) حديث عائشة أخرجه الدارقطني: (1/ 194). وحديث ابن عباس أخرجه الدارقطني في «الكبير»: (11/ 119)، وقال الهيثمي في «المجمع»: (1/ 262): «فيه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وهو ضعيف لسوء حفظه». وحديث أبي هريرة أخرجه أحمد (8695). (2) الآثار عنهم أخرجها ابن أبي شيبة في «مصنفه» (1956، 1959، 1964) تباعًا. (3) أخرجه أحمد (98، 147)، والترمذي (1400)، وابن ماجه (2662)، والدارقطني: (3/ 140). وكان في الأصل و (ف): «لايقتص لوالد من ولد» وهو خطأ، والتصحيح من مصادر الحديث و «إعلام الموقعين»: (4/ 402). (4) أخرج معناه عبدالرزاق: (9/ 401)، في قصة. وكان في الأصل: «لأقصنّ للوالد من الولد» وهو خطأ، والتصحيح من مصادر الحديث و «إعلام الموقعين»: (4/ 402). (5) أخرجه أحمد (2759)، وابن ماجه (2515)، والدارقطني: (4/ 130)، والحاكم: (2/ 19) وغيرهم. وصححه الحاكم، لكن في إسناده حسين بن عبد الله الهاشمي ضعيف. وبذلك أعله المصنف في «تهذيب السنن»: (4/ 1905). (6) أخرجه ابن ماجه (2516)، والدارقطني: (4/ 131)، والبيهقي: (10/ 346). وفي سنده أيضًا حسين المذكور في الإسناد قبله.

(1/185)


ابن عباس جواز بيعهنَّ (1)، والرواية عنه بذلك أصحّ من المرفوع، وقدموا روايته على رأيه، ولم يقولوا: لم يخالف الحديث إلا وهو منسوخ عنده. ونخصُّ أصحابَ أبي حنيفة بأنهم احتجوا بحديث علي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في صدقة الوَرِق: «لا زكاة فيما زاد على مائتي درهم حتى يبلغ أربعين درهما» (2)، وقد صحَّ عن عليٍّ بأصحّ إسنادٍ يكون أنه قال: في المائتين خمسة دراهم، فما زاد فبحساب ذلك (3). فلم يجعلوا ما صحّ عن عليّ من قوله موجبًا لترك روايته، مع ضعف سندها، وصحة مذهبه عنه. واحتجّوا على نجاسة الماء الكثير الذي يقع فيه النجاسة بحديث أبي هريرة: «لا يبولنَّ أحدُكم في الماء الدائم» (4)، ولم يستثن ماءً من ماء. وقد صحّ عن أبي هريرة من طريق سعيد بن منصور، عن ابن عُليَّة، عن حبيب _________ (1) ولفظه أنه قال في أم الولد: والله ما هي إلا بمنزلة بعيرك أو شاتك. أخرجه عبدالرزاق في «مصنفه»: (7/ 290). (2) ذكره ابن حزم في «المحلى»: (6/ 61) فقال: وروي من طريق الحسن بن عمارة ــ وهو متروك ــ عن أبي إسحاق، عن عاصم، عن علي مرفوعًا، في صدقة الورق: «لا زكاة فيما زاد ... » بمثله. وعنه في «البدر المنير»: (5/ 561). وأخرج أبو يعلى الموصلي (557) عن علي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «عُفي لكم عن صدقة الخيل والرقيق ولكن هلموا صدقة الورق من كل أربعين درهمًا درهمًا، ولا يؤخذ منكم شيء حتى تكون مئتي درهم فإذا كانت مئتي درهم ففيها خمسة دراهم». (3) أخرجه عبدالرزاق: (4/ 5، 88). وأخرجه عن علي مرفوعًا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أبو داود (1572)، ومن طريقه البيهقي: (4/ 137). (4) أخرجه البخاري (239)، ومسلم (282).

(1/186)


ابن شهاب العنبري، عن أبيه: أنه سأل أبا هريرة عن سؤر الحوض، تَلِغُ فيه الكلاب، ويشرب منه الحمار؟ فقال أبو هريرة: لا يحرِّم الماءَ شيء (1). فلم يجعلوا فتوى [ق 59] أبي هريرة دليلًا على نَسْخِ الحديث الذي رواه ولا ضَعْفِه. وهذا بابٌ يطول تتبُّعه وجمعُه، وإنما نبَّهنا على اليسير منه. ومما يُقضى منه العجب: أنهم إذا رأوا الرواية عن صاحب من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو غيره بخلاف ما روى تُوافِقُ قولَ من قلَّدوه قالوا: ما كان ليترك ما روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا وهو عنده منسوخ، أو لأمرٍ اطلع عليه خفي علينا، وإلا قَدَح ذلك في عدالته وسقطت روايته رأسًا، ويَبطلُ جميعُ ما رواه. فإذا كانت الرواية عنه بفتواه بخلاف ما رَوى تُخالف قولَ من قلَّدوه، والحديث يوافق قوله قالوا: الحُجَّة فيما روى، ولعله نسي أو تأوَّل تأويلًا ظنَّه موجِبًا لترك ما رواه، وليس كذلك في نفس الأمر. وقد رأينا هذا وهذا في كثير من كلامهم، والميزان الراجح عندهم هو قول من قلدوه، فإن وافقه قول الراوي ورأيه، ذكروا تلك الطريق وسلكوها، وإن خالفه قول الراوي ورأيه سلكوا الطريق الأخرى، وقدَّموا النص. والذي يتعيَّن المصيرُ إليه، ولا يجوز العدول عنه هو قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصادق المصدوق، الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، فهو المعصوم من الخطأ، والنقلُ عنه بذلك نقلٌ مصدَّق عن قائل معصوم، _________ (1) أخرجه ابن أبي شيبة (1519) قال: حدثنا ابن عُلية به.

(1/187)


فيتعيَّن المصيرُ إليه، والنقلُ عن غيره ــ إن كان نقلًا مصدَّقًا ــ فعن قائل غير معصوم، ومن الممكن بل الواقع أن ينسى الراوي ــ صحابيًّا كان أو دونه ــ ما سمعه وشاهده من النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يحضره ذكره حين أفتى بخلافه، أو أن يتأول فيه تأويلًا لا يألو فيه عن الخير وقصد الحق، ويثيبه الله على ذلك، ويأْجُره عليه أجرًا واحدًا. وإذا كان هذا ممكنًا بل واقعًا، فلا حجَّة في قول أحدٍ خالفَ نصَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كائن من كان (1). وأيضًا: فمن أبطل الباطل أن يكون عند أحدهم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - سنة في قضيَّة ناسخة أو مُخصِّصة للعموم، ثم يروي للأمة المنسوخ والعام دائمًا، ولا يروي لهم الناسخ ولا المخصِّص ألبتة. هذا مما لا يُظَن بهم، ولا بمن هو دونهم ممن له لسان صِدْق في الأمة، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} [البقرة/ 159]. ومعلوم أن الناسخ والمخصِّص أحق بالهدى من المنسوخ والعام، فروايته وتبليغه للأمة أوجب وأفرض من رواية المنسوخ، وبالله التوفيق. فصل قالوا: نزلنا عن هذا المقام، وفرضنا أنا ساعدناكم ــ وحاشا لله ــ على تقديم رأي الراوي ومذهبه على ما رواه. فحديث الرفع في هذه المواطن لم يتفرَّد به مالك حتى تكون مخالفته له موجبة لعدم قبوله، فقد روى عن _________ (1) وانظر «إعلام الموقعين»: (4/ 407 - 408).

(1/188)


النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - جماعةٌ من [ق 60] الصحابة غير ابن عمر، كما تقدم، حتى لو لم يكن في الباب إلا حديث ابن عمر، فقد رواه عن ابن عمر سالم ابنه ونافع مولاه، ورواه عنهما غير مالك. قال البخاري (1): «ثنا علي بن عبد الله، ثنا سفيان، ثنا الزهري، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرفع يديه إذا كبر، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع، ولا يرفع بين السجدتين». فهذا السند ــ الذي (2) لو أفاق مجنونٌ بسندٍ صحيحٍ لأفاقَ به ــ لا ذِكْر لمالكٍ فيه ألبتة، فبِمَ تستجيزون مخالفته؟ وكلُّ رواته ثبت (3) عنهم الرفع في هذه المواطن والقول به، وصنف البخاري كتابه المشهور في رفع اليدين، وحكى عن شيخه علي بن عبد الله أنه قال: رفع الأيدي حقٌ على المسلمين، بما روى الزهري، عن سالم، عن أبيه (4). ومذهب ابن عيينة في ذلك أشهر؛ قال ابن عبدالبر (5) بعد أن ذكر رواية ابن وهب، وأبي المصعب، وسعيد بن أبي مريم، وأشهب، والوليد بن مسلم عن مالك: أنه كان يرفع يديه على حديث ابن عمر إلى أن مات= قال: وبهذا قال الأوزاعي، وسفيان بن عيينة، والشافعي، وجماعةُ أهل الحديث. _________ (1) «رفع اليدين» (ص 37). وانظر ما سلف (ص/12 - 15). (2) سقطت من (ف). (3) (ف): «رواية ثبتت» تحريف. (4) «رفع اليدين» (38). (5) «التمهيد»: (9/ 213).

(1/189)


وكذلك هو مذهب الزّهري. وأما سالم بن عبد الله؛ فحكى عنه البخاري الرفعَ في «كتابه» (1). وأما عبد الله بن عمر فقد صحَّت عنه الأسانيدُ التي لا مَطْعَن فيها ألبتة، بأنه كان يرفع يديه في هذه المواطن. ذكره البخاري عنه في «كتابه» (2)، وأحمد بن حنبل، وعبدالرزاق، وابن أبي شيبة، ووكيع، وسعيد بن منصور، ومحمد بن جرير الطبري، وابن عبد البر وغيرهم. وقد تقدم ذِكْر بعض ذلك (3). هؤلاء الأئمة الحُفَّاظ الأثبات كلٌّ منهم كان يرفع يديه بمقتضى هذا الحديث، وهم رواته. وقد روى هذا الحديث عن الزهري غير واحد، منهم: مالك، ويونس ابن يزيد، وسفيان بن عُيينة، وابن جُرَيج، ومَعْمر، وعُقيل بن خالد. فإن كان مخالفة مالك موجبًا لترك العمل به، فهلّا كان قول هؤلاء بموجبه موجبًا للعمل به! فتبين أنه لا عذر لكم ولا مُتعلَّق فيما رُوي عن مالك من إنكار الرفع بوجهٍ من الوجوه. _________ (1) (ص/31). (2) (ص/23). (3) (ص/26 - 38).

(1/190)


فصل * قالوا: وأما روايتكم عن ابن عمر (1): أنه لم يكن يرفع يديه إلا في أول مرة، فمن العجب أن تُردّ الروايات الصحيحة الثابتة عن ابن عمر من رواية سالم ابنه ونافع مولاه، وهما أعلم به، برواية شاذَّةٍ عنه من رواية أبي بكر بن عيَّاش، عن الليث بن سعد (2). قال الليث بن سعد: ثنا نافع أن عبد الله بن عمر كان إذا استقبل الصلاة رفع يديه، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع، وإذا قام من السجدتين كبر ورفع يديه. رواه البخاري عن عبد الله بن صالح عنه. وقد تقدم (3) قول ابن جريج عن الحسن بن مسلم: أنه سمع طاووسًا يسأل عن رفع اليدين في الصلاة فقال: رأيت عبد الله وعبد الله وعبد الله يرفعون أيديهم في الصلاة [ق 61] لعبدالله بن عمر، وعبد الله بن عباس، _________ (1) زاد في (ف): «من رواية سالم»! ولا وجود لها في الأصل. (2) كذا النص في الأصل، وفي (ف) أسقط «الليث بن سعد» وفي الكلام نقص، وقد سبق (ص/88 - 92) أن هذه الرواية الشاذة هي من رواية أبي بكر بن عياش، عن حُصين، عن مجاهد قال: ما رأيتُ ابنَ عمر رافعًا يديه في شيء من صلاته إلا في الاستفتاح. قال المؤلف: «فالصحيح عن ابن عمر خلاف ذلك، فقد روى مالك، عن نافع، عنه أنه كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه، وإذا رفع رأسه من الركوع. رواه البخاري عن إسماعيل بن أبي أويس عن مالك. ورواه عبيدالله، عن نافع، عنه أنه كان يرفع يديه إذا دخل في الصلاة، وإذا ركع وإذا قال: «سمع الله لمن حمده»، وإذا قام من الركعتين يرفعهما» وبه يكتمل النقص في النص. (3) (ص/31).

(1/191)


وعبد الله بن الزبير. ذكره البخاري أيضًا (1). وقال مُحارب بن دِثار: رأيت ابن عمر إذا افتتح الصلاة كبر ورفع يديه، وإذا أراد أن يركع رفع يديه، وإذا قال: «سمع الله لمن حمده» رفع يديه. ذكره البخاري عن أبي النعمان عن عبدالواحد بن زياد عنه. وقال عبيدالله عن نافع عن ابن عمر: أنه كبَّر ورفع يديه، وإذا ركع رفع يديه، وإذا قال: «سمع الله لمن حمده» رفع يديه. ذكره البخاري عن عيَّاش (2) ابن الوليد عن عبدالأعلى. وقال إبراهيم بن طهمان عن أبي الزبير: رأيتُ ابنَ عمر حين قام إلى الصلاة رفع يديه، حتى يحاذي أُذُنيه، وحين يرفع رأسه من الركوع واستوى قائمًا فعل مثل ذلك. رواه البخاري عن إبراهيم بن المنذر، عن مَعْن عنه (3). فهذا هو الثابت عن ابن عمر، فكيف تُقَدَّم عليه روايةٌ لا تثبت؟ قال البخاري (4): قال يحيى بن معين: حديث أبي بكر عن حصين إنماهو توهُّم منه لا أصل له. _________ (1) «كتاب الرفع» (ص/74). (2) مهملة النقط في الأصل، و (ف): «عباس». والتصويب من «كتاب الرفع» و «الصحيح» للبخاري. (3) الآثار الثلاثة في «كتاب الرفع» (ص/109 - 111). (4) «كتاب الرفع» (ص/55).

(1/192)


يعني حديث أبي بكر بن عياش، عن حُصين، عن مجاهد، عن ابن عمر: أنه لم يرفع يديه إلا في أول مرة. وحتى لو صحت هذه الرواية عن ابن عمر (1) كانت رواية من ذكرنا عنه أولى أن يؤخَذ بها لوجوه: أحدها: كثرة رواتها. والثاني: تميُّزهم بالحفظ والإتقان. والثالث: أنها متضمِّنة للإثبات فتُقَدَّم على النفي. قالوا: ولم يكن ابن عمر لِيَرْوي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئًا، ثم يعمل بخلافه مع تحرِّيه لاتِّباع سنته. وقد أعاذ الله ابنَ عمر من ذلك، فصحت الروايةُ عنه بالرفع من فعله. وصِحَّتُها عنه روايةً عن النبي - صلى الله عليه وسلم - يرفعُ هذه الرواية الشاذَّة الباطلة، هذا موجب العلم والعدل والظن بالصحابة، والله أعلم. فصل * وأما ما رويتم عن عمر (2): أنه لم يكن يرفع يديه في شيء من الصلاة إلا حين افتتح الصلاة، فحاشا لله أن يصح ذلك عن عمر. قال البخاري (3): ولم يثبت عند أهل العلم عن أحد من أصحاب النبي _________ (1) «أنه لم يرفع ... ابن عمر» سقط من (ف). (2) انظر ما سبق (ص/83 - 86)، وما سيأتي (201 - 203). (3) «الرفع» (ص/31).

(1/193)


- صلى الله عليه وسلم - أنه لم يرفع يديه. قال البخاري: وقال الحسن وحُميد بن هلال: كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرفعون أيديهم، فلم يستثن أحدًا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - دون أحد. والذي رُوي عن عمر فهو من رواية حَسَن بن عياش. قال عثمان الدارمي: ليس في الحديث بذاك. والرواية الأخرى عن عمر بترك الرفع هي أيضًا من رواية أبي بكر بن عياش أخي حسن. قال عثمان الدارمي أيضًا: ليس في الحديث بذاك، ذكره الحافظ أبو الحجَّاج المِزِّي عنه في «تهذيبه» (1). وقد قال أبو النضر: ثنا شعبة عن الحكم بن عُتيبة (2) قال: رأيت طاووسًا يرفع يديه في الصلاة إذا افتتحها، وإذا كبَّر للركوع، وعند رفع رأسه من الركوع، فسألته عن ذلك، فقال: رأيتُ ابنَ عمر يفعله، وذكر أن أباه كان [ق 62] يفعله، وذكر عمر أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فَعَله. رواه الحاكم وقال: تابعه عليُّ بن الجعد، وعمَّار بن عبدالجبار، والحكم بن أسلم الحَجَبي، عن شعبة. وأما غندر فرواه عن شعبة، ولم يذكر عمر. قال الحاكم: والحديثان محفوظان (3). _________ (1) (8/ 258). (2) الأصل و (ف): «عيينة» تحريف، وسيأتي على الصواب بعد صفحات. (3) سبق الحديث وكلام الحاكم فيه (ص/10).

(1/194)


ولا ريب أن هذه الرواية أصح عن عمر، وأولى من رواية أبي بكر بن عيَّاش وأخيه، ولو تعارضا من كلّ وجه لكانت رواية الإثبات مقدَّمة على رواية النفي. وأما قول أبي بكر بن عيَّاش: ما رأيتُ فقيهًا قطّ يرفع يديه (1). فيقال: غاية هذا أنه لم ير هو أحدًا من الفقهاء يرفع يديه، وهذا يدلُّ على أنه ما صلى خلف أكبر الفقهاء، أفترى أصحابَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليسوا فقهاء؟! وقد قال الحسن وحُميد: كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرفعون أيديهم (2). قال البخاري (3): «وممن كان يرفع يديه عند الركوع أبو قَتادة الأنصاري، وأبو أُسيد الساعدي البدري، ومحمد بن مَسلمة، وسهل بن سعد الساعدي، وأم الدرداء، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن عباس بن عبدالمطلب، وأنس بن مالك خادم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأبو هريرة الدَّوسي، وعبد الله بن عَمرو بن العاص، وعبد الله بن الزبير بن العوام القرشي، ووائل بن حُجْر الحضرمي، ومالك بن الحُويرث، وأبو موسى الأشعري، وأبو حُميد الساعدي الأنصاري». أفترى هؤلاء ليسوا فقهاء؟ فليس فيهم فقيه؟ هذا من أبطل الباطل (4)! _________ (1) ذكره الطحاوي في «شرح المعاني»: (1/ 228). وسبق (ص/143). (2) سبق من كلام البخاري قريبًا. (3) «كتاب الرفع» (ص/22 - 23). (4) هذا السطر ليس واضحًا في الأصل. وتركه في (ف) بياضًا، ثم أُكمل بخط مغاير.

(1/195)


وقد حكى البخاري (1) الرفعَ عن: «سعيد بن جُبير، وعطاء (2) بن أبي رَباح، ومجاهد بن جَبْر، والقاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وعمر بن عبد العزيز، والنعمان بن أبي عياش، والحسن البصري (3)، ومحمد بن سيرين، وطاووس بن كيسان اليماني (4)، ومكحول، وعبد الله بن دينار، ونافع مولى ابن عمر، وعبيدالله بن عمر، والحسن بن مسلم، وقيس بن سَعْد. وقد كان ابن المبارك يرفع يديه، وكذلك عامة أصحاب ابن المبارك؛ منهم: علي بن الحسن، وعبد الله بن عثمان، ويحيى بن يحيى، ومحدِّثو أهل بخارى؛ منهم: عيسى بن موسى، وكعب بن سعيد، ومحمد بن سلام، وعبد الله بن محمد المُسْندي، وعدة ممن لا يُحصى، لا اختلاف بين من وصفنا من أهل العلم. وكان عبد الله بن الزبير، وعلي بن عبد الله، ويحيى بن معين، وأحمد ابن حنبل، وإسحاق بن إبراهيم يثبتون عامة هذه الأحاديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويرونها حقًّا، وهؤلاء أهل العلم من أهل زمانهم». انتهى. وروي ذلك عن عبد الرحمن بن سابط، وقتادة، وابن أبي نَجيح، وعَمرو ابن دينار، ومعتمر بن سليمان، ويحيى القطان، وعبدالرحمن بن مهدي، _________ (1) «كتاب الرفع» (ص/31 - 33). (2) (ف): «سالم» تحريف. (3) مطموسة في الأصل. (4) الأصل و (ف): «اليمامي» تحريف!

(1/196)


وإسماعيل بن عُلية، والليث بن سعد، والأوزاعي، وجرير بن عبدالحميد، وابن وهب، وأحمد بن حنبل، والشافعي [ق 63]، وأبي ثور، والبخاري ومسلم، وأبي داود، والنسائي، وجماعة أهل الحديث، ومحمد (1) بن نصر المروزي، ومحمد بن جرير الطبري، وابن المنذر، وابن عبد الله بن عبد الحكم، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني، ويزيد بن [هرون]، وخلائق من أهل العلم لا يحصون من المتقدمين والمتأخرين. وهؤلاء أئمة الفقه والحديث. وإبراهيمُ النخعي إنما شاهد فقهاء الكوفة [وهم] (2) لم يرفعوا أيديهم، ولا ريب أن أهل الكوفة انفردوا عن سائر الأمصار بترك الرفع. قال محمد بن نصر المروزي في كتابه الكبير: لا نعلم مِصرًا من الأمصار ينسبُ إلى أهله العلم قديمًا تركوا بأجمعهم رفع اليدين في الصلاة عند الخفض والرفع إلا أهل الكوفة (3). وأما أهل المدينة، وأهل مكة، وأهل الشام، وأهل البصرة، وأهل اليمن، وأهل خراسان، وأهل العراق، فعلى الرفع كما حكاه البخاري (4)، إلا الرواية التي انفرد بها ابن القاسم عن مالك، وخالفه الأكثرون عن مالك. _________ (1) مطموسة في الأصل و (ف): أحمد. وسيأتي النقل عن محمد بن نصر بعد قليل. (2) غيرواضحة بالأصل، و (ف): «قولهم»، ولعل الأقرب ما أثبت. (3) نقله في «التمهيد»: (9/ 213). وسلف (ص/144). (4) (ص/31).

(1/197)


ولا ريب أنا إذا قِسْنا هذه الأمصار بالكوفة، وفقهاءَها بفقهائها كثرةً وعلمًا وحديثًا، كان أتباع أهل هذه الأمصار أولى، لو لم يكن من جانبهم إلا الترجيح بذلك، كيف ومعهم من الصحابة من سمّينا؟! ويا لله العجب! هلّا كان الشعبي أعلم الناس بالسُّنة في أكثر من مائة مسألة لقوَّته فيها، وكثير منها يكون الحديث فيها من جانبه، فلم يكن هناك أعلم الناس بسنةٍ ماضية لأنه قد خالفكم، وكان هنا لموافقتكم في هذه المسألة أعلم الناس بالسنة، فالعيار إنما هو موافقتكم ومخالفتكم، فمن وافقكم فهو أعلم الناس، ومن خالفكم (1) نزل عن هذه الرتبة! وهلَّا كان سفيان الثوري أمير المؤمنين في الحديث في فتاويه وأقواله التي خالفكم فيها! وقد بيَّنَّا بعضَ خلافكم لابن مسعود فيما تقدم (2) فضلًا عن أصحابه، فهلَّا كان ابن مسعود (3) في تلك المسائل أفقه الناس صاحبًا! وأما قولكم: إنه نزل بالكوفة أربعمائة من الصحابة، فهذا من حُجج منازعيكم عليكم، فإنه لم يُحفظ عن أحدٍ منهم ترك الرفع إلا ابن مسعود (4) وحده، ولو كانوا كلهم على ترك الرفع لنُقِل ذلك عنهم ولو نَقْل _________ (1) سقطت من (ف). (2) (ص/60 - 83). (3) «فيما ... ابن مسعود» سقط من (ف). (4) زاد في (ف): «فقط»!

(1/198)


آحادٍ، فحيث لم يُنقل عن أحد منهم ألبتة ــ سوى ابن مسعود ــ لا بإسنادٍ صحيح ولا ضعيف، ولا متصل ولا منقطع تَرْكُ الرفع مع مشاهدة أهل المصر لهم في الصلوات الخمس كل يوم وليلة، والمنقول عنهم خلافه كما بيناه= عُلِم انفراد ابن مسعود بترك الرفع. وأنتم فخلافكم لابن مسعود لا يُنكَر حيث لا يُعلَم له مخالف من الصحابة، فكيف ومخالفوه من الصحابة في هذه المسألة أكثر وأشهر؟! فلو كان الرفع منسوخًا، أو ليس من السنة لَمَا خَفِي على هؤلاء الأعلام وسادات الإسلام، الذين عنهم تُلقِّيَ الدين، وهم الوسائط بين الأمة ونبيها - صلى الله عليه وسلم -، وهم كانوا أحرصَ على اتباعه وتبليغ [ق 64] ما جاء به من المقلّدين على نُصْرة أئمتهم والذب عن أقوالهم، والله المستعان.

(1/199)


فصل * وأما ردُّكم لحديث الصدّيق (1): بأنه لو كان صحيحًا لكان في السنن والمساند والصحاح، وكانت شهرته فوق شهرة غيره من الأحاديث. فيقال: من العجائب ردّكم لهذا الحديث الصحيح بمثل هذا الكلام الذي لا حاصل له، واحتجاجكم بالمقطوعات والمراسيل التي بين الراوي وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها مفاوز تنقطع فيها الأعناق! وقد يكون بين المرسِل وبين النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فيها أربعة أوخمسة أو أكثر، لا يُدْرَى من هم ولا تُعرف أحوالهم ألبتة (2). حتى لو أرسل مشايخ بَلْخ وخراسان وما وراء النهر الحديثَ لقلتم: هذا مرسل، والمرسل حُجّة في أصل قولنا! ثم تجيئون إلى حديث متصل الإسناد مثل الشمس، تطعنون فيه بأنه ليس في السنن والمسانيد المعروفة، وإذا جاءت تلك المراسيل التي لا تُعرف في شيء من كتب الحديث ألبتة، ولا يَعرفها أحدٌ من المحدِّثين، وليس في الدنيا لها إسناد يُعرف= لم يضرَّها أن لا تكون في المسانيد والسنن والصحاح، ولا تُحيل طِباع أهل العلم نقلها وضبطها. _________ (1) تقدم (ص/8 - 9، 146). (2) قال السرخسي في «المبسوط»: (27/ 261): «والمراسيل حجة عندنا كالمسانيد أو أقوى من المسانيد؛ لأن الراوي إذا سمع الحديث من واحد لا يشق عليه حفظ اسمه فيرويه مسندًا وإذا سمعه من جماعة يشق عليه حفظ الرواية فيرسل الحديث!».

(1/200)


ثم هذا الحديث قد ذكره الإمام أحمد، وذكره الحاكم، وذكره عبدالرزاق، وغير هؤلاء. وعُذر من لم يذكره الاستغناءُ عنه بما هو أوضح دلالةً وأقرب تناولًا وأشهر رواةً، ولا يجب على المصنّف أن يستوعب جميعَ أحاديث الباب. فصل * وأما ردّكم لحديث عمر بن الخطاب بأن الثابتَ عن عمر ما رواه الأسودُ عنه، قال: صليت مع عمر فلم يرفع يديه إلا في الاستفتاح (1). فقد تقدم قولُ البخاري: إنه لا يصحّ عن أحد من الصحابة ترك الرفع (2)، وتقدَّمت الروايةُ الصحيحة عن عمر بالرفع (3). فإن تقاومت الروايات (4) عنه تساقطتا، وكان الأخذُ بما رواه متعينًا، وإن كانت رواية الرفع عنه أصحَّ إسنادًا فالأمر أظهر، وإن كانت رواية ترك الرفع عنه أصح إسنادًا كان غايتها أن يكون عَمِل خلاف ما رواه. وقد تقدم من أصولكم وأصول كافة الفقهاء: أن الرجوع إلى الرواية أولى من الرجوع إلى فتوى الراوي، ويتعيّنُ الرُّجوع إلى الرواية ههنا. ولو قلنا: الأخذ بما رآه وأفتى به؛ لأن غاية ما حكاه الأسودُ عنه فِعل لا _________ (1) تقدم (ص/146 - 147، والرد عليهم 84 - 86، 193 - 195). (2) انظر (ص/91). (3) (ص/10) والحاشية رقم (1). (4) كذا، ولعل الصواب: «الروايتان».

(1/201)


فتوى، فلعله شاهَده في تلك الصلاة لم يرفع يديه لعذر، أو لنسيان وذهول، أو لبيان أن الرفع ليس بفرض، بل يجوز تركه، فقد كان عمر رضي الله عنه حريصًا ألّا تلتبس الفرائض بالمستحبَّات، وقد كان يترك التضحية خشية أن يظن الناس وجوبَها (1). وإذا احتمل فعلُه هذه الوجوه فكيف يُقدَّم على الأحاديث الصحيحة الصريحة في الرفع! وهل هذا إلا عدولٌ عن موجب الدليل إلى ما ليس بدليل؟ ومن العجب العُجاب [ق 65] ردّكم لحديثه أيضًا بأن أعلم الناس بشعبة ــ وهو غُنْدَر ــ رواه عن الحكم بن عُتيبة (2)، عن طاووس، عن ابن عمر، عن عمر: أنه كان يرفع يديه إذا كبر وإذا ركع وإذا رفع رأسَه من الركوع. لم يُجاوز به عمر. يعني أنه موقوف عليه (3). فيا لله العجب! أين هذا من قولكم: إن الثابت عن عمر ترك الرفع، وكان عذركم (4) أنكم رددتم المرفوع عنه بالموقوف عليه، ثم رددتم الموقوف عليه بالرواية الأخرى التي تخالفه. وهكذا رأينا المنتصرين منكم لعدم الرفع قد فعل. فهلّا رددتم رواية الترك برواية الرفع، ثم وفَّقتم _________ (1) أخرج عبدالرزاق: (4/ 381)، والطحاوي في «شرح المعاني»: (4/ 174)، والبيهقي: (9/ 265) من حديث أبي سَريحة الغفاري قال: أدركت أبا بكر وعمر لا يضحيان. وفي رواية: كراهة أن يُقتدى بهما. (2) مهملة النقط في الأصل، و (ف): «عيينة» تحريف. (3) انظر (ص/194). (4) (ف): «عندكم» خطأ.

(1/202)


بين الموقوف والمرفوع، وقلتم: رواه وعَمِل به فالأمران ثابتان. أو هلّا قلتم: لا تنافيَ بين شيءٍ من هذه الروايات عن عمر؛ فرواية الترك بيانًا منه أن الرفع سنة وليس بحتم، ورواية الفعل دالة على الاستحباب، وروايته له عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إخبارًا عما شاهده كما شاهده ابنه ومن معه من الصحابة، وتصادقت الروايات كلها عن عمر، ولم يُضرَب بعضُها ببعض. فأيُّ الطريقين أَلْيَقُ بالعلم؟ فالتوفيق بين الروايات ونفي التعارض عنها والعمل بها كلها، والله الموفق. فصل * وأما ردُّكم لحديث علي بن أبي طالب بعبد الرحمن بن أبي الزِّناد، وتضعيفكم له بما ذكرتم (1)، فلا ريب أن الرجل من علماء أهل المدينة وفقهائهم، وكان مالك بن أنس ــ وحَسْبك به ــ يدلّ عليه ويرشد إليه. قال سعيد بن أبي مريم، عن خاله موسى بن سلمة: قَدِمت المدينة فأتيتُ مالكَ بن أنس فقلت: إني قدمت لأسمع العلم، وأسمعُ ممن تأمرني به. فقال: عليك بابن أبي الزناد. وقال أبو داود عن يحيى بن معين: أثبتُ الناس في هشامِ بن عروة عبدُ الرحمن بن أبي الزِّناد. وقال يعقوب بن شيبة: ثقة صدوق، في حديثه ضعف. _________ (1) انظر (ص/147). وانظر الأقوال فيه في «تهذيب الكمال»: (4/ 400).

(1/203)


وقد استشهد به البخاري في «صحيحه» (1) , وروى له مسلم في مقدمة كتابه (2)، وقد ضعّفه يحيى بن معين، وأبو زُرعة، وأبو حاتم الرازيان، والصواب في أمره القول الثالث، وهو التفصيل. قال عبد الله بن علي بن المديني، عن أبيه: ما حدَّث في المدينة فهو صحيح، وما حدَّث ببغداد أفسده عليه البغداديون. وقال يعقوب بن شيبة: سمعت عليَّ بن المديني يقول: حديثه في المدينة مقارَب، وما حدَّث به في العراق فهو مضطرب. وقال عَمْرو بن علي: فيه ضعف، ما حدَّث بالمدينة أصحّ مما حدّث ببغداد. وقال زكريا بن يحيى الساجي: فيه ضعف، وما حدَّث بالمدينة أصحّ مما حدّث ببغداد. وعلى طريقة هؤلاء فيه يَجِبُ أن يكون حديثه هذا مقبولًا، وأقلّ درجاته أن يكون حسنًا، بل في أعلى رتب الحسن؛ لأنه من رواية أهل المدينة عنه. قال ابن وهب: أخبرني عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن موسى بن عُقْبة، عن عبد الله بن الفضل، عن عبد الرحمن الأعرج، عن عبيدالله بن أبي رافع، عن علي بن أبي طالب، فذكره (3). _________ (1) رقم (1173) وغيرها. (2) (1/ 15). (3) تقدم (ص/11 - 12).

(1/204)


وقال البخاري (1): ثنا إسماعيل بن أبي أويس، ثنا عبد الرحمن بن أبي الزِّناد، عن موسى بن عُقْبة، فذكره. وأما معارضة هذا الحديث بحديث أبي بكر النهشلي، عن عاصم ابن كُليب، عن أبيه، عن علي: أنه كان يرفع يديه في أول تكبيرةٍ من الصلاة ثم لا يرفع بعدُ (2). فيا سبحان الله! ما الذي جعل أبا بكر النّهشليّ أولى بقبول حديثه من عبد الرحمن بن أبي الزناد؟ ومعلوم عند كلِّ من له علم بالحديث فضل ما بين النَّهْشلي وعبدالرحمن بن أبي الزناد في العلم والحفظ والفضل، وإنما أُنْكِر على ابن أبي الزناد بعضُ حديثه بالعراق لوهمٍ وقع فيه، وأبو بكر النّهشليّ فمعروف أيضًا بالوهم. قال أبو حاتم بن حبّان (3): كان شيخًا صالحًا لكن غلب عليه التقشُّف حتى صار يَهِم وهو لا يعلم، فبطل الاحتجاج به. وأما قول الذهبي: إنه رجل صالح يتكلَّم فيه ابن حبان بلا وجه (4)؛ _________ (1) «رفع اليدين» (ص/22). (2) تقدم تخريجه والجواب عنه (ص/86 - 87). ووقع في (ف): «ثم لايعد». (3) «المجروحين»: (3/ 145). ونص عبارته: «كان شيخًا صالحًا فاضلًا، غلبَ عليه التقشُّف حتى صار يَهِم ولا يعلم، ويخطئ ولايفهم، فبطل الاحتجاج به وإن كان ظاهره الصلاح». (4) تكلم فيه الذهبي في عدد من كتبه، «السير»: (7/ 333)، و «تاريخ الإسلام»: (4/ 556 - 557 - بشار)، و «الميزان»: (6/ 170)، وأقربها إلى ما ذكره المؤلف ما في كتابه «من تكلم فيه وهو موثق» (رقم 398) قال: «صالح الحديث، تكلم فيه ابن حبان». و «المغني»: (2/ 773) قال: «صدوق، تكلم فيه ابن حبان».

(1/205)


فشهادةٌ على نفيٍ لا علمَ له به، قد عَلِمَه ابن حبان وعرَّف به، وهو أنه يهم ولا يعلم. ولا ريب أن من كان يكثر منه الوهم وهو لا يعلم لم يحتج بحديثه، وأما إذا قلَّ وهمه لم يسقط حديثه. وبالجملة فالنَّهشليّ إن لم يكن دون عبد الرحمن بن أبي الزناد فليس فوقه، فما الذي جعله أولى بالقبول منه؟ هذا مع أن كليبًا والد عاصم بن كُليب ليس من المعروفين المشهورين. قال الحافظ أبو الحجاج المِزِّي في «تهذيبه» (1): «قال النسائي فيما قرأت بخطِّه: كليبٌ هذا لا يعلم أن أحدًا روى عنه غير ابنه عاصم بن كُليب، وغير إبراهيم بن مهاجر، وإبراهيم بن مهاجر ليس بقوي في الحديث». ولا ريب أن الجهالة المطلقة لا ترتفع عن الراوي إلا برواية ثقتين فصاعدا عنه (2)، ولم يحصل ذلك في حقّ كُليب، فكيف يُقدَّم حديثه على حديث عبد الرحمن بن أبي الزناد؟ قالوا: سلَّمنا صِحَّته، فغايته أن يتضمَّن فعل عليٍّ لما روى خلافَه، والعذرُ عنه كما تقدَّم العذر عمّا رُوي عن عمر بن الخطاب سواء بسواء، والله أعلم. _________ (1) (6/ 175). (2) هذا في حق من لم يوجد فيه جرح ولا تعديل، أما من تكلم فيه النقاد فقد ارتفعت جهالة حاله. انظر «ضوابط الجرح والتعديل»: (ص 105) لشيخنا عبدالعزيز العبداللطيف، و «الكفاية» (ص 93).

(1/206)


وإذا عُرِف هذا فيقال: حديث ابن أبي الزناد هذا قد دلّ على أن حديث أبي بكر النّهشلي على أحد وجهين: إما أن يكون في نفسه سقيمًا أو يكون عليٌّ تَرَك الرفعَ في بعض الأحيان لعذر أو لسهو ونسيان، أو لبيان الجواز. وهذا أولى من ردِّ روايته عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بالترك المجمل، وهذا مما لا يشكّ فيه منصف. وحاشا لله أن يُظن بعليٍّ أن يروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - سنةً قد شاهدها هو وغيره، ثم يتركها ويستمرّ على تركها رغبةً عنها وكراهة لها. هذا مما لا يُظنّ بمن هو دون علي رضي الله عنه بكثير فكيف به! فحديث أبي بكر النّهشلي إذا صحّ ففيه الحجة على من يرى الرفع فرضًا في الصلاة مع إمكان منعه للاحتجاج به عليه، إذ الحجةُ عندَه في روايته، لا في رأيه ومذهبه. فصل * وأما ردّكم لحديث مالك بن الحُوَيرث باضطرابه (1)، فقد برَّأه الله من الاضطراب، ورميه بالاضطراب من باب بَغْي البريء العَنَتَ (2)، ومِن تَكَلُّف ردِّ السُّنن نُصْرةً لآراء الرجال. _________ (1) تقدم تخريجه (ص/15)، ودعواهم الاضطراب (ص/148 - 149). (2) أي من باب اتهام البريء بالخطأ، وطلب العيب له. انظر «النهاية في غريب الحديث»: (3/ 306).

(1/207)


فيا سبحان الله! أيُّ اضطرابٍ وتناقض بين قوله: «حتى يحاذي بهما أُذنيه»، وقوله: «فروع أُذنيه»؟ أفترى إذا حاذى فروع الأذنين لم يصحّ أن يقال: حاذى الأذنين! وكذلك قوله: «قريبًا من أُذُنيه»، وقوله في اللفظ الآخر: «حَذْو مَنْكِبيه»، أراد به أن يكون أسافل اليدين حذو المنكبين، ورؤوس الأصابع حذو فروع الأذنين، فأيُّ اضطراب واختلاف في هذا غير مخالفته لقولكم؟ ولو ساغ لأحدٍ ردّ السُّنن بمثل هذا التوهُّم الباطل لأفلس العلماء من كثير من السنن التي عليها مدار الدين، والله المستعان. قالوا: وأما قولكم: لعل مالك بن الحويرث رآه مرةً أو مرتين، فكيف يُقدَّم على حديث من لعله قد صلى معه عشرين ألف صلاة (1)؟! فهذا لو انفرد به مالك بن الحويرث لم يسغ ردّه بمثل هذا، فإن روايته تضمنت زيادة على ما رواه غيره، فكيف وقد رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من تقدم ذكرهم. قالوا: وهلَّا رددتم حديثَ وضع الأيدي على الرُّكَب، مع أنه حديث فَرْد بحديث ابن مسعود وقلتم: لعله قد صلى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشرين ألف صلاة؟ وأيضًا: فعبدالله بن عمر قد صلى معه نحو هذه الصلوات، فهلَّا كانت صلاته معه كذلك وطول صحبته له موجبةً لقبول روايته عنه - صلى الله عليه وسلم -، مع تضمّنها زيادةَ إثباتٍ خفيت على ابن مسعود؟ _________ (1) انظر (ص/149).

(1/208)


فإن قيل: عبد الله بن عمر كان صغيرًا في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومثله لم يكن يقوم في الصف الأول بحيث يشاهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأما ابن مسعود فكان رجلًا كبيرًا مقامه في الصف حيث يقوم الرجال البالغون. قالوا: فالجواب أن نقول: الحمد لله الذي عافانا من ردِّ سنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالقدح في أصحابه، وأنهم رووا ما لم يضبطوه أو لم يشاهدوه، ولا علم لهم به! قال الإمام محمد بن إسماعيل البخاري (1): «والعجب أن يقول أحدهم: كان ابن عمر صغيرًا في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال: ولقد شَهِد النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لابن عمر بالصلاح. حدثنا يحيى بن سليمان، ثنا ابن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب، عن سالم [بن] (2) عبد الله، عن أبيه، عن حفصة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن عبد الله بن عمر رجلٌ صالح». حدثنا عليّ بن عبد الله، ثنا سفيان قال: قال عَمرو: قال ابن عمر: إني لأذكر حين [ق 68] أسلم عمر، فقالوا (3): صَبَأ عمر، فجاء العاصُ بن وائل فقال: صبأ عمر فَمَهْ، فأنا له جارٌ، فتركوه. قال سعيد بن المسيّب: لو شهدتُ لأحدٍ أنه من أهل الجنة لشهدت لابن عمر. _________ (1) «رفع اليدين» (ص/98 - فما بعدها). (2) الأصل وفرعه «عن» والتصحيح من كتاب البخاري. (3) الأصل: «فقال»، والمثبت من كتاب الرفع، و «صحيح البخاري» كتاب فضائل الصحابة، باب إسلام عمر رضي الله عنه.

(1/209)


وقال جابر بن عبد الله: لم يكن أحدٌ منهم ألْزَمَ لطريق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا أَتْبعَ من ابنِ عمر». انتهى كلام البخاري. قالوا: فعبدالله بن عمر من المهاجرين الأوَّلين، أسلم قديمًا مع أبيه، وهاجر معه، وقدّمه أمامه (1) في ثَقَله (2)، فمِنْ هاهنا قيل: هاجر قبل أبيه. وشهد الخندق وما بعدها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وقد قال الزّهري: لا نَعْدِل برأي ابن عمر، فإنه أقام بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ستين سنة فلَمْ يخفَ عليه شيءٌ من أمره ولا من أمر أصحابه (3). قال ابن عبدالبر (4): وقد قيل: إن إسلامه كان قبل إسلام أبيه، ولا يصح، وكان عبد الله بن عمر ينكر ذلك. وأصحّ من ذلك قولهم: إن هجرته كانت قبل هجرة أبيه. قال سفيان بن عُيينة (5)، عن ابن أبي نَجيح، عن مجاهد: أدرك ابن عمر _________ (1) الأصل: «أمه» وأصلحها في (ف). (2) الثَّقَل ــ بفتح الثاء والقاف ــ ما يحمله المسافر من متاع وغيره. وفي ذلك حديث عن ابن عمر قال: لعن الله من يزعم أني هاجرت قبل أبي إنما قدمني في ثَقَله. قال الهيثمي في «المجمع»: (6/ 78): رواه الطبراني وفيه جابر الجعفي وهو ضعيف. (3) أخرجه الحاكم: (3/ 559)، ومن طريقه ابن عساكر في «تاريخه»: (31/ 164). (4) في «الاستيعاب»: (2/ 334 - 335). والأخبار الآتية نقلها المؤلف منه. (5) في الأصل و (ف) زيادة: «عن أبيه» وهي مقحمة، إذ لا وجود لها في مصادر الأثر، وابن عيينة يروي عن ابن أبي نجيح ليس بينهما واسطة.

(1/210)


الفتحَ وهو ابن عشرين سنة (1). وقال ميمون بن مِهْران: ما رأيت أورع من ابن عمر، ولا أعلم من ابن عباس (2). قال مالك بن أنس: بلغ ابن عمر ستًّا وثمانين سنة، وأفتى في الإسلام ستين سنة ونَشَر نافعٌ عنه علمًا جمًّا (3). وبالجملة فرَدُّ السنة الثابتة التي لا مَطْعن فيها لطاعن بهذا ونحوه ليس من فعل أهل العلم. قالوا: وقد اشتد إنكاركم لقول من قال: إن أنسًا كان صغيرًا حيث قال: صليتُ خلف النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر، فلم يكونوا يقرؤون: «بسم الله الرحمن الرحيم» في أول قراءة ولا في آخرها (4). وبالغتم في الردّ على من قال: كان أنس صغيرًا لا يضبط ذلك. واشتدّ إنكار أصحاب أبي حنيفة رحمه الله لقول من ردّ حديثه في _________ (1) أخرجه أحمد (4600) عن سفيان به. (2) أخرجه الدينوري في «المجالسة وجواهر العلم»: (6/ 225)، ومن طريقه ابن عساكر في «تاريخه»: (31/ 115). وجاء مثله عن طاووس أيضًا. أخرجه أحمد في «الزهد» (ص/192)، والبيهقي في «المدخل» (127). (3) ذكره في «الاستيعاب»: (2/ 335)، وفي «تهذيب الكمال»: (4/ 218) وفيه: «وافى في الإسلام» بدل «وأفتى». (4) أخرجه البخاري (734)، ومسلم (399).

(1/211)


إحرام النبي - صلى الله عليه وسلم - بالقِران (1)، بأنه كان صغيرًا، وقالوا: لا نظن بالصحابة ذلك، وهذا يتطرّق إلى إبطال السنن. فهلّا كِلْتم لأنفسكم ههنا بالصّاع الذي كِلْتم به لِمُنازِعيكم، وهل سمعتم أحدًا من أهل العلم ردّ روايات ابن عباس بصغره، وتأخُّر لقائه للنبي - صلى الله عليه وسلم -؟ فإنه إنما صَحِبه بعد الفتح. وأما أنس، وعبد الله بن عمر فاختصاصهما به وبصحبته فبالمكان الذي لا يجهله أهل العلم، والله المستعان. فصل * قالوا: وأما ردّكم لحديث وائل بن حُجْر (2)، بأن إبراهيم قد ضادّه بما ذكر عن ابن مسعود أنه لم يكن رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعل ما ذكر, وعبد الله أقدم صحبةً للنبي - صلى الله عليه وسلم - وأفهم بأفعاله من وائل؛ فمِن النَّمَط الأول أيضًا في ردّ السنن بغير موجب. وأعجب من هذا ما حكاه البخاري عن بعضهم: بأنه ردّ الحديثَ بأن قال: وائل مجهول. قال البخاري (3): «وطعن بعض مَن لا يعلم فقال: مَنْ وائل بن حُجْر؟ _________ (1) أخرجه البخاري (2986)، وأصله في مسلم (690). (2) تقدم تخريجه (ص/16). وكلامهم فيه (ص/150 - 152). (3) «رفع اليدين» (ص/101 - 107). والنص في مطبوعة كتاب البخاري «وطعن من لا يعلم في وائل بن حجر أن وائل بن حجر من أبناء ... » وفي الكلام نقص ظاهر. وهو على الصواب ــ كما نقله المصنف ــ في مخطوطة الظاهرية العتيقة (ق 23) من ... = = ... كتاب رفع اليدين، وقد سبقت الإشارة إلى أهميتها في المقدمة.

(1/212)


قال البخاري: ووائل بن حُجر مِن [ق 69] أبناء ملوك اليمن، وقَدِم على النبي - صلى الله عليه وسلم - فأكرمه وأقْطَع له أرضًا وبعث معه معاوية بن أبي سفيان. حدثنا حفص بن عمر، عن [جامع بن مطر، عن] (1) علقمة بن وائل، عن أبيه: أنّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أَقْطَع له أرضًا بحضرموت. قال البخاري: وقصّة وائل مشهورة عند أهل العلم، وما ذُكِر (2) في أمره وما أعطاه معروف بذهابه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - مرةً بعد مرة (3). قال البخاري: ولو ثبتَ عن ابن مسعود (4)، والبراء، وجابر، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - شيء لكان في عِلل هؤلاء الذين لا يعلمون أنهم يقولون: إنّ رؤساءنا لم يأخذوا بهذا، وليس هذا بمأخوذ، فما يزيدون الحديثَ إلا تعلُّلً (5) برأيهم، فقد قال وكيع: من طلب الحديث كما جاء فهو صاحب سنة، ومن طلب الحديث ليقوّي هواه، فهو صاحب بدعة. _________ (1) سقط من الأصل و (ف)، واستدركناه من كتاب البخاري (ص/103، 105) (ق 27، 28) وكذا في المعكوفات بعده. (2) «الرفع»: «وما ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم -». (3) انظر «التاريخ الكبير»: (8/ 175) للبخاري. (4) «ابن مسعود» سقط من (ف). (5) كذا في الأصل و (ف) ومخطوطة كتاب الرفع (ق 27) بدون ألف على اللام مع أن حقها النصب. وذلك سائغ على لغة ربيعة، وهم يحذفون التنوين من الألف ويقفون بتسكين الحرف الذي قبله. وقد نبّه غير واحد من العلماء على وقوع ذلك كثيرًا في كتب الحديث وكلام المحدثين، منهم النووي في «شرح مسلم»: (2/ 227)، وانظر «الرسالة» (فقرة 198، 243، 691، 1218 وغيرها) للشافعي بتعليق وشرح الشيخ أحمد شاكر.

(1/213)


قال البخاري: «يعني أن الإنسان ينبغي له أن يُلقي رأيه لحديث النبيّ - صلى الله عليه وسلم - حيث ثبت الحديث، ولا يعتلّ بعلل لا تصحّ ليقوّي هواه، وقد ذُكِر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «لا يؤمن أحدُكم حتى يكون هواه تَبَعًا لما جئتُ به» (1). وقد قال بعض أهل العلم: كان الأوَّل فالأول أعلم، وهؤلاء الآخر فالآخر عندهم أعلم! ولقد قال ابن المبارك: كنت أصلي إلى جانب النعمان، فرفعتُ يديّ، فقال لي: ما خشيتَ أن تطير؟ فقلت: إن لم أَطِر في الأولى لم أَطِر في الثانية (2). قال وكيع: رحمة الله على ابن المبارك، لقد كان حاضر الجواب، فتحيَّر الآخر». انتهى كلام البخاري. والمقصود أن وائل بن حُجر من مشاهير الصحابة باتفاق أهل العلم، والأمةُ كلها تلقّت رواياته بالقبول دون الردّ والدفع. ولوائل بن حُجْر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عِدّة سنن رواها أهل الصحاح والسنن والمساند، وتلقاها العلماء كلهم بالقبول، ولم يردّوا شيئًا منها. فمنها: ما رواه البخاري في «صحيحه» (3) عن علقمة بن وائل، عن أبيه قال: إني لقاعد مع النبيّ - صلى الله عليه وسلم - إذ جاء رجلٌ يقودُ آخر بنِسْعَة، فقال: يا رسول الله، هذا قتل أخي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أقتلتَه؟» فقال: إنه لو لم يعترف أقمتُ عليه البيِّنة، قال: نعم قتلتُه، قال: «كيف قتلتَه؟» قال: كنت أنا وهو _________ (1) أخرجه ابن أبي عاصم في «السنة» (15). (2) سبق هذا الخبر مع تخريجه (ص/134). (3) كذا نسبه المصنف هنا للبخاري، وفي كتابه «زاد المعاد»: (5/ 8)، و «إعلام الموقعين»: (6/ 499) نَسَبه لمسلم (1680) فقط، وهو الصواب، وانظر «تحفة الأشراف»: (9/ 86).

(1/214)


نَحْتطب (1) من شجرة، فسبَّني فأغضبني، فضربتُه بالفأس على قرنه، فقتلتُه. فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: «هل لك من شيء تؤدّيه عن نفسك؟» قال: ما لي مالٌ إلا كسائي وفأسي. قال: «فترى قومَك يشترونك؟» قال: أنا أهْوَن على قومي من ذاك، فرمى إليه بنِسْعتِه. وقال: «دونَك صاحبَك»، فانطلق به الرجل. فلمَّا ولَّى قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن قتلَه فهو مثلُه»، فرجع فقال: يا رسول الله! بلغني أنك قلتَ: «إن قتلَه فهو مثلُه» وأخَذْتُه بأمرِك، فقال [ق 70] رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أما تريدُ أن يَبوءَ بإثْمِك وإثم صاحبك؟» قال: يا نبيَّ الله ــ لعله قال ــ: بلى، قال: «فإنه كذلك». قال: فرمى بنِسْعَته وخلّى سبيلَه. وفي «مسند أحمد» (2) من حديث عبدالجبار بن وائل، عن أبيه قال: أُتيَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بدلو من ماء، فشرب منه، ثم مجَّ في الدَّلو، ثم صَبَّ في البئر، أو شَرِب من الدّلو، ثم مجّ في البئر، ففاح منها مثل ريح المِسْك. وفي «المسند» (3) عنه أيضًا: رأيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يسجد على أنفه مع جبهته. وسمعته يقول: «آمين» يمدّ بها صوته. _________ (1) كذا في الأصل و (ف) وفي بعض مصادر الحديث، وفي الصحيح «نختبط» وراجعتُ نسخة ابن خير من صحيح مسلم (ق 253) فوجدته كذلك، وهو كذلك في «إعلام الموقعين»: (6/ 499) للمصنف. (2) (18838). (3) (18840). وما بعده (18841).

(1/215)


وفي «صحيح مسلم» (1) عن وائل قال: سأل سَلَمةُ بن يزيد الجعفي رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا نبي الله! أرأيتَ إن قامت علينا أمراء يسألونا حقّهم ويمنعونا حقّنا، فما تأمرنا؟ فأعْرَض عنه، ثم سأله، فأعْرَض عنه، ثم سأله، فأعرض عنه، فجَذَبَه الأشعثُ بن قيس، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «اسمعوا وأطيعوا فإنما عليهم ما حُمِّلوا وعليكم ما حُمِّلتم». وفي «صحيح مسلم» (2) حديثه هذا الذي نحن فيه في صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم -. وفي «صحيح مسلم» (3) عنه: أن رجلًا يقال له: سُويد بن طارق سأل النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - عن الخَمْر، فنهاه عنها، قال: نصنعها للدواء؟ فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إنها داء وليست بدواء». وفي «المسند» (4) عنه: صلَّيتُ مع النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فقال رجل: «الحمد لله كثيرًا طيبًا مباركًا فيه»، فلما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَن القائل؟» فقال رجل: أنا يا رسول الله، وما أردت إلا الخير، فقال: «لقد فُتِحَت لها أبوابُ السماء فلم يُنَهْنِهْها دون العرش». _________ (1) (1846). (2) (401). (3) (1984) و (ق 300 - نسخة ابن خير). وفيه: «طارق بن سويد». وقد اختلف في اسمه على هذين الوجهين، انظر «إكمال تهذيب الكمال»: (7/ 44) لمغلطاي، و «الإصابة»: (3/ 508 - 509). (4) (18860).

(1/216)


وفي «صحيح مسلم» (1) عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تقولوا: الكَرْم ولكن قولوا: العِنب والحَبْلَة». وفي «صحيح مسلم» (2) أيضًا عنه قال: كنتُ عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأتاه رجلان يَخْتصمان في أرض. فقال أحدهما: إن هذا انْتَزى (3) على أرضي في الجاهلية ... فذكر الحديث. وفيه وفي «مسند أحمد» (4) عنه قال: اسْتُكرِهَت امرأةٌ على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدَرَأ عنها الحدّ، وأقامَه على الذي أصابَها، ولم يذكر أنه جَعَل لها مهرًا. وفي الترمذي (5) عنه: أن امرأة خرجت على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تريد الصلاة، فتلقّاها رجلٌ فتجَلَّلها فقضى حاجَته منها، فصاحت، فانطلق، [ومرَّ عليها رجلٌ فقالت: إن ذاك الرجل فعل بي كذا وكذا]، فمرّت بعصابةٍ من المهاجرين، فقالت: إن ذاك الرجل فعل بي كذا وكذا، فانطلقوا، فأخذوا الرجلَ الذي ظنَّت أنه وقع عليها، فأتوها به فقالت: نعم هو ذا، فأتوا به النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فلما أمَرَ به ليُرْجَم قام صاحبُها الذي وقع عليها، فقال: يا رسول الله أنا _________ (1) (2248). (2) (139). (3) في الأصل و (ف): «بزني» تحريف، وكتب فوقها ناسخ الأصل ميمًا صغيرة إشارةً إلى الشكّ فيها. (4) (18872). (5) (1454). وما بين المعكوفات منه.

(1/217)


صاحبها، فقال لها: «اذهبي فقد غفر الله لك»، [ق 71] وقال لها قولًا حسنًا، وقال للرجل [قولاً حسنًا، وقال للرجل] الذي وقع عليها: «ارجموه»، وقال: «لقد تاب توبةً لو تابها أهل المدينة لقُبِل منهم». قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح (1). وفي «المسند» (2) عن علقمة [بن] (3) وائل، عن أبيه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أَقْطَعَه أرضًا، قال: فأرسل معي معاوية: أن أعْطِها إياه، فقال لي معاوية: أرْدِفْني خلفك، فقلت: لا تكون من أرداف الملوك، فقال: أعطني نعلك، فقلتُ: انتعل ظلّ الناقة، فلما اسْتُخْلِف معاوية أتيتُه فأقعدني معه على السرير، فذكَّرني الحديث. قال: فوددت أني حملته بين يديّ. فهذه نبذةٌ من حال هذا الرجل الذي لا يُعرف، ورُدّت روايته عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بالوهم الباطل والخيال الفاسد! قالوا: وغاية ما ذُكِر عن ابن مسعود أنه فِعْل صحابيّ خالفه فيه جمهور الصحابة، وهذا ليس بحجّة باتفاق الناس، فكيف يسوغ ردّ السنة الصحيحة وتقديمه عليها؟ ولو ساغ ردّ كلّ سنة خالفها واحد من الصحابة لرُدّ من السنة شيء كثير، [فإنه] (4) قلّ أحدٌ من الصحابة ومن بعدهم إلا وقد خَفِي _________ (1) وفي بعض النسخ: «حسن غريب صحيح»، وفي أخرى «حسن غريب»، انظر «تحفة الأشراف»: (9/ 87). (2) (27239). (3) الأصل و (ف): «عن» خطأ، والتصحيح من مصادر الحديث. (4) طمس في الأصل، وبياض في (ف)، ولعله ما أثبت.

(1/218)


عليه بعضُ [أمر] (1) رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال أبو عمر بن عبد البر (2): «وما أعلم أحدًا من الصحابة إلا وقد شذّ عنه من علم الخاصة، والوارد بنقل الآحاد أشياء حفظها غيره، وذلك على مَن بعدهم أجْوَز، والإحاطة ممتنعة على كل أحد». قالوا: ولو فرضنا أن ابن مسعود روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لم يرفع يديه إلا في أول مرة لم يَسُغْ ردّ رواية من روى عنه - صلى الله عليه وسلم - إثبات الرفع ولو رآه مرةً واحدة، إذ كان عدلًا صادقًا مصدَّقًا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلا يسوغ ردّ ما شاهده وعاينه بكون غيره من الصحابة نفاه؛ لأن المُثْبِت مقدّم على النافي، فكيف وابن مسعود لم ينقل ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإنما ترك الرفعَ هو، وغيرُه من الصحابة فَعَله ونَقَله عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، والله أعلم. ثم من العجب ردّكم للأحاديث المتصلة المرفوعة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمرسل المنقطع الموقوف على الصحابي. فصل * قالوا: وأما ردّكم لحديث أبي هريرة (3) بأنه من رواية إسماعيل بن عياش، عن صالح بن كيسان، وهو من غير أهل بلده (4). _________ (1) طمس في الأصل، وكتب في (ف) لكنه بخط مغاير لخط الناسخ. (2) في كتاب «الاستذكار»: (1/ 23 - دارالكتب العلمية) وقد مضى النص (ص/65). (3) سبق تخريجه (ص/16 - 17). (4) انظر ما سبق (ص/153).

(1/219)


فجوابه: أنا لم نعتمد على حديثه بمجرّده حتى يلزمنا ما ذكرتم، بل العمدة على الأساطين التي لا تُغْمَز قناتُها ولا تُفَلّ شَبَاتُها، وهب أن رواية إسماعيل بن عيّاش لم تفد شيئًا ألبتة، فإن ذلك لا يضرّ الأحاديث الصحيحة شيئًا، كيف وإسماعيل بن عيَّاش من ثقات [ق 72] الشاميين والحُفَّاظ المكثرين الذين لكثرة روايتهم يقع الوهم في بعض حديثهم، ومثل هؤلاء إنما يُتَّقى من حديثهم ما انفردوا به أو خالفوا فيه الأثبات، فيورث ذلك توقُّفًا فيما تفرّدوا به أو خالفوا فيه من هو أثبت منهم، فإذا روى أحدُهم ما هو معروف غير منكر، وهو ثقة في نفسه، لم يَسُغ ردّ حديثه. ولا ريب أن إسماعيل بن عيَّاش لم يردّ أحدٌ من المحدِّثين حديثه كلّه، ولم يقبله كلّه، فالواجب نقدُ حديثه واعتبارُه. والذي يُخاف من هذا الحديث أن يكون وَهِمَ في رفعه، فقد رواه محمد بن إسحاق، عن عبد الرحمن الأعرج، عن أبي هريرة: «أنه كان إذا كَبّر رفعَ يديه، وإذا ركع (1)، وإذا رفع رأسَه من الرُّكوع»، رواه البخاري في كتاب «رفع اليدين» (2) عن محمد بن الصلت، ثنا أبو شهاب عبدُ ربه، عن ابن إسحاق. قال البخاري (3): «وثنا سليمان بن حَرْب، ثنا يزيد بن إبراهيم، عن _________ (1) الأصل و (ف): «وإذا كبر وإذا ركع .. » سهو. (2) (ص/60). وتابع أبا شهاب في الرواية عن ابن إسحاق إسماعيلُ بن علية. ذكره ابن عبدالبر في «التمهيد»: (9/ 217). (3) (ص/61).

(1/220)


قيس بن سَعْد، عن عطاء قال: صليتُ مع أبي هريرة رضي الله عنه فكان يرفع يديه إذا كبر وإذا ركع». قال البخاري (1): «ويُروى عن عمر بن الخطاب عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعن جابر بن عبد الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعن عُبيد بن عُمير، عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعن ابن عبّاس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن أبي موسى عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه كان يرفع يديه عند الركوع، وإذا رفع رأسه. قال البخاري: وفيما ذكرنا كفاية لمن يفهمه إن شاء الله تعالى». قالوا: [وإن] حاكمناكم إلى قواعدكم في أن الرفع زيادة يجب قبولها من الثقة= وجبَ عليكم قبول هذه الزيادة، وهي رفع حديث أبي هريرة من إسماعيل بن عيّاش، فإنه ثقة غير مدافَع، وقد صرّح بالسماع من صالح بن كيسان، فانتفت عنه تهمة التدليس. قال البخاري (2): «ثنا محمد بن مقاتل، ثنا عبد الله، ثنا إسماعيل، ثنا صالح بن كيسان، عن عبد الرحمن الأعرج، عن أبي هريرة، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرفع يديه حَذْو منكبيه: حين يكبر يفتتح الصلاة، وحين يركع». فإذا كان إسماعيل ثقة حافظًا وقد قال: «حدثنا» وجب قبول حديثه ما لم يمنع منه مانع. _________ (1) (ص/70 - 73). (2) (ص/114).

(1/221)


قالوا: وإن حاكمناكم إلى قواعد المحدِّثين أيضًا حكموا لنا عليكم؛ فإن هذا الحديث قد رُوي من وجهين مختلفين عن أبي هريرة، من فعله وروايته، وأحدهما يصدِّق الآخر؛ لأنه رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعَمِل به، وروى عنه عبد الرحمن الأعرج الأمرين معًا، فحفظَ صالحُ بن كيسان المرفوع، وحفظ محمد بن إسحاق الموقوف، فالحديثان محفوظان، ولم يقم ما يوجب إبطال إحدى الروايتين بالأخرى. قالوا: ويدلّ على أن للحديث أصلًا وأنه محفوظ: رواية الليث بن سعدٍ له [ق 73] عن يحيى بن أيوب، عن ابن جُرَيج، عن الزّهري، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، عن أبي هريرة أنه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كبَّر للصلاة جَعَل يديه حَذْو منكبيه، وإذا ركع فعل مثل ذلك، [وإذا رفع للسجود فعل مثل ذلك] وإذا قام من الركعتين فعل مثل ذلك (1). فهذا حديث صحيح على شرط مسلم، فقد احتجّ بيحيى بن أيوب، وقد رواه عن الزهري جماعة (2). _________ (1) أخرجه أبو داود (738) وما بين المعكوفين منه. وأخرجه ابن خزيمة (694) من طريق شعيب بن يحيى التجيبي عن يحيى بن أيوب به. أما حديث أبي هريرة في البخاري (789)، ومسلم (392) من طريق الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن به فهو في تكبيرات الانتقال وليس في رفع اليدين في الركوع والرفع منه. كما نبه عليه الحافظ ابن حجر في «النكت الظراف»: (10/ 428 - 429 - بهامش التحفة). (2) بعده بياض في الأصل وفرعه بمقدار سطرين ونصف. وانظر ما تقدم (ص 17 و «تهذيب السنن»: (1/ 375) للمصنف.

(1/222)


فصل * وأما ردُّكم لحديث أنس (1) بتضعيف عبد الوهاب الثقفي؛ فعَنَتٌ ظاهر، فإن عبد الوهاب أحد الأئمة الأعلام، وقد اتفق الجماعة على إخراج حديثه، روى له الستة. وهو يُقْرَن بجرير بن عبدالحميد، ومُعتمِر بن سليمان، وطبَقَتِهما. قال عبد الله بن أحمد: سمعت أبي يقول: عبد الوهاب الثقفي أثبت من عبدالأعلى الشامي، والثقفيّ أعْرف وأوثق عند أصحابه من عبد الأعلى (2). وقال الدارمي (3): سألت يحيى بن معين، قلت: فالثقفي؟ قال: ثقة. قلت: هو أحبّ إليك في أيوب أو عبدالوارث؟ قال: عبدالوارث، قلت: ما حال وُهيب في أيوب؟ قال: ثقة. قلت: هو أحبّ إليك أو الثقفيّ؟ قال: ثقة وثقة. وقال علي بن المديني: ليس في الدنيا كتاب عن يحيى أصح من كتاب عبد الوهاب، وكل كتاب عن يحيى فهو عليه كَلّ (4). يعني كتاب _________ (1) تقدم تخريجه (ص/18). وتقدم كلامهم عليه (ص/153 - 154). (2) في «العلل»: (1/ 381). ونقله ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل»: (6/ 71) وفيه: «عند أصحابنا». (3) في «تاريخه» (ص/54 - 55). (4) الأصل: «غلبه كل»! وعلى «كل» علامة، تعني الشك في الكلمة، وفي (ف) بعد أن كتبها غير محررة علق في الهامش عليها: «لعله: عيال».

(1/223)


عبد الوهاب (1). ولا يضره اختلاطه قبل موته كما قيل، فإنه روى هذا الحديث عن حُميد، وروايته عنه قديمة، فهو من أقدم شيوخه (2)، ولهذا خرَّج البخاريّ (3) حديثَه عن حُمَيد: «يا بني سَلِمة ألا تحتسبون آثاركم». والذي يُخاف من هذا الحديث أن لا يكون رَفْعُه محفوظًا؛ إذ قد رواه الثقات الأثبات عن أنس موقوفًا عليه، فمَن قدّم الرفعَ كأنه زيادة من الثقة فلا إشكال، ومن قدَّم الوقف ههنا لكثرة الواقفين وتميّزهم بالحفظ والإتقان كان غايته أن يكون موقوفًا على أنس. وابنُ خُزيمة وغيره يصَحّحه مرفوعًا، والدارقطنيُّ يصحِّحه موقوفًا (4). فإن كانا محفوظَين فالحجة قائمة به، وإن كان المحفوظ الموقوف لم يزدنا الاستشهادُ به إلا قوَّة وتثبيتًا، ويكون العمدة على غيره لا عليه وحده. _________ (1) ذكره البسوي في «المعرفة والتاريخ»: (1/ 650). (2) كذا. وإنما البحث في تلاميذ عبد الوهاب، من منهم سمع منه قبل الاختلاط أو بعده، فالراوي عنه في هذا الحديث هو محمد بن يحيى بن فيّاض، فهل روى عنه قبل التغير أو بعده؟ ومع ذلك فقد دافع عنه الذهبي، قال في «السير»: (9/ 239 - 240): «قلت: لكن ما ضره تغيره، فإنه لم يُحدِّث زمن التغير بشيء. قال العقيلي: حدثنا الحسين بن عبد الله الذارع، حدثنا أبو داود قال: تغير جرير بن حازم، وعبد الوهاب الثقفي، فحُجِب الناس عنهم» اهـ. وانظر «الكواكب النيرات»: (ص/314 - 319) لابن الكيّال. (3) (655). (4) انظر ما تقدم (ص/18).

(1/224)


فصل * وأما ردّكم لحديث جابرٍ (1) بأنه من رواية أبي الزبير؛ فردٌّ مردود وعُذْر غير مقبول، فإن أبا الزبير من الحُفّاظ الثقات، ولم يزل الأئمة يحتجّون بحديثه، وحديثه هذا على شرط مسلم، فإنه يخرِّج أحاديثَه عن جابر في «صحيحه» ويحتجّ بها، ولم يلتفت إلى قول من يُعلّلها. وأبو الزبير غير مدفوع عن الحفظ [ق 74] والصدق. قال سفيان بن عيينة عن أبي الزبير: كان عطاء يقدِّمني إلى جابر أحفظ لهم الحديث. فهذا ثناء شيخه عليه (2). وقال الإمام أحمد: قد احتمله الناس، وهو أحبّ إليّ من أبي سفيان (3). وقال يحيى بن معين: ثقة. وقال مرّةً: صالح. وقال مرّةً: هو أحبّ إليّ من أبي سفيان (4). وقال النسائي: ثقة. _________ (1) تقدم تخريجه (ص/18 - 19). وكلامهم عليه (ص/154). (2) أخرجه عبد الله بن أحمد في «العلل»: (1/ 140). (3) «الجرح والتعديل»: (8/ 76). (4) ذكر كل هذه الروايات ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل»: (8/ 76).

(1/225)


وقال يعقوب بن شيبة: ثقة صدوق، وإلى الضعف ما هو (1). وذكره ابن حبان في «الثقات» (2) وقال: لم ينصف من قدح فيه؛ لأن من استرجح في الوزن لنفسه لم يستحق الترك لأجله. قلت: يريد ما ذكره محمد بن جعفر المدائني، عن ورقاء قال: قلت لشعبة: مالك تركتَ حديث أبي الزبير؟ قال: رأيته يَزِنُ ويسترجح في الميزان. ومعلومٌ أن حديث الرّجل لا يُردّ بمثل هذا (3). وقال أبو أحمد بن عدي (4): كفى بأبي الزبير صِدقًا أن مالكًا روى عنه، ولا أعلم أنّ أحدًا من الثقات تخلّف عن أبي الزبير إلا وقد كتب عنه، وهو في نفسه ثقة، إلا أنه يروي عنه بعض الضعفاء، فيكون ذلك من جهة الضعيف. وفي الاحتجاج بأبي الزبير طريقة ثالثة، وهي طريقة جماعةٍ من حفّاظ المغرب: أن حديثه حجة إذا صرَّح بالسماع، أو كان من رواية الليث عنه خاصة، وهي طريقة أبي محمد بن حزم (5)، وأبي الحسن بن القطان (6)، _________ (1) انظر «تهذيب الكمال»: (6/ 505). (2) (5/ 352). (3) قال الشيخ المعلمي في «عمارة القبور» (ص/84 - بتحقيقي) تعليقًا على هذا الجرح: «وغاية هذا المنافاة لكمال المروءة، وليس ذلك بجرح». (4) في «الكامل»: (6/ 126). (5) انظر «المحلى»: (7/ 408، 419). (6) انظر «بيان الوهم والإيهام»: (4/ 319 - 322).

(1/226)


ومن وافقهما، قالا: لأنه معروف بالتدليس، والمدلّس إنما يحتجّ من روايته بما صرّح فيه بالسماع، وإنما قبلنا رواية الليث عنه؛ لأنه قال: قَدِمت مكة فدفع إليّ أبو الزبير كتابين، فسألته: هل سمع هذا من جابر؟ فقال: منه ما سمعت منه، ومنه ما حُدّثت عنه، فقلت: أَعْلِمْ لي على ما سمعت، فأعْلَم لي على هذا الذي عندي. ذكره سعيد بن أبي مريم، عن الليث (1). والصواب الاحتجاجُ به مطلقًا كما فعل مسلم وغيره؛ لأنه حافظ ثقة، والتدليس لا يُردّ به حديث الحفّاظ الأثبات، وقد احتجّ الناس بالأعمش، وبسفيان بن عيينة، وقتادة، وسفيان الثوري، والحَكَم، وعَمرو بن مرّة، وحُصين، والشعبي، وأبي إسحاق، وخلائق من الثقات المدلّسين الذين يَحتجّ بحديثهم أهلُ العلم. بل أكثر أهل الكوفة يدلّسون، ولم يسلم منهم من التدليس إلا نفرٌ يسير، فلو أسقطنا حديثَ المدلّس لذهب حديث هؤلاء وأضعافهم. ثم كيف يليق بكم الطعن في حديث المدلّس وأنتم تقبلون المرسل؟! فكيف يجتمع ردّ حديث المدلس وقبول المرسل؟! وهل هذا إلا تناقض ظاهر! والصواب عندنا في حديث المدلّسين والحديث المرسل: أن المدلّس إن كان عنده التدليس عن المتَّهمين والكذّابين والمجروحين والضعفاء لم يُقْبل تدليسه ولا إرساله، وإن كان لا يدلّس إلا عن ثقة لم يضرّ تدليسه، _________ (1) أخرجه ابن عدي في «الكامل»: (6/ 124).

(1/227)


مثل: سفيان بن عُيينة وأضرابه، فإنه يدلّس عن مثله وعمن هو ثقة صدوق، فإنه يدلّس عن مثل [ق 75] مَعْمر، ومِسْعر، ومالك بن مِغْول، وزائدة (1). ومثل إبراهيم، فإنه إذا دلّس لم يدلس إلا عن ثقة (2). وأما قتادة فقد أكثر عن أنس، وسعيد بن المسيب، وقد سئل شعبة عن تدليس قتادة فقال: قد وقفته على ذلك، فقال: ما سمعته من أنس فقد سمعته، وما لم أسمعه منه فقد حدثني به عنه النضر بن أنس، وموسى بن أنس، وغيرهما من ولد أنس. وأما إكثاره عن سعيد بن المسيب، فإنه لزمه مدة فقال له: ارحل عني يا أعمى فقد نَزَحْتني أو أَنْزَفْتَني (3). والمقصود أن من عُرِف بالتدليس عن غير الثقات وعن المجهولين، فإنه يتوقَّف فيما لم يصرّح فيه بالسماع، ومن لم يُعرف بالتدليس عن الضعفاء والمجروحين لم يتوقَّف في حديثه. وتدليس المتقدِّمين كأبي الزبير، وإبراهيم، وطبقتهما، خير من تدليس المتأخّرين بطبقات، فلا يُسوّى بين التدليسين، والله أعلم. _________ (1) انظر «صحيح ابن حبان»: (1/ 161)، و «التمهيد»: (1/ 17 - 18). (2) انظر «شرح معاني الآثار»: (1/ 226)، و «التمهيد»: (1/ 37 - 38). (3) انظر «الطبقات الكبرى»: (9/ 229) لابن سعد، و «الثقات»: (5/ 322).

(1/228)


فصل قالوا: وأما ردُّكم لحديث أبي موسى الأشعري (1) بمحمد بن حُميد الرازي، وحَمْلكم عليه؛ فلا ريب أن الرجل كان من حفّاظ الإسلام المكثرين جدًّا، ولعل حفظه يوازي حِفْظ محمد بن إسحاق أو يقاربه. وقد روى الناس عنه، وممن روى عنه: يحيى بن معين، ومحمد بن يحيى الذُّهلي، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه , وعبد الله بن أحمد بن حنبل، وأبو القاسم البغوي، وخلائق. قال عبد الله بن أحمد: قال أبي: لا يزال بالرَّيّ علمٌ ما دام محمد بن حُميد حيًّا. قال عبد الله: ولما قَدِم محمد بن حُميد بغداد كان أبي في العسكر، فلما جاء أبي جعل الناسُ يسألونه ــ يعني عنه ــ فقال: ما بالهم يسألون عن محمد بن حُميد، فقلت: قدم ههنا فحدَّثهم بأحاديث لا يعرفونها، فقال: كتبتَ عنه؟ قلتُ: نعم كتبتُ عنه جُزءًا. قال: اعرض عليّ، فعرضته عليه، فقال: أما حديثه عن ابن المبارك وجرير فهو صحيح، وأما حديثه عن أهل الرَّيّ فهو أعلم (2). وسأل رجلٌ محمد بن يحيى الذُّهلي عنه، فقال: هو ذا أُحَدِّث عنه. وقال أبو بكر بن أبي خيثمة، عن ابن معين: ليس به بأس رازيٌّ كيّس. وقال علي بن الجُنيد عنه: ثقة، وهذه الأحاديث التي يحدِّث بها ليس من قِبَله إنما هي من قِبَل الشيوخ الذين يحدّث عنهم. _________ (1) تقدم تخريجه (ص/19 - 20). وكلامهم عليه (ص/154 - 155). (2) «تاريخ بغداد»: (2/ 259).

(1/229)


وقال أبو حاتم الرازي: سألني يحيى بن معين عنه فقال: ما ينقمون عليه؟ فقلت: يكون في كتابه شيء، فيقول: ليس هذا هكذا، إنما هو كذا وكذا، فيأخذ القلم فيغيّره على ما يقول هو. فقال: بئس هذه الخصلة، قَدِم علينا بغداد فأخذنا منه كتاب يعقوب القمّي، ففرّقنا الأوراقَ بيننا، ومعنا أحمد بن حنبل فسمعناه، ولم نرَ إلا خيرًا (1). والذين نسبوه إلى الكذب لم يريدوا أنه كان يتعمّد [ق 76] الوضعَ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والرجلُ أجلُّ من ذلك، وإنما هو الكذب في السماع بدعوى سماعٍ من رجل وبينه وبينه واسطة، وأنه يحدّث بما لم يسمعه، وأنه يحدّث بأحاديث أهل بلد عن أهل بلد آخر، كما كان يحدّث بأحاديث الكوفيين والبصريين عن الرّازيين، ويحدّث بالمغازي عن سلمة، وإنما سمعه من عليّ بن مِهْران، عن سلمة. وكان يُكثر جدًّا، فوقع في أحاديثه من المنكرات والأباطيل شيء كثير، ومثل هذا لا يُحتجّ بحديثه إذا انفرد به أو خالف فيه الثقات، فأما ما لم ينفرد به ولم يخالف فيه ثقة؛ فأقلّ أحواله أن يُعْتَضَد به وإن لم يُعْتَمد عليه. وهب أنّ حديثه هذا لا يصلح لاعتمادٍ ولا لاعتضاد، ففي الأحاديث الصحيحة غُنْيَة عنه، وشأنكم به فمزِّقوا أديمَه كلَّ مُمَزّق، فإن ذلك لا يضرُّنا شيئًا! _________ (1) كلام ابن معين وأبي حاتم في «الجرح والتعديل»: (7/ 232). وانظر «تهذيب الكمال»: (6/ 286) ولعله مصدر المؤلف في النقل.

(1/230)


* وأما ردُّكم لحديث عُمير بن حبيب الليثي (1) برِفْدَة بن قُضاعة؛ فنحن لم نذكره احتجاجًا به ولا اعتمادًا عليه، والعمدة على ما تقدّم، وإنما يفيدكم هذا أنْ لو لم يكن في الباب إلا حديثُه هذا. فما ضرَّ صاحبَ الحقّ، إذا شهدَ له عشرةٌ عدول أو أكثر، أنْ يشهدَ له من ليس مثلهم في العدالة والثقة؟! فإنْ لم يزِد حقَّه قوةً لم يزده وهنًا. * وأما ردُّكم لحديث ابن عباس (2) بعبد الله بن لهيعة؛ فلقد اشتهر ضعفُه على ألسنة الفِرق، ومع ذلك فهو أحد الأعلام المشاهير، وأحد حفَّاظ الإسلام غير مُدافَع، ولقي من التابعين نيّفًا وسبعين. قال أبو داود: سمعت أحمد بن حنبل يقول: من كان مثل ابن لهيعة ــ يعني بمصر ــ في كثرة حديثه وضبطه وإتقانه! وحدّث عنه أحمد في «مسنده» بحديث كثير (3). وقال إبراهيم بن إسحاق: حملت رسالةَ الليث بن سعد إلى مالك بن أنس، وأخذتُ جوابها، فكان مالك يسألني عن ابن لهيعة، فأخبره بحاله، فجعل مالكٌ يقول لي: وابن لهيعة ليس يذكر الحجّ؟ فسبق إلى قلبي أنه يريد مشافهته والسماعَ منه (4). _________ (1) تقدم تخريجه (ص/21)، وكلامهم عليه (ص/155 - 156). (2) تقدم تخريجه (ص/22)، وكلامهم عليه (ص/156 - 157). (3) «سؤالات الآجري لأبي داود»: (2/ 175) وليس فيه «في مسنده». (4) أخرجه ابن حبان في «المجروحين»: (2/ 12).

(1/231)


وقال الحسن بن علي الخلال، عن زيد بن الحُباب، سمعت سفيان الثوري يقول: عند ابن لهيعة الأصول وعندنا الفروع. وسمعت الثوري يقول: حججتُ حِجَجًا لألتقي ابن لهيعة (1). وقال محمد بن معاوية: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: وددتُ أني سمعت من ابن لهيعة خمسمائة حديث، وأني غرمت مُودًى، كأنه يعني دِيَة (2). وقال أبو الطاهر بن السّرْح: سمعتُ ابن وهب يقول ــ وسأله رجلٌ عن حديث فحدّث به، فقال له الرجل: من حدثك بهذا يا أبا محمد؟ ـــ فقال: حدثني به ــ والله الصادقُ البارّ ــ عبد الله بن لهيعة (3). قال أبو الطاهر: وما سمعته يحلف بمثل هذا قط، وفي رواية: كان [ق 77] السائل إسماعيل بن معبد أخا عليّ بن مَعْبد (4). وقال حنبل بن إسحاق، عن أحمد بن حنبل: ابن لهيعة أجود قراءة لكتبه من ابن وهب (5). وقال أبو داود: سمعت أحمد يقول: ما كان بمصر يحدِّث إلا ابن _________ (1) رواه أبو داود عن الخلال به في «سؤالات الآجري»: (2/ 176). (2) «تاريخ دمشق»: (32/ 143). (3) «الكامل»: (4/ 145). (4) «تهذيب الكمال»: (4/ 254). (5) «تاريخ دمشق»: (32/ 145).

(1/232)


لهيعة (1). وقال يعقوب بن سفيان (2): «سمعت أبا جعفر أحمد بن صالح يثني عليه، وقال في أبي الأسود: ما أحسن حديثه عن ابن لهيعة، قال: فقلت: يقولون: سماعٌ قديم وسماعٌ حديث، فقال لي: ليس من هذا شيء، ابن لهيعة صحيح الكتاب، كان أخرج كتبه فأملى على الناس حتى كتبوا حديثه إملاء، فمن ضَبَط كان حديثه حسنًا صحيحًا، إلا أنه كان يحضر من يضبط ويُحسن، ويحضر قوم يكتبون ولا يضبطون ولا يصحِّحون، وآخرون نُظَّار (3)، وآخرون سمعوا مع آخرين، ثم لم يُخْرج ابن لهيعة بعد ذلك كتابًا، ولم يُرَ له كتاب، وكان من أراد السماعَ منه ذهب فاستنسخ ممن كتب عنه وجاءه فقرأه عليه، فمن وقع على نسخةٍ صحيحة فحديثه صحيح، ومن كتب من نسخة لم (4) تُضبط جاء فيه خللٌ كثير. ثم ذهب قوم، فكلّ من روى عنه عن عطاء بن أبي رباح فإنه سمع من عطاء وروى عن رجلٍ عن عطاء، وعن رجلين عن عطاء، وعن ثلاثة عن عطاء، تركوا مَنْ بينه وبين عطاء وجعلوه عن عطاء». وقال يعقوب بن سفيان (5): «قلت لأحمد بن صالح في حديث ابن لهيعة؟ فقال: لم تعرف مذهبي في الرجال، إني أذهب إلى أنه لا يُترك _________ (1) «تاريخ دمشق»: (32/ 145). (2) «المعرفة والتاريخ»: (2/ 434). (3) كذا في الأصل، وفي «المعرفة» و «تهذيب الكمال»: (4/ 254): «نظارة». (4) «المعرفة»: «نسخة ما لم». (5) «المعرفة والتاريخ»: (2/ 435).

(1/233)


حديث محدّثٍ حتى يجتمع أهلُ مصره على ترك حديثه». وقال أيضًا (1): «كان ابن لهيعة طَلَّابًا للعلم صحيح الكتاب، وكان أملى عليهم حديثه من كتابه، فربما يكتب عنه قوم يعقلون (2) الحديثَ، وآخرون لا يضبطون، وقوم حضروا فلم يكتبوا فكتبوا بعد سماعَهم. فوقع علمُه على هذا إلى الناس، ثم لم يُخرج كتبه، وكان يقرأ من كتب الناس، فوقع حديثُه إلى الناس على هذا، فمن كتبَ بأَخَرَةٍ من كتاب صحيح قرأ عليه [على] (3) الصحَّة، ومن قرأ من كتاب من كان لا يضبط ولا يصحّح كتابَه وقع عنده على فساد الأصل». وبالجملة فابن لهيعةَ أحدُ حُفَّاظ الإسلام الذين لم يُتَّهموا بجرح ولا كذب، وإنما يقع في حديثه بعض الغلط لثلاثة أسباب: أحدها: أنه قد قيل: إن كتبه قد احترقت فكان يحدّث من لفظه فيقع الغلط. الثاني: مِنْ قِبَل من روى عنه، كما ذكر أحمد بن صالح، وغيره. الثالث: أن الإكثار مظنَّة الوهم والغَلَط، والرّجل فقد كان من المكثرين جدًّا. وفي ابن لهيعة مذهب ثالث: أنه يُحتجّ من حديثه بما رواه عنه العبادلة _________ (1) المصدر نفسه: (2/ 184). (2) الأصل و (ف): «مغفلون» تحريف، والمثبت من «المعرفة»،و «تهذيب الكمال». (3) سقطت من الأصل، والاستدراك من «المعرفة». وفي «تهذيب الكمال»: «عليه في ... ».

(1/234)


وهم: عبد الله بن وهب، وعبد الله بن المبارك، وعبد الله بن يزيد المُقري، قالوا: لأن سماع هؤلاء منه قديم (1). وقد روى له مسلم مقرونًا بعَمرو بن الحارث (2)، وكذلك روى له البخاري [ق 78] في «صحيحه» في غير موضع، منها: في الفتن (3) عن المُقْري، عن حَيْوة وغيره, عن أبي الأسود: قُطِعَ على أهل المدينة بَعْثٌ ... الحديث. وفي تفسير سورة البقرة (4): {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [البقرة: 193]. قال: وزاد عثمان بن صالح، عن ابن وهب, أخبرني فلان وحيوة ... فذكر حديث: «بُني الإسلام على خمس». وفي الاعتصام (5): عن سعيد بن تليد، عن ابن وهب, عن عبد الرحمن ابن شريح وغيره حديث: «إن الله لا ينتزع العلم». وفي تفسير سورة النساء (6) , وفي آخر الطلاق (7) , وفي غير موضع (8). _________ (1) انظر «إعلام الموقعين»: (4/ 305 - 306) للمصنف، و «المجروحين»: (1/ 76، 2/ 11) لابن حبان، و «الضعفاء» (ص/265) للدارقطني، و «نتائج الأفكار»: (2/ 33) لابن حجر. (2) (624). (3) (7085). (4) (4513). (5) (7307). (6) (4596) وهو الحديث السابق في الفتن. (7) لم أجده. (8) منها (5697).

(1/235)


قال شيخنا أبو الحجّاج المِزّي (1): قال أبو عبد الله بن يربوع الإشبيلي (2): هو ابن لهيعة في هذه المواضع كلها. وإذا كان هذا شأن ابن لهيعة لم يَجُز إسقاط حديثه كلّه، بل يتوقّف فيما تفرّد به وخالف فيه الثقات. فصل * قالوا: وأما ردّكم لحديث أبي حُميد السّاعدي الصحيح (3)، الذي هو في أعلى درجات الصحَّة، وقد خرّجه أصحاب الصحيح واحتجّوا به، وصدّقه الصحابةُ عليه؛ فمن باب العَنَت في ردّ الأحاديث الصحيحة ورميها بما برّأها الله منه, ونحن بحمد الله ننقضُ ما رميتموه به من العلَّة _________ (1) «تهذيب الكمال»: (4/ 255 - 256). (2) كذا في الأصل و «تهذيب الكمال» في هذا الموضع: «أبو عبد الله بن .. » والصحيح: أبو محمد عبد الله بن أحمد بن يربوع الإشبيلي، وقد نقل عنه المزي في «تهذيبه» مرارًا وجاء اسمه فيها على الصواب. وانظر ترجمته في «الصلة»: (1/ 282)، و «السير»: (19/ 578). (3) تقدم تخريجه (ص/24 - 25)، وكلامهم عليه (ص/160 - 164). ونقل المصنف هناك كلام ابن القطان في الاعتراض على الحديث من كتابه «بيان الوهم والإيهام الواقعين في كتاب الأحكام»: (2/ 462 - 466). وهذا البحث في الجواب عن كلام ابن القطان ذكره المؤلف أيضًا بطوله في كتابه «تهذيب السنن»: (1/ 354 - 374)، ومنه استدركنا الخرم الواقع في نسختنا في الورقتين (81 - 82) كما تقدم في المقدمة.

(1/236)


الباطلة، ونبيّن فسادَ ما ذكرتموه. ومدار ما ذكرتموه من التطويل والتهويل على ثلاثة فصول: أحدها: تضعيف عبد الحميد بن جعفر. والثاني: تضعيف محمد بن عَمرو بن عطاء. والثالث: انقطاع الحديث بين محمد بن عَمرو بن عطاء، وبين بعض الصحابة الذين سمَّاهم في الحديث. والجواب عن هذه الفصول: أما الفصل الأول: فعبدالحميد بن جعفر قد وثّقه يحيى بن معين في جميع الروايات عنه، ووثقه الإمام أحمد أيضًا، واحتجّ به مسلم في «صحيحه»، ولم يُحْفَظ عن أحدٍ من أئمة الجرح والتعديل تضعيفه بما يوجب سقوطَ روايته، فتضعيفه بذلك مردود على قائله، وحتى لو ثبت عن أحدٍ منهم إطلاق الضعف (1) عليه، لم يقدح ذلك في روايته ما لم يبيّن سببَ ضعفه، وحينئذٍ ينظر فيه هل هو قادح أم لا؟ وهذا إنما يُحتاج إليه عند الاختلاف في توثيق الرجل وتضعيفه، وأما إذا اتفق أئمةُ الحديث على تضعيف رجلٍ أو جمهورُهم لم يُحتج إلى أن يبين سبب ضعفه، فهذا أولى ما يقال في مسألة التضعيف المطلق. _________ (1) (ف): «التضعيف».

(1/237)


وقد قال عبد الله بن أحمد، عن أبيه: ليس به بأس (1). وقال أبو حاتم: محله الصدق (2). وقال النسائي: ليس به بأس (3). وقال أبو أحمد (4) بن عدي: أرجو أنه لا بأس به، وهو ممن يُكتب حديثه (5). وذكره ابن حبان في كتاب «الثقات» (6). وقال محمد بن سعد: كان ثقة كثير الحديث (7). وأما الذين ضعفوه، فقال يحيى بن سعيد: كان سفيان يضعفه من أجل [ق 79] القَدَر (8). ومعلوم أن هذا لا يوجب ردّ روايته، ففي «الصحيحين» الاحتجاجُ _________ (1) «العلل»: (2/ 489). وقال في موضع آخر: (3/ 153): «عبد الحميد عندنا ثقة ثقة». (2) «الجرح والتعديل»: (6/ 10). (3) «تهذيب الكمال»: (4/ 348). (4) الأصل و (ف): «حاتم» خطأ. (5) «الكامل»: (5/ 319). (6) (7/ 122). (7) «الطبقات الكبرى»: (7/ 552). (8) ذكره الإمام أحمد عنه في «العلل» الموضع السالف.

(1/238)


بجماعة من القدريَّة، وكذلك ابن معين إنما رماه بالقدر مع توثيقه له (1). وقال أبو بكر بن أبي خيثمة، عن يحيى بن معين: كان يحيى بن سعيد يوثّقه، وكان سفيان الثّوري يُضعِّفه. قلتُ: ما تقول أنتَ فيه؟ قال: ليس بحديثه بأس وهو صالح (2). وقال عليُّ بن المديني، عن يحيى بن سعيد: كان سفيان يحمل عليه، وما أدري ما كان شأنه وشأنه (3). وقال الفضل بن موسى: كان خرج مع محمد بن عبد الله بن حسن العلوي. فقد صرَّح المضعّفون له بالسبب الذي ضعّفوه لأجله، وذلك لا يوجب تضعيفًا في الرواية التي عمدتها الصدق والضبط، والله أعلم. فصل وأما تضعيف محمد بن عَمرو بن عطاء؛ ففي غاية الفساد، فإنه من كبار التابعين المشهورين بالصدق والأمانة (4)،وقد وثَّقه أئمة الحديث، كالإمام أحمد، ويحيى بن سعيد، ويحيى بن معين، وغيرهم، واتفق صاحبا _________ (1) انظر «تهذيب الكمال»: (4/ 348). (2) هذا الخبر وما بعده في «الجرح والتعديل»: (6/ 10). (3) وذكر ابن سعد عن يحيى مثله في «الطبقات» الموضع السابق. (4) صحح عليها في الأصل.

(1/239)


الصحيح على الاحتجاج به (1). وعُمدة من ضعَّفه ما رُوي عن يحيى بن سعيد أنه تكلَّم فيه، وهذه روايةٌ إن صحَّت عن يحيى بن سعيد فالمشهور عنه خلافها (2). وحتى لو ثبت على تضعيفه وأقام عليه، ولم يبيّن سببه= لم يوجب طرحَ حديثِه، لاسيَّما مع توثيق غيره من الأئمة له، واحتجاج أصحاب (3) «الصحيحين» به. ولو كان كلُّ رجلٍ ضعَّفَه رجلٌ سقط حديثُه لذهبت عامَّة الأحاديث الصحيحة من أيدينا، فقلّ رجلٌ من الثقات إلا وقد تكلَّم فيه آخر ولم يسلم من طعن، ورجال «الصحيحين» قد جاوزوا القَنْطَرة فلا التفاتَ إلى كلام من تكلَّم فيهم بما يقتضي ردّ حديثهم. نعم إذا تُكُلِّم في أحدهم لرأيه أو لأمرٍ تأوَّله فطُعِنَ به عليه؛ فهذا بابٌ لا يقدح في الرواية. وأما قوله: كان سفيان يحمل عليه؛ فهذا إنما كان لأجل رأيه لا لأمرٍ _________ (1) انظر «تهذيب الكمال»: (6/ 459). (2) قال الحافظ في «التهذيب»: (9/ 332): «وقال أبو الحسن بن القطان الفاسي (بيان الوهم 2/ 426): جملة أمره أنه من أهل الصدق، وقد ضعّفه يحيى في رواية ووثقه في أخرى، وكان الثوري يحمل عليه من أجل القدر، وزعموا أنه خرج مع محمد بن عبد الله بن حسن ... قال الحافظ: وليس ذلك بصحيح؛ لأن الذي حمل عليه الثوري اختلف فيه فقيل: هو محمد بن عمرو بن علقمة الآتي ذكره بعد هذا، وهو الذي خرج مع محمد بن عبد الله بن حسن؛ لأنه تأخرت وفاته. فأما محمد بن عمرو بن عطاء فمات قبل خروج محمد بمدة مديدة» اهـ. (3) صحح عليها في الأصل.

(1/240)


يتعلَّق بروايته، وقد رُمِي جماعةٌ من الأئمة المحتجّ بروايتهم بالقدَرِ كقتادة، وسعيد بن أبي عَروبة، وابن أبي ذِئب وغيرهم. وبالإرجاء كطَلْق بن حبيب، وحماد بن أبي سليمان، وغيرهما. وهذا باب أشْهر من أن تُذْكر شواهدُه، وأئمة الحديث لا يردّون حديثَ الثقة بمثل ذلك. فصل وأما الأمر الثالث، وهو انقطاع الحديث؛ فغير صحيح، وهو حديث موصول بلا ريب، ورميه بالانقطاع مبنيّ على أن وفاة أبي قتادة كانت في خلافة عليّ، وأن محمد بن عَمرو لم يدرك خلافةَ عليّ، وعلى أنه لم يثبت سماعُه من أبي حُميد، بل بينهما رجل. فأما المقام الأول، وهو وفاة أبي قتادة، فقال البيهقي (1): «أجمع أهل التواريخ على أن أبا قتادة الحارث بن رِبْعي بقي إلى سنة أربع وخمسين، وقيل: بعدها. ثم روى من طريق [ق 80] يعقوب بن سفيان، قال ابن بكير: قال الليث: مات أبو قتادة الحارث بن رِبْعي بن النعمان الأنصاري سنة أربع وخمسين. قال: وكذلك قاله الترمذي فيما أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، عن أبي حامد المقرئ عنه. وكذلك ذكره أبو عبد الله بن مَنده الحافظ في كتاب «معرفة الصحابة». وكذلك ذكر الواقدي عن يحيى بن عبد الله بن أبي _________ (1) في «معرفة السنن والآثار»: (1/ 558 - 559).

(1/241)


قتادة: أن أبا قتادة مات بالمدينة سنة خمس وخمسين، وهو ابن سبعين سنة. قال: والذي يدلُّ على هذا أن أبا سلمة بن عبد الرحمن، وعبد الله ابن أبي قتادة، وعَمرو بن سليم الزُّرَقي، وعبد الله بن رباح الأنصاري رووا عن أبي قتادة، وإنما حملوا العلم بعد أيام عليّ، فلم يثبت لهم عن أحدٍ ممن توفي في أيام عليّ سماع. قال: وروّينا عن معمر، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، أن معاوية ابن أبي سفيان لمّا قَدِم المدينة تلقّته الأنصار، و تخلّف أبو قتادة، ثم دخل عليه بعدُ وجرى بينهما ما جرى. ومعلومٌ أن معاوية إنما قَدِمها حاجًّا قَدْمته الأولى في خلافته (1) سنة أربع وأربعين. وفي «تاريخ البخاري» (2) عن عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، أن مروان بن الحكم أرسل إلى أبي قتادة وهو على المدينة: أنِ اغْدُ معي حتى تريني مواقف النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، فانطلق مع مروان حتى قضى حاجته (3). ومروان إنما قَدِم (4) المدينة في أيام معاوية، ثم نُزِع سنة ثمان وأربعين، _________ (1) بعده في الأصل و (ف): «الأولى» سبق قلم، ولا معنى لها. (2) «الكبير»: (2/ 258 ــ 259). (3) انتهى كلام البخاري. وكتب فوق «حاجته» في الأصل: «كذا». ولا إشكال فيها. (4) كذا في الأصل و (ف)، وفي «تهذيب السنن»: «ولي»، و «معرفة السنن»: «كان على»، وما فيهما هو الذي يؤيده السياق.

(1/242)


واسْتُعْمِل عليها سعيد بن العاص، ثم نُزِع سعيد بن العاص سنة أربع وخمسين , وأُمِّر عليها مروان» (1). قال النسائي في «سننه» (2): أخبرنا محمد بن رافع، ثنا عبدالرزاق، أنا ابن جُريج، قال: سمعت نافعًا يزعم أنّ ابنَ عمر صلّى على تسع جنائز جميعًا، فجعل الرجال يلون الإمام، والنساء يلين القِبْلة، فصفَّهن صفًّا واحدًا، ووُضِعت جنازة أمّ كلثوم ابنة عليّ امرأة عمر بن الخطاب وابنٍ لها يقال له: زيد، وُضِعا جميعًا، والإمام يومئذ سعيد بن العاص، وفي الناس ابن عباس (3)، وأبو هريرة، وأبو سعيد، وأبو قتادة، فوُضِعَ الغلامُ مما يلي الإمام، فقال [رجل] (4): فأنكرتُ ذلك فنظرتُ إلى (5) ابن عباس، وأبي هريرة، وأبي سعيد، وأبي قتادة، فقلت: ما هذا؟ قالوا: هي السنة. فتأمل سندَ هذا الحديث وصحّته وشهادة نافعٍ بشهود أبي قتادة هذه الجنازة، والأميرُ يومئذ سعيد بن العاص، وإنما كانت إمْرَتُه في خلافة معاوية سنة ثمان وأربعين إلى سنة أربع وخمسين كما قدمناه، وهذا مما لا يشكّ فيه عوامُّ أهلِ النقل وخاصُّهم. _________ (1) انتهى النقل من كتاب «المعرفة» للبيهقي. (2) في «الصغرى» (1978). وفي «الكبرى» (2116). (3) هكذا في الأصل و «تهذيب السنن» للمؤلف، و «الكبرى». ووقع في «السنن الصغرى»: «ابن عمر» فالظاهر أنه وهم. (4) مستدرك من النسائي. (5) (ف) «فنظر إليّ» تحريف.

(1/243)


فإن قيل: فما تصنعون بما رواه موسى بن عبد الله بن يزيد: أن عليًّا صلى على أبي قتادة, فكبَّر عليه سبعًا، وكان بدريًّا (1). وبما رواه الشعبيّ قال [ق 81] (2): [صلى عليٌّ على أبي قتادة وكبّر عليه ستًّا (3). قلنا: لا تجوز معارضة الأحاديث الصحيحة المعلومة الصحَّة بروايات التاريخ المنقطعة المغلوطة، وقد خطَّأ الأئمة رواية موسى هذه ومن تابعه، وقالوا: هي غلط، قاله البيهقي (4) وغيره. ويدلّ على أنها غلط وجوه: أحدها: ما ذكرناه من الأحاديث الصحيحة المصرِّحة بتأخير وفاته وبقاء مُدَّته بعد موت عليّ. الثاني: أنه قال: «كان بدريًّا»، وأبو قتادة لا يُعرَف أنه شهد بدرًا، وقد ذكر عروة بن الزبير، والزهري، وموسى بن عقبة، ومحمد بن إسحاق، وغيرهم أسامي من شهد بدرًا من الصحابة، وليس في شيء منها ذكر أبي _________ (1) أخرجه ابن أبي شيبة (11578)، وابن المنذر في «الأوسط» (5/ 433). (2) سقطت من الأصل الورقتان (81 ــ 82)، بدليل تقسيم النسخة إلى أجزاء، فالجزء التاسع يبدأ عند الورقة (73) فينبغي أن يبدأ العاشر عند الورقة (83) أي عشر ورقات، والموجود منه إنما هو ثمان، فدلّ أن الساقط ورقتان. ويبدو أنه سقط قديم، لهذا ترك ناسخ (ف) الصفحات (30 ــ 31) بياضًا. وقد استدركنا السقط من كتاب «تهذيب السنن»: (1/ 364 - 469) للمؤلف فإنه ذكر هذا المبحث هناك بتمامه، وقد سبق التنبيه عليه (ص 155) وفي المقدمة. (3) أخرجه ابن المنذر في «الأوسط»: (5/ 433). (4) في «المعرفة»: (1/ 558).

(1/244)


قتادة (1)، فكيف يجوز ردّ الرّوايات الصحيحة التي لا مطعن فيها بمثل هذه الرواية الشاذَّة التي قد عُلِم خطؤها يقينًا، إمّا في قوله: «وصلى عليه عليّ»، وإمّا في قوله: «وكان بدريًا»! وأما رواية الشعبي؛ فمنقطعة (2) أيضًا غير ثابتة، ولعل بعض الرواة غلط من تسمية قتادة بن النعمان أو غيره إلى أبي قتادة، فإن قتادة بن النعمان بدريٌّ، وهو قديم الموت (3). وأما المقام الثاني: وهو أن محمد بن عَمْرو لم يدرك خلافة عليّ؛ فقد تبيَّن أن أبا قتادة تأخَّر عن خلافة علي. وأما المقام الثالث: وهو أن محمد بن عَمرو لم يثبت سماعُه من أبي حميد بل بينهما رجل؛ فباطل أيضًا. قال الترمذي في «جامعه» (4): حدثنا محمد بن بشَّار والحسن بن عليّ الخلّال وسَلَمة بن شَبيب، وغيرُ واحد قالوا: حدّثنا أبو عاصم، حدّثنا عبدالحميد بن جعفر، حدّثنا محمد بن عَمرو بن عطاء، قال: سمعتُ أبا حُمَيد السَّاعدي في عشرة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - منهم: أبو قتادة بن _________ (1) انظر «السيرة النبوية»: (2/ 677 - 706) لابن هشام، و «مرويات غزوة بدر»: (ص 366 - 419) لباوزير. (2) قاله البيهقي في «المعرفة»: (1/ 558). (3) توفي سنة 23 للهجرة في خلافة عمر. انظر «تهذيب الكمال»: (6/ 105)، و «الإصابة»: (5/ 416 - 418). (4) (305).

(1/245)


رِبْعي ... فذكره. وقال سعيد بن منصور في «سننه»: حدّثنا هشيم، حدّثنا عبدالحميد بن جعفر، عن محمد بن عَمرو بن عطاء القرشي، قال: رأيت أبا حميد الساعدي مع عشرة رهط من أصحاب النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فقال: ألا أحدّثكم. فذكره (1). وقال البخاري في «التاريخ الكبير» (2): «محمد بن عَمرو بن عطاء بن عيَّاش (3) بن علقمة العامري القرشي المدني، سمع أبا حميد الساعدي، وأبا قتادة، وابن عباس. روى عنه عبدالحميد بن جعفر، وموسى بن عُقبة، ومحمد بن عمرو بن حَلْحَلَة، والزُّهري. وأبو حُميد توفي قبل الستين في خلافة معاوية، وأبو قتادة توفي بعد الخمسين كما ذكرنا، فكيف ننكر لقاء محمد لهما وسماعه منهما؟ ثم ولو سلَّمنا أن أبا قتادة توفي في خلافة عليّ فمِنْ أين يمتنع أن يكون محمد بن عَمْرو في ذلك الوقت رجلًا؟ ولو امتنع أن يكون رجلًا لِتقاصُر _________ (1) ذكر رواية سعيد بن منصور الحافظ في «الفتح»: (2/ 357). وتابعه في الرواية عن هشيم أبو بكر بن أبي شيبة (2981)، والحسنُ بنُ عَرَفة أخرجه البزار (3710)، وأبو أحمد الحاكم في «شعار أصحاب الحديث» (ص/49)، وشجاع بن مخلد أخرجه أبو أحمد أيضًا. (2) (1/ 189). (3) هكذا في «تهذيب السنن»: (ق 39 ب)، و «تهذيب الكمال»: (6/ 459) وجوَّد ضبطه ناسخُه ابن المهندس تلميذ المزي كذلك. وفي «تاريخ البخاري الكبير»: «عباس».

(1/246)


سِنّه عن ذلك لم يمتنع أن يكون صبيًّا مميزًا، وقد شاهد هذه القصَّة في صغره ثم أداها بعد بلوغه، وذلك لا يقدح في روايته وتحمُّله اتفاقًا، وهو أُسْوةُ أمثاله في ذلك. فردُّ الأحاديث الصحيحة بمثل هذه الخيالات الفاسدة مما يَرْغَب عن مثله أئمة العلم، والله الموفق. وأما إدخال من أدْخَل بين محمد بن عَمرو بن عطاء، وبين أبي حُميد الساعدي رجلًا، فإن ذلك لا يضرّ الحديثَ شيئًا. فإنّ الذي فعل ذلك رجلان: عطَّاف بن خالد، وعيسى بن عبد الله (1)؛ فأما عطَّافٌ فلم يرض أصحابُ الصحيح إخراج حديثه، ولا هو ممن يُعارَض به الثقات الأثبات، قال مالك: ليس هو من جِمال المحامل (2). وقد تابع عبدَالحميد بن جعفر على روايته محمدُ بن عَمرو بن حَلْحَلة، كلاهما قال: عن محمد بن عَمرو بن عطاء، عن أبي حميد. ولا يُقاوَم عَطّاف بن خالد بهذين حتى تُقدَّم روايته على روايتهما. وقوله: لم يصرِّح محمد بن عَمرو بن حَلْحَلة في حديثه بسماع ابن عطاء من أبي حميد؛ فكلام بارد، فإنه قد قال: «سمع محمد بن عَمرو بن _________ (1) انظر ما سبق (ص/162 - 164) في سياق كلام ابن القطان. (2) المنقول عن مالك في عطاف قوله: «ليس من إبل القِباب»، وإبل القباب هي الإبل القوية القادرة على حمل الهوادج. والمعنى: ليس بقويّ في الحديث. انظر «الضعفاء»: (3/ 425) للعقيلي، و «تهذيب الكمال»: (5/ 182)، و «تهذيب التهذيب»: (7/ 198) ــ وتحرفت فيه إلى «أهل القباب» ــ. فلعل ابن القيم ساقها بالمعنى، إذ معناهما واحد. وقد استُعملت عبارة «جمال المحامل» في غير واحد من الرواة، استعملها القطان وغيره. انظر «ألفاظ الجرح القليلة والنادرة» (ص 12) لسعدي الهاشمي.

(1/247)


عطاء أنه كان جالسًا في نفرٍ من أصحاب النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فذكروا صلاةَ النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال أبو حميد». وقد قال: «رأيتُ أبا حميد»، ومرة: «سمعتُ أبا حُميد». فما هذا التكلّف البارد والتعنّت الباطل في قطع ما وصله الله؟! وأما حديث عيسى بن عبد الله فقال البيهقي (1): «اختلف في اسمه فقيل: عيسى بن عبد الله، وقيل: عيسى بن عبد الرحمن، وقيل: عبد الله بن عيسى. ثم اخْتُلف عليه في ذلك؛ فروى عن الحسن بن الحرّ، عن عيسى بن عبد الله، عن محمد بن عَمرو، عن عيّاش أو عباس بن سهل، عن أبي حميد. ورُوي عن عتبة بن أبي حكيم، عن عبد الله بن عيسى، عن العباس ابن سهل، عن أبي حميد. ليس فيه محمد بن عطاء (2). ورُوِّينا حديث أبي حُميد، عن فُليح بن سليمان، عن عبّاس بن سهل، عن أبي حميد. وبَيَّن فيه عبد الله بن المبارك، عن فُليح سماعَ عيسى من (3) عبّاس، مع سماع فُلَيح من عبّاس، فذِكْرُ محمد بن عَمرو بينهما وَهْم». آخر كلامه. وهذا ــ والله أعلم ــ] (4) [ق 83] من تَخْليط عيسى أو من دونه, فإنّ حديثَ عبّاس هذا لا ذِكْر فيه لمحمد بن عَمرو، ولا رواه محمد بن عَمرو _________ (1) في «معرفة السنن والآثار»: (1/ 560). (2) «المعرفة»: «محمد بن عمرو». (3) تحرفت في «المعرفة» إلى «بن». (4) آخر الاستدراك من «تهذيب سنن أبي داود» للمصنف.

(1/248)


عنه، ونحن نذكر حديثه: قال الترمذي في «جامعه» (1): ثنا محمد بن بشّار، ثنا أبو عامر العَقَديّ، ثنا فُلَيح بن سليمان، ثنا عبَّاس بن سهل قال: اجتمع أبو حميد، وأبو أسيد، وسهل بن سعد، ومحمد بن مَسْلمة، فذكروا صلاةَ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - [فقال أبو حميد: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -]: إنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ركع فوضع يديه على ركبتيه كأنَّه قابضٌ عليهما، ووَتّر يديه فنحّاهما عن جنبيه». قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وقال أبو داود (2): ثنا أحمد بن حنبل، ثنا عبد الملك بن عَمرو، أنا فُليح، ثنا عباس بن سهل، قال: اجتمع أبو حُميد الساعدي، وأبو أسيد فذكره. أطولَ من حديث الترمذي. قال أبو داود: ورواه عُتبة بن أبي حكيم، عن عبد الله بن عيسى، عن العبَّاس بن سهل. قال: ورواه ابن المبارك، أنا فُلَيح، قال: سمعت عباس بن سهل يحدّث فلم أحفظه، فحدَّثنيه [أُراه ذَكَر] عيسى بن عبد الله، أنه سمعه من عبّاس بن سهل، قال: حضرتُ أبا حميد. فهذا هو المحفوظ من رواية عبَّاس لا ذِكْر فيه لمحمد بن عَمرو بوجه. ورواه أبو داود (3) من حديث أبي خيثمة، ثنا الحسن بن الحُرّ، أنا _________ (1) (260). وما بين المعكوفين منه، سقط من الأصل ومن «تهذيب السنن». (2) (734). (3) (733).

(1/249)


عيسى بن عبد الله بن مالك، عن محمد بن عَمرو بن عطاء أَحَد بني مالك، عن عباس أو عياش بن سهل الساعدي: أنه كان في مجلسٍ فيه أبوه، وفي المجلس أبو هريرة، وأبو حُميد، وأبو أسَيد ... بهذا الخبر يزيد وينقص (1). فهذا الذي غرَّ من قال: إن محمد بن عَمرو لم يسمعه من أبي حُميد، وهذا ــ والله أعلم ــ من تخليط عيسى أو من دونَه؛ لأن محمدًا قد صرَّح بأنّ أبا حُميد حدَّثه وسمعه منه, ورآه حين حَدَّث به, فكيف يُدْخِل بينه وبينه عبَّاس بن سهل؟ وإنما وقع هذا لمّا رواه محمد بن عَمرو عن أبي حُميد، ورواه العبَّاس ابن سهل عن أبي حُميد، فخلّط بعضُ الرواة، وقال: عن محمد بن عَمرو عن العباس، وكان ينبغي أن يقول: وعن العباس بالواو، ولعلها سقطت من النسخة فرواه بإسقاطها. ويدلّ على هذا أيضًا: أنّ عيسى بن عبد الله قد سمعه من عبَّاس, كما في رواية ابن المبارك، فكيف يشافهه به عبَّاس مشافهةً ثم يرويه عن محمد ابن عَمرو عنه؟ فهذا كله يبيّن أنّ محمد بن عَمرو وعبَّاس بن سهل اشتركا في روايته عن أبي حُميد، فصحّ الحديثُ بحمد الله. وحَكَم الدليلُ الذي لا ريب في حكمه لمن صحّحه وأدخله في «صحيحه» على مَن ضعّفه وقدح فيه. وظهر أن العلة التي رُمي بها مما تدلُّ على قوَّته، وأنه محفوظ, وأن رواية عبَّاس بن سهل شاهدةٌ ومُصدِّقة لرواية _________ (1) «السنن»: (1/ 471 - 472).

(1/250)


محمد بن عَمرو. وهكذا الحق يصدِّق بعضُه بعضًا. وقد رواه الشافعي من حديث إسحاق بن عبد الله، عن عبَّاس بن سهل, عن أبي حُميد ومن مَعَه من الصحابة (1). ورواه فُلَيح بن [ق 84] سليمان، عن عبَّاس, عن أبي حُميد (2). وهذا لا ذِكْر فيه لمحمد بن عَمرو, وهو إسناد متّصل تقومُ به الحجّة، فلا ينبغي الإعراضُ عن هذا والتعلّق على عبدالحميد بن جعفر بالباطل. ثم لو نزلنا عن هذا كلِّه، وضربنا عنه صفحًا إلى التسليم أن محمد ابن عَمرو لم يدرك أبا قتادة, فغايته أن يكون الوهم قد وقع في تسمية أبي قتادة وحده دون غيره ممن معه. وهذا لا يوجب بمجرّده ترك الحديث جُملةً، والقدحَ فيه عند أحدٍ من الناس. ولو كان كلُّ من غَلِط أو نسيَ واشتبه عليه اسم رجل بآخر سقطَ حديثُه= لغارت ينابيعُ العلم, وانقطعَ معينُه, وذهبت الأحاديث ــ إلا أقلها ــ من أيدينا، وعُطِّلت متونٌ وأسانيدُ هي أساس العلم، ويأبى اللهُ ذلك ورسولُه وورثةُ رسوله. فهب محمد بن عَمرو غلط في تسمية أبي قتادة وذِكْره، أيلزم من ذلك أن يكون ذِكْر باقي الصحابة غلطًا، ويقدحُ في قوله: «سمعت أبا حميد» , و «رأيت _________ (1) ذكره البيهقي في «معرفة السنن»: (1/ 544) قال: «قال الشافعي في القديم: أخبرنا رجل قال: أخبرني إسحاق بن عبد الله .. » به. (2) تقدم (ص/248 - 249) وأنه عند أبي داود والترمذي.

(1/251)


أبا حُميد» , و «كنت في نفرٍ من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منهم أبو حُميد»؟! ولا ريبَ أن هذه اللفظة التي حصل بها التعلُّق عليه, وهي قوله: «فيهم أبو قتادة» لم يتفق عليها الرواة، فإن محمد بن عَمرو بن حَلْحلة رواه عن محمد بن عَمرو بن عطاء ولم يذكرها، ومن طريقه رواه البخاري (1). وأما عبدالحميد بن جعفر، فرواه عنه هُشَيم ولم يذكرها (2)، ورواه عنه أبو عاصم الضحَّاك بن مَخْلد، ويحيى بن سعيد فذكراها عنه (3). والظاهر ــ والله أعلم ــ أن عبدالحميد بن جعفر تفرَّدَ بها، وقد بيَّنا بطلان ما يوهم امتناع سماع محمد (4) بن عطاء من أبي قتادة. ومما يُبيّن أنها ليست بوهم (5): أن محمد بن مسلمة كان في أولئك الرَّهْط، ووفاته سنة ثلاث وأربعين، فإذا لم تتقاصر سنّ محمد بن عَمرو عن لقائه، فكيف تتقاصر عن لقاء أبي قتادة؟ ووفاته إما بعد الخمسين عند الأكثرين، أو قُبَيل (6) الأربعين عند بعضهم. والله أعلم بالصواب وهو الموفّقُ له. _________ (1) في «الصحيح» (828). وانظر ما سبق (ص/164). (2) سبق تخريجه (ص/246). (3) أخرجه أبو داود (963). (4) صحح عليها في الأصل. (5) الأصل و (ف): «بموهم» سهو. (6) الأصل و (ف): «بعد» خطأ، والمثبت من «تهذيب السنن»: (1/ 374) للمصنف. ويؤيده الواقع، لأنه قيل إنه توفي سنة ثمان وثلاثين.

(1/252)


 فصل [قول من ذهب إلى الرفع في المواطن الأربعة]

وأما من ذهب إلى الرَّفع عند افتتاح الصلاة، والركوع، والرفع منه، وإذا قام من الثنتين في مغربٍ أو رباعيّة، وهو أحمد في رواية عنه. قال إسحاق بن إبراهيم في «مسائله» (1) ــ وهي من أقدم مسائل حُدّث بها عن الإمام أحمد ــ: «سمعت أبا عبد الله ــ وسئل عن الرجل إذا نهض من الركعتين: يرفع يديه؟ ــ فقال: إذا فعله فما أقْرَبه، فيه عن (2) ابن عمر، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وأبي حميد، وأحاديث صحاح». وهو وجهٌ لأصحاب الشافعي، واختاره أبو زكريا النواوي، وقال: هو الصحيح أو الصواب، فقد ثبت ذلك في «صحيح البخاري» وغيره عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ونصّ عليه الشافعي رحمه الله، وهو اختيار ابن المنذر وأبي علي الطبري (3). [ق 85] قلت: وجمهور أصحاب الشافعي وأحمد أنه لا يرفع يديه في هذا الموضع، وهو المنصوص عن أحمد في رواية المرّوذي وغيره. _________ (1) (1/ 49). وبقية كلامه: «ولكن قال الزهري في حديثه: ولم يفعل في شيء من صلاته. وأنا لا أفعله». (2) صحح عليها في الأصل. (3) انظر «المجموع شرح المهذب»: (3/ 446).

(1/253)


قال الخلّال في «جامعه»: أخبرنا المرّوذي قال: سئل أبو عبد الله عن رفع اليدين إذا قام من الثنتين؟ فقال: لستُ أذهبُ إليه، وقد رواه أبو حُمَيد، ورواه عُبيدالله، عن نافع، عن ابن عمر. وبلغني أنَّ عبدالأعلى رفعه، إلا أنَّا نذهبُ إلى حديث الزُّهريّ، عن سالم، عن ابن عمر يعني عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: أنه كان لا يفعل ذلك في السجود. قال الخلال: وقال غير المرّوذي: قال أبو عبد الله: أثبتُ من روى هذا الحديث الزُّهريّ عن سالمٍ عن أبيه. قال الخلّال: وقال مهنأ: سألت أحمد ويحيى قلت: حدّثوني عن رِفْدة ابن قُضاعة الغسَّاني قال: ثنا الأوزاعي، عن عبد الله بن عُمير الليثي، عن أبيه، عن جدّه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرفع يديه مع كلِّ تكبيرة في الصلاة المكتوبة (1) = فقالا: ليس بصحيح، ولا نعرف عُبيد بن عُمير يحدّث عن أبيه عن جده شيئًا، ولا غير جدِّه، ولا نعرف رِفْدة بن قُضاعة. وقال يحيى: رِفْدة بن قُضاعة قد سمعتُ منه وهو شيخ ضعيف، ولو كان جاء بهذا رجل معروفٌ مثل هِقْل كان عسى. انتهى كلام الخلال (2). _________ (1) سبق تخريجه (ص/21). (2) وقال أبو داود في «مسائله» (236): «سمعت أحمد سئل عن الرفع إذا قام من الثنتين؟ قال: أما أنا فلا أرفع يدي .. ». وقال في «مسائل ابنه عبد الله» (320): «وقد سئل عن الرفع في الصلاة؟ فقال: يرفع إذا رفع رأسه، ولا يرفع بين السجدتين». ونص على المواضع الثلاثة في «مسائل الكوسج» (187)، و «مسائل صالح» (549).

(1/254)


فأحمد رحمه الله ردّ رفع اليدين إذا قام من الثنتين بقول سالم عن أبيه عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أنه كان لا يفعل ذلك في السجود، وردّه بتضعيف حديث الرَّفع مع كلّ تكبيرة. وفي هذا الدّفع (1) نوعُ وهمٍ منه رحمه الله؛ فإنَّ البخاريّ في «صحيحه» (2) قال: حدثنا عيَّاش، ثنا عبدالأعلى، ثنا عبيدالله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر: أنه كان إذا دخل في الصلاة كَبّر ورفع يديه، [وإذا ركع رفع يديه] وإذا قال: «سمع الله لمن حمده» رفعَ يديه، وإذا قام من الركعتين رفع يديه. ورفع ابن عمر ذلك إلى نبيّ الله - صلى الله عليه وسلم -. ورواه أيضًا حماد بن سلمة، عن أيوب السختياني، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (3). ورواه أيضًا محمد بن عبدالأعلى الصنعاني، ثنا المُعْتَمِر بن سليمان، عن عبيدالله بن عمر، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يرفع يديه إذا جاء الصلاةَ (4)، وإذا أراد أن يركع، وإذا رفع رأسَه من الرُّكوع، وإذا قام من الرّكعتين، يرفع يديه في ذلك _________ (1) رسمها في الأصل «الرفع». (2) رقم (739). ومابين المعكوفين منه. (3) ذكره البخاري عقب الحديث. (4) كذا في الأصل، وفي مصادر الحديث «دخل في الصلاة».

(1/255)


كلِّه (1). وقال أبو داود في «سننه» (2): ثنا عثمان بن أبي شيبة، ومحمد بن عُبيد المحاربي قالا جميعًا: ثنا محمد بن الفضيل (3)، عن عاصم بن كُلَيب، عن مُحارب بن دِثار، عن ابن عمر قال: كان النبيّ - صلى الله عليه وسلم - إذا قام في الركعتين كَبّر ورفع يديه. وقال محمد بن عبدالسلام الخُشني: ثنا محمد بن بشَّار، ثنا عبد الوهاب [ق 86] بن عبدالمجيد الثقفي، عن عبيدالله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر: أنه كان يرفع يديه إذا دخل في الصلاة، وإذا ركع، وإذا قال: «سمع الله لمن حمده»، وإذا سجد، وبين الركعتين يرفعهما إلى ثدييه (4). فهذا عبيدالله بن عمر عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه. وعبدالأعلى عن عبيدالله عن نافع عن ابن عمر. وأيوب السّخْتياني عن نافع عن ابن عمر. ومحارب بن دِثار عن ابن عمر: أنه رفع يديه عند القيام من الثنتين. _________ (1) أخرجه من هذا الطريق النسائي في «الصغرى» (1182) و «الكبرى» (1106)، وابن خزيمة (693)، وابن حبان (1877)، والطحاوي في «شرح مشكل الآثار»: (15/ 42). (2) (743). وتقدم (ص 90). (3) (ف): «الفضل» تحريف. (4) أخرجه من هذا الطريق ابن حزم في «المحلى»: (4/ 93). وأخرجه من طريق محمد ابن بشار عن عبد الوهاب به الروياني في «مسنده» (1389). وأشار إلى روايته أبو داود في «السنن»: (1/ 474 - 475) قال: «ورواه الثقفي عن عبيد الله وأوقفه على ابن عمر، قال فيه: وإذا قام من الركعتين يرفعهما إلى ثدييه، وهذا هو الصحيح».

(1/256)


وفي حديث أبي حُميد الساعدي (1) في صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام إلى الصلاة يرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، وذكر الحديث ... وقال فيه: ثم إذا قام كبَّر ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه كما كبّر عند افتتاح الصلاة. قال أبو داود (2): ثنا أحمد بن حنبل، ثنا أبو عاصم هو الضحّاك بن مَخْلد، أنبا عبدالحميد بن جعفر، أخبرني محمد بن عَمرو بن عطاء، قال: سمعت أبا حُمَيد الساعديّ في عشرةٍ من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... فذكر الحديث بهذه الزيادة. وأما قوله: «وكان لا يفعل ذلك في السجود» فليس فيه نفيٌ للرفع عند القيام من الثنتين. وأما تضعيف رِفْدة بن قُضاعة عن عُبيد بن عُمير: أنه كان يرفع يديه مع كل تكبيرة في الصلاة المكتوبة؛ فلا يلزم منه تضعيف أحاديث الرَّفع عند القيام من الثنتين ولا تعليلها. وقال أبو البركات ابن تيميَّة في «شرحه» (3): «وأما رفع اليدين عند _________ (1) تقدم (ص/24 - 25). (2) (963). وقد تقدم (ص 252). (3) المقصود به كتاب «منتهى الغاية في شرح الهداية» للشيخ مجد الدين عبد السلام بن تيمية جدّ شيخ الإسلام (ت 652). و «الهداية» لأبي الخطاب الكلوذاني. قال ابن بدران في «المدخل»: (ص/232): «لكنه بيّض بعضه وبقي الباقي مسوَّدة. وكثيرًا ما رأينا الأصحاب ينقلون عن تلك المسوّدة، ورأيت منها فصولًا على هوامش بعض الكتب».= = ... وذكر ابن رجب في «الذيل»: (4/ 6) أن القدر المبيض منه أربع مجلدات كبار إلى كتاب الحج. وانظر «المدخل المفصل»: (2/ 714) لشيخنا بكر أبو زيد. وقد ذكره شيخ الإسلام من جملة الكتب التي يعرف منها الصحيح من الروايتين والوجهين في المذهب «مجموع الفتاوى»: (20/ 227 - 228).

(1/257)


النُّهوض من الرَّكعتين إلى الثالثة؛ فالمشهور عن أحمد أنه لا يستحبُّ؛ لأن الأحاديث المتفق على صحَّتها إنما جاءت بالثلاثة المواضع. وعنه ما يدلُّ على استحبابه، وبه قال أهلُ الحجاز وابن المنذر وأبو علي الطبري من الشافعية، وهو الصحيح عندي؛ لأن ذلك قد صح من رواية عليٍّ وأبي حُميد في عشرة من الصحابة. وأخرج البخاري في «صحيحه» (1) عن نافع أن ابن عمر: كان إذا دخل في الصلاة كبّر ورفع يديه، وإذا ركع رفع يديه, وإذا قال: «سمع الله لمن حمده» رفع يديه، وإذا قام من الركعتين رفع يديه، ورفع ذلك ابنُ عمر إلى النبيّ - صلى الله عليه وسلم -. ولم يَرِد في شيء من الأحاديث الصحيحة تصريحٌ بترك الرفع في هذا الموضع، ثم يحتمل أن إمساك من أمسك عنه، لكونه - صلى الله عليه وسلم - كان يتركه في كثير من الأوقات بخلافه في المواضع الثلاثة، فيكون في الاستحباب دونها، ونحن نقول بذلك». * * * _________ (1) رقم (739).

(1/258)


 فصل [قول من استحبّ رفع اليدين عند كل خفض ورفع]

وأما من استحبَّ الرّفع عند كلِّ خفضٍ ورفع، وهو جماعةٌ من السَّلف وأحمد في رواية عنه, وأبو محمد بن حَزْم في غير تكبيرة الإحرام، فإنّه [ق 87] يرى الرَّفع عندها فرضًا لازمًا. قال أحمد بن أصْرَم المُزَني: رأيت أبا عبد الله يعني أحمد يرفع يديه في الصلاة في كلّ خفضٍ ورفع. وسئل عن رفع اليدين في الصلاة؟ فقال: في كلِّ خفض ورفع. وسئل عن رفع اليدين إذا قام من الرّكعتين؟ فقال: قد فعل (1). وقال الميموني: رأيتُ أبا عبد الله عند الافتتاح، وعند الركوع والسجود يرفع جميعًا يديه قريبًا من أُذنيه (2). _________ (1) نقلها ابن رجب في «فتح الباري»: (4/ 324). (2) قال المصنف في «بدائع الفوائد»: (3/ 977 - 978): «اختلف قول أحمد في رفع اليدين فيما عدا المواضع الثلاثة؛ فأكثر الروايات عنه أنه لم ير الرفع عند الانحدار إلى السجود، ولا بين السجدتين، ولا عند القيام من الركعتين، ولا فيما عدا المواضع الثلاثة في حديث ابن عمر. (ثم ذكر رواية ابن أصرم التي ساقها هنا). وقال: ونقل عنه جعفر بن محمد ــ وقد سئل عن رفع اليدين ــ فقال: يرفع يديه في كلِّ موضع إلا بين السجدتين. ونقل عنه المرّوذي: لا يعجبني أن يرفع يديه بين السجدتين فإن فعل فهو جائز». وقال أبو داود في «مسائله» (236): «سمعت أحمد سئل عن الرفع إذا قام من الثنتين؟ قال: أما أنا فلا أرفع يدي، فقيل له: بين السجدتين أرفع يدي؟ قال: لا». وانظر ما سبق (ص/157).

(1/259)


فحُجَّة هؤلاء تأتي في الفصل الذي بعد هذا، ولكن رفع اليدين عندهم في عدا المواضع الثلاثة ليس استحبابُه وسنّيته كالمواضع الثلاثة، فإنَّ تلك الرّفع فيها ثابت لا معارض له، والأحاديثُ فيه في غاية الصحَّة، وهو فيما عداها منقول بأحاديث ليست في الصحّة كتلك ولها معارض. * * *

(1/260)


 فصل [قول من أوجب الرفع عند تكبيرة الإحرام]

وأما مذهب أبي محمد بن حزم (1): أنه يجب رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام ويُسنُّ فيما عداها عند كلّ خفض ورفع، فإنه احتجَّ على وجوب الرّفع عند تكبيرة الإحرام بأنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فَعَلَه، وقال: «صلّوا كما رأيتموني أصلي» (2)، ولم يثبت عنه ترك الرَّفع في هذا الموضع، بل جميع الأحاديث متفقة على الرَّفع عند الافتتاح فعلًا، وقد أمر الأمّة أن يصلوا كصلاته. وأما استحباب الرفع فيما عدا تكبيرة الإحرام؛ فلِفِعله - صلى الله عليه وسلم - الذي قد صحَّ عنه. فأما حديث البراء بن عازب وابن مسعود (3): أنه رفعهما في تكبيرة الإحرام ثم لم يَعُد؛ فهذا يدلُّ على أنه ليس بواجب، وفِعْله له يدلّ على أنه مستحبّ، فلذلك قلنا بكونه سنّة فيما عدا تكبيرة الافتتاح، وفرضًا في تكبيرة الافتتاح. قال أبو داود (4): ثنا [عبيدالله بن عمر] (5) بن ميسرة الجُشَمي، ثنا _________ (1) انظر «المحلى»: (3/ 234 - 236). وقال: إنه قول الأوزاعي وبعض من متقدمي الظاهرية. أقول: وهو اختيار الحافظ أحمد بن سيار المروزي (ت 268) ذكره النووي في «المجموع»: (3/ 399) وقال: إنه خالف الإجماع. وانظر في ترجمته «السير»: (12/ 410). (2) أخرجه البخاري (683) من حديث مالك بن الحويرث، وأصله في مسلم (674). (3) تقدم تخريجهما (ص 43 - 50، 50 - 83). (4) (723). (5) الأصل و (ف): «عبدالله بن ميسرة»، والمثبت من «السنن».

(1/261)


عبدالوارث هو ابن سعيد، ثنا محمد بن جُحَادة، حدثني عبدالجبار بن وائل، قال: حدثني علقمة بن وائل (1)، عن وائل بن حُجْر، قال: صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكان إذا كبَّر رفع يديه، ثم التحف، ثم أخذ شماله بيمينه وأدخل يده في ثوبه، فإذا أراد أن يركع أخرج يديه ثم رفعهما، وإذا أراد أن يرفع رأسه من الركوع رفع يديه ثم سجد ووضع جبهته بين كفيه، وإذا رفع رأسه من السجود أيضًا رفع يديه حتى فرغ من صلاته. قال محمد بن جُحَادة: فذكرت ذلك للحسن بن أبي الحسن فقال: هي صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعَلَه من فعَلَه وتَرَكَه من تَرَكَه. وقال النسائي (2): أبنا محمد بن المثنى، ثنا معاذ بن هشام الدستوائي وعبد الأعلى ومحمد بن أبي عدي، قال عبدالأعلى وابن أبي عدي: عن سعيد ابن أبي عَروبة، عن قتادة. وقال معاذ: ثنا أبي [ق 88] عن قتادة، ثم اتفقوا عن _________ (1) كذا في الأصل و (ف). والذي في «سنن أبي داود»: «عبد الجبار بن وائل بن حُجر قال: كنت غلامًا لا أعقل صلاة أبي، قال: فحدثني وائل بن علقمة عن أبي وائل بن حجر». وقال ابن حبان (1862) بعد أن أخرجه من هذا الطريق: «محمد بن جُحادة من الثقات المتقنين، وأهل الفضل في الدين، إلا أنه وهم في اسم هذا الرجل، إذ الجواد يعثر فقال: وائل بن علقمة وإنما هو: علقمة بن وائل»، وكذلك قال ابن خزيمة بعد أن أخرج الحديث (905). وانظر «تحفة الأشراف»: (9/ 92)، و «البدر المنير»: (3/ 512). فالثابت في سنن أبي داود (وائل بن علقمة) على الوهم، والذي في الأصل هنا إصلاح له. (2) «الصغرى» (1085، 1086، 1087)، و «الكبرى» (676، 677، 678). وقد ساقها النسائي مفرَّقة الأسانيد وجمعها المصنف. وما بين المعكوفات مستدرك من النسائي.

(1/262)


نَصْر (1) بن عاصم، عن مالك بن الحويرث: رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - رفع يديه في صلاته إذا ركع، وإذا رفع رأسه من ركوعه، وإذا سجد، وإذا رفع رأسه من سجوده، حتى يحاذي بهما فروع أذنيه. هذا لفظ ابن أبي عدي وعبد الأعلى. وقال معاذٌ في حديثه: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل في الصلاة رفعَ يديه، وإذا ركع فعل مثل ذلك، وإذا رفع رأسه [من الركوع] فعل مثل ذلك، [وإذا رفع رأسه من السّجود فعل مثل ذلك]. وقال أبو بكر بن أبي شيبة (2): ثنا عبد الوهاب بن عبدالمجيد الثقفي، عن حميد، عن أنس: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يرفع يديه في الركوع والسجود. قال ابن حزم (3) ــ وقد ساق أحاديثَ ابن عمر وأبي حُميد وأبي قتادة ووائل بن حُجر ومالك بن الحُويرث وأنس ــ: «فهذه آثار متواترة توجب يقين العلم، ولو كان ما رواه الزُّهري، عن سالم، عن ابن عمر زائدًا على ما رواه علقمة، عن ابن مسعود لوجب أخْذُ (4) الزّيادة؛ لأن ابن عمر حكى أنه رأى ما لم يَرَه ابنُ مسعود من رفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يديه عند الركوع، وعند الرفع من الركوع، وكلاهما ثقة، وكلاهما حكى ما شاهد، وقد خفي على ابن مسعود أمر وضع اليدين على الرُّكبتين وعَرَفه غيره، وما نحمل كِلْتَا _________ (1) الأصل و (ف): «نضر» خطأ. (2) (2449). (3) في «المحلى»: (4/ 92 - 95). (4) العبارة في «المحلى»: «فكان ما رواه ... ووجب أخذ ... ».

(1/263)


روايتيهما إلا على المشاهدة الصحيحة (1). وكان ما رواه نافع ومحارب بن دثار كلاهما عن ابن عمر، وما رواه أبو حميد وأبو قتادة وثمانية من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، من رفع اليدين عند القيام إلى الركعتين= زيادة على ما رواه الزُّهري عن سالم عن ابن عمر، وكلٌّ ثقةٌ، وكلٌّ مُصدَّق فيما ذكر أنه سمعه ورآه، وأَخْذُ الزيادة واجب». قلت: قد تقدّم أن الزّهري روى عن سالم عن أبيه الرفع عند القيام من الثنتين (2). قال ابن حزم: «وكان ما رواه أنسٌ من رفع اليدين عند السجود: زيادة على ما رواه ابن عمر، والكلُّ ثقة فيما روى وشاهد. وكان ما رواه مالك بن الحويرث من رفع اليدين في كلّ ركوع ورفع [من ركوع]، وكلّ سجودٍ ورفعٍ من سجود: زائدًا على كلِّ ذلك، فالكلُّ ثقات فيما رووه وما سمعوه, وأخذ الزيادات فرض لا يجوز تركها؛ لأن الزيادة حُكْم قائم بنفسه رواه من عَلِم ولا يضرُّه سكوتُ من لم يروه عن روايته، كسائر الأحكام كلّها ولا فرق. وممن قال بما ذكرناه: ابن عمر ... ». ثم ساق من طريق عُبيدالله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر: أنه كان يرفع يديه إذا دخل في الصلاة، وإذا ركع، وإذا قال: «سمع الله لمن حمده»، _________ (1) العبارة في «المحلى»: «على الركبتين، فكيف وما تحمل كلا روايتيهما» غير مستقيمة. (2) التعليق للمؤلف، وانظر (ص/15).

(1/264)


وإذا سجد، وبين الرّكعتين , وقد تقدم (1). ثم قال: «وهذا إسناد لا داخلة فيه، وما كان ابن عمر ليرجع إلى خلاف ما رواه من ترك الرّفع عند السجود إلا وقد صحَّ [ق 89] عنده فعل النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لذلك». ثم ساق من طريق الخُشَني، ثنا محمد بن المثنى، ثنا أبو سهل النّضْر ابن كثير السعدي، قال: صلى إلى جنبي ابن طاووس في مسجد الخيف، فكان إذا رفع رأسه من السجدة الأولى رفع يديه تلقاء وجهه، فأنكرتُ ذلك عليه، وقلت لوُهَيب بن خالد: إنّ هذا يصنع شيئًا لم أر أحدًا يصنعه! فقال ابن طاووس: رأيت أبي يصنعه، وقال [أبي]: رأيت عبد الله بن عباس يصنعه (2). ثم ساق من طريق حماد بن زيد، عن أيوب السختياني، قال: رأيت طاووسًا ونافعًا مولى ابن عباس (3) يرفعان أيديهما بين السجدتين. قال حماد: وكان أيوب يفعله. ثم ساق من طريق عبدالرزَّاق، عن ابن جريج، قلت لعطاء: رأيتك تكبِّر بيديك حين تستفتح، وحين تركع، وحين ترفع رأسَك من الركعة، وحين ترفع رأسك من السجدة الأولى ومن الآخرة، وحين تستوي من مثنى، قال: _________ (1) (ص/255). (2) «فقال ابن طاووس ... يصنعه» سقط من (ف). و «أبي» سقطت من الأصل، ووقعت في «المحلى»: «لي» تحريف، والمثبت من سنن أبي داود والنسائي وغيرهما. (3) كذا في الأصل مصحّحًا عليه، وفي «المحلى»: «ابن عمر» وهو الصحيح.

(1/265)


أجل. [قلت: تخْلُف باليدين الأذنين؟ قال: لا] (1) قد بلغني ذلك عن عثمان أنه كان يخلف بيديه أذنيه». قلت: أما زيادة رفع اليدين عند القيام من الثنتين، فصحيحة كما تقدم (2) ولا مَطْعَن فيها، ولكن استحبابها دون استحباب الرَّفع في المواطن الثلاثة. وأما زيادة الرفع عند السجود والرفع منه، فلم يرو أصحابُ الصحيح منها شيئًا، والصحيح عن ابن عمر فعلًا منه وروايةً عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان لا يفعل ذلك في السجود، وهكذا سائر من روى عن ابن عمر فِعْله، فإنه اقتصر على المواضع الثلاثة، وصحَّ عنه الرَّفع في الرابع عند القيام من الثنتين. وأما حديث عبد الوهاب الثقفي، عن عبيدالله، عن نافع عنه: أنه كان يرفع يديه إذا سجد؛ فالزُّهريّ أحفظ وأثْبَت من عبد الوهاب الثقفي، وقد روى عن سالم عن أبيه، وعن نافع عنه: أنه كان (3) لا يفعل ذلك في السجود (4). فإذا تعارضت رواية الزُّهري ورواية عبد الوهاب كانت رواية الزُّهري أولى أن يؤخَذ بها. وكذلك رواية أيوب عن نافع لم يذكر فيها الرفع من السجود. وكذلك _________ (1) سقط من الأصل، واستدركته من المحلى. (2) (ص/90). (3) «يديه إذا سجد ... كان» سقط من (ف). (4) انظر (ص/13، 254).

(1/266)


رواية (1) مُحارب بن دِثار عن ابن عمر لا ذِكْر فيها للرفع للسجود ولا بين السجدتين (2). وأما حديث مالك بن الحُوَيرث (3)؛ فقد ذكر النسائيُّ علَّته في نفس الإسناد، وهي أنّ معاذ بن هشام قال: عن أبيه، عن قتادة، عن نَصْر بن عاصم، عن مالك بن الحويرث: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل في الصلاة رفع يديه، وإذا ركع فعل مثل ذلك، وإذا رفع رأسه فعل مثل ذلك فقط. فهذا موافقٌ لحديث ابن عمر وحديث أبي حُميد ومن معه، ولعل حديث ابن أبي عَديّ وعبدالأعلى رُوي بالمعنى، فظنَّ من رواه أنّ الرّفع عند رفع الرأس من الركوع والسجود. وبالجملة فهذا حديث معلول مخالف [ق 90] للأحاديث الصحيحة عن ابن عمر وأبي حميد وغيرهما. وأما حديث وائل بن حُجر (4)، فالصحيح من حديثه ما قدمناه في أول المسألة ولا ذِكْر فيه للرَّفع بين السجدتين. وأما حديث عبد الوهاب عن حُميد عن أنس: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يرفع يديه في الركوع والسجود (5)؛ فهذا ــ والله أعلم ــ من تخليط عبد الوهاب، وهو الذي روى أيضًا عن عُبيدالله عن نافع عن ابن عمر: أنه _________ (1) «أيوب ... رواية» سقطت من (ف). (2) انظر (ص/89 - 90). (3) سبق (ص/262 - 263). (4) تقدم (ص/261 - 262). (5) تقدم (ص/263).

(1/267)


كان يرفع يديه إذا سجد (1). وانفرد بذلك عن سائر أصحاب عبيدالله، وعمَّا رواه الناس عن نافع وسالم= فعُلِم غلط عبد الوهاب، وأنه لم يحفظ ذلك كما حفظه الزُّهري وأيوب وغيرهما. ومما يدلُّ على أنّ حديثَه عن حُميد عن أنس غلط: أن أصحاب أنس لم يذكر أحدٌ منهم عنه ذلك، ولا أصحاب حميد، غير رواية عبد الوهاب هذه التي انفرد بها، فهي شاذَّة منكرة. هذا، وأبو محمد لا يندفع بمثل هذا الكلام الذي المحاكمةُ فيه إلى ذوق العارفين بالحديث وأطبّاء علله وجهابذة نُقَّاده؛ فإنَّ الظّاهرية المحضةَ لا تناسب طريقَهم ولا تلتئم على أصولهم، فمن سَلَكها ومضى فيها كالسِّكَّة المُحْمَاة (2) لم يطمع منازِعُه في استنزاله عن قوله، ولا في رجوعه إليه ألبتة. ولكلٍّ من علماء الإسلام اجتهادٌ يثيبه الله عليه، ويجمع له به بين أجرَين، أو يقتصر به على أجر واحد. رضي الله عنهم أجمعين، وجزاهم أفضل جزاء المحسنين. _________ (1) تقدم (ص/254). (2) السّكة المحماة: الحديدة الحارة، ووجه التشبيه بها في الحرارة والسرعة والنفوذ. قال ابن أبي الحديد في «شرح نهج البلاغة»: (10/ 262) في شرح قول علي رضي الله عنه: (أكون في أمرك كالسكة المحماة في الأرض) قال: «وذلك أن السكة المحماة تخرق الأرض بشيئين: أحدهما تحدّد رأسها، والثاني حرارته، فإنَّ الجسم المحدّد الحار إذا اعتمد عليه في الأرض اقتضت الحرارة إعانة ذلك الطرف المحدد على النفوذ بتحليلها ما تلاقي من صلابة الأرض، لأن شأن الحرارة التحليل، فيكون غوص ذلك الجسم المحدّد في الأرض أوحى وأسهل».

(1/268)


 فصل [قول من رأى الرفع كله واجبًا]

وأما من رأى الرفعَ كلَّه واجبًا؛ فحجَّتهم فعل النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، ومداومته عليه، وأمره للأمة أن يصلوا كما رأوه يصلي، ولم يصحِّح هؤلاء خبر البراء ابن عازب، ولا خبر ابن مسعود: أنه رفع يديه عند تكبيرة الإحرام ثم لم يعد (1)، وهذا كان طَرْد قول أبي محمد بن حَزْم، لكن صحَّح حديثَي البراء وابن مسعود. وقال بعد رواية حديث ابن مسعود: ألا أُريكم صلاةَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فرفع يديه في أول تكبيرة ثم لم يَعُد= فقال (2): «هذا الخبر صحيح، وليس فيه إلا أنّ رفع اليدين فيما عدا تكبيرة الإحرام ليس فرضًا، ولولا هذا الخبر لكان رفع اليدين عند كلِّ خفْضٍ ورفع وتكبير وتحميد في الصلاة فرضًا؛ لأنه قد صحَّ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - رَفْع اليدين عند كل رفع، وصح عنه: «صلّوا كما رأيتموني أصلي» (3)، فلولا حديث ابن مسعود هذا لكان فرضًا على كلِّ مصلٍّ أن يصلي كما كان - صلى الله عليه وسلم - يصلي، لكن لمَّا صحَّ خبرُ ابن مسعود عَلِمْنا أن رفع اليدين فيما عدا تكبيرة الإحرام سنة ونَدْب فقط. وإن كان عليٌّ وابن مسعود لا يرفعان، فقد كان ابن عمر وابن عباس _________ (1) تقدما (ص/43، 50). (2) «المحلى»: (4/ 88). (3) تقدم تخريجه (ص 261).

(1/269)


وجماعة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرفعون، فليس فِعْلُ بعضهم حجّةً على فعل بعض، بل الحجّة على [ق 91] جميعهم ما صحَّ عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم -. وعلى كلِّ حال، فإن كان ابن مسعود وعليٌّ لا يرفعان، فما جاء عنهما قطُّ أنهما كرها الرّفع ولا نهيا عنه كما يفعل هؤلاء». انتهى كلامه. فمن سلك هذه الطريقة ولم يصح عنده خبر ابن مسعود والبراء بن عازب= أوجب الرفعَ في المواطن التي صحَّ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرفعَ فيها، كما قال عليّ بن المديني: حقٌّ على المسلمين أن يرفعوا أيديهم على حديث ابن عمر (1). وكان عبد الله بن عمر يحصب من لم يرفع يديه (2). ولا ريب أنّ الرّفع في الصلاة مراتب؛ أقواها: الرّفع عند تكبيرة الافتتاح، ويليه: الرّفع عند الرّكوع والرّفع منه، ويليه: الرّفع عند النهوض من الرّكعتين، ويليه: الرّفع عند السّجود والرفع منه. ومن تدبر الأحاديث ومخارِجَها ومراتبها تبين له ذلك، والله أعلم. وليس هذا الترتيب لأجل الاختلاف، ولكن هو مقتضى الأحاديث، وبه يُجْمَع بينها. ولا ريب أن أحاديث الرّفع في كلّ خفضٍ ورفع ليست باطلةً بأسرها، وليست في القوّة والشهرة كأحاديث الرّفع في المواطن الثلاثة. ولا ريب أنَّ من الصحابة من كان لا يرفع يديه عند الرّكوع والرّفع منه، ولم يكن _________ (1) تقدم (ص 30). (2) تقدم (ص 32).

(1/270)


فيهم أحد يترك الرّفع عند افتتاح الصلاة، والرّفعُ فيه صحيح عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، ولم يعارضه شيء ألبتة، فهو أقوى من غيره، والله أعلم. * * *

(1/271)


 فصل [قول من غلا فأبطل الصلاة بالرفع]

وأما من غلا في خلاف السنة فأبْطَلَ الصلاة بالرفع، فيقابله قول من أبطل الصلاة بتركه، وهم أعْذَر عند الله ورسوله وعند أهل العلم من أولئك، فإنهم أبطلوا الصلاة لخلوِّها عمّا فعله النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وداوم عليه، وأمر أمَّته أن يقتدوا به في صلاته، وأخَذَ به أصحابه من بعده، فجرى عندهم مجرى السجود على الجبهة دون الخدِّ، وعلى بطون الكفين دون ظهورهما، ولأنه عبوديّة لليدين في هذه المواطن؛ فتعطيل الرفع فيها تعطيلٌ لعبودية بعض البدن، فجرى مجرى تعطيل غيرها من الأعضاء عن العبودية، ولأنَّ الصّحابة أنكروا على من لم يرفع، وعاقبه بعضُهم بأن حَصَبه على تركه، ولأنّ مداومة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أمارةُ وجوبه. قالوا: وأين إبطال الصلاة بالقهقهة من إبطالها بترك الرفع!؟ وكذلك أين إبطالها بترك التسمية التي صحَّ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه ترك الجهر بها ولم يصحّ عنهم قراءتها= مِنْ إبطالها بترك الرفع؟! قالوا: وكذلك من أَبْطَلها بترك التسبيح في الركوع والسجود، وسؤال المغفرة بين [ق 92] السجدتين، بل من أبطلها بترك التأمين والاستفتاح والاستعاذة، وترك التعوُّذ في التشهد الأخير كقول طاووس ومن اتّبعه، ومن أبطلها بترك مباشرة المصلَّى بالجبهة، ومن أبطلها بترك الاعتماد في السجود، ومن أبطلها بترك تكبيرة من تكبيرات الانتقال أو ثلاث عمدًا، ومن أبطلها بترك التسليمة الثانية عمدًا، ومن أبطلها بترك التشهد الأول=

(1/272)


فليست الأحاديث في رفع اليدين ومواظبة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عليها بدون الأحاديث في هذه الأشياء. وأما إبطال الصلاة بما كان النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يواظب عليه، وقد تواتر عنه وعن أصحابه فمن العظائم!! وإن أُحْسِن الظنُّ بقائله ظُنَّ به أنه لم يعتن بالحديث ولا سَمِعَه ولا كَتَبَه، ولا عَلِم ما تضمَّنته السُّنة من ذلك. * * *

(1/273)


 فصل [مسائل تتعلق بالرفع وكيفيته وابتدائه وانتهائه]

وهذه مسائل تتعلق بالرفع وكيفيته وابتدائه وانتهائه، ذكرناها ليكون الكتاب جامعًا لأحكام هذه المسألة كافيًا في معناه. المسألة الأولى: لا تختلف الرِّواية عن أحمد أن رفع اليدين في المواطن الثلاثة يطلق عليه أنه سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وهل يُطْلَق على تاركه أنه تاركٌ للسنة؟ فيه عن أحمد روايتان: إحداهما: أنه تارك للسنة، قال في رواية جعفر بن محمد: من ترك رفع اليدين في الصلاة ترى أنه قد ترك سنةً من سنن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: نعم (1). وقال في رواية أبي نصر العجلي، وقد سأله عمن ترك رفع اليدين في الصلاة عند الركوع وبعدما يرفع رأسه أيكون قد ترك سنةً؟ قال: أخشى ذلك أو نحوه. وقال في رواية أبي بكر المرُّوذي ــ وقد سأله تقول: من ترك الرفع يكون تاركًا للسنة ــ قال: لا نقول هكذا، ولكن نقول: راغب عن فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - (2). _________ (1) بنحوها في «الفروع»: (2/ 200). (2) رواية المرّوذي في «الفروع»: (2/ 200)، وفي «الفتح»: (4/ 307) لابن رجب. وقال في «مسائل ابن هانئ»: (1/ 50): «ومن ترك الرفع فقد رغب عن سنة النبي - صلى الله عليه وسلم -». ونقل عنه الميموني: «الرفع عندنا أكثر وأثبت، فإن تأوّل رجل، فما أصنع»! انظر «الفتح» لابن رجب، الموضع السابق.

(1/274)


قال القاضي في «الجامع» (1): فظاهر هذا أنه توقَّف عن إطلاق ذلك، وليس هذا على طريق المنع وإنما هو على طريق الاختيار في العبارة، يعني تحسين اللفظ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَن رَغِب عن سُنتي فليس مِني» (2). فسمى تارك السنة: راغبًا عنها، فأحبَّ أحمد اتباع لفظ النبي - صلى الله عليه وسلم -. وإلَّا فالراغب في التحقيق هو التارك (3). وفي كتاب «العلم» للخلال: قيل لأحمد: إنْ تَرَك الرفع يكون تاركًا للسنة؟ فقال: لا تقل هكذا، ولكن قد رغب عن فعل النبيّ - صلى الله عليه وسلم -. المسألة الثانية: هل يطلق على تاركه اسم البدعة أم لا؟ فقال القاضي في «الجامع الكبير» له: قد أطلق أحمدُ القولَ بأنّ تاركه مبتدع، فقال في رواية محمد بن موسى وقد سأله [ق 93] رجل خراسانيّ: إنّ عندنا قومًا يأمرونا برفع اليدين في الصلاة وقوم ينهون عنه؟ فقال: لا ينهاك إلا مبتدع، فَعَل ذلك رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - (4). فقد أطلق اسم البدعة عليه. _________ (1) الجامع الكبير في الفقه، للقاضي أبي يعلى الحنبلي (ت 458) كتب قطعة منه منها الطهارة وبعض الصلاة والنكاح والصداق والخلع والوليمة والطلاق. قاله ابنه في «طبقات الحنابلة»: (3/ 384) ــ ط العثيمين. (2) أخرجه البخاري (5063)، ومسلم (1401) من حديث أنس رضي الله عنه. (3) نقله بأخصر مما هنا ابن مفلح في «الفروع»: (2/ 199 - 200)، وابن رجب في «الفتح»: (4/ 307 - 308). (4) ذكرها في «العدة»: (1/ 323)، ونقلها ابن مفلح في «الفروع»: (2/ 200)، وابن رجب في «الفتح»: (4/ 307).

(1/275)


قال القاضي: والوجه فيه ما تقدَّم من حديث ابن عمر أنّه كان إذا رأى مصلِّيًا لا يرفع يديه في الصلاة حَصَبه (1). وهذا مبالغة، ولأن رفع اليدين في تكبيرة الإحرام مجمع عليها. قاله ابنُ المُنذر في «خلافه» (2) قال: «لم يختلف أهل العلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة، واختلفوا في الحدِّ الذي يرفع إليه». وإذا كان مُجْمعًا عليه فمُنْكِره يكون مبتدعًا لمخالفته الإجماع (3). المسألة الثالثة: هل يُهْجَر من تركه أو أُمِرَ به فلم يفعله أم لا؟ قال الخلال في كتاب «العلم»: «سُئل أحمد عن رجل يؤمّ قومًا يخالف في صلاته أحاديث جاءت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل رفع اليدين، فقال: أَخْبِره وعلِّمْه، قيل: إن أخبرته فلم ينته، قال: إن أخبرته عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فلم يقبل فاهجره». وقيل لأحمد: عندنا قوم يأمرونا برفع اليدين في الصلاة، وقوم ينهونا عنه، فقال: لا ينهاك إلا مبتدع، فَعَل ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان ابن عمر _________ (1) تقدم مرارًا. (2) «الأوسط»: (3/ 72، 137). (3) نقل كلام القاضي في «الفروع»: (2/ 200). وقال ابن رجب تعليقًا على صنيع أحمد: «فلم يبدِّع إلا من نهى عن الرفع وجعله مكروهًا، فأما المتأوِّل في تركه من غير نهي عنه فلم يبدِّعه. قال: وقد حمل القاضي أبو يعلى قول أحمد: (إنه مبتدع)، على من ترك الرفع عندَ تكبيرة الإحرام. وهو بعيد» «الفتح»: (4/ 307).

(1/276)


يَحْصب من لا يرفع (1). المسألة الرابعة: هل يُطلَق على الرّفع أنّه من تمام الصلاة أم لا؟ قال القاضي: نقل الجماعة عن أحمد جواز إطلاق ذلك، فقال في رواية أحمد بن الحسين بن حسان في الرفع في الصلاة: هو من تمام الصلاة. وكذلك قال في رواية أبي الحارث: رفع اليدين في الصلاة إذا ركع وإذا رفع من تمام الصلاة. وقال في رواية إسحاق بن إبراهيم (2): من رفع فهو أتمّ ممن لا يرفع. فقد أطلق اسم التمام في هذه المواضع. وقال في رواية أبي داود (3) ــ وقد سئل: هو من تمام الصلاة؟ ــ فقال: تمام الصلاة لا أدري، لكن هو عندي في نفسه منقوص (4). وقال محمد بن _________ (1) تقدمت قريبًا. وقد قال صالح بن أحمد في «مسائله» (539): «قلت: ما تقول في رجل يؤم قومًا ويرفع يديه في الصلاة، ويجهر بآمين، ويفصل الوتر. والمأمومون لا يرضون بذلك، ومنهم من يرضى حتى إن أحدهم ليترك الوتر لحال التفصيل ويخرج من المسجد، فترى أن يرجع إلى قول المأمومين أم يثبت على ما يأمره أهل الفقه؟ فقال: بل يثبت على صلاته ولا يلتفت إليهم». وقال أيضًا (161): «وسألته عن رجل يبلى بأرض ينكرون فيها رفع اليدين في الصلاة وينسبون إليه الرفض إذا فعل ذلك، هل يجوز له ترك الرفع؟ قال أبي: لا يترك ولكن يداريهم». ورواها أيضًا الفضل بن زياد كما في «بدائع الفوائد»: (3/ 976) إلا أن فيها «وينسبونه إلى النقص». (2) (1/ 50). (3) (235). (4) كذا في نسخة من مسائل أبي داود، وفي أخرى: «متغَرِّض».

(1/277)


سيرين: هو من تمام الصلاة (1). قال القاضي: فقد توقَّف عن إطلاق ذلك في رواية أبي داود، وإنما توقف عن ذلك على نحو ما يقوله محمد بن سيرين، وأنه من تمام صحتها؛ لأنه قد حُكي عنه أنه قال: من تركه يعيد. فتوقف أحمد عن القول بذلك، ولم يتوقف عن القول بالتمام الذي هو تمام فضيلة وكمال واستحباب وسنة؛ لأنه قد صرَّح به في غير موضع (2). المسألة الخامسة: أنه يستحبّ له أن يمدَّ أصابعه، ويضمَّ بعضها إلى بعض عند الرفع. هذا مذهب أحمد في إحدى الروايتين عنه (3)، وأبي حنيفة (4) وعليّ بن المديني وإسحاق. وقال الشافعي (5) وأحمد في الرواية _________ (1) روى الإمام أحمد قول ابن سيرين بسنده الصحيح في «مسائل صالح» (1244). (2) نقل كلام القاضي ابن مفلح: (2/ 199 - 200). وقال ابن رجب في «الفتح»: (4/ 297): «ونص أحمد على أن من ترك الرفع نقصت صلاته، وفي تسميته (مِن تمام الصلاة)، عنه روايتان. ولا خلاف أنَّهُ لا يبطل بتركه عمدًا ولا سهوًا. وتوقف إسحاق بن راهويه في تسميته (ناقص الصلاة)، وقال: لا أقول: سفيان الثوري ناقص الصلاة» اهـ. (3) وهي أصحهما عنه. انظر «التمام»: (1/ 150). وروى أبو داود في «مسائله» (212): «سمعت أحمد سئل: تذهب إليه، أي: إلى نشر الأصابع إذا كبرت؟ قال: لا». (4) في هامش الأصل تعليق بخط مغاير نصه: «الذي في كتب الحنفية: أنه يسن نشر الأصابع عند الرفع. فتأمل». أقول: قال الكاساني في «بدائع الصنائع»: (1/ 199): «وأما كيفيته فلم يذكر في ظاهر الرواية، وذكر الطحاوي أنه يرفع يديه ناشرًا أصابعه مستقبلًا بهما القبلة، فمنهم من قال: أراد بالنشر تفريج الأصابع، وليس كذلك بل أراد أن يرفعهما مفتوحتين لا مضمومتين حين تكون الأصابع نحو القبلة». وانظر «حاشية ابن عابدين»: (2/ 208). (5) ينظر «الحاوي»: (2/ 99) للماوردي، و «المجموع»: (3/ 307) للنووي.

(1/278)


[ق 94] الأخرى: الأفضل تفريقها، لما روى أحمد عن أبي هريرة قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا كبر نشر أصابعه (1). _________ (1) للمصنف عناية ببيان قول أحمد في هذه المسألة، قال في «بدائع الفوائد»: (3/ 975 - 976): «وقال أحمد بن الحسين الترمذي: رأيت أبا عبد الله إذا افتتح الصلاة رفع يديه قريبًا من شحمه أذنيه ونشر أصابعه. وقال أبو داود: سمعت أحمد بن حنبل سئل: تذهب إلى نشر الأصابع إذا كبرت؟ قال: لا. قال أبو حفص: لعل أبا عبد الله أراد بالنشر الذي لم يذهب إليه التفريق الذي كان يقول به أولًا، والنشر الذي ذهب إليه آخرًا هو مدّ اليدين. وقد قال صالح (أقول: ليس في المطبوع من مسائله): سألت أبي عن رفع اليدين في التكبيرة الأولى؟ فقال يا بني كنت أذهب إلى حديث أبي هريرة: (كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا كبر نشر أصابعه) فظننت أنه التفريق، فكنت أفرّق أصابعي، فسألت أهلَ العربية فقالوا: هو الضم، وهذا النشر ــ ومد أبي أصابعه مدًّا مضمومة ــ وهذا التفريق، وفرق بين أصابعه» اهـ. ثم ساق حديث أبي هريرة الآتي في رفع اليدين مدًّا. أقول: حديث أبي هريرة: إذا كبر نشر أصابعه. أخرجه الترمذي (239)، وابن خزيمة (458)، وابن حبان (1769)، والحاكم: (1/ 359)، والبيهقي: (2/ 27). قال الترمذي عقبه: «حديث أبي هريرة حسن (كذا في المطبوع! وليس في المخطوط - نسخة الكروخي، ولم ينقله المزي في التحفة: 9/ 503) وقد روى غير واحد هذا الحديث عن ابن أبي ذئب عن سعيد بن سمعان عن أبي هريرة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا دخل في الصلاة رفع يديه مدًّا. وهذا أصح من رواية يحيى بن اليمان، وأخطأ يحيى ابن اليمان في هذا الحديث» اهـ. وأشار إلى ضعفه أبو داود في «مسائله لأحمد» (1854)، وضعفه أبو حاتم في «العلل» (265، 458)، والدارمي نقله عنه الترمذي، وضعفه البغوي في «شرح السنة»: (3/ 29)، والنووي في «المجموع»: (3/ 307).

(1/279)


وذكر الخلال في هذا الحديث (1): كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا افتتح الصلاة رفع يديه وفرَّج أصابعه. وحُجَّة أصحاب القول الأول: ما رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه كان إذا دخل في الصلاة رفع يديه مدًّا (2). قال الترمذي: هذا أصح من حديث يحيى بن يمان (يعني حديث النشر) قال: وحديثه خطأ (3). قالوا: وأن يضمَّها مبسوطة مستقيمة منتصبة نحو القبلة. وكذلك يستحبّ له أن يضعها حال السجود مبسوطةً مضمومة، ليكون أبلغ في استقبال القبلة بها. قالوا: وعلى هذا فمعنى «نَشْر الأصابع» ــ إن ثَبَت الخبرُ فيه ــ مدّها لا تفريقها، لأنه ضدّ الطِّيّ (4). ومن رواه: «فرَّج _________ (1) بعدها في الأصل «قال» لكنه ضرب عليها. وأبقى عليها في (ف). (2) أخرجه أحمد (10497)، وأبو داود (753)، والترمذي (240)، والنسائي (882)، وابن خزيمة (473)، وابن حبان (1777) وغيرهم. من طرق عن ابن أبي ذئب، عن سعيد بن سمعان، عن أبي هريرة به بألفاظ مختلفة. (3) قاله، ثم نقله عن شيخه عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي. (4) انظر ما سبق نقله عن أحمد في هذا (ص 79) حاشية (1). وقد ذكر ابن خزيمة في «صحيحه»: (1/ 233) صفةَ مدّ الأصابع عن أبي عامر، عن ابن أبي ذئب وهو راوي الحديث «قال هكذا - وأشار أبو عامر بيده ولم يفرج بين أصابعه ولم يضمها - وقال: هكذا أرانا ابن أبي ذئب. قال أبو بكر (ابن خزيمة): وأشار لنا يحيى بن حكيم: ورفع يديه ففرّج بين أصابعه تفريجًا ليس بالواسع ولم يضم بين أصابعه ولا باعد بينهما، رفع يديه فوق رأسه مدًّا».

(1/280)


أصابعه» (1) فخلاف الرواية المشهورة، والظاهر أنه عبارة بعض الرواة (2) بالمعنى الذي ظنَّه واعتقَدَه. المسألة السادسة: المستحبُّ أن يكون كفَّاه إلى جهة القبلة ولا يجعلهما إلى جهة أذنيه، نصَّ على ذلك أصحابنا والشافعية، وممن ذكره صاحب «التتمَّة» (3). وأما ما يفعله كثير من العامَّة من استقبال الأذنين بالكفين والأصابع فخلاف السنة، فإن الرّفع عبوديَّة اليدين كما تقدم، فينبغي أن يستقبلَ القبلةَ بهما كما يستقبلها بجملة بدنه، ولهذا يستقبل القبلة بهما في ركوعه وسجوده، ويستقبلها بأطراف أصابع رجليه، كما في حديث أبي حُميد الساعدي في وصفه صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم -: «واستقبلَ بأطراف أصابعه القبلة» (4). المسألة السابعة: في ابتداء الرَّفع متى يكون؟ _________ (1) روى الطبراني في «الأوسط» (7270) من طريق سعيد المقبري عن أبي هريرة: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى فرّج أصابعه. فلعل المؤلف عنى هذه الرواية. (2) الأصل و (ف): «الرواية» وصححها في هامش (ف): «الرواة»، وهو كذلك. (3) «التتمة» كتاب في فقه الشافعية، من تأليف شيخ الشافعية، أبي سعد، عبد الرحمن بن مأمون بن علي النيسابوري المتولي (ت 478). وهو تتمة لكتاب «الإبانة عن أحكام فروع الديانة» لشيخه أبي القاسم الفوراني (ت 461)، لكن عاجلته المنية عن تكميله، وانتهى فيه إلى الحدود. طبع منه ثلاثة مجلدات في مصر عام 1429 هـ. ومنه نسخة في دار الكتب المصرية رقم (1162). انظر «السير»: (18/ 585)، و «جامع الشروح والحواشي»: (1/ 83 - 84) للحبشي. (4) تقدم تخريجه (ص 24). وانظر «زاد المعاد»: (1/ 256).

(1/281)


فالمنصوص عن أحمد أنه يبتدئه مع ابتداء التكبير وينهيه مع انتهائه (1). وهذا مذهب عليِّ بن المديني، والمنصوصُ عن الشافعي أنه يرفعهما مع ابتداء التكبير ويُثْبِتهما مرفوعتين حتى يفرغ منه (2)، وذَكَر أصحابه في ذلك خمسة أوجه (3) هذا أحدها، وصحَّحه البغويّ. والثاني: أنه يرفع غير مكبّر، ثم يبتدئ التكبير مع إرسال اليدين وينهيه مع انتهائه. قلت: وهو خلاف منصوص الشَّافعي، فإنه قال: «ويرفع يديه حَذْو منكبيه حين يبتدئ التكبير، ويضع راحتيه على ركبتيه» (4)، وقال في الافتتاح: «ويرفع يديه إذا كبَّر حَذْو منكبيه» (5). والثالث: يبتدئ الرّفع مع ابتداء التكبير وينهيهما معًا. والرابع: يبتدئ الرّفع والتكبير معًا وينهي التكبير مع انتهاء الإرسال. والخامس: وهو الذي صحّحه جماعة منهم الرّافعي (6) [ق 95] _________ (1) انظر «المغني»: (2/ 138). (2) نص عليه في «الأم»: (2/ 238). وجعله النووي مطابقًا للصفة التي ذكرها المصنف عن أحمد. (3) ذكرها النووي في «المجموع»: (3/ 308)، و «روضة الطالبين»: (1/ 231). (4) «الأم»: (2/ 252) نحوه. (5) نفسه: (2/ 238). (6) انظر «العزيز شرح الوجيز»: (1/ 477) للرافعي.

(1/282)


والنواوي (1) وغيرهما: أنه يبتدئ الرّفع مع ابتداء التكبير، ولا استحباب في الانتهاء. وقال إسحاق بن راهويه: إن شاء رفع مع التكبيرة (2)، وإن شاء رفعهما ثم أثبتهما فكبر ثم أرسلهما، قال: وهو أحبّ إليّ. وذلك لما في «الصحيحين» (3) عن ابن عمر قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام إلى الصلاة رفع يديه حتى يكونا حذو منكبيه، ثم يكبر، فإذا أراد أن يركع رفعهما مثل ذلك، وإذا رفع رأسَه من الركوع رفعهما كذلك، وقال: «سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد». وروى أبو داود في «سننه» (4) عن وائل بن حُجْر أنه أبصر النبيّ - صلى الله عليه وسلم - حين قام إلى الصلاة رفع يديه حتى كانتا بحيال منكبيه، وحاذى بإبهاميه أذنيه ثم كبّر. قال الحنابلة: روى الإمام أحمد وأبو داود عن وائل بن حُجر: أنه رأى _________ (1) كذا، والذي رجحه النووي هو الأول، قال: «في وقت استحباب الرفع خمسة أوجه: أصحها .. هو أن يكون ابتداء الرفع مع ابتداء التكبير وانتهاؤه مع انتهائه. وهذا هو المنصوص قال الشافعي في الام ... » وذكر نصه. انظر «المجموع»: (3/ 308)، و «روضة الطالبين»: (1/ 231) كلاهما للنووي. وهذا القول الذي ذكره المؤلف إنما حكى النوويُّ تصحيحَ الرافعيّ له. (2) (ف): «التكبير». وذكر قوله بنحوه ابن رجب في «الفتح»: (4/ 299). (3) البخاري (738)، ومسلم (390) وسياق مسلم أقرب للفظ المصنف. (4) (725).

(1/283)


النبي - صلى الله عليه وسلم - يرفع يديه مع التكبير (1). قالوا: وروى البخاري والنسائي عن ابن عمر قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - افتتح التكبير في الصلاة، فرفع يديه حين يكبر حتى يجعلهما حذو منكبيه (2). وروى حَرْب في «مسائله» (3) عن أنس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يرفعهما مع التكبير. قال أبو البركات ابن تيميَّة: والذي يَقوى عندي التخييرُ بصفة التسوية بين الأمرين؛ لورود السنة بهما من غير ترجيح. المسألة الثامنة: إلى أين يستحبّ أن يبلغ بيديه عند الرَّفع؟ قال القاضي: «فيه ثلاث روايات عن أحمد (4): أحدها: يرفعهما حَذْو مَنْكبيه، نصّ عليه في مواضع من قوله وفعله: أما قوله؛ فقال في رواية الأثرم: أما أنا فأذهب إلى المنكبين لحديث ابن عمر. وقال في رواية صالح وإسحاق بن إبراهيم: حذو منكبيه إذا كبّر _________ (1) أحمد (18848)، وأبو داود (724). (2) البخاري (738)، والنسائي (876)، وفي «الكبرى» (648). (3) طبعت قطعة منها في مجلد تبدأ من أثناء النكاح، وسُجّلت قطعة أخرى من الطهارة إلى آخر الموجود منه رسالة علمية في الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية. وقد نقل هذه الرواية ابن رجب في «الفتح»: (4/ 300) والحديث من رواية الوليد بن مسلم عن الأوزاعي، قال ابن رجب: «وفي رواية: أن الوليد لم يسمعه مِن الأوزاعي. والوليد مدلس عن غير الثقات، وقد استنكر الإمام أحمد حديثه هذا» اهـ. (4) ذكر الروايات الثلاث ابن أبي يعلى في «الطبقات»: (3/ 155).

(1/284)


وإذا ركع وإذا رفع رأسه من الرّكوع (1). وأما فعله؛ فقال أحمد بن أَصْرم المُزَني: رأيتُ أبا عبد الله يرفع يديه في كلّ خفض ورفع يحاذي منكبيه. وقال الحسن بن محمد الأنماطي: رأيت أبا عبد الله إذا كبّر في الصلاة رفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، وإذا أراد أن يركع فعل مثل ذلك، وإذا رفع رأسه من الرّكوع. وبهذا قال مالك والشافعي وإسحاق (2). والروايةُ الثانية: يرفعهما حتى يحاذي أذنيه، نصّ عليه في مواضع من قوله وفعله: أما قوله؛ فقال في رواية الفضل بن زياد: ــ وقيل له: إلى أيّ موضع يرفع يديه؟ ــ قال: إلى فروع الأذنين. وقال في رواية أبي الحارث ــ وقد سأله إذا افتتح الصلاة إلى أين يرفع يديه؟ ــ قال: يرفعهما إلى فروع أذنيه، وقال: الذي اختار له أن يجاوز بهما أذنيه، وقال: أذهبُ فيه إلى حديث [ق 96] النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنّه رفع يديه حتى يجاوز بهما أذنيه. قال: ورأيت أبا عبد الله إذا افتتح الصلاة رفع يديه حتى _________ (1) «مسائل صالح» (549)، و «مسائل ابن هانئ»: (1/ 50). وجاء أيضًا في «مسائل الكوسج» (187). (2) انظر «الأم»: (2/ 238)، و «الأوسط»: (3/ 73)، و «المغني»: (2/ 137 - 138)، ومسائل الكوسج لأحمد وإسحاق (187).

(1/285)


يجاوز بهما أذنيه. وقال في رواية حرب ــ وقد سأله إلى أين يرفع عند الافتتاح؟ ــ فقال: إلى فروع الأذنين على حديث مالك بن الحويرث. وأما فعله؛ فقال الفضل بن زياد: رأيتُ أحمد ... (1) يرفع يديه حتى يحاذي بهما أذنيه إذا افتتح الصلاة، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الرّكوع. وقال أبو طالب: رأيت أحمد يرفع يديه في الصلاة إذا افتتح الصلاة، وإذا ركع، وإذا قال: «سمع الله لمن حمده» إلى فروع أذنيه، وربما رفع إلى منكبيه، وربما رفعهما إلى صدره، ورأيت الأمر عنده واسعًا (2). وقال أبوالحارث: رأيت أبا عبد الله يرفع (3) حتى يحاذي بهما أذنيه (4). وهذه الرواية ..... (5). قال في كتاب «الخلاف» (6): تواترت الرّواية [عن أبي عبد الله من قوله و] فِعْله: أن الأحبّ إليه إلى فروع يعني أذنيه، [وإن رفعهما إلى _________ (1) كلمتان لم تظهرا. (2) وذكر ابن رجب في «فتح الباري»: (4/ 313) عن حرب الكرماني نحو هذه الرواية. (3) صحح عليها في الأصل. (4) ونقله من فعله أيضًا أبو داود في مسائله (234). (5) طمس بالأصل مقدار خمس كلمات. (6) لعلماء الحنابلة عدة كتب تسمى بـ «الخلاف»، أشهرها للقاضي أبي يعلى، ويسمى «الخلاف الكبير» و «التعليق». وقد وجد منه عدة قطع، وحقق في رسائل جامعية. وكذلك «كتاب الخلاف» لأبي بكر عبد العزيز غلام الخلال (ت 371).

(1/286)


المنكبين] (1) فهو عنده جائز، وبهذا قال أبو حنيفة. والرواية الثالثة: أنه بالخيار إن شاء رفع إلى المنكبين، وإن شاء إلى الأذنين. نصَّ عليه في رواية أبي طالب فقال: من شاء إلى المنكبين، ومن شاء إلى الأذنين. روى مالك بن الحُويرث: إلى فروع الأذنين، وروى ابن عمر: حتى يحاذي منكبيه كلما ... (2) فظاهر هذا أنهما سواء في الفضل عنده، وهو اختيار الخِرَقي؛ لأنه قال: «ويرفع يديه إلى فروع أذنيه أوإلى حذو منكبيه» (3) فخيَّر. واختاره أبو حفص (4)، فإنه قال: في ذلك روايتان، ثم قال: وكلاهما موافق للسنة. قال أبو بكر بن المنذر (5): وبه قال بعض أصحاب الحديث. _________ (1) ما بين المعكوفات طمس في الأصل وبياض في (ف)، ولعله ما استظهرت مما بقي من أثر الكلام أويدل عليه السياق. (2) مقدار كلمتين لم تظهرا. وقد مضى تخريج الحديثين. (3) «مختصر الخرقي»: (1/ 136 - مع المغني). (4) هو: عمر بن إبراهيم بن عبد الله العكبري أبو حفص الحنبلي (ت 387) من أئمة المذهب، له تصانيف منها «المقنع»، و «الخلاف بين مالك وأحمد»، و «شرح الخرقي». انظر «طبقات الحنابلة»: (3/ 291 - ط العثيمين). وآخر في علماء المذهب يوافق هذا المذكور في الاسم والكنية وسنة الوفاة، وهو: عمر بن أحمد بن إبراهيم البرمكي أبو حفص (ت 387) له «المجموع»، و «شرح بعض مسائل الكوسج». انظر «طبقات الحنابلة»: (3/ 273 - ط العثيمين). (5) في «الإشراف»: (1/ 6)، وقال في «الأوسط»: (3/ 73): «والذي أرى أن يرفع المصلي يديه إلى المنكبين؛ لحديث ابن عمر، ولا شيء على من رفع يديه إلى حذاء= = أذنيه ... وقال بعض أصحابنا: المصلي بالخيار إن شاء رفع يديه إلى المنكبين وإن شاء إلى الأذنين. قال أبو بكر: وهذا مذهب، إذ جائز أن يكون هذا من اختلاف المباح» اهـ.

(1/287)


ثم قال: وهذا مذهبٌ حسن، وأنا إلى حديث ابن عمر أَمْيَل». انتهى كلامه (1). قلت: وقد حكى الغزالي عن الشافعي ثلاثة أقوال (2)، وأنكرها عليه غير واحد، قالوا: ومذهبه أن يحاذي بأطراف أصابعه أعلى أذنيه، وبإبهاميه شَحْمتي أذنيه، وبكفيه منكبيه. قالوا: وهذا معنى قول الشافعي. قال أصحابُ الأذنين: روى مالك بن الحُويرث: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا كبّر رفع يديه حتى يحاذي بهما أذنيه، وإذا ركع رفع يديه حتى يحاذي بهما أذنيه، وإذا رفع رأسه من الركوع، وقال: «سمع الله لمن حمده» فَعَل مثل ذلك (3). رواه مسلم في «صحيحه» (4) أيضًا عن وائل بن حُجر أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - رفع يديه ــ حين دخل في الصلاة وكبر ــ حيال أذنيه. _________ (1) أي كلام ابن المنذر. (2) في «الوجيز»: (1/ 475 - مع شرحه للرافعي). وقال الرافعي: إن الغزالي تفرَّد بهذا القول. وانظر «المجموع»: (3/ 305). (3) سبق (ص 15). (4) (401) وسبق (ص 16).

(1/288)


وفي «مسند أحمد» (1) عن البراء بن عازب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه حتى يكون إبهاماه حذو أذنيه. [ق 97] وفي «المسند» (2) أيضًا عن عبد الله بن الزبير قال: رأيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - افتتح الصلاة فرفع يديه حتى حاذتا أذنيه. قالوا: وهذه الرواية راجحة على رواية الرفع إلى المنكبين؛ لاشتمالها على زيادة، فيجب قبولها. قال أصحاب المَنْكِبين: ثبت في «الصحيحين» (3) عن ابن عمر قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام إلى الصلاة رفع يديه حتى تكونا بحذو منكبيه ثم يكبِّر، فإذا أراد أن يركع رفعهما مثل ذلك، وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك وقال: «سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد». وفي «سنن أبي داود» (4) عن وائل بن حُجر أنه أبصر النبي - صلى الله عليه وسلم - حين قام إلى الصلاة رفع يديه حتى كانتا بحيال منكبيه وحاذى بإبهاميه أذنيه، ثم كبر. وفي «سنن أبي داود» والترمذي عن أبي حُميد الساعدي أنه قال في عشرة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنا أعلمكم بصلاته، كان إذا قام إلى الصلاة _________ (1) (18678). (2) (16099). (3) سبق (ص 12 - 13). (4) تقدم.

(1/289)


اعتدل قائمًا، ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه. قالوا: صدقت (1). قال الترمذي: حديث حسن صحيح. قالوا: وقد روى الرفع إلى المنكبين عليٌّ، وأبو هريرة، وحديثهما في «سنن أبي داود» (2). قالوا: وهذه النصوص راجحة بقوّتها وصحّتها على الرواية إلى الأذنين. قاله إسحاق وابن المديني، ولذلك [اتفق البخاري] (3) ومسلم على إخراج بعضها، ولم يخرج البخاري في «صحيحه» الرفعَ إلى الأذنين، وإنما انفرد به مسلم. قالوا: ورواتها أكثر، لأنهم عليّ وأبو هريرة وابن عمر، وأبو حُميد في عشرة من الصحابة. ثم إنهم من أكابر الصحابة، وكان موضعهم من النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أقرب، وملازمتهم له أكثر، فيكونون أحفظ وأضبط من غيرهم، ويعلم أنَّ ما نقلوه هو الغالب على فعله - صلى الله عليه وسلم -، ومالك بن الحويرث، ووائل بن حُجر وَفَدا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم رجعا إلى مكانهما ولم يكن لهما ملازمةُ عليٍّ وابنِ عمر وأبي هريرة وأبي حُميد في عشرة من الصحابة. ثم قد اخْتُلف عنهما وعن البراء في ذلك، ففي «مسند أحمد» (4) عن _________ (1) سبق تخريجه (ص 24). (2) (744)، (738). (3) مطموس في الأصل وبدت بعض آثاره، واجتهد في (ف) فأثبتها: «لم يتفق البخاري» ولم يوفق لا من حيث قراءة النسخة ولا من حيث المعنى. (4) (18850).

(1/290)


وائل: أتيتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت: لأنظرنّ كيف يصلي، فاستقبل القبلة فكبر فرفع يديه حتى كانتا حذو منكبيه. وفيه (1) أيضًا عن مالك بن الحُويرث: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا كبر رفع يديه حتى يجعلهما قريبًا من أذنيه، وفي لفظٍ للدارقطني: «حذو منكبيه». وفي «سنن سعيد بن منصور» عن البراء بن عازب قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين افتتح الصلاة كبر ورفع يديه حذو منكبيه. قالوا: فاختلفت الروايات عن هؤلاء، ولم تختلف [ق 98] الرواية عن ابن عمر وأبي هريرة وعلي و [أبي حميد، فالأخذ بها أولى]. قال المخيّرون: ثبت عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كلا الأمرين، فالأَولى اتباع جميع الأحاديث، و تخيير المصلي بين الأمرين، ولا وجه لردِّ الأحاديث بعضها ببعض، كما يُخَيّر بين أنواع الأذان، والاستفتاح، وأنواع الوتر، وأنواع التشهّدات، فهذا الواجب في العمل بالسنن. قال الجامعون: يمكن الجمع بين الرِّوايات كلّها وعدم التعارض بينها، فمن ذكر المنكبين أراد أصول الأصابع، ومن ذكر فروع الأُذنين أراد رؤوسها، ومن ذكر حِيال الأذنين أراد وسط الكفّ، فمن رفع يديه كذلك فقد رفعهما إلى فروع أذنيه وإلى منكبيه وإلى حيال أذنيه. وحُكِيَ هذا _________ (1) (20531).

(1/291)


الجمع عن الشافعي وغيره (1)، والأمرُ قريب. والله أعلم. المسألة التاسعة: رفع اليدين في الفَرْض والنّفْل سواء، ولا خلاف فيه عند القائلين به، إذ الأصل التسوية (2). المسألة العاشرة: يستحبُّ الرفع لمن صلى جالسًا، كما يستحبّ لمن صلى قائمًا، صرَّح به أصحاب أحمد والشافعي (3). الحادية عشر (4): إذا نسي الرفعَ حتى فات محلُّه لم يأت به بعده؛ لأنه سُنَّة فاتَ محلّها، فهي كالاستفتاح والاستعاذة إذا نسيهما، وكذلك إذا نسي الرَّمَل في الأشواط الثلاثة الأُول لم يأت به فيما بعدها، وكذلك كلُّ سنة فات محلُّها (5). الثانية عشر: [إذا عَجَز عن] (6) الرَّفع المسنون فَعَل منه ما يمكنه، فإن لم يمكنه إلا بزيادة عليه رفع يديه وإن جاوزه؛ لأنه لا يمكن أن يأتي بالسنة إلا بزيادة فاغْتُفِرَت (7). _________ (1) ذكره الروياني (ت 502) في «بحر المذهب»: (2/ 126). (2) ينظر «المغني»: (2/ 139). (3) انظر «الأم»: (2/ 239)، و «المجموع»: (3/ 309). (4) كذا إلى آخر المسائل «عشر» وقد تعوّد المصنف كتابتها كذلك، كما هو ثابت بخطه في «طريق الهجرتين». والوجه: «عشرة». (5) انظر «الأم»: (2/ 252)، و «المغني»: (2/ 138). (6) مطموس في الأصل، ولعله ما أثبته. (7) انظر «الأم»: (2/ 238)، و «المغني»: (2/ 139).

(1/292)


الثالثة عشر: إذا عَجَز عن رفع إحدى يديه رفع الأخرى، وكذلك إذا كان أقطع، لأن المَعْجوز [عنه] إذا سقط في الواجب ففي المستحبِّ أولى (1). الرابعة عشر: إذا رفعهما من الرّكوع واعتدل قائمًا، فهل يرسلهما في حال قيامه أو يأخذ شماله بيمينه؟ قال صالح بن أحمد: قلت لأبي: كيف يضع الرّجل يديه بعدما يرفع رأسه من الرّكوع أيضع اليمنى على شماله أم يسدلها؟ فقال: أرجو أن لا يضيق ذلك إن شاء الله (2). قال القاضي: فظاهر هذا أنه مُخيَّر في الوضع والإرسال، فإن اختار الوضع جاز؛ لأنها حالةُ قيامٍ (3) في الصلاة فأشبه ما قبل الرّكوع، وإن اختار الإرسال جاز؛ لأنّها حاله بعد الرُّكوع، أشبه حالة السجود والجلوس. الخامسة عشر: إذا قرأ سجدةً فسجد، هل يرفع يديه عند انحطاطه للسجود؟ فيه عن أحمد روايتان: أحدهما: لا يرفعهما. قال الأثرم: ذكرتُ لأبي عبد الله الرّجل يقرأ السّجدة ويرفع يديه إذا أراد السجود، فلم يعرفه. وقال أبو طالب: قلت لأحمد: إذا قرأ السجدة وهو في الصلاة فسجد، يرفع يديه؟ قال [ق 99]: نعم (4). _________ (1) «الأم»: (2/ 239)، و «المغني»: (2/ 139). (2) «مسائل صالح» (615). (3) (ف): «قيامه». (4) ونقله أبو داود في «مسائله» (452) من فِعْله قال: «رأيت أحمد إذا أراد أن يسجد في سجود القرآن في الصلاة رفع يديه حذاء أذنيه ثم هوى ساجدًا».

(1/293)


وجه الأولى: أنه تكبير [للسجود] فلم يُسنّ له الرّفع، كالسجود الرّاتب في الصلاة. ووجه الثانية: أنها [تكبيرة] في محلّ القراءة، وذلك قبل الرّكوع، فهي مفعولة (1) في محلٍّ تدرك [بإدراكه] الرّكعة، ولأنه تكبير لسجود القرآن فسُنَّ الرَّفع فيه كخارج الصلاة. ومذهب أصحاب الشافعيّ أنه لا يستحبّ الرّفع في الصلاة (2). السادسة عشر: إذا قنتَ في الوتر وفرغ وكبّر للسجود، فهل يرفع يديه؟ قال أبو داود (3): رأيت أحمد إذا فرغ من القنوت وأراد أن يسجد رفع يديه كما يرفعهما عند الرّكوع. وقال حُبَيش (4) بن سِنْدي: إن أبا عبد الله لما أراد أن يسجد في قنوت الوتر رفع يديه. قال القاضي: ووجه هذا أن القنوت ذِكْرٌ طويل يُفْعَل حالَ القيام فهو كالقراءة، وقد ثبت أنه يرفع للتكبير عقيب القراءة، فكذلك التكبير عقيب القنوت. _________ (1) (ف): «معقولة» خطأ. (2) انظر «المجموع»: (4/ 63) وعلل ذلك بأن اليد لا ترفع في الهوي إلى السجود. (3) «مسائل أبي داود» (474). (4) الأصل و (ف): «حنين» تحريف، وهو: حبيش بن سندي، من كبار أصحاب أحمد، وله عنه مسائل. ترجمته في «تاريخ بغداد»: (8/ 272)، و «طبقات الحنابلة»: (1/ 390).

(1/294)


السابعة عشر: يستحبّ رفع اليدين في صلاة الكسوف والاستسقاء والجنازة والعيدين. قال في رواية المرُّوذي، وجعفر بن محمد: يرفع اليدين إذا افتتح، وإذا ركع، وإذا رفع رأسَه، وكذلك الفطر والأضحى والجنازة، وقد نصّ في رواية أبي طالب على أنه إذا قرأ السجدة في الصلاة فسجد يرفع يديه، وقد تقدم (1). وذكر الأثرم في «سننه» عن [ابن عمر أنه كان] يرفع يديه مع كل تكبيرة في الجنازة والعيد، وهذا مذهب الشافعي (2). وذكر الدارقطنيّ (3) أن مروان أرسل إلى ابن عباس يسأله عن سنة الاستسقاء؟ فقال: سنة الاستسقاء سنة الصلاة في العيدين. وقد ثبتَ عن الصحابة رفع اليدين في تكبيرات العيدين. الثامنة عشر: هل يستحبّ للمرأة رفع اليدين؟ فيه قولان للعلماء: أحدهما: أنه يُسنّ لها ذلك كالرّجل، وبه قال مالك والأوزاعي والشافعي (4) وأحمد في إحدى الروايتين عنه (5)، فإنه قال في رواية حنبل ــ وقد سأله: ترفع المرأة في الركوع والسجود كما يرفع الرجل؟ ــ قال: _________ (1) في المسألة السابقة. (2) انظر «الأم»: (2/ 239). (3) «السنن»: (2/ 66). (4) انظر «الأم»: (2/ 229). (5) انظر «التمام»: (1/ 154)، و «المغني»: (2/ 139).

(1/295)


نعم، ولا ترفع كالرّجل، دون ذلك (1). ووجه هذا عموم الأدلة المسوِّية بين الرّجل والمرأة. وروى سعيد بن منصور عن أمّ الدرداء: أنها كانت ترفع يديها في الصلاة حَذْو منكبيها (2). والقول الثاني: أنه لا يُسنّ لها ذلك، وهو الرواية الثانية عن أحمد، فإنه نقل عنه يوسف بن موسى، وأحمد بن حسين بن حسّان: في المرأة ترفع يديها إذا ركعت وإذا رفعت؟ فقال: ما سمعنا بل الرّجل، فإن فعلت فلا بأس. قال القاضي: وظاهر هذا أنّه رآه فِعلًا جائزًا، ولم يره مسنونًا في حقِّها؛ لأنَّه قال: ما سمعنا، أي: [ق 100] ما سمعناه مسنونًا. قلت: [وهناك رواية] (3) عن أحمد ذكرها القاضي في «جامعه» وأبو البركات [في «شرحه» (4)، قال] أبو البركات: رواية حنبل أنها ترفع دون رفع الرَّجُل [إلى] نحو الثديين. قال: وبه قال حماد وأبو حنيفة ... (5)، وهو أوسط الأقوال وأقرب إلى رفع محذوري التجافي وحرمانها هذه السنة. _________ (1) ونحوه من التفريق قاله في سجود المرأة وجلوسها. قال أبو داود في «مسائله» (360): «سألت أحمد عن المرأة كيف تسجد؟ قال: تضم فخذيها. قلت لأحمد: فجلوسها مثل جلوس الرجل؟ قال: لا». (2) أخرجه ابن أبي شيبة (2485) من طريق إسماعيل بن عياش بسياق أتم من هذا. وتقدم (ص 36). (3) طمس بمقدار كلمتين، لعله ما أثبت. (4) هو شرح الهداية، سبق التعريف به. (5) كلمة مطموسة وتحتمل: الثوري.

(1/296)


قلت: وقد قال عاصم الأحول: رأيت حفصة بنت سيرين تصلي، فإذا ركعت رفعت يديها عند ثدييها (1). وحجَّة من لم يستحبّ لها الرَّفع: أن المرأة تخالف الرّجل في الهيئات، ولهذا لا تجافي ولا تفترش ولا ترفع صوتها بتكبير ولا قراءة، فكذلك رفع اليدين. ومن استحبَّه أجاب عن هذا بأن زمن التجافي والافتراش يطول، بخلاف زمن رفع اليدين فإنه يسير جدًّا، فهو بمنزلة حركة سائر بدنها، وهذا أرجح، والله أعلم. ولنقتصر على هذا القَدْر بعد الاعتذار ــ لمن عساه يقف على هذا الكتاب ــ بقلّة البضاعة، وتشتُّت العَزَمات، وكثرة الصوارف عن حقِّ العلم وموجبه، وقلة الأعوان وكثرة المعارضات، وكلٌّ من هذه مُعادٍ للعلم ولطلبه. فما كان في هذا الكتاب من خطأٍ وزلل؛ فمن نفسي ومن الشطان، والله بريء منه ورسوله. وما كان فيه من صواب؛ فمن الله وحدَه وهو المانُّ به، والمُلْهِم له، والمُعِين عليه، والفاتح لأبوابه، والميسِّر لأسبابه، ولم أقصد فيه إلا نُصرة الحق دون التعصّب واتباع الهوى، فإنهما يصدَّان عن الحقّ، ويحرمان الأجر، ويبعدان عن الله ورسوله، ويوجبان مقته، ويخرجان صاحبهما عن درجة الوراثة النبوية، ويدخلانه في أهل الأهواء والعصبية. _________ (1) أخرجه ابن أبي شيبة (2490).

(1/297)


والله المسؤول أن يوفّقنا وسائر إخواننا لما يحبُّه ويرضاه من القول والعمل، والنية والهدى، إنَّه قريب مجيب، والحمد لله ربّ العالمين (1). _________ (1) في خاتمة الأصل: «تم كتاب رفع اليدين تأليف شيخنا الإمام العلامة شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أبي بكر الزرعي المعروف بابن قيم الجوزية، أمتع الله بفوائده ورضي الله عنه، في يوم الاثنين منتصف شعبان سنة أربعين وسبعمائة بمدينة حلب حرسها الله تعالى وسائر بلاد الإسلام. ونقلت هذه النسخة إلا يسيرًا منها وهو دون خمس ورقات من أصل المؤلف الذي بخطه، وقوبلت به». وجاء في آخر (ف): «بلغ مقابلة وتصحيحًا على نسخةٍ كثيرة البياض جدًّا، فإن حُصّل نسخة سالمة من البياض، فليعد التصحيح. سنه 1338».

(1/298)


 فهرس المصادر

- أبجد العلوم، للقنوجي، تصوير دار الكتب العلمية. - ابن القيم وجهوده في خدمة السنة، لجمال السيد، الجامعة الإسلامية 1424 هـ. - ابن قيم الجوزية، حياته آثاره موارده، لبكر بن عبد الله أبو زيد، دار العاصمة، ط الأولى 1416 هـ. - إتحاف المهرة بأطراف المسانيد العشرة، لابن حجر، ت عدة محققين، مجمع الملك فهد. - الأحاديث التي خولف فيها مالك، للدارقطني، ت رضا أبو شامة، مكتبة الرشد 1418 هـ - أحاديث مختارة، للذهبي، ت الفريوائي، مكتبة الدار 1404 هـ. - الإحسان في ترتيب صحيح ابن حبان، لابن بلبان، ت شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة. - الإحكام في أصول الأحكام، لابن حزم، ت أحمد شاكر، دار الآفاق 1408 هـ. - أحوال الرجال، للجوزجاني، ت عبدالعليم البستوي. - أخبار مكة، للفاكهي، ت ابن دهيش، الطبعة الرابعة، 1414 هـ - اختلاف أقوال مالك، لابن عبدالبر، ت حميد لحمر وموراني، دار الغرب الإسلامي 2003 م. - اختلاف العلماء، للمروزي، ت صبحي الصالح، دار الكتب العلمية 1407 هـ. - الإرشاد في معرفة علماء الحديث، للخليلي، ت محمد إدريس، مكتبة الرشد، الأولى 1409 هـ. - الاستذكار في شرح مذاهب علماء الأمصار، لابن عبد البر، دار الكتب العلمية 1419 هـ.

(1/371)


- الاستيعاب في معرفة الأصحاب، لابن عبد البر، ت البجاوي، مكتبة نهضة مصر. - الإشراف على مذاهب أهل العلم، لابن المنذر، - الإصابة في تمييز الصحابة، لابن حجر، ت البجاوي، دار الجيل، الأولى 1412 هـ. - الاعتبار في الناسخ والمنسوخ، للحازمي، ت أحمد طنطاوي، دار ابن حزم 1422 هـ. - الأعلام، للزركلي، دار العلم للملايين، الطبعة الثامنة 1408 هـ. - إعلام الموقعين عن رب العالمين، لابن القيم، ت مشهور سلمان، دار ابن الجوزي 1423 هـ. - الإكمال، لابن ماكولا، ت المعلمي، دائرة المعارف العثمانية. تصوير دار الكتب العلمية، الأولى 1411 هـ. - إكمال تهذيب الكمال، لعلاء الدين مغلطاي، ت عادل بن محمد ورفيقه، الفاروق الحديثة، الطبعة الأولى 1422 هـ. - ألفاظ الجرح القليلة والنادرة الاستعمال، سعدي الهاشمي، المطبعة السلفية بمصر. - الأم، لمحمد بن إدريس الشافعي، ت رفعت فوزي، دار الوفاء، الأولى 1422 هـ. - الإنابة إلى معرفة المختلف فيهم من الصحابة، لمغلطاي، ت قسم التحقيق بدار الحرمين، مكتبة الرشد، الأولى 1420 هـ. - الانتقاء في فضائل الأئمة الثلاثة الفقهاء، لابن عبدالبر، ت أبو غدة، مكتب المطبوعات الإسلامية 1422 هـ. - الأوسط، لابن المنذر، ت صغير حنيف، دار طيبة 1405 هـ. - بحر الدم فيمن تكلم فيه الإمام أحمد بمدح أو ذم، لابن عبد الهادي، ت وصي الله عباس، دار الراية، الأولى 1409 هـ. - بحر المذهب، للروياني، ت أحمد الدمشقي، دار إحياء التراث العربي 1423 هـ.

(1/372)


- بدائع الصنائع، للكاساني، دار الكتب العلمية. - بدائع الفوائد، لابن القيم، ت علي العمران، دار عالم الفوائد 1423 هـ. - البداية والنهاية، لابن كثير، ت التركي، دار هجر، الطبعة الأولى 1417 هـ. - البدع والنهي عنها، لابن وضاح، ت محمد دهمان، دار الصفا 1411 هـ. - البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع، للشوكاني، تصوير مكتبة ابن تيمية. - البدر المنير تخريج أحاديث الرافعي الكبير، لابن الملقن، ت جماعة، دار الهجرة، الأولى 1425 هـ. - بيان الوهم والإيهام الواقعين ي كتاب الأحكام، لابن القطان الفاسي، ت آيت سعيد، دار طيبة 1418 هـ. - تاج التراجم، لابن قطلوبغا، ت محمد خير رمضان، دار القلم 1416 هـ. - تاريخ الإسلام ووفيات مشاهير الأعلام، للذهبي، ت بشار عواد، دار الغرب الإسلامي. - تاريخ الإسلام ووفيات مشاهير الأعلام، للذهبي، ت عمر تدمري، دار الكتاب العربي. - التاريخ الأوسط، للبخاري، ت الثمالي وأبو حيمد، مكتبة الرشد 1426 هـ. - التاريخ الكبير، للبخاري، ت المعلمي، دائرة المعارف العثمانية. - تاريخ بغداد، للخطيب البغدادي، دار الكتب العلمية. - تاريخ دمشق , لابن عساكر , ت العمروي، دار الفكر. - تاريخ دمشق، لأبي زرعة الدمشقي، ت شكر الله القوجاني، مصورة عن طبعة المجمع العلمي بدمشق - تاريخ عباس الدوري، ت نور سيف، مركز البحث العلمي وإحياء التراث بجامعة أم القرى 1399 هـ. - تاريخ عثمان الدارمي، ت نور سيف، مركز البحث العلمي وإحياء التراث بجامعة أم القرى 1400 هـ.

(1/373)


- التحبير في المعجم الكبير، للسمعاني، ت ناجية إبراهيم، المجمع العلمي العراقي. - تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف، للمزي، ت عبدالصمد شرف الدين، الدار القيمة 1408 هـ. - التحقيق في أحاديث الخلاف، لابن الجوزي، ت مسعد السعدني ورفيقه دار الكتب العلمية 1415 هـ. - تذكرة الحفاظ، للذهبي، ت المعلمي، دائرة المعارف الإسلامية، تصوير إحياء التراث العربي. - التصريح بما تواتر في نزول المسيح، للكشميري، ت عبدالفتاح أبو غدة، مكتب المطبوعات الإسلامية 1401 هـ. - تغليق التعليق، لابن حجر، ت القزقي، المكتب الإسلامي 1405 هـ. - تفسير عبدالرزاق الصنعاني، ت مصطفى مسلم، مكتبة الرشد 1410 هـ. - تقريب التهذيب، لابن حجر العسقلاني، ت عوامة، دار ابن حزم، الطبعة الأولى 1420 هـ. - التقييد لرواة السنن والمسانيد، لابن نقطة، مصورة عن دائرة المعارف العثمانية. - التقييد والإيضاح، للعراقي، ت الطباخ، دار الحديث. - التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير، للحافظ ابن حجر العسقلاني، ت شعبان إسماعيل، تصوير مكتبة ابن تيمية. - التمهيد شرح الموطَّأ، لابن عبد البر، ت سعيد أعراب ورفاقه، وزارة الأوقاف بالمغرب. - تنقيح التحقيق، للذهبي، ت أبو الغيط، دار الوطن 1421 هـ. - التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل، للمعلمي، ت الألباني، مكتبة المعارف 1406 هـ. - تهذيب الأسماء واللغات، للنووي، دار الكتب العلمية.

(1/374)


- تهذيب التهذيب، لابن حجر العسقلاني، دائرة المعارف العثمانية 1423 هـ. - تهذيب الكمال، لجمال الدين المزي، ت بشار عواد، مؤسسة الرسالة الطبعة الأولى 1418 هـ. - تهذيب سنن أبي داود، لابن القيم، ت إسماعيل مرحبا، مكتبة المعارف الرياض 1427 هـ. (ونسخة خطية محفوظة بالمحمودية). - تهذيب المدونة، للبراذعي، ت المزيدي، دار البحوث بدبي 1422 هـ. - توضيح المشتبه، لابن ناصر الدين الدمشقي، ت نعيم العرقسوسي، مؤسسة الرسالة، الأولى 1412 هـ. - الثقات، لابن حبان البستي، دائرة المعارف العثمانية. - الجامع، لأبي عيسى الترمذي، ت: أحمد شاكر و محمد فؤاد عبد الباقي، دار الكتب العلمية 1413 هـ. - جامع بيان العلم وفضله، لابن عبدالبر، ت الزهيري، دار ابن الجوزي 1416 هـ. - جامع البيان في تفسير آي القرآن، لمحمد بن جرير الطبري، ت عبد الله التركي بالتعاون مع دار هجر، ط الأولى 1423 هـ. - جامع الشروح والحواشي، للحبشي، المجمع الثقافي أبو ظبي 1425 هـ. - الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1408 هـ. - جذوة المقتبس، للحميدي، ت محمد الطنجي، دار الخانئي بمصر بدون تاريخ. - الجرح والتعديل، لابن أبي حاتم الرازي، ت المعلمي، دائرة المعارف العثمانية. - حاشية ابن عابدين، دارالمعرفة 1420 هـ. - الحاوي الكبير، للماوردي، ت علي معوض ورفيقه، دار الكتب العلمية 1414 هـ. - حلية الأولياء، لأبي نعيم الأصبهاني، دار الكتب العلمية. - الخلاصة في أحاديث الأحكام، للنووي، ت حسين الجمل، مؤسسة الرسالة 1418 هـ.

(1/375)


- الدرر الكامنة في أعيان المئة الثامنة، لابن حجر، ت كرنكو، تصوير دار الكتب العلمية. - ديوان صفي الدين الحلي، دار صادر. - ذكر أخبار أصبهان، لأبي نعيم، ت كسروي حسن، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1410 هـ. - ذم الكلام، للهروي، ت الأنصاري، مكتبة الغرباء 1419 هـ. - الذيل على طبقات الحنابلة، لابن رجب، ت عبدالرحمن العثيمين، مكتبة العبيكان 1423 هـ. - الرسالة، للشافعي، ت أحمد شاكر، تصوير دار الكتب العلمية. - رفع اليدين، للبخاري، تخريج بديع الدين السندي، دار ابن حزم ط الأولى 1416 هـ. (ونسخة خطية عتيقة محفوظة بالظاهرية). - روضة الطالبين، للنووي، إشراف زهير الشاويش، المكتب الإسلامي 1412 هـ. - زاد المعاد في هدي خير العباد، لابن القيم، ت شعيب وعبدالقادر الأرناؤوط، موسسة الرسالة 1406 هـ. - سؤالات أبي عبيد الآجري لأبي داود السجستاني، للآجرِّي، ت عبد العليم البستوي، مؤسسة الريان، الأولى 1418 هـ. - سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة، للألباني، مكتبة المعارف، الأولى 1422 هـ. - مسند الدارمي، ت حسين أسد، دار المغني وابن حزم، 1421 هـ. - سنن الدارقطني، نشر عبد الله هاشم يماني، بهامشه التعليق المغني للعظيم آبادي، دار الكتب العلمية. - سنن أبي داود، ت عزت عبيد الدعاس، دار الحديث 1388 هـ. - السنن الصغرى، للنسائي، ترقيم أبو غدة بحاشية السيوطي و السندي. مكتب المطبوعات الإسلامية، ط الثالثة 1414 هـ.

(1/376)


- السنن الكبرى، للبيهقي، دائرة المعارف العثمانية، تصوير دار المعرفة. - السنن الكبرى، للنسائي، ت حسن شلبي، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى 1421 هـ. - سنن ابن ماجه، ترقيم محمد فؤاد عبدالباقي، دار الريان للتراث. - سير أعلام النبلاء، للذهبي، مؤسسة الرسالة، الطبعة السادسة 1409 هـ. - السيرة النبوية، لابن هشام، ت السقا ورفاقه، البابي الحلبي 1375. - شذرات الذهب في أخبار من ذهب، لابن العماد، دار الفكر. - شرح اعتقاد أهل السنة، لللالكائي، ت أحمد سعد حمدان، دار طيبة 1402 هـ. - شرح الألفية، للعراقي، ت أحمد شاكر، مكتبة السنة. - شرح سنن أبي داود، للعيني، ت خالد المصري، مكتبة الرشد 1420 هـ. - شرح صحيح مسلم، للنووي، المطبعة المصرية بالأزهر، الأولى 1347 هـ. - شرح مشكل الآثار، للطحاوي، ت شعيب الأرناووط، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثانية 1427 هـ. - شرح معاني الآثار، للطحاوي، دار الكتب العلمية، الثانية 1407 هـ. - شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد، ت محمد أبو الفضل، دار إحياء الكتب العربية. - شرف أهل الحديث، للخطيب، ت - الشريعة، للآجري، ت الدميجي، دار الوطن 1417 هـ. - شعار أصحاب الحديث، أبو أحمد الحاكم. - شعب الإيمان، للبيهقي، ت عبدالعلي عبدالحميد، مكتبة الرشد 1423 هـ. - الصحاح، للجوهري، ت عطار. - صحيح ابن خزيمة، ت محمد مصطفى الأعظمي، المكتب الإسلامي، الطبعة الأولى 1395 هـ. - صحيح البخاري (مع الفتح)، ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي.

(1/377)


- صحيح مسلم، ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث. (ونسخة ابن خير الإشبيلي بالمغرب). - الصِّلة، لابن بشكوال، ت عزت الحسيني، مكتبة الخانجي، الطبعة الثانية 1414 هـ. - الضعفاء والمتروكون، لابن الجوزي، ت القاضي، دار الكتب العلمية. - الضعفاء والمتروكون، للنسائي، ت زايد، دار الكتب العلمية. - الضعفاء، للدارقطني، ت موفق عبدالقادر، مكتبة المعارف الرياض. - الضعفاء، للعقيلي، ت قلعجي، دار الكتب العلمية 1408 هـ. - الضوء اللامع لرجال القرن التاسع، للسخاوي، مصورة عن طبعة القدسي. - ضوابط الجرح والتعديل، لعبدالعزيز العبداللطيف، مكتبة العبيكان 1426 هـ. - طبقات الحنابلة، لابن أبي يعلى، ت العثيمين، طبع بمناسبة مرور مئة عام على توحيد المملكة، الأولى 1419 هـ. - طبقات الشافعية الكبرى، للسبكي، ت الحلو والطناحي، تصوير دار الكتب العلمية. - طبقات القراء الكبار، للذهبي، ت أحمد خان، مؤسسة الملك فيصل، الأولى 1419 هـ. - الطبقات الكبرى، لابن سعد، ت محمد عمر، دار الخانجي 1423 هـ. - طبقات المفسرين، للداوودي، ت علي محمد عمر، مصر 1392 هـ. - طرح التثريب في شرح التقريب، للعراقي، دار إحياء التراث العربي. - طريق الهجرتين وباب السعادتين، لابن القيم، ت محمد أجمل الإصلاحي، دار عالم الفوائد 1429 هـ. - العبر في خبر من عبر, للذهبي , دار الكتب العلمية 1405 هـ. - العدة في أصول الفقه، لأبي يعلى، ت أحمد سير المباركي، ط الثالثة 1414 هـ. - العزيز شرح الوجيز، للرافعي، ت علي معوض ورفيقه، دار الكتب العلمية.

(1/378)


- العلل، لابن أبي حاتم الرازي، ت جماعة بإشراف سعد الحميد، والجريسي، الأولى 1427 هـ. - العلل ومعرف الرجال، لأحمد بن حنبل، ت وصي الله عباس، دار الخاني 1422 هـ. - العلل، للدارقطني، ت محفوظ الرحمن، دار طيبة. - عمارة القبور - المبيّضة، للمعلمي، ت علي العمران، دار عالم الفوائد. - غاية النهاية في طبقات القراء، لابن الجزري، ت م براجستر، تصوير دار الكتب العلمية. - فتح الباري شرح صحيح البخاري، لابن حجر العسقلاني، بتعليق ابن باز وترقيم عبد الباقي، السلفية 1380 هـ. - فتح الباري شرح صحيح البخاري، لابن رجب الحنبلي، ت طارق عوض الله، دار ابن الجوزي، ط الأولى 1416 هـ. - الفروع، لابن مفلح، ت عبدالله التركي، دار هجر 1424 هـ. - فضائل الصحابة، لأحمد بن حنبل، ت وصي الله عباس، مركز البحث العلمي وإحياء التراث 1403 هـ. - الفقيه والمتفقه، للخطيب البغدادي، ت عادل العزازي، دار ابن الجوزي 1426 هـ. - الفهرس الشامل للتراث العربي المخطوط- الفقه وأصوله، مؤسسة آل البيت للفكر الإسلامي. - فهرسة أبي بكر ابن خير الإشبيلي، ت فرنسشكه قداره زيدين، تصوير مكتبة المثنى ببغداد. - الفوائد البهية في طبقات الحنفية، للكنوي، دار المعرفة. - الكامل في ضعفاء الرجال، لابن عدي، دار الفكر، الطبعة الثالثة 1409 هـ. (ونسخة خطية محفوظة بمكتبة أحمد الثالث بتركيا). - كشف الأستار عن زوائد البزار، للهيثمي، ت الأعظمي، مؤسة الرسالة 1404 هـ.

(1/379)


- كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، للحاج خليفة، دار الكتب العلمية. - الكفاية في علم الرواية، للخطيب البغدادي، دائرة المعارف العثمانية. - الكواكب السائرة في أعيان المئة العاشرة، للغزي، دار الكتب العلمية 1418 هـ. - الكواكب النيرات، لابن الكيال، ت عبدالقيوم بن عبدرب النبي، مركز البحث العلمي وإحياء التراث. - لسان العرب، لابن منظور الإفريقي، دار صادر. - لسان الميزان، لابن حجر العسقلاني، ت أبو غدة، مكتب المطبوعات الإسلامية بحلب، الطبعة الأولى 1423 هـ. - المؤتلف والمختلف، للدارقطني، ت موفق عبدالقادر، دار الغرب الإسلامي 1405 هـ. - المبسوط، للسرخسي، دار الفكر. - المتفق والمفترق، للخطيب، ت الصادق آيدن، مكتبة القادري 1417 هـ. - المجالسة وجواهر العلم، للدينوري، ت مشهور سلمان، دار ابن حزم 1419 هـ. - المجروحين، لابن حبان، ت زايد، دار الوعي بحلب. - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد , للهيثمي، دار الكتب العلمية. - المجموع شرح المهذَّب، ليحيى بن شرف النووي، دار الفكر. - مجموعة الرسائل المنيرية، جمع محمد منير الدمشقي، تصوير دار إحياء التراث العربي. - مجموع فتاوى ابن تيمية، جمع عبدالرحمن بن قاسم وابنه، وزارة الشؤون الإسلامية 1416 هـ. - المحلى شرح المجلى، لأبي محمد بن حزم، ت أحمد شاكر، مكتبة دار التراث. - مختصر الخلافيات للبيهقي، للخمي، ت ذياب عقل، مكتبة الرشد 1417 هـ. - المدخل إلى الإكليل، للحاكم، ت أحمد السلوم، دار ابن حزم 1424 هـ.

(1/380)


- المدخل إلى السنن الكبرى، للبيهقي، ت الأعظمي، أضواء السلف ط الثانية 1420 هـ. - المدخل المفصل إلى فقه الإمام أحمد بن حنبل، لبكر أبو زيد، دار العاصمة 1417 هـ. - المدونة، لابن القاسم، دار الفكر 1411 هـ. - مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، للمباركفوري. - مرويات غزوة بدر، لأحمد باوزير، مكتبة طيبة 1400 هـ. - مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود، ت طارق عوض الله، دار الوطن 1420 هـ. - مسائل الإمام أحمد رواية صالح، إشراف طارق عوض الله، دار الوطن 1420 هـ. - مسائل الإمام أحمد رواية ابنه عبدالله، ت علي المهنا، مكتبة الدار 1406 هـ. - مسائل الإمام أحمد رواية ابن هانئ، ت زهير الشاويش، المكتب الإسلامي 1402 هـ. - المستدرك، للحاكم النيسابوري، مصورة دائرة المعارف العثمانية. - مسند أبي بكر الصديق، لأبي بكر المروزي، ت شعيب الأرناؤوط، المكتب الإسلامي ط الثالثة 1399 هـ. - مسند أبي يعلى، ت إرشاد الحق الأثري، دار القبلة ومؤسسة علوم القرآن 1408 هـ. - مسند أحمد بن حنبل، ت شعيب الأرنووط ورفاقه، مؤسسة الرسالة، ط الأولى. - مسند البزار، ت محفوظ الرحمن الأثري، مكتبة العلوم والحكم، الأولى 1407 هـ. - مسند الحميدي، ت حسين أسد، دار المأمون 1423 هـ. - مسند الروياني، - مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه، للبوصيري، ت الحوت، مؤسسة الكتب الثقافية.

(1/381)


- مصنف ابن أبي شيبة، ت محمد عوامة، دار المنهاج 1426 هـ. - مصنف عبد الرزاق الصنعاني، ت حبيب الرحمن الأعظمي، المكتب الإسلامي 1403 هـ. - معجم البلدان، لياقوت الحموي، دار إحياء التراث 1399 هـ. - المعجم الكبير، للطبراني، ت حمدي عبد المجيد السلفي، مكتبة ابن تيمية. - معجم الكتب، ليوسف بن عبدالهادي، ت يسري البشري، مكتبة ابن سينا 1409 هـ. - معجم المطبوعات العربية في شبه القارة الهندية، أحمد خان، مكتبة الملك فهد الوطنية 1421 هـ. - معجم الموضوعات المطروقة، للحبشي، المجمع الثقافي أبو ظبي 1420 هـ. - معجم شيوخ الذهبي، ت الهيلة، مكتبة الصديق 1408 هـ. - معرفة السنن والآثار، للبيهقي، ت كسروي، دار الكتب العلمية. - معرفة الصحابة، لأبي نعيم الأصبهاني، دار الكتب العلمية 1422 هـ. - المعرفة والتاريخ، للبسوي، ت أكرم ضياء العمري، مكتبة الدار، الطبعة الثانية 1411 هـ. - المغني عن حمل الأسفار، للعراقي، ت عبدالمقصود، أضواء السلف. - المغني في الضعفاء، للذهبي، ت نور الدين عتر، بدون تاريخ أو دار ناشرة. - المغني، لابن قدامة، ت التركي والحلو، عالم الكتب. - العلم، لزهير بن حرب، ت الألباني، المكتب الإسلامي. - المعجم الأوسط، للطبراني، ت محمود الطحان، مكتبة المعارف الرياض. - مسائل الكوسج لأحمد وإسحاق، ت جماعة من المحققين، الجامعة الإسلامية 1425 هـ. - المقاصد الحسنة، للسخاوي، ت الغماري، دار الحديث. - مقاييس اللغة، لابن فارس، ت عبدالسلام هارون، دار الفكر 1399 هـ.

(1/382)


- المقصد الأرشد في ذكر أصحاب الإمام أحمد، لابن مفلح، ت عبدالرحمن العثيمين، مكتبة الرشد 1410 هـ. - من تكلم فيه وهو موثَّق، للذهبي، ت الرحيلي، بدون ناشر 1426 هـ. - المنار المنيف، لابن القيم، ت يحيى الثمالي، دار عالم الفوائد 1426 هـ. - المنتقى من شيوخ ابن رجب، انتقاء عبدالرحمن بن رجب، ت الكندري، دار غراس 1426 هـ. - المنهج الأحمد في ذكر أصحاب الإمام أحمد، للعليمي، ت محمود الأرناؤوط، دار صادر 1418 هـ. - المنهل الصافي والمستوفى بعد الوافي، لابن تغري بردي، ت نبيل عبدالعزيز، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1986 م. - الموضوعات، لابن الجوزي، ت نور الدين بن شكري، مكتبة أضواء السلف 1418 هـ. - موطأ الإمام مالك بن أنس، ت بشار عواد، دار الغرب الإسلامي 1418 هـ. - ميزان الاعتدال، للذهبي، ت البجاوي وابنته، دارالفكر العربي. - نتائج الأفكار في تخريج الأذكار، لابن حجر، ت السلفي، دار ابن كثير 1421 هـ. - النجوم الزاهرة، لابن تغري بردي، دار الكتب العلمية 1413 هـ. - نزهة الخواطر، لعبد الحي الحسني، دار ابن حزم 1420 هـ. - نصب الراية تخريج أحاديث الهداية، للزيلعي، دار الحديث. - النكت على كتاب ابن الصلاح، لابن حجر، ت ربيع مدخلي، الجامعة الإسلامية 1404 هـ. - النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، ت الطناحي ورفيقه، دار الفكر. - النور السافر عن أخبار القرن العاشر، للعيدروس، بدون ناشر. - هجر العلم ومعاقله في اليمن، للقاضي الأكوع، دار الفكر 1414 هـ. - هدية العارفين، لإسماعيل باشا، دار الكتب العلمية.

(1/383)


- الوافي بالوفيات، للصفدي، ت أحمد الأرناؤوط ورفيقه، دار إحياء التراث العربي 1420 هـ. - وفيات الأعيان لابن خلكان، ت إحسان عباس، دار صادر. * * *

(1/384)